ثُم إنهُ صلواتُ اللهِ وسلامُه عَلَيهِ تحركَ متجِهًا إلى مزدلفةَ، وأردفَ معَه أسامةَ بنَ زيدٍ أي: أركَبَ خلفَه أسامةَ بنَ زيدٍ، وهوَ حِبُّ رسولِ اللهِ وابنُ حبِّ رسولِ اللهِ صَلواتُ اللهِ وسلامُه عَلَيهِ، لمَّا اتجَهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مزدلفةَ بعدَ وقوفِه بعرفةَ رأَى مِنَ الناسِ عجلةً في انصرافِهم وتدافُعِهم فكانَ صلواتُ اللهِ وسلامُه عَلَيهِ يحبسُ ناقتَه ويشدُّ وثاقَها حتى إنَّ رأسَ ناقتِه القصواءِ ليصيبُ مورِكَ رحْلِه – يعني- مِن شدةِ جذبِه؛ لأنَّها مندفعةٌ معَ الاندفاعِ الذي حصلَ مِنَ الناسِ إلى مزدلفةِ، كانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجذِبُها حتى لا تنطلقَ في سيرِها خشيةَ أنْ يتضررَ أحدٌ بهَذا الاندفاعِ، وكانَ يقولُ صلواتُ اللهِ وسلامُه عَلَيهِ للناسِ: «يا أيُّها الناسُ علَيكمُ السكينةَ، ليسَ البِرُّ بالإيضاعِ«أي ليسَ البرُّ بالإسراعِ، ولا البرُّ بالوصولِ قبلَ غَيري، إنما البرُّ أنْ تذهبَ وعلَيك السكينةُ وهيَ طمأنينةُ القلبِ التي يترجِمُها هدوءُ المسيرِ، وسكونُ السائرِ في هذا الخضوعِ والخشوعِ في هذهِ العبادةِ للهِ -عَزَّ وجلَّ- في دفعِه مِن عرفاتٍ إلى مزدلفةَ.
وقدْ ذكرَ اللهُ تعالَى هَذا المسيرَ المباركَ فقالَ جلَّ وعَلا:﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ﴾ أي انصرفتُم مِنها،﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾البقرة:198 والمشعرُ الحرامُ هوَ: مزدلفةُ؛ وهيَ أولُ المنازلِ التي ينزلُها الحجاجُ بعدَ انصرافِهم مِن عرفةَ.