×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / العقيدة / رسالة الاستغاثة / الدرس(3) والأخير من قول المؤلف : قالوا من أسمائه تعالى المغيث والغياث

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

" قالوا: من أسمائه تعالى المغيث والغياث وجاء ذكر المغيث في حديث أبي هريرة قالوا واجتمعت الأمة على ذلك، وقال أبو عبد الله الحليمي : الغياث هو المغيث وأكثر ما يقال غياث المستغيثين ومعناه المدرك عباده في الشدائد إذا دعوه ومجيبهم ومخلصهم وفي خبر الاستسقاء في "الصحيحين":"اللهم أغثنا اللهم أغثنا" يقال أغاثه إغاثة وغياثا وغوثا وهذا الاسم في معنى المجيب والمستجيب قال تعالى : {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم} إلا أن الإغاثة أحق بالأفعال والاستجابة أحق بالأقوال وقد يقع كل منهما موقع الآخر". الشيخ رحمه الله أشار بعد أن بين التفصيل في هذا اللفظ وهو قول القائل " لا يستغاث إلا بالله"، وهذا مسلك حميد، وطريق رشيد في تمييز ما يحكم به على الأقوال والألفاظ المحتملة المجلة. يقول رحمه الله " قالوا: من أسمائه تعالى المغيث والغياث"، يحكي ما قاله بعض أهل العلم من أن من أسمائه المغيث والغياث، وهذا على وجه الإطلاق وهو وصف له لكنه فيما يتعلق بالاسم أشار الشيخ رحمه الله إلى مجيئه في حديث أبي هريرة المشهور في ذكر الأسماء+++ أخرجه الترمذي(3507)، وقال :"غريب"، وابن ماجه (3861)، وابن حبان (3/88)،ح(808)، والحاكم (1/62) ح/(41) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (1/115) ح(102) وضعفه الألباني.---، وهو حديث ضعيف، فإن ذكر الأسماء متفق بين أهل العلم على أنه مدرج، وأصله في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة، «إن لله تسعة وتسعين اسما مئة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة»+++ أخرجه البخاري (2736)، ومسلم (2677).---، جاء تفصيل هذه الأسماء فيما رواه الترمذي في "جامعه" وغيره، وهو مدرج من كلام بعض الرواة، ولا يصح مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، من جملة تلك الأسماء المذكورة «المغيث». قال رحمه الله :"وجاء ذكر المغيث في حديث أبي هريرة، قالوا واجتمعت الأمة على ذلك". " واجتمعت الأمة على ذلك"، أي على إثبات ذلك المعنى لله تعالى، وإلا لم يحصل إجماع، ولذلك يشير الشيخ رحمه الله في هذا إلى الاسم بحكاية ما قالوه وإن كان رحمه الله لا يرتضيه فيما يظهر من قوله أنه لا يرتضيه، أي إنه لا يرتضي إثبات هذا الاسم لله تعالى، والأسماء تعلمون أنها توقيفية. قال :"وقال أبو عبد الله الحليمي : الغياث هو المغيث وأكثر ما يقال غياث المستغيثين"، يعني يأتي مضافا، ولا يأتي مطلقا، إنما يأتي مضافا. قال:"ومعناه المدرك عباده في الشدائد إذا دعوه ومجيبهم ومخلصهم"، لأن الاستغاثة هي طلب كشف الشدة وإزالة المدلهمة، أي الحوادث المدلهمة التي تغشى الناس وتنزل بهم. يقول رحمه الله:"وفي خبر الاستسقاء في "الصحيحين":« اللهم أغثنا اللهم أغثنا»"، لكن هل هذا يفيد إثبات هذا الاسم؟ الجواب: لا، لأنه فعل، إنما هذا يفيد إثبات هذا الوصف لله تعالى، وفرق بين الاسم والوصف، باب الصفات أوسع، ولذلك يقال "إن كل فعل من الأفعال المضافة إلى الله تعالى يؤخذ منها صفة، لكن لا يؤخذ منها اسم لأن الأفعال نوع صفات لفاعلها. فيمكن أن يستدل لثبوت هذا المعنى لله تعالى من قوله«اللهم أغثنا»،  ومن قول الله تعالى الذي حكاه المؤلف{إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم}. قال رحمه الله:"يقال أغاثه إغاثة وغياثا وغوثا"، هذا من حيث الاشتقاق. قال :"وهذا الاسم في معنى المجيب والمستجيب". "المجيب والمستجيب"، يعني أن هذا الاسم مضمن في معنى المجيب، لأن الاستجابة هي إعطاء العبد ما سأله وتنويله ما دعا به، ومعلوم أن الاستغاثة دعاء من حيث المعنى، حيث إنه دعاء لكنه دعاء خاص، وهو دعاء في الشدة. ولذلك يقال " كل استغاثة فهي دعاء، فبين الدعاء والاستغاثة عموم وخصوص مطلق، فكل استغاثة دعاء، وليس كل دعاء استغاثة، فالإنسان يدعو في الشدة وفي الرخاء، أما الاستغاثة فلا تكون إلا في الشدة. يقول رحمه الله:"وهذا الاسم في معنى المجيب"، والله تعالى يجيب دعاء عبده في الشدة والرخاء، فكل ما يكون من الله تعالى في الشدة والرخاء فهو إجابة فيكون ذلك من معاني قوله جل وعلا { فاستجاب لكم}، وهو من معاني أسم الله تعالى المجيب والمستجيب. قال تعالى:{إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم}، إلا أن الإغاثة أحق بالأفعال"، أيش معنى "أحق بالأفعال"، يعني الإغاثة تطلق على الفعل، أما الاستجابة تكون في القول. في حال موسى:{فاستغاثه الذي من شيعته}، أيش كان الجواب، {فوكزه}، هل أجابه بقوله أو بفعله؟ بفعله. طيب، أما الاستجابة تكون بالقول ومن ذلك {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين}+++ سورة الأنفال:9.---. فكانت بشارة، الاستجابة هنا كانت بالقول فكانت بشارة لهم، وإن كان هذا القول عقبه فعل لكنه في أصل كانت إجابة هذه الاستغاثة قولا لذلك قال { فاستجاب لكم }. إذا: الأصل في الاستغاثة أنها ألصق بالأفعال، وأما الاستجابة فهي ألصق بالأقوال، ولذلك يقول :"إلا أن الإغاثة أحق بالأفعال"، يعني أحق أن يوصف بها الفعل، "والاستجابة أحق بالأقوال، وقد يقع كل منهما موقع الآخر"، فاللغة تتسع لهذا ولذاك. ثم قال:"قالوا الفرق بين المستغيث والداعي أن المستغيث ينادي بالغوث، والداعي ينادي بالمدعو والمغيث، وهذا فيه نظر فإن من صيغة الاستغاثة يا لله للمسلمين وقد روي عن معروف الكرخي أنه كان يكثر أن يقول واغوثاه ويقول إني سمعت الله يقول:{إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم} وفي الدعاء المأثور «يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا إلى أحد من خلقك»". " قالوا الفرق بين المستغيث والداعي أن المستغيث ينادي بالغوث"، أي ينادي بكشف النازلة ورفع الشدة، والداعي ينادي بالمدعو والمغيث، الداعي يقول "يا الله، يا الله"، وأما المستغيث فهو يدعو بالحاجة "انقذني، أغثني، اكشف كربتي، أزل نازلتي"، وما أشبه ذلك. يقول الشيخ رحمه الله معلقا على هذا التفريق يقول "وهذا فيه نظر"، أي هذا التفريق فيه نظر، "فإن من صيغة الاستغاثة يا لله للمسلمين"، يا لله بفتح اللام للمسلمين، والفرق بينهما أن اللام التي تدخل على المستغاث به مفتوحة، وأما لام المستغاث له فهي مكسورة، ولذلك الصحيح في هذه أن يقال " يا لله للمسلمين"، كأن تدعو الله تعالى، تستغيث بالله تعالى للمسلمين، وأما التي يستغاث له فهي مكسورة. طيب. تقدم أن الاستغاثة هي طلب كشف الشدة، والاستغاثة تطلق في الغالب على طلب كشف الشدة بعد نزولها. وأما الاستعاذة فهي طلب الحماية من الشدة قبل نزولها. هذا في الغالب في التفريق، وإلا قد يقوم هذا مقام ذاك، وذاك مقام هذا . المؤلف رحمه الله يذكر الفرق بين الاستغاثة والدعاء، ذكرنا فيما مضى أن الاستغاثة دعاء، ولكنه دعاء خاص، وقلنا إن الدعاء يشمل الاستغاثة والدعاء قبل نزول الكرب وبعد نزول الكرب، أما الاستغاثة فهي الدعاء حال نزول الشدة والكرب. يذكر من الفروق:"قالوا الفرق بين المستغيث والداعي أن المستغيث ينادي بالغوث"، يعني بطلب الكشف للشدة، ولا يذكر فيها المدعو. "والداعي ينادي بالمدعو"، يعني المسؤول والمطلوب، "ينادي بالمدعو والمغيث"، يقول :"وهذا فيه نظر"، يعني هذا التفريق ليس مستقيما، فيه نظر "فإن من صيغة الاستغاثة يا لله للمسلمين"، وجه الاعتراض بهذه الصيغة على التفريق المتقدم أن الاستغاثة بهذه الصيغة يذكر فيها المغيث وهو الله جل وعلا، حيث يقول :" يا لله للمسلمين"، هنا ذكر المدعو المستغاث به، وذكر المستغاث له المدعو له. فهنا يقول:"يا لله للمسلمين"، وذكرنا أن الفرق بين الأولى والثانية أن اللام التي تدخل على المستغاث به مفتوحة، واللام التي تدخل على المستغاث له مكسورة ، ولذلك ما يقال "يا لله للمسلمين" ما يصلح هذا، أنت لا تستغيث لله، إنما تستغيث به، ولذلك تقول " يا لله" بالفتح " للمسلمين"،أي تسأل الله تعالى وتدعوه غوثا للمسلمين. قال :" وقد روي عن معروف الكرخي أنه كان يكثر أن يقول واغوثاه ويقول إني سمعت الله يقول:{إذ تستغيثون ربكم}"، وهذا فيه الدعاء بالمغيث المدعو. قول الكرخي رحمه الله "واغوثاه"، الواو هنا للاستغاثة والسؤال وهو نداء لله تعالى، وليس أنه من أسمائه لكنه من أوصافه أنه غوث المستغيثين، وأنه نجاة المستجيرين به جل وعلا.  وهذا أيضا يعترض به على ما تقدم من الفرق فذكر المؤلف رحمه الله وجه النظر في هذا التفريق بين الدعاء والاستغاثة، وجه النظر في هذا التفريق بين الدعاء والاستغاثة من جهتين: الجهة الأولى: اللغة، والجهة الثانية: استعمال السلف فإنهم كانوا يذكرون المستغاث به في مقام الاستغاثة ويذكرون مما يريدون، أو مما تطلب الاستغاثة منه {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم }"، ثم ذكر الدعاء "«يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله..."، إلى نهاية الحديث. ثم قال المؤلف رحمه الله :" والاستغاثة برحمته استغاثة به في الحقيقة كما أن الاستعاذة بصفاته استعاذة به في الحقيقة وكما أن القسم بصفاته قسم به في الحقيقة ففي الحديث : « أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق » وفيه « أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك». ولهذا استدل الأئمة فيما استدلوا على أن كلام الله غير مخلوق بقوله : «أعوذ بكلمات الله التامة » قالوا : والاستعاذة لا تصلح بالمخلوق، وكذلك القسم قد ثبت في "الصحيحين" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت » وفي لفظ «من حلف بغير الله فقد أشرك » رواه الترمذي وصححه، ثم قد ثبت في "الصحيح": الحلف " بعزة الله " و " لعمر الله " ونحو ذلك مما اتفق المسلمون على أنه ليس من الحلف بغير الله الذي نهي عنه". قال رحمه الله:"والاستغاثة برحمته استغاثة به في الحقيقة"، هذا في سياق وتكميل التنظير فيمن فرق بين الاستغاثة والدعاء، والمستغيث والداعي، بأن المستغيث إنما يذكر الغوث، ويدعو بالغوث، بخلاف الداعي فإنه يدعو بالمدعو والمغيث. هنا يقول:"يا حي يا قيوم ... برحمتك أستغيث"، المستغيث الآن ذكر الغوث أو ذكر المستغاث به؟ ذكر المستغاث به، فهو كالداعي في ذكره المدعو والمغيث، ولذلك ذكره المؤلف رحمه الله ثم قال:"والاستغاثة برحمته استغاثة به"،{إذ تستغيثون ربكم}، هنا فيه أيضا ذكر المستغاث به كل هذا في سياق التنظير في هذا التفريق. وقال:"والاستغاثة برحمته استغاثة به في الحقيقة"، فدل هذا في الحقيقة أن هذا الفريق مستقيم أو غير مستقيم؟ التفريق بين الداعي والمغيث هل هو مستقيم أو لا؟  الآن المؤلف ذكر ، هناك من فرق بين المستغيث والداعي أن المستغيث ينادي بالغوث، يعني بالطلب والسؤال والحاجة، وأما الداعي فإنه ينادي بالمدعو والمغيث، المدعو الذي هو الله، الداعي الذي يدعو ينادي بالمدعو والمغيث الذي هو الله جل وعلا ، فيقول " يا الله، يا رب، يا رحمن"، كل هذا نداء وذكر لمن؟ المغيث والمدعو . هل التفريق نظر فيه الشيخ حيث قال :"وهذا فيه نظر"، يعني غير مسلم. ذكر اللغة، ثم ذكر قول معروف الكرخي، ثم ذكر أن في الكتاب والسنة ذكر المغيث في الاستغاثة {إذ تستغيثون ربكم}، ربنا أغثنا، أو أغثنا يا ربنا، وكذلك ذكر الرحمة ثم قال الرحمة، رحمة الله تعالى صفة من صفاته، والاستغاثة بصفاته استغاثة به . يقول رحمه الله :" والاستغاثة برحمته استغاثة به في الحقيقة"، فدل هذا على أن هذا التفريق بين الاستغاثة والدعاء غير مستقيمة. ثم استطرد الشيخ ،" كما أن الاستعاذة بصفاته استعاذة به في الحقيقة وكما أن القسم بصفاته قسم به في الحقيقة"، هذا استطراد والشأن في أول الباب . يقول " ففي الحديث:« أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق »"، الاستعاذة الآن بأي شيء؟ بكلمات الله، وكلمات الله المستعاذ بها هنا هي كلماته القدرية التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر. قال:" وفيه « أعوذ برضاك"،هذه استعاذة بصفة من صفاته، " من سخطك وبمعافاتك"، هذه استعاذة من صفة من صفاته، "من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ". يقول :" ولهذا استدل الأئمة فيما استدلوا على أن كلام الله غير مخلوق بقوله : «أعوذ بكلمات الله التامة» قالوا: والاستعاذة لا تصلح بالمخلوق"، فدل هذا على أن الاستعاذة بالصفة استعاذة بالموصوف جل وعلا. قال :" وكذلك القسم... من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت"،وجاءت النصوص دالة على جواز الحلف بصفات الله تعالى كما ذكر المؤلف . طيب، الآن عاد المؤلف إلى أصل السؤال: وهو هل يقال لا يستغاث بالرسول على وجه الإطلاق أو لا؟  فصل المؤلف فيما تقدم وبين المعنى الذي يصح في هذه الجملة والمعنى الذي لا يصح. الآن عاد إلى البحث نفسه فقال " والاستغاثة بمعنى أن يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم ما هو اللائق بمنصبه لا ينازع فيها مسلم ومن نازع في هذا المعنى فهو إما كافر إن أنكر ما يكفر به، وإما مخطئ ضال، وأما بالمعنى الذي نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أيضا مما يجب نفيها، ومن أثبت لغير الله ما لا يكون إلا لله فهو أيضا كافر إذا  قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها". هذا ملخص الجواب في مسألة الاستغاثة، هل يقال :"لا يستغاث بالرسول أو لا يقال"، خلاصة الجواب في هذه الأسطر. قال :" والاستغاثة بمعنى أن يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم ما هو اللائق بمنصبه"، أي المناسب له " لا ينازع فيها مسلم"، هذا محل اتفاق  وإجماع ، "ومن نازع في هذا المعنى"، أي في جواز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما يليق به،"ومن نازع في هذا المعنى فهو إما كافر إن أنكر ما يكفر به، وإما مخطئ ضال"، فلا يخلو من حالين، " وأما بالمعنى الذي نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وهو نظير قوله:"إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله"، في قصة استغاثة أبي بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم في شأن المنافق.  ففي هذا المعنى وهو ما لا يقدر عليه النبي صلى الله عليه وسلم، أو ليس إليه فإن الاستغاثة به في هذا المعنى منفية، كالذي يسأله هداية القلوب، أو يسأله مغفرة الذنوب، أو يسأله تفريج الكروب وما أشبه ذلك.  هذا استغاثة به فيما لا يملكه، وهذا يقول فيه الشيخ " فهو أيضا مما يجب نفيها"، أي نفي هذا النوع من الاستغاثة، " ومن أثبت لغير الله ما لا يكون إلا لله فهو أيضا كافر إذا  قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها".  وهذه مسألة وتنبيه مهم إلى أنه ينبغي أن لا يتعجل المؤمن في التكفير، فليس كل من استغاث بغير الله تعالى كافر، فالذي يأتي ويقول "يا رسول الله أغثني، واكشف كربي، ونجني من عذاب الآخرة"، لا شك أن هذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يجوز أن يسأله، وما لا يملكه النبي صلى الله عليه وسلم. لكن حكم المستغيث، كافر أو لا ينبغي أن ينزل عليه قوله رحمه الله " فهو أيضا كافر إذا  قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها"، وهذا يفيد أنه لا يثبت حكم التكفير إلا بعد قيام الحجة، وليست الحجة هي أن يبلغ الإنسان الشيء وينتهي الموضوع، بل لابد أن تكون الحجة بالغة يحصل بها بيان الحق، ويحصل بها توضيحه لمن التبس عليه حتى يزول عنه كل غبش، عند ذلك يحكم عليه بما يناسب حاله. ثم قال رحمه الله:"ومن هذا الباب قول أبي يزيد البسطامي استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق"، هذا من حيث النفع في الدنيا، يعني لا يحصل له مقصوده، إذا استغاث بالمخلوق كغريق يستغيث بغريق، هل ينجو ؟ لا ينجو، تعب على غير فائدة. ثم قال رحمه الله:"وقول الشيخ أبي عبد الله القرشي المشهور بالديار المصرية: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون، وفي دعاء موسى عليه السلام "اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان ولا حول ولا قوة إلا بك"، ولما كان هذا المعنى هو المفهوم منها عند الإطلاق وكان مختصا بالله: صح إطلاق نفيه عما سواه ولهذا لا يعرف عن أحد من أئمة المسلمين أنه جوز مطلق الاستغاثة بغير الله ولا أنكر على من نفى مطلق الاستغاثة عن غير الله. وكذلك الاستغاثة أيضا فيها ما لا يصلح إلا لله وهي المشار إليها بقوله:{إياك نعبد وإياك نستعين}، فإنه لا يعين على العبادة الإعانة المطلقة إلا الله وقد يستعان بالمخلوق فيما يقدر عليه وكذلك الاستنصار، قال الله تعالى:{وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر} والنصر المطلق هو خلق ما به يغلب العدو ولا يقدر عليه إلا الله، ومن خالف ما ثبت بالكتاب والسنة: فإنه يكون إما كافرا وإما فاسقا وإما عاصيا إلا أن يكون مؤمنا مجتهدا مخطئا فيثاب على اجتهاده ويغفر له خطؤه وكذلك إن كان لم يبلغه العلم الذي تقوم عليه به الحجة فإن الله يقول:{وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}، وأما إذا قامت عليه الحجة الثابتة بالكتاب والسنة فخالفها : فإنه يعاقب بحسب ذلك إما بالقتل وإما بدونه والله أعلم". يقول رحمه الله في آخر ما ذكر من هذا الجواب:"ولما كان هذا المعنى"، المعنى هو إفراد الله تعالى بهذه المعاني،" اللهم لك الحمد "، هذا فيه حصر الحمد لله، وتقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، "لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان ولا حول ولا قوة إلا بك"، كل هذه الجمل من صيغ الحصر على اختلافها أو مما يفهم منه الحصر. فهذا الحصر في هذه المعاني، هل هو مقبول سائغ؟ يقول المؤلف:"ولما كان هذا المعنى هو المفهوم منها عند الإطلاق"، يعني لا يستعان على الإطلاق إلا بالله، ولا يشتكى على الإطلاق إلا إلى الله، ولا يستغاث على الإطلاق إلا بالله جل وعلا، ولا يتكل على الإطلاق إلا على الله جل وعلا ، ولا حول ولا قوة ولا تحول من حال إلى حال، ولا قوة على هذا التحول إلا بالله تعالى، لما كان هذا المفهوم الثابت على وجه الإطلاق الذي لا قيد فيه صح إطلاق هذه المعاني، ولذلك يقول:" ولما  كان هذا المعنى هو المفهوم منها عند الإطلاق وكان مختصا بالله: صح إطلاق نفيه عما سواه"، يعني لا يسوغ شيء من هذه على الإطلاق إلا لله تعالى ولذلك يصح نفيها عمن سوى الله جل وعلا. وهذا كمن يقول " لا يستغاث برسول الله"، قد يكون هذا المعنى صحيح من جهة، ينبغي أن يستفصل ويستبان ويستوضح من قائل هذا حتى يعرف معناه فيثبت المعنى الصواب وينفى المعنى الخطأ . ثم قال رحمه الله :"ولهذا لا يعرف عن أحد من أئمة المسلمين أنه جوز مطلق الاستغاثة بغير الله"،هذا واحد،"ولا أنكر على من نفى مطلق الاستغاثة عن غير الله"، لماذا؟ نفي الاستغاثة مطلقا عن غير الله تعالى المقصود به يحمل على المعنى المطلق أنه لا يستغاث بغير الله تعالى، ولا يستعان بغير الله تعالى أي الاستغاثة التامة الكاملة، الاستعانة التامة الكاملة. ثم قال رحمه الله:"وكذلك الاستغاثة أيضا فيها ما لا يصلح إلا لله وهي المشار إليها بقوله"، ثم ذكر شيئا مما لا يكون إلا لله تعالى ":{إياك نعبد وإياك نستعين}، فإنه لا يعين على العبادة الإعانة المطلقة إلا الله وقد يستعان بالمخلوق فيما يقدر عليه وكذلك الاستنصار". ثم قال رحمه الله بعد أن ذكر التفصيل في هذه المعاني،" ومن خالف ما ثبت بالكتاب والسنة: فإنه يكون إما كافرا وإما فاسقا وإما عاصيا"، وهذا تنبيه إلى أنه ينبغي أن تعرف مراتب الأعمال، وما تستحقه من الأحكام، وأنه لا يجوز التسوية بين أعلى النتائج وهي الكفر، يعني أعلى ما يترتب على الأعمال من النتائج ، وبين أدناها وهو المعصية، ولذلك ينبغي أن يتمهل الإنسان في هذا، وأن يستفصل ويستبصر لأن الإطلاقات في مثل هذه الأمور تورد الإنسان المهالك، ولم يضل من ضل في مسائل التكفير، ولا في مسائل التفسيق والتبديع إلا بالإطلاقات التي لا تقيد ، ولا يفرق فيها بين القائل والقول، ولا يفرق فيها بين من قامت عليه الحجة، ومن لم تقم عليه الحجة، فلابد من الاستبانة والاستيضاح في مثل هذه المقامات حتى لا يقع الإنسان فيما يكره من الضلال والبدع والانحراف عن الجادة. ثم بين رحمه الله فقال:"إلا أن يكون مؤمنا مجتهدا مخطئا فيثاب على اجتهاده ويغفر له خطؤه، وكذلك إن كان لم يبلغه العلم الذي تقوم عليه به الحجة"، فقد يكون مخطئا ويكون مغفورا في خطئه ولو كان في مسائل الاعتقاد، هو قد يكون جاهلا فيغفر له لجهله. ثم ذكر :"وأما إذا قامت عليه الحجة الثابتة بالكتاب والسنة فخالفها: فإنه يعاقب بحسب ذلك"، يعني بما يناسبه،"إما بالقتل وإما بدونه والله أعلم". وبهذا تكون انتهت هذه الفتوى المباركة، أسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

المشاهدات:8533
" قَالُوا: مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْمُغِيثُ وَالْغِيَاثُ وَجَاءَ ذِكْرُ الْمُغِيثِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالُوا وَاجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الحليمي : الْغِيَاثُ هُوَ الْمُغِيثُ وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ غِيَاثُ الْمُسْتَغِيثِينَ وَمَعْنَاهُ الْمُدْرِكُ عِبَادَهُ فِي الشَّدَائِدِ إذَا دَعَوْهُ وَمُجِيبُهُمْ وَمُخَلِّصُهُمْ وَفِي خَبَرِ الِاسْتِسْقَاءِ فِي "الصَّحِيحَيْنِ":"اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا" يُقَالُ أَغَاثَهُ إغَاثَةً وَغِيَاثًا وَغَوْثًا وَهَذَا الِاسْمُ فِي مَعْنَى الْمُجِيبِ وَالْمُسْتَجِيبِ قَالَ تَعَالَى : {إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} إلَّا أَنَّ الْإِغَاثَةَ أَحَقُّ بِالْأَفْعَالِ وَالِاسْتِجَابَةَ أَحَقُّ بِالْأَقْوَالِ وَقَدْ يَقَعُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَوْقِعَ الْآخَرِ".
الشيخ رحمه الله أشار بعد أن بيَّن التفصيل في هذا اللفظ وهو قول القائل " لا يستغاث إلا بالله"، وهذا مسلك حميد، وطريق رشيد في تمييز ما يحكم به على الأقوال والألفاظ المحتملة المجلة.
يقول رحمه الله " قَالُوا: مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْمُغِيثُ وَالْغِيَاثُ"، يحكي ما قاله بعض أهل العلم من أن من أسمائه المغيث والغياث، وهذا على وجه الإطلاق وهو وصف له لكنه فيما يتعلق بالاسم أشار الشيخ رحمه الله إلى مجيئه في حديث أبي هريرة المشهور في ذكر الأسماء أخرجه الترمذي(3507)، وقال :"غريب"، وابن ماجه (3861)، وابن حبان (3/88)،ح(808)، والحاكم (1/62) ح/(41) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (1/115) ح(102) وضعفه الألباني.، وهو حديث ضعيف، فإن ذكر الأسماء متفق بين أهل العلم على أنه مدرج، وأصله في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة، «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِئَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» أخرجه البخاري (2736)، ومسلم (2677).، جاء تفصيل هذه الأسماء فيما رواه الترمذي في "جامعه" وغيره، وهو مدرج من كلام بعض الرواة، ولا يصح مرفوعاً إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من جملة تلك الأسماء المذكورة «المغيث».
قال رحمه الله :"وَجَاءَ ذِكْرُ الْمُغِيثِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالُوا وَاجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى ذَلِكَ".
" وَاجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى ذَلِكَ"، أي على إثبات ذلك المعنى لله تعالى، وإلا لم يحصل إجماع، ولذلك يشير الشيخ رحمه الله في هذا إلى الاسم بحكاية ما قالوه وإن كان رحمه الله لا يرتضيه فيما يظهر من قوله أنه لا يرتضيه، أي إنه لا يرتضي إثبات هذا الاسم لله تعالى، والأسماء تعلمون أنها توقيفية.
قال :"وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الحُليمي : الْغِيَاثُ هُوَ الْمُغِيثُ وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ غِيَاثُ الْمُسْتَغِيثِينَ"، يعني يأتي مضافاً، ولا يأتي مطلقاً، إنما يأتي مضافاً.
قال:"وَمَعْنَاهُ الْمُدْرِكُ عِبَادَهُ فِي الشَّدَائِدِ إذَا دَعَوْهُ وَمُجِيبُهُمْ وَمُخَلِّصُهُمْ"، لأن الاستغاثة هي طلب كشف الشدة وإزالة المدلهمة، أي الحوادث المدلهمة التي تغشى الناس وتنزل بهم.
يقول رحمه الله:"وَفِي خَبَرِ الِاسْتِسْقَاءِ فِي "الصَّحِيحَيْنِ":« اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا»"، لكن هل هذا يفيد إثبات هذا الاسم؟ الجواب: لا، لأنه فعل، إنما هذا يفيد إثبات هذا الوصف لله تعالى، وفرق بين الاسم والوصف، باب الصفات أوسع، ولذلك يقال "إن كل فعل من الأفعال المضافة إلى الله تعالى يؤخذ منها صفة، لكن لا يؤخذ منها اسم لأن الأفعال نوع صفات لفاعلها.
فيمكن أن يستدل لثبوت هذا المعنى لله تعالى من قوله«اللَّهُمَّ أَغِثْنَا»،  ومن قول الله تعالى الذي حكاه المؤلف{إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}.
قال رحمه الله:"يُقَالُ أَغَاثَهُ إغَاثَةً وَغِيَاثًا وَغَوْثًا"، هذا من حيث الاشتقاق.
قال :"وَهَذَا الِاسْمُ فِي مَعْنَى الْمُجِيبِ وَالْمُسْتَجِيبِ".
"الْمُجِيبِ وَالْمُسْتَجِيبِ"، يعني أن هذا الاسم مضمن في معنى المجيب، لأن الاستجابة هي إعطاء العبد ما سأله وتنويله ما دعا به، ومعلوم أن الاستغاثة دعاء من حيث المعنى، حيث إنه دعاء لكنه دعاء خاص، وهو دعاء في الشدة.
ولذلك يقال " كل استغاثة فهي دعاء، فبين الدعاء والاستغاثة عموم وخصوص مطلق، فكل استغاثة دعاء، وليس كل دعاء استغاثة، فالإنسان يدعو في الشدة وفي الرخاء، أما الاستغاثة فلا تكون إلا في الشدة.
يقول رحمه الله:"وَهَذَا الِاسْمُ فِي مَعْنَى الْمُجِيبِ"، والله تعالى يجيب دعاء عبده في الشدة والرخاء، فكل ما يكون من الله تعالى في الشدة والرخاء فهو إجابة فيكون ذلك من معاني قوله جل وعلا { فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}، وهو من معاني أسم الله تعالى المجيب والمستجيب.
قال تعالى:{إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}، إلَّا أَنَّ الْإِغَاثَةَ أَحَقُّ بِالْأَفْعَالِ"، أيش معنى "أَحَقُّ بِالْأَفْعَالِ"، يعني الإغاثة تطلق على الفعل، أما الاستجابة تكون في القول.
في حال موسى:{فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ}، أيش كان الجواب، {فَوَكَزَهُ}، هل أجابه بقوله أو بفعله؟ بفعله.
طيب، أما الاستجابة تكون بالقول ومن ذلك {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} سورة الأنفال:9..
فكانت بشارة، الاستجابة هنا كانت بالقول فكانت بشارة لهم، وإن كان هذا القول عقبه فعل لكنه في أصل كانت إجابة هذه الاستغاثة قولاً لذلك قال { فَاسْتَجَابَ لَكُمْ }.
إذاً: الأصل في الاستغاثة أنها ألصق بالأفعال، وأما الاستجابة فهي ألصق بالأقوال، ولذلك يقول :"إلَّا أَنَّ الْإِغَاثَةَ أَحَقُّ بِالْأَفْعَالِ"، يعني أحق أن يوصف بها الفعل، "وَالِاسْتِجَابَةَ أَحَقُّ بِالْأَقْوَالِ، وَقَدْ يَقَعُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَوْقِعَ الْآخَرِ"، فاللغة تتسع لهذا ولذاك.
ثم قال:"قَالُوا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُسْتَغِيثِ وَالدَّاعِي أَنَّ الْمُسْتَغِيثَ يُنَادِي بِالْغَوْثِ، وَالدَّاعِيَ يُنَادِي بِالْمَدْعُوِّ وَالْمُغِيثِ، وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ مِنْ صِيغَةِ الِاسْتِغَاثَةِ يَا لَلَّهِ لِلْمُسْلِمِينَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَعْرُوفٍ الْكَرْخِي أَنَّهُ كَانَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ وَاغَوْثَاهُ وَيَقُولَ إنِّي سَمِعْت اللَّهَ يَقُولُ:{إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} وَفِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ «يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ بِرَحْمَتِك أَسْتَغِيثُ أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ وَلَا تَكِلْنِي إلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَلَا إلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِك»".
" قَالُوا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُسْتَغِيثِ وَالدَّاعِي أَنَّ الْمُسْتَغِيثَ يُنَادِي بِالْغَوْثِ"، أي ينادي بكشف النازلة ورفع الشدة، والداعي ينادي بالمدعو والمغيث، الداعي يقول "يا الله، يا الله"، وأما المستغيث فهو يدعو بالحاجة "انقذني، أغثني، اكشف كربتي، أزل نازلتي"، وما أشبه ذلك.
يقول الشيخ رحمه الله معلقاً على هذا التفريق يقول "وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ"، أي هذا التفريق فيه نظر، "فَإِنَّ مِنْ صِيغَةِ الِاسْتِغَاثَةِ يَا لَلَّهِ لِلْمُسْلِمِينَ"، يا لَلَّه بفتح اللام للمسلمين، والفرق بينهما أن اللام التي تدخل على المستغاث به مفتوحة، وأما لام المستغاث له فهي مكسورة، ولذلك الصحيح في هذه أن يقال " يا لَلَّه للمسلمين"، كأن تدعو الله تعالى، تستغيث بالله تعالى للمسلمين، وأما التي يستغاث له فهي مكسورة.
طيب.
تقدم أن الاستغاثة هي طلب كشف الشدة، والاستغاثة تطلق في الغالب على طلب كشف الشدة بعد نزولها.
وأما الاستعاذة فهي طلب الحماية من الشدة قبل نزولها.
هذا في الغالب في التفريق، وإلا قد يقوم هذا مقام ذاك، وذاك مقام هذا .
المؤلف رحمه الله يذكر الفرق بين الاستغاثة والدعاء، ذكرنا فيما مضى أن الاستغاثة دعاء، ولكنه دعاء خاص، وقلنا إن الدعاء يشمل الاستغاثة والدعاء قبل نزول الكرب وبعد نزول الكرب، أما الاستغاثة فهي الدعاء حال نزول الشدة والكرب.
يذكر من الفروق:"قَالُوا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُسْتَغِيثِ وَالدَّاعِي أَنَّ الْمُسْتَغِيثَ يُنَادِي بِالْغَوْثِ"، يعني بطلب الكشف للشدة، ولا يذكر فيها المدعو.
"وَالدَّاعِيَ يُنَادِي بِالْمَدْعُوِّ"، يعني المسؤول والمطلوب، "يُنَادِي بِالْمَدْعُوِّ وَالْمُغِيثِ"، يقول :"وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ"، يعني هذا التفريق ليس مستقيماً، فيه نظر "فَإِنَّ مِنْ صِيغَةِ الِاسْتِغَاثَةِ يَا لَلَّهِ لِلْمُسْلِمِينَ"، وجه الاعتراض بهذه الصيغة على التفريق المتقدم أن الاستغاثة بهذه الصيغة يذكر فيها المغيث وهو الله جل وعلا، حيث يقول :" يَا لَلَّهِ لِلْمُسْلِمِينَ"، هنا ذكر المدعو المستغاث به، وذكر المستغاث له المدعو له.
فهنا يقول:"يَا لَلَّهِ لِلْمُسْلِمِينَ"، وذكرنا أن الفرق بين الأولى والثانية أن اللام التي تدخل على المستغاث به مفتوحة، واللام التي تدخل على المستغاث له مكسورة ، ولذلك ما يقال "يا لِله للمسلمين" ما يصلح هذا، أنت لا تستغيث لله، إنما تستغيث به، ولذلك تقول " يَا لَلَّهِ" بالفتح " لِلْمُسْلِمِينَ"،أي تسأل الله تعالى وتدعوه غوثا للمسلمين.
قال :" وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَعْرُوفٍ الْكَرْخِي أَنَّهُ كَانَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ وَاغَوْثَاهُ وَيَقُولَ إنِّي سَمِعْت اللَّهَ يَقُولُ:{إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ}"، وهذا فيه الدعاء بالمغيث المدعو.
قول الكرخي رحمه الله "وَاغَوْثَاهُ"، الواو هنا للاستغاثة والسؤال وهو نداء لله تعالى، وليس أنه من أسمائه لكنه من أوصافه أنه غوث المستغيثين، وأنه نجاة المستجيرين به جل وعلا.
 وهذا أيضاً يعترض به على ما تقدم من الفرق فذكر المؤلف رحمه الله وجه النظر في هذا التفريق بين الدعاء والاستغاثة، وجه النظر في هذا التفريق بين الدعاء والاستغاثة من جهتين:
الجهة الأولى: اللغة، والجهة الثانية: استعمال السلف فإنهم كانوا يذكرون المستغاث به في مقام الاستغاثة ويذكرون مما يريدون، أو مما تطلب الاستغاثة منه {إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ }"، ثم ذكر الدعاء "«يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ بِرَحْمَتِك أَسْتَغِيثُ أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ..."، إلى نهاية الحديث.
ثم قال المؤلف رحمه الله :" وَالِاسْتِغَاثَةُ بِرَحْمَتِهِ اسْتِغَاثَةٌ بِهِ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ بِصِفَاتِهِ اسْتِعَاذَةٌ بِهِ فِي الْحَقِيقَةِ وَكَمَا أَنَّ الْقَسَمَ بِصِفَاتِهِ قَسَمٌ بِهِ فِي الْحَقِيقَةِ فَفِي الْحَدِيثِ : « أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ » وَفِيهِ « أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِك وَبِك مِنْك لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك».
وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ الْأَئِمَّةُ فِيمَا اسْتَدَلُّوا عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ بِقَوْلِهِ : «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ » قَالُوا : وَالِاسْتِعَاذَةُ لَا تَصْلُحُ بِالْمَخْلُوقِ، وَكَذَلِكَ الْقَسَمُ قَدْ ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :«مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ » وَفِي لَفْظٍ «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ » رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، ثُمَّ قَدْ ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحِ": الْحَلِفُ " بِعِزَّةِ اللَّهِ " و " لَعَمْرُ اللَّهِ " وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ".
قال رحمه الله:"وَالِاسْتِغَاثَةُ بِرَحْمَتِهِ اسْتِغَاثَةٌ بِهِ فِي الْحَقِيقَةِ"، هذا في سياق وتكميل التنظير فيمن فرق بين الاستغاثة والدعاء، والمستغيث والداعي، بأن المستغيث إنما يذكر الغوث، ويدعو بالغوث، بخلاف الداعي فإنه يدعو بالمدعو والمغيث.
هنا يقول:"يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ... بِرَحْمَتِك أَسْتَغِيثُ"، المستغيث الآن ذكر الغوث أو ذكر المستغاث به؟ ذكر المستغاث به، فهو كالداعي في ذكره المدعو والمغيث، ولذلك ذكره المؤلف رحمه الله ثم قال:"وَالِاسْتِغَاثَةُ بِرَحْمَتِهِ اسْتِغَاثَةٌ بِهِ"،{إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ}، هنا فيه أيضاً ذكر المستغاث به كل هذا في سياق التنظير في هذا التفريق.
وقال:"وَالِاسْتِغَاثَةُ بِرَحْمَتِهِ اسْتِغَاثَةٌ بِهِ فِي الْحَقِيقَةِ"، فدل هذا في الحقيقة أن هذا الفريق مستقيم أو غير مستقيم؟ التفريق بين الداعي والمغيث هل هو مستقيم أو لا؟ 
الآن المؤلف ذكر ، هناك من فرَّق بين المستغيث والداعي أن المستغيث ينادي بالغوث، يعني بالطلب والسؤال والحاجة، وأما الداعي فإنه ينادي بالمدعو والمغيث، المدعو الذي هو الله، الداعي الذي يدعو ينادي بالمدعو والمغيث الذي هو الله جل وعلا ، فيقول " يا الله، يا ربِّ، يا رحمن"، كل هذا نداء وذكر لمن؟ المغيث والمدعو .
هل التفريق نظَّر فيه الشيخ حيث قال :"وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ"، يعني غير مُسَلَّم.
ذكر اللغة، ثم ذكر قول معروف الكرخي، ثم ذكر أن في الكتاب والسنة ذكر المغيث في الاستغاثة {إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ}، ربنا أغثنا، أو أغثنا يا ربنا، وكذلك ذكر الرحمة ثم قال الرحمة، رحمة الله تعالى صفة من صفاته، والاستغاثة بصفاته استغاثة به .
يقول رحمه الله :" وَالِاسْتِغَاثَةُ بِرَحْمَتِهِ اسْتِغَاثَةٌ بِهِ فِي الْحَقِيقَةِ"، فدل هذا على أن هذا التفريق بين الاستغاثة والدعاء غير مستقيمة.
ثم استطرد الشيخ ،" كَمَا أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ بِصِفَاتِهِ اسْتِعَاذَةٌ بِهِ فِي الْحَقِيقَةِ وَكَمَا أَنَّ الْقَسَمَ بِصِفَاتِهِ قَسَمٌ بِهِ فِي الْحَقِيقَةِ"، هذا استطراد والشأن في أول الباب .
يقول " فَفِي الْحَدِيثِ:« أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ »"، الاستعاذة الآن بأي شيء؟ بكلمات الله، وكلمات الله المستعاذ بها هنا هي كلماته القدرية التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر.
قال:" وَفِيهِ « أَعُوذُ بِرِضَاك"،هذه استعاذة بصفة من صفاته، " مِنْ سَخَطِك وَبِمُعَافَاتِك"، هذه استعاذة من صفة من صفاته، "مِنْ عُقُوبَتِك وَبِك مِنْك لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك ".
يقول :" وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ الْأَئِمَّةُ فِيمَا اسْتَدَلُّوا عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ بِقَوْلِهِ : «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ» قَالُوا: وَالِاسْتِعَاذَةُ لَا تَصْلُحُ بِالْمَخْلُوقِ"، فدل هذا على أن الاستعاذة بالصفة استعاذة بالموصوف جل وعلا.
قال :" وَكَذَلِكَ الْقَسَمُ... مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ"،وجاءت النصوص دالة على جواز الحلف بصفات الله تعالى كما ذكر المؤلف .
طيب، الآن عاد المؤلف إلى أصل السؤال: وهو هل يقال لا يستغاث بالرسول على وجه الإطلاق أو لا؟ 
فصَّل المؤلف فيما تقدم وبيَّن المعنى الذي يصح في هذه الجملة والمعنى الذي لا يصح.
الآن عاد إلى البحث نفسه فقال " وَالِاسْتِغَاثَةُ بِمَعْنَى أَنْ يُطْلَبَ مِنْ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هُوَ اللَّائِقُ بِمَنْصِبِهِ لَا يُنَازِعُ فِيهَا مُسْلِمٌ وَمَنْ نَازَعَ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَهُوَ إمَّا كَافِرٌ إنْ أَنْكَرَ مَا يَكْفُرُ بِهِ، وَإِمَّا مُخْطِئٌ ضَالٌّ، وَأَمَّا بِالْمَعْنَى الَّذِي نَفَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ أَيْضًا مِمَّا يَجِبُ نَفْيُهَا، وَمَنْ أَثْبَتَ لِغَيْرِ اللَّهِ مَا لَا يَكُونُ إلَّا لِلَّهِ فَهُوَ أَيْضًا كَافِرٌ إذَا  قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الَّتِي يَكْفُرُ تَارِكُهَا".
هذا ملخص الجواب في مسألة الاستغاثة، هل يقال :"لا يستغاث بالرسول أو لا يقال"، خلاصة الجواب في هذه الأسطر.
قال :" وَالِاسْتِغَاثَةُ بِمَعْنَى أَنْ يُطْلَبَ مِنْ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هُوَ اللَّائِقُ بِمَنْصِبِهِ"، أي المناسب له " لَا يُنَازِعُ فِيهَا مُسْلِمٌ"، هذا محل اتفاق  وإجماع ، "وَمَنْ نَازَعَ فِي هَذَا الْمَعْنَى"، أي في جواز الاستغاثة بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يليق به،"وَمَنْ نَازَعَ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَهُوَ إمَّا كَافِرٌ إنْ أَنْكَرَ مَا يَكْفُرُ بِهِ، وَإِمَّا مُخْطِئٌ ضَالٌّ"، فلا يخلو من حالين، " وَأَمَّا بِالْمَعْنَى الَّذِي نَفَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، وهو نظير قوله:"إنَّهُ لَا يُسْتَغَاثُ بِي وَإِنَّمَا يُسْتَغَاثُ بِاَللَّهِ"، في قصة استغاثة أبي بكر بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شأن المنافق.
 ففي هذا المعنى وهو ما لا يقدر عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو ليس إليه فإن الاستغاثة به في هذا المعنى منفية، كالذي يسأله هداية القلوب، أو يسأله مغفرة الذنوب، أو يسأله تفريج الكروب وما أشبه ذلك.
 هذا استغاثة به فيما لا يملكه، وهذا يقول فيه الشيخ " فَهُوَ أَيْضًا مِمَّا يَجِبُ نَفْيُهَا"، أي نفي هذا النوع من الاستغاثة، " وَمَنْ أَثْبَتَ لِغَيْرِ اللَّهِ مَا لَا يَكُونُ إلَّا لِلَّهِ فَهُوَ أَيْضًا كَافِرٌ إذَا  قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الَّتِي يَكْفُرُ تَارِكُهَا".
 وهذه مسألة وتنبيه مهم إلى أنه ينبغي أن لا يتعجل المؤمن في التكفير، فليس كل من استغاث بغير الله تعالى كافر، فالذي يأتي ويقول "يا رسول الله أغثني، واكشف كربي، ونجني من عذاب الآخرة"، لا شك أن هذا سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لا يجوز أن يسأله، وما لا يملكه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
لكن حكم المستغيث، كافر أو لا ينبغي أن ينزل عليه قوله رحمه الله " فَهُوَ أَيْضًا كَافِرٌ إذَا  قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الَّتِي يَكْفُرُ تَارِكُهَا"، وهذا يفيد أنه لا يثبت حكم التكفير إلا بعد قيام الحجة، وليست الحجة هي أن يبلغ الإنسان الشيء وينتهي الموضوع، بل لابد أن تكون الحجة بالغة يحصل بها بيان الحق، ويحصل بها توضيحه لمن التبس عليه حتى يزول عنه كل غبش، عند ذلك يحكم عليه بما يناسب حاله.
ثم قال رحمه الله:"وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ أَبِي يَزِيدَ البسطامي اسْتِغَاثَةُ الْمَخْلُوقِ بِالْمَخْلُوقِ كَاسْتِغَاثَةِ الْغَرِيقِ بِالْغَرِيقِ"، هذا من حيث النفع في الدنيا، يعني لا يحصل له مقصوده، إذا استغاث بالمخلوق كغريق يستغيث بغريق، هل ينجو ؟ لا ينجو، تعب على غير فائدة.
ثم قال رحمه الله:"وَقَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيِّ الْمَشْهُورِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ: اسْتِغَاثَةُ الْمَخْلُوقِ بِالْمَخْلُوقِ كَاسْتِغَاثَةِ الْمَسْجُونِ بِالْمَسْجُونِ، وَفِي دُعَاءِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ "اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ وَإِلَيْك الْمُشْتَكَى وَأَنْتَ الْمُسْتَعَانُ، وَبِك الْمُسْتَغَاثُ، وَعَلَيْك التكلان وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِك"، وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمَفْهُومَ مِنْهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَكَانَ مُخْتَصًّا بِاَللَّهِ: صَحَّ إطْلَاقُ نَفْيِهِ عَمَّا سِوَاهُ وَلِهَذَا لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ جَوَّزَ مُطْلَقَ الِاسْتِغَاثَةِ بِغَيْرِ اللَّهِ وَلَا أَنْكَرَ عَلَى مَنْ نَفَى مُطْلَقَ الِاسْتِغَاثَةِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ.
وَكَذَلِكَ الِاسْتِغَاثَةُ أَيْضًا فِيهَا مَا لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلَّهِ وَهِيَ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ:{إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، فَإِنَّهُ لَا يُعِينُ عَلَى الْعِبَادَةِ الْإِعَانَةَ الْمُطْلَقَةَ إلَّا اللَّهُ وَقَدْ يُسْتَعَانُ بِالْمَخْلُوقِ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الِاسْتِنْصَارُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} وَالنَّصْرُ الْمُطْلَقُ هُوَ خَلْقُ مَا بِهِ يُغْلَبُ الْعَدُوُّ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا اللَّهُ، وَمَنْ خَالَفَ مَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: فَإِنَّهُ يَكُونُ إمَّا كَافِرًا وَإِمَّا فَاسِقًا وَإِمَّا عَاصِيًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا فَيُثَابُ عَلَى اجْتِهَادِهِ وَيُغْفَرُ لَهُ خَطَؤُهُ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَمْ يَبْلُغْهُ الْعِلْمُ الَّذِي تَقُومُ عَلَيْهِ بِهِ الْحُجَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}، وَأَمَّا إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الثَّابِتَةُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَخَالَفَهَا : فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ بِحَسَبِ ذَلِكَ إمَّا بِالْقَتْلِ وَإِمَّا بِدُونِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ".
يقول رحمه الله في آخر ما ذكر من هذا الجواب:"وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى"، المعنى هو إفراد الله تعالى بهذه المعاني،" اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ "، هذا فيه حصر الحمد لله، وتقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، "لَك الْحَمْدُ وَإِلَيْك الْمُشْتَكَى وَأَنْتَ الْمُسْتَعَانُ، وَبِك الْمُسْتَغَاثُ، وَعَلَيْك التكلان وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِك"، كل هذه الجمل من صيغ الحصر على اختلافها أو مما يفهم منه الحصر.
فهذا الحصر في هذه المعاني، هل هو مقبول سائغ؟ يقول المؤلف:"وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمَفْهُومَ مِنْهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ"، يعني لا يستعان على الإطلاق إلا بالله، ولا يشتكى على الإطلاق إلا إلى الله، ولا يستغاث على الإطلاق إلا بالله جل وعلا، ولا يتكل على الإطلاق إلا على الله جل وعلا ، ولا حول ولا قوة ولا تحول من حال إلى حال، ولا قوة على هذا التحول إلا بالله تعالى، لما كان هذا المفهوم الثابت على وجه الإطلاق الذي لا قيد فيه صح إطلاق هذه المعاني، ولذلك يقول:" وَلَمَّا  كَانَ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمَفْهُومَ مِنْهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَكَانَ مُخْتَصًّا بِاَللَّهِ: صَحَّ إطْلَاقُ نَفْيِهِ عَمَّا سِوَاهُ"، يعني لا يسوغ شيء من هذه على الإطلاق إلا لله تعالى ولذلك يصح نفيها عمن سوى الله جل وعلا.
وهذا كمن يقول " لا يستغاث برسول الله"، قد يكون هذا المعنى صحيح من جهة، ينبغي أن يستفصل ويستبان ويستوضح من قائل هذا حتى يعرف معناه فيثبت المعنى الصواب وينفى المعنى الخطأ .
ثم قال رحمه الله :"وَلِهَذَا لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ جَوَّزَ مُطْلَقَ الِاسْتِغَاثَةِ بِغَيْرِ اللَّهِ"،هذا واحد،"وَلَا أَنْكَرَ عَلَى مَنْ نَفَى مُطْلَقَ الِاسْتِغَاثَةِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ"، لماذا؟ نفي الاستغاثة مطلقاً عن غير الله تعالى المقصود به يحمل على المعنى المطلق أنه لا يستغاث بغير الله تعالى، ولا يستعان بغير الله تعالى أي الاستغاثة التامة الكاملة، الاستعانة التامة الكاملة.
ثم قال رحمه الله:"وَكَذَلِكَ الِاسْتِغَاثَةُ أَيْضًا فِيهَا مَا لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلَّهِ وَهِيَ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ"، ثم ذكر شيئاً مما لا يكون إلا لله تعالى ":{إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، فَإِنَّهُ لَا يُعِينُ عَلَى الْعِبَادَةِ الْإِعَانَةَ الْمُطْلَقَةَ إلَّا اللَّهُ وَقَدْ يُسْتَعَانُ بِالْمَخْلُوقِ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الِاسْتِنْصَارُ".
ثم قال رحمه الله بعد أن ذكر التفصيل في هذه المعاني،" وَمَنْ خَالَفَ مَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: فَإِنَّهُ يَكُونُ إمَّا كَافِرًا وَإِمَّا فَاسِقًا وَإِمَّا عَاصِيًا"، وهذا تنبيه إلى أنه ينبغي أن تعرف مراتب الأعمال، وما تستحقه من الأحكام، وأنه لا يجوز التسوية بين أعلى النتائج وهي الكفر، يعني أعلى ما يترتب على الأعمال من النتائج ، وبين أدناها وهو المعصية، ولذلك ينبغي أن يتمهل الإنسان في هذا، وأن يستفصل ويستبصر لأن الإطلاقات في مثل هذه الأمور تورد الإنسان المهالك، ولم يضل من ضل في مسائل التكفير، ولا في مسائل التفسيق والتبديع إلا بالإطلاقات التي لا تقيد ، ولا يفرق فيها بين القائل والقول، ولا يفرق فيها بين من قامت عليه الحجة، ومن لم تقم عليه الحجة، فلابد من الاستبانة والاستيضاح في مثل هذه المقامات حتى لا يقع الإنسان فيما يكره من الضلال والبدع والانحراف عن الجادة.
ثم بيَّن رحمه الله فقال:"إلَّا أَنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا فَيُثَابُ عَلَى اجْتِهَادِهِ وَيُغْفَرُ لَهُ خَطَؤُهُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَمْ يَبْلُغْهُ الْعِلْمُ الَّذِي تَقُومُ عَلَيْهِ بِهِ الْحُجَّةُ"، فقد يكون مخطئاً ويكون مغفورا في خطئه ولو كان في مسائل الاعتقاد، هو قد يكون جاهلاً فيغفر له لجهله.
ثم ذكر :"وَأَمَّا إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الثَّابِتَةُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَخَالَفَهَا: فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ بِحَسَبِ ذَلِكَ"، يعني بما يناسبه،"إمَّا بِالْقَتْلِ وَإِمَّا بِدُونِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ".
وبهذا تكون انتهت هذه الفتوى المباركة، أسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات89960 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات86964 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف