×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

قال المؤلف –رحمه الله- تعالى: عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: «اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحوها وخالق الناس بخلق حسن» رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..

فهذا الحديث الشريف جمع أصول صلاح ما بين العبد وربه، وصلاح ما بين الإنسان والناس، فإن هذه الوصايا الثلاث بها تصلح الصلات بين العبد والله –عز وجل- وبين العبد والناس، وبها يستدرك ما يكون من الهفوات والأخطاء والزلات، وصية جامعة نافعة من أخذ بها سعد، ومن عمل بها نجا، ومن وفق إليها فقد وفق إلى خير كثير يفتح له أبواب من الحسنات ويقيه شر السيئات.

هذه الوصية من ثلاث جمل؛

الجملة الأولى:- اتق الله حيث ما كنت وهذا عنوان صلاح ما بين العبد وبين ربه، عنوان صلاح ما بينك وبين الله أن تتقيه، ولذلك أوصى الله تعالى عباده بالتقوى الأولين والآخرين فقال جل في علاه: ﴿ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله﴾[النساء: 131] وتقوى الله هي أن تعظمه وأن تجله وأن تحبه وأن تقوم بما أمرك به رغبة فيما عنده وتنتهي عما نهاك عنه خوفا من عقابه وإجلالا له جل في علاه.

هذا هو معنى التقوى على اختلاف العبارات وتنوعها، التقوى أن تفعل ما أمرك الله تعالى به ظاهرا وباطنا وأن تنتهي عما نهاك عنه ظاهرا وباطنا رغبة فيما عنده وخوفا من عقابه محبة له وتعظيما، بذلك يجتمع لك القيام بالشريعة فإن الشريعة هي القيام بما أمر الله تعالى به في الظاهر والباطن، وترك ما نهى الله تعالى عنه في الظاهر والباطن، لكن الحديث أشار إلى أهمية التقوى وملازمتها في كل الأحوال والأحيان والأماكن دون تمييز لحال دون حال.

فمن الناس من تقواه في الجماعات وحال الشهود وفي الإعلان، لكنه في حال الخفي وحال الإصرار لا يجد من التقوى ما يحجزه عن معصية الله، لا يجد من التقوى ما يحمله على طاعة الله، فإذا خلا بمحارم الله انتهكها، وإذا غاب الرقيب فعل ما لذ له وطاب مما تشتهيه نفسه ويمنيه عليه هواه، لذلك أكد النبي –صلى الله عليه وسلم- هذا المعنى في هذه الوصية فقال: «اتق الله حيثما كنت» في أي مكان كنت في خلوة، في جلوة، في سر، في إعلان، في غيب، في شهادة، في بلدك، خارج بلادك، أنت مقيم، أنت في غربة، أنت تراقب الله وتعامله، وإذا كان العبد يراقب الله ويعامله فلن تغيره الأحوال، لن تبدله الظروف، بل الله –عز وجل- بين عينه يرقبه ويخافه ويقوم بحقه لأنه معه بعلمه، ومعه ببصره، ومعه بسمعه فلا يغيب عنه شيء من حاله.

إذا ما خلوت الدهر يوما       فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة      ولا أن ما يخفى عليه يغيب.

فكل شيء عنده بمقدار، وكل شيء عنده بين ظاهر، فالسر عنده علانية وقد قال –جل وعلا-: ﴿ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير﴾[الملك: 14] هو العالم بالخفايا والإعلان والسر والإظهار، العالم بكل الأحوال وهذا يوجب في القلب رهبة وخوف، وهذا لا يعني أن الإنسان يجاهر بالمعاصي حتى يحقق الخوف في السر، لكن هذا يعني أن يتقي الإنسان الله –عز وجل- طاقته وجهده في أن لا يقع في معصية حال سره ولا حال إعلانه، بل يرقب الله في كل أحواله، فإن زلت به قدم ووقع في خطأ ظاهر أو باطن فإنه يعالجه بالتوبة والاستغفار كما جاء في نهاية هذه الوصية.

إذا صلاح ما بينك وبين الله –عز وجل- صلاح ما بيني وبين الله وما بينك وبين الله وما بين الناس وبين ربكم أن يتقوه جل في علاه، والتقوى هي عنوان السعادة ﴿وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون﴾[الزمر: 61] عنوان السعادة في الدنيا والآخرة ﴿ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض﴾[الأعراف: 96] وهذا على العموم وأيضا على الخصوص، أنت إذا اتقيت الله فتح الله عليك من بركات السماء والأرض والأرزاق والخير ما يكون عونا لك على تحقيق العبودية لله –عز وجل- ويكون عاجل البشرى الذي يشجعك على مزيد استمرار في طاعة الله –عز وجل-.

فاحرص على تقوى الله –عز وجل- في السر والإعلان، وأعلم أن ما يخفى على الناس فإن الله به عليم كما قال الله تعالى: ﴿وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون﴾[فصلت: 22] هذا الظن هو الذي يجرأ الإنسان على المعصية، لكن من استحضر رقابة الله وأنه عليه رقيب وبه بصير وهو مطلع على السر والإعلان، كان ذلك حاملا له على الانزجار والكف عن الخطأ والزلل وسيء الأعمال.

الوصية الثانية التي أوصى بها النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «وأتبع السيئة الحسنة تمحوها» ما منا إلا ذو خطأ كل ابن آدم خطاء مما اجتهدنا في تحقيق التقوى سنزل، لكن هذا الزلل لا يعني أن نركن إليه وأن نستمرئه وأن نمضي فيه، بل الواجب علينا أن نجد وأن نجتهد في أن نكف أنفسنا عنه وأن نعود ذلك التقصير بالاستغفار والتوبة والإنابة إلى العزيز الغفار.

يقول الله –جل وعلا- في محكم كتابه: ﴿قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم﴾[الزمر: 53] لو كانت أمثال الجبال خطايا وأوزار فصدقت في التوبة تلاشت تلك الذنوب بجنب مغفرة الله ورحمته وعفوه وتجاوزه –سبحانه وبحمده- فلا تتردد في التوبة بل بادر في التوبة في كل صباح وإمساء، وفي كل حال وعند كل خطيئة وعند كل شعور بالتقصير بادر بالتوبة، والتوبة بابها مفتوح.

ومن رحمة الله أن الله –عز وجل- يقبل توبة التائب إذا كان صادقا، فيجعله على حال أحسن من الحال التي كان عليها قبل ذنبه إذا صدق في عودته إلى ربه كما قال في شأن آدم عليه السلام ﴿وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى﴾[طه: 121- 122] متى حصل الاجتباء؟ بعد المعصية التي تاب منها وليس المعصية التي أصر عليها.

فلذلك ينبغي للعبد أن يكثر من التوبة وأن يلازمها وأن يستشعر تقصيره، يا إخواني لا تنال التوبة والمغفرة إلا بالإقرار بالذنب، لذلك في سيد الاستغفار جاء فيه أبوأ

 بذنبي أقر واعترف وفي الصحيح من حديث أبي هريرة وقال بعضهم في الصحيحين أن عبدا أذنب ذنبا فقال: ربي إني أذنبت ذنبا فاغفر لي فقال الله –عز وجل-: علم عبدي أن له رب يأخذ بالذنب يعني يعاقب عليه ويغفر الذنب اغفروا لعبدي ثم كرر مرة ثم مرة ثم مرة على هذا الحال وكل مرة يقول فيها الله –عز وجل- هذا المقال، وفي الأخير يقول الله: اغفروا لعبدي ما فعل مادام على هذه الحال أنه مقر بما يكون من تقصير ومن ذنب ومن خطأ ويعود إلى الله –عز وجل- فإنه مدرك فضل الله وعطائه وإحسانه لهذا أقول اتبع السيئة الحسنة، الحسنة أعظم الحسنات التي تتبعها السيئات هي أن تتوب إلى الله.

ولذلك فسر جماعة من العلماء الحسنة هنا بالتوبة، لكن ليس قاصر عليها لكن هذا منها ومن أعظمها أن تتبع الذنب التوبة إلى الله منه ولكن أيضا بادر إلى الاستكثار من الصالحات جاء رجل إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود فقال يا رسول الله: إني أصبت امرأة من أطراف المدينة وأتيت منها كل شيء إلا ما يأتي الرجل امرأته يعني ما جامعها قبل وما إلى ذلك فهل لي من توبة فقال: فها أنا ذا فأحكم فيا ما ترى فأنزل الله تعالى قوله: ﴿وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات﴾[هود: 114] الحسنات حسنة التوبة وقد حصل لأن الرجل جاء ويقول يا رسول الله فعلت كذا وها أنا ذا بين يديك افعل بي ما ترى لكن وجهه إلى شيء آخر زيادة على هذا الإقرار بالذنب، وهو أن يستكثر من الصالحات بالصلاة ﴿وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل﴾[هود: 114] هذه الصلاة الصلوات المفروضات وأيضا الصلاة المتنفل بها ﴿وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات﴾[هود: 114].

فبادر إلى كل صالحة إذا وقعت في خطأ أكثر من التوبة والاستغفار وعوض ذلك بصالح الأعمال، وقد قال الله تعالى: ﴿وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى﴾[طه: 82] والاهتداء الاستمرار في الاستكثار من الصالح من العمل آخر ما جاءت فيه الوصايا في هذا الحديث الشريف قوله –صلى الله عليه وسلم-: «وخالق الناس بخلق حسن» عاملهم بمعاملة حسنة ولا تنتظر على ذلك جزاء، لأن الناس مجبولون على القصور والتقصير وعلى الكنود أساءوا في حق الله فكيف في حق الخلق، الإنسان هذا حاله ﴿إن الإنسان لربه لكنود﴾[العاديات: 6] فكيف بمعاملته للناس.

ولذلك الأخلاق الحسنة لا تتحقق للواحد منا إلا إذا عامل الله في الناس ولم يعامل الناس في الله، يعني لا يرجو منهم جزاء ولا شكورا يرجو العاقبة من الله في إحسانه من الخلق، لا تنتظر من الناس شيئا وهذا أحسن ما يكون لنفسك وأطيب ما يكون لقلبك، وأهنئ ما يكون لعيشك أن لا تنتظر من الناس إحسانا، إنما انتظر الجزاء من الله ولهذا ذكر الله في وصف الأبرار أنهم يعطون وينفقون ويقولون ﴿إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا﴾[الإنسان: 9]، إنما الجزاء والشكور نريده من الذي لا يضيع عنده القليل والكثير، بل يعطي على القليل الكثير جل في علاه.

خالق الناس بخلق حسن، ومخالقة الناس بخلق حسن، حسن الخلق دائر على أن تبذل لهم كل خير وإحسان، وأن تكف عنهم كل شر وإساءة هذا ثانيا، ثالثا أن تحتمل ما يكون منهم من إساءة، يعني بعض الناس يبادر بالإحسان لكن إذا أساء إليه غيره ما احتمل هذا عنده قصور في جانب مخالقة الناس بخلق حسن.

الخلق الحسن يتحقق لك بأن تبذل لهم الخير وأن تكف عنهم الشر، وأن تحتمل ما يكون منهم من أذى جمع ذلك قوله –جل وعلا-: ﴿خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين﴾[الأعراف: 199] خذ العفو يعني لا تكلف الناس أكثر مما يأتوك به وأمر بالعرف يعني أمر بكل ما يكون معروفا من الخير والمعاملة وأعرض عن الجاهلين أصبر على ما يكون منهم من سوء وتقصير وإساءة وعدم قيام بما يجب فإنه بذلك تكمل لك محاسن الأخلاق.

اتق الله حيث ما كنت اتبع السيئة الحسنة تمحوها خالق الناس بخلق حسن، اللهم أعنا على ذلك وارزقنا القيام به على الوجه الذي ترضى به عنا يسره لنا واكتب لنا به أعظم الأجر والثواب وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

المشاهدات:5745

قال المؤلف –رحمه الله- تعالى: عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: «اتَّقِ اللَّهَ حيثُما كنت وأتبع السَّيِّئةَ الحسنةَ تمحوها وخالِق النَّاسَ بخُلُقٍ حسَنٍ» رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..

فهذا الحديث الشريف جمع أصول صلاح ما بين العبد وربه، وصلاح ما بين الإنسان والناس، فإن هذه الوصايا الثلاث بها تصلح الصلات بين العبد والله –عز وجل- وبين العبد والناس، وبها يستدرك ما يكون من الهفوات والأخطاء والزلات، وصية جامعة نافعة من أخذ بها سعد، ومن عمل بها نجا، ومن وفق إليها فقد وفق إلى خير كثير يفتح له أبواب من الحسنات ويقيه شر السيئات.

هذه الوصية من ثلاث جمل؛

الجملة الأولى:- اتق الله حيث ما كنت وهذا عنوان صلاح ما بين العبد وبين ربه، عنوان صلاح ما بينك وبين الله أن تتقيه، ولذلك أوصى الله تعالى عباده بالتقوى الأولين والآخرين فقال جل في علاه: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾[النساء: 131] وتقوى الله هي أن تعظمه وأن تجله وأن تحبه وأن تقوم بما أمرك به رغبة فيما عنده وتنتهي عما نهاك عنه خوفا من عقابه وإجلالًا له جل في علاه.

هذا هو معنى التقوى على اختلاف العبارات وتنوعها، التقوى أن تفعل ما أمرك الله تعالى به ظاهرًا وباطنًا وأن تنتهي عما نهاك عنه ظاهرًا وباطنًا رغبة فيما عنده وخوفا من عقابه محبة له وتعظيمًا، بذلك يجتمع لك القيام بالشريعة فإن الشريعة هي القيام بما أمر الله تعالى به في الظاهر والباطن، وترك ما نهى الله تعالى عنه في الظاهر والباطن، لكن الحديث أشار إلى أهمية التقوى وملازمتها في كل الأحوال والأحيان والأماكن دون تمييز لحال دون حال.

فمن الناس من تقواه في الجماعات وحال الشهود وفي الإعلان، لكنه في حال الخفي وحال الإصرار لا يجد من التقوى ما يحجزه عن معصية الله، لا يجد من التقوى ما يحمله على طاعة الله، فإذا خلا بمحارم الله انتهكها، وإذا غاب الرقيب فعل ما لذ له وطاب مما تشتهيه نفسه ويمنيه عليه هواه، لذلك أكد النبي –صلى الله عليه وسلم- هذا المعنى في هذه الوصية فقال: «اتَّقِ اللَّهَ حيثُما كنت» في أي مكان كنت في خلوة، في جلوة، في سر، في إعلان، في غيب، في شهادة، في بلدك، خارج بلادك، أنت مقيم، أنت في غربة، أنت تراقب الله وتعامله، وإذا كان العبد يراقب الله ويعامله فلن تغيره الأحوال، لن تبدله الظروف، بل الله –عز وجل- بين عينه يرقبه ويخافه ويقوم بحقه لأنه معه بعلمه، ومعه ببصره، ومعه بسمعه فلا يغيب عنه شيء من حاله.

إذا ما خلوت الدهر يومًا       فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة      ولا أن ما يخفى عليه يغيب.

فكل شيء عنده بمقدار، وكل شيء عنده بين ظاهر، فالسر عنده علانية وقد قال –جل وعلا-: ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾[الملك: 14] هو العالم بالخفايا والإعلان والسر والإظهار، العالم بكل الأحوال وهذا يوجب في القلب رهبة وخوف، وهذا لا يعني أن الإنسان يجاهر بالمعاصي حتى يحقق الخوف في السر، لكن هذا يعني أن يتقي الإنسان الله –عز وجل- طاقته وجهده في أن لا يقع في معصية حال سره ولا حال إعلانه، بل يرقب الله في كل أحواله، فإن زلت به قدم ووقع في خطأ ظاهر أو باطن فإنه يعالجه بالتوبة والاستغفار كما جاء في نهاية هذه الوصية.

إذًا صلاح ما بينك وبين الله –عز وجل- صلاح ما بيني وبين الله وما بينك وبين الله وما بين الناس وبين ربكم أن يتقوه جل في علاه، والتقوى هي عنوان السعادة ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[الزمر: 61] عنوان السعادة في الدنيا والآخرة ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾[الأعراف: 96] وهذا على العموم وأيضًا على الخصوص، أنت إذا اتقيت الله فتح الله عليك من بركات السماء والأرض والأرزاق والخير ما يكون عونًا لك على تحقيق العبودية لله –عز وجل- ويكون عاجل البشرى الذي يشجعك على مزيد استمرار في طاعة الله –عز وجل-.

فاحرص على تقوى الله –عز وجل- في السر والإعلان، وأعلم أن ما يخفى على الناس فإن الله به عليم كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾[فصلت: 22] هذا الظن هو الذي يجرأ الإنسان على المعصية، لكن من استحضر رقابة الله وأنه عليه رقيب وبه بصير وهو مطلع على السر والإعلان، كان ذلك حاملًا له على الانزجار والكف عن الخطأ والزلل وسيء الأعمال.

الوصية الثانية التي أوصى بها النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «وأتبع السَّيِّئةَ الحسنةَ تمحوها» ما منا إلا ذو خطأ كل ابن آدم خطاء مما اجتهدنا في تحقيق التقوى سنزل، لكن هذا الزلل لا يعني أن نركن إليه وأن نستمرئه وأن نمضي فيه، بل الواجب علينا أن نجد وأن نجتهد في أن نكف أنفسنا عنه وأن نعود ذلك التقصير بالاستغفار والتوبة والإنابة إلى العزيز الغفار.

يقول الله –جل وعلا- في محكم كتابه: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾[الزمر: 53] لو كانت أمثال الجبال خطايا وأوزار فصدقت في التوبة تلاشت تلك الذنوب بجنب مغفرة الله ورحمته وعفوه وتجاوزه –سبحانه وبحمده- فلا تتردد في التوبة بل بادر في التوبة في كل صباح وإمساء، وفي كل حال وعند كل خطيئة وعند كل شعور بالتقصير بادر بالتوبة، والتوبة بابها مفتوح.

ومن رحمة الله أن الله –عز وجل- يقبل توبة التائب إذا كان صادقًا، فيجعله على حال أحسن من الحال التي كان عليها قبل ذنبه إذا صدق في عودته إلى ربه كما قال في شأن آدم عليه السلام ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾[طه: 121- 122] متى حصل الاجتباء؟ بعد المعصية التي تاب منها وليس المعصية التي أصر عليها.

فلذلك ينبغي للعبد أن يكثر من التوبة وأن يلازمها وأن يستشعر تقصيره، يا إخواني لا تنال التوبة والمغفرة إلا بالإقرار بالذنب، لذلك في سيد الاستغفار جاء فيه أبوأ

 بذنبي أقر واعترف وفي الصحيح من حديث أبي هريرة وقال بعضهم في الصحيحين أن عبدا أذنب ذنبا فقال: ربي إني أذنبت ذنبًا فاغفر لي فقال الله –عز وجل-: علم عبدي أن له رب يأخذ بالذنب يعني يعاقب عليه ويغفر الذنب اغفروا لعبدي ثم كرر مرة ثم مرة ثم مرة على هذا الحال وكل مرة يقول فيها الله –عز وجل- هذا المقال، وفي الأخير يقول الله: اغفروا لعبدي ما فعل مادام على هذه الحال أنه مقر بما يكون من تقصير ومن ذنب ومن خطأ ويعود إلى الله –عز وجل- فإنه مدرك فضل الله وعطائه وإحسانه لهذا أقول اتبع السيئة الحسنة، الحسنة أعظم الحسنات التي تتبعها السيئات هي أن تتوب إلى الله.

ولذلك فسر جماعة من العلماء الحسنة هنا بالتوبة، لكن ليس قاصر عليها لكن هذا منها ومن أعظمها أن تتبع الذنب التوبة إلى الله منه ولكن أيضًا بادر إلى الاستكثار من الصالحات جاء رجل إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود فقال يا رسول الله: إني أصبت امرأة من أطراف المدينة وأتيت منها كل شيء إلا ما يأتي الرجل امرأته يعني ما جامعها قبل وما إلى ذلك فهل لي من توبة فقال: فها أنا ذا فأحكم فيا ما ترى فأنزل الله تعالى قوله: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾[هود: 114] الحسنات حسنة التوبة وقد حصل لأن الرجل جاء ويقول يا رسول الله فعلت كذا وها أنا ذا بين يديك افعل بي ما ترى لكن وجهه إلى شيء آخر زيادة على هذا الإقرار بالذنب، وهو أن يستكثر من الصالحات بالصلاة ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾[هود: 114] هذه الصلاة الصلوات المفروضات وأيضًا الصلاة المتنفل بها ﴿وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾[هود: 114].

فبادر إلى كل صالحة إذا وقعت في خطأ أكثر من التوبة والاستغفار وعوض ذلك بصالح الأعمال، وقد قال الله تعالى: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾[طه: 82] والاهتداء الاستمرار في الاستكثار من الصالح من العمل آخر ما جاءت فيه الوصايا في هذا الحديث الشريف قوله –صلى الله عليه وسلم-: «وخالِق النَّاسَ بخُلُقٍ حسَنٍ» عاملهم بمعاملة حسنة ولا تنتظر على ذلك جزاء، لأن الناس مجبولون على القصور والتقصير وعلى الكنود أساءوا في حق الله فكيف في حق الخلق، الإنسان هذا حاله ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ﴾[العاديات: 6] فكيف بمعاملته للناس.

ولذلك الأخلاق الحسنة لا تتحقق للواحد منا إلا إذا عامل الله في الناس ولم يعامل الناس في الله، يعني لا يرجو منهم جزاء ولا شكورًا يرجو العاقبة من الله في إحسانه من الخلق، لا تنتظر من الناس شيئًا وهذا أحسن ما يكون لنفسك وأطيب ما يكون لقلبك، وأهنئ ما يكون لعيشك أن لا تنتظر من الناس إحسانا، إنما انتظر الجزاء من الله ولهذا ذكر الله في وصف الأبرار أنهم يعطون وينفقون ويقولون ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا﴾[الإنسان: 9]، إنما الجزاء والشكور نريده من الذي لا يضيع عنده القليل والكثير، بل يعطي على القليل الكثير جل في علاه.

خالق الناس بخلق حسن، ومخالقة الناس بخلق حسن، حسن الخلق دائر على أن تبذل لهم كل خير وإحسان، وأن تكف عنهم كل شر وإساءة هذا ثانيًا، ثالثًا أن تحتمل ما يكون منهم من إساءة، يعني بعض الناس يبادر بالإحسان لكن إذا أساء إليه غيره ما احتمل هذا عنده قصور في جانب مخالقة الناس بخلق حسن.

الخلق الحسن يتحقق لك بأن تبذل لهم الخير وأن تكف عنهم الشر، وأن تحتمل ما يكون منهم من أذى جمع ذلك قوله –جل وعلا-: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾[الأعراف: 199] خذ العفو يعني لا تكلف الناس أكثر مما يأتوك به وأمر بالعرف يعني أمر بكل ما يكون معروفًا من الخير والمعاملة وأعرض عن الجاهلين أصبر على ما يكون منهم من سوء وتقصير وإساءة وعدم قيام بما يجب فإنه بذلك تكمل لك محاسن الأخلاق.

اتق الله حيث ما كنت اتبع السيئة الحسنة تمحوها خالق الناس بخلق حسن، اللهم أعنا على ذلك وارزقنا القيام به على الوجه الذي ترضى به عنا يسره لنا واكتب لنا به أعظم الأجر والثواب وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات89960 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات86964 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف