×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (3) ضرورة الدين للحياة

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:4712

بسم الله الرحمن الرحيم ، السلام عليكم ورحمةُ الله وبركاته، أهلاً ومرحبًا بكم مستمعينا الكرام وحياكم الله إلى برنامجكم الأسبوعي المباشر"الدين والحياة" والذي نسعد باستضافة فضيلة الشيخ الدكتور/ خالد بن عبد الله المصلح عضو الإفتاء وأستاذ الفقه بجماعة القصيم والذي أيضًا نسعد بانضمامه إلينا الآن عبر الهاتف.

 صاحب الفضيلة: السلام عليكم ورحمة الله.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته مرحبًا بك، الله يحييك.
المذيع: أهلاً وسهلاً بكم، مستمعينا الكرام طبعًا في كل حلقة لدينا موضوع رئيسي نتحدث حوله، ونتلقى أيضًا تفاعلاتكم واتصالاتكم حول هذا الموضوع، موضوع حلقتنا اليوم عن ضرورة الدين للحياة، ويمكنكم أيضًا أن تشاركونا عبر الوسم برنامج "الدين والحياة" إضافةً إلى الاتصال على رقمَي البرنامج 0126477117 والرقم الآخر 0126493028 كما يمكنكم أن تراسلونا عبر الواتس أب على الرقم 0556111315، يسعد أيضًا بصحبتكم في هذه الحلقة إعدادًا وتقديمًا محدثكم/ عبد الله الداني، ومن التنفيذ على الهواء الزميل/ محمد بصويلح، مستمعينا الكرام ما أجمل أن يتحدث الإنسان عن الدين، وعن دين الله -سبحانه وتعالى- وأهميته بالنسبة لحياة الفرد، وكذلك انعكاس هذا الدين والالتزام بالدين على المجتمع بشكلٍ كامل.
صاحب الفضيلة: حديثٌ مهمٌّ، وسيكون إن شاء الله شيِّقًا وماتعًا بالحديث والنقاش معكم نتحدث اليوم عن ضرورة الدين للحياة ماذا نقصد بهذا العنوان؟
الشيخ: أولاً السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحبًا بالإخوة والأخوات، وأسأل الله أن يكون هذا اللقاء لقاءً نافعًا ماتعًا مباركًا، تحصل به المنفعة والفائدة للجميع، فيما يتعلق بعنوان هذا الموضوع هو ليس موضوعًا حديثًا أو مبتكرًا، هو موضوعٌ ذو اهتمامٍ واسع على مستويات مختلفة والمهتم به ليس فقط من دائرة أهل الإسلام بل على المستوى العالمي تجد أن ثمة مقالات وكتب ومؤلفات تتطرق لقضية ضرورةِ الدين لحياة البشرية، والكاتب والمتكلم كما ذكرت لا ينتمي إلى دين الإسلام بل ثمة أقوامٌ من جهات عديدة وجنسيات مختلفة وأديان متنوعة تناولوا هذا الموضوع بالبحث والدراسة والتحليل والمقارنة بين جوانبه واستخلاص نتائج مختلفة في أسباب ما يعيشها الناس اليوم من انحسار في جانب التدين، وأثر الدين فيه وحضور الدين في حياته.
كما ذكرت هذه القضية ليست قضية تتعلق بأهل الإسلام فقط، بل هي قضيةٌ يُشبِه أن تكون من القضايا العالمية الكبرى التي تلوكها ألسنةُ الناس، ويتحدَّث بها القريب والبعيد، ويتحدث بها المتخصِّص وغير المتخصص، والسبب في هذا هو أن الناس مَضَوا على فترة طويلة تتقارب أوضاعُهم، وليس ثمة اختلاف كبير في نمط معاشِهم بل إلى مائتين سنة ماضية كان الناس لا يختلفون عما كانوا عليه قبل ذلك بمدد ليست بقريبة، ثمة حضارات مرَّت بها البشرية، وهذه الحضارات التي مرت بها البشرية على تنوعها المحفوظ منها الذي نراه أنه لم يبلغ ما بلغه الناس اليوم من هذه الاكتشافات التي سخَّرت كثيرًا من الموجودات والمكونات التي في الكون لخدمة الإنسان وتطوره ورقيِّه، فجاء هذا التقدم الصناعي والثورة الصناعية في جميع صُورِها وما تبعها من ثورة تقنية، وثورة في حياة الناس.
هذه المعطيات، هذه الثورة العلمية التي تتعلق باكتشاف أسرار الكون، والوصول إلى شيء مما يتعلق بمكتسباته، ما يتعلق بأسباب تطوره، ما يتعلق بأسرار الخلق، تسخير هذا الخلق لمصالح الناس، كل هذا أوجب نوعًا من الاضطراب عند بعض الناس عن الدينية، وأصبح حضورُ المادة في حياتهم بصورة فائقةٍ كبيرة أعمَتْهم عن النظر إلى جوانب تتعلق بالحياة لها أهمية بإصلاح شئونهم، فطغى الجانب المادي على حياة الناس حتى  قَزَّم كل الجوانب الأخرى، وعاش الناس على هذا النمط من الحياة والانبهار بهذه الحضارة، وهذه المكتشفات،  وهذه المكتسبات فترة ليست بالقليلة، وعدَّت ما كان في السابق من أحوال الناس نوعًا من التقاليد، والإرث البالي الذي مع هذا التطور العلمي أصبح عائقًا عن التطور.
المذيع: فضلاً عن أن البعض صاحب الفضيلة يحصُر الدين فقط في أماكن العبادة، في دور العبادة في المساجد وغير ذلك.
الشيخ: وهذا من إفرازات هذا الطغيان العلميِّ التجريبيِّ المادي الذي جعل يصور الدين فقط في زاوية خيارٍ شخصي يتعلق بجوانب من الأعمال وما يسمونه الطقوس العبادية الخاصة التي لا أَثَر لها ولا تأثير لها في حياة الإنسان، وإنما هي أشياء اختيارية يفعلها من يفعلها، يتركها من يتركها، الأمر فيها خارج عن أن يكون الدين ضرورة، عن أن يكون الدين وجهًا للحياة، عن أن يكون الدين عنصرًا أساسيًّا في حياة الناس وفي توجهاتهم.
 
كثير من المفكِّرين الغربيين والشرقيين وعلى اختلاف الأديان لما رأوا هذا الجموحَ الطاغي الذي أصاب الناس بسبب هذا البُعد لمُكَوِّنٍ أساسي في حياة الناس وهو الدين حاولوا أن يتلمَّسوا أسباب هذه الخروقات  التي يعيشها الناس في حياتهم فيما يتعلق بمعاشهم، فيما يتعلق بعلاقاتهم، فيما يتعلق بنظرتهم للكون، فيما يتعلق بقيمهم، فيما يتعلق بتلبية الحوائج الفطرية النفسية التي غيابها أدَّى إلى اختلالٍ في النفوس وفي الفكر وفي العقل وفي الحياة، ولذلك طلبوا من خلال بحوثٍ ودراسات عديدة وكتابات متنوعة أن يُتلمَّس الطريق الذي من خلاله يحاولون الموائمة بين هذا الجموح الذي عاشه الناس لفترات طويلة وبين الحوائج الفطرية التي اكتشفوا أنه رُغم كل هذا التقدم، رغم كل هذه المنجَزات، رغم كل هذه الاكتشافات إلا أنهم ما زالوا يفتقدون عنصر أساس وهو السعادة.
المذيع: يعيشوا في تيهٍ نعم.
الشيخ: نعم، وهو الروح التي يمكن أن توجِّه تلك المنجزات إلى ما يخدم البشريةَ، ويكون من أسباب سعادتها، هذه المقدمة ضرورية لنعرف أن هذه القضية التي سنتحدث عنها اليوم في هذا البرنامج أيها الأخ الكريم والمستمعة الكريمة قضية ليست هامشيةً، لسنا نحن نتكلم فقط من جانب أهمية ذلك في الدين الإسلامي أو عند المسلمين، أو إبراز وجهة النظر الإسلامية بل هذا بيانٌ أن هذه قضية مُلِحَّة في الفكر الإنساني وفي حياة البشرية، ليست فقط على المستوى الشرعي عفوًا الإسلاميِّ، ولا على المستوى العربي، بل هي على مستوى عموم البشرية باختلاف أنواعهم واختلاف أديانهم، الشكوى من هذا كبيرة وكثيرة، ولا سبيل للخروج منها إلا بتلمُّس الطريق واستلهام الوحي الذي يخرج به الناس من دائرة الضيق إلى سعة الطمأنينة والبهجة والسرور.
المذيع: لعل ما يؤكد كلامكم صاحبَ الفضيلة ما توصَّل إليه الطبيب الفرنسي "ألكسيس كارل" في كتابه "الإنسان ذلك المجهول" يقول: إن الإنسان لا يمكنه الاستقلال برسم حياته وتنظيمها بعيدًا عن الإله؛ فالإنسان جاهلٌ بنفسه فكيف يستقل بحياته؟

 والله -سبحانه وتعالى- يقول قبل ذلك: { أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }( الملك:14).
الشيخ: صحيح هذا الكاتب الذي ذكرت الكاتب الفرنسي هو أحد من أشرت إليهم أن هذه القضية ليست قضية خاصةً يعني من أبرز من كتب في هذا الموضوع هو "سميث" في كتابه الذي عنونه "لماذا الدين ضرورة حتمية"؟ ولم يجعله فقط ضرورةً حياتية بل ضرورة حتمية، لا يمكن للبشرية أن تستقيم وأن تعيش إلا بالرجوع إليه، وسمَّى يعني وصف الحياة التي  يعيشها الناس اليوم شبَّهها بالنَفَق المظلم الذي حُبس فيه الإنسان وأصبح لا يرى النور والضياء الذي تُشرق به الدنيا وتبتهج به النفوس وهو الدين طبعًا.
 
ولا يقدِّم هذا يعني على أن دين الإسلام هو دين الحق لا هو يتكلم عن الدين كدين يحتاجه الإنسان لتجاوز أزماته، والخروج من المضايق التي يعيشها الإنسان، وأنه الآن الأزمات التي تحيط بالناس روحها وسببها الرئيس -سواء شعروا أو لم يشعروا- هو غيابُ الجانب الديني من حياتهم، والجانب الديني  ثمة فيه مشتركات على اختلاف أديان الناس يعني ثمة مشتركات فيما يتعلق بالفضيلة، فيما يتعلق بعلاقة الإنسان بالإنسان، علاقة الإنسان بالكون يجيب على أسئلة بغض النظر عن كون هذه إجابات صحيحةً أو إجابات غلطًا إلا أنه تعطيه، تُلبِّي شيئًا من حاجته النفسية في معرفة بعض الأمور التي تستقيم بها بعض جوانب حياته.
طبعًا ليس في الدنيا ولا في الشرائع والأديان دين يلبِّي هذه الحوائجَ على وجهٍ مُكتَمِل، وعلى وجهٍ متوازن وعلى وجهٍ تصلح به الدنيا والآخرة كما جاء في الكتاب المبين، وفيما أخبر به سيد المرسلين -صلوات الله وسلامه عليه- هذا ليس تحيُّزًا حتى لا يقول قائل: إن هذا يعني هذا قفزٌ على المقدمات إلى النتائج، لا، إنما هذا نحن الآن نتكلم عن جانب، وهو ضرورة الدين لحياة الإنسان، ثم بحكم أننا منَّ الله علينا بهذه الأنوار وهذا الكتاب الذي هدانا إليه ومنَّ به علينا ونقرأه ونفهمه بالتأكيد أن عندنا من أسباب حلِّ الأزمة التي تُعاني منها البشرية ما ينبغي أن نُبرِزَه وأن نتحدث عنه، وأن نقدِّمه للناس لنخرجهم به من الظلمات إلى النور، من ظلمات الشقاء، من ظلمات التعاسة، الظلمة ليس أنه يعيش في كهف أو يعيش في خيمة أو يعيش في بادية  الظلمة الحقيقية هي ظلمة الروح، ولو كان الإنسان يسكن أعلى أبراج الدنيا، أو يركب أفخرَ المراكب، ويدخل أفخر الأماكن، ويأكل أطيبَ المآكل، يبقى ثمة في القلب حاجة.
المذيع: متاعٌ جسدي فقط يا شيخ.
الشيخ: نعم، لا يمكن أن يَسُدَّ هذه الحاجةَ هذا الإفراطُ وهذا الطغيان فيما يتعلق بالجانب المادي.
المذيع: أيضًا هنا في جانب عندما نتحدث عن مثل هذا الأمر وخاصةً في أي مجتمع عربي مثلاً حديث العهد،  نقول أن يكون هناك مجتمعٌ نامي، ورأينا كيف استطاع النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يستأصل هذه العادة التي كان العرب يعدونها أعظمَ مآثرهم، ورأينا كيف الإيمان هو أعظم مؤثِّر وطريق لإصلاح الحياة، وأعظم رادع للناس عن الخطأ في جانب نزول تحريم الخمر، وهو قد حُبِّب إلى نفوس الصحابة قبل ذلك، ولكنهم عندما سمعوا به إلا وأراقوه، كسروا الآنية التي كان فيها حصل ذلك، دون أن ينفق -صلى الله عليه وسلم- درهمًا واحدًا، ودون أن يعلو أيُّ صوت، ودون أن يخدِش أحدًا ولو بشوكة فهذا أيضًا هنا جانب من إصلاح الحياة بالدين.
الشيخ: نعم هو يعني عندما نتحدث عن ضرورة الدين في حياة البشرية نحتاج أن نُبرز هذا من جوانب عديدة ما ذكرته هو أحد الجوانب التي يبرَز بها ضرورة الدين لانتظام أحوال الناس وانقيادهم بما تصلح به دنياهم وآخرتهم ولما يَقِيهم الشرورَ ويقرِّبهم إلى المصالح والخيرات.

 ممكن أن نبدأ الموضوع أولاً: لماذا الدين ضرورة للحياة؟ لو قال قائل: طيب أنتم الآن تقولون: هو ضرورة فلماذا؟ ما الذي يجعل الدين بهذه المنزلة أنه حتميٌّ لحياة الناس، ضرورة لحياة الناس لابد منه في حياة البشرية؟.
أولاً: ينبغي أن نعرف ما هو الدين؟ الدين منظومة مكتملة تتعلق ببيان علاقة الإنسان بهذا الوجود، علاقة الإنسان بالخالق، علاقة الإنسان بالخلق، علاقة الإنسان بما حوله من الحيوان والجماد وسائر المكونات التي تحيط به، الدين ليس فقط جانب من هذه الجوانب إنما هو بيان للمبدأ والمنتهى، المنشأ والمآل والمصير، بيان لحقيقة هذه الحياة، وما المقصود منها والهدف منها، كل هذه الأمور في الحقيقة هي لا يمكن أن يحصِّل الإنسانُ إجابتَه من مصنع يصنع سيارات، أو مصنع يصنع طيارات، أو من مباني شاهقة ناطحة سحاب وما أشبه ذلك لا، هذه لا يمكن أن يدرك نتائجها أو يدرك الإجابات عليها إلا بالرجوع إلى مرجِع يثق به، ومرجع يأنس به، ومرجع يجد الطمأنينةَ في الرجوع إليه لأنه المكتَشَفات الآن لو قال يا أخي هذه الثورة الصناعية الكبرى التي سخَّرت هذا الكون على هذا النحو الذي غيَّر وجه الحياة تغييرًا كليًّا في جوانب كثيرة.
هل يمكن أن يجيب عن تساؤلات بسيطة يعني تُلحُّ في حضورها على الناس، وحضروها في أذهانهم وتُلِح في قيامها ماثلةً أمامهم تصيبهم بالارتباك عندما لا يجدوا لها إجابات من أين جئنا؟ وإلى أين نذهب؟ ولماذا خُلقنا؟ وما المطلوب منا؟ وكيف نصل إلى تحقيق السعادة التي تطمئن بها قلوبنا؟ وليس فقط تتمتع بها أجسادنا؟

 هذه التساؤلات الحقيقة كل هذه الثورة المادية مع أنها تساؤلات بديهية لكن لا تملك لها إجابات، ليس ثمة أجوبة تُشبِع الروح وتجعله مطمئنًّا، هو ممكن أن يثبت لك ويبرهن لك على تجربة يعني مادية تتعلق بتحوُّلات المادة، تتعلق بالتصنيع لكن لا يمكن أن يجيب على هذه الأسئلة التي تفوق وتتجاوز مرحلة المادة، وتتجاوز المختبرَ والمعمل إلى خبر يلتئم مع الفطرة، خبر تصدقه النفوس، خبر تطمئن له القلوب، خبر يأتي من جهة موثوقة يشعر الإنسان بالطمأنينة والأمان والانشراح لما جاءت به، كل هذا لا تحقِّقه المكتسبات المادية ويحققه الدين.
إذ الدين ضرورة للبشرية؛ لأنه به تجاب عن أسئلة ملحَّة لا ينفكُّ منها قلبٌ الإنسان، ولا يستطيع أن يتخلص منها، فالدين نعمة عظمى تجيب على هذه الأسئلة الضرورية التي تكشف أن الإنسان دون دينٍ يبيِّن له المبدأَ والمنشأ والمنتهَى والمقصود والغاية إنما هو في الحقيقة  يعني في حيرة وشكٍّ واضطراب وقلق وضيقٍ لا مخرج له إلا بالرجوع إلى الربِّ والإله الذي يدلُّه على السعادة والأمان هذا جانب من الجوانب التي يبرَز بها أهمية الدين في حياة البشرية أنه هو الذي يبين لنا نحن، الله تعالى في كتابه في آية يقول: { هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا }( الإنسان 1و2و3) هذه الآيات المختصرات التي يقرؤها الصغير والكبير الحضري والبدوي، التي يقرؤها الذكر والأنثى تجيب عن معضلات كبرى وتبين مقاصد عظمى بألفاظ موجَزة مختصرة بَيِّنة جلية تعطي الإنسان الأمان والطمأنينة.
الله تعالى يقول: {قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ * كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ}(عبس: من 17 إلى 23) هذا المختصر في سورة يحفظها الصغار تبيِّن لنا المراحل، وتبين لنا المسيرة البشرية التي يمر بها أكثر الناس، بل يمر بها الناس جميعًا لكنهم يختلفون في تحقيق وَصف الإجمال الذي به يسعدون، وبه يختلفون ويتمايزون في الدنيا وفي الآخرة.
 
إذًا هذه التفاصيل، هذه الإجابات كلها لا يمكن أن يدرِكَها الإنسان إلا بالدين، وحتى لو كان دينًا محرَّفًا أو دينًا مغلوطًا فإنه يقدم له إجاباتٍ لكن هذه الإجابات هل هي صحيحة؟

 طبعًا الدين المغلوط لا يقدِّم إجابات وافيةً، قد يقدم بعض إجابات اكتُسِبتَ من دين حقٍّ، لكنه لا يقدم الحقيقة على نحوٍ من الجلاء والوضوح في كُلِّ الأحوال، النفس تحتاج إلى دين يجيب عن أسئلتها المتعلقة بالمبدأ والمنشأ والمعاد والغاية والهدف من الوجود.
المذيع: شيخ خالد إذا ما تحدثنا عن هذا الجانب فإننا أيضًا نشير إلى أن أي حلٍّ لمعضلات الحياةِ ومشكلاتها وتسيير أمورها وتنظيمِ هذه الحياة بعيدًا عن الإسلام وبعيدًا عن الدين بشكلٍ عام هو مصيره الفشل، وهذا حصل في كثير من المجتمعات، وهذا لا يخفى على الجميع أن من حاولوا على الأقلِّ فصلَ الدين عن الحياة، عن حياة الناس وتسيير أمورهم بعيدًا عن هذا الدين القويم مصير كل الأنظمة و القوانين التي يسوسون بها الناسَ وينظمون بها أمور حياتهم لن تكون هذه التي أمرنا الله -سبحانه وتعالى- بها وجاءت في سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- من الكمال والشمولية التي لا توجد في غيرهما.
الشيخ: نعم ما تفضَّلت به أخي عبد الله هو جانب من الجوانب التي تبيِّن وتبرز لنا ضرورةَ الدين للحياة، وعندما نقول ضرورة الدين نقصد به الدين الصحيح، وإن كان كلُّ دين له أثرٌ في حياة الناس، لكن الدين الصحيح يحقق هذا على الغاية والكمال والنهاية التي تصبو لها النفوس وتأملها من الطمأنينة والابتهاج والسرور.
بالتأكيد أن الناس عندهم من القوانين والأنظمة ما ينظمون به حياتهم، فما من مكان في المجتمع إلا ويقوم على نوع من التواطؤ والتوافق على قواعد، هذه القواعد تلك الأنظمة تلك القوانين تسعى إلى تحقيق قدر من المتفق عليه من أسباب إقامة المعاش وصلاح أمر الناس لكن هذه القوانين وتلك الأنظمة حتى لا يقول قائل: الناس شوفهم عايشين على أحسن ما يكون وما عندهم دين.
المذيع: نعم صحيح يلبس عليك.
الشيخ: وقد يذكر هذا مثلاً البلاد الفلانية، اللادينيون هم الأكثر ومع هذا عايشين حياة سعيدة، أقول: عندما تقول عايشين حياة سعيدة إنك تخطىء في النتيجة، تصيب في المقدمة قد يكون عندهم ثراء، قد يكون عندهم جمال بناء، قد يكون عندهم نظافة شوارع، قد يكون عندهم مكتسبات صناعية، مكتسبات مادية وما إلى ذلك لكن كل هذا لا يغنيهم عن ضرورة لا تنفكُّ عنها النفوس وهي حاجتها إلى الدين، ولهذا أنا لا أريد أن أُسمِّي الدولَ والجهات لكن أعلى نسبة انتحار تكون في أعلى نسبة دخل في بلدان العالم لماذا؟ المسألة نسبة رفه، ونسبة توافر الأسباب المادية والرعاية الصحية والثراء الاقتصادي والأمن، والجانب السياسي، والاستقرار هل معقول أن كل هذه الأشياء تنتج هذه الثمرة؟ أن يكون أعلى نسب الانتحار في هذا البلد؟

 لا شك أن ثمة مفقود هو الذي أدى إلى النتيجة، كل هذه المقدمات توفِّر السعادة، توفر حياة طيبة للجسد والبدن والمعاش الظاهر، لكنها لا تحقق راحةَ القلب، لا تحقق راحة الفؤاد، لا تحقق سكونَ النفس، لا تحقق الرضا الذي به تنعم النفوس حتى ولو فقدت كل هذه المكتَسَبات، وحرمت منها لكنها مليئة بالطمأنينة لذلك تعيش في غاية وذروة السعادة، لهذا كل المكتسبات وكل القوانين التي تسُنُّها الدول ويلتزم بها الناس هي في الحقيقة وسيلةٌ من وسائل طِيب المعاش لكنها لا تحقِّق السعادة للناس، هي جانب من جوانب الراحة، لكنها ليست هي سرَّ السعادة، سرُّ السعادة في الدين الصحيح الذي به تنعم النفوسُ.
الدين الصحيح لا يعني أن تأتي وتخالف القوانين، وتُلغي الأنظمة، وتلخبط حياةَ الناس، وتعطل التنمية، وتُعرِض عن عمارة الأرض بل الدين الصحيح هو الذي أخبرنا أن الله تعالى خلقنا لعمارة الأرض {هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}(هود:61) استعمرنا فيها أي جعلنا  ممن طلب منا أن نعمِّرها، وعمارتها تكون بصالح العمل كما تكون بصالح النشىء الذي يعود على البشرية بالخير و الرخاء والصلاح.
 
لذلك القوانين الموجودة لا تكفي لكل المجتمعات، القوانين تضبط الحالَةَ الظاهرة، تضبط الأمور في حال الاستقرار لكنها لا تضبط حال الإنسان في سرِّه، في حال انفرادِه، في حال غيابِ الرقيب، لا تضبطه القوانين إنما يضبطها الدين، يضبطها المُثُل المنتقاة من الدين، يضبطها الأخلاق التي تعزِّزها الأديان، ولهذا المجتمعات التي تضبط أمورها فقط، عندما يغيب القانون والرقيب يكون الأمر على انفلات مُريع مخيف حتى في أعلى البلاد رقيًّا.

لا يقل قائل: هذا في البلاد الفقيرة وفي البلاد الضعيفة وفي البلاد التي لم تشمَّ رائحة التطور، لا، حتى في البلاد السامية العالية الراقية التي تُسمِّي نفسها العالم الأول عندما يغيب الرقيب تجد من الانفلات في حياة الناس ما يجيب عن، ما يبيِّن ويظهر ضرورة احتياج الناس إلى دين يحكم أخلاقهم ويجعلهم يمتثلون القيم لا لأجل فقط صلاح المعاش بل لأمر آخر وهو ما يلقَونه بعد موتهم.
المذيع: وهو الأسمى، صاحب الفضيلة حديثٌ شيِّق وماتع، وكذلك أيضًا نُنَوِّه مستمعينا الكرام أن حديثنا في هذه الحلقة عن ضرورة الدين للحياة، ويتاح الاتصال والمشاركة والتفاعل متاح من خلال الرقم 0126477117، والرقم الآخر 0126493028ويمكنكم أن تراسلونا عبر الواتس أب على الرقم 0556111315إضافة إلى وسم أو الهاشتاج برنامج "الدين والحياة"، صاحب الفضيلة نستأذنكم في أخذ هذا الاتصال من أحد المستمعين الكرام نقول: السلام عليكم.
المتصل: وعليكم السلام ورحمة الله.
المذيع: أهلاً وسهلاً نتعرف عليك أخي الكريم.
المتصل: عبد المجيد الشريف من مكة.
المذيع: حياك الله أخي عبد المجيد تفضل بسؤالك.
المتصل: الله يسلمك، الدين هو الحياة، والحياة هي الدين، وفصل الدين عن الحياة هي العلمانية، فيه ناس أحيانًا عندما نتكلم معهم يقول لك: خلِّ الدين على جنب، هل هناك أمور يعني أو أشياء اجتماعية نقدر نفصلها عن الدين؟ وما حكم القوانين الوضعية الله يسلمك.
المذيع: شكرًا لك أخ عبد المجيد، تفضل صاحب الفضيلة عن هذا الموضوع وخاصة كنا نتحدث عن مسألة فصل الدين عن الحياة، وهي مما يشتهر في كثير من المجتمعات خاصةً مما أسميناها بأنها مجتمعات ظاهرًا متقدِّمة ولديها الحضارات العديدةُ.
الشيخ: لا إله إلا الله، أخي الكريم الحقيقة قضية ضرورة الدين لحياة البشرية قضيةٌ يمكن تناولها من زوايا عديدة الأخ الكريم طرح جانبًا في سؤاله يتعلق بأثر تغييب الدين عن حياة الناس، وما نظرة الشريعة لهذا لكن قبل أن نصل إلى هذه النقطة، الذي يبعد الدين عن حياة الناس يقول: لا دخلَ للدين في حياة الناس، دعِ الناس يعيشون دون سُلطة ديانة، دون رقيب، دون وعظ، دون اعتقادات.

 الحقيقة أنهم يجنون على البشرية جناية عظمى تكون سببًا لشقاء البشرية بصورة غير متصورة على وجه الحقيقة إلا بمشاهدتها في الواقع.
أخي، الله -عز وجل- قبل أن يخلقنا ركَّب في فِطَرِنا عبوديتَه قال الله  تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا }(الأعراف:172 ) هذا الميثاق السابق وهو ما فطر الله تعالى عليه العباد من الإيمان به هل يمكن أن تتخلَّص منه نفسٌ سليمة؟ ويمكن أن تعيش عيشة هنية؟ الجواب: لا، الله -جل وعلا- يقول: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا }(الروم:30) أمر الله تعالى بأصوب الأديان، وهو الدين الحنيف، ثم قال: { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا }(الروم:30)

ثمة فطرة الناس على اختلاف أديانهم، وعلى اختلاف أزمانهم، وعلى اختلاف أماكنهم، وعلى اختلاف كل الاعتبارات التي يختلفون فيها عِرقًا وجنسًا ولونًا وزمانًا ومكانًا إلا أنهم يجتمعون في  أنهم لابد من إله يتوجَّهون إليه، إلهٌ القلوب مفطورةٌ على طلبه والركون إليه، لا يمكن أن يسدَّ شيءٌ هذه الحاجةَ، لذلك يقول الله تعالى: { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا }(الروم:30) حتى الملحد الذي يكابر ويقول: لا إله والحياة مادة، ثِق تمامًا أن في أعماق نفسه وفي دواخل ضميره وفي قلبه من الفاقة والضرورةِ إلى إله يعبده ما لا يمكن أن يحجبَه.
المذيع: لكنه الكبر.
الشيخ: ولهذا تجد في كلماتهم هؤلاء الملحدون يعني قد يغرُّه استكبار ونوعٌ من المناكفة للخصوم لكن عند التفتيش في حقائق الأمور تجد أن له ضرورةً إلى ربٍّ يلجأ إليه، إلى شيء يعتضد به هذه الفطرة التي فطر الله تعالى القلوب عليها { لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ }(الروم:30) والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: « مَا مِن مَولود إلا يُولَد على الفطرة فَأَبواه يُهَوِّدَانه أو يُنَصِّرانه أو يُمَجِّسانِه»[صحيح البخاري:1359، ومسلم:2658/22] انظر الفطرة هي الديانة لكن أي دينٍ يسلكه الإنسان؟ هذا راجع إلى عوامل كثيرة محيطة منها عامل النشأة والولادة، لكن ذلك لا يغيِّب حقيقة أن الله أقام البراهين الدالة على الصدق على الدين الحق على الدين الصواب وثمة عوائق: عائق النشأة واحد، عائق الشياطين التي تُخرج الناسَ عن الهدى إلى الضلال.
اثنين: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: « يقول الله تعالى: وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم ينزل به سلطانًا»[صحيح مسلم:2865/63].

 فدعوى استغناء الإنسان عن دين وعقيدة هي دعوى كاذبةٌ يبطلها التاريخ البشريُّ، يا أخي إحنا اليوم مخلوقين آدم بيننا وبينه الله أعلم من السنوات وقرون وطبقات متعاقبة من البشر مثلي ومثلك ومثل المستمع الكريم والمستمعة الكريمة كلهم هؤلاء كانوا هل يمكن أن يجتمع هذا الخلق العظيم من البشر في توجههم إلى ربٍّ، إلى دين يتدينون به كلهم يكون على خطأ ويأتي أفراد هم نشاذٌ في مسيرة البشرية، وهم كاذبون في الحقيقة الإنسانية أنهم يستغنون عن الله الذي يُعبد وتتوجَّه إليه القلوب، ويُستجاب به لنداء الفطرة التي فطر الناس عليها، لا يمكن أن يكون هذا، ولهذا ما ينتشر في بعض وسائل الاتصال، وما يتكلم عنه بعض المتكلمين بأسماء رمزية خَفِيَّة يتطاولون فيها على الدين ويُسبُّ به رب العالمين.
المذيع: يثيرون الشبهات.
الشيخ: كل هذا عَبَث، والله يا أخي هذا الذي يتطاول على رب العالمين لو وقف لحظة وأدرك أنه أنت لولا الله ما تكلمت، لولا الله ما حرَّكت أصبعك، لولا الله ما رمشت عينُك، لولا الله ما نبض عرقك، لولا الله ما تردد النفس في صدرك، يا أخي ضعف في غاية الضعف { كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى }(العلق:6و7) الإنسان عندما يرى نفسَه قد امتلك القدرةَ على تسخير المادة لبعض مصالحه تسخيرًا ليس مطلقًا إنما تسخير جزئيٌّ لتحقيق مصالح جزئية منقوصة عند ذلك يطغى ويرى أنه في حالٍ من القوة ما يستغني به عن الله لكن هذا ثق تمامًا أنه عندما يصيبه مرضٌ، عندما تصيبه عثرة عندما تضيق نفسه، عندما تنزل به مصيبة سيعرف أنه لا غنى له عن الرب الذي وهبه هذه القدرة.
يا أخي أنا مرَّة كنت في مكان في بناء عالي رفيع من أعلى أَبْنِية العالم كما يصنِّف وكان معنا أحد الدكاترة الذين لهم عناية بالمنجَزَات والاكتشافات العصرية، وقال كلمةً الحقيقة لا زالت تتردَّد في أذني قال: شفت هذا المبنى العظيم الذي نحن نقف عليه، هذا المبنى العظيم كل من نظر إليه انبهر من جودة صناعته وعلوِّ بنيانه وإتقان صُنعه، وجمال منظره، وبهاء صورته لكن كثير من الناس يقف به المشهد إلى هذا الحدِّ ولا يتجاوزه إلى عظمة خالق العقل الذي مكَّن الإنسان من أن يصل إلى هذا الإنجازِ الباهر، هذا العقل هذا البناء لم يأت من فراغ، جاء من جهد وتفكير وتخطيط ورسم طيِّب، هذه القدرات التي منحها الله تعالى، هذا الإنسان الذي خرج من بطن أمه لا يعلم شيئًا كما قال -جل وعلا-: { وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا } (النحل:78) مطلقًا ما يعرف الإنسان ولا شيئا حتى لا يعرف من هو؟ ولا لماذا جاء؟ ولا إيش المكان الذي هو فيه، لا يعرف شيئا مطلقًا، يترقَّى حتى يصل به علوُّ الترقي العقلي والفهمي والذهني إلى أن يصنع هذه المعجزات.
يا أخي الأولى بالانبهار هو صانع العقل الذي مكَّنك من صناعة هذه المعجزات، هذا هو الأولى بالنظر والاعتبار.

 إذًا نحن نحتاج إلى أن لا نقف بالمشهد عند صورةٍ معينة يجب أن ننظر للمشهد بكماله حتى ندرك حقيقة ضعفنا حقيقة عجزنا حقيقة افتقارنا إلى ربٍّ تصلح به أحوالنا وتستقر به أمورنا.
المذيع: جميل، أحسن الله إليكم، شيخ خالد نستأذنكم في هذا الاتصال من أحد مستمعينا تفضل أخي الكريم.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله.
المذيع: عليكم السلام ورحمة الله نتعرف عليك.
المتصل: معك علي من الرياض.
المذيع: حياك الله يا أخ علي تفضل.
المتصل: الله يسعدكم، ويبارك فيكم، نسأل الله أن يكتب لكم الأجر وللشيخ، سؤالي الله يحفظك دائمًا الإنسان يجمل عندما تكون الروح طيبة وتكون النفس يسوده الحب والرفق بين الجميع، جميع من حوله ولكن ننظر إلى أن الروح أحيانًا تصعد إلى السماء والجسد يوارى في التراب في الثرى ولكن يا أستاذ، الشيخ الله يحفظك ما هو مدى التوازن بين الروح والجسد للسعادة والحصول على السعادة في الدنيا وإن شاء الله في الآخرة بما لا يغضب الله سبحانه وتعالى.
المذيع: يعطيك العافية شكرًا يا أخ علي.
المتصل: شكرًا الله يحفظكم.
المذيع: إلى أن يجهز الاتصال الآخر شيخ خالد لعلكم تتفضلون بالإجابة على سؤال الأخ علي من الرياض اللي كان يسأل حول مسألة كيفية الموازنة ما بين الروح والجسد، وهما مكوِّنات الجسم البشري هو روحٌ وجسد، ويجب أن يكون هناك موائمة وتوازن ما بينهما، وحتى يحصل الإنسان السعادة الحقيقية في الدنيا وبالفعل هذه السعادة الموصلة إلى الآخرة.
الشيخ: هو يا أخي الكريم يعني من أسباب أحيانًا الجنوح والبعد عن الدين هو طغيان جانب على جانب، بمعنى عندما يأتي من يصوِّر الدين بأنه خروج عن إقامة مصالح الناس في المعاش، ويصوره على أنه إعراض عن كل ما يمكن أن يكون سببًا لطيب حياة الناس بالتأكيد إن هذا سيكون سببًا لانصراف الناس عن الدين، كما هو حال بعض من يغلو في جانب الإلهيَّات في جانب التعبد، وهو ما يعرف بالتصوف والزهد في الدنيا على نحوٍ يعطِّل المعاش، هؤلاء خارجون عما جاء الله تعالى به في كتابه الحكيم الله -جل وعلا- يقول: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ }(الشورى:17)، والميزان هو العدل، الميزان هو إقامة الأشياء على وجهٍ لا ظلمَ فيه ولا حَيف، ولا خروج عن مقتضيات صلاح الناس، وهذا ليس في هذه الديانة بل في الأديان كلها، الله تعالى يقول: { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ } لماذا؟ { لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ }، ثم قال: { وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ }(الحديد:25).

 انظر بعد ذكر ما يتعلق بإنزال الكتاب الذي هو هداية القلوب ذكر الله تعالى إنزالَ الحديد الذي به عمارةُ الأرض الذي به قيام مصالح الناس، وهذا كله في آية واحدة يقول تعالى: { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ }، ثم يقول: { وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }(الحديد:25)  فجعل الشرائع جاءت بالإشارة إلى نوعي القوة قوة الإيمان، وقوة البدن، وقوة السلاح الذي به تعمر الأرض وتستقيم المعاش، وأنت إذا نظرتَ إلى الضروريات الخمسَ التي جاءت بها الشريعة جاءت بحفظ الدين، جاءت بحفظ النفس، جاءت بحفظ المال، جاءت بحفظ العرض، جاءت بحفظ العقل، كلُّ هذه المكتسبات الخمسة هي التي تضمن التوازن في حياة البشرية، وأنت إذا نظرت إلى حال النبي صلى الله عليه وسلم تجد أنه على عظيم ما كان عليه من التعبد، فهو أعبد الناس لربه لكنه لم يُغفِل -صلى الله عليه وسلم- مصالحَ المعاش، بل سعى في كل ما يصلح به معاشه حتى إنه مات -صلى الله عليه وآله وسلم- ودرعُه مرهونة عند يهودي في طعامٍ لأهله، حيث كان يدَّخر قوتَ أهله سنةً صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
هذه الإقامة للمعاش هي من المرتكزات الأساس لكن يجب أن يوضع كلُّ شيء في نصابه، يوضع كل شيء في موضعه دون طُغيان حتى يحقق الإنسان الغاية، نحن في دار عبور لسنا في دار قرار، وهذه قضية يجب أن تكون واضحةً وجليَّة وظاهرة وتُفهم بها النصوص، لكن هذه الدار دار العبور ليست دارًا يعبرها الإنسان على أي نوع من أنواع العبور، إنما يعبرها على طاعة الله- عز وجل- يعبرها على تحقيق مرضاته، يعبرها مستعينًا بالله -عز وجل- في كل ما سخَّره له في السماء والأرض، ليحقق غاية الوجود وهي عبودية الله -عز وجل-، وهي تحقيق العبودية لله -عز وجل- وبهذا التوازن تحصل استقامة الحياة لكن لما نرى واحدًا معرضًا عن الديانة منصرفًا عنها ويقول: أنا يا أخي هذه حياتي وأبغى أعيش حياتي طيب عيش حياتك لكن لن تكمل حياتك إلا بطاعة ربك، عش حياتك ولن تكون حياتك هنيئة إلا بأن تحقق الغاية منها، الذي ينصرف ويقول: الدنيا ما تساوي شيئا، ويعطل حياتَه نقول: لا يا أخي النبي صلى الله عليه وسلم وسادات الخلق لم يفعلوا هذا، لم يشهد تاريخ البشرية حضارةً قامت على الموائمة بين صلاح المعاش وصلاح المعاد كما حصل في دين الإسلام والشريعة والحضارة الإسلامية التي جمعت بين الأمرين على نحوٍ حقق الخير، وإنما وقع الخلل عندما أعرضت عما حقق هذا التوازن.
المذيع: صاحب الفضيلة إذًا هنا حديثنا عن الوسطية والتوازن هذا هو الشيء الذي نركِّز حوله، وكذلك أيضًا نسعى لتحقيق السعادة من خلاله، نستأذنكم أيضًا في هذا الاتصال، أخي الكريم تفضل.
المتصل: السلام عليكم.
المذيع: عليكم السلام ورحمة الله تفضل عرفنا عليك أول شيء.
المتصل: طارق الأحمري من جدة.
المذيع: حياك الله أخي طارق تفضل.
المتصل: حياك الله وحيا فضيلة الشيخ، أنا تقريبًا سمعت الإجابة الأخيرة هذه، وهي التي كنت آمل إني أسمعها بس فيه إضافة بسيطة قبل شوية قلت: وسطية، المشكلة عند عامة الناس مصدر الوسطية مين؟ كيف أنا أقدر أتوصل للشخص، لأنه فيه هناك أشباه علماء، وفيه هناك أشباه متعلمين هم تقريبًا يساهموا في فهمي في تشويه الدين تقريبًا في عقول الناس وتنفير الناس، لكن فيه ناس مثلاً الشيخ ما شاء الله أو بعض الناس اللي تضيفوهم ناس راقيين، لكن ما نقدر نوصل لهم كيف أقدر أوصل لهم؟ أو كيف أقدر أُحصِّل الإجابة اللي أنا فعلاً تتماشى مع طبعي أنا كإنسان خلقني الله وخلق لي هذا الدين علشان أمشي في الدنيا؟.
المذيع: طيب شكرًا أخي طارق طبعًا علماؤنا كثر والحمد لله فيهم الخير والبركة، تفضل صاحب الفضيلة بالإجابة على سؤال الأخ طارق ولو كان باختصار حول هذا الموضوع.
الشيخ: طيب  ما يخالف، هو موضوع ما الذي يدلنا على الوسطية أخي طارق الوسطية تعرف من كتاب الله الذي قال فيه -جل في علاه- { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } (البقرة:143)، الوسطية ليست شيئًا يقترحه فلان أو يبديه فلان إنما هو ما دل عليه الكتاب والسنة، ولذلك كل شخص مهما كان شاطًّا إما إلى يمين أو إلى يسار في كثير من الأحيان عندما يمتلىء الإنسان قناعةً بنفسه يرى أنه هو الوسط وأن ما عداه خارج عن الوسطية، لكن ما الذي يحكم على هذا الوسط وهذا الوسط ليرى أنه وسط ووسط ووسط، الذي يحكم على هؤلاء كلَّهم هو أمران:

ما جاء في كتاب الله، وما كان عليه حال النبي صلى الله عليه وسلم، وما سار عليه الصحابة الذين شهدوا نزولَ الوحي وتلقَّوا فهمه عن سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، ولذلك الميزان الفصل الذي يوزن به كلُّ قول ويوزن به كل حال، ويوزن به كل شخص هو الكتاب والسنة، وما كان عليه سلف الأمة.
طبعًا هذه جملة عامة أنت قد تقول: أنت ما قدمت لي جوابًا مفصلًا، نعم أنا لم أقدم جوابًا مفصَّلاً لكني أنزلت قاعدة أستفيد منها في الحكم على كل شيء، عندما أريد أن أعرف في التصرف الفلاني ما هو الوسط أنظر إلى الكتاب والسنة، وما كان عليه سلف الأمة، في الأمر الفلاني ما هو الوسط؟ هكذا عندي قاعدة  في كل أمر أستطيع أن أستعملها، وهذا خير من أن أجيب عن وسطية محدَّدة في أمرٍ معين، ثم نفتقد هذه الوسطية المعيار الذي نعرف به الوسطية في بقية الأمور.
معيار الوسطية أخي طارق أخي المستمع الكريم والمستمعة الكريمة هو ما دل عليه القرآن وفق ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيانه له، وما نقل عن السلف الصالح من الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- فيه الكفاية والهداية والدلالة إلى كل رشد، والله تعالى يقول: { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ }(الإسراء:9) ولكن احذر من يضلِّل؛ لأن ثمة مضلِّلين يضللون الناس ويخرجونهم عن الصراط المستقيم بدعوى الوسطية، فتجدهم يشطون بهم إلى الغلوِّ أو إلى الانحراف والوسط ما كان عليه سواد الأمة وغالب علمائها وليحذر الإنسان المنافق، وليحذر كل أحدٍ، المنافق عليم اللسان فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أحمد، وجاء في ابن حبان وغيره من حديث عمران بن حصين:«أَخوفُ ما أخاف عليكم جدال المنافق عليم اللسان».[صحيح ابن حبان:80، والبزار في مسنده:3514. قال الهيثمي:رجاله رجال الصحيح: مجمع الزوائد:886. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب:132  ]
المذيع: صاحب الفضيلة لو نلخِّص أبرز ما جاء في حديثنا هذه الحلقة عن  ضرورة الدين للحياة لو في دقيقة إن أمكن.
الشيخ: نعم خلاصة ما تقدم أن الحياة أن الدين تتَّفِق عقول العقلاء من البشر على اختلاف أديانهم أنه لا تستقيم حياة الإنسان إلا بدين، وأن الله تعالى أنعم علينا بأن جعلنا من أهل الإسلام وبهذا الكتاب الذي يهدي للتي هي أقوم، فلنستمسك به، ولنعرض عن كل ما يكون سببًا للبعد عن الصراط المستقيم، ولنحرص على تحقيق التوازن كما قال الله تعالى:{ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ }(القصص:77).
المذيع : في هذا الحديث وفي هذه الحلقة استمعنا إلى حديثكم الشيق صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح عضو الإفتاء وأستاذ الفقه بجامعة القصيم كنتم معنا خلال هذه الساعة، تحدثنا عن موضوعٍ مهم ألا وهو "ضرورة الدين للحياة" ونتمنى إن شاء الله أن تكون قد وصلت الرسالة إلينا جميعًا في هذا الموضوع، ونكون أيضًا قد تسلَّحنا بهذا العلم الشرعي الذي يفيدنا في أمور ديننا ودنيانا وأيضًا عرفنا أهمية الدين للحياة، وأنهما مرتبطان وأن تفكيكهما أمرٌ هو من الصعوبة بمكان، ويجب على الإنسان أيضًا في هذا الجانب أن يسلك ما جاء في كتاب الله -سبحانه وتعالى- ويتبع ما جاء من نبيه صلى الله عليه وسلم ويهتدي بهدي السلف الصالح، أشكركم صاحب الفضيلة، وجزاكم الله خيرًا.
الشيخ: يا أخ عبد الله قبل ما نختم أنا أقول للإخوة والأخوات المستعمين والمستمعات المشاركين في هذا البرنامج يسعدنا أن تزودونا بموضوعات تمثل نوعًا من الاهتمام عبر الوسائل التي ذكرها الأستاذ عبد الله سواءً الهشتاج أو الواتس أب أو غير ذلك من الوسائل حتى نلبِّي ما يدور في خواطركم من موضوعات تتعلق بالدين والحياة وأشكر لكم جميعًا أشكرك أخي عبد الله والسلام عليكم.
المذيع: أحسن الله إليكم، عليكم السلام ورحمة الله، نحن أيضًا بدورنا نذكر مستمعينا الكرام بأنه يمكنهم أن يتواصلوا معنا عبر الهاتف 0126477117 وكذلك عبر الرقم الآخر 0126493028 إضافة إلى رقم الواتس أب على الرقم 0556111315 أيضًا يمكنهم أن يتواصلوا معنا عبر هشتاج أو وسم برنامج "الدين والحياة" مستمعينا الكرام وصلنا إلى ختم حلقتنا في هذا اليوم، وأيضًا هذه أجمل التحية من فريق العمل من الاعداد والتقديم محدثكم عبد الله الداني، ومن استقبال المكالمات الزميل خالد فلاتة، ومن التنفيذ على الهواء الزميل محمد بصويلح حتى الملتقى بكم بإذن الله سبحانه وتعالى وأنتم على خير في حلقة الأسبوع المقبل من هذا الوقت نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات90611 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87039 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف