×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة(4) فإن له معيشة ضنكا

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أسعد الله أوقاتكم مستمعينا الكرام بكل خير، وأهلا ومرحبا بكم من برنامجكم الأسبوعي المباشر "الدين والحياة"، والذي يأتيكم عبر أثير إذاعتكم إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة.

يسعد بصحبتكم في هذه الحلقة من التقديم محدثكم عبد الله الداني، ومن استقبال المكالمات الزميل خالد فلاته ومن التنفيذ على الهواء الزميل عبد الرحمن الغامدي.

في هذه الحلقة مستمعينا الكرام لدينا موضوع مهم ألا وهو "المعيشة الضنكة" هذه المعيشة التي كتبها الله –سبحانه وتعالى-على عباده الذين استنكفوا عن أوامره –سبحانه وتعالى-وتنكبوا الطريق هذه المعيشة التي تصيب من لا يؤمنون بالله –سبحانه وتعالى-، ولا يأتمرون بأمره، ولا ينتهون بنهيه.

سنتحدث -إن شاء الله- عن هذا الموضوع باستفاضة وبتفصيل أكثر، ويسعدني أيضا أن أرحب بضيفي وضيفكم في هذه الحلقة وفي هذا البرنامج ضيفنا الدائم صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح عضو الإفتاء وأستاذ الفقه بجامعة القصيم، باسمي واسمكم أرحب بفضيلته، فالسلام عليكم ورحمة الله صاحب الفضيلة.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته مرحبا بك أهلا وسهلا أخي عبد الله أهلا وسهلا.

المقدم: حياكم الله شيخ خالد فيما يتعلق بحديثنا في هذه الحلقة عن المعيشة الضنكة، ربما هناك تفسيرات وتأويلات لهذه المعيشة، لكن ما هي المعيشة التي تسمى بالفعل أو توصف بأنها معيشة ضنكة؟

الشيخ: أولا السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أحي الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، وأسأل الله تعالى لي ولهم سعادة الدارين والتوفيق والسداد.

هذه القضية التي ضمنها الله تعالى في قوله: ﴿ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى﴾+++[طه: 124]---.

 جديرة بالعناية والوقوف عندها لمعرفة ما هي معالم، أو ما هي حقيقة الحياة الضنك؟ وما هي معالمها؟ وما سبيل النجاة منها؟ وكيف يخرج الإنسان من دائرة الكدر والضيق والقلق والحيرة التي هي من ثمرات ومعالم الحياة الضنك والمعيشة الضنك؟

المعيشة الضنك التي ذكرها الله تعالى في كتابه ذكرها وعيدا وعقوبة على عمل قال –جل وعلا-: ﴿ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا﴾+++[طه: 124]---، فذكر الله تعالى لهذا الإعراض أو لهذا العمل وهو الإعراض عن ذكره -جل في علاه- عقوبتين؛ عقوبة عاجلة، وعقوبة آجلة.

أما العقوبة العاجلة فهي عيشة الضنك، وأما العقوبة الآجلة فهي ﴿ونحشره يوم القيامة أعمى﴾+++[طه: 124]---، والعمل هنا عمل بصر وعمل بصيرة، فلا يهتدي إلى سبيل، ولا يخرج من مآزق، ولا ينجو من هول من أهوال ذلك اليوم.

العقوبة المؤجلة واضحة فإن الله تعالى ذكرها ويظهر منها ما يكون من آثارها، فالعمى انطماس في البصيرة والبصر، لا يدرك به الإنسان شيئا من مصالحه ومنافعه.

وأما العقوبة المعجلة وهي المعيشة الضنك فهي في الحقيقة تبدأ بالقلب؛ حيث إن المعيشة الضنك نوع من القلق الذي ينزل بالقلب، فلا يطمئن ولا ينشرح بل يكون القلب في غاية الضيق والحرج والاطراب وعدم السكون، وكل هذه المعالم التي تبرز فيها الحياة الضنك لا يمكن أن ينفك عنها من أعرض عن ذكر الله –عز وجل- مهما كان في ظاهره وفي بدنه وفي مكتسباته وفي يديه من صور النعيم وأنواع الملذات وصنوف المشتهيات والسعة في المآكل والمشرب والملبس والمركب.

كل هذا لا يخفي ولا يحجب حقيقة أن الحياة التي يعيشها ليست طيبة، الحياة التي يعيشها ليست ضنكا، والضنك يدل على الضيق، لما تقول هذا مكان ضنك يتبادر إلى ذهنك وفهمك أنه مكان ضيق، ومكان فيه من المتاعب والمشاق ما تحتاج أن تخرج عنه، أن تنأى عنه، أن تبعد عنه.

وهذا الملازم لكل من أعرض عن سنة الله –عز وجل-فإن ذكر الله سبب الانشراح، ذكر الله –عز وجل-به يدرك الإنسان الحياة الطيبة، ذكر الله –عز وجل-به يهتدي إلى مصالح دينه ودنياه،لكن المقابل له هو الإعراض عن ذكره وليس فقط الإعراض عن الذكر هنا المراد به ترك التسبيح والتحميد والتهليل، بل هو أوسع من ذلك هذا وغيره، وهو عدم الإقبال على الإسلام والدين والهداية والبصيرة التي فتح الله تعالى بها قلوب الناس بهذه الرسالة المباركة التي جاء بها سيد ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه.

يقول الله في محكم كتابه: ﴿فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا﴾+++[الأنعام: 125]---، انتبه إلى هذا التوقيف الذي يفسر قول الله –جل وعلا-: ﴿ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا﴾+++[طه: 124]---، يجعل صدره ضيقا حرجا، هذا هو الضنك الضيق والحرج والقلق واصطفى الله تعالى ذلك بضرب المثل، قال: ﴿كأنما يصعد في السماء﴾+++[الأنعام: 125]---، أي كأنما يتنفس في منطقة عالية شاهقة حيث يقل معدل الأكسجين في الهواء مما يجعل الإنسان كالذي يلهث هكذا بهذه الطريقة التي يجذب فيها الهواء بأقصى ما يستطيع ليأخذ حاجته، ليأخذ البدن حاجته هذا الذي أعرض عن ذكر الله –عز وجل-أعرض عن هداه، أعرض عما جاء به النبي –صلى الله عليه وسلم-من الهدى ودين الحق، أعرض عن القيام بشرائع الإسلام، أعرض عن ذكر الله بقلبه وقال به وجوابه وفؤاده هذا هو الموعود بهذه العقوبة وهي عقوبة الصدر الضيق الحرج الذي يفتقد الطمأنينة والأمان.

أخي عبد الله!كثير من الناس قد يتوهم أن هذه العقوبة فيها ما يراه من نعيم وسعة في الأرزاق وكثرة في العطايا في حق قوم امتلأت قلوبهم بالإعراض عن الله –عز وجل-، فليس فيها شيء من طاعته، ولا شيء من القيام بحقه، فيكون هذا مربكا، كيف يكون هؤلاء على هذا النحو من السعة في العطايا، من سعة المساكن وفي الأموال، من السعة في المكتسبات من الرقي، من غير ذلك من الأشياء التي يتنعم بها الناس في الحياة الدنيا، وفي المقابل تكون حياتهم ضنكا في الحياة، الضنك في ميزان كثير من الناس في ألا تجد مرتبا هنيئا، ولا تسكن مسكنا فارها، ولا تأكل مأكلا لذيذا، ولا تدرك حاجتك ومطالبك التي بها تعيش.

هذا معيار كثير من الناس فيما يتعلق بالضنك والسعة، فيما يتعلق بالسعادة والشقاء يقصرونه على الصور المادية.

 لما جاء النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى قريش بالحق والهدى ودين الله –عز وجل- الذي به سعادة الدنيا والآخرة، قابله من قابله من قومه بالتكذيب والإعراض، واتهموه بألوان من التهم، يقول الله تعالى: ﴿ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون * وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم﴾+++[الزخرف: 30-31]---، من هو العظيم في نظرهم؟

العظيم هو صاحب المكانة العالية، الأموال الكثيرة، الملذات الوفيرة، يقول الله تعالى: ﴿أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا﴾+++[الزخرف: 32]---، ثم بعد أن ذكر كل هذه الفروقات التي يتمايز بها الناس في الجاه، وفي المال، وفي المنصب، وفي النسب، وفي سائر مكتسبات الدنيا، يقول الله تعالى: ﴿ورحمة ربك خير مما يجمعون﴾+++[الزخرف: 32]---، خير من كل هذه المتع التي يتسابق بها الناس، خير من كل هذه المظاهر التي يتنعم بها الناس، فيتسابقون بها ويرون التفاضل دائرا حولها.

يقول الله تعالى بعد ذلك: ﴿ولولا أن يكون الناس أمة واحدة﴾+++[الزخرف: 33]---، يعني لولا أن يكون الناس محصورين في الكفر والإعراض عن الله –عز وجل-﴿لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون * ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا﴾+++[الزخرف: 33-35]---، يقول الله –جل وعلا- في هذه الآيات لولا أن الناس يمكن أن يفتنوا بفتح الدنيا على أكمل ما يكون من أوجه الفتح على المعرضين والصادين والكافرين والمكذبين للرسل، لولا أن يكون هذا فتنة لأكثر الناس فيجعلهم يقبلون على الكفر، لجعل الله تعالى للكافر من المتاع في بيته على نحو يدهش العقول ﴿لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا﴾ يتزينون به، لكن كل ذلك في حقيقته كما قال الله تعالى: ﴿وإن كل ذلك﴾+++[الزخرف: 35]--- يعني وما كل ذلك ﴿وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين﴾+++[الزخرف: 35-36]---.

انتبه بعد هذا النعيم الذي ذكره الله الذي يمكن أن يصيب الكافر ويمكن أن يناله المعرض عن الله –عز وجل-، لكن هذا لا يسلمه من حجيم يتلظى في جوفه، ولهيب يشتعل في صدره، وهو أثر الإعراض عن ذكر الله، وهي المعيشة الضنك مما فسر الله تعالى به ذلك هذه الآية ﴿ومن يعش عن ذكر الرحمن﴾+++[الزخرف: 36]--- أي يعرض ﴿نقيض له شيطانا فهو له قرين﴾ هذا الشيطان يقارنه ماذا يصنع؟ ﴿وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون * حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين﴾+++[الزخرف: 37-38]--- هكذا يبين الله تعالى في هذه الآية عظيم ما يعانيه أولئك المعرضون، أولئك المكذبون، أولئك المشتغلون عن ذكر الله –عز وجل-بغيره من متع الدنيا، من العذاب الأليم والشقاء الكبير.

يا أخي الكريم أخي عبد الله وأختي المستمعة الكريم والمستمع الكريم من المهم أن نعرف أن الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة، ولذلك يعطي الله تعالى فيها كل أحد من المؤمن والكافر، لكن لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة لما سقى فيها كافرا شربة ماء، لماذا؟

يا أخي! الله جل في علاه خلقنا، وأنعم علينا بألوان من النعم في بطون أمهاتنا، وأخرجنا لا نعلم شيئا، ثم مكننا من التعلق والمعرفة حتى أدركنا سمعا وبصرا وعقلا وفكرا وبنينا مكاسب عظيمة، كل هذا بفضل الله ثم العبد، هذا الذي تفضل الله عليه، كل هذه الألوان يكفر به لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة لمنع الكافر من هذا الإحسان، لكن لا تعدل عند الله تعالى شيئا.

ولذلك يقول –جل وعلا-: ﴿فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء﴾+++[الأنعام: 44]---، تصور: أبواب كل شيء: أبواب الترف، أبواب المتع، أبواب التنعم البدني، أبواب التنعم في المراتب وفي المآكل وفي المشارب وفي الملابس، لكن كل ذلك لا يخفي حقيقة أن قلوبهم تصطلي بالبعد عن الله، أن قلوبهم تصطلي بالجهل به، فالقلوب لها حال مع الله –عز وجل-مختلف تماما عما يناله البدن من النعيم، فالقلب إذا أعرض عن الله –عز وجل-شقي وتعس وأصابه من الأكدار ما لا يمكن أن يعوضه نعيم مهما طال ومتعة مهما لذت.

لذلك ينبغي للمؤمن أن يستبصر أن هذه النعم وهذه العطايا وهذه المكتسبات التي عند أهل الكفر وأهل الفسق وأهل الفجور وأهل المعصية لله –عز وجل-ليست دلالة على محبة ولا على رضا، ولا على إكرام، ولا على سعادة.

أما الأول فالله تعالى يقول: ﴿فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن * وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن﴾+++[الفجر: 15-16]--- حبس عنه بعض ما يشتهي وما يحب ﴿وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن﴾+++[الفجر: 16]---، ماذا قال الله تعالى بعد ذلك؟ ﴿كلا﴾+++[الفجر: 17]---، يعني ليس الأمر كذلك يعني ليس العطاء لحب، ولا المنع لبغض، ولا العطاء للإكرام ولا المنع للإهانة، ذلك كله وفق حكمته –جل وعلا-، فالله تعالى يمد هؤلاء وهؤلاء مع عطاء ربك ﴿وما كان عطاء ربك محظورا﴾+++[الإسراء: 20]---، مقصورا على جنس من الناس، أو فئة مؤمن أو كافر، بل يعطي الله تعالى الدنيا من يحب ومن لا يحب، يعطي المؤمن ويعطي الكافر، وقد أعطى الله في الدنيا ملكا لسليمان لم ينله أحد من العالمين لا الأولين ولا الآخرين، وهو من عباد الله الصالحين، فالعطاء ليس مقصورا على أهل الكافر، ولا على أهل العناد يكون لهؤلاء وهؤلاء.

لكن الذي ينبغي يدرك أن هذا العطاء إذا لم يوجه إلى طاعة الله تعالى وما يحبه –جل وعلا-، فإنه شقاء على صاحبه يورده المهالك ويوقعه في أنواع المآسي.

لذلك ينبغي للمؤمن أن يفهم أن المعيشة الضنك ليست هي قلة المال، ليست هي عدم تيسر المطالب والمحاب والملذات الدنيوية، ليست هي كثرة الضغوط والعوائق التي تصيب الإنسان، ليست هي ألا يجد مسكنا هنيئا، وألا يجد مركبا هنيئا وألا يجد مأكلا هنيئا، لا، كل هذا من البلاء يبتلي الله تعالى به المؤمن والكافر.

ففي الكفار من هو أضيق الناس عيشا، ومنهم من هو أعلى الناس عيشا، وفي المسلمين كذلك من هو أضيق الناس عيشا، ومنهم من هو أهنؤهم وأرغدهم عيشا لكن كل هذا وهذا سواء كان العطاء الدنيوي لمسلم أو العطاء الدنيوي لكافر لا يغنيه عن طمأنينة القلب وانشراحه وهدوئه وسكونه، لذلك ينبغي أن نصحح النظرة في فهم ما هي الحياة الضنك؟ ما هي المعيشة الضنك؟ التي توعد الله تعالى بها من أعرض عن ذكره.
المذيع: جميل إذا المظهر ليس دليلا على أن الإنسان يعيش عيشة سعيدة أو عيشة ضنكا، المسألة تتعلق بما تعيشه الروح من ضيق أو سعة وهذا الأمر هو الذي ينبني عليه رضا الله سبحانه وتعالى، أيضا.

  إذا ما ذكرنا صاحب الفضيلة فيما يتعلق بالمعيشة الضنكة طبعا تكون بأمور كثيرة يشعر بها العاصي فمثلا مثل ما يقال: إن آثار الحسنات والسيئات في القلوب والأبدان والأموال هي أمر مشهود في العالم يعني لا ينكره ذو عقل سليم بل يعرف هذا الأمر المؤمن والكافر والبر والفاجر كما أن أيضا للحسنة مثل ما قيل نورا في القلب وضياء في الوجه وقوة في البدن، هناك في الجانب الآخر يعني للسيئة سوادا في الوجه، وظلمة في القلب ووهنا في البدن، وغير ذلك إضافة إلى الضيق في المعيشة فيما يتعلق بنقص الرزق وتبغيض هذا الإنسان في قلوب الخلق كيف يمكن أن نبين مثل هذا الأمر؟ خاصة وأن الكثيرين ربما يعانون من هذه الأمور التي ذكرنا عنها آنفا أو ذكرناها آنفا، لكنهم لا يعلمون حقيقة ما يجري لهم فيما يتعلق بوسائل الإصلاح ووسائل الشفاء من هذه الأعراض التي تعرض لهم لا يعلمون حقيقة ما يجري لهم، وبالتالي هم لا يصلون إلى الحل الجذري لاجتثاث ما يعانون به في دواخلهم.
الشيخ: بالتأكيد هو الإنسان العلاج يا أخ عبد الله والأخ الكريم والأخت الكريمة العلاج هو فرع معرفة ما في القلب من إشكال، علاج هذه القضية هو في سلامة التشخيص للسبب، هذا الضيق الذي قد يطرأ على الإنسان في معيشته في حياته هو إذا نظر إليه الإنسان بنظرة فحص وتدقيق عرف كيف يسلم من آثاره وعرف كيف يجعل تلك النوازل منحا تلك البلايا هبات تلك المحن منحا، وبالتالي من المهم أن يدرك المسلم أن ما ينزل به من مصيبة ما ينزل به من ضيق هو في الحقيقة مما جبل الله تعالى عليه الدنيا، لكن المسلم لما نقول: الحياة الطيبة والمعيشة الضنك لا يعني أنه لا يصاب الإنسان إذا كان قد عمل الأسباب التي يدرك بها الحياة الطيبة، وأبعد عن أسباب الضيق والمعيشة الضنك.
البلايا والمصائب تنزل بالمؤمن والكافر بل يبتلى الناس على قدر إيمانهم، فالأنبياء ثم الأمثل فالأمثل «ومن يرد الله به خيرا يصب منه»+++[صحيح البخاري:ح5645]--- كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح من حديث أبي هريرة، فليس ثمة تلازم أو ارتباط بين عدم المعيشة الضنك والمشاكل والمصائب التي تنزل بالإنسان.

 يعني سيد ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه الذي فتح الله تعالى له من العلوم والمعارف الشيء الكثير الذي من به عليه صلوات الله وسلامه عليه، مع هذا كان فيما يتعلق بأمور الدنيا على نحو من القلة ما هو معروف وحفظته أخباره -صلوات الله وسلامه عليه- وسيرته، هذا في الصحيح أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- دخل على النبي صلى الله عليه وسلم في حجرته ووجده صلى الله عليه وسلم على حال من الضعف في ممتلكاته، قال قولا قال: يا رسول الله هذه حالك وهذا كسرى وقيصر وهم على ما هم فيه من نعيم وسعة وكمال عيش؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :« أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟»+++[صحيح البخاري:4913، ومسلم:1479/30]---
هذا الحديث الذي يوصف حال النبي صلى الله عليه وسلم من قلة ذات اليد، فهذا سيد ولد آدم -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يبيت على حصير، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، وعند رجليه قرظ مصبوب زهيد، وعند رأسه أهب معلقة، وحصر شيئا من المكتسبات شيئا قليلا، هكذا يصف عمر حال النبي rفبكى لما رأى هذه الحالة الضعيفة لسيد ولد آدم الذي، لو شاء لسأل الله أن يجري الأنهار من تحت قدميه، وأن يفتح له خزائن الأرض ويفتح عليه بركات من السماء، لكنه صلوات الله وسلامه عليه آثر ما عند الله، فلما بكى عمرtوقال: يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله يعني على هذا الحال فقال: « أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة» لذلك ينبغي للمؤمن أن يعرف أن هذه الدنيا مهما فتحت ومهما أعطي فيها الإنسان فإنها لا تغنيه عن طمأنينة القلب وانشراح الصدر، والحياة التي هي الحياة الحقيقية التي يكون فيها الإنسان قريبا من الله طائعا له قائما بحقه، وبذلك يحقق المعيشة الطيبة والحياة الطيبة، ويسلم من المعيشة الضنك.
لذلك من المهم عندما تنزل بك نازلة أيها الأخ الكريم والأخت الكريمة أن تتذكروا أن الدنيا مجبولة على هذا، وأن الله تعالى إن صبرتم حط بهذا عنكم من الأوزار والخطايا ورفع بذلك من الدرجات، وبلغكم منازل قد تقصر عنها أعمالكم، ولذلك ينبغي أن تقابل الأقدار بالصبر، والمرتبة الأعلى أن يقابل ذلك بالرضا كما هو حال سيد ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه.
المذيع: شيخ خالد مثل ما قيل في الحديث الشريف أنه« لا يزال البلاء بالعبد حتى يجعله يمشي على الأرض وما عليه خطيئة»+++[سنن الترمذي:2398، وقال:هذا حديث حسن صحيح]--- إذا ما استحضر الإنسان مثل هذا الفضل والثواب والأجر من الله سبحانه وتعالى فإنه حتما سيخف عليه ما نزل به من البلاء.

 أستأذنك صاحب الفضيلة في الإعلان عن أرقام التواصل في هذا البرنامج للمستمعين الكرام لمن أراد أن يشاركنا في حلقتنا لهذا اليوم عن المعيشة الضنكة الرقم الأول هو 0126477117 والرقم الآخر وهو 0126493028 وعلى الواتس أب على الرقم 0556111315 إضافة إلى الهشتاج برنامج "الدين والحياة".

 أستأذنكم في هذا الاتصال من المستمع بندر الحارثي تفضل أخي بندر.
المتصل: السلام عليكم.
المذيع: وعليكم السلام، أهلا وسهلا.
المتصل: الله يمسيك بالخير أنت والشيخ والمستمعين الكرام.
المذيع: الله يمسيك بالنور أهلا وسهلا تفضل بسؤالك.
المتصل: الله يرضى عليكم  يا حبيبي عندي استفسار والشيخ يجاوبني عليه اللي هو كيف نفرق بين العقوبة والابتلاء؟ يعني الحين أنا أبغى أفرق بين العقوبة والابتلاء، وإذا كان هي العقوبة كيف النجاة مثلا منها؟ وأكون في الطريق السليم والابتلاء كيف الصبر واحتساب الأجر؟ والشكر لكم.
المذيع: شكرا أخي بندر تفضل شيخ خالد.
الشيخ: هو تكملة للنقطة السابقة حتى نصل إلى الجواب أخينا الكريم أنه يعني من المؤكد أن يهتم الإنسان بقضية واضحة أن ما يجري في الدنيا من أكدار من أقدار مؤلمة من مصائب هو جبلة وطبيعة لها ليس غريبا فيها فالله تعالى يقول: { لقد خلقنا الإنسان في كبد }+++(البلد:4)---، وهذا من رحمة الله بعباده وبالناس أن لم يجعل الدنيا على نحو من البسط في كل شيء، وإدراك كل المرغوبات والسلامة من كل ما يكرهه الناس لأجل أن لا يأنسوا بها ويركنوا إليها، فالمصائب والنوازل والبلايا مذكرات وعبر للعودة سواء كانت هذه المصائب نتاج سيء عمل أو كانت هذه المصائب تذكرة وعظة، فالله تعالى يذكر الناس بهذا ولهذا قال الله تعالى: { ونبلوكم بالشر والخير فتنة }+++(اللأنبياء:35)---.

 والله تعالى يجري من المنبئات بسبب قصور الناس ما يكون سببا لإفاقتهم { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا }+++(الروم:41)--- فينبغي أن يعلم أن الدنيا مجبولة على هذا النقص  والضيق في الأمور التي تتعلق بالتنعم، لكن ذلك لا يعني أن ذلك لازم لك، الدنيا تتغير وتتحول، ويبتلى ناس بالسراء ويبتليى ناس بالضراء{ ونبلوكم بالشر والخير فتنة }+++(اللأنبياء:35)---.
  
لكن هنا سؤال مهم وهو يعني هل ما يصيب الإنسان بسبب ما جرى منه من نقص وتقصير وقصور أم أنه ابتلاء؟ يعني هذا سؤال يتكرر كثيرا هل ما أصابنا بسبب ذنوبنا أو ما أصابنا هو ابتلاء من الله- عز وجل- ؟

أقول الحقيقة من المهم أن نعرف أن الواجب على المؤمن أن يصبر في كل ما ينزل به سواء كان ذلك عقوبة أو كان ذلك أو كانت تلك المصيبة ابتلاء، فالصبر هو ما تقابل به البلايا وما ينزل بالإنسان من مكروهات، وكون الإنسان قد يبتلى بذنبه وأن البلاء يبتلى المؤمن على قدر إيمانه كما جاء في الحديث+++[أخرجه أحمد في مسنده:1555من حديث سعد بن أبي وقاص قال سعد: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: " الأنبياء، ثم الأمثل، فالأمثل، حتى يبتلى العبد على قدر دينه، وقال الحاكم: . وهذا حديث صحيح على شرط الشيخين. المستدرك:120]---فهنا قد يسأل الإنسان عن كيف أفرق بين هذا وهذا؟.
 
التفريق باختصار وإيجاز أنه ما كان من البلايا ناتجا عن معصية فهو من عقوبتها، وما كان لا سبب له مباشر من الإنسان فهذا من البلاء الذي يحط الله تعالى به الخطايا، ويحصل به التذكير، ويحصل به العبرة لكن في الجملة ما أصاب الإنسان من نقص فهو بسبب قصوره أو تقصيره قال الله تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير}+++ (الشورى:30)--- لكن هذا في مجمل المصائب لكن ما كان من المصائب ناتجا عن الطاعة كأن يتمسك الإنسان بالهدي فيستهزأ به  هذا بلاء ومصيبة، لكن هذا ناتج عن طاعة، وما كان ناتجا عن طاعة فإنه يرفع الله تعالى به الدرجات ويعلي به المنازل، ويميز الله تعالى به المؤمن من الكافر كما قال تعالى: { أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون }+++(العنكبوت:2)--- فالمؤمن يبتلى بأنواع من البلاء ليمحص إيمانه ليعلم صدقه، لكن في المقابل ثمة مصائب تنزل به وهذا هو الكثير الذي يصيب الإنسان بسبب قصوره أو تقصيره، وفي الكل يجب عليه كثرة التوبة  زي ما الأخ قال يعني الأخ قال إذا كان بلاء فكيف نصبر؟ وإذا كان عقوبة فكيف نتخلص؟ الجواب أنه في كلا الحالين نحتاج إلى الصبر والتقوى والإيمان.
الصبر لتحمل أقضية الله وأقداره: «فما أعطي أحد عطاء خير ولا أوسع من الصبر»+++[صحيح البخاري:1469، صحيح مسلم:1053/124]--- والتوبة لأن التوبة يدفع الله بها عن الناس الشر، يثبتهم ويغفر ذنوبهم فليقابل تلك البلايا بكثرة التوبة والاستغفار، فإنه مما يدفع به البلاء سواء كان بلاء ناتجا عن معصية أو كان بلاء بسبب قصور أو تقصير.
المذيع: شيخ خالد أستأذنكم أيضا في هذا الاتصال من عمر عبد الله من الرياض تفضل أخي عمر.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله.
المذيع: عليكم السلام ورحمة الله.
المتصل: كيف لونك يا شيخ طيب.
المذيع: يسمعك الشيخ تفضل بسؤالك.
الشيخ: حياك الله مرحبا بك.
المتصل: يا شيخ فيه حرمة ظلمتنا إحنا وإخواني والعائلة كاملة والآن الحرمة هذه توفيت ونحن متضررين من المظلمة هذه لدرجة إن الوالدة الآن مريضة ما قادرين نعالجها إيش الحكم يعني.
الشيخ: يسأل عن الدعاء على الظالم.
المذيع: يقول إن امرأة ظلمتهم ودعوا عليها وهي الآن توفيت، صحيح يا أخي عمر.
المتصل: نعم أخوي.
الشيخ: أنت تسأل عن حكم الدعاء عليها، وهي قد ماتت.
المتصل: ماتت وعيالها موجودين وما صلحوا ما فعلت إلى الآن.
الشيخ: المظلمة تتعلق بعرض ولا بإيش؟ تتعلق بعرض ولا بمال يمكن تداركه.
المتصل: بمال يمكن تداركه.
المذيع: يجيبك الشيخ على سؤالك شكرا يا أخي عمر، تفضل يا شيخ خالد.
الشيخ: فيما يتعلق بالدعاء الدعاء هو من أعظم الأبواب التي يفزع إليها أهل الإيمان في الشدائد وفي الضيق وفي السعة وفي كل حال، وإذا كان الإنسان قد أصيب بمصيبة ودعا على من ظلمه فإنه لا حرج عليه في ذلك وهذا مما أذن الله تعالى به في قوله تعالى { لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما }+++(النساء:148)--- فالله- عز وجل أذن -للمؤمن أن يدعو إذا كان قد ظلم، أن يدعو على ظالمه وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس في قصة بعث معاذ إلى اليمن قال:« واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب»+++[صحيح البخاري:1496، ومسلم:19/29]--- وهذا يبين أن دعاء المظلوم على الظالم مما أذنت فيه الشريعة وهو مما ينزل عند الله تعالى منزلة عظمى ومكانة كبرى، وعلى خطر أن يجاب المظلوم فيما دعا على ظالمه، لأجل أن يستنقذ حقه، فينبغي للمؤمن أن يتقي الله تعالى، وأن يجنب نفسه أسباب الهلاك، فمن الدعوات التي لا ترد كما في حديث أبي هريرة+++[الترمذي في سننه:1905،عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده ". هذا حديث حسن.]---،وحديث عبد الله بن عمرو+++[أشار إليه الترمذي في سننه:1905]--- دعوة المظلوم فإنه لا ترد وقوله: « اتق دعوة المظلوم» في الحديث السابق حديث عبد الله بن عباس « واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» يدل على أنها واقعة موقع إجابة.
 
وقد جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث سعيد بن زيد رضي الله تعالى عنه أن امرأة خاصمته في أرض فادعت عليه أنه قد أخذ أرضها، وسلبها حقها فقال سعيد -رضي الله تعالى عنه- كيف أفعل ذلك وقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«من أخذ شبرا من الأرض ظلما طوقه يوم القيامة من سبع أراضين» فقضى الحاكم لهذه المرأة على الصحابي الجليل المبشر بالجنة سعيد بن زيد رضي الله عنه فدعا رضي الله تعالى عنه عليها فقال: اللهم إن كانت كاذبة فأعمي بصرها واقتلها في أرضها فذكر الرواة كما في صحيح الإمام مسلم فما ماتت حتى ذهب بصرها ثم بينما هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت. +++[صحيح مسلم:1610/139]---،  أي أجاب الله تعالى دعوة سعيد بن زيد -رضي الله تعالى عنه- في هذه المرأة التي ظلمته وأخذت حقه، واتهمته بما اتهمت به هذا الصحابي الجليل من أخذ الأرض، والمقصود أن المظلوم له أن يدعو على ظالمه بقدر مظلمته، ولا حرج عليه في هذا الدعاء سواء كان ذلك في حياته أو كان ذلك بعد موته؛ لأنه قد وتر في حقه، وكلم في ماله أو نفسه أو عرضه، وبالتالي له أن يأخذ حقه بما شاء لكن إن عفا وأصلح واحتسب ذلك عند الله فهذه منزلة عليا، يقول الله تعالى { وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين }+++ (الشورى:40)---.
المذيع: كيف يستنقذون أمهم وهي الآن يعني متوفاة.
الشيخ: لذلك أنا سألت الأخ هل يمكن تدارك الحق؟ وأنا أقول: الأخ الكريم السائل ينبغي أن يتواصل مع ورثة هذه المرأة ويذكرهم بالله -عز وجل-، وأنها قد ظلمتهم، وأن المظلوم حقه لا يسقط بموت الظالم بل حقه باق ما دام أنه ترك ما يستوفى منه، فإن لم يترك ما يستوفى منه فينبغي لأوليائه من أهله وولده أن يسعوا في فك المظلمة، جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من كان له عند أخيه مظلمة فليتحلله الآن قبل أن لا يكون درهم ولا دينار»+++[صحيح البخاري:2449]--- أي ليتحلل من هذه المظلمة التي نزلت به الآن قبل أن يأتي يوم القيامة وليس عنده درهم ولا دينار يفي به المظالم التي ثبتت عليه وتعلقت بذمته، فلعل هؤلاء الإخوة الذين علموا بهذه المظلمة أن ينقذوا والدتهم بما يستطيعون من استسماح، من إعطاء مال، من السعي في رضاء المظلوم حتى تسلم من الظلم، حتى ولو لم يدعو عليها يعني الظالم معذب ولو لم يدعو المظلوم فكيف إذا دعا المظلوم؟ يعني إذا دعا المظلوم تكون المسألة مضاعفة؛ لأنه يلح على الله في استنقاذ حقه، يلح على الله في الانتقام ممن ظلمه، فيكون هذا من موجبات تعجيل العقوبة والانتصار لها، فوصيتي أن يذكرهم لعل الله أن يشرح صدورهم وأن يهديهم.
المذيع: ننوه أيضا مستمعينا الكرام أنهم يتقيدون في مداخلاتهم ووسيلتهم في موضوع حلقتنا حتى نحاول نأخذ القدر الأكبر من الاتصالات التي ترد إلينا، أستأذنكم صاحب الفضيلة أيضا هذا الاتصال من المستمع عبد السلام من الرياض تفضل أخي عبد السلام، إذا ربما فقد الاتصال مع المستمع الأخ عبد السلام، طيب شيخ خالد كنا نتحدث في موضوع المعيشة الضنكة، وهذه المعيشة التي بالفعل يخاف منها كل مؤمن موحد لله -سبحانه وتعالى-، ويخشى أن يدركها  أو يخشى أن تدركه يعني هناك سبل للوقاية من هذه المعيشة الضنكة، وسبل للوقاية من كل طرقها وأبوابها كيف يسد المؤمن عن نفسه هذا الباب؟.
الشيخ: من أعظم السبل التي يتوقى بها الإنسان المعيشة الضنك إذا أذنت لي يا أخ عبد الله.
المذيع: تفضل يا شيخ.
الشيخ: نقدم قضية قبل العلاج ما الذي ينتج عن الحياة الضنك يعني هناك نتائج يعني للحياة الضنك يدركها الإنسان في معاشه وحياته،فلو وقفنا عند بعض هذه المظاهر التي بها تعرف آثار الحياة الضنك، يعني نحن ذكرنا أن المعيشة الضنك أبرز ما يظهرها وحقيقتها تدور على الضيق والحرج الذي ينزل بالقلب لكن ثمة أيضا أمور مرافقة مصاحبة هي ثمار هذا العمى الذي ينزل بالقلب أن يكون الإنسان على نحو من الغفلة المطبقة التي يتعطل بها سمعه، يتعطل بها فكره، يتعطل بها قلبه عن أن يعي ما ينفعه، ويخرج من هذه الأزمة، وهنا تكون القضية يعني ظلمة على ظلمة كما قال تعالى: { ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها }+++(النور:40)---.

 فمن نتائج الإعراض عن ذكر الله عز وجل ومن نتائج المعيشة الضنك أن تعطل القلوب عن التفكر، والآذان عن السماع سماع الحق، والأعين عن الاعتبار بالآيات التي جعلها الله تعالى دالة على الحق والهدى، يقول الله تعالى: { ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه }+++(الكهف:56)---، ثم انظر الثمرة { إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا }+++(الكهف:56)--- ، هذه من ثمار ونتائج المعيشة الضنك: انسداد سبل الهداية، إغلاق المنافذ وتعطل آلات الإدراك التي بها يعرف الحق من الهدى، ويعرف الخير من الشر، ويتوقى مواطن الردى، كما قال الله تعالى: { ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون }+++(الأنفال:23)---، فهم على نحو من القسوة في قلوبهم والإعراض، لا ينتفعون بالآيات، ولا يتعبرون كما قال تعالى: { وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون }+++(يوسف:105)---، ويقول جل وعلا :{ ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون }+++(السجدة:22)---، لذلك من المهم أن نعرف أن حياة المعرض عن الله، حياة الغافل عن الهدى، حياة المعرض عن الإسلام، حياة المعرض عن هدي خير الأنام صلوات الله وسلامه عليه، حياة في غاية الجفاء والتوحش والانزعاج والاضطراب، تأمل ما ذكره الله في سورة المدثر { فما لهم عن التذكرة معرضين }+++(المدثر:49)---، ثم انظر إلى حالهم كيف هم بعد إعراضهم عن الهدى، كيف وصفهم الله بهذا الوصف المقزز {كأنهم حمر مستنفرة * فرت من قسورة }+++(المدثر:50 و51)--- يعني كأنهم حمر جاءها أسد، هذا الأسد تهددها بالقتل، كيف تنفر مضطربة إلى كل اتجاه، لا تلوي على شيء، ولا تدرك سلامة بهذا الهروب؛ لأن الأسد من قوته وعدوه سيدركها { كأنهم حمر مستنفرة * فرت من قسورة }+++(المدثر:50 و51)---.

 إن الإعراض عن الله -عز وجل- سبب من أسباب الضيق الذي يبلغ بالإنسان حدا من الانسداد في الأفق ما قد يجعله يقدم على إهلاك نفسه { ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا }+++(الجن:17)--- عذابا شديدا بالغا، وهذا ليس في الآخرة فقط، بل هذا في الآخرة وفي الدنيا كما قال الله تعالى: { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين }+++(الزخرف:36)--- يعني في الحياة الدنيا قبل الآخرة ويدرك من شؤم مصاحبة هذا الشيطان ما يفوته الخير، لذلك تجد هؤلاء في كدر، في ضيق، في عدم رضا، في سعي ولهو وراء المسكنات؛ لأنهم يظنون أن المتع والملذات من الخمور والتنعم بألوان المتع الدنيوية هي التي ستجلب لهم السعادة، وهي لا تزيدهم إلا شقاء.

 القلب مفطور على محبوبه الأعلى، فلا يغنيه عنه حب ثاني، فمهما اشتغل بحب آخر من ملذات الدنيا ومتعها فإنه لن تسد هذه الفاقة التي في القلوب التي لا يسدها ولا يكفيها إلا أن تلجأ إلى الله وتمتلأ بالإقبال عليه، من هنا ننتقل إلى النقطة الثانية.
المذيع: قبل أن نتحدث عن سبل الوقاية  يا شيخ خالد نستأذنك فقط في آخر اتصال ثم نأتي إن شاء الله على مسألة سبل الوقاية من هذه المعيشة، تفضل أخي عبد السلام من الرياض.
المتصل: ألو السلام عليكم كيف حالك شيخ عبد الله طيب؟
المذيع: الله يحيك يسمعك الشيخ خالد.
المتصل: الله يعافيك يا شيخ، كيف حال الشيخ خالد طيب؟
الشيخ: مرحبا مرحبا الله يحييك.
المتصل: الله يحييك، معي يا أخي عندي يعني قدر الله سبحانه وتعالى في مقدوره مرضا، وحاولت إني أتعالج هنا وهنا حتى إنه سبب لي زي الحالة كده فأصبحت إني عضو من أعضائي أشوف الناس حولي يستهزأ بي، فأنا ما عندي من حفظ كتاب الله وأصلي بهم في المسجد في غالب الأوقات والحمد لله، يعني ما أحد الكمال لله سبحانه وتعالى، ما سوينا شيء غير إن إحنا راضيين بقضاء الله وقدره، بس إني أخشى إن هذا يكون قد عاقبني الله فيه عقاب، هذا اللي يؤلمني بس يا شيخ، وجزاك الله، ادعيلنا معك.
المذيع: أبشر إن شاء الله، طيب نجيب السؤال، يجيب صاحب الفضيلة على السؤال وشكرا لك أخي عبد الله تفضل شيخ خالد.
الشيخ: أولا أسأل الله تعالى أن يمدك بالعفو والعافية، وأن يرزقك الصبر والاحتساب على ما أصابك، وأن يخفف عنا وعنك، وأن يدفع عنك أذى المؤذين، واستهزاء المستهزئين، الإنسان إذا شهد نعمة سلبت من غيره، ومن الله تعالى بها عليه يحمد الله تعالى أولا على ما متعه به من نعمة، ويسأله المعافاة من سلبها، وهذا موجب للرقة والرحمة لمن سلبت منه النعمة، لا أن يكون محلا للسخرية والاستهزاء الله -جل وعلا- يقول: {ويل لكل همزة لمزة }+++(الهمزة:1)--- الهمزة، واللمزة  هما صورتان من صور السخرية إما القولية أو العملية، سواء كانت هذه السخرية ممن بلي ببلاء، أو ممن أضيف إليه ما ليس فيه، يعني السخرية مذمومة في كل الأحوال، سواء ممن كان فيه نقص أو ممن لم يكن فيه نقص، فكلاهما عابه الله تعالى وذمه وتوعد فاعله بالويل في قوله:{ويل لكل همزة لمزة }+++(الهمزة:1)---، سواء استهزأ أو سخر أو لمز أو همز من كان ناقصا في خلقه أو في خلقته أو من كان غير ناقص لكن يستهزأ أحيانا بالكامل مثل ما استهزأوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومثل ما سخروا بأولياء الله تعالى، وكما قال الله تعالى في سورة المطففين: {وإذا مروا بهم يتغامزون * وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين * وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون * وما أرسلوا عليهم حافظين}+++(المطففين:30 و31 و32 و33)---، هؤلاء يستهزئون بأولياء الله تعالى، ويضحكون منهم كما قال تعالى لكن يقول الله تعالى: { فاليوم }+++(المطففين:34)--- يوم القيامة { فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون }+++(المطففين:34)--- جزاهم الله تعالى بنظير ما كانوا يفعلونه بأهل الإيمان في الدنيا، فيضحك أهل الإيمان بمن سخر منهم واستهزأ بهم في الآخرة، فأوصيك بالصبر والاحتساب وطلب الأجر من الله تعالى، ولا يهمك هؤلاء يا أخي ما أصابك من بلاء سواء في نقص بعض أعضائك أو ما أصابك من مرض هو من البلاء الذي يجري الله تعالى به عليك في كل لحظة أجرا إن صبرت واحتسبت.
 
لأن الذي يفقد يده، والذي يفقد بصره والذي يفقد سمعه والذي يفقد عضوا من أعضائه مثلا يستأصل عنده شيء من أعضائه الرئيسة، تتعطل مثلا أصحاب الفشل الكلوي على سبيل المثال، أصحاب الأمراض المزمنة كالضغط والسكر الذي يعيقهم ويسبب لهم يعني إذا احتسبوا الأجر انقلبت تلك البلايا إلى أجر مستمر وثواب متعاقب وحسنات تترى قد يبلغ بها من الفضل والعطاء من الله -عز وجل- يوم القيامة ما لا يدركه بعمله لو صام وقام وفعل صالح العمل ما أدرك تلك المنزلة، فينبغي أن يفرح المؤمن بما يقضيه الله تعالى عليه لا يعني هذا أنه لا يتألم لكن يرضى بقضائه وقدره، ويعلم أن ما أصابه هو من فضل الله عليه أن يسر له سببا يبلغه به إلى درجات عالية { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب }+++(الزمر:10)--- نسأل الله أن يفرغ علينا وعلى المبتلين صبرا، وأن يحسن لنا ولهم العاقبة، وأن يمتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبدا ما أحيانا.

             تتمة التفريغ الفقرة التالية                                   
 

المشاهدات:5731

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أسعد الله أوقاتكم مستمعينا الكرام بكل خير، وأهلا ومرحبا بكم من برنامجكم الأسبوعي المباشر "الدين والحياة"، والذي يأتيكم عبر أثير إذاعتكم إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة.

يسعد بصحبتكم في هذه الحلقة من التقديم محدثكم عبد الله الداني، ومن استقبال المكالمات الزميل خالد فلاته ومن التنفيذ على الهواء الزميل عبد الرحمن الغامدي.

في هذه الحلقة مستمعينا الكرام لدينا موضوع مهم ألا وهو "المعيشة الضنكة" هذه المعيشة التي كتبها الله –سبحانه وتعالى-على عباده الذين استنكفوا عن أوامره –سبحانه وتعالى-وتنكبوا الطريق هذه المعيشة التي تصيب من لا يؤمنون بالله –سبحانه وتعالى-، ولا يأتمرون بأمره، ولا ينتهون بنهيه.

سنتحدث -إن شاء الله- عن هذا الموضوع باستفاضة وبتفصيل أكثر، ويسعدني أيضًا أن أرحب بضيفي وضيفكم في هذه الحلقة وفي هذا البرنامج ضيفنا الدائم صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح عضو الإفتاء وأستاذ الفقه بجامعة القصيم، باسمي واسمكم أرحب بفضيلته، فالسلام عليكم ورحمة الله صاحب الفضيلة.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته مرحبا بك أهلًا وسهلًا أخي عبد الله أهلا وسهلا.

المقدم: حياكم الله شيخ خالد فيما يتعلق بحديثنا في هذه الحلقة عن المعيشة الضنكة، ربما هناك تفسيرات وتأويلات لهذه المعيشة، لكن ما هي المعيشة التي تسمى بالفعل أو توصف بأنها معيشة ضنكة؟

الشيخ: أولًا السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أحي الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، وأسأل الله تعالى لي ولهم سعادة الدارين والتوفيق والسداد.

هذه القضية التي ضمنها الله تعالى في قوله: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى[طه: 124].

 جديرة بالعناية والوقوف عندها لمعرفة ما هي معالم، أو ما هي حقيقة الحياة الضنك؟ وما هي معالمها؟ وما سبيل النجاة منها؟ وكيف يخرج الإنسان من دائرة الكَدَر والضيق والقلق والحيرة التي هي من ثمرات ومعالم الحياة الضنك والمعيشة الضنك؟

المعيشة الضنك التي ذكرها الله تعالى في كتابه ذكرها وعيدًا وعقوبة على عمل قال –جل وعلا-: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا[طه: 124]، فذكر الله تعالى لهذا الإعراض أو لهذا العمل وهو الإعراض عن ذكره -جل في علاه- عقوبتين؛ عقوبة عاجلة، وعقوبة آجلة.

أما العقوبة العاجلة فهي عيشة الضنك، وأما العقوبة الآجلة فهي ﴿وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى[طه: 124]، والعمل هنا عمل بصر وعمل بصيرة، فلا يهتدي إلى سبيل، ولا يخرج من مآزق، ولا ينجو من هول من أهوال ذلك اليوم.

العقوبة المؤجلة واضحة فإن الله تعالى ذكرها ويظهر منها ما يكون من آثارها، فالعمى انطماس في البصيرة والبصر، لا يدرك به الإنسان شيئًا من مصالحه ومنافعه.

وأما العقوبة المعجلة وهي المعيشة الضنك فهي في الحقيقة تبدأ بالقلب؛ حيث إن المعيشة الضنك نوع من القلق الذي ينزل بالقلب، فلا يطمئن ولا ينشرح بل يكون القلب في غاية الضيق والحرج والاطراب وعدم السكون، وكل هذه المعالم التي تبرز فيها الحياة الضنك لا يمكن أن ينفك عنها من أعرض عن ذكر الله –عز وجل- مهما كان في ظاهره وفي بدنه وفي مكتسباته وفي يديه من صور النعيم وأنواع الملذات وصنوف المشتهيات والسعة في المآكل والمشرب والملبس والمركب.

كل هذا لا يُخفِي ولا يحجب حقيقة أن الحياة التي يعيشها ليست طيبة، الحياة التي يعيشها ليست ضنكًا، والضنك يدل على الضيق، لمَّا تقول هذا مكان ضنك يتبادر إلى ذهنك وفهمك أنه مكان ضيق، ومكان فيه من المتاعب والمشاق ما تحتاج أن تخرج عنه، أن تنأى عنه، أن تبعد عنه.

وهذا الملازم لكل من أعرض عن سنة الله –عز وجل-فإن ذكر الله سبب الانشراح، ذكر الله –عز وجل-به يدرك الإنسان الحياة الطيبة، ذكر الله –عز وجل-به يهتدي إلى مصالح دينه ودنياه،لكن المقابل له هو الإعراض عن ذكره وليس فقط الإعراض عن الذكر هنا المراد به ترك التسبيح والتحميد والتهليل، بل هو أوسع من ذلك هذا وغيره، وهو عدم الإقبال على الإسلام والدين والهداية والبصيرة التي فتح الله تعالى بها قلوب الناس بهذه الرسالة المباركة التي جاء بها سيد ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه.

يقول الله في محكم كتابه: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا[الأنعام: 125]، انتبه إلى هذا التوقيف الذي يفسر قول الله –جل وعلا-: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا[طه: 124]، يجعل صدره ضيقًا حرجًا، هذا هو الضنك الضيق والحرج والقلق واصطفى الله تعالى ذلك بضرب المثل، قال: ﴿كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ[الأنعام: 125]، أي كأنما يتنفس في منطقة عالية شاهقة حيث يقل معدل الأكسجين في الهواء مما يجعل الإنسان كالذي يلهث هكذا بهذه الطريقة التي يجذب فيها الهواء بأقصى ما يستطيع ليأخذ حاجته، ليأخذ البدن حاجته هذا الذي أعرض عن ذكر الله –عز وجل-أعرض عن هداه، أعرض عما جاء به النبي –صلى الله عليه وسلم-من الهدى ودين الحق، أعرض عن القيام بشرائع الإسلام، أعرض عن ذكر الله بقلبه وقال به وجوابه وفؤاده هذا هو الموعود بهذه العقوبة وهي عقوبة الصدر الضيق الحرج الذي يفتقد الطمأنينة والأمان.

أخي عبد الله!كثير من الناس قد يتوهم أن هذه العقوبة فيها ما يراه من نعيم وسعة في الأرزاق وكثرة في العطايا في حق قوم امتلأت قلوبهم بالإعراض عن الله –عز وجل-، فليس فيها شيء من طاعته، ولا شيء من القيام بحقه، فيكون هذا مربكًا، كيف يكون هؤلاء على هذا النحو من السعة في العطايا، من سعة المساكن وفي الأموال، من السعة في المكتسبات من الرقي، من غير ذلك من الأشياء التي يتنعم بها الناس في الحياة الدنيا، وفي المقابل تكون حياتهم ضنكًا في الحياة، الضنك في ميزان كثير من الناس في ألا تجد مرتبًا هنيئًا، ولا تسكن مسكنًا فارهًا، ولا تأكل مأكلًا لذيذًا، ولا تدرك حاجتك ومطالبك التي بها تعيش.

هذا معيار كثير من الناس فيما يتعلق بالضنك والسعة، فيما يتعلق بالسعادة والشقاء يقصرونه على الصور المادية.

 لما جاء النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى قريش بالحق والهدى ودين الله –عز وجل- الذي به سعادة الدنيا والآخرة، قابله من قابله من قومه بالتكذيب والإعراض، واتهموه بألوان من التهم، يقول الله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ[الزخرف: 30-31]، من هو العظيم في نظرهم؟

العظيم هو صاحب المكانة العالية، الأموال الكثيرة، الملذات الوفيرة، يقول الله تعالى: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا[الزخرف: 32]، ثم بعد أن ذكر كل هذه الفروقات التي يتمايز بها الناس في الجاه، وفي المال، وفي المنصب، وفي النسب، وفي سائر مكتسبات الدنيا، يقول الله تعالى: ﴿وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ[الزخرف: 32]، خير من كل هذه المتع التي يتسابق بها الناس، خير من كل هذه المظاهر التي يتنعم بها الناس، فيتسابقون بها ويرون التفاضل دائرًا حولها.

يقول الله تعالى بعد ذلك: ﴿وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً[الزخرف: 33]، يعني لولا أن يكون الناس محصورين في الكفر والإعراض عن الله –عز وجل-﴿لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا[الزخرف: 33-35]، يقول الله –جل وعلا- في هذه الآيات لولا أن الناس يمكن أن يُفتَنوا بفتح الدنيا على أكمل ما يكون من أوجه الفتح على المعرضين والصادِّين والكافرين والمكذبين للرسل، لولا أن يكون هذا فتنة لأكثر الناس فيجعلهم يقبلون على الكفر، لجعل الله تعالى للكافر من المتاع في بيته على نحو يدهش العقول ﴿لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفًا﴾ يتزينون به، لكن كل ذلك في حقيقته كما قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ[الزخرف: 35] يعني وما كل ذلك ﴿وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ[الزخرف: 35-36].

انتبه بعد هذا النعيم الذي ذكره الله الذي يمكن أن يصيب الكافر ويمكن أن يناله المعرض عن الله –عز وجل-، لكن هذا لا يسلِّمه من حجيم يتلظَّى في جوفه، ولهيب يشتعل في صدره، وهو أثر الإعراض عن ذكر الله، وهي المعيشة الضنك مما فسر الله تعالى به ذلك هذه الآية ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ[الزخرف: 36] أي يعرض ﴿نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ هذا الشيطان يقارنه ماذا يصنع؟ ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ[الزخرف: 37-38] هكذا يبين الله تعالى في هذه الآية عظيم ما يعانيه أولئك المعرضون، أولئك المكذبون، أولئك المشتغلون عن ذكر الله –عز وجل-بغيره من متع الدنيا، من العذاب الأليم والشقاء الكبير.

يا أخي الكريم أخي عبد الله وأختي المستمعة الكريم والمستمع الكريم من المهم أن نعرف أن الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة، ولذلك يعطي الله تعالى فيها كلَّ أحد من المؤمن والكافر، لكن لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة لما سقى فيها كافرًا شربة ماء، لماذا؟

يا أخي! الله جل في علاه خلقنا، وأنعم علينا بألوان من النعم في بطون أمهاتنا، وأخرجنا لا نعلم شيئًا، ثم مكَّنَنا من التعلق والمعرفة حتى أدركنا سمعًا وبصرًا وعقلًا وفكرًا وبنينا مكاسب عظيمة، كل هذا بفضل الله ثم العبد، هذا الذي تفضل الله عليه، كل هذه الألوان يكفر به لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة لمنع الكافر من هذا الإحسان، لكن لا تعدل عند الله تعالى شيئًا.

ولذلك يقول –جل وعلا-: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ[الأنعام: 44]، تصور: أبوابَ كلِّ شيء: أبواب الترف، أبواب المتع، أبواب التنعم البدني، أبواب التنعم في المراتب وفي المآكل وفي المشارب وفي الملابس، لكن كل ذلك لا يخفي حقيقة أن قلوبهم تصطلي بالبعد عن الله، أن قلوبهم تصطلي بالجهل به، فالقلوب لها حال مع الله –عز وجل-مختلف تمامًا عما يناله البدن من النعيم، فالقلب إذا أعرض عن الله –عز وجل-شقي وتعسَ وأصابه من الأكدار ما لا يمكن أن يعوضه نعيم مهما طال ومتعة مهما لذت.

لذلك ينبغي للمؤمن أن يستبصر أن هذه النعم وهذه العطايا وهذه المكتسبات التي عند أهل الكفر وأهل الفسق وأهل الفجور وأهل المعصية لله –عز وجل-ليست دلالة على محبة ولا على رضا، ولا على إكرام، ولا على سعادة.

أما الأول فالله تعالى يقول: ﴿فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ[الفجر: 15-16] حبس عنه بعض ما يشتهي وما يحب ﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَن[الفجر: 16]، ماذا قال الله تعالى بعد ذلك؟ ﴿كَلَّا[الفجر: 17]، يعني ليس الأمر كذلك يعني ليس العطاء لحب، ولا المنع لبغض، ولا العطاء للإكرام ولا المنع للإهانة، ذلك كله وفق حكمته –جل وعلا-، فالله تعالى يمد هؤلاء وهؤلاء مع عطاء ربك ﴿وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا[الإسراء: 20]، مقصورًا على جنس من الناس، أو فئة مؤمن أو كافر، بل يعطي الله تعالى الدنيا من يحب ومن لا يحب، يعطي المؤمن ويعطي الكافر، وقد أعطى الله في الدنيا ملكًا لسليمان لم ينله أحد من العالمين لا الأولين ولا الآخرين، وهو من عباد الله الصالحين، فالعطاء ليس مقصورًا على أهل الكافر، ولا على أهل العناد يكون لهؤلاء وهؤلاء.

لكن الذي ينبغي يدرك أن هذا العطاء إذا لم يوجَّه إلى طاعة الله تعالى وما يحبه –جل وعلا-، فإنه شقاء على صاحبه يورده المهالك ويوقعه في أنواع المآسي.

لذلك ينبغي للمؤمن أن يفهم أن المعيشة الضنك ليست هي قلة المال، ليست هي عدم تيسر المطالب والمحاب والملذات الدنيوية، ليست هي كثرة الضغوط والعوائق التي تصيب الإنسان، ليست هي ألا يجد مسكنًا هنيئًا، وألا يجد مركبًا هنيئًا وألا يجد مأكلًا هنيئًا، لا، كل هذا من البلاء يبتلي الله تعالى به المؤمن والكافر.

ففي الكفار من هو أضيق الناس عيشًا، ومنهم من هو أعلى الناس عيشًا، وفي المسلمين كذلك من هو أضيق الناس عيشًا، ومنهم من هو أهنؤهم وأرغدهم عيشًا لكن كل هذا وهذا سواء كان العطاء الدنيوي لمسلم أو العطاء الدنيوي لكافر لا يغنيه عن طمأنينة القلب وانشراحه وهدوئه وسكونه، لذلك ينبغي أن نصحح النظرة في فهم ما هي الحياة الضنك؟ ما هي المعيشة الضنك؟ التي توعَّد الله تعالى بها من أعرض عن ذكره.
المذيع: جميل إذًا المظهر ليس دليلاً على أن الإنسان يعيش عيشةً سعيدة أو عيشةً ضنكًا، المسألة تتعلق بما تعيشه الروح من ضيقٍ أو سعة وهذا الأمر هو الذي ينبني عليه رضا الله سبحانه وتعالى، أيضًا.

  إذا ما ذكرنا صاحب الفضيلة فيما يتعلق بالمعيشة الضنكة طبعًا تكون بأمور كثيرة يشعر بها العاصي فمثلاً مثل ما يقال: إن آثار الحسنات والسيئات في القلوب والأبدان والأموال هي أمرٌ مشهود في العالم يعني لا ينكره ذو عقلٍ سليم بل يعرف هذا الأمرَ المؤمن والكافر والبرُّ والفاجر كما أن أيضًا للحسنة مثل ما قيل نورًا في القلب وضياءً في الوجه وقوةً في البدن، هناك في الجانب الآخر يعني للسيئة سوادًا في الوجه، وظلمةً في القلب ووهنًا في البدن، وغير ذلك إضافةً إلى الضيق في المعيشة فيما يتعلق بنقص الرزق وتبغيض هذا الإنسان في قلوب الخلق كيف يمكن أن نبين مثل هذا الأمر؟ خاصةً وأن الكثيرين ربما يعانون من هذه الأمور التي ذكرنا عنها آنفًا أو ذكرناها آنفًا، لكنهم لا يعلمون حقيقة ما يجري لهم فيما يتعلق بوسائل الإصلاح ووسائل الشفاء من هذه الأعراض التي تَعرِض لهم لا يعلمون حقيقة ما يجري لهم، وبالتالي هم لا يصلون إلى الحل الجذري لاجتثاث ما يعانون به في دواخلهم.
الشيخ: بالتأكيد هو الإنسان العلاج يا أخ عبد الله والأخ الكريم والأخت الكريمة العلاج هو فرع معرفة ما في القلب من إشكال، علاج هذه القضية هو في سلامة التشخيص للسبب، هذا الضيق الذي قد يطرأ على الإنسان في معيشته في حياته هو إذا نظر إليه الإنسان بنظرة فحص وتدقيق عرف كيف يسلم من آثاره وعرف كيف يجعل تلك النوازل منحًا تلك البلايا هباتٍ تلك المحن منحًا، وبالتالي من المهم أن يدرك المسلم أن ما ينزل به من مصيبة ما ينزل به من ضيق هو في الحقيقة مما جبل الله تعالى عليه الدنيا، لكن المسلم لما نقول: الحياة الطيبة والمعيشة الضنك لا يعني أنه لا يصاب الإنسان إذا كان قد عمل الأسباب التي يدرك بها الحياة الطيبة، وأبعد عن أسباب الضيق والمعيشة الضنك.
البلايا والمصائب تنزل بالمؤمن والكافر بل يبتلى الناس على قدر إيمانهم، فالأنبياء ثم الأمثل فالأمثل «ومن يرد الله به خيرًا يصب منه»[صحيح البخاري:ح5645] كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح من حديث أبي هريرة، فليس ثمة تلازم أو ارتباط بين عدم المعيشة الضنك والمشاكل والمصائب التي تنزل بالإنسان.

 يعني سيد ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه الذي فتح الله تعالى له من العلوم والمعارف الشيء الكثير الذي منَّ به عليه صلوات الله وسلامه عليه، مع هذا كان فيما يتعلق بأمور الدنيا على نحوٍ من القِلَّة ما هو معروف وحفظته أخباره -صلوات الله وسلامه عليه- وسيرته، هذا في الصحيح أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- دخل على النبي صلى الله عليه وسلم في حجرته ووجده صلى الله عليه وسلم على حالٍ من الضعف في ممتلكاته، قال قولاً قال: يا رسول الله هذه حالك وهذا كسرى وقيصر وهم على ما هم فيه من نعيم وسعة وكمال عيش؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :« أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟»[صحيح البخاري:4913، ومسلم:1479/30]
هذا الحديث الذي يوصِّف حال النبي صلى الله عليه وسلم من قلة ذات اليد، فهذا سيد ولد آدم -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يبيت على حصير، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، وعند رجليه قَرَظ مصبوب زهيد، وعند رأسه أَهَبٌ معلقة، وحصر شيئا من المكتسبات شيئا قليلًا، هكذا يصف عمر حال النبي rفبكى لما رأى هذه الحالة الضعيفة لسيد ولد آدم الذي، لو شاء لسأل الله أن يجري الأنهار من تحت قدميه، وأن يفتح له خزائن الأرض ويفتح عليه بركات من السماء، لكنه صلوات الله وسلامه عليه آثر ما عند الله، فلما بكى عمرtوقال: يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله يعني على هذا الحال فقال: « أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة» لذلك ينبغي للمؤمن أن يعرف أن هذه الدنيا مهما فتحت ومهما أعطي فيها الإنسان فإنها لا تغنيه عن طمأنينة القلب وانشراح الصدر، والحياة التي هي الحياة الحقيقية التي يكون فيها الإنسان قريبًا من الله طائعًا له قائمًا بحقه، وبذلك يحقق المعيشة الطيبة والحياة الطيبة، ويسلم من المعيشة الضنك.
لذلك من المهم عندما تنزل بك نازلة أيها الأخ الكريم والأخت الكريمة أن تتذكروا أن الدنيا مجبولة على هذا، وأن الله تعالى إن صبرتم حطَّ بهذا عنكم من الأوزار والخطايا ورفع بذلك من الدرجات، وبلغكم منازل قد تقصر عنها أعمالُكم، ولذلك ينبغي أن تقابل الأقدار بالصبر، والمرتبة الأعلى أن يقابل ذلك بالرضا كما هو حال سيد ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه.
المذيع: شيخ خالد مثل ما قيل في الحديث الشريف أنه« لا يزال البلاء بالعبد حتى يجعله يمشي على الأرض وما عليه خطيئة»[سنن الترمذي:2398، وقال:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ] إذا ما استحضر الإنسان مثل هذا الفضل والثواب والأجر من الله سبحانه وتعالى فإنه حتمًا سيخف عليه ما نزل به من البلاء.

 أستأذنك صاحب الفضيلة في الإعلان عن أرقام التواصل في هذا البرنامج للمستمعين الكرام لمن أراد أن يشاركنا في حلقتنا لهذا اليوم عن المعيشة الضنكة الرقم الأول هو 0126477117 والرقم الآخر وهو 0126493028 وعلى الواتس أب على الرقم 0556111315 إضافةً إلى الهشتاج برنامج "الدين والحياة".

 أستأذنكم في هذا الاتصال من المستمع بندر الحارثي تفضل أخي بندر.
المتصل: السلام عليكم.
المذيع: وعليكم السلام، أهلاً وسهلاً.
المتصل: الله يمسيك بالخير أنت والشيخ والمستمعين الكرام.
المذيع: الله يمسيك بالنور أهلاً وسهلاً تفضل بسؤالك.
المتصل: الله يرضى عليكم  يا حبيبي عندي استفسار والشيخ يجاوبني عليه اللي هو كيف نفرق بين العقوبة والابتلاء؟ يعني الحين أنا أبغى أفرق بين العقوبة والابتلاء، وإذا كان هي العقوبة كيف النجاة مثلاً منها؟ وأكون في الطريق السليم والابتلاء كيف الصبر واحتساب الأجر؟ والشكر لكم.
المذيع: شكرًا أخي بندر تفضل شيخ خالد.
الشيخ: هو تكملة للنقطة السابقة حتى نصل إلى الجواب أخينا الكريم أنه يعني من المؤكد أن يهتم الإنسان بقضية واضحة أن ما يجري في الدنيا من أكدار من أقدار مؤلمة من مصائب هو جِبِلَّة وطبيعة لها ليس غريبًا فيها فالله تعالى يقول: { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ }(البلد:4)، وهذا من رحمة الله بعباده وبالناس أن لم يجعل الدنيا على نحو من البسط في كل شيء، وإدراك كل المرغوبات والسلامة من كل ما يكرهه الناس لأجل أن لا يأنسوا بها ويركنوا إليها، فالمصائب والنوازل والبلايا مذكِّرات وعبر للعودة سواءً كانت هذه المصائب نتاجَ سيء عمل أو كانت هذه المصائب تذكرة وعظة، فالله تعالى يذكر الناس بهذا ولهذا قال الله تعالى: { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً }(اللأنبياء:35).

 والله تعالى يجري من المنبئات بسبب قصور الناس ما يكون سببًا لإفاقتهم { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا }(الروم:41) فينبغي أن يعلم أن الدنيا مجبولة على هذا النقص  والضيق في الأمور التي تتعلق بالتنعم، لكن ذلك لا يعني أن ذلك لازم لك، الدنيا تتغير وتتحول، ويبتلى ناس بالسراء ويبتليى ناس بالضراء{ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً }(اللأنبياء:35).
  
لكن هنا سؤال مهم وهو يعني هل ما يصيب الإنسان بسبب ما جرى منه من نقص وتقصير وقصور أم أنه ابتلاء؟ يعني هذا سؤال يتكرر كثيرًا هل ما أصابنا بسبب ذنوبنا أو ما أصابنا هو ابتلاء من الله- عز وجل- ؟

أقول الحقيقة من المهم أن نعرف أن الواجب على المؤمن أن يصبر في كل ما ينزل به سواءً كان ذلك عقوبة أو كان ذلك أو كانت تلك المصيبة ابتلاء، فالصبر هو ما تقابل به البلايا وما ينزل بالإنسان من مكروهات، وكون الإنسان قد يُبتلى بذنبه وأن البلاء يبتلى المؤمن على قدر إيمانه كما جاء في الحديث[أخرجه أحمد في مسنده:1555من حديث سعد بن أبي وقاص قَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: " الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ، فَالْأَمْثَلُ، حَتَّى يُبْتَلَى الْعَبْدُ عَلَى قَدْرِ دِينِهِ، وقال الحاكم: . وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. المستدرك:120]فهنا قد يسأل الإنسان عن كيف أفرق بين هذا وهذا؟.
 
التفريق باختصار وإيجاز أنه ما كان من البلايا ناتجًا عن معصية فهو من عقوبتها، وما كان لا سبب له مباشر من الإنسان فهذا من البلاء الذي يحط الله تعالى به الخطايا، ويحصل به التذكير، ويحصل به العبرة لكن في الجملة ما أصاب الإنسان من نقص فهو بسبب قصوره أو تقصيره قال الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِير} (الشورى:30) لكن هذا في مجمل المصائب لكن ما كان من المصائب ناتجًا عن الطاعة كأن يتمسك الإنسان بالهدي فيستهزأ به  هذا بلاء ومصيبة، لكن هذا ناتج عن طاعة، وما كان ناتجًا عن طاعة فإنه يرفع الله تعالى به الدرجات ويعلي به المنازل، ويميز الله تعالى به المؤمن من الكافر كما قال تعالى: { أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ }(العنكبوت:2) فالمؤمن يبتلى بأنواع من البلاء ليمحص إيمانه ليعلم صدقه، لكن في المقابل ثمة مصائب تنزل به وهذا هو الكثير الذي يصيب الإنسان بسبب قصوره أو تقصيره، وفي الكل يجب عليه كثرة التوبة  زي ما الأخ قال يعني الأخ قال إذا كان بلاء فكيف نصبر؟ وإذا كان عقوبة فكيف نتخلص؟ الجواب أنه في كلا الحالين نحتاج إلى الصبر والتقوى والإيمان.
الصبر لتحمل أقضية الله وأقداره: «فما أعطي أحدٌ عطاءً خير ولا أوسع من الصبر»[صحيح البخاري:1469، صحيح مسلم:1053/124] والتوبة لأن التوبة يدفع الله بها عن الناس الشر، يثبتهم ويغفر ذنوبهم فليقابل تلك البلايا بكثرة التوبة والاستغفار، فإنه مما يدفع به البلاء سواءً كان بلاءً ناتجًا عن معصية أو كان بلاءً بسبب قصورٍ أو تقصير.
المذيع: شيخ خالد أستأذنكم أيضًا في هذا الاتصال من عمر عبد الله من الرياض تفضل أخي عمر.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله.
المذيع: عليكم السلام ورحمة الله.
المتصل: كيف لونك يا شيخ طيب.
المذيع: يسمعك الشيخ تفضل بسؤالك.
الشيخ: حياك الله مرحبًا بك.
المتصل: يا شيخ فيه حُرمة ظلمتنا إحنا وإخواني والعائلة كاملة والآن الحرمة هذه تُوفيت ونحن متضررين من المظلمة هذه لدرجة إن الوالدة الآن مريضة ما قادرين نعالجها إيش الحكم يعني.
الشيخ: يسأل عن الدعاء على الظالم.
المذيع: يقول إن امرأة ظلمتهم ودعوا عليها وهي الآن توفيت، صحيح يا أخي عمر.
المتصل: نعم أخوي.
الشيخ: أنت تسأل عن حكم الدعاء عليها، وهي قد ماتت.
المتصل: ماتت وعيالها موجودين وما صلحوا ما فعلت إلى الآن.
الشيخ: المظلمة تتعلق بعرض ولا بإيش؟ تتعلق بعرض ولا بمال يمكن تداركه.
المتصل: بمال يمكن تداركه.
المذيع: يجيبك الشيخ على سؤالك شكرًا يا أخي عمر، تفضل يا شيخ خالد.
الشيخ: فيما يتعلق بالدعاء الدعاء هو من أعظم الأبواب التي يفزع إليها أهل الإيمان في الشدائد وفي الضيق وفي السعة وفي كل حال، وإذا كان الإنسان قد أصيب بمصيبة ودعا على من ظلمه فإنه لا حرج عليه في ذلك وهذا مما أذن الله تعالى به في قوله تعالى { لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا }(النساء:148) فالله- عز وجل أذن -للمؤمن أن يدعو إذا كان قد ظلم، أن يدعو على ظالمه وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس في قصة بعث معاذ إلى اليمن قال:« واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب»[صحيح البخاري:1496، ومسلم:19/29] وهذا يبين أن دعاء المظلوم على الظالم مما أذنت فيه الشريعة وهو مما ينزل عند الله تعالى منزلةً عظمى ومكانةً كبرى، وعلى خطر أن يجاب المظلوم فيما دعا على ظالمه، لأجل أن يستنقذ حقه، فينبغي للمؤمن أن يتقي الله تعالى، وأن يجنب نفسه أسباب الهلاك، فمن الدعوات التي لا ترد كما في حديث أبي هريرة[الترمذي في سننه:1905،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ المَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ المُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ ". هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.]،وحديث عبد الله بن عمرو[أشار إليه الترمذي في سننه:1905] دعوة المظلوم فإنه لا ترد وقوله: « اتق دعوة المظلوم» في الحديث السابق حديث عبد الله بن عباس « واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» يدل على أنها واقعة موقع إجابة.
 
وقد جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث سعيد بن زيد رضي الله تعالى عنه أن امرأةً خاصمته في أرض فادعت عليه أنه قد أخذ أرضها، وسلبها حقها فقال سعيد -رضي الله تعالى عنه- كيف أفعل ذلك وقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا طوقه يوم القيامة من سبع أراضين» فقضى الحاكم لهذه المرأة على الصحابي الجليل المبشر بالجنة سعيد بن زيد رضي الله عنه فدعا رضي الله تعالى عنه عليها فقال: اللهم إن كانت كاذبةً فأعمي بصرها واقتلها في أرضها فذكر الرواة كما في صحيح الإمام مسلم فما ماتت حتى ذهب بصرها ثم بينما هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرةٍ فماتت. [صحيح مسلم:1610/139]،  أي أجاب الله تعالى دعوة سعيد بن زيد -رضي الله تعالى عنه- في هذه المرأة التي ظلمته وأخذت حقه، واتهمته بما اتهمت به هذا الصحابي الجليل من أخذ الأرض، والمقصود أن المظلوم له أن يدعو على ظالمه بقدر مظلمته، ولا حرج عليه في هذا الدعاء سواءً كان ذلك في حياته أو كان ذلك بعد موته؛ لأنه قد وِترَ في حقه، وكُلِم في ماله أو نفسه أو عرضه، وبالتالي له أن يأخذ حقه بما شاء لكن إن عفا وأصلح واحتسب ذلك عند الله فهذه منزلة عليا، يقول الله تعالى { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } (الشورى:40).
المذيع: كيف يستنقذون أمهم وهي الآن يعني متوفاة.
الشيخ: لذلك أنا سألت الأخ هل يمكن تدارك الحق؟ وأنا أقول: الأخ الكريم السائل ينبغي أن يتواصل مع ورثة هذه المرأة ويذكرهم بالله -عز وجل-، وأنها قد ظلمتهم، وأن المظلوم حقه لا يسقط بموت الظالم بل حقه باقٍ ما دام أنه ترك ما يستوفى منه، فإن لم يترك ما يستوفى منه فينبغي لأوليائه من أهله وولده أن يسعوا في فك المظلمة، جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من كان له عند أخيه مَظلَمة فلْيَتَحلَّله الآن قبل أن لا يكون درهمٌ ولا دينارٌ»[صحيح البخاري:2449] أي ليتحلل من هذه المظلمة التي نزلت به الآن قبل أن يأتي يوم القيامة وليس عنده درهم ولا دينار يفي به المظالم التي ثبتت عليه وتعلقت بذمته، فلعل هؤلاء الإخوة الذين علموا بهذه المظلمة أن ينقذوا والدتهم بما يستطيعون من استسماح، من إعطاء مال، من السعي في رضاء المظلوم حتى تسلم من الظلم، حتى ولو لم يدعو عليها يعني الظالم معذب ولو لم يدعو المظلوم فكيف إذا دعا المظلوم؟ يعني إذا دعا المظلوم تكون المسألة مضاعفة؛ لأنه يُلِحّ على الله في استنقاذ حقه، يلح على الله في الانتقام ممن ظلمه، فيكون هذا من موجبات تعجيل العقوبة والانتصار لها، فوصيتي أن يذكرهم لعل الله أن يشرح صدورهم وأن يهديهم.
المذيع: ننوه أيضًا مستمعينا الكرام أنهم يتقيدون في مداخلاتهم ووسيلتهم في موضوع حلقتنا حتى نحاول نأخذ القدر الأكبر من الاتصالات التي ترد إلينا، أستأذنكم صاحب الفضيلة أيضًا هذا الاتصال من المستمع عبد السلام من الرياض تفضل أخي عبد السلام، إذًا ربما فُقد الاتصال مع المستمع الأخ عبد السلام، طيب شيخ خالد كنا نتحدث في موضوع المعيشة الضنكة، وهذه المعيشة التي بالفعل يخاف منها كل مؤمن موحد لله -سبحانه وتعالى-، ويخشى أن يدركها  أو يخشى أن تدركه يعني هناك سبل للوقاية من هذه المعيشة الضنكة، وسبل للوقاية من كل طرقها وأبوابها كيف يسد المؤمن عن نفسه هذا الباب؟.
الشيخ: من أعظم السبل التي يتوقى بها الإنسان المعيشة الضنك إذا أذنت لي يا أخ عبد الله.
المذيع: تفضل يا شيخ.
الشيخ: نقدم قضية قبل العلاج ما الذي ينتج عن الحياة الضنك يعني هناك نتائج يعني للحياة الضنك يدركها الإنسان في معاشه وحياته،فلو وقفنا عند بعض هذه المظاهر التي بها تعرف آثار الحياة الضنك، يعني نحن ذكرنا أن المعيشة الضنك أبرز ما يظهرها وحقيقتها تدور على الضيق والحرج الذي ينزل بالقلب لكن ثمة أيضًا أمور مرافقة مصاحبة هي ثمار هذا العمى الذي ينزل بالقلب أن يكون الإنسان على نحوٍ من الغفلة المُطبِقة التي يتعطل بها سمعه، يتعطل بها فكره، يتعطل بها قلبه عن أن يعي ما ينفعه، ويخرج من هذه الأزمة، وهنا تكون القضية يعني ظلمة على ظلمة كما قال تعالى: { ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا }(النور:40).

 فمن نتائج الإعراض عن ذكر الله عز وجل ومن نتائج المعيشة الضنك أن تعطل القلوب عن التفكر، والآذان عن السماع سماع الحق، والأعين عن الاعتبار بالآيات التي جعلها الله تعالى دالة على الحق والهدى، يقول الله تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ }(الكهف:56)، ثم انظر الثمرة { إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا }(الكهف:56) ، هذه من ثمار ونتائج المعيشة الضنك: انسداد سبل الهداية، إغلاق المنافذ وتعطل آلات الإدراك التي بها يعرف الحق من الهدى، ويعرف الخير من الشر، ويتوقى مواطن الردى، كما قال الله تعالى: { وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ }(الأنفال:23)، فهم على نحو من القسوة في قلوبهم والإعراض، لا ينتفعون بالآيات، ولا يتعبرون كما قال تعالى: { وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ }(يوسف:105)، ويقول جل وعلا :{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ }(السجدة:22)، لذلك من المهم أن نعرف أن حياة المعرض عن الله، حياة الغافل عن الهدى، حياة المعرض عن الإسلام، حياة المعرض عن هدي خير الأنام صلوات الله وسلامه عليه، حياة في غاية الجفاء والتوحش والانزعاج والاضطراب، تأمل ما ذكره الله في سورة المدثر { فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ }(المدثر:49)، ثم انظر إلى حالهم كيف هم بعد إعراضهم عن الهدى، كيف وصفهم الله بهذا الوصف المقزز {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ }(المدثر:50 و51) يعني كأنهم حمرٌ جاءها أسد، هذا الأسد تَهدَّدَها بالقتل، كيف تنفر مضطربةً إلى كل اتجاه، لا تلوي على شيء، ولا تدرك سلامةً بهذا الهروب؛ لأن الأسد من قوته وعدوه سيدركها { كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ }(المدثر:50 و51).

 إن الإعراض عن الله -عز وجل- سبب من أسباب الضيق الذي يبلغ بالإنسان حدًّا من الانسداد في الأفق ما قد يجعله يقدم على إهلاك نفسه { وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا }(الجن:17) عذابًا شديدًا بالغًا، وهذا ليس في الآخرة فقط، بل هذا في الآخرة وفي الدنيا كما قال الله تعالى: { وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ }(الزخرف:36) يعني في الحياة الدنيا قبل الآخرة ويدرك من شؤم مصاحبة هذا الشيطان ما يفوته الخير، لذلك تجد هؤلاء في كَدَر، في ضيق، في عدم رضا، في سعي ولهو وراء المسكنات؛ لأنهم يظنون أن المُتع والملذَّات من الخمور والتنعم بألوان المتع الدنيوية هي التي ستجلب لهم السعادة، وهي لا تزيدهم إلا شقاءً.

 القلب مفطور على محبوبه الأعلى، فلا يغنيه عنه حبٌّ ثاني، فمهما اشتغل بحبٍّ آخر من ملذات الدنيا ومتعها فإنه لن تُسدَّ هذه الفاقة التي في القلوب التي لا يسدها ولا يكفيها إلا أن تلجأ إلى الله وتمتلأ بالإقبال عليه، من هنا ننتقل إلى النقطة الثانية.
المذيع: قبل أن نتحدث عن سبل الوقاية  يا شيخ خالد نستأذنك فقط في آخر اتصال ثم نأتي إن شاء الله على مسألة سبل الوقاية من هذه المعيشة، تفضل أخي عبد السلام من الرياض.
المتصل: ألو السلام عليكم كيف حالك شيخ عبد الله طيب؟
المذيع: الله يحيك يسمعك الشيخ خالد.
المتصل: الله يعافيك يا شيخ، كيف حال الشيخ خالد طيب؟
الشيخ: مرحبًا مرحبًا الله يحييك.
المتصل: الله يحييك، معي يا أخي عندي يعني قدر الله سبحانه وتعالى في مقدوره مرضًا، وحاولت إني أتعالج هنا وهنا حتى إنه سبب لي زي الحالة كده فأصبحت إني عضو من أعضائي أشوف الناس حولي يستهزأ بي، فأنا ما عندي من حفظ كتاب الله وأصلي بهم في المسجد في غالب الأوقات والحمد لله، يعني ما أحد الكمال لله سبحانه وتعالى، ما سوينا شيء غير إن إحنا راضيين بقضاء الله وقدره، بس إني أخشى إن هذا يكون قد عاقبني الله فيه عقاب، هذا اللي يؤلمني بس يا شيخ، وجزاك الله، ادعيلنا معك.
المذيع: أبشر إن شاء الله، طيب نجيب السؤال، يجيب صاحب الفضيلة على السؤال وشكرًا لك أخي عبد الله تفضل شيخ خالد.
الشيخ: أولاً أسأل الله تعالى أن يمدك بالعفو والعافية، وأن يرزقك الصبر والاحتساب على ما أصابك، وأن يخفف عنا وعنك، وأن يدفع عنك أذى المؤذين، واستهزاء المستهزئين، الإنسان إذا شهد نعمةً سُلبت من غيره، ومنَّ الله تعالى بها عليه يحمد الله تعالى أولاً على ما متَّعه به من نعمة، ويسأله المعافاة من سلبِها، وهذا موجبٌ للرقة والرحمة لمن سُلبت منه النعمة، لا أن يكون محلًّا للسخرية والاستهزاء الله -جل وعلا- يقول: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ }(الهمزة:1) الهمزة، واللمزة  هما صورتان من صور السخرية إما القولية أو العملية، سواءً كانت هذه السخرية ممن بلي ببلاء، أو ممن أضيف إليه ما ليس فيه، يعني السخرية مذمومة في كل الأحوال، سواءً ممن كان فيه نقصٌ أو ممن لم يكن فيه نقص، فكلاهما عابه الله تعالى وذمَّه وتوعد فاعلَه بالويل في قوله:{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ }(الهمزة:1)، سواءً استهزأ أو سخر أو لمز أو همز من كان ناقصًا في خُلُقه أو في خِلقَتِه أو من كان غير ناقصٍ لكن يستهزأ أحيانًا بالكامل مثل ما استهزأوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومثل ما سخروا بأولياء الله تعالى، وكما قال الله تعالى في سورة المطففين: {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ}(المطففين:30 و31 و32 و33)، هؤلاء يستهزئون بأولياء الله تعالى، ويضحكون منهم كما قال تعالى لكن يقول الله تعالى: { فَالْيَوْمَ }(المطففين:34) يوم القيامة { فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ }(المطففين:34) جزاهم الله تعالى بنظير ما كانوا يفعلونه بأهل الإيمان في الدنيا، فيضحك أهل الإيمان بمن سخر منهم واستهزأ بهم في الآخرة، فأوصيك بالصبر والاحتساب وطلب الأجر من الله تعالى، ولا يهمك هؤلاء يا أخي ما أصابك من بلاء سواء في نقص بعض أعضائك أو ما أصابك من مرض هو من البلاء الذي يجري الله تعالى به عليك في كل لحظة أجرًا إن صبرت واحتسبت.
 
لأن الذي يفقد يده، والذي يفقد بصره والذي يفقد سمعه والذي يفقد عضوًا من أعضائه مثلاً يستأصل عنده شيء من أعضائه الرئيسة، تتعطل مثلاً أصحاب الفشل الكلوي على سبيل المثال، أصحاب الأمراض المزمنة كالضغط والسكر الذي يعيقهم ويسبب لهم يعني إذا احتسبوا الأجر انقلبت تلك البلايا إلى أجر مستمرٍّ وثواب متعاقب وحسنات تترى قد يبلغ بها من الفضل والعطاء من الله -عز وجل- يوم القيامة ما لا يدركه بعمله لو صام وقام وفعل صالح العمل ما أدرك تلك المنزلة، فينبغي أن يفرح المؤمن بما يقضيه الله تعالى عليه لا يعني هذا أنه لا يتألَّم لكن يرضى بقضائه وقدره، ويعلم أن ما أصابه هو من فضل الله عليه أن يسَّر له سببًا يبلغه به إلى درجاتٍ عالية { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }(الزمر:10) نسأل الله أن يفرغ علينا وعلى المبتلين صبرًا، وأن يحسن لنا ولهم العاقبة، وأن يمتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبدًا ما أحيانا.

             تتمة التفريغ الفقرة التالية                                   
 

الاكثر مشاهدة

2. خطبة : الخوف من الله تعالى ( عدد المشاهدات39704 )
3. خطبة الجمعة حياتك فرصة ( عدد المشاهدات37254 )
6. خطبة : الحسد ( عدد المشاهدات27742 )
7. خطبة الجمعة : معصية الله هلاك ( عدد المشاهدات25770 )
8. خطبة: يوم الجمعة سيد الأيام ( عدد المشاهدات20082 )
9. خطبة : الأعمال بالخواتيم ( عدد المشاهدات19595 )
11. خطبة : احرص على ما ينفعك ( عدد المشاهدات16874 )
14. خطبة الجمعة : لماذا خلقنا الله ( عدد المشاهدات14117 )
15. خطبة : الخلاف شر ( عدد المشاهدات13933 )

مواد مقترحة

24. test
173. sss
174. sss

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف