×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة(15) ارتباط الدين بالأخلاق

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المذيع: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكم مستمعينا الكرام إلى برنامجكم "الدين والحياة"، والذي يأتيكم عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة.
حياكم الله في هذه الحلقة التي نناقش فها موضوعا هاما وضروريا وجادا ويهم كل شرائح المجتمع ألا وهو: علاقة الدين بالأخلاق وارتباط الدين بالأخلاق، هذا هو موضوعنا.

 في البداية هذه أطيب التحايا منا محدثكم عبد الله الداني ومن منفذ هذه الحلقة على الهواء الزميل محمد با صويلح، كما يسرنا أيضا أن نرحب بضيفكم وضيفنا في هذه الحلقة صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ خالد بن عبد الله المصلح المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم وأستاذ الفقه بجامعة القصيم، السلام عليكم ورحمة الله يا شيخ خالد.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياك الله أهلا وسهلا ومرحبا بك.
المذيع: حياك الله شيخ خالد وحيا الله جميع المستمعين والمستمعات الذين يمكنهم أيضا أن يشاركونا في هذا الموضوع عبر الأرقام التالية الرقم الأول هو 0126477117، والرقم الثاني هو 0126493028، كما يمكنكم أن تراسلونا عبر الواتساب بواسطة الرسائل النصية على الرقم 0556111315.
حديثنا في هذه الحلقة هو عن ارتباط الدين بالأخلاق، ولما يظنه البعض من أن الدين لا علاقة له، أو لأن البعض ربما يظن العكس من ذلك، أو لأن البعض أيضا ترى فيه بعض سمات الصلاح لكنه لا يتخلق بأخلاق الإسلام، ربما البعض أيضا بأن يكون هناك تعريف واضح لهذا الموضوع عن الأخلاق وماذا يعنى بها؟ وماذا يقصد بها؟ سوف نتحدث بإذن الله -سبحانه وتعالى- في هذه الحلقة مستمعينا الكرام عن هذا الموضوع بشيء من التفصيل مع ضيفنا وضيفكم الشيخ خالد المصلح، ولكن بعد هذا الفاصل.
المذيع: حياكم الله مستمعينا الكرام إلى برنامج "الدين والحياة"، حديثنا في هذه الحلقة عن ارتباط الدين بالأخلاق، في هذا الوقت الحالي للأسف نرى بعض الصفات وبعض النماذج التي يمكن أن يكون وصف الدين منفصلا فيها عن الأخلاق، أو ربما يكون هناك نوع من الجدل والنقاش حول هذا الموضوع من ناحية التطبيق الواقعي والعملي حول هذا الموضوع نتحدث وإياكم مع ضيفنا وضيفكم الشيخ خالد عبد الله المصلح الذي نرحب به من جديد.

 الشيخ خالد نتحدث في هذه الحلقة عن هذا الموضوع الذي ذكرناه وهو ارتباط الدين بالأخلاق كيف يمكن أن نتحدث عن ذلك، وخاصة أن هناك الكثير من النصوص الشرعية التي تربط الدين بالأخلاق، ولعل منها قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه»+++[سنن الترمذي:1085، من حديث أبي حاتم المزني، وحسنه]---.

 في هذه النصوص الشرعية ارتباط واضح وصريح في الدين بالأخلاق، وأنه لا يمكن الفصل بينهما، تفضل يا شيخ خالد.
الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مرحبا بكم يا أخ عبد الله، وأهلا وسهلا بالإخوة والأخوات، وأسأل الله أن يكملنا بصالح الأخلاق، وأن يجعلنا على خير ما يكون في القول والعمل.
المذيع:آمين.
الشيخ: ما يتعلق بالأخلاق، الأخلاق منزلتها في الشريعة عظيمة، ويظهر هذا من نصوص كثيرة تبين منزلة الخلق في الديانة، لنقف عند جملة من النصوص على وجه سريع ليتبين به منزلة الأخلاق من الدين، الله -جل وعلا- بعث محمدا –صلى الله عليه وسلم- ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، والظلمات هنا هي ظلمات معنوية، وهي ما يكون من سيء الخلق وسيء العمل، فيما يتصل بحق الله، وفيما يتصل بحق الخلق، الله تعالى يقول في ما جاء له النبي –صلى الله عليه وسلم-: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم}+++[آل عمران:164]--- أي من جنسهم، ماذا يفعل هذا الرسول؟ ما هي مهمته؟ ما هي وظيفته؟ {يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}+++[آل عمران:164]---، قوله: {يتلوا عليهم آياته} أي يبلغ هذه الآيات قولا وعملا، فالتلاوة هنا تشمل وجهي التلاوة: التلاوة التي هي القراءة، والتلاوة التي هي الاتباع لما يقرأ، فالنبي –صلى الله عليه وسلم- كان ترجمان القرآن، صلى الله عليه وسلم، ثم عطف على هذه التلاوة التي هي بيان لما جاء به الرسول –صلى الله عليه وسلم- من الهدى ودين الحق قال: {ويزكيهم} أي يطهرهم في التزكية تطهير والسمو بالنفوس وعلو بها، وارتقاء من الدنايا إلى الفضائل من السفائل إلى المعالي، من السفول إلى السمو، هذا الزكاء هو وظيفة النبي –صلى الله عليه وسلم-، ولذلك جاء فيما رواه أحمد بإسناد جيد من حديث أبي هريرة –رضي الله تعالى عنه- أنه قال: «إنما بعثت لأتمم  صالح الأخلاق»+++[ابن أبي شيبة في مصنفه:31773، وأحمد في مسنده:8952 . وصححه محقق المسند]---، هذا البيان النبوي لمقصود الرسالة، وما جاء النبي –صلى الله عليه وسلم- يحسب كل ما يمكن أن يتطرق إلى الأذهان من الانفصال بين الأخلاق والديانة، فالنبي –صلى الله عليه وسلم- ذكر في غايات بعثته ومقاصد إرساله التميم لصالح الأخلاق، بل جعل ذلك هو الذي لأجله بعث، فقال: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق».

وعندما نفهم أن الأخلاق مفهوم واسع ليس هو بالابتسامة العابرة، ولا بالكلمة اللطيفة فقط، بل هو بصلاح الظاهر والباطن، من استقامة الصلة بالله -عز وجل- والصلة بالخلق يتبين لنا معنى هذا الحديث، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- جاء لإصلاح ما بين العباد وربهم، فعرفهم بالله والطريق الموصل إليه، وجاء لإصلاح ما بين الناس فيما يكون بينهم من صلات، فأمر بأداء الحقوق والإحسان وكف الأذى، بل قال -صلى الله عليه وسلم-: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»+++[صحيح البخاري:10، ومسلم:6486]--- كلها معاني إذا استحضرها المؤمن تبين له منزلة الأخلاق في الديانة، وأن أمرها عظيم وشأنها كبير، يمكن أن يقول القائل: بقدر ما معك من طيب الأخلاق وكريم السجايا، والأدب في صلتك بالله، وفي صلتك بالخلق، بقدر ما يكون معك من استقامة الدين، ولذلك يقول ابن القيم –رحمه الله-: "فالدين كله خلق، فمن زاد عليك في الأخلاق زاد عليك في الدين".+++[مدارج السالكين:2/294]---
لهذا يقول الله- جل وعلا- في تزكية رسوله –صلى الله عليه وسلم- وبيان عظيم ما بلغه الله إياه، من سمو الأخلاق وطيب الخصال وشريف الصفات يقول: {وإنك لعلى خلق عظيم}+++[القلم:4]---، فلذلك من المؤكد الذي لا شك فيه أن سمو الأخلاق وطيبها وحسنها في معاملة الله -عز وجل- أولا، وفي معاملة الخلق هو مما يدل ويشير على سلامة الديانة، وأنه لا يمكن أن يسلم دين ولا أن يستقيم إيمان، ولا أن يصلح ما  بينك وبين الله -عز وجل- إلا باستقامة الأخلاق.
ولهذا قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إن من خياركم أحاسنكم أخلاقا»+++[صحيح البخاري:6035، ومسلم:2321/68 ]--- وهذا يفسر ويبين الارتباط الوثيق بين الأخلاق والإيمان، الارتباط الوثيق بين الأخلاق والديانة، وأنه بقدر ما تكون عندك من الأخلاق الحسنة الطيبة والسجايا الكريمة والصفات المحبوبة بقدر ما يكون معك من الديانة«إن من خياركم أحاسنكم أخلاقا»، وهذا الحديث الشريف يبين لنا الارتباط الوثيق بين الأخلاق والإيمان، وهو حديث في الصحيحين ليس من الأحاديث التي يمكن أن يقال فيها ثبتت، ما ثبتت، ضعيفة، ما منزلتها؟ الحديث في الصحيحين من  حديث عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله تعالى عنه-
وجاء في لفظ آخر، أو في رواية أخرى، وجاء في حديث آخر عند أحمد، والترمذي من حديث أبي هريرة –رضي الله تعالى عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا»+++[سنن أبي داود:4682، سنن الترمذي:1162، وقال حديث حسن صحيح]---، فالإيمان والدين والأخلاق والأدب عناصر متماسكة لا يستطيع أحد أن يمزق وشائجها، وأن يفصل بين صلاتها، وأن يقول: الأخلاق طيبة والدين رديء، أو الدين مستقيم والأخلاق ناقصة، بل لا يتم دين وخلق واستقامة وصلاح إلا بتمام الأخلاق وصلاحها وكمالها.
وهذا يجعلنا نعود إلى تأكيد ما هو مفهوم الأخلاق التي جاءت الشريعة ببيان منزلتها وعظيم مكانتها، وأكرم الله بها رسوله.

الأخلاق هي: حسن الصلة بالله، وحسن الصلة بالخلق، هذا هو الذي يكمل به الدين، وتكتمل به خصال الإيمان، ويتحقق به للإنسان السمو في الصفات الجميلة.
المذيع: جميل، شيخ خالد هنا سؤال يطرحه أحد المستمعين ويرمز لاسمه بأبو تركيا، ويقول: نسمع أحيانا عن معاملة الغربيين وفي المقابل هناك من ينتقد تعامل بعض المسلمين، ويقول: انظروا إليهم فقد وجدنا مسلمين بلا إسلام، ونحن هنا إسلام أو نرى مسلمين بلا إسلام، كيف يمكن أن نتحدث عن هذا الجانب خاصة فيمن يمجد هذه الأخلاق التي لدى الغرب في المقابل هنا نوع من الانتقاد؟، رغم أن الدين الإسلامي الحنيف ركز على هذا الجانب وأكد عليه، وأكد على مسألة أن من لم يحسن خلقه مع الله ثم مع الناس لم يكن مكتمل الديانة، كيف نعلق على هذا الجانب؟
الشيخ: أخي الكريم، إدراك معنى الأخلاق يحل هذا الإشكال الذي يتعرض له بعض الناس فيما يتصل بما نشاهده من انتظام في بعض الأخلاق عند الغرب، وحصول بعض الفضائل عند غير المسلمين سواء في الغرب أو في الشرق، الأخلاق منظومة مكتملة لا يمكن أن يثنى على الشخص بجانب من الأخلاق مع  تضييعه بجانب آخر، فلا يمكن أن تكمل الأخلاق وتسمو وصلته بالله عز وجل مبتورة، وصلته بالله -عز وجل- منقوصة، ولذلك يشير النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى هذا المعنى وهو أن من الناس من يكون معيار الأخلاق عنده هو جانب في المعاملة، وجانب في السلوك، ويجعله معيارا للحكم على مجمل ما يكون من تصرفات الإنسان.
في صحيح الإمام مسلم يقول النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في بيان ما جاء به من الهدى ودين الحق يقول:« إن الأمانة نزلت في جزر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن، فعلموا من القرآن، وعلموا من السنة»+++[صحيح البخاري:6497، صحيح مسلم:143/230]--- أي أن الله تعالى قذف في  قلوب عباده نور الإيمان، وهذا في أول الرسالة، ثم نزل القرآن وهذا في حق الصحابة الذين آمنوا بالنبي –صلى الله عليه وسلم- قبل أن يكتمل الوحي، وقبل أن تكتمل دلائل النبوة وأنوار الرسالة، آمنوا بما ألقاه الله تعالى في قلوبهم من التصديق بالنبي –صلى الله عليه وسلم-، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن، وعلموا من السنة، ثم تحدث النبي –صلى الله عليه وسلم- عن ما يجري من ارتفاع الإيمان في آخر الزمان، فذكر أن الرجل ينام النومة فتقبض الأمانة وهي أصل الإيمان من قلبه فيظل لها أثر، ثم ينام النومة الأخرى فتقبض الأمانة من قلبه فيظل لها شيء من الأثر، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «فيصبح الناس يتبايعون» بعد زوال الأمانة ونزعها من قلوب الرجال، «يصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة، حتى يقال: إن في بني فلان رجلا أمينا»، انظر كيف الارتباط بين الإيمان والأمانة؟

 عندما يكون هناك إيمان تكون هناك أمانة، عندما يزول الإيمان تزول الأمانة، إن في بني فلان رجلا أمينا.
ثم ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم- أن هناك اختلالا سيجري في حياة الناس في تأويل معايير حسن الخلق، حتى يقال للرجل: ما أجلده!، ما أظرفه!، ما أعقله!، وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان!
إذا النبي –صلى الله عليه وسلم- هنا يشخص إشكالية الحكم على الناس من خلال زاوية من السلوك، فتحكم على الناس من خلال العقل، من خلال حسن التدبير، من خلال الصبر، من خلال خصلة من الخصال، في حين أنك تسأل عن أصل الأخلاق ومقومها الأول الذي إذا صلح جاءت البقية، وإذا اختل وفسد فسدت البقية، إنه الإيمان، ولذلك يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-:«حتي يقال للرجل: ما أجلده، وما أظرفه، وما أعقله، وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان»+++[تكملة الحديث السابق]---، أي ليس له في حسن الصلة مع الله، وطيب الأخلاق مع الرب الذي هو أحق المستحقين لحسن الخلق؛ لأنه المتفضل المنعم  بما أنعم جل في علاه.
إذا كان كذلك اختلت الأخلاق في الصلة بالله -عز وجل- فثمة اختلال عظيم ولو حسنت الأخلاق، ولو حسنت الأخلاق في بعض الصور ، هناك أمور من الأخلاق ما تطيب بها حياة الناس، فيتمسك بها الناس لا لقناعتهم بها على أنها سمو ويتعامل بها في السراء والضراء، وفي العسر واليسر، وفي المنشط والمكره، وفي الضيق والسعة، يعامل بها لأجل أن تحقق مصالحهم وتحفظ دنياهم، فمثلا يعني الكذب والعقوبة الشديدة عليه في بعض البلاد غير الإسلامية، وكونه يعتبر من أكبر المسالب، هذا لأن الكذب مفتاح لسلسلة الضياع لحقوقهم كلهم، فلذلك يشددون في الصدق، وأنه لابد أن تقول الحقيقة، ولتتحمل إذا لم تقل الحقيقة، وأنك إذا كذبت تتحمل مسئولية كذبك، لا لأن الكذب مذموم لذاته، بل لأنه يترتب عليه من المفاسد ما يترتب في مصالح الدنيا ما تتعثر به حياتهم، فلذلك تجد أنهم يحرصون على الصدق، ويتخلقون بهذا الخلق، ويؤكدون عليه، ليس ديانة.
طبعا لقائل يقول: أنا ما على ديانة أو غير ديانة، أنا على في النهاية، نعم، أقول هذا صحيح يعني من جهة أن المقصود هو حصول المصلحة للبشرية، سواء كان ذلك عن ديانة أو كان ذلك عن قناعة بأي شيء آخر، لكن نعود لنقول: إن الغرب يعاني معاناة شديدة من اختلال المعايير فيما يتعلق بالأخلاق، فالغرب يبني حياته على الفردانية، تعظيم قيمة الفرد، وطغيان هذه القيمة على كل القيم الأخرى، ولذلك تجد أن الشخص يتصرف بماله، فيكتب ماله كله لبعض الحيوانات، ويترك أقاربه، بل يترك أمه وأباه دون أن يرعاهما، هل هذا من مكارم الأخلاق؟! هل هذا من الفضائل والشيم؟! هذا بشهوات، نزوات نفسية اختل بها الميزان عند البشر.
أيضا عندما نرى الظلم الواقع من بعض التصرفات التي تصدر من السياسات الغربية أو غير الإسلامية على الأمم المستضعفة تجد أن ثمة اختلالا، أين المعايير الحقيقية لحقوق الإنسان؟، أين المعايير الحقيقية لإكرام البشر؟!

 يا أخي جزء كبير من الإنتاج الوطني في المأكولات والأرزاق في الدول الغربية يهدر ويكب في النفايات في البحار، بعض المحاصيل حتى يحفظ التوازن ولا تختل الأسعار!! هل هذا من الأخلاق؟! الأخلاق منظومة مكتملة يا أخي.
المذيع: يعني منظومة مكتملة يصوغها الإسلام أو يصوغها الدين.
الشيخ: يصوغها الدين وقوامها حسن الصلة بالله، وأنه لا يمكن أن تحسن الصلة بالله- عز وجل- إلا وأنت محسن للخلق، ولا يمكن أن يحصل إحسان للخلق إلا بإحسان الصلة بالله -عز وجل-، هذا الارتباط الوثيق يميز الأخلاق والصلة، طبعا تقول: في الواقع العملي للمسلمين ثمة إشكالات.

 نعم، لكن هذا لا يحاكم به الدين، ولا تحاكم بهذه الملة، وهذا النور المبين الذي جاء به النبي –صلى الله عليه وسلم-، لو حاكمنا الأفكار والآراء البشرية، وليس الشرعية التي هي وحي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، هي نور من الله -عز وجل-، إذا حاكمنا بعض القيم التي يتواطأ عليها الناس بامتثال أصحابها، لوجدنا اختلالا كثيرا، إنما يحاكم الشيء نفسه، وينظر إلى الوحي الذي جاء به النبي –صلى الله عليه وسلم- من حيث تعزيزه لهذه المعاني، ويحث المسلمون على الالتزام، ويقال: لن يكمل لكم إسلام، ولن يصلح لكم دين إلا بتحقيق هذه المعاني التي جاء بها النبي –صلى الله عليه وسلم-، وعنوان ذلك في معاملة الخلق: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده».+++[تقدم]---
المذيع: جميل، نستأذنكم في هذا الاتصال، أو اتصالين نأخذهم مع بعض، الاتصال الأول من المستمع عبد العزيز الشريف، حياك الله عبد العزيز، أخ عبد العزيز، عبد العزيز الشريف من الرياض.
المتصل: معك معك، السلام عليكم.
المذيع: السلام عليكم ورحمة الله، تفضل يا أخي.
المتصل: أسعد الله مساءك يا شيخ عبد الله.
المذيع: ومساءك، حياك الله.
المتصل: حيا الله الشيخ خالد، كيف أحوالك يا شيخ؟
الشيخ: حياكم الله، مرحبا بك يا أخي، أهلا وسهلا.
المتصل: ابن هشام في سيرته، والطبري أورد قصة مع النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- عندما أخبرته عن حال أبيها حاتم الطائي، وأنه كان يفك العاني وهكذا، فقال لها النبي –صلى الله عليه وسلم-:«يا جارية، هذه صفات المؤمنين حقا، ثم قال: خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق»+++[أخرج قصتها البيهقي في دلائل النبوة5/341، ومن طريقه ابن كثير في البداية والنهاية:2/271. وأقل ما يقال فيها: ضعيفة جدا، والقول بوضعها ليس بعيدا؛ في سندها وضاع، وآخر متروك. والله أعلم.]---، ما تعليق الشيخ على هذه القصة؟
الأمر الثاني والأخير؛ النبي –صلى الله عليه وآله وسلم – قال لأبي ذر: «إنك امرؤ فيك جاهلية»+++[صحيح البخاري:30، ومسلم:1661/38]--- عندما عاير بلالا بأمه، فما تعليقكم على هذه القصة؟ وما هو التوجيه الطيب السليم للمؤمنين في أن يحسنوا من أخلاقهم في تعاملهم مع غيرهم، بارك الله فيكم؟
المذيع: طيب، جزاك الله خير، شكرا عبد العزيز، نأخذ الاتصال الثاني، تفضل يا أخي الكريم.
المتصل: السلام عليكم.
المذيع: وعليكم السلام، حياك الله، من معنا؟
المتصل: معكم أخوكم محمد، حياك الله.
المذيع: حياك الله أخ محمد تفضل.
المتصل: الشيخ خالد السلام عليكم يا شيخ خالد.
الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله أهلا وسهلا.
المتصل: نحبك في الله والله يا شيخنا.
الشيخ: أحبك الله، الله يحفظك ويبارك فيك.
المتصل: يا شيخ بالنسبة للأخلاق في بعض الشباب الملتزم فتح الله على قلوبهم، يكون أخلاق مع الناس في الخارج، مثلا يكون مع أصحابه في التجارة أخلاقه ما شاء الله لا يعلى عليه، ولكن إذا دخل بيته تغيرت أخلاقه، صار شديدا، صار ينفخ، ما تعليقك على هذا الأمر والنصح لهذه الفئة؟
السؤال الثاني يا شيخ؛ الأخلاق أيضا في التجارة، يكون بعض الإخوان يرى أن في التجارة يخالف، العرب غير الأجانب؛ لأننا المفروض أن نعامل الأجانب غير مسلمين مثل المسلمين والعرب، لماذا؟ لأنها رسالة نبعثها لغير المسلمين عن المسلمين، ما هي مكارم الأخلاق في هذا الأمر إن شاء الله؟ بارك الله فيك.
المذيع: شكرا يا أخ محمد، يا شيخ خالد السؤال الأول للأخ عبد العزيز كان يتحدث عن سفانة وحاتم الطائي ومكارم الأخلاق التي كان يتميز بها، وامتداح النبي –صلى الله عليه وسلم- لهذه المكارم الأخلاق، هناك الكثير من القصص التي يمكن أن تدخل ضمن هذا الباب، خاصة ممن كانوا في الجاهلية متمسكين بهذه الأخلاق الكريمة، ولعل أحد الصحابة، كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول له: ضع هذه الأخلاق في الإسلام، فاستجاب لدعوة المصطفى –صلى الله عليه وسلم- بعد فتح مكة فأسلم+++[لعل المقدم يقصد ما حصل في قصة سفانة المذكورة، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في أبيها. وإلا فلم أقف على القصة التي ذكر]---، كيف يمكن أن نقف على هذا الجانب؟
الشيخ: هو على كل حال القصة التي ذكرها أخونا عبد العزيز فيما يتصل بقصة سفانة بنت حاتم الطائي، ليست قصة صحيحة من حيث الإسناد، وإن كانت قد ذكرها بعض المؤرخين والكاتبين في السيرة لكنها في ميزان التصحيح والتضعيف، القصة ضعيفة ولا تثبت، لكن المعنى بالتأكيد أن حسن الخلق مما يحمد عليه الإنسان، مسلما كان أو كافرا، ولذلك النبي –صلى الله عليه وسلم- لما بعث أصحابه إلى الحبشة في الهجرة الأولى قال: «إنكم تأتون ملكا لا يظلم عنده أحد»+++[أخرجه البيهقي في الكبرى:17734، وقال الإلباني: إسنادة جيد. انظر الصحيحة:3190]---، فجعل النبي –صلى الله عليه وسلم- هذه الخصلة وهي إقامة العدل في الرعية، إقامة العدل بين الناس من محامد هذا الرجل الذي سوغ اختياره الحبشة لهجرة أصحابه ليلوذوا بهذا البلد من ظلم المشركين الذي آذوهم في دينهم وقتلوهم، وأصابوا منهم ما أصابوا.
فليس ثمة ارتباط بين مدح أصحاب الفضائل وبين أن يكونوا مسلمين، كل من كان ذا فضل فإنه يحمد، ولذلك النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- عندما ذكر الروم ذكر فيهم خصالا هي من الخصال الموجبة لحمدهم، ومنها أنه قال: «أرحمهم» ، هذا البيان النبوي لهذه الخصال يبين أن الخصال الشريفة الفاضلة تحمد لكل من حصلت منه، لكن فيما يتعلق بالفارق بين أهل الإيمان وأهل الإسلام وغيرهم أن أهل الإسلام يؤجرون على ما يكون من خصال الخير وخصال البر، وترتفع به درجاتهم، وأما غيرهم فهم يستفيدون منها تحصيل مصالح الدنيا، أما في الآخرة فلا أجر لهم فيها؛ لأن الأجور مبنية على الإيمان والتقوى، الخلق الفاضل يمدح ويحب من كل أحد.
يعني النبي –صلى الله عليه وسلم- عندما أخبر عن كثرة الروم في آخر الزمان، قال: «تقوم الساعة والروم أكثر الناس»، قال عمرو: أبصر ما تقول، هذا عمرو بن العاص –رضي الله تعالى عنه- يقول للمستورد القرشي، فقال له بعد أن قال: "أبصر ما تقول"، يعني تحقق ما تقول، قال: أقول ما سمعته من رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، قال: إن تكن قلت ذاك الآن، عمرو بن العاص يعقب على قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «تقوم الساعة والروم أكثر الناس» هذه الكثرة، كثرة عدد، وكثرة ظهور، وكثرة تمكن، لأنه ليس المقصود الكثرة هنا فقط الكثرة العددية، الكثرة العددية، والكثرة في القوة وما إلى ذلك.
بعد أن ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم- بعد أن ذكر المستورد هذا الحديث على عمرو، ذكر عمرو مع أنه قاتلهم أو صار بينه وبينهم نوع من القتال، ذكر خصالا قال: إن فيهم خصالا أربعا، هذا من كلام عمرو بن العاص –رضي الله تعالى عنه-، «وإنهم لأحلم الناس» يعني هذا كلامه وليس من كلام النبي –صلى الله عليه وسلم- إنما هو من كلام عمرو الذي يبين أن الأخلاق المحمودة تمدح من كل من جاء بها، «إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف» ثم قال: «وخامسة حسنة جميلة، وإنهم لأمنع الناس من ظلم الملوك»+++[صحيح مسلم:2868/35]---، إذا يمدح كل صاحب فضيلة، يعني عندما يأتي أحد يقول: الغرب عنده كذا وكذا من الأخلاق الفاضلة، نقول هذه أخلاق دعا لها الإسلام، ويؤجر عليها المسلمون إذا امتثلوها، ويأثمون إذا تركوها، بها تصلح دنياهم وبها تعمر آخرتهم، كون غير المسلمين تخلقوا بها هذا لا يضعف الإسلام؛ لأن الإسلام دعا إليها وبين عظيم منزلتها، وجمعها على وجه الكمال، وأضاف إليها أمرا آخر، وهو أنها إذا فعلت على وجه الطاعة لله أجر عليها الإنسان، وأثيب في الآخرة، وبلغ منزلة لا يبلغها بصيامه وقيامه وصالح عمله.
ولذلك جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال:« ألا أدلكم على ما تبلغ به درجة الصائم القائم؟»، ثم ذكر قال -صلى الله عليه وسلم- في سياق بيان محاسن الأخلاق، وما يبلغه الإنسان بحسن خلقه، قال: «حسن الخلق»+++[لم أقف عليه من هذه اللفظ، وسيأتي قريبا بنحوه]---، أي أن حسن الخلق إذا كمل للإنسان بلغ به درجة الصائم الذي لا يفطر، والقائم الذي لا يفطر، ولذلك قال «إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم» وهو حديث في المسند.»+++[سنن أبي داود:4798، مسند أحمد:25013، وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي.]---
المذيع: يعني لا ينبغي أن يكون هذا الأمر يتخطى هذه الأطر الخاصة بالأخلاق فقط، يمتدحها لأنها من القيم التي دعا إليها الإسلام، وأن البعض ربما يبث في نفوس الناس وخاصة العامة نوعا من الشبه والشكوك عندما يمتدح، أو لا يفرط في مدحهم وكأنه لا ينبغي لهم أن يضرهم كونهم على هذا الضلال أو على عدم الإسلام أن يكونوا متخلقين ومتمسكين بهذه الأخلاق الفاضلة، فيكيل لهم المدح الشديد حتى يتخيل الناس أنهم على حق كامل.
الشيخ: نعم، وهذا هي الإشكالية، هي الإشكالية من جهتين أنت أشرت إلى واحد منهما، وفي الختم أشرت إلى المعنى الثاني، يعني كونهم على أخلاق حسنة هذا لا يعني أنهم يفوقون ما جاء به الدين والإسلام، فالإسلام جاء بهذا وحث عليه، ورتب أجورا عظيمة عليه، بل جعل الإيمان يعلو ويسمو بقدر ما مع الإنسان من حسن الخلق.
الأمر الثاني: أن من الناس من يقول: بهذا يعلم  أن هذه الأخلاق عند غيرنا لا تنتقص من قيمة ديننا، هي قد تبين الفارق بيننا وبينهم في قصورنا تقصيرنا، لكن هذا لا يعني أنهم فاقونا أو أنهم سبقونا في تأصيل هذه الأخلاق، والدعوة إليها وممارستها، هذا جانب.
الجانب الثاني، من الناس من يذكر هذه الخصال الحسنة، ويركز عليها ويبالغ في إبرازها لتسويق ما بقي من سوءات، ويقبل على هذا المجتمع المبكت الذي فيه من البلايا والرزايا والإشكاليات الاجتماعية والآفات الأخلاقية واختلال معايير الأخلاق، وعدم اتساقها بما هو واضح وبين يتكلم به، الآن تلك الحضارة فضلا على أن يتكلم بها غيرهم من من لهم ثقافة وقيم وأصول مختلفة.
فلنحذر من هذه المحظورات، المحظور الأول أن هذه الأخلاق يجب أن يعلم أن امتثالهم لها لا يعني تفوقهم على الإسلام وما جاء به محمد –صلى الله عليه وسلم-، الأمر الثاني: أن نحذر من تسويق هذه الأخلاق لبقية الرذائل والشرور والمفاسد.
المذيع: يبين هذا الأمر كاملا، يعني بوجه الكامل لا فقط أن تبرز هذه المحاسن وكأنما الشخص يقوم بتلميعهم بكل ما فيهم.
الشيخ: وهذا هو العدل الذي أمر الله تعالى به ورسوله، أن يكون الإنسان عادلا فيثني على الخير ويبينه، ويحذر من الشر ويبين أخطاره.
المذيع: وما أجمل أن يكون هذا الشخص الذي يتمسك بهذه الأخلاق والقيم الإسلامية العليا، ثم يجمع بهذا يعني يدخل في  دين الله ليكون كما قال –صلى الله عليه وسلم-: «خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا»+++[صحيح البخاري:3374]--- يحقق هذا الفضل، وينتقل من الظلمات إلى النور بهذا الدين القويم، أثار أيضا مسألة حديث النبي –صلى الله عليه وسلم- عندما قال: «إنك امرؤ فيك جاهلية»+++[تقدم]---
الشيخ: نعم، هذا التشخيص النبوي لهذه اللوثة التي قد تتمكن من بعض النفوس، وتتسرب في كلمات أو تصرفات، ينبغي للمؤمن أن يكون حذرا منها؛ لأنها من خصال الجاهلية، كل خلق سيء فهو من خصال الجاهلية، فالجاهلية ليست حقبة زمنية أو حقبة مكانية مقصورة على مساحة مكانية، بل هي خصال متى وجدت كانت وصفا لأصحابها، ومن قامت بهم.
النبي –صلى الله عليه وسلم- حذر أبا ذر لما قال في رجل: "يا ابن السوداء"، أو تلقبه بنحو هذا كأنه يعايره بأصله، قال: «إنك امرؤ فيك جاهلية» أي فيك من خصال الجاهلية، وهي الفخر بالأحساب.
المذيع: ولم يقل له: أنت جاهلي، هذا في حكمه عليه يعني.
الشيخ: أكيد، هذا مقتضى العدل النبوي والإنصاف في تقييم الأمور أنه بين له الخصلة التي بها التحق بخصال الجاهليين، والسلامة منها بالبعد عنها، فينبغي للمؤمن أن يتخلق بالأخلاق الفاضلة، وأن يحذر من كل خلق رديء، وأصل الأخلاق الرديئة هو ما يكون في القلب من سمو وعلو وتكبر على الخلق، واحتقار لههم، ولذلك قال النبي  –صلى الله عليه وسلم-: «بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم»+++[صحيح مسلم:2564/32]---.

 ولذلك مفتاح الفضائل أن يطهر القلب من هذه الخصلة، وأن يعمر بمحبة الخير لإخوانك، «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»+++[صحيح البخاري:13، مسلم:45/71]---، إذا تحقق للقلب هذان الوصفان: السلامة من الاحتقاد والعلو والتكبر، والعمارة بطيب المشاعر وحب الخير لإخوانك يتحقق لك بذلك طيب القول والعمل، ويثمر هذا القلب الزاكي من الأقوال والأعمال، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله».+++[صحيح البخاري:52، ومسلم:1599/107]---
المذيع: طيب، شيخ خالد بد ما أتيتم على هذه النقطة يعني جميل أن هذا جعل مسألة مهمة أن البعض يعني من من الله عليهم -سبحانه وتعالى- بالاستقامة والثبات على الدين القويم، ومن من الله عليهم أيضا بالمواظبة على الأعمال الصالحة عندما يرى بعض من ابتلاه الله ببعض المعاصي ربما يأتي في قلبه أو في نفسه يقع في نفسه أنه يعني بمنأى عن هذا الأمر، فربما يشمخ بأنفه عن هذا الشخص دون أن يوجهه، أو دون أن يسأل الله العافية مما هو فيه، كيف  يمكن أن نعلق على هذا الأمر، ما دام  أنه مرتبط بالقلب وأحيانا يتسلل للقلب دون أن يشعر به الإنسان، ثم يتمكن منه؟
الشيخ: يا أخي الكريم القلب الصادق في محبة الله وتعظيمه المقر بعجزه وفقره، المشاهد منة الله -عز وجل- عليه بالهداية لا يمكن، لا يمكن أن يتطرق  إليه عجب، ولا يمكن أن يتطرق إليه علو بصالح العمل، يعني أنت إذا وفقك الله إلى إقامة الصلاة، إذا وفقك الله إلى بر الوالدين، إذا وفقك الله إلى توحيده، إذا وفقك الله إلى صالح العمل بكل صوره، فإن هذا من فضل الله عليك، الله -عز وجل- يذكر المؤمنين بذلك فيقول: {بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان}+++[الحجرات:17]---، ويقول الله -جل وعلا- لأصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- في سياق المقاتل لمن لم يؤمن من الكفار الذين اعتدوا على أهل الإسلام، يقول -جل وعلا-: {كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم}+++[النساء:94]---، فيذكركم الله -عز وجل- بعظيم المنة التي من الله بها عليهم من الهداية، فالهداية منة من الله ومنحة، يتفضل بها على العبد يجب عليه أن يعرف أنه ليس له فيها فضل، ليس لي ولا لك ولا لأحد من الناس فضل في استقامته، ولا في هدايته وفي صلاحه، لا يعني أنه لا يبذل السبب وأنه لا يشكر على هذا، لا، لكن الله هو الذي يسر لك الأسباب، الله هو الذي أعانك على سلوك الطريق المستقيم، والعمل بصالح الطاعات.
المذيع: وهو قادر على أن يقلبك لآخر.
الشيخ: أكيد، وهو القادر على أن يحول هذه الحال إلى غيرها، فبالتالي إياك أن تزهو بعملك، احذر أن تعجب بعملك، فالعمل إذا أعجب به الإنسان حبط ونقص قدره بقدر ما يقوم في القلب من الإعجاب به، وفرق بين الفرح بالطاعة وبين الإعجاب، أفرح بالطاعة أي أنني أعتز وأبتهج أن الله يسر لي الصيام، أن الله وفقني إلى الطاعة، أشهد منة الله فأفرح بها، لكن عندما أرى لنفسي منزلة ومكانة على الناس لأني أصلي، لأني أصوم، لأني أمتنع عن سماع المحرمات، لأني آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، لأني أتعلم العلم، هنا دق ناقوس الخطر فاحذر على نفسك، على قلبك قبل أن تسلب لذة الإيمان، وقبل أن يحبط عملك بسبب ما أصابك من العجب والرياء.
المذيع: شيخ معنا دقيقتان نتحدث في الأولى عن بعض يعني من من الله عليهم بالاستقامة عندما يوجه ويرشد وهو بين أصحابه وبين الناس في خلق عال، عندما يدخل البيت ينقلب ويكون كالأسد الجسور يتغير حاله ويكون في وضع بائس، كيف يمكن أن نوجه هؤلاء؟.
الشيخ: نقول يا أخي، هذا لا  يختص به مستقيم أو غيره، هذه صفة موجودة عند بعض الناس، نجده في معاملته للناس عموما يعني قد يكون لطيف المعشر، قد ينتقي طيب الكلام، قد يكون حسن المعاملة والمعاشرة، طلق الوجه، وهذه كلها يشكر عليها، لكن يقال له: إنه يجب أن يكون هذا في بيتك وعند أقرب الناس إليك أكثر نصيبا من بشاشة، يجب أن يكون لهم أكثر نصيبا من بشاشة الوجه، من طيب الكلام، من انتقاء الكلام، ولا يتبين حقيقة ما في سلوك الإنسان وخلقه من السمو والعلو.
المذيع: كما قالت عائشة عن النبي –صلى الله عليه وسلم-«كان خلقه القرآن»+++[أحمد في مسنده24601، والطبراني في الأوسط. قال محقق المسند: صحيح]---، يعني هي تحكي حال النبي –صلى الله عليه وسلم- في بيته، فهو في الخارج أولى من ذلك.
الشيخ: نعم، ليس المعيار في تقييم حسن الخلق ابتسامة عابرة، ولا كلمة لطيفة، بعض الناس كلمة: "يا حبيبي"، "يا أخي"، الكلمات اللطيفة هذه دارجة على اللسان مع البعيد والقريب، ومن يعرف ومن لا يعرف، لكنه لا يمكن أن يسمعها ابنه، ولا يسمعها زوجته، ولا يسمعها ابنته، ولا يسمعها أما أو أبا، وهذا كله من الخلل والاختلال في الميزان، كلما قرب الإنسان منك كان حقه في حسن الخلق وفي طيب المعاشرة والمعاملة أعلى وأوفى وأوفر وأكبر من البعيد، النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: "من أحق الناس بصحبتي؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك»، قال: ثم من؟ قال:« أمك»، قال: ثم من؟ قال:«ثم أبوك».+++[صحيح البخاري:5971، مسلم:2548/1]---
وفي الحديث الآخر، قال: من أبر؟ قال:« أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك فأدناك»+++[أبو داود في سننه:5140، والبخاري في الأدب المفرد:47من حديث كليب بن منفعة، عن جده. وضعفه الألباني. وعند أحمد:7105 من حديث أبي رمثة رضي الله عنه أن النبيrقال:" يد المعطي العليا، وابدأ بمن تعول: أمك، وأباك، وأختك، وأخاك، ثم أدناك، أدناك ". صححه الألباني في الإرواء:3/322]---، فينبغي ملاحظة هذا، وإذا اتخذ الإنسان الخلق ديانة فإنه في تكميل الأخلاق على القريب والبعيد واحتساب الأجر عند الله.
المذيع: كنا نتحدث عن مسألة الأخلاق وارتباطها بالدين وخاصة في التجارة، وفي التعامل أيضا مع غير المسلمين، وعلاقة ذلك في عكس الصورة المشرقة لهذا الدين الحنيف.
الشيخ: صحيح بالتأكيد أنه الفلوس تفسد النفوس على ما قال المثل، وكثير من الأحيان تجد أن الإنسان في معاملة حسنة، إذا جاء المال وإذا دخلت الدنيا بين الناس فسد ما بينهم من علاقات وصلات، وأنا أقول لكل: من تعامل مع الناس في أموال، اتق الله، وأد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك.
وإذا أردنا أن نعطي قاعدة في حسن الخلق، فلنستمع إلى هذه الكلمات الموجزات من ابن تيمية –رحمه الله- يقول: "وجماع حسن الخلق، يعني ما يجمع لك الأخلاق الحسنة والسمات الجميلة والصفات المحبوبة، جماع حسن الخلق مع الناس أن تصل من قطعك بالسلام والإكرام والدعاء له والاستغفار، هذا مع من قطعك، وامتنع الزيارة له، وتعطي من حرمك من التعليم والمنفعة والمال، وتعفو عن من ظلمك في دم أو مال أو عرض"+++[الزهد والورع والعبادة لا بن تيمية:(ص90)]---، لاحظ هنا بدأ بالذين تجري العادة في أن تبعد عنهم وأن تسيء إليهم، من قطعك، من حرمك، من ظلمك، فإذا كنت مع من قطعك حسن الخلق، وإذا كنت مع من حرمك حسن الخلق، وإذا كنت مع من ظلمك طيب المعشر، تعصم شرك عنهم، فإن غيرهم من باب أولى.

 اللهم اهدنا إلى أحسن الأخلاق والأقوال والأعمال، وارزقنا يا ذا الجلال والإكرام طيبها واصرف عنا سيئها.
وأختم بكلمة موجزة، كيف نحسن أخلاقنا؟ لنعرف فضيلة حسن الخلق وهذا أرجو في حديثنا وفي كتب السنة أوسع، الثاني أن نعرف أن الخلق يحتاج إلى معالجة، إلى ملاحظة، إلى دوام انتباه، إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ولن تكمل أخلاقك إلا بالمعالجة والمداواة، إذا أخفقت اليوم وغضبت حاول غدا لا تغضب، إذا اليوم أسأت لأحد معاملة حاول غدا لا تسئ، فإن ذلك سيقوم خلقك ويصحح مسارك.
المذيع: وكما هناك قصة المرأة التي كانت تسيء لجيرانها، وكانت تواظب على الصلاة والصوم، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لا خير فيها، هي في النار»، في مقابل من كانت ليست لها كثير صلاة ولا صيام ومع ذلك كانت تحسن إلى جيرانها فقال :«هي في الجنة»+++[مسند أحمد:9675، والحاكم في مستدركه:7404. وقال:هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ". ووافقه الذهبي]---،وفي هذا دليل واضح ومحفز أيضا على أن الإنسان يتخلق ويجمع بين الخلق والدين، وهذا هو صلب الحديث في هذه الحلقة.
أشكركم صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ خالد بن عبد الله المصلح المشرف العام على فرع الإفتاء في منطقة القصيم وأستاذ الفقه بجامعة القصيم، على ما تحدثتم به من حديث شيق وماتع، ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعل كل ما تفضلتهم في هذه الحلقة في موازين أعمالكم الصالح.
الشيخ: اللهم آمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ولكم الشكر الجزيل مستمعينا الكرام على طيب استماعكم وإنصاتكم لنا في هذه الحلقة، على أمل إن شاء الله أن نلقاكم في حلقة الأسبوع المقبل، حتى ذلكم الحين تقبلوا تحياتي محدثكم عبد الداني، ومنفذ هذه الحلقة على الهواء الزميل محمد باصويلح.
لقاؤنا يتجدد بكم بإذنه -سبحانه وتعالى- يوم الأحد المقبل في تمام الساعة الثانية ظهرا، نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:4571

المذيع: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم مستمعينا الكرام إلى برنامجكم "الدين والحياة"، والذي يأتيكم عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة.
حياكم الله في هذه الحلقة التي نناقش فها موضوعاً هامًّا وضروريًّا وجادًّا ويهمُّ كل شرائح المجتمع ألا وهو: علاقة الدين بالأخلاق وارتباط الدين بالأخلاق، هذا هو موضوعنا.

 في البداية هذه أطيب التحايا منا محدثكم عبد الله الداني ومن منفذ هذه الحلقة على الهواء الزميل محمد با صويلح، كما يسرنا أيضاً أن نرحب بضيفكم وضيفنا في هذه الحلقة صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ خالد بن عبد الله المصلح المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم وأستاذ الفقه بجامعة القصيم، السلام عليكم ورحمة الله يا شيخ خالد.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياك الله أهلا وسهلاً ومرحباً بك.
المذيع: حياك الله شيخ خالد وحيا الله جميع المستمعين والمستمعات الذين يمكنهم أيضاً أن يشاركونا في هذا الموضوع عبر الأرقام التالية الرقم الأول هو 0126477117، والرقم الثاني هو 0126493028، كما يمكنكم أن تراسلونا عبر الواتساب بواسطة الرسائل النصية على الرقم 0556111315.
حديثنا في هذه الحلقة هو عن ارتباط الدين بالأخلاق، ولما يظنه البعض من أن الدين لا علاقة له، أو لأن البعض ربما يظن العكس من ذلك، أو لأن البعض أيضاً ترى فيه بعض سمات الصلاح لكنه لا يتخلق بأخلاق الإسلام، ربما البعض أيضاً بأن يكون هناك تعريف واضح لهذا الموضوع عن الأخلاق وماذا يعنى بها؟ وماذا يُقصد بها؟ سوف نتحدث بإذن الله -سبحانه وتعالى- في هذه الحلقة مستمعينا الكرام عن هذا الموضوع بشيءٍ من التفصيل مع ضيفنا وضيفكم الشيخ خالد المصلح، ولكن بعد هذا الفاصل.
المذيع: حياكم الله مستمعينا الكرام إلى برنامج "الدين والحياة"، حديثنا في هذه الحلقة عن ارتباط الدين بالأخلاق، في هذا الوقت الحالي للأسف نرى بعض الصفات وبعض النماذج التي يمكن أن يكون وصف الدين منفصلاً فيها عن الأخلاق، أو ربما يكون هناك نوع من الجدل والنقاش حول هذا الموضوع من ناحية التطبيق الواقعي والعملي حول هذا الموضوع نتحدث وإياكم مع ضيفنا وضيفكم الشيخ خالد عبد الله المصلح الذي نرحب به من جديد.

 الشيخ خالد نتحدث في هذه الحلقة عن هذا الموضوع الذي ذكرناه وهو ارتباط الدين بالأخلاق كيف يمكن أن نتحدث عن ذلك، وخاصةً أن هناك الكثير من النصوص الشرعية التي تربط الدين بالأخلاق، ولعل منها قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إذا أتاكم من تَرضَون دينَه وخلقَه فزوِّجوه»[سنن الترمذي:1085، من حديث أبي حاتم المزني، وحسنه].

 في هذه النصوص الشرعية ارتباط واضحٌ وصريحٌ في الدين بالأخلاق، وأنه لا يمكن الفصل بينهما، تفضل يا شيخ خالد.
الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مرحباً بكم يا أخ عبد الله، وأهلاً وسهلاً بالإخوة والأخوات، وأسأل الله أن يكملنا بصالح الأخلاق، وأن يجعلنا على خير ما يكون في القول والعمل.
المذيع:آمين.
الشيخ: ما يتعلق بالأخلاق، الأخلاق منزلتها في الشريعة عظيمة، ويظهر هذا من نصوص كثيرة تُبين منزلةَ الخلق في الديانة، لنقف عند جملة من النصوص على وجهٍ سريع ليتبين به منزلة الأخلاق من الدين، الله -جلَّ وعلا- بعث محمدًا –صلى الله عليه وسلم- ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، والظلمات هنا هي ظلمات معنوية، وهي ما يكون من سيء الخلق وسيِّء العمل، فيما يتصل بحق الله، وفيما يتصل بحق الخلق، الله تعالى يقول في ما جاء له النبي –صلى الله عليه وسلم-: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ}[آل عمران:164] أي من جنسهم، ماذا يفعل هذا الرسول؟ ما هي مهمته؟ ما هي وظيفته؟ {يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[آل عمران:164]، قوله: {يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} أي يُبَلِّغ هذه الآيات قولاً وعملاً، فالتلاوة هنا تشمل وجهي التلاوة: التلاوة التي هي القراءة، والتلاوة التي هي الاتباع لما يُقرأ، فالنبي –صلى الله عليه وسلم- كان ترجمان القرآن، صلى الله عليه وسلم، ثم عطف على هذه التلاوة التي هي بيان لما جاء به الرسول –صلى الله عليه وسلم- من الهدى ودين الحق قال: {وَيُزَكِّيهِمْ} أي يطهرهم في التزكية تطهير والسمو بالنفوس وعلو بها، وارتقاء من الدنايا إلى الفضائل من السفائل إلى المعالي، من السفول إلى السموّ، هذا الزكاء هو وظيفة النبي –صلى الله عليه وسلم-، ولذلك جاء فيما رواه أحمد بإسنادٍ جيد من حديث أبي هريرة –رضي الله تعالى عنه- أنه قال: «إنما بعثت لأتمِّم  صالحَ الأخلاق»[ابن أبي شيبة في مصنفه:31773، وأحمد في مسنده:8952 . وصححه محقق المسند]، هذا البيان النبوي لمقصود الرسالة، وما جاء النبي –صلى الله عليه وسلم- يحسب كل ما يمكن أن يتطرق إلى الأذهان من الانفصال بين الأخلاق والديانة، فالنبي –صلى الله عليه وسلم- ذكر في غايات بعثته ومقاصد إرساله التميم لصالح الأخلاق، بل جعل ذلك هو الذي لأجله بُعث، فقال: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق».

وعندما نفهم أن الأخلاق مفهومٌ واسع ليس هو بالابتسامة العابرة، ولا بالكلمة اللطيفة فقط، بل هو بصلاح الظاهر والباطن، من استقامة الصلة بالله -عزَّ وجلَّ- والصلة بالخلق يتبين لنا معنى هذا الحديث، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- جاء لإصلاح ما بين العباد وربهم، فعرَّفهم بالله والطريق الموصل إليه، وجاء لإصلاح ما بين الناس فيما يكون بينهم من صِلات، فأمر بأداء الحقوق والإحسان وكف الأذى، بل قال -صلى الله عليه وسلم-: «المسلم من سَلِم المسلمون من لِسانِه ويدِه»[صحيح البخاري:10، ومسلم:6486] كلها معاني إذا استحضرها المؤمن تبين له منزلة الأخلاق في الديانة، وأن أمرها عظيم وشأنها كبير، يمكن أن يقول القائل: بقدر ما معك من طيب الأخلاق وكريم السجايا، والأدب في صِلتك بالله، وفي صلتك بالخلق، بقدر ما يكون معك من استقامة الدين، ولذلك يقول ابن القيم –رحمه الله-: "فالدين كلُّه خلقٌ، فمن زاد عليك في الأخلاق زاد عليك في الدين".[مدارج السالكين:2/294]
لهذا يقول الله- جلَّ وعلا- في تزكية رسوله –صلى الله عليه وسلم- وبيان عظيم ما بلَّغه الله إياه، من سموِّ الأخلاق وطيب الخصال وشريف الصفات يقول: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم:4]، فلذلك من المؤكَّد الذي لا شك فيه أن سموَّ الأخلاق وطيبها وحسنها في معاملة الله -عزَّ وجلَّ- أولاً، وفي معاملة الخلق هو مما يدلُّ ويشير على سلامة الديانة، وأنه لا يمكن أن يَسْلَم دينٌ ولا أن يستقيم إيمان، ولا أن يصلح ما  بينك وبين الله -عزَّ وجلَّ- إلا باستقامة الأخلاق.
ولهذا قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إن من خِياركِم أحاسِنَكم أخلاقا»[صحيح البخاري:6035، ومسلم:2321/68 ] وهذا يفسر ويبين الارتباط الوثيق بين الأخلاق والإيمان، الارتباط الوثيق بين الأخلاق والديانة، وأنه بقدر ما تكون عندك من الأخلاق الحسنة الطيبة والسجايا الكريمة والصفات المحبوبة بقدر ما يكون معك من الديانة«إن من خياركم أحاسنَكم أخلاقا»، وهذا الحديث الشريف يبين لنا الارتباطَ الوثيق بين الأخلاق والإيمان، وهو حديثٌ في الصحيحين ليس من الأحاديث التي يمكن أن يُقال فيها ثبتَت، ما ثبتَت، ضعيفة، ما منزلتها؟ الحديث في الصحيحين من  حديث عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله تعالى عنه-
وجاء في لفظٍ آخر، أو في روايةٍ أخرى، وجاء في حديثٍ آخر عند أحمد، والترمذي من حديث أبي هريرة –رضي الله تعالى عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «أَكْمَلُ المؤمنين إِيماناً أَحْسَنُهم خُلُقاً»[سنن أبي داود:4682، سنن الترمذي:1162، وقال حديث حسن صحيح]، فالإيمان والدين والأخلاق والأدب عناصرُ متماسكة لا يستطيع أحد أن يمزِّق وشائِجَها، وأن يفصل بين صِلاتها، وأن يقول: الأخلاق طيِّبَة والدينُ رديء، أو الدين مستقيم والأخلاق ناقصة، بل لا يتم دينٌ وخلق واستقامة وصلاحٌ إلا بتمام الأخلاق وصلاحها وكمالها.
وهذا يجعلنا نعود إلى تأكيد ما هو مفهوم الأخلاق التي جاءت الشريعة ببيان منزلتها وعظيم مكانتها، وأكرم الله بها رسوله.

الأخلاق هي: حسن الصلة بالله، وحسن الصلة بالخلق، هذا هو الذي يكمل به الدين، وتكتمل به خصال الإيمان، ويتحقق به للإنسان السموُّ في الصفات الجميلة.
المذيع: جميل، شيخ خالد هنا سؤال يطرحه أحد المستمعين ويرمز لاسمه بأبو تركيا، ويقول: نسمع أحياناً عن معاملة الغربيين وفي المقابل هناك من ينتقد تعامل بعض المسلمين، ويقول: انظروا إليهم فقد وجدنا مسلمين بلا إسلام، ونحن هنا إسلام أو نرى مسلمين بلا إسلام، كيف يمكن أن نتحدث عن هذا الجانب خاصةً فيمن يمجِّد هذه الأخلاق التي لدى الغرب في المقابل هنا نوع من الانتقاد؟، رغم أن الدين الإسلامي الحنيف ركَّز على هذا الجانب وأكَّد عليه، وأكد على مسألة أن من لم يُحسِن خلقه مع الله ثم مع الناس لم يكن مكتملَ الديانة، كيف نعلق على هذا الجانب؟
الشيخ: أخي الكريم، إدراك معنى الأخلاق يحُلُّ هذا الإشكال الذي يتعرض له بعض الناس فيما يتصل بما نشاهده من انتظام في بعض الأخلاق عند الغرب، وحصول بعض الفضائل عند غير المسلمين سواءً في الغرب أو في الشرق، الأخلاق منظومةٌ مكتملة لا يمكن أن يُثنَى على الشخص بجانب من الأخلاق مع  تضييعه بجانبٍ آخر، فلا يمكن أن تكمل الأخلاق وتسمو وصلتُه بالله عزَّ وجلَّ مَبتُورة، وصلته بالله -عزَّ وجلَّ- منقوصة، ولذلك يشير النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى هذا المعنى وهو أن من الناس من يكون معيارَ الأخلاق عنده هو جانبٌ في المعاملة، وجانب في السلوك، ويجعله معياراً للحكم على مُجمَل ما يكون من تصرفات الإنسان.
في صحيح الإمام مسلم يقول النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في بيان ما جاء به من الهدى ودين الحق يقول:« إن الأمانة نَزَلَت في جزر قُلُوب الرِّجال، ثُم نَزَل القُرآن، فَعَلِموا من القرآن، وَعَلِموا من السُّنَّة»[صحيح البخاري:6497، صحيح مسلم:143/230] أي أن الله تعالى قذف في  قلوب عباده نورَ الإيمان، وهذا في أول الرسالة، ثم نزل القرآن وهذا في حقِّ الصحابة الذين آمنوا بالنبي –صلى الله عليه وسلم- قبل أن يكتمل الوحي، وقبل أن تكتمل دلائلُ النبوة وأنوار الرسالة، آمنوا بما ألقاه الله تعالى في قلوبهم من التصديق بالنبي –صلى الله عليه وسلم-، ثم نَزَل القرآن فعلموا من القرآن، وعلموا من السنة، ثم تحدَّث النبي –صلى الله عليه وسلم- عن ما يجري من ارتفاع الإيمان في آخر الزمان، فَذَكر أن الرجل ينَام النومَةَ فتُقبض الأمانة وهي أصل الإيمان من قَلبِه فيظلُّ لها أَثَرٌ، ثم ينام النومةَ الأخرى فتُقبَض الأمانة من قلبه فيظل لها شيءٌ من الأثر، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «فيُصبِح النَّاس يَتَبَايَعُون» بعد زوال الأمانة ونزعها من قلوب الرجال، «يصبح الناس يتبايعون لا يَكَاد أحدٌ يُؤَدِّي الأمانة، حتى يقالَ: إن في بني فلانٍ رجلاً أميناً»، انظر كيف الارتباط بين الإيمان والأمانة؟

 عندما يكون هناك إيمان تكون هناك أمانة، عندما يزول الإيمان تزول الأمانة، إن في بني فلان رجلاً أميناً.
ثم ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم- أن هناك اختلالاً سيجرِي في حياة الناس في تأويل معايير حسن الخلق، حتى يقال للرجل: ما أجلده!، ما أظرفه!، ما أعقله!، وما في قلبه مثقالُ حبةٍ من خردلٍ من إيمان!
إذاً النبي –صلى الله عليه وسلم- هنا يشخِّص إشكاليةَ الحكم على الناس من خلال زاوية من السلوك، فتحكم على الناس من خلال العقل، من خلال حُسنِ التدبِير، من خلال الصَّبر، من خلال خَصلة من الخصال، في حين أنك تسأل عن أصل الأخلاق ومقوِّمَها الأول الذي إذا صلح جاءت البقية، وإذا اختلَّ وفَسَد فَسَدَت البقية، إنه الإيمان، ولذلك يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-:«حتي يقالَ للرجل: ما أجلَدَه، وما أظرَفَه، وما أعقله، وما في قلبه مثقال حبةٍ من خردلٍ من إيمان»[تكملة الحديث السابق]، أي ليس له في حسن الصلة مع الله، وطيب الأخلاق مع الرب الذي هو أحقُّ المستحقين لحسن الخلق؛ لأنه المتفضل المنعم  بما أنعم جلَّ في علاه.
إذا كان كذلك اختلَّت الأخلاق في الصلة بالله -عزَّ وجلَّ- فثمة اختلالٌ عظيم ولو حسنت الأخلاق، ولو حسنت الأخلاق في بعض الصور ، هناك أمورٌ من الأخلاق ما تطيب بها حياة الناس، فيتمسك بها الناس لا لقناعتهم بها على أنها سموٌّ ويتعامل بها في السراء والضراء، وفي العسر واليسر، وفي المَنْشَط والمَكْره، وفي الضِّيقِ والسَّعة، يعامل بها لأجل أن تُحقِّق مصالحهم وتحفظ دُنياهم، فمثلاً يعني الكذب والعقوبة الشديدة عليه في بعض البلاد غير الإسلامية، وكونه يعتبر من أكبر المسالب، هذا لأن الكذب مِفتاحٌ لسلسلة الضياع لحقوقهم كلهم، فلذلك يشدِّدون في الصدق، وأنه لابد أن تقول الحقيقة، ولتتحمل إذا لم تقل الحقيقة، وأنك إذا كذبتَ تتحمَّل مَسئولية كَذِبِك، لا لأن الكذب مذمومٌ لذاته، بل لأنه يترتب عليه من المفاسد ما يترتب في مصالح الدنيا ما تتعثر به حياتُهم، فلذلك تجد أنهم يحرصون على الصدق، ويتخلَّقون بهذا الخلق، ويؤكِّدون عليه، ليس ديانةً.
طبعاً لقائلٍ يقول: أنا ما علىَّ ديانة أو غير ديانة، أنا علىَّ في النهاية، نعم، أقول هذا صحيح يعني من جهة أن المقصود هو حصول المصلحة للبشرية، سواء كان ذلك عن ديانةٍ أو كان ذلك عن قَنَاعة بأي شيء آخر، لكن نعود لنقول: إن الغرب يعاني معاناةً شديدةً من اختلال المعايير فيما يتعلق بالأخلاق، فالغرب يبني حياتَه على الفَردَانِيَّة، تعظيمِ قيمة الفرد، وطغيانِ هذه القيمة على كلِّ القيم الأخرى، ولذلك تجد أن الشخص يتصرف بماله، فيكتب مالَه كلَّه لبعض الحيوانات، ويتركُ أقاربَه، بل يترك أُمَّه وأباه دون أن يرعاهما، هل هذا من مكارم الأخلاق؟! هل هذا من الفضائل والشيم؟! هذا بشهوات، نزوات نفسية اختل بها الميزان عند البشر.
أيضاً عندما نرى الظلم الواقع من بعض التصرفات التي تصدر من السياسات الغربية أو غير الإسلامية على الأمم المستضعفة تجد أن ثمة اختلالًا، أين المعايير الحقيقية لحقوق الإنسان؟، أين المعايير الحقيقية لإكرام البشر؟!

 يا أخي جزء كبير من الإنتاج الوطني في المأكولات والأرزاق في الدول الغربية يُهدَر وَيُكبُّ في النِّفايات في البحار، بعض المحاصيل حتى يُحفَظ التوازُن ولا تَختلُّ الأسعار!! هل هذا من الأخلاق؟! الأخلاق منظومة مكتملة يا أخي.
المذيع: يعني منظومة مكتملة يصوغها الإسلام أو يصوغها الدين.
الشيخ: يصوغها الدين وقَوامها حسن الصلة بالله، وأنه لا يمكن أن تحسن الصلة بالله- عزَّ وجلَّ- إلا وأنت محسنٌ للخلق، ولا يمكن أن يحصل إحسان للخلق إلا بإحسان الصلة بالله -عزَّ وجلَّ-، هذا الارتباط الوثيق يميِّز الأَخلاق والصِّلة، طبعاً تقول: في الواقع العملي للمسلمين ثمة إشكالات.

 نعم، لكن هذا لا يحاكم به الدين، ولا تحاكم بهذه المِلَّة، وهذا النور المبين الذي جاء به النبي –صلى الله عليه وسلم-، لو حاكَمْنا الأفكار والآراء البشرية، وليس الشرعية التي هي وحيٌ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، هي نورٌ من الله -عزَّ وجلَّ-، إذا حاكمنا بعضَ القيم التي يتواطأ عليها الناس بامتثال أصحابها، لوجدنا اختلالاً كثيراً، إنما يحاكم الشيء نفسه، ويُنظر إلى الوحي الذي جاء به النبي –صلى الله عليه وسلم- من حيث تعزيزُه لهذه المعاني، ويُحَث المسلمون على الالتزام، ويقال: لن يكمل لكم إسلام، ولن يصلح لكم دين إلا بتحقيق هذه المعاني التي جاء بها النبي –صلى الله عليه وسلم-، وعنوان ذلك في معاملة الخلق: «المسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده».[تقدم]
المذيع: جميل، نستأذنكم في هذا الاتصال، أو اتصالين نأخذهم مع بعض، الاتصال الأول من المستمع عبد العزيز الشريف، حياك الله عبد العزيز، أخ عبد العزيز، عبد العزيز الشريف من الرياض.
المتصل: معك معك، السلام عليكم.
المذيع: السلام عليكم ورحمة الله، تفضل يا أخي.
المتصل: أسعد الله مساءك يا شيخ عبد الله.
المذيع: ومساءك، حياك الله.
المتصل: حيا الله الشيخ خالد، كيف أحوالك يا شيخ؟
الشيخ: حياكم الله، مرحبا بك يا أخي، أهلا وسهلا.
المتصل: ابن هشام في سيرته، والطبري أورد قصة مع النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- عندما أخبرته عن حال أبيها حاتم الطائي، وأنه كان يفكُّ العاني وهكذا، فقال لها النبي –صلى الله عليه وسلم-:«يا جاريةُ، هذه صفات المؤمنين حقًّا، ثم قال: خَلُّوا عنها فإن أباها كان يحب مكارمَ الأخلاق»[أخرج قصتها البيهقي في دلائل النبوة5/341، ومن طريقه ابن كثير في البداية والنهاية:2/271. وأقل ما يقال فيها: ضعيفة جدا، والقول بوضعها ليس بعيدًا؛ في سندها وضَّاع، وآخر متروك. والله أعلم.]، ما تعليق الشيخ على هذه القصة؟
الأمر الثاني والأخير؛ النبي –صلى الله عليه وآله وسلم – قال لأبي ذرٍّ: «إنك امرؤ فيك جاهلية»[صحيح البخاري:30، ومسلم:1661/38] عندما عاير بلالاً بأمِّه، فما تعليقكم على هذه القصة؟ وما هو التوجيه الطيب السليم للمؤمنين في أن يحسنوا من أخلاقهم في تعاملهم مع غيرهم، بارك الله فيكم؟
المذيع: طيب، جزاك الله خير، شكرا عبد العزيز، نأخذ الاتصال الثاني، تفضل يا أخي الكريم.
المتصل: السلام عليكم.
المذيع: وعليكم السلام، حياك الله، من معنا؟
المتصل: معكم أخوكم محمد، حياك الله.
المذيع: حياك الله أخ محمد تفضل.
المتصل: الشيخ خالد السلام عليكم يا شيخ خالد.
الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله أهلاً وسهلا.
المتصل: نحبك في الله والله يا شيخنا.
الشيخ: أحبك الله، الله يحفظك ويبارك فيك.
المتصل: يا شيخ بالنسبة للأخلاق في بعض الشباب الملتزم فتح الله على قلوبهم، يكون أخلاق مع الناس في الخارج، مثلاً يكون مع أصحابه في التجارة أخلاقه ما شاء الله لا يُعلى عليه، ولكن إذا دخل بيتَه تغيَّرت أخلاقه، صار شديدًا، صار ينفخ، ما تعليقك على هذا الأمر والنصح لهذه الفئة؟
السؤال الثاني يا شيخ؛ الأخلاق أيضاً في التجارة، يكون بعض الإخوان يرى أن في التجارة يخالف، العرب غير الأجانب؛ لأننا المفروض أن نعامل الأجانب غير مسلمين مثل المسلمين والعرب، لماذا؟ لأنها رسالة نبعثها لغير المسلمين عن المسلمين، ما هي مكارم الأخلاق في هذا الأمر إن شاء الله؟ بارك الله فيك.
المذيع: شكرا يا أخ محمد، يا شيخ خالد السؤال الأول للأخ عبد العزيز كان يتحدث عن سفَّانة وحاتم الطائي ومكارم الأخلاق التي كان يتميز بها، وامتداح النبي –صلى الله عليه وسلم- لهذه المكارم الأخلاق، هناك الكثير من القصص التي يمكن أن تدخل ضمن هذا الباب، خاصةً ممن كانوا في الجاهلية متمسِّكين بهذه الأخلاق الكريمة، ولعل أحد الصحابة، كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول له: ضع هذه الأخلاق في الإسلام، فاستجاب لدعوة المصطفى –صلى الله عليه وسلم- بعد فتح مكة فأسلم[لعل المقدِّم يقصد ما حصل في قصة سفانة المذكورة، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في أبيها. وإلا فلم أقف على القصة التي ذكر]، كيف يمكن أن نقف على هذا الجانب؟
الشيخ: هو على كل حال القصة التي ذكرها أخونا عبد العزيز فيما يتصل بقصة سفانة بنت حاتم الطائي، ليست قصة صحيحة من حيث الإسناد، وإن كانت قد ذكرها بعض المؤرخين والكاتبين في السيرة لكنها في ميزان التصحيح والتضعيف، القصة ضعيفة ولا تثبت، لكن المعنى بالتأكيد أن حسن الخلق مما يُحمد عليه الإنسان، مسلماً كان أو كافراً، ولذلك النبي –صلى الله عليه وسلم- لما بعث أصحابه إلى الحبشة في الهجرة الأولى قال: «إنكم تأتون ملكاً لا يُظلم عنده أَحَدٌ»[أخرجه البيهقي في الكبرى:17734، وقال الإلباني: إسنادة جيد. انظر الصحيحة:3190]، فجعل النبي –صلى الله عليه وسلم- هذه الخصلة وهي إقامة العدل في الرعية، إقامة العدل بين الناس من محامِد هذا الرجل الذي سوَّغ اختياره الحبشة لهجرة أصحابه ليلوذوا بهذا البلد من ظلم المشركين الذي آذوهم في دينهم وقتلوهم، وأصابوا منهم ما أصابوا.
فليس ثمة ارتباط بين مدح أصحاب الفضائل وبين أن يكونوا مسلمين، كل من كان ذا فضلٍ فإنه يُحمد، ولذلك النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- عندما ذكر الروم ذكر فيهم خصالاً هي من الخصال الموجِبة لحمدهم، ومنها أنه قال: «أرحمُهم» ، هذا البيان النبوي لهذه الخصال يبين أن الخصال الشريفة الفاضلة تُحمد لكل من حصلت منه، لكن فيما يتعلق بالفارق بين أهل الإيمان وأهل الإسلام وغيرهم أن أهل الإسلام يؤجرون على ما يكون من خصال الخير وخصال البر، وترتفع به درجاتُهم، وأما غيرهم فهم يستفيدون منها تحصيلَ مصالح الدنيا، أما في الآخرة فلا أجر لهم فيها؛ لأن الأجور مبنيَّةٌ على الإيمان والتقوى، الخُلق الفاضل يُمدح ويُحَب من كل أحد.
يعني النبي –صلى الله عليه وسلم- عندما أخبر عن كثرة الروم في آخر الزمان، قال: «تقوم الساعة والروم أكثرُ الناس»، قال عمرو: أبصِر ما تقول، هذا عمرو بن العاص –رضي الله تعالى عنه- يقول للمُستَورِد القرشي، فقال له بعد أن قال: "أبصر ما تقول"، يعني تحقَّق ما تقول، قال: أقول ما سمعته من رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، قال: إن تكن قلت ذاك الآن، عمرو بن العاص يعقِّب على قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «تقوم الساعة والروم أكثر الناس» هذه الكثرة، كثرةُ عدد، وكثرةُ ظهور، وكثرة تمكُّنٍ، لأنه ليس المقصود الكثرة هنا فقط الكثرة العددية، الكثرة العددية، والكثرة في القوة وما إلى ذلك.
بعد أن ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم- بعد أن ذكر المستورد هذا الحديث على عمرو، ذكر عمرو مع أنه قاتلهم أو صار بينه وبينهم نوع من القتال، ذكر خصالاً قال: إن فيهم خصالاً أربعًا، هذا من كلام عمرو بن العاص –رضي الله تعالى عنه-، «وإنَّهم لأَحْلَمُ النَّاسِ» يعني هذا كلامه وليس من كلام النبي –صلى الله عليه وسلم- إنما هو من كلام عمرو الذي يبين أن الأخلاقَ المحمودة تُمدح مِن كل مَن جاء بها، «إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأَسْرعهم إِفَاقَةً بعد مُصِيبَة، وأَوشَكُهُم كَرَّةً بعد فَرَّة، وخيرُهم لمسكينٍ ويتيمٍ وَضَعِيف» ثم قال: «وخَامِسَةٌ حسنة جميلة، وإنهم لأَمْنَعُ الناس من ظُلمِ المَلوك»[صحيح مسلم:2868/35]، إذاً يمدح كل صاحب فضيلة، يعني عندما يأتي أحدٌ يقول: الغرب عنده كذا وكذا من الأخلاق الفاضلة، نقول هذه أخلاق دعا لها الإسلام، ويؤجر عليها المسلمون إذا امتثلوها، ويأثمون إذا تركوها، بها تصلح دُنياهم وبها تعمر آخرتهم، كون غير المسلمين تخلَّقوا بها هذا لا يُضعف الإسلام؛ لأن الإسلام دعا إليها وبيَّن عظيمَ منزلتها، وجَمَعها على وجه الكمال، وأضاف إليها أمراً آخر، وهو أنها إذا فُعلت على وجه الطاعة لله أُجر عليها الإنسان، وأُثيب في الآخرة، وبلغ منزلةً لا يبلُغها بصيامه وقيامه وصالح عملِه.
ولذلك جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال:« ألا أدلُّكم على ما تبلغُ به درجة الصائم القائم؟»، ثم ذكر قال -صلى الله عليه وسلم- في سياق بيان محاسن الأخلاق، وما يبلغه الإنسان بحسن خلقه، قال: «حُسنُ الخلق»[لم أقف عليه من هذه اللفظ، وسيأتي قريبا بنحوه]، أي أن حسن الخلق إذا كمُل للإنسان بلغ به درجةَ الصائم الذي لا يفطر، والقائم الذي لا يفطر، ولذلك قال «إن العبد لَيبْلُغ بحسن خُلقِه درجةَ الصائمِ القائم» وهو حديث في المسند.»[سنن أبي داود:4798، مسند أحمد:25013، وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي.]
المذيع: يعني لا ينبغي أن يكون هذا الأمر يتخطى هذه الأُطُر الخاصة بالأخلاق فقط، يمتدحها لأنها من القيم التي دعا إليها الإسلام، وأن البعض ربما يبثُّ في نفوس الناس وخاصةً العامة نوعاً من الشُّبَه والشكوك عندما يمتدح، أو لا يفرِّط في مدحهم وكأنه لا ينبغي لهم أن يضرَّهم كونُهم على هذا الضلال أو على عدم الإسلام أن يكونوا متخلقين ومتمسكين بهذه الأخلاق الفاضلة، فيَكِيل لهم المدحَ الشديد حتى يتخيل الناس أنهم على حقٍّ كامل.
الشيخ: نعم، وهذا هي الإشكالية، هي الإشكالية من جهتين أنت أشرت إلى واحدٍ منهما، وفي الختم أشرت إلى المعنى الثاني، يعني كونهم على أخلاق حسنة هذا لا يعني أنهم يفُوقُون ما جاء به الدين والإسلام، فالإسلام جاء بهذا وحث َّعليه، ورتَّب أجورًا عظيمةً عليه، بل جعل الإيمان يعلو ويسمو بقدر ما مع الإنسان من حسن الخلق.
الأمر الثاني: أن من الناس من يقول: بهذا يعلم  أن هذه الأخلاق عند غيرنا لا تنتقص من قيمة ديننا، هي قد تبين الفارق بيننا وبينهم في قصورنا تقصيرنا، لكن هذا لا يعني أنهم فاقونا أو أنهم سبقونا في تأصيل هذه الأخلاق، والدعوة إليها وممارستها، هذا جانب.
الجانب الثاني، من الناس من يذكر هذه الخصال الحسنة، ويركِّز عليها ويبالغ في إبرازها لتسويق ما بقي من سَوءات، ويقبل على هذا المجتمع المبَكَّت الذي فيه من البلايا والرزايا والإشكاليات الاجتماعية والآفات الأخلاقية واختلال معايير الأخلاق، وعدم اتساقها بما هو واضح وبيِّن يتكلم به، الآن تلك الحضارة فضلاً على أن يتكلم بها غيرهم مِن مَن لهم ثقافة وقيم وأصول مختلفة.
فلنحذر من هذه المحظورات، المحظور الأول أن هذه الأخلاق يجب أن يُعلم أن امتثالَهم لها لا يعني تفوُّقَهم على الإسلام وما جاء به محمد –صلى الله عليه وسلم-، الأمر الثاني: أن نحذِّر من تسويق هذه الأخلاق لبقية الرذائل والشرور والمفاسد.
المذيع: يبيَّن هذا الأمرُ كاملا، يعني بوجه الكامل لا فقط أن تبرز هذه المحاسن وكأنما الشخص يقوم بتلميعهم بكل ما فيهم.
الشيخ: وهذا هو العدل الذي أمر الله تعالى به ورسوله، أن يكون الإنسان عادلاً فيُثني على الخير ويبيِّنُه، ويحذر من الشر ويبين أخطاره.
المذيع: وما أجمل أن يكون هذا الشخص الذي يتمسَّك بهذه الأخلاق والقيم الإسلامية العليا، ثم يجمع بهذا يعني يدخل في  دين الله ليكون كما قال –صلى الله عليه وسلم-: «خِيارُكُم في الجاهلية خيارُكم في الإسلام إذا فَقُهوا»[صحيح البخاري:3374] يحقق هذا الفضل، وينتقل من الظلمات إلى النور بهذا الدين القويم، أثار أيضاً مسألة حديث النبي –صلى الله عليه وسلم- عندما قال: «إنك امرؤ فيك جاهلية»[تقدم]
الشيخ: نعم، هذا التشخيص النبوي لهذه اللوثة التي قد تتمكن من بعض النفوس، وتتسرَّب في كلمات أو تصرفات، ينبغي للمؤمن أن يكون حذِراً منها؛ لأنها من خصال الجاهلية، كل خلق سيِّء فهو من خصال الجاهلية، فالجاهلية ليست حِقبَةً زَمَنيَّةً أو حقبة مَكانيَّةً مقصورة على مِساحةٍ مكانية، بل هي خصال متى وجدت كانت وصفاً لأصحابها، ومن قامت بهم.
النبي –صلى الله عليه وسلم- حذَّر أبا ذر لما قال في رجل: "يا ابن السوداء"، أو تلقَّبه بنحو هذا كأنه يعايره بأصله، قال: «إنك امرؤ فيك جاهلية» أي فيك من خصال الجاهلية، وهي الفخر بالأحساب.
المذيع: ولم يقل له: أنت جاهلي، هذا في حكمه عليه يعني.
الشيخ: أكيد، هذا مُقتَضى العدلِ النبوي والإنصاف في تقييم الأمور أنه بيَّن له الخصلة التي بها التحَقَ بِخصال الجاهليين، والسلامة منها بالبعد عنها، فينبغي للمؤمن أن يتخلَّق بالأخلاق الفاضلة، وأن يحذَرَ من كل خلق ردِيءٍ، وأصل الأخلاق الرديئة هو ما يكون في القلب من سموٍّ وعلوٍّ وتكبرٍ على الخلق، واحتقارٍ لههم، ولذلك قال النبي  –صلى الله عليه وسلم-: «بحسْبِ امرِئٍ من الشَّرِّ أن يَحقِرَ أخاه المسلم»[صحيح مسلم:2564/32].

 ولذلك مفتاح الفضائل أن يَطْهُر القلب من هذه الخصلة، وأن يعمُرَ بمحبة الخير لإخوانك، «لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه»[صحيح البخاري:13، مسلم:45/71]، إذا تحقق للقلب هذان الوصفان: السلامة من الاحتقاد والعلوِّ والتكبر، والعمارةُ بطيب المشاعر وحب الخير لإخوانك يتحقق لك بذلك طيب القول والعمل، ويُثمِر هذا القلبُ الزاكي من الأقوال والأعمال، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «ألا وإنَّ في الجسدِ مُضْغَة، إذا صَلَحت صَلَح الجسد كله، وإذا فَسَدت فَسَد الجَسَدُ كلُّه».[صحيح البخاري:52، ومسلم:1599/107]
المذيع: طيب، شيخ خالد بد ما أتيتم على هذه النقطة يعني جميل أن هذا جعل مسألة مهمة أن البعض يعني من مَنَّ الله عليهم -سبحانه وتعالى- بالاستقامة والثبات على الدين القويم، ومَن منَّ الله عليهم أيضاً بالمواظبة على الأعمال الصالحة عندما يرى بعضَ من ابتلاه الله ببعض المعاصي ربما يأتي في قلبه أو في نفسه يقع في نفسه أنه يعني بِمنأى عن هذا الأمر، فربما يشمَخ بأنفه عن هذا الشخص دون أن يوجِّهَه، أو دون أن يسأل الله العافية مما هو فيه، كيف  يمكن أن نُعلِّق على هذا الأمر، ما دام  أنه مرتبط بالقلب وأحياناً يتسلَّل للقلب دون أن يشعر به الإنسان، ثم يتمكن منه؟
الشيخ: يا أخي الكريم القلب الصادق في محبة الله وتعظيمه المُقِرُّ بعجزِه وفقرِه، المشاهد مِنَّةَ الله -عزَّ وجلَّ- عليه بالهداية لا يمكن، لا يمكن أن يَتَطرَّق  إليه عُجْبٌ، ولا يمكن أن يتطرق إليه علوٌّ بصالح العمل، يعني أنت إذا وفَّقك الله إلى إقامة الصلاة، إذا وفقك الله إلى برِّ الوالدين، إذا وفَّقك الله إلى توحيده، إذا وفقك الله إلى صالح العمل بكل صوره، فإن هذا من فضل الله عليك، الله -عزَّ وجلَّ- يذكر المؤمنين بذلك فيقول: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ}[الحجرات:17]، ويقول الله -جلَّ وعلا- لأصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- في سياق المقاتِل لمن لم يؤمن من الكفار الذين اعتدوا على أهل الإسلام، يقول -جلَّ وعلا-: {كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ}[النساء:94]، فيذكركم الله -عزَّ وجلَّ- بعظيم المِنَّة التي منَّ الله بها عليهم من الهداية، فالهداية مِنَّة من الله ومنحةٌ، يتفضل بها على العبد يجب عليه أن يعرِف أنه ليس له فيها فضل، ليس لي ولا لك ولا لأحدٍ من الناس فضلٌ في استقامته، ولا في هدايته وفي صلاحه، لا يعني أنه لا يبذل السبب وأنه لا يشكر على هذا، لا، لكن الله هو الذي يسَّرَ لك الأسباب، الله هو الذي أعانك على سلوك الطريق المستقيم، والعمل بصالح الطاعات.
المذيع: وهو قادر على أن يقلبك لآخر.
الشيخ: أكيد، وهو القادر على أن يحوِّل هذه الحال إلى غيرها، فبالتالي إياك أن تزهوَ بعملك، احذر أن تعجب بعملك، فالعمل إذا أعجب به الإنسان حبط ونقص قدره بقدر ما يقوم في القلب من الإعجاب به، وفَرقٌ بين الفرح بالطاعة وبَين الإعجاب، أَفْرَح بالطاعة أي أنني أَعتَزُّ وأبتهج أن الله يسَّر لي الصيام، أن الله وفَّقني إلى الطاعة، أشهد منَّة الله فأفرح بها، لكن عندما أرى لنفسي منزلةً ومكانة على الناس لأني أصلي، لأني أصوم، لأني أمتنع عن سماع المحرمات، لأني آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، لأني أتعلم العلم، هنا دقَّ ناقوس الخطر فاحذر على نفسك، على قلبِك قبل أن تُسلَب لذَّة الإيمان، وقبل أن يحبط عملك بسبب ما أصابك من العجب والرياء.
المذيع: شيخ معنا دقيقتان نتحدث في الأولى عن بعض يعني مَن منَّ الله عليهم بالاستقامة عندما يوجِّه ويرشد وهو بين أصحابه وبين الناس في خُلقٍ عالٍ، عندما يدخل البيت ينقَلِب ويكون كالأَسد الجسور يتغير حاله ويكون في وضعٍ بائس، كيف يمكن أن نوجه هؤلاء؟.
الشيخ: نقول يا أخي، هذا لا  يختصُّ به مستقيم أو غيره، هذه صفة موجودة عند بعض الناس، نجِده في معاملته للناس عُموماً يعني قد يكون لطيفَ المعشر، قد ينتَقِي طيب الكلام، قد يكون حسنَ المعاملة والمعاشرة، طَلِق الوجه، وهذه كلها يُشكر عليها، لكن يقال له: إنه يجب أن يكون هذا في بيتك وعند أقرب الناس إليك أكثر نصيباً من بشاشة، يجب أن يكون لهم أكثر نصيباً من بشاشة الوجه، من طيب الكلام، من انتقاء الكلام، ولا يتبين حقيقة ما في سلوك الإنسان وخلقه من السمو والعلو.
المذيع: كما قالت عائشة عن النبي –صلى الله عليه وسلم-«كان خلقه القرآن»[أحمد في مسنده24601، والطبراني في الأوسط. قال محقق المسند: صحيح]، يعني هي تحكي حال النبي –صلى الله عليه وسلم- في بيته، فهو في الخارج أولى من ذلك.
الشيخ: نعم، ليس المعيار في تقييم حسن الخلق ابتسامةً عابرة، ولا كلمة لطيفة، بعض الناس كلمة: "يا حبيبي"، "يا أخي"، الكلمات اللطيفة هذه دارجة على اللسان مع البعيد والقريب، ومن يعرف ومن لا يعرف، لكنه لا يمكن أن يسمِعَها ابنَه، ولا يسمعها زوجتَه، ولا يسمعها ابنته، ولا يسمعها أُمًّا أو أباً، وهذا كله من الخلل والاختلال في الميزان، كلما قرب الإنسان منك كان حقُّه في حسن الخلق وفي طيب المعاشرة والمعاملة أعلى وأوفى وأوفر وأكبر من البعيد، النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: "من أحقُّ الناسِ بصُحبَتي؟ قال: «أُمُّك»، قال: ثم من؟ قال: «ثم أُمُّك»، قال: ثم من؟ قال:« أُمُّك»، قال: ثم من؟ قال:«ثم أبوك».[صحيح البخاري:5971، مسلم:2548/1]
وفي الحديث الآخر، قال: من أبرُّ؟ قال:« أُمَّك وأباك، وأُختَك وأخاك، ثم أدناك فأَدناك»[أبو داود في سننه:5140، والبخاري في الأدب المفرد:47من حديث كليب بن منفعة، عن جده. وضعفه الألباني. وعند أحمد:7105 من حديث أبي رمثة رضي الله عنه أن النبيrقال:" يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ: أُمَّكَ، وَأَبَاكَ، وَأُخْتَكَ، وَأَخَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ، أَدْنَاكَ ". صححه الألباني في الإرواء:3/322]، فينبغي ملاحظة هذا، وإذا اتخذ الإنسان الخلق ديانةً فإنه في تكميل الأخلاق على القريب والبعيد واحتساب الأجر عند الله.
المذيع: كنا نتحدث عن مسألة الأخلاق وارتباطها بالدين وخاصة في التجارة، وفي التعامل أيضاً مع غير المسلمين، وعلاقة ذلك في عكس الصورة المشرقة لهذا الدين الحنيف.
الشيخ: صحيح بالتأكيد أنه الفلوس تُفسد النفوس على ما قال المثل، وكثيرٌ من الأحيان تجد أن الإنسان في معاملة حسنة، إذا جاء المال وإذا دخلت الدنيا بين الناس فسد ما بينهم من علاقات وصِلات، وأنا أقول لكل: من تعامل مع الناس في أموال، اتق الله، وأدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك.
وإذا أردنا أن نعطي قاعدةً في حسن الخلق، فلنستمع إلى هذه الكلمات الموجزات من ابن تيمية –رحمه الله- يقول: "وجماع حسن الخلق، يعني ما يجمع لك الأخلاق الحسنة والسمات الجميلة والصفات المحبوبة، جماع حسن الخلق مع الناس أن تصل من قطعك بالسلام والإكرام والدعاء له والاستغفار، هذا مع من قطعك، وامتنع الزيارة له، وتعطي من حرمك من التعليم والمنفعة والمال، وتعفو عن من ظلمك في دمٍ أو مالٍ أو عرض"[الزهد والورع والعبادة لا بن تيمية:(ص90)]، لاحظ هنا بدأ بالذين تجري العادة في أن تَبعُدَ عنهم وأن تسيء إليهم، من قطعك، من حرمك، من ظلمك، فإذا كنت مع من قطعك حسن الخلق، وإذا كنت مع من حرمك حسن الخلق، وإذا كنت مع من ظلمك طيب المعشر، تعصم شرَّك عنهم، فإن غيرهم من باب أولى.

 اللهم اهدنا إلى أحسن الأخلاق والأقوال والأعمال، وارزقنا يا ذا الجلال والإكرام طيبَها واصرف عنا سيئها.
وأختم بكلمة موجزة، كيف نحسن أخلاقنا؟ لنعرف فضيلة حسن الخلق وهذا أرجو في حديثنا وفي كتب السنة أوسع، الثاني أن نعرف أن الخلق يحتاج إلى معالجة، إلى ملاحظة، إلى دوام انتباه، إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ولن تكمل أخلاقك إلا بالمعالجة والمداواة، إذا أخفقت اليوم وغِضبت حاول غداً لا تغضب، إذا اليوم أسأت لأحد معاملة حاول غداً لا تسئ، فإن ذلك سيقوِّم خلقك ويصحِّح مسارك.
المذيع: وكما هناك قصة المرأة التي كانت تسيء لجيرانها، وكانت تواظب على الصلاة والصوم، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لا خير فيها، هي في النار»، في مقابل من كانت ليست لها كثير صلاة ولا صيام ومع ذلك كانت تحسن إلى جيرانها فقال :«هي في الجنة»[مسند أحمد:9675، والحاكم في مستدركه:7404. وقال:هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ". ووافقه الذهبي]،وفي هذا دليل واضح ومحفِّزٌ أيضاً على أن الإنسان يتخلَّق ويجمع بين الخلق والدين، وهذا هو صلب الحديث في هذه الحلقة.
أشكركم صاحبَ الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ خالد بن عبد الله المصلح المشرف العام على فرع الإفتاء في منطقة القصيم وأستاذ الفقه بجامعة القصيم، على ما تحدثتم به من حديثٍ شيِّق وماتع، ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعل كل ما تفضلتهم في هذه الحلقة في موازين أعمالكم الصالح.
الشيخ: اللهم آمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ولكم الشكر الجزيل مستمعينا الكرام على طيب استماعكم وإنصاتكم لنا في هذه الحلقة، على أمل إن شاء الله أن نلقاكم في حلقة الأسبوع المقبل، حتى ذلكم الحين تقبلوا تحياتي محدثكم عبد الداني، ومنفذ هذه الحلقة على الهواء الزميل محمد باصويلح.
لقاؤنا يتجدد بكم بإذنه -سبحانه وتعالى- يوم الأحد المقبل في تمام الساعة الثانية ظهراً، نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : الخوف من الله تعالى ( عدد المشاهدات41615 )
3. خطبة : الحسد ( عدد المشاهدات28606 )
4. خطبة: يوم الجمعة سيد الأيام ( عدد المشاهدات23025 )
5. خطبة : الأعمال بالخواتيم ( عدد المشاهدات21274 )
6. خطبة : احرص على ما ينفعك ( عدد المشاهدات18879 )
7. حكم الإيجار المنتهي بالتمليك ( عدد المشاهدات18110 )
8. خطبة : الخلاف شر ( عدد المشاهدات14990 )
9. خطبة: يا ليتنا أطعناه ( عدد المشاهدات11527 )
10. خطبة : يتقارب الزمان ( عدد المشاهدات11343 )
11. خطبة : بماذا تتقي النار. ( عدد المشاهدات10360 )
12. خطبة: أثر الربا ( عدد المشاهدات10138 )
14. خطبة : أحوال المحتضرين ( عدد المشاهدات9960 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف