×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (16) المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:6045

الحلقة(16) المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده
بسم الله الرحمن الرحيم، و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته، و حياكم الله مستمعين الكرام إلى برنامجكم الأسبوعي المباشر "الدين والحياة"، والذي نسعد بصحبتكم فيه من خلال هذه الساعة لمناقشة الموضوعات المهمة والمستجدة على الساحة ونناقشها أيضًا بشكل مستفيض، وبتفصيلٍ مهمٍّ إن شاء الله.
في هذه الحلقة مستمعينا الكرام يسعد بصحبتكم من  الإعداد والتقديم محدثكم عبد الله الداني، ومن تنسيق واستقبال المكالمات الزميل خالد فلاتة
ومن التنفيذ على الهواء الزميل محمد باصويلح، كما يسعدنا أن نرحب بضيفنا وضيفكم في هذا البرنامج صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ خالد بن عبد الله المصلح، المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم، وأستاذ الفقه بجامعة القصيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ياشيخ خالد
الشيخ: و عليكم السلام ورحمة الله و بركاته مرحبًا بك أخي عبد الله.
في هذه الحلقة مستمعينا الكرام حديثنا سيكون عن كفٍّ الأذى، فإن مما يتصف به المؤمن من التحلِّي بالأخلاق الحميدة والعادات الخُلُقية الراقية التي دعى إليها الدين الإسلامي الحنيف، كف الأذى، والعديد من الأمور الأخرى إضافةً إلى الأمور الأخرى التي تجعل من شخصية المسلم شخصيةً راقيةً جذَّابة، ومن هذه الأمور كفُّ الأذى عن الناس.
حديثنا بإذنه – سبحانه وتعالى- سيكون حول هذا الموضوع وحول العديد من النقاط التي تندرج تحت موضوعنا هذا سواءً فيما يتعلق بكف الأذى المادِّيِّ أو المعنوي، بالإضافة إلى أننا سوف نتناول العديد من النصوص الشرعية التي وردت في القرآن والسنة فيما يتعلق بموضوع حلقتنا لهذا اليوم.
إذن مستمعينا الكرام وكذلك أيضًا نحن نرحب بتفاعلكم وتواصلكم معنا من خلال هذه الحلقة ومن خلال هذا الموضوع المهم على الأرقام التالية:
الرقم الأول: 012-6477117
و الرقم الثاني: 012-6493028
كما يمكنكم أن تراسلونا بالواتساب الرقم: 055-6111315
و يمكنكم أيضًا الكتابة على هاشتاج "الدين والحياة".
إذن نرحب بكم مستمعينا الكرام في برنامجكم "الدين و الحياة" فأهلًا وسهلًا بكم.
"الدين والحياة" برنامج يناقش النوازل والمستجدات العصرية في القضايا القرآنية والفقهية والعقدية والأُسَرية، وكل ما يتعلق بالأمور الشرعية.
"الدينُ والحياة" برنامجٌ أسبوعي مع فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح يأتيكم في الأوقات التالية: مباشرةً الأحد عند الثانية ظهرًا، ويعاد عند الثانية عشر منتصف الليل
إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، أصلها ثابت وفرعها في السماء.
المذيع:  حياكم الله من جديد مستمعينا الكرام إلى برنامجكم "الدين والحياة"، وحديثنا في هذه الحلقة عن كفِّ الأذى.
يُعَرَّفُ كفُّ الأذى بشكل عام بالتجنب والابتعاد بشكلٍ عام عن كل عملٍ من شأنه أن يلحق الضرر أو الإساءة بالغير سواءً كان هذا الضرر ماديًّا كالضربِ والتكسير، أو كان معنويًّا بالإساءةِ للآخرين والتأثير على معنوياتهم وعلى نفسياتهم.
كما أن هذا الأذى ممنوعٌ في قوله –سبحانه وتعالى-: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا[الأحزاب:58]
حديثنا معكم في هذا الموضوع مع ضيفنا الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح الذي نرحب به مجددًا.
شيخ خالد، فيما يتعلق بموضوع كفِّ الأذى، لماذا حث الإسلام على كف الأذى؟ وأورد هذا الأمر من عددٍ من النواحي والجوانب سواءً كان بشكلٍ صريح أو بشكلٍ غير مباشر يحرِّم ويحذر من أذيَّة المسلمين وأذية الآخرين بشكلٍ عام، وحثَّ أيضًا على كف الأذى؟
الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله و بركاته، مرحبًا بك أخي عبد الله، ومرحبًا بالإخوة والأخوات في هذا اللقاء في هذا البرنامج أسأل الله تعالى أن يجعله نافعًا مبارك!.
 
أسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم البَصِيرة في الدين وأن يجعلنا من العاملين بهدي سيد المرسلين وأن يختم لنا ولكم بالصالحات، وأن يعيننا على الطاعات وأن يجعلنا من أوليائه المفلحين.
فيما يتصل بهذا الموضوع؛ هذا الموضوع موضوع ذو أهمية بالغة، فإن الديانة لا تستقيم لأحد ولا يطيب إيمانُ أحدٍ وإسلامه إلا بأن يحقق كمالَ العبودية لله – عز و جل-، وكمال أداء الحقوق للخلق، فإن ثمة اقترانًا بين هذين الأمرين، فلا يتحقق إسلامٌ إلا بالاستسلام لله – عز وجل -، بالتوحيد والانقياد له بالطاعة –جل في علاه- فيكون القلب خالصا له، ويكون البدنُ  ممتثلًا لما جاء به كتابه وجاءت به رسله من طاعته فيما أمر وتَركِ ما نهى عنه البشر، ويشمل ذلك حقوق الله – عز وجل- من الأعمال القلبية أو أعمال الجوارح أو ما يكون باللسان من قول، أضف إلى هذا أنه لا يتم الإسلام إلا بأن يكون الإنسانُ حسنًا مع الناس في أداء حقوقهم على الحد الأدنى؛ لأن الله تعالى أمر بأداء الأمانات فقال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا[النساء:58]
وقرن الله تعالى في أركان الإسلام بين الصلاة التي هي حقُّه البدني والقلبي والقولي، وبين الزكاة التي هي حقٌّ في المال لإصلاح ما بين الإنسان والناس.
فالسلامة و كف الأذى شيءٌ أصيلٌ في أوصاف المسلم؛ ولهذا لا تعجب أن تسمع قول النبي – صلى الله عليه و سلم- فيما رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو «المُسلِم من سَلِمَ المسلمون من لسانه وَيَدِه»[صحيح البخاري:10، صحيح مسلم:40/64. واللفظ للبخاري]
 هذا البيان النبوي المختصر يبين لنا حجم السلامة في سلوك المسلم قولً وعملًا ظاهرًا وباطنًا، أن السلامة التي جعلها النبي – صلى الله عليه و سلم - معيارًا للإسلام تشمل كل ما يكون من الإنسان في قوله وفي عمله، وفي سائر حاله، ولهذا من المهم أن يتفقد المؤمن هذه الخصال في نفسه؛ لأنه لا يتحقق إسلامٌ إلا بهذا.
وقد جاء تفصيل هذا الحديث في بيان أن اكتمال حال الإنسان بأن يؤدي الحقوق إلى أهلها وأول ذلك حقُّ الله – عز وجل - ثم حقوق الخلق  ما بينته الأحاديث النبوية في الاجتماع بين هذين الأمرين، فإنه لما خطب النبي – صلى الله عليه و سلم - الناس في حجة الوداع، وبيَّن حرمة الدماء والأموال والأعراض أتبع ذلك بقوله: «سَأُخبِرُكم مَن المسلم» –كما في ابن حبان في صحيحه
وقال: «سأخبركم من المسلم» فقال – صلى الله عليه و سلم -: «المسلم من سَلِم المسلمون من لِسانِه ويده» ثم قال: «والمؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم»، هكذا في صحيح ابن حبان من حديث فضالة بن عبيد[صحيح ابن حبان:4862، والحاكم في مستدركه:24. وقال:على شرط مسلم ولم يخرجاه]،
وفي المسند عن عمرو بن عبسة –رضي الله تعالى عنه- قال: قال رجلٌ: يا رسول الله ما الإسلام؟ يسأله عن الإسلام الذي جاء به والدين الذي جاء به، وانظر إلى هذا الاختصار والإيجاز الذي يبين أنه لا يتم إسلامٌ إلا بتكميل هذين الحقَّين، حق الله – عز وجل – وحقوق الخلق، حق الله – عز وجل- بعبادته وحده لا شريك له، وحق الخلق بأداء الحقوق إليهم في أدنى المراتب، فقال: «أن يُسلِم قلبُك لله»[مسند أحمد:17027, وقال محقق المسند:صحيح] هذا قول النبي – صلى الله عليه وسلم-
فقال: تسلم لله وهذا التوحيد والإخلاص والعبادة، وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك.
وفي المسند أيضًا من حديث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده
أنه أتى النبي –صلى الله عليه وسلم- لِيُسْلِم هذا بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، أن جده أتى النبي –صلى الله عليه وسلم- ليسلم يسأله كيف يسلم فقال له: أسألك بوجه الله بم بعثك ربنا إلينا؟
فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «بالإسلام»، فقال له: وما آيةُ الإسلام؟ ما علامة الإسلام؟ ما هي الدلالة التي يُعْرَف بها الإسلام ما هي العلامة التي يميز بها المسلم عن غيره؟
فقال له النبي – صلى الله عليه و سلم -: «أن تقول أسلمت وجهي لله.
والقول هنا ليس فقط  قولَ اللسان، بل هو قول اللسان وقول القلب؛ لأن القول يضاف إلى القلب ويضاف إلى اللسان «أن تقول أسلمتُ وَجهِيَ لله» بأن تنطق بلسانك الشهادة وأن يعتقدها قلبك أنه لا إله إلا الله، وتحقق العبودية له -جل وعلا-، أن تقول أسلمت وجهي لله ثم قال: «وتقيمَ الصلاة، وتُؤتيَ الزكاة، وكلُّ مُسلمٍ على مسلم حرامٌ» وذكر الحديث ثم قال جد بهز بن حكيم قال: قلت: يا رسول الله هذا ديننا – يعني هذا الدين الذي جئت به وبعثك الله تعالى به- قال -صلى الله عليه وسلم-: «هذا دينُكُم»»[مسند أحمد:20043، وقال محقق المسند: صحيح لغيره]،  وبه يتبين على وجهٍ لا يلتبس أن كفَّ الأذى عن الناس أصلٌ أصيلٌ في خصال الإسلام وفي صفات المسلم ومتى ما اختل هذا نقُص من إسلامه بقدر ما يحصل منه من الأذى والتجاوز وبخس الحقوق.
و لذلك لما جاء النبي – صلى الله عليه وسلم - في أول مَقدِمِه إلى المدينة وهي مهاجره – صلى الله عليه وسلم – وفيها أخلاطٌ من الناس فيها من آمن به، وفيها جماعة ممن أشرك وفيها جماعة من اليهود الذين كانوا يبُزُّون الناس ويتعالَون عليهم بأنهم أهلُ كتاب وأن عندهم ما ليس عند غيرهم.
جاء النبي – صلى الله عليه وعلى آله و سلم- من ..... في حديث عبد الله، في حديث عبد الله بن سلام -رضي الله تعالى عنه - يقول: "هذا محمد، هذا رسول الله" فكان أول ما قال لهم – صلى الله عليه وسلم - عندما لقيهم، قال: «أيها الناس أَفشُوا السلام، وأطعِموا الطعامَ وصلُّوا والناسُ نيام تدخلوا الجَنَّة بِسَلام»[سنن الترمذي:2485، سنن ابن ماجه:1334، وقال الترمذي:حسن صحيح]
هذه الخصال تبيِّن أن المؤمن من آكد صفاته أن يفشيَ السلام، يعني عندما نقول في قوله: «أفشوا السلام» ليس المقصود السلام القولي الذي هو التحية فقط، بل السلام تحيةً ومعنى بأن يكون الإنسان بعيدًا عن أذية الناس، يسلم الناس من لسانه، يسلم الناس من يده يسلم الناس من حتى ما يكون في قلبه من المعاني الرديئة، فإنه لا يتم سلامة ظاهرٍ إلا بسلامة الباطن، ولا يتم لأحد تكميلُ حقوق الخلق إلا بأن يعمَّر قلبه بمحبة الخير للناس؛ لأن محبة الخير للناس تفتح أبواب العطاء وطرق الإصلاح وتستقيم بها الأحوال
ولهذا جاء في الصحيح من حديث أنس – رضي الله تعالى عنه - أن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال في الصحيح أنه – صلى الله عليه وعلى آله  وسلم - ذكر الارتباط بين الظاهر والباطن :«لا يؤمنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه»[صحيح البخاري:13، صحيح مسلم:45/71]، هذا الحديث الشريف يبين أن السلام الذي يُطْلَب من المؤمن ليس فقط سلامة القول ولا سلامة اليد، هذا ثمرة لما وراءه من سلامة القلب، فإن سلامة القلب أن يكون خاليًا من الأضغان والأحقاد، بل أن يكون عامرًا بمحبة الخير للناس فإنه «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، ولذلك من الضروري أن يعتني المؤمن بهذه الخصال وأن يحققها في قوله وعمله؛ لأن ذلك يبلغه من مراتب العلوِّ والسمو والصلاح في دينه، والصلاح في مسلكه ما لا يدركه بسائر الخصال.
كثير من الناس يتخيَّل أن تمام الإسلام وكمالَه يحصل دون أداء حقوق الخلق، يعني يكفي أنك تكون على صلاح في صلاتك على صلاح في طاعتك، على صلاح في زكاتِك، على صلاح في سائر هذه الأحوال ولو لم تكن مباليًا بحقوق الخلق، وهذا من الاختلال الكبير في فهم الإسلام الذي جاء به النبي – صلى الله عليه وسلم -، فإن النبي – صلى الله عليه وسلم - بيَّن ذلك كما تقدم في الأحاديث بيانًا وافيًا، بأنه لا يتحقق إسلامٌ ولا إيمان إلا بأداء حقوق الخلق.
ولهذا جاءت الأحاديث في بيان أن من الفضائل  ومن الأعمال في أدنى مراتبها أن تكفَّ شرَّك عن الناس، فإن رجلًا سأل النبي – عليه الصلاة والسلام - كما في الصحيح عن خصال البر وأعمال الخير؟ فعدد له النبي – صلى الله عليه وسلم - جملةً من ذلك، وكان كلما قال شيئًا من تلك الخصال والأخلاق والسجايا والفضائل قال: أرأيت إن زهقت عن ذلك؟، كان النبي – صلى الله عليه وسلم - يتنقل به من حالٍ إلى حال، ومن فضيلة إلى فضيلة، ثم في آخر المطاف قال: «تكفُّ شرَّك عن الناس فإنها صدقةٌ منك على نفسِك»
فجعل النبي – صلى الله عليه وسلم - كف الشر عن الناس بعد العجز عن إيصال الخير، هو من مراتب الإصلاح التي ينال بها الإنسان أجرًا وثوابًا وفضلًا من الله – عز وجل - لهذا من المهم أن يعي المؤمن أن الإيمان والإسلام يكتملان بالإحسان إلى الخلق وكف الأذى.
ولهذا لو استعرضنا هذا الحديث الشريف على اختصاره لتبين لنا كيف أن الاتفاق بين الإيمان والإحسان إلى الخلق من المراتب العالية التي تبلغ الإنسان خصال الإسلام في أعلى الدرجات، فهذا أبو ذر يسأل النبي – صلى الله عليه و سلم - فيقول: يا رسول الله، أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: «الإيمان بالله والجهاد في سبيله»، ثم قال: أيُّ الرقاب أفضل؟ –يعني في العتق والبذل- «قال: أَنفَسُها عند أهلها وأكثرها ثمنًا»، -بعد أن ذكر هذه الفضائل- فقال: فقلت: فإن لم أفعل؟ قال: «تُعينُ صانعًا أو تصنع لأَخْرَق»، يعني تعين من يجيد الصناعة، أو تصنع لمن لا يحسنها، قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن ضَعُفْتُ عن بعض العمل؟ قال: «تكفُّ شرَّكَ عن الناس فإنها صدقةٌ منك على نفسك».[صحيح البخاري:2518، مسلم:84/136]
فكف الأذى عن الناس هو مما ينال به الإنسان أجرًا وفضلًا، وهو فعلٌ يدخل في ما تجري به على الإنسان  الأجور و تُكَفُّ به عنه الآثام والأوزار، ولهذا ينبغي للمؤمن أن يعتني بهذا الأمر ويعرف أن كمال دينه لا يتحقق إلا بالجمع، بين أداء حقوق الله – عز وجل – وأداء حقوق الخلق، وأقل ما يكون في أوجه الإحسان إلى الخلق وأداء الحقوق أن يكف عنهم شرَّه.
المذيع: يعني شيخ خالد هو أيضًا في هذا الجانب ما يتعلق بمسألة الحفاظ على حقوق الله – سبحانه وتعالى- هي طبعًا مبنيَّةٌ على المسامحة، وحقوق العباد مبنية على المُشاحَّة، وبذلك يعني  يتحدث الإنسان عن مسألة خاصةً الحقوق التي تتعلق بالعباد؛ لأنه لن يغفر الله لشخصٍ انتهك حقًّا من حقوق عباده ما لم يعف هذا الذي وقع الخطأُ عليه عن هذا الأذى الذي وقع عليه من الشخص المخطئ بحقه، نتحدث عن صورة من الصور التي للأسف تحدث وتحصل في هذا الوقت وهذا الزمن فيما يتعلق بالأذى الذي يُلْحَق بالإنسان أيًّا كان، سواء كان أذًى جسديًّا أو أذًى معنويًّا أو أذًى نفسيًّا، فيما يتعلق أيضًا بالأذى القولي أو الاعتقادي فيما يتعلق بالأذى الذي داخل قلب الإنسان، يعني سائر الأصعدة.
القولي والفعلي، وكذلك أيضًا مسألة الأذى الذي يكون في قلب المسلم على الآخرين، كيف يمكن أن نشرح ونوضح هذا الجانب؟
الشيخ: يعني أنت تطرقت إلى نقطتين مهمتين
النقطة الأولى: ما يتعلق بأن الأذى يتعلق بحقوق الخلق، وحقوق الخلق مبنية على المشاحة لا على المسامحة.
والقضية الثانية: فيما يتصل بالأذى القلبي، وأنه مما يُطْلَب كفُّ الأذى فيه ما يتعلق بأذى القلب، حتى الأذية القلبية كالحسد والحقد والكبر  والعلو، وكل هذه من الأمور التي تبتدئ أصلًا في القلب وقد يترجمها العمل، وهي مما مُنِعَ منه.

 يكفي في ذلك ما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه- أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: «بِحَسْب امرئٍ من الشرِّ أن يحقِرَ أخاه المُسلِم»[صحيح مسلم:2564/32] مع إن هذا الاحتقار قد لا يترتب عليه يعني عمل أذيَّة متعدِّية، بمعنى يترتب عليه إنه مثلا يبخسه حقوقه أو ما إلى ذلك، يكفي في الشر أن يكون قد تسرَّب إلى قلبك وتخلل إليك النظرة الدُّونِيَّة لإخوانك المسلمين، إما لفقرٍ وإما لجهلٍ وإما لرَثاثَةِ منظر، وإما لنقصٍ أو قصورٍ وإما ضعف في حسب أو نسب أو ما إلى ذلك.
يكفيك من الشر بحيث أنه لا تحتاج إلى زيادة حتى تكون شِرِّيرًا أو موصوفًا بأنك من أهل الشر أن يكون في قلبك هذا الشعور وهو احتقار إخوانك المسلمين، وهذا جاء في منظومة من المَنْهيَّات السلوكية التي يجمعها أنواع من الأذى القولي أو العملي، القلبي أو الجوارح، النبي – صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة قال :«لا تحاسَدوا ولا تناجَشوا ولا تَبَاغَضوا ولا تَدَابروا ولا يَبِع بعضكم على بَيعِ بعض، وكونوا عباد اللهِ إخوانا»[صحيح البخاري:6064، صحيح مسلم:2563/30]
هذه الخصال كلها مما تتضمن أنواعًا وصورًا من الأذى، سواءً كان أذى قلبيًّا كالحسد والبغضاء، أو أذىً قوليًّا  كالتناجش وهو الإِضرار المالي، أو أذًى عمليًّا كالتدابر، وهو أن يولِّيَ كل واحدٍ منهما ظهرَه صاحبَه، أو أذًى عمليًّا أيضًا كالبيع على بيع أخيك في السعي في إفشالِ صفقاته وتعطيل الخير الواصل إليه ونقله إليك بغير حق.
ثم قال – صلى الله عليه وسلم -: «المسلم أخو المسلم لا يَظْلِمه، ولا يَخْذُله ولا يحقِرُه» ثم قال: «التقوى هاهنا»، وهي معيار القرب والبعد، ومعيار الولاء والبراء، ثم قال: «بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه»[صحيح مسلم:2564/32]، وانظر إلى قوله – صلى الله عليه وسلم -: «كلُّ المسلم على المسلم حرامٌ» بعد ذكر الاحتقار؛ لأن الاحتقار القلبي يحمل الإنسان على الأذى العملي، فمن استَخفَفت به واحتقرته ورأيت أنه دونك في منصبٍ أو في مكانة أو في حقوق أو في غير ذلك فإنه سيحمِلُك على التعدي إما على عرضِه بالقول السيئ، أو على ماله بانتقاصه وبخسه، أو انتهاك حرمة ماله، أو إيصال الأذى البدني إليه في النفس وما دونها.
المذيع: أيضًا في سورة الحجرات في الآيات التي حوت: { وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}[الحجرات:12]
 
قبل ذلك الآيات التي ذكر الله – سبحانه وتعالى- فيها وحذَّر من أن يحقر المسلم أخاه المسلم، وهناك كثير من الأمور التي يمكن ربما أن تنطبق على ما تفضلتم به من أن يكون الأذى مُنطلِقًا من القلب، أو كذلك مترجَمًا إلى القول أو الفعل في هذا الجانب.
فقط يا شيخ خالد أنا أُذَكِّر بأرقام التواصل معنا من خلال هذه الحلقة، ومن خلال هذا الموضوع الذي خصَّصناه للحديث أو خصصنا الحديث عنه، كان موضوعنا عن كفَّ الأذى فقط هذه الأرقام التي يمكن من خلالها أن يتواصل معنا مستمعينا الكرام: 012-6477117
والأرقام التالية، الرقم: 012- أيضًا 6493028
وعبر الواتساب 055-6111315
شيخ خالد، عندما ننطلق أيضًا  إلى  ربما التطبيقات الواقعة والمعاصرة الحالية هذه، هناك ربما الأذى يختلف صغيرًا أو كان كبيرًا، ربما يكون الأذى هذا مقتصر على شخص أو ربما يتعدى إلى جماعات وإلى أفراد، كيف يمكن أيضًا أن نتحدث عن هذا الجانب؟
الشيخ: طيب هو يعني أخي الكريم، في هذه الشريعة جاءت بحفظ، صيانة حق الغير بشكل يعني واضح و جليٍّ سواءً في حضوره أو في غيبته، أذكر لذلك مثالين في حديثين شريفين
الحديث الأول، ما جاء من حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله تعالى عنه – وهو في صحيح الإمام مسلم قال النبي – صلى الله عليه و سلم -: «إذا كنتم ثَلاثَةً فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تَختَلِطوا بالناس»، هذا حكم شرعي.

 طيب إذا كان هناك ثلاثة في سيارة مثلًا أو في مجلس أو في مكتب، أو في أي مكان، ثلاثة منفردون، إذا كان هؤلاء في محل منفرد فإن النبي – صلى الله عليه وسلم - نهى أن يتناجى اثنان دون الثالث يتسارَّا في أمر دون الثالث الذي هو مرافقٌ لهم ويستوي معهم في الحال.
ثم قال: «حتى تختلطوا بالناس»، يعني حتى تشتركوا مع الناس فيذهب الانفراد، ويأمن الإنسان من أن يكون مُنعزِلًا عن الجماعة، التعليل لهذا النهي قال «من أجل أن ذلك يُحزِنُه»[صحيح البخاري:9290، مسلم:2184/37].
يعني السبب في النهي هو مراعاة مشاعر هذا الثالث، ولو كان هناك أمر يعني لا يتعلق به، والمُسارَّة ليست بأمرٍ يُلحق ضررًا به أو يفوت خيرًا عليه، يعني لو كانا يتسارَّان في أمرٍ يخصُّهما.
المذيع: يعني رعاية ومراعاة المشاعر يا شيخ خالد في أدنى الأمور يعني سبحان الله الشريعة
الشيخ: وهذا هو المراعاة في الخلطة، وهذا يبيِّن السموَّ الرفيع الذي أدَّب الله تعالى به المؤمنين وأهل الإسلام في معاملاتهم، وحفظ وصيانة حقوق الناس إلى هذا المستوى من المراعاة، «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث حتى تختلطوا بالناس من أجل أن ذلك يحزنه»؛ لأن ذلك يحزنه.
وفي الحديث الآخر يبلغ مراعاة حقوق الناس درجة عالية في كفِّ الأذى عنهم ولو كان ذلك  في غيبتهم.

 في صحيح الإمام مسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -« أن رجلًا مرَّ بغُصنِ شجرة على ظهر طريق»، فقال الرجلُ، يعني وهو سائر في سيارته، في دابته، يمشي على رجله ، ووجد شيئًا معترِضًا في طريق الناس، غصن شجرة، كَفَر طايح، متاع ساقط في الطريق يخشى ضرَرَه، أو ما إلى ذلك مما يمكن في طرق الناس الذي يحصل به الأذى، فقال: «واللهِ لأُنَحِّيَنَّ هذا عن المسلمين»، انتبه للمعنى إيش؟ «لا يؤذيهم»، أي من أجل أن لا يؤذيَهم، فماذا كان أجره؟ «فأُدْخِلَ الجنة»، انظر إلى الفضل العظيم، والعطاء الجزيل على هذا العمل اليسير الذي قد يحقِرُه الكثير من الناس ولا يرونه شيئًا، فلذلك ينبغي أن نعلم أن كف الأذى في كل صورة عن أهل الإسلام في حضرتهم وفي غيبتهم، واستحضار هذا المعنى مما يحصل به للإنسان أجرٌ عظيم يبلغ به أن يدخل الجنة، كما جاء في إسناد أبي هريرة: «مر رجلٌ بغصن شجرة على ظهر طريقٍ، فقال: واللهِ لَأُنَحِّيَنَّ هذا عن المسلمين لا يؤذيهم؛ فَأُدْخِلَ الجنة.[صحيح مسلم:1914/128]وبه يتبين هذا المعنى: «من سلم المسلمون من لسانه ويده»[تقدم]
المذيع: طيب نأخذ الاتصال الأول من آمنة الشيخ، تفضلي يا أخت آمنة
المتصل: السلام عليكم
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله
المتصل: فضيلة الشيخ لو سمحت، من منطلق قوله تعالى: { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}[آل عمران:134]
، يبتلى الشخص بمن حوله ببيئته أو أصدقائه يكون فهمهم ضيق وأُفقهم أضيق ما يتفهَّمون،  قد يَتَقلَّب هذا الشخص في أنواع من العذاب النفسي يريد الانتقام يقف عند هذه الآية، ويجد من حوله يقول مثلا، أو يحرضه على الإيذاء، المعنى: كيف أجمع بين هذه الآية وبين التفكير الذي يعاني منه الشخص؟ كيفية الانتقام يتطلب وإنه الذي يكظم غيظه أو ما يرضيالناس قد ينفجر في داخله، طيب كيف نطبق هذه الآية واقعًا في مثل هذا فضيلة الشيخ؟
المذيع: اسمعي إجابة الشيخ، في سؤال ثاني؟
المتصل: جزاكم الله خير.
المذيع: وإياكم، طيب نأخذ عبد العزيز شريف من الرياض، تفضل يا  أخ عبد العزيز.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
المتصل: حيا الله أخي  الأخ عبد الله الداني
كيف حالك يا عبد الله؟
المذيع: حياك الله يا أخ عبد العزيز بارك الله فيك، جزاكم الله خير.
المتصل: السلام عليكم يا شيخ خالد، وأسعد الله مساءك بكل خير
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله و بركاته، جزاكم الله خيرًا.
المتصل: فضيلة الشيخ، هل اختلاف الأذى يختلف باختلاف الأشخاص، بمعنى أن هناك تفاوتًا في درجات الأذى كما قال – صلى الله عليه و سلم -: «من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جارَه»[صحيح البخاري:6018]، كذلك أذية الوالدين والزوجة والأولاد؟ حدثنا عن ذلك بارك الله فيك
المذيع: طيب طيب، في سؤال ثاني أخ عبد العزيز؟
طيب شكرًا لك.
طيب شيخ خالد إن أردتم نجيب على سؤال الأخت آمنة عندما قالت:
كيف يمكن للإنسان أن يتمثل قوله – سبحانه و تعالى - { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ[آل عمران:134]، في مقابل أن يكون لدى الإنسان أحيانًا نزعة للانتقام أو لأخذ الحق تجاه ما يريده أحيانًا من بعض أنواع الأذى
الشيخ: أخي الكريم، هذا الفضل العظيم الذي أثنى الله تعالى على أهله وجعلها من صفات أوليائه وعباده، وهي: كظم الغيظ،  ما رتَّب عليه الله – عز وجل - الأجور في كظم الغيظ.
بالتأكيد أنه أجرٌ لعمل فيه من المشقَّة والحمل على النفس ما يجعله في هذه المنزلة، ما من عمل صالح يبلغ بالإنسان أجرًا عظيمًا وينتفع به انتفاعًا بيِّنًا إلا إذا كان ذلك يتضمَّن مشقَّة، وكلما كانت المشقة أعظم كان الثواب والأجر على ذلك العمل أكبر، هذه الخصلة خصلة كظم الغيظ وهي كتمان الغضب وإمساك النفس عن إنفاذ مقتضى الانفعال والتجاوز لما يمكن أن يكون سببًا للغيظ يملك الإنسان،  جاء فيهما حديث سهل بن معاذ بن أنس الجهمي، عن أبيه أنه قال – صلى الله عليه وسلم -: «من كَظَم غيظًا وهو يستطيع أن يُنفِذَه»، كظم غيظًا أي حبس غضبًا وحَنَقًا وضِيقًا وألمًا من فعل غيره، «وهو يستطيع أن ينفذه» أي يستطيع أن يوقِعَ العقوبة على من أغضبه«دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيَّرَه من أي الحور شاء»[سنن أبي داود:4777، والترمذي:2021، وحسنه]، وهذا الحديث يبين عظيم الأجر المترتِّب على احتمال الأذى والصبر على الناس فيما يكون من أذاهم، وحبس النفس عن الانفعال الذي يكون سببًا إيصال نوع من الضر و لو كان هذا الضر بسبب ما يكون منهم من اعتداء أو خطأ، ولذلك لا شك أن ذلك يحتاج إلى مجاهدة، ولا يعني أن لا يقوم في النفس حب الانتقام بالعكس، وإذا وجد حب الانتقام وحبسه الإنسان كان هذا هو محل الأجر ومحل العطاء ومحل الفضل.
وقد ذكر الله تعالى نموذجًا بيِّنًا لهذا في قصة يوسف مع إخوته فقد آذوه أبلغ الأذى، وفتحوا عليه نوعًا من الأذى على نحوٍ لا نظير له من الإخوة لأخيهم، ومع هذا قال لهم في نهاية المطاف:﴿قَالَ لَا تَثۡرِيبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡيَوۡمَۖ [يوسف:92].
المذيع: مع أنه اجتمعت الأنواع الثلاثة للأذى يا شيخ، الأذى القلبي والفعلي والقولي كله اجتمع في هذه القصة، قصة يوسف – عليه السلام-.
الشيخ:صحيح اكتمل له كل صور الأذى ولذلك قلت: لا نظير له فيما يفعله الإخوة بأخيهم ومع ذلك قال: لا تثريب عليكم اليوم، حتى التثريب وهو ذكر الخطيئة تجاوز عنه؛ لأن التثْرِيب هو المؤاخذة، وهي قد تكون من المؤاخذة للتذكير أنتم فعلتم بي كذا، أنتم سويتم في كذا، حتى التثريب {لا تثريب عليكم اليوم} يغفر الله لكم.
هكذا في سموٍّ بيِّن وعلوٍّ ظاهر عن حقوق النفس وكظم للغيظ، وإيتان للعفو، فإنه من عفا عن الناس عفا الله عنه، وقد قال جماعة من أهل العلم: "كما تكون للناس يكون الله لك، فإن كنت بهم  محسنًا كان الله بك محسنًا"، ولهذا ذكَّر يوسف نفسه – عليه السلام - في هذا المقام بصفةٍ عظيمة من صفات الله قال: { لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} [يوسف:92]
 
ثم بعد المغفرة قال: { وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }؛ لأن الرحمة مقتضاها لما رحمتكم وغفرت لكم أن أدرك من رحمة الراحمين أوفر حظٍّ وأعظم نصيب.
المذيع: طيب في سؤال للأخ عبد العزيز يقول: هناك تفاوت في الأذى وأحيانًا يكون الأذى درجات ربما يكون الأذى يُلْحَق أحيانًا بالأولاد أو ربما بالوالدين أو بالأقارب، وكذا الجيران، فيما يتعلق بصاحب الأذى وإضافة إلى من وقع عليهم الأذى، فكيف يكون الحديث عن هذا الأمر؟
الشيخ: بالتأكيد إن الأذى يتفاوت، التفاوت مرتبته بتفاوت من يقع عليهم الأذى ولا شك في ذلك، فكلما كان الأذى لمن حقه أعظم في الإحسان كان ذنبه أعظم
ولهذا جاء في الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله تعالى عنه- وهو في صحيح البخاري ومسلم أنه سأل النبي – صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أي الذنب أعظم عند الله؟ قال:« أن تجعل لله نِدًّا وهو خلقك»
هذا أعظم الذنوب، وهو أظلم الظلم؛ لأن الله أعظم المحسنين، وهو سبب كل إحسان وفضل، فمقابلةُ هذا بجحود حقِّه يستوجب عظيم العقوبة وعلوَّ مرتبة هذا الذنب.
أيُّ الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندًّا و هو خلقك»، قلت: إن ذلك لعظيم-هكذا قال عبد الله بن مسعود تصديقًا لقول رسول الله- ، قلت: ثم أي؟، يعني ما الذي بعد هذا؟قال: «وأن تَقتُلَ ولدَك تخافُ أن يَطْعَمَ معك»، القتل في ذاته جريمة عظيمة، وقد قال الله تعالى في بيان ذلك: { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}[المائدة:32]، في بيان أن حفظ النفوس إحياءٌ للجميع، وأن القتل مما يحصل به إفساد للمنظومة والمجموعة ولذلك قال الله تعالى: { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}[المائدة:32]
نعم هكذا قال الله – جل و علا - في بيان مستوى الجرأة، إنه من قتل نفسًا بغير نفسٍ أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا؛ لأنه الذي يجترئ على نفس فإنه لا يتورَّع عن بقية النفوس، ولهذا يقول الله في آية القصاص: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة:179]
لأنه يقطع تلك النفوس المجرمة المعتدِّية التي تجترئ على نفوس بني آدم فتوصِّل إليها الضرر.
إذا كان هذا مستوى ومنزلة قتل النفس، فقتل الولد هو أعظم ذلك؛ ولذلك جعله في المرتبة والمنزلة  في معاصي تاليةً لبخس حق الله بالشرك وعبادة غيره «أن تجعَلَ لله نِدًّا وهو خلقك» قلت: إن ذلك لعظيم!، قلت: ثم أي؟ قال: «وأن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك»قلت: ثم أي؟ قال:«أن تُزَانيَ حلَيلةَ جارِك»[صحيح البخاري:4477، مسلم:86/41]، يعني الزنا، قال الله تعالى: { إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا[النساء:22]
هذا التوصيف الإلهي للزنا سواء كان بقريب أو ببعيد، لكن يعظم الذنب ويكبر الجُرم عندما يكون الزنا في الأقرب وهي حليلة الجار؛ لأن حق الجار أن يُصان، فلما قَرُب وسار الانتهاك لحقِّه على هذا النحو كانت المنزلة عاليةً، ولذلك الزنا محرم وهو من عظائم الذنوب وكبائر الإثم، لكن يعظم إثمه ويتغلَّظ جرمه عندما يكون زنا بمحارم الجار، وأعظم منه الزنا بالمحارم، فإن الزنا بالمحارم يوجب القتل، ولذلك كان من مُوجِبات القتل المباشر في العقوبة سواءً كان محصنًا أو غير محصَن، فإن زنا المحارم من عظائم الإثم، إذا كانت حليلةَ الجار وهي أجنبية هذا منزلته، فمن لا تحل لك بوجهٍ من الوجوه أعظم ذنبًا وجُرْمًا.
إذن، الأذى بكل مراتبه خطير ونهت عنه الشريعة، لكن كلما عظم حق الشخص سواءً كان حقَّ قرابةٍ أو حق جوارٍ أو حق من الحقوق كان التعدي عليه أعظم.
ولهذا جاء في حديث أبي هريرة حديث الولاية «من عادى لي وليًّا فقد آذَنتُه بالحرب»[صحيح البخاري:6502]، مع أن الله يدافع عن كل المؤمنين، إن الله يدافع عن الذين آمنوا، ولهم من الدفاع والصيانة، بقدر ما معهم من الإيمان، لكن عندما يتسلط الأذى ويتوجه للمؤمن يكون ذلك أعظم إثمًا وأكبر جرمًا عند الله – عز وجل -، ولهذا يجب على المؤمن أن يتوقَّى هذه الأخطار وأن يجتنبها.
وما جاء من ذكر صفات الإسلام هو بيان أنه مما يستحق الصيانة «كلُّ المُسلم على المسلمِ حَرَامٌ»[صحيح مسلم:2564/32]، لا يعني أن  غير المسلم حلالٌ، لكن حق المسلم في التحريم أكبر من حق غيره، ولهذا جاءت النصوص لبيان العدل، وصيانة الحقوق للمسلم ولغيره إذا كان من أهل الحقوق، إلا أن يكون ممن يباح دمُه أو يباح ماله أو يباح عرضه، هذا لا بد فيه من بيان الحق.
فهذه النصوص مثل: «مَن سلم المسلمون من لسانه ويده»[تقدم] لا يعني أن غير المسلمين ينالون منه أذى بدون حق، بل لا بد أن يكون الأذى بحق.
ولهذا الذين يَجنُون على الناس باعتداء لأجل أنهم غير مسلمين، لمجرد أنه كاد يتوجه إليه بالأذى ولو كان معاهَدًا، ولو كان مَصونَ الدم أو مصون الحقوق هؤلاء يخالفون ما دلَّت عليه النصوص، وقد حذر النبي –صلى الله عليه وسلم - من ذلك.
المذيع: حتى في الحروب يا شيخ خالد، كان النبي – صلى الله عليه وسلم - يوصي أصحابه بعدم إيذاء خاصةً الشيوخ والأطفال والنساء، كانت هناك مواثيق وكانت هناك القيم ومبادئ لا يجوز التعدي عليها مما يدخل في هذا الباب، في باب الأذى مما يدل على أن الإسلام حريصٌ على عدم إلحاق الأذى بمن ليسوا مُباشرين لأذية المسلمين، يعني الحديث يجرُّ بعضُه بعضًا، ربما نتحدث أيضًا عما للأسف استمعنا إليه من هذه الحادثة التي، حادث التفجير الذي حصل  في مسجد في الإحساء، ليست الأولى وإنما كانت ضمن سلسلةِ أحداثٍ حصلت في وقتٍ سابق، هؤلاء الذين يَتَسمَّون باسم الإسلام وينظر لهم من يدفعهم إلى هذا العمل من الأجندات، ومن أصحاب الأجندات، من هؤلاء الذين يبعثهم وتدعمهم المنظمات المُعادية والدول المعادية لهذه البلاد الغالية، تعني يدَّعون الإسلام وهم في ذات الوقت يخالفون هذه الأسس وهذه المبادئ التي حث عليها الإسلام، وحذر من المساس بها، وهو مسألة كف الأذى، كيف يمكن أن نتطرق إلى هذا الجانب؟، خصوصًا و أنه هناك اجتمع أكثر أنواع الأذى: القلبي، والأذى البدني، والأذى الفعلي، والأذى القولي؟
الشيخ: يا أخي عبد الله، وأيها الأخ، والأخ الكريم المستمع، والمستمعة؛ قضية الاعتداء على بلاد المسلمين وعلى الناس حتى في غير بلاد المسلمين بهذه الطريقة الوحشية التي يأتي فيها إنسان إلى مُجمَّع  يجتمع فيه الناس سواءً كان المجمع سوقًا هذا أو كان هذا مسجدًا، أو كان هذا كنيسةً أو كان ماكان ويفجر بنفسه بينهم؛ هو بالتأكيد من صور الغدر والخيانة، والإسلام جعل من الغدر أو جعل الغدر من صفات المنافقين، المنافق هو من« إذا عَاهَد غَدَر، وإذا خاصَم فَجَرَ»[صحيح البخاري:34، ومسلم:58/106من حديث عبد الله بن عمرو]، وهذه الأفعال المُشِينة التي تُرتكب باسم الإسلام، وباسم الجهاد، وباسم نُصرة المظلومين وما إلى ذلك، كل ذلك تزوير، وهو من تزيين الشيطان، الشيطان لا يأتي إلى الناس، ويقول له أَقْدِم على قتل هؤلاء، وسفك دمائهم بغير حق، هم لا يستحقون القتل لكن اقتلهم، لا، يأتي ويُلَبِّس على الناس سواءً كان من شياطين الإنس أو شياطين الجن، ويزين له هذا الفعل، ويوجِد من التبريرات والتأثيرات لهذه الأفعال المشينة ما يجعل من لا حَصِيلَة له من العلم الشرعي، ولامن عقلٍ مستنير يجعله أداةً لتحقيق هذه الأغراض الدنيئة، ويوقع الأذى بالناس، وينشر الفساد، ويزعزع الأمن في بلاد المسلمين.
أنا أقول: أن هذه الإشكالية لا يمكن أن نتعاطاها من زاوية أنها أذى على شخص إنما هو أذى على دين، أذى على أمة، أذى على الجماعة، وما يقع في بلاد الحرمين أذى على مكان من أعظم المقدسات، وأشرف البقاع مكة والمدينة اللتين جعلهما الله تعالى مَأرِبًا للإسلام وحصنًا له، اختلال أمن بلاد الحرمين بهذه التصرفات التي يسعى إليها المفسدون هو مما يجب أن يقف الجميع ضِدَّه، ويقول بصوتٍ عالٍ لكل عابثٍ تُسوِّل له نفسه الإقدامَ على مثل هذه الأخطاء: الإسلام منك براء، والقيم والفضائل منك عارية، وليس لك من كل ما تدَّعي نصيبٌ، إنما هو تزيين الشيطان {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} [فاطر:8]
 يا أخي؛ الحفاظ على بلاد الحرمين واجب على كل مسلم، على أهلها وغيرهم مما  في أقاصي الدنيا، فإن الحفاظ على أمن هذه البلاد هو حفاظٌ على الإسلام وحفاظٌ على قِبلة المسلمين، وحفاظٌ على هذه الأمة التي تطوق لتحقيق الأمن ونشر السلام ونشر الإسلام ونشر النور في العالمين.
فلذلك يجب قطعُ الطريق على هؤلاء وبيان أن الإسلام منهم عارٍ، وأنهم مهما ادعَوا، ومهما كذبوا، ومهما افتروا، ومهما زينوا ففعلهم قبيح لا يستره شعارات برَّاقة، فعلهم قبيح لا يُبرِّره تأويلات فاسدة، فعلٌ قبيح لا يقرُّه إلا أعداء المِلَّة والدين من المنافقين ومن المتربصين بهذه البلاد المباركة، أسأل الله تعالى أن يديم عزَّها، وأن يحفظ ولاتها، وأن يشيع الأمن في أرجائها، وأن يكبت أعداءنا، وأن يؤلف بين قلوبنا.
المذيع: دور العلماء وطلبة العلم يعني كبير جدا في هذا الجانب في ما يتعلق، خاصةً فيما يتعلق بكشف الشبهات، وتوضيح الحقائق وتبيينها، خاصةً أولائك الذين ينتحلون المسميات ويدخلون بأسماء ومعرفات يعني وهميَّة للتأثير على صغار السن وأيضًا ضعاف العقول، وضعاف التحصيل العلمي يسهل التأثير عليهم فبالتالي هؤلاء يستغلِّون هذه الثغرة للتأثير عليهم ببث الشبهات والأراجيف والقلاقل، ربما هذا جانب أيضًا يمكن أن يؤكَّد عليه فيما يتعلق بدور حتى كذلك هذا الأمر يعم الأئمة وخطباء المساجد فيما يتعلق بالتحذير بشكلٍ مستمر، ومن منطلق أن هذا ديانة لله – سبحانه وتعالى- وليس فقط يعني مجرد واجب أو أحاديث تتكرر أو تُلقى.
الشيخ: بالتأكيد أن هذا الواجب على الجميع وليس فقط على من ذكرت، على كل من يستطيع أن يردَّ مثل هذه الأفكار ببيانه وقوله وعمله، والمسؤولية لا تقتصر اليوم على خطباء المنابر وأهل العلم والفضل، ولا على المفكرين، ولا على الإعلاميين بل المسؤولية تَطَال الجميع حتى الأب في أسرته والأم في بيتها، يا أخي يُختطف الشباب بطريقة مُخيفة تستوجب وعيًا وفطنةً وحذرًا ومبادرةً وتنبهًا لهذا الاختطاف المريع الذي تشهده فيما يقال من تأثير على بعض حُدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام الذين حقيقةً يحولون بطريقة تحتاج إلى تدقيق ونظر ثاقب وألا نكون سطحيين في تحديد الأسباب، ولا في دراسة الطرق التي ينقل هؤلاء المفسدون من خلالها إلى أذهان بعض أبنائنا الذين تختطفهم الشياطين، وتجتالهم الأفكار الرديئة ليكونوا أداةً لأعدائنا في زعزعة أمننا أو محاولة النيل من استقرارنا، ونحن و لله الحمد نحمد الله على ما نحن فيه من خير.
ورغم كل هذه الأحداث نرى هذا التلاحم، وهذه القوة وهذا الاجتماع، على ولاة الأمر، والاجتماع على كلمة الحق، والتنادي لقطع كل من تسوِّل له نفسه أن يكون مُزَعزِعًا يعني هذا برغم ما في هذه الأحداث من ألم، ومن مِحَن إلا أن المِنح بإبراز تكاتُفِنا واجتماعنا ما يغيظ أعداءنا الذين يسعون للنيل من أمن  هذه البلاد المباركة، فيرَون هذه  الهبَّة من كل شرائح المجتمع، واليقظة من رجال الأمن، والتكاتف بين ولاة الأمر وبين الرعية يغيظهم ذلك فيأتي بنقيض ما قصدوه من زعزعة الأمن وهذا فضل، فأسأل الله أن يُديمَه، وأن يحفظ علينا أمننا، وأن يبارك فينا جميعًا ولاةً ورعاةً ورعية وشعبًا، وأن يؤلِّف بين قلوبنا، وأن يقطع كل دعاوي الفساد، وأن يفضح المفسدين، وأن يوقعهم في شر أعمالهم، وأن يجعل دائرة السوء عليهم، وأن ينصر جنودنا المرابطين والمقاتلين، ورجال أمننا الساهرين على حفظ الأمن المدافعين عنا إنه ولي ذلك والقادر عليه.
المذيع: شكر الله لكم صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم، وأستاذ الفقه في جامعة القيصم على ما تفضلتم به من حديثٍ شيِّقٍ وماتعٍ ومستفيض حول هذا الموضوع المهم "كف الأذى".

 أسأله -سبحانه وتعالى- أن يجعل كل ما تفضلتم به في موازين أعمالكم الصالحة.
الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله و بركاته، ولكم الشكر الجزيل مستمعينا الكرام على حسن استماعكم ومتابعتكم وتفاعلكم لنا وتفاعلكم معنا من خلال هذه الحلقة، تقبلوا تحياتي محدثكم عبد الله الداني، ومن التنسيق واستقبال الاتصال الزميل خالد فلاتة، ومن التنفيذ على الهواء الزميل محمد باصويلح.
يتجدد اللقاء بكم بإذنه -سبحانه وتعالى- في تمام الساعة الثانية ظهرًا من يوم الأحد المقبل، حتى ذلكم الحين وفي كل حين أستودعكم الله، في أمان الله.
﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الأنعام:162]
كيف نحقق الغاية من الوجود؟، كيف نعبد الله – عز و جل- ؟
"الدين و الحياة"
برنامجٌ نتناول فيه قضايا تطيب بها الحياة، وتسعد بها النفوس وتتحقق بها الغاية من الوجود
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[الذاريات:56]
يأتيكم في الأوقات التالية: مباشرةً الأحد عند الثانية ظهرًا، و يعاد عند منتصف الليل.
إذاعةُ "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، أصلها ثابت وفرعها في السماء.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات90639 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87044 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف