×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مرئيات المصلح / فضائيات / كلمة هامة حول : ضعف القلوب وكثرة الفتن

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:10109

الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، وأُصلِّي وأُسلِّمُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه أجمعينَ، أمَّا بعدُ:

فأسألُ اللهَ العظيمَ ربَّ العرشِ الكريمِ أنْ يثبِّتَ قلوبَنا على الهُدى ودينِ الحقِّ، وأنْ يُحييَنا مُسلمينَ، وأن يتوفَّانا على الإيمانِ، القلوبُ بينَ إصبعَينِ مِن أصابعِ الرحمنِ يصرِفُهما كيفَ يشاءُ، وكانَ مِن دعاءِ النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ كما في الصحيحِ: «اللهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ ».[صحيح مسلم(2654/17)].

 وهذه قضيةٌ ذاتُ بالٍ، ومهمةٌ لكلِّ مسلمٍ أنْ لا يركنَ إلى حالِه الحاضرِ، بلْ ينبغي لهُ أنْ يكونَ على خشيةٍ وخوفٍ مِن تغيُّرِ حالِ الصلاحِ إلى حالِ الفسادِ، لا سِيما عندَما تكثرُ الفتنُ وتتابعُ الشرورُ؛ فإنَّ القلوبَ ضعيفةٌ، والفتنَ خطَّافةٌ، وكمْ مِن شخصٍ ظنَّ أنهُ لا يصيبُه بلاءٌ، ولا تنزلُ بهِ فتنةٌ، ولا يرتَدُّ على عقبَيهِ، ولا يحورُ بعدَ الكَوَرِ، ويكونُ الأمرُ على خلافِ ذلكَ.

لهذا مِنَ المهمِّ أنْ يحتاطَ الإنسانُ لقلبِه، وأنْ يبعُدَ عَن كلِّ ما يكونُ سببًا لنكوصِه وبُعدِه عَنِ الهُدى ودينِ الحقِّ، فإنَّ الرجلَ في آخرِ الزمانِ يصبحُ مؤمنًا ويُمسي كافرًا، كما قالَ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ: «بادِروا بالأعمالِ فِتنًا كقطَعِ الليلِ المُظلمِ» الحديثُ في الصحيحِ مِن حديثِ أبي هُرَيرةَ، «يصبحُ الرجلُ مؤمنًا ويُمسي كافرًا، ويصبحُ كافرًا ويمسي مؤمنًا»[صحيح مسلم(118/186)] وهذا التحولُ والتقلبُ السريعُ في الفترةِ الوجيزةِ دليلٌ على كثرةِ ما يصرفُ القلوبَ ويحوِّلها ويغيِّرُها مِن حالٍ إلى حالٍ.

ضروريٌّ لكلِّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ أنْ يجتهدَ في الضراعةِ إلى اللهِ ـ عزَّ وجلَّ ـ وسؤالِه بصدقٍ وإخلاصٍ أنْ يثبِّتَ قلبَه على الهُدى ودينِ الحقِّ، فليسَ ثمةَ ضمانةٌ لأحدٍ أنْ يكونَ على خاتمةٍ حسنةٍ، فالقلوبُ تتحولُ وتتصرفُ، ويكونُ الإنسانُ على حالٍ كما قالَ اللهُ ـ تعالَى ـ: ﴿كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ[الأنعام:110].

أحيانًا يبلُغُ حالَ الإنسانِ في البعدِ عَنِ الهُدى، والجفاءِ لطريقِ التُّقَى أنْ يكونَ كأنْ لم يكنْ في يومٍ مِنَ الأيامِ قدْ سلكَ هذا الطريقَ، ﴿كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ[الأنعام:110]، واللهُ ـ تعالى ـ يقولُ: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا[الأعراف:175]، خرجَ مِنها بالكليةِ، فلمْ يبقَ منهُ شيءٌ، لم يبقَ مِن ذلكَ الهُدى أو مِن ذلكَ الصلاحُ ومِن ذلكَ التقَى شيءٌ، وهَذا يوجبُ وجَلًا وخوفًا، لكنَّ القلوبَ تغفُلُ وتركنُ إلى حالٍ حاضرةٍ، وقدْ تتمادَى وتظنُّ أنَّ ما جرَى لغيرِها لا يَجري لها، وليسَ ثمةَ ضمانةٌ، ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ[الأعراف:99].

وقدْ قالَ محسنُ بنُ موسَى: كنتُ عديلَ سفيانِ الثوريِّ إلى مكةَ فرأيْتُه يكثِرُ البكاءَ، فقلتُ لهُ: يا أبا عبدِ اللهِ، بكاؤُكَ هذا خوفًا مِنَ الذنوبِ؟ قالَ: " فأخذَ عودًا مِنَ المحلِّ فرمَى بهِ، فقالَ: إنَّ ذنوبي أهونُ عليَّ مِن هذا ولكني أخافُ أنْ أُسلَبَ التوحيدَ ".[شعب الإيمان(839)]

هذه الخشيةُ وهذا الخوفُ الذي سكنَ قلوبَ أولئكَ هو الذي جعَلَهم على تلكَ الخواتيمِ الجميلةِ، وذلكَ التهيؤُ المستمرُ، وذلكَ الاستعدادُ الكاملُ على طاقَتِهم ووُسعِهم في أنْ يَثبُتوا على الهُدى ودينِ الحقِّ.

وابنُ القيمِ يقولُ في منظومتِه في نونيَّتِه -رَحِمَه اللهُ-:

واللهِ ما أخشَى الذنوبَ فإنَّها               لعلَى سبيلِ العَفوِ والغُفرانِ.

 ما يخشَى الذنوبَ مِن حيثُ هي إذا تابَ مِنها واستغفَرَ فإنها لعلى سبيلِ العفوِ والغفرانِ، ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا[الزمر:53]، لكنما أخشَى انسلاخَ هذا القلبِ مِن تحكيمِ الوحيِ والقرآنِ.

هذا الذي يُخافُ ويُخشَى وهو شؤمُ المَعاصي وهو عاقِبتُها وهو ما يكونُ مِن نتائجِها التي قدْ لا يتصورُها الإنسانُ، الإنسانُ يدخلُ في معصيةٍ، ويتورطُ في خطيئةٍ، ويُلِمُّ بذنبٍ، ويظنُّ أنهُ لا يضرُّه، وقدْ يكونُ هذا سببًا لهلاكِه وفسادِ حالِه وانقلابِ أمرِه وهو لا يشعرُ، لا سيما إذا كانَ يعُدُّ المعاصيَ مغنَمًا، ويعُدُّها مكسبًا ويفرحُ بها، ولا يرعَى حقَّ اللهِ في خَلوتِه وفي غيابِه عندَ ذلكَ تنطمِسُ البصيرةُ.

ولا بُدَّ أنْ يكونَ لهذا الذنبِ والخطإِ أثرٌ في القلبِ، فقدْ يكونُ الإنسانُ يومًا مِنَ الأيامِ مُصلِّيًا صائمًا قائمًا على خيرٍ في ظاهرِه، لكنْ في قلبِه مِنَ الفسادِ أو مِنَ الغفلةِ أو مِنَ الانصرافِ عَنِ العنايةِ بحالِه ما يجعَلُه يتورطُ في مثلِ هذه الصورةِ التي سألَتْ عَنها أختُنا.

رجلٌ كانَ على حالٍ مِنَ الاستقامةِ في الصلاحِ والتُّقَى ارتحلَ إلى بلدٍ آخرَ فما كانَ منهُ إلَّا أنِ انقلبَتْ حالُه، ظهرَ مكنونُ فؤادِه، بدا ما كانَ يُخفيهِ، هذا احتمالٌ، احتمالٌ آخرُ أنْ تكونَ قدْ أحاطَتْ بهِ سيئَتُه، فالسيئاتُ تحيطُ بالمرءِ وقدْ تورِدُه المهالكَ كما جاءَ في المسندِ بإسنادٍ جيدٍ مِن حديثِ عائشةَ ـ رضيَ اللهُ تعالى عَنها ـ أنَّ النبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ قالَ: «إياكُم ومحقَّراتُ الذنوبِ» يعني احذَروا واخشَوا الذنوبَ التي تُحتقَرُ والتي تُستصغَرُ بالأعينِ، ولا يَراها الإنسانُ شيئًا، ولا يعدُّها خطرًا يحيقُ بهِ ويوشكُ أنْ يهلِكَه.

«إياكُم ومحقَّراتُ الذنوبِ، فإنهنَّ يجتمِعْنَ على الرجلِ فيُهلِكْنَه»[ أخرجه أحمد في "مسنده" (3818)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع(2687)]، ولكَ أنْ تتصورَ فريقًا مِنَ النملِ يُهاجِمُ شخصًا أقوَى ما يكونُ بأسًا وقوةً إذا اجتمعَ عليهِ النملُ نملةٌ تلوَ نملةٍ تورِدُه المهالكَ، وقدْ مثَّلَ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ لذلكَ -مثلًا- بيَّنَ فيهِ كيفَ يمكنُ أن يكونَ الهلاكُ في مثلِ هذه المفرداتِ مِن سيئاتِ الأعمالِ، ومثلُ هذهِ الأفرادِ مِنَ الخَطايا والذنوبِ، فقالَ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ ضربَ مثلًا «وذاكَ كمثَلِ قومًا نزَلوا واديًا، فجاءَ ذا بعودٍ وذا بعودٍ ثم اجتمعَ لهم ما أنضَجوا بهِ طعامَهم» هذا عودٌ وهذا عودٌ، العودُ الواحدُ لا يُنضِجُ طعامًا، لكنَّ مجموعَ الأعوادِ التي حصَّلَها هؤلاءِ أنتجَتْ ثمرةً كذلكَ الخَطايا والذنوبُ.

إذًا كالمعاصي نحنُ جميعًا أهلُ خطإٍ وتقصيرٍ وعصيانٍ، كلُّ ابنِ آدمَ خطاءٌ لكِن نفترقُ بعدَ هذا الاشتراكِ في مواقعةِ الخطإِ، نختلفُ في الخواتيمِ والنتائجِ، منا مَن يستمرُّ في خطئِه ويَمضي دونَ مُراقبةٍ لربِّه ودونَ وعْيٍ بأنَّ اللهَ ـ تعالى ـ يُحصي الدقيقَ والجليلَ، وأنهُ ـ جلَّ في عُلاه ـ يستنسخُ، كما قالَ -جلَّ في عُلاه- ما يعملُ الإنسانُ، ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ[الجاثية:29].

ويقولُ -جلَّ في عُلاه-:﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ[الطارق:4]، ما توجدُ نفسٌ إلا وعلَيها حافظٌ يكتبُ عملَها ويقيدُ قولَها كما قالَ -جلَّ وعَلا-:﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[ق:18].

هذه المعاني معانٍ مهمةٌ وكبيرةٌ وخطيرةٌ؛ لأنَّ الإنسانَ يا أخي الكريمَ ويا أيُّها الإخوةُ والأخواتُ، لا يأمَنُ ماذا تنتهي بهِ الأمورُ أبدًا، ليسَ ثمةَ ضمانٌ، فكمْ مِن إنسانٍ بهيِّ الصورةِ، حسنِ المنظَرِ، جميلِ العملِ تكونُ عاقبتُه بوارًا، لكنْ يقينٌ بلا شكَّ ولا ريبَ أنَّ هذا ليسَ خبطَ عشواءَ، ثمةَ أسبابٌ قدْ لا يُعاينُها الناسُ بأبصارِهم ولا يُدرِكونها بمشاهداتِهم، لكنَّه قدْ أحصاها العليمُ الخبيرُ.

في الصحيحينِ مِن حديثِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ ـ رضيَ اللهُ تعالى عنهُ ـ قالَ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ بعدَ أنْ ذكرَ أطوالَ الخلقِ، «فواللهِ الذي لا إلهَ غيرُه إنَّ أحدَكم ليعمَلُ بعملِ أهلِ الجنةِ حتى ما يكونُ بينَه وبينَها إلا ذراعٌ فيسبقُ علَيهِ الكتابُ فيعملُ بعملِ أهلِ النارِ فيَدخُلها، وإنَّ أحدَكم ليعملُ بعملِ أهلِ النارِ حتى ما يكونُ بينَه وبينَها إلا ذراعٌ فيسبقُ عَليهِ الكتابُ فيعملُ بعملِ أهلِ الجنةِ فيَدخلُها».[صحيح البخاري(3332)، ومسلم(2643)]

هذه الخواتيمُ هي ثمرةُ مقدِّماتٍ، ليسَتْ خبطَ عشواءَ، ولذلكَ طولُ المدةِ في الصلاحِ ليسَ ضمانةً على الاستمرارِ، في روايةِ مسلمٍ لهذا الحديثِ مِن طريقِ أبي هُريرَةَ -رَضِيَ اللهُ تعالَى عنهُ- قالَ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ: «إنَّ الرجلَ ليعملَ العملَ الصالحَ الزمنَ الطويلَ» الزمنُ الطويلُ يعني زمنٌ ممتدٌ، «ثُم يعملُ بعملِ أهلِ النارِ فيَدخلُها».[صحيح مسلم(2651/11)]

 هذه الخاتمةُ ليسَتْ خبطَ عشواءَ كما ذكرتُ، لذلكَ في الحديثِ الآخرِ وفي روايةٍ أخرَى في حديثِ سهلِ بنِ سعدٍ قالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ:«فيما يَرَى الناسُ».[صحيح البخاري(6493)]

إذًا الناسُ ليسَ لهم إلا الظاهرُ، لكنْ مَنِ العليمُ بالخَفايا والضمائرِ وما تُكِنُّه الصدورُ، وما تُخفيهِ القلوبُ؟ العليمُ بها هوَ اللهُ ـ جلَّ في عُلاه ـ لذلكَ ضرورةٌ يا إخواني ويا أخواتي واللهِ هذهِ نصيحةٌ لنفسي ولكُم أنْ نجتهدَ في سؤالِ اللهِ الثباتَ، وأنْ نبرأَ مِن كلِّ حولٍ وقوةٍ، فإنهُ لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ، الإنسانُ إذا أيقنَ هذا الأمرَ وتحققَ أنهُ لا ثباتَ لهُ على الهُدى إلَّا باللهِ كانَ ذلكَ حاملًا لهُ على الفزعِ إلى اللهِ ـ عزَّ وجلَّ ـ واللجئِ إليهِ، اللهُ ـ تعالى ـ يقولُ لسيدِ الخلقِ: ﴿وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا[الإسراء:74].

إذًا مِنَ الضروريِّ يا أخي الكريمَ ويا أيُّها الإخوةُ والأخواتُ أنْ نستحضرَ هذا المعنَى، وأنْ نعتبرَ، السعيدُ من وُعِظَ بغيرِه، ليسَ أحدٌ مِنا سالمًا مِن هذا المشهدِ الذي ذكرَتْه الأختُ السائلةُ عَن حالِها وعَن بناتِها عَن هذا التغيرِ، أسألُ اللهَ أنْ يثبتَ قلوبَنا على الهُدى ودينِ الحقِّ، أنْ يهديَنا صراطَه المستقيمَ، وأنْ يسلكَ بنا السبيلَ القويمَ، وأنْ يُعينَنا على الثباتِ على ما يحبُّ ويرضَى، وأنْ يصرفَ عنا السوءَ والفحشاءَ، وأنْ يقيَنا شرَّ أعمالِنا وشرَّ كلِّ ذي شرٍّ هوَ آخذٌ بناصيتِه.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات95078 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات90766 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف