×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (26)أثر الخوف من الله على سلوك العبد.

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:7745

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته! وحياكم الله جميعا مستمعينا الكرام إلى هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم "الدين والحياة"، والذي يأتيكم عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة. نرحب بكم في هذه الحلقة المباشرة، ونرحب أيضا بضيفنا وضيفكم الدائم في هذا البرنامج صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: خالد بن عبد الله المصلح؛ أستاذ الفقه بكلية الشريعة في جامعة القصيم، والمشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم، والذي نسعد بالترحيب بفضيلته فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا شيخ خالد!

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته! مرحبا بك، حياك الله يا أخ عبد الله، وحيا الله الإخوة والأخوات!

حياكم الله يا شيخ خالد! وحيا الله جميع المستمعين والمستمعات معنا في هذه الحلقة المباشرة! وحديثنا بإذن الله- سبحانه وتعالى- سيكون حول موضوع مهم ألا وهو الخوف من الله- سبحانه وتعالى- وأثره على سلوك العبد، بإمكانكم مستمعينا الكرام مشاركتنا في هذا الموضوع، وفي هذه الحلقة على الأرقام التالية: 0126477117، والرقم الثاني: 0126493028 كما يمكنكم أن تراسلونا عبر الواتساب على الرقم 0556111315، غردوا أيضا في هاشتاج "الدين والحياة" وبرنامج "الدين والحياة" على تويتر؛ حتى يتسنى لنا قراءة مشاركاتكم، وأيضا تفاعلكم من خلال هذه الوسائل المختلفة.

إذًا؛ مستمعينا الكرام موضوعنا "الخوف من الله وأثره علي سلوك العبد"، وكذلك أيضا نرحب بكل من ينضم إلينا الآن عبر الأثير، فأهلا وسهلا بكم!

"الدين والحياة" برنامج يناقش النوازل والمستجدات العصرية في القضايا القرآنية، والفقهية، والعقدية، والأسرية، وكل ما يتعلق بالأمور الشرعية، "الدين والحياة" برنامج أسبوعي مع فضيلة الشيخ الدكتور: خالد المصلح، يأتيكم في الأوقات التالية: مباشرة الأحد عند الثانية ظهرا، ويعاد عند الثانية عشرة منتصف الليل، إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة أصلها ثابت وفرعها في السماء.

حياكم الله من جديد مستمعينا الكرام في هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم "الدين والحياة"! ونرحب مجدَّدا بشيخنا الشيخ خالد المصلح، حياكم الله يا شيخ خالد! نتحدث عن الخوف من الله- سبحانه وتعالى- وأثره على سلوك العبد كيف يكون التلازم بين الخوف من الله- سبحانه وتعالى- وأيضا سلوك الإنسان؟، وأيضا ما المقصود بالتحديد بهذه الجملة: الخوف من الله وأثر هذا الخوف على سلوك العبد؟ وكيف يمكن أن يكون تأثير هذا الخوف من الله- سبحانه وتعالى- قويًّا على سلوك الإنسان في حِلِّه وترحاله، بين الناس وأيضا في الخفاء في السر والعلن؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

مرحبا بك يا أخي عبد الله، وأهلا وسهلا بالإخوة والأخوات، وأسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من المباركين، وأن يوفِّقنا إلى ما فيه الرشد والصلاح، وأن يسددنا في الأقوال والأعمال!

اللهم آمين!

ما يتعلق بقضية الخوف هي قضية مما فَطَر الله تعالى الناس عليها؛ الناس في أصل خلقتهم تعتريهم وتَكتِنُفهم مخاوف كثيرة، وهذه المخاوف متنوعة وذات أبعاد عِدَّة، الاستسلام لها في غالب شأنها مما يُعيق الإنسان، ويوقعُه في تعطيل المعاش، كما أن لها جوانب إيجابيةً وهي ما يتصل بتوقِّي الأخطار، والسعي في البعد والنأي بالنفس عن الأضرار؛ فالخوف من حيث كونه صفةً هي صفة من صفات الإنسان الطبيعية، قال الله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج : 19 - 21]فالله تعالى يتكلم في هذه الآية عن وصف بشري جبل الله تعالى عليه الناس من صفات ومنها الهَلَع، وقد فسر جماعة من أهل العلم الهَلَع هنا بِشدَّة الخوف، وشدة الجَزَع، وشدة الانفعال لما يقع من مصائب في فقر أو مرض، أو ذهاب محبوب من مال أو أهل أو ولد، وهذا صورة من صور الخوف وهو الخوف من فقد ما يُعيق مَسارَ الإنسان، ويؤثِّر على معاشه، إلا أن الله- جل وعلا- عندما ذكر هذه الصفات للإنسان وأنها صفات تَقعُد به عن السموِّ، وتقعد به عن الكمالات بين المخرج من هذه الصفات، والتهذيب لها الذي يُفضي بها إلى تحقيق سعادات الإنسان، وتحقيق طمأنينته، وتحقيق راحته فقال- جل وعلا-: {إِلَّا الْمُصَلِّينَ} يقول الله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج : 18 - 21] هذه هي التركيبة الطبيعية للبشر، ثم يقول الله تعالى: {إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المعارج : 22 - 26]هذه مجموعة خصال أخي عبد الله، أخي وأختي المستمعين الكرام، هذه مجموعة خصال دائرة على جملة من الأعمال الظاهرة والباطنة التي يحصل بها تهذيب هذه الانفعالات، تهذيب هذه التحوُّلات، تهذيب هذه التصرفات البشرية والارتقاء بها، فالإنسان هلوع إذا مسَّه الشر جزوع، وإذا مسه الخير مَنوعٌ، فهو في السَّراء يُمسك، وفي الضراء يجزع، ويخرج عن حدِّ الاعتدال، قال الله تعالى: {إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج : 22 – 25]فذكر الله تعالى الصلاة والصدقة والإحسان، ثم ذكر أمرا عَقَديًّا وهو ما يتعلق بالقلب {وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ}ويوم الدين هو يوم الحساب، وهو الذي ينبغي أن تتوجَّه إليه المخاوف؛ لأنه الذي إذا خاف منه الإنسان سَلِم، الذي إذا خاف منه الإنسان استعدَّ؛ فاليوم يوم الدين هو يوم الحساب هو أعظم ما يرهبه الإنسان؛ لأن سعادته الدائمة، وشقاءه المستمر سيكون على ضوء ما ينتج من ذلك اليوم والحساب فيه؛ ولهذا يقول: {وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ} [المعارج : 27 - 28] هذا التوجيه لهذه المشاعر مشاعر الخوف، وهو الخوف من الله- عز وجل- هو التهذيب الإلهي لهذه المشاعر وهذه الأحاسيس التي هي في قلب كل البشر، تزيد عندما يبتعد الإنسان عن الله- عز وجل- ويُعرِض عن شرعه تكتنِف قلبَه ألوان من المخاوف حتى يصل إلى حد الرعب وهو أشد ما يكون من الخوف كما قال الله- جل وعلا- : {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} ليش؟ {بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} [آل عمران : 151] ففي الدنيا تمتلئ قلوبهم من المخوفات التي لا يجدون لها مُطَمئِنًا، ولا يجدون لها سكنا، ولا يجدون معها بهجة ولذَّة بسبب إعراضهم عن الله- عز وجل_ {وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ} هذا في الآخرة {وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} إذا البعد عن الله- سبحانه وتعالى- وعدم خشيته هو وسيلة إلى الخوف والهلع، وعدم الاستقرار للإنسان في هذه الدنيا؟ نعم؛ ولذلك الله- جل وعلا- يمنُّ على أوليائه المؤمنين بأن يلقي في قلوبهم الطمأنينة، وينزل عليهم السكينة، وينزل عليهم ما يقشع عنهم المخاوف مهما عظُمت التحديات، الله- جل وعلا- يقول: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} [الأنفال : 11] وهذا في موقف عصيب في غزوة بدر عندما اجتمع المشركون على استئصال شأفة أهل الإسلام أنزل الله تعالى على أهل الإسلام هذه المِنَّة وهذه النعمة التي غَشَتْهم؛ وهو ما أنزله الله عليهم من الأَمَنة والطمأنينة في ذلك اليوم {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ} رِجزُه هو ما يلقيه في القلوب من المخاوِف {وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ} [الأنفال : 11] استمع إلى الآية التالية في التفريق بين أولياء الله الذين يخافونه ويحبونه وبين أولياء غيره، وبين أولياء الشيطان الذين امتلأت قلوبهم مخاوف، يقول: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} هذا نصيب أهل الإيمان{سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} [الأنفال : 12] إذًا؛ الخوف هو أعظم ما يسكن قلوب الناس على وجه العموم على اختلاف ألوانهم، وعلى اختلاف أحوالهم، وعلى اختلاف طبقاتهم، الخوف شيء مركوزٌ في نفوس الناس، ثمة مخاوفُ كثيرة، لكن الفارق أن المؤمن وجَّه الخوف إلى وجهته الصحيحة التي تُفيده في دنياه وتعمِّرُ أُخراه، التي ينجو بها من أهوال الدنيا ومن شرور الآخرة؛ ولذلك جعل الله تعالى نصيب الرعب والخوف في الدنيا والآخرة لأولئك الذين لم يقوموا على شرعه ولم يؤمنوا به -جل وعلا-، قال الله تعالى في قوم أعرضوا وكذَّبوا رسوله وهم اليهود: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} تأمل! {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} شوف نتيجة الرعب والخوف! ما صار سلامة ولا نجاة، قال: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} [الحشر : 2] الخوف عادة من الشيء يحمل الإنسان على البعد عن أسباب الهلاك، لكن لما تضيع البَوصَلة، وتضطرب الرؤية، ويخاف الإنسان مما ينبغي ألا يخاف منه، ويترك الخوف مما يجب أن يخاف منه عند ذلك تضطرب المسيرة{ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} وفي الآخرة أيضا يكون الأمن هو نصيب المؤمنين، والأمن ضده الخوف، الله تعالى يقول: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام : 82] هذا نصيبهم في الدنيا، وفي الآخرة يأتون آمنين من الفَزَع الأكبر كما قال الله- جل وعلا- : {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النمل : 89] هذا حالهم يوم القيامة؛ يأتون يوم القيامة آمنين بسبب أيش؟ بسبب ما كانوا عليه من إحسان، وأما الطرف الآخر المقابل يقول الله تعالى في حقه: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل : 90] الله أكبر

فالمؤمن يفوز بالأمن التام الكامل بقدر ما يحقِّق من صفات الإيمان، الله- جل وعلا- يقول: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء : 88 - 89] فينبغي للمؤمن أن يحرص على تحقيق هذه الخصال؛ وذلك بتوجيه هذا الخوف إلى ما ينبغي أن يُوجَّه إليه،

جميل!

خلاصة هذه المقدمة أخي عبد الله

نعم!

حتى لا يتشتَّت الحديث ويذهب بعيدا عما نريد أن الخوف فِطرة وجِبِلَّة في البشرية كلها؛ ما في إنسان سالم من الخوف، البشرية كلها يعتريها مخاوف وألوان من المخاوف، الفارق بين الناس في أن المؤمن يوجِّه خوفه إلى ما هو سبب للأمن، وأما غير المؤمن فإنه يوجِّه خوفه إلى ما يكون سببا لمزيد من الشرِّ والفساد والهلاك والتِّيهِ في الدنيا والآخرة، هذا هو الفارق بين المؤمن وغيره فيما يتعلق بالخوف؛ حتى لا يقول قائل: طيب يا أخي أنتم تخوِّفون الناس، الشريعة جاءت بالتخويف؟ الخوف فطرة بشرية جَبَل الله تعالى القلوب عليها، وهو من رحمة الله بعباده؛ لأنه لو لم يخف الإنسان ما توقَّى الضرر، يعني الذي لا يخاف النار ستحرقه، صحيح، والذي لا يخاف المصائب ستدركه، والذي لا يخاف المهالك سيَهلِك، لكن عندما يوجَّه هذا الخوف وجْهَه الصحيح يكون لَبِنَة ومحمودا، ويتقدم به الإنسان إلى الرقي والسمو، وعندما يعرض عن الخوف ويلهو، أو أنه يوجِّه الخوف إلى غير وجهِهِ السليم يكون سببا للشرِّ؛ لذلك رأس الحكمة مخافة الله.

شيخ خالد: هل يعني ذلك أننا نقول أن الخوف من الله- سبحانه تعالى- هو وسيلة لأمن الإنسان؛ لأمن المسلم؟ والدليل في ذلك قول الله- سبحانه وتعالى-: {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النمل : 89] الذين يخافون من الله في هذه الدنيا يأمنون من الفزع يوم القيامة، هل يمكن أن نربط بين هذين الأمرين، وبين هذين العنصرين؟ ثم نأتي إلى مسألة الخوف ما هو الخوف المحمود؟ وما هو الخوف المذموم؟ بالتأكيد أن خوف الله- عز وجل- هو طريق الأمان، ومن خاف الله- عز وجل- في سرِّه وإعلانه أَمِن؛ ولهذا أمر الله تعالى بأن نخافه ورتب على هذا الخوف الأمنَ التام الكامل يوم القيامة، يقول الله تعالى: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران : 175] فجعل من شروط الإيمان، ومن لوازمه التي لا يتمُّ إلا بها أن يحقق الإنسان الخوف من الله- عز وجل- وليس فقط أن يخاف الله- عز وجل- بل لا يخاف إلا الله؛ ولذلك يقول: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران : 175] ويقول -جل وعلا-: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة : 40] فلا تخافوا سواه، ولا تخافوا غيره، ويقول الله تعالى: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة : 44] وبالتالي كل من حقَّق هذه الخصلة؛ أن خاف من الله- جل وعلا- قدم إلى قدم إلى ربه جل في علاه في الأمن التام الكامل؛ فإنه إنما يأمن يوم القيامة من خاف في هذه الدنيا، قال الله تعالى في وصف أهل الإيمان: {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [الطور : 26] فلما خافوا أدركوا الأمن، لما امتلأت قلوبهم وعُمِّرت بالخوف الصحيح السليم الذي يحملهم على الطاعة الإحسان، ويجافيهم عن كل رذيلة وسوء وشرٍّ وفساد كان جزاء ذلك أن أمِنوا يوم العرض على الله- عز وجل-( فمنَّ الله علينا..) يوم الفزع الأكبر، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، واذكر أخي المستمع وأختي المستمعة الكريمين: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} هذا في الجزاء والثواب، طيب فيما يتعلق بالأمن من المخاوف قال الله تعالى:{ وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النمل : 89] فينبغي للمؤمن أن يعمِّر قلبه بهذه المعاني ليدرك الأمن يوم القيامة؛ فإنه من خاف سَلِم، من خاف اليوم من الله- عز وجل- وخشي لقاءه كان ذلك من موجبات أمنه، يقول الله تعالى في وصف المتقين: {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء : 49] ويقول الله تعالى في وصف أوليائه: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ }ما شأنهم؟{ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون : 57 - 61]

يعني هؤلاء يعملون يا شيخ خالد، يعملون ويتقرَّبون إلى الله- سبحانه وتعالى- ويسارعون في الخيرات، ليس يعني هؤلاء من الأصناف الذين قعدوا عن عبادة الله وعن طاعته ومع ذلك يخشون الله، هؤلاء يسارعون في الخيرات، ومع ذلك يخافون منه ويخشونه سبحانه وتعالى.

هو يا أخي الكريم: الله- عز وجل- لما عدَّد الصفات التي ذكرها في هذا السياق ذكر أربع صفات، ذكر عدة صفات أولها ورأسها الخشية والخوف{إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ} هذه الخصلة الثانية، {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ} هذه الخصلة الثالثة، {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} هذه الخصلة الرابعة، تأمَّل أخي عبد الله سياق الآيات!أول وصف ذكره الله تعالى هو الخشية، وآخر وصف ذكره الله- عز وجل- لهؤلاء الوَجَل{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ..} والوَجَل نوع من الخوف؛ خوف مع تعظيم وإجلال، إذًا الخوف في مبدأ العمل وفي منتهاه، الخوف في كل مراحله أولئك الذين يحقِّقون هذه الخصال فيعمِّرون قلوبهم بمخافة الله التي تحملهم على طاعته وخشيته، بمخافة الله التي تحملهم على إتقان أعمالهم، بمخافة الله التي تحملهم على عدم اليقين بقبول الأعمال{أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون : 61] أي إليها متقدمون لا يفوتهم منها شيء ولا يتأخرون عن شيء منها.

جميل! طيب شيخ خالد أستأذنك فقط قبل أن نستأنف الحديث فيما يتعلق بهذا الموضوع الخوف من الله فإننا نأخذ اتصالًا، قبل أن نأخذ الاتصال فقط نذكر بأرقام التواصل معنا في هذه الحلقة: 0126477117 والرقم الثاني: 01126493028 محمد العسيري اتفضل!

السلام عليكم!

عليكم السلام ورحمة الله

مساكم الله بالخير أنتم والسادة المستمعين!

حياك الله، ومساك الله بالخير!

اللهم صلِّ وسلم على سيدنا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم! أحبتي قال الله- عز وجل- : {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر : 28] أيضا قال بعض السلف:"من كان بالله أعرف كان منه أخوف"[أخرجه محمد بن نصر المروزي في كتابه تعظيم قدر الصلاة بسنده إلى أحمد بن عاصم الأنطاكي:786]

الله أكبر!

أطلب من فضيلة الشيخ أن يشرح هذين الأمرين؛ لأنهما من الأهمية بمكان أن يكون عند الإنسان هذه الأمور؛ لأنه إذا كان الإنسان بالله- سبحانه وتعالى- أعرف فهو منه أخوف، وإذا كان أخوف من الله- عز وجل- أصبح مردوعا يردع نفسَه عن كثير من الأمور التي لو فعلها يعصي الله بها، فإذا كان به أعرف أي يعرف الله حق المعرفة كان من الله أخوف، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ربي ويرضاه!

اللهم آمين! شكر الله لك شكرا لك!

السلام عليكم!

عليكم السلام، طيب نأخذ هذا الاتصال، عبد العزيز الشريف من الرياض، حياك الله أخ عبد العزيز!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخي عبد الله!

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته! حياك الله!

وأحيي الشيخ خالد؛ السلام عليكم يا شيخ!

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته!

وأسعد الله مساءك، وجزاك الله كل خير على هذه المواد الطيبة النافعة! جعلها الله في ميزان حسناتك وحسنات القائمين عليها جميعا!

آمين!

فضيلة الشيخ: بعض الناس اتخذ من الخوف أنه يمتنع عن كثير من الأشياء، ويمتنع عن أمور أباحها الله- عز وجل- وقصة النَّفَر الذين أتوا إلى النبي قال: أنا لا أتزوَّج النساء، ولا آكل اللحم، قال:« والله إِنِّي لأخشاكم لله وَأتْقاكم له».[صحيح البخاري:5063] نصيحة لمن يفعل هذا الشيء بارك الله فيك! أيضا

الله المستعان! طيب انقطع الاتصال مع الأخ عبد العزيز؛ لكن ربما نكتفي بالسؤال الذي طرحه، ونجيب إذا أمكن يا شيخ خالد، إذا كان هناك نقطة تحبون إكمالها أو نجيب على الأسئلة؟

لا على كل حال سنأتي على الأسئلة إن شاء الله، لكني أقول يا أخي عبد الله: يعني الخوف هو وصف أولياء الله المتقين، الخوف عمَّر قلوب النبيين، بل عمر قلب سيد المرسلين- صلوات الله وسلامه عليه- ولذلك يقول النبيr، بل أمره الله أن يقول: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأنعام : 15] قالها الله- عز وجل- أمر رسوله- صلوات الله وسلامه عليه- أن يُبلَّغ الأمة بأنه يخاف معصية الله- عز وجل- يخاف إن عصىاه أن يناله من العقوبة ما يكون سببا للهلاك؛ ولهذا تكرر هذا القول من النبي rفي مواضع عديدة؛ فإنه أيضا في موضع آخر قال الله تعالى في مقام المقابلة لمن كذب النبي r: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} يعني للنبي r، وهم الكفار:{ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ} جئنا بشيء غير هذا الذي جئت به، أو بدِّلْه بشيء آخر، يقول النبي r- وهنا استشعار الأمانة وأن الحاجز عن التغيير والتبديل في دين الله- عز وجل- هو خوفه:  {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} ما يمكن أن يكون هذا{إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} يستحيل شرعا أن أُبِدَّل دين الله- عز وجل- وليس لي إلا الاتباع. الله أكبر. ثم يقول:{إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [يونس : 15] ويقول أيضا في موضع آخر من الآيات في وصف أولياء الله- عز وجل-: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [الزمر : 11 - 13] فينبغي للمؤمن أن يستحضر أن الخوف ليس خصلة هامشية في قلب المؤمن بل هي خصلة رئيسية، وحتى ندرك هذا نعلم أن القلوب إنما تتحرك بالحب والخوف والرجاء،

جميل، هذه نقطة مهمة جدا مسألة التوازن في هذا الجانب، وأن الإنسان يعني كأنما هو طائر؛ الجناحان اللذان هما الخوف والرجاء، فالإنسان يوازن يا شيخ بين الرجاء والخوف حتى يكون يعني كما أمر الله- سبحانه وتعالى- ولا يُغلِّب جانبًا دون جانب حتى لا يكون مخالِفا لمذهب أهل السنة والجماعة في هذا الجانب.

بالتأكيد التوازن بين المشاعر الإيمانية والأعمال القلبية هو مما يصحُّ به مسير الإنسان، ويستقيم به سيره إلى الله- جل وعلا- لكن يا أخي الكريم أنا أقول: نحن في الحقيقة نحتاج إلى أن نؤكِّد مع هذا الانفتاح الذي يعيشه الناس، مع هذه الغفلة التي أطبقت على قلوب كثيرين ونحن منهم، نحن لا نتكلم عن غيرنا، أنا أتكلَّم عن نفسي وعن غيري مما أشاهده وأحسه في نفسي وفي غيري أن الخوف عندنا يعني ضاقت مساحتُه؛ أكثر الناس أَمِنوا، والحقيقة الله- جل وعلا- يطلب منا ألا نأْمَنَ على أنفسنا يقول- جل وعلا-: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف : 99] المؤمن ينبغي أن يستشعر مخافة الله- عز وجل- في كل أعماله، وأن يوجِّه هذه المشاعر لا إلى قنوط، ولا إلى يأس، ولا إلى قعود عن طاعة الله- عز وجل- بل إلى زيادة عمل، يا أخي: إبليس وهو العدو المرصد وهو أعدى أعداء الله- عز وجل- يجهَر بكل وضوح في مواضع عديدة: إني أخاف الله؛ قالها عندما التقى الجمعان {فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال : 48] وهكذا منهجه، وهذه سبيله، وهذا طريقه يورِّط الإنسان في الشرور والمفاسد ثم يقول: إني أخاف الله رب العالمين، أو ما إلى ذلك من الكلمات التي يقولها ليس يحكي بها حقيقة لكنه يخبر عن خوف لا ثمرة له، ولا ينتفع به{كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر : 16]

شيخ خالد

دقيقة يا أخ عبد الله خلينا نستكمل الفكرة بس! ننشد الخوف الذي يحمل الإنسان أن يكفَّ نفسه عن العصيان إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم، وأذكر في هذا قصة ابني آدم اللذين ذكر الله تعالى خبرهما في سورة المائدة لما قال أحدهما للآخر: {قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} ليش؟ إيش الحاجز عن مقابلة هذا الاعتداء؟ {إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ[المائدة : 27- 28]

وفي قصة يوسف عليه السلام كذلك نعم.

هنا يكون الخوف مثمرا، ويكون محققا للمقصود والغرض؛ من استقامة المسيرة والكف عن الرذائل.

شيخ خالد: يعني قبل آتي إلى نقطة مهمة أستأذنك أيضا في اتصال من المهندس سعيد، اتفضل يا مهندس!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته

وحيا الله شيخنا الفاضل خالد، أستاذنا عبد الله

حياك الله! وأهلا وسهلا

في سؤال بالنسبة لما تكلمتم جزاكم الله خيرًا عن خشية الله ومخافته وهو مطلب كل إنسان وكل مسلم وكل مؤمن، ولكن طيب كيف نحصل على خشية الله الصادقة ومخافته الورعة؟ يعني أسباب الحصول لكسب هذه المخافة والخشية الصحيحة؛ لأن الإنسان لا يعتقد أن المخافة والخشية يكسبها بعمله، يعني مثلا المهندس يذهب فيشتغل ويكسب المال؛ لكن الخشية والمخافة ليست بيد أحد إنما هي بيد الله- عز وجل- هو الذي يضعها في القلوب؛ ولهذا كان دعاء النبي rاللهم إني أَسألُك خَشْيتَك في الغيب والشهادة»[النسائي في الصغرى:1305، وأحمد في مسنده:18325، وقال الحاكم:صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. المستدرك:1923] فهل هذا الدعاء مكمل لأسباب الحصول على خشية ومخافة الله تعالى؟

طيب جزاك الله خيرًا! شكر الله لك يا مهندس!

جزاكم الله خير! السلام عليكم

سلام ورحمة الله، شيخ خالد قبل أن نأتي إلى الوقت الأخير في البرنامج ممكن ربما يعني الأخ عماد تحدث كان عن إنه معرفة الله- سبحانه وتعالى- هي وسيلة إلى الخوف منه- سبحانه وتعالى- ربما هو مدخل للحصول على كيفية الحصول على مخافة الله- سبحانه وتعالى- وتحقيق هذه المخافة.

بالتأكيد أن خوف الله- عز وجل- له أسباب، ومن أعظم أسبابه معرفة رب العالمين- جل في علاه- من أعظم أسباب الخوف من الله- عز وجل- العلم به؛ العلم بعظمته، العلم بجلاله، العلم بقدرته، العلم بعلمه، العلم بإحاطته بعباده، العلم بعذابه، العلم بما أجراه في كونه من السنن، وما أجراه في المَثُلات والأمم السابقة كل هذا مما يورث القلب مخافة لله- عز وجل- وخشية له سبحانه وبحمده؛ فإنه إذا أدرك الإنسان كمال ربه، وعظيم قدره، وجلالَ منزلتِه كان ذلك باعثا للخوف، وقد لام الله تعالى قوما غفلوا عن مخافة الله- عز وجل- فقال: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح : 13] أي ما لكم لا ترجون له خوفا؟ ما لكم لا تخافونه وتعظمونه حق تعظيمه -جل في علاه-؟ فكلما علِم العبد ما لله من الكمالات، ما لله من جليل الصفات، علم ليس فقط العلم بالأسماء يعلم أنه العزيز، أنه العظيم، أنه المجيد، أنه القوي، أنه القادر، أنه الجبار، أنه المتكبر ليس فقط العلم بألفاظها بل بمعانيها وتدبُّر ما فيها من المعاني التي تُورِث القلوب إجلالا وتعظيما ومهابة وخوفا وخشية لله؛ ولهذا النبي rيقول: « أما والله إِنِّي لأعلمكم بالله وأخشاكم له»[مسند أحمد:24912، وقال محققو المسند:إسناده صحيح على شرط مسلم] قرن بين العلم والخشية، والله تعالى يقول: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر : 28] والعلماء هنا المقصود بهم العلماء به سبحانه وبحمده، العلماء بشرعه؛ لأن العلم الذي يثمر ويورث الخشية هو العلم بالله- عز وجل- علم الله هنا ليس مقصورا فقط على العلم بالآيات المسطورة في كتابه الحكيم بل العلم بكل ما يورِث خشيةَ الله- عز وجل- فالعلم بآيات الله الكونية والآفاقيَّة هذا مما يورث الخشية، يا أخي عندما تسمع يعني سترى آيات الله وعظيم صنعه في فلكه، وفي سمائه، وفي أرضه، وبديع تدبيره لخلقه بالتأكيد أن هذا الصانع العظيم، أن هذا الرب الذي يدبر هذا الكون، ولا يجري شيء في سمائه ولا في أرضه، ولا في بَرِّه ولا في بحره إلا بأمره، لا شك أن القلب يمتلئ هيبة وتعظيما وخوفا وخشية من رب العالمين سبحانه وبحمده؛ ولهذا يقول الله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف : 105] لا يفيدهم إيمانا، ولا يفيدهم خشية، ولا يفيدهم تعظيما، ولا يفيدهم خوفا من الله ولا محبَّة له، ولا إجلالا، ولا تقديرا، ولا ما إلى ذلك من المعاني الإيمانية التي ينبغي أن تمتلئ بها القلوب

نعم

لهذا مفتاح الخوف من الله- عز وجل- هو العلم به -جل في علاه-.

 تذكر أيضا اليوم الآخر وكم من آية ذكر الله تعالى فيها أحوال يوم القيامة، وذكَّر الناس باليوم الآخر، هذا مما يبعث في القلوب خوف الله- عز وجل- وخشيته؛ ولهذا يقول الله- جل وعلا-: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات : 40]، ويقول -جل وعلا-: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن : 46]، وكذلك قال النبي rفيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة:  « سَبعةٌ يُظِلُّهم اللهُ في ظِلِّه يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه- وذكر منهم: رجلٌ دَعتْه امرأةٌ ذاتُ مَنْصِبٍ وجَمالٍ فقال: إِنِّي أخاف الله»[صحيح البخاري:ح1423]

ربما هذا ما تحقق في قصة يوسف عليه السلام؛ في القصة الشهيرة عندما قال: {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف : 23] في قصة شهيرة جدا يعني تنمُّ عما نتحدث عنه في هذا الموضوع المهم عن خوف الله- سبحانه وتعالى- وأثر هذا الخوف في سلوك العبد خصوصا في الخَلْوات

بالتأكيد بالتأكيد أيضا مما يزيد الخوف في قلب العبد؛ خوف الله- عز وجل- ومراقبته أن يُكثِر من ذكر الله- جل وعلا- فذكر الله يورِث القلب طمأنينة، يورث القلب تعظيما، يورث القلب وَجَلا، يورِث القلب استحضارا لمعيَّة الله- عز وجل- ورقابته؛ ولذلك يقول الله تعالى في محكم كتابه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال : 2] ويقول -جل وعلا-: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} من هم المخبتون؟{ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} هذا أبرز صفاتهم أنهم يَنفعلون بذكر الله فتطيب قلوبهم، وتعمُر بذكر الله وإجلاله وهيبته ومحبته وتعظيمه سبحانه وبحمده{ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الحج : 35] إنه من الجدير بكل مؤمن أن يعلم أن الله تعالى أحقُّ من خُشي، وأحقُّ من خِيف، وخوفُه أمن، وخشيته سعادة، واستحضار عظمته -جل في علاه- نجاة في الدنيا والآخرة

إذا ما خلوت الدهر يوما فلا

                           تقل خلوت ولكن قل علي رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة

                              ولا أن ما تخفي عليه يغيب

المنافقون وأهل الغفلة يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم؛ إذ يبيِّتون ما لا يرضى من القول، أو يبيتون ما لا يرضى من العمل، فينبغي للمؤمن أن يجدَّ وأن يجتهد في استحضار معيَّة الله له، وأن يتذكَّر هيبته وعظمته فإن ذلك مما يورِث في قلبه مَهابة وخوفا من الله- عز وجل- وقياما بحقه، والله تعالى من رحمته أنه يرسِل مُنبِّهات يا أخي؛ يرسل للناس ما يوجب أن يخافوا ويتعظوا{ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء : 59]

كما قال الله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء : 59]، والآيات هنا سواء كانت خسوفا أو كسوفا، أو زلازل أو براكين، أو ضوائق اقتصادية أو حروب، أو أمراض، أو ما إلى ذلك مما يجريه الله تعالى في كونه من المنبهات التي تنبِّه الناس {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47)} [النحل : 45 - 47]

 شيخ خالد عندي مجموعة من الأسئلة نحاول نأخذها بشكل سريع؛ ضابط الخوف، وكذلك أيضا ربما هناك نوع من الغلو في الخوف بحيث إنه الإنسان يُغلِّب جانب الخوف على جانب الرجاء كيف يمكن أن ننصح أمثال هؤلاء؟ بحيث إنه الإنسان دائما يتحدث عن جانب الخوف فتجد هذا الإنسان قانطًا يائسا من رحمة الله- سبحانه وتعالى- وهذا ما نهى الله- سبحانه وتعالى- عندما قال: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف : 87]

هو يا أخي يعني التوازن بين ثلاثة أمور مهمٌّ في مسيرة الإنسان إلى ربه- عز وجل- القلب في سيره إلى الله كما ذكر أهل العلم بمنزلة الطائر فالمحبة رأس هذا الطائر، والخوف والرجاء جناحاه؛ فمتى سلم الرأس والجناحان سار الطير على سير جيد وطيران حسن، ومتى ما فقد شيئا من هذه الأشياء اختلَّ سيره؛ فإذا فقد المحبة مات الطير؛ لأن المحبة رأس الطائر، ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر، ومتى كان خوفه غالبا على رجائه أو رجاؤه غالبًا على خوفه على وجه مستمر كان ذلك من أسباب اختلال سيره؛ لذلك من المهم أن يتوازن الإنسان بين هذه المعاني؛ فنحن نحب الله، ونحن  نخافه، ونحن نرجوه ونطمع فيما عنده، ونحن نلحظ ما يحبه ويرضاه -جل في علاه-، ونجتهد في إصابة مَحابِّه، لكن ينبغي لنا ألا نغلوا في جانب؛ فالغلو في جانب من الجوانب سبب للهلاك، وقد جرى من بعض الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- شيء من زيادة الخوف في جانب في قضية من القضايا وهي قضية الصحابي الذي تأوَّل شرب الخمر في عهد عمر- رضي الله تعالى  عنه- فالشاهد أنه لما تبيَّن له خطؤ فهمِه، وخطؤ عمِله أصابه شيء من اليأس، ويعني خشي على نفسه خشية شديدة فكتب له عمر- رضي الله تعالى عنه- كتابا قال:" لا أدري أي ذَنبَيْك أعظم: استباحتك واستحلالك ما حرَّم الله، أم قنوطك من رَوح الله"[مجموع الفتاوى الكبرى7/187].

هذا المعنى المهم وهو أنه ينبغي للإنسان ألا يجتاح قلبَه الخوف فيغيب عنه أن الله رحمن، أن الله رحيم، وأن الخوف ليس مقصودا لذاته؛ خوف الله مقصوده أن يقوم الإنسان بما أُمر، وأن يترك ما عنه نُهي، وأن يحسن مَسَاره في الدنيا؛ ولذلك في الآخرة تزول المخاوف؛ لأن الخوف ليس مقصودا لذاته، ولا يبقى  في قلب العبد يوم القيامة إلا محبة الله- جل وعلا- والطمع فيما عنده، أما الخوف {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة : 38] فإنه ينقشع الخوف عندما يبلغ الأمن عند رب العالمين بأن يأتي يوم القيامة آمنا من الفزع، نسأل الله أن نكون ممن أمن من الفزع الأكبر!

اللهم آمين!

{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النمل : 89] نسأل الله أن يشغَلَنا وإياكم بالحسنات، ويكفينا شرَّ السيئات!

اللهم آمين! هذه رسالة عبر الواتس أب يا شيخ خالد من آمنة تسأل تقول: هل لا أعلم هل خوفي هذا سليم أو هو من باب الوسوسة؟ إني أخاف الموت، وأظل أَسِيرةَ الأوهام، وأخاف على أهلي أن أفقدَهم، والعجيب أني تقول يعني: ذهبت لمنزلنا الجديد فشعرت بالحزن أن يكون هذا المنزل سببًا لفقد أهلي.. إلى آخره من المخاوف التي تنجُم، ربما لو في دقيقة نتحدث عن هذا الجانب.

الشيخ:لا هذا على كل حال هذا من الخوف المذموم، وهو من زي ما قلت يا أخي في أول الحديث، الخوف كل قلب لابد أن يخاف، ما في قلب سالم من الخوف، لكن الناس يختلفون في توجيه هذه المخاوف؛ فالمؤمن يوجِّه الخوف لما يعمر به دنياه ويعمر به أُخراه، وغيره يختلُّ مسيرُه؛ فالكافر يمتلئ قلبه رُعبا ويتعلق بالدنيا فيخاف من كل شيء، وينقطع سيرُه قد يعمر الدنيا لكنه يخرِّب الآخرة، قال الله تعالى: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} [الحشر : 2] أما المخاوف التي تزيد عن حدِّها كخوف الموت، الموت يا أخي طبيعي إن الإنسان يخاف منه، ولكنه لابد أن يلقاه فيجب عليه أن هو لابد أن يقع الموت، إذا كان أمرا لابد منه لا نجاة لأحد منه ينبغي لنا أن نخاف مما بعده، ونعمل لما بعده،

لكن من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه

نعم ولكن الشأن أن يخاف الإنسان خوفا يزيده خيرا، يعمِّر دنياه بما يفيد، أما هذه الأخت التي تقول: إني أخاف فراق أهلي، وأخاف الموت، يعني هذا الخوف هل سيَدفَعُ الموت؟ لن يدفع الموت، لو كان الموت يندفع بالخوف لما مات أكثر الخلق لخوفهم منه لكن الموت قدر{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر : 30] فيجب النظر إلى ما بعده، وأنا أقول أحيانا إذا اختلَّ مسير الإنسان يحتاج إلى أن يُراجع يعالج نفسه بالعلم الشرعي الذي يُزيل عنه الاشتباه، وإذا ما نفع فليُراجِع الطب النفسي لعل فيه مخرجا لمثل هذه الاختلالات.

شيخ خالد ما يشاع بأن الإكثار من الخوف، وأن الإنسان دائما يكون أسيرًا للخوف هل هذا الأمر يقدح في عقيدة الإنسان، وفي كمال اعتقاده وتوكُّلِه على الله- سبحانه وتعالى-؟ أنه يخاف من كل شيء، حتى يعني كل الأمور حتى الأمور اللي يعني غير الطبيعية الإنسان الخوف طبيعي في الإنسان، لكن أن يزيد الأمر فوق حدِّه ربما ما أدري ما يمكن أن يكون من تأثير على عقيدة الإنسان.

هذا بالتأكيد إنه هذا خلل في المسيرة، خوف الله- عز وجل- وهو رب العالمين، وهو أحق من يُخشى ويخاف إذا تجاوز الحدَّ الذي يجلب إلى قنوط ويأس كان مذموما، فكذلك خوف غيرك خوف المكروهات، خوف المضرَّات هذا يحمل الإنسان على توقِّيها، لكن عندما يكون مسكونا بها؛ يخافها خوفا يُقعِدُه عن مصالح دنياه، ويعثِّره عما فيه عِمارة حياته وعمارة آخرته يكون عند ذلك خوفا مذموما.

جميل؛ بالنسبة لتعويد الأبناء على خوف الله- سبحانه وتعالى- ويبدأ أن يُبرِز في هذا الجانب قصة تلك البنت التي أمرتْها أُمُّها بخلط اللبن بالماء في عهد عمر، فقالت: إِنَّ ربَّ عمر يرانا.[أخرج القصة بطولها ابن عساكر في تاريخ دمشق:70/253، وسندها قوي] مثل هذه القصص أليست تزرع في الأبناء خوف الله- سبحانه وتعالى-؟ وبالتالي نحن يعني ربما نكون بمنأى عن كثير من عناء عندما نربط الأبناء بخوف الله- سبحانه وتعالى- من أن الأمر مربوط بمخافة أحد الوالدين، أو أحد الأقارب أو غير ذلك.

  بالتأكيد أن خوف الله- عز وجل- إذا عُمِّرت به القلوب، وربي عليه الإنسان يا أخي تربية النشء على مراقبة الله- عز وجل- على استحضار عظمته، على استحضار العبودية له بالتأكيد أن هذا ينشئ الصبيان تنشئة قويمة تحملهم على السعي فيما يرضي الله - عز وجل - والنأي عن كل ما يكون سببا للفساد والشر، بكى عمر بن عبد العزيز وهو صغير فسألته أُمُّه: ما يُبكيك؟ فقال: ذكرت الموتَ، فبكت أُمُّه عند ذلك[سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي(ص14)، وتاريخ دمشق:45/135]، وكان قد حفظ القرآن- رحمه الله وغفر له- والشواهد والقصص في هذا كثيرة التي فيها زرعُ المعاني الطيبة في نفوس أبنائنا من خشية الله، الوازع الإيماني، الرغبة فيما عند الله، الخوف من عقابه كل هذا مما نحتاجه، يعني بعض الناس يقول: لا، لا تُرَبِّه، لا تذكر الخوف! اذكر المحبة! يا أخي المحبة والخوف كلاهما باعث على العمل، فإهدار الخوف والتركيز فقط على المحبة ينفع مع بعض الناس لكن ما ينفع مع كل الناس، حتى ولا ينفع مع النفس في كل أحوالها؛ أحيانا النفس تحتاج إلى الترغيب بالخوف، الترغيب بالمحبة، المنع بالخوف، المنع بالمحبة، وهذه أمور يداوي ويعالج الإنسان فيها نفسه، لكن أحيانا في منتهاها تحمل الإنسان على تحقيق العبودية لله- عز وجل-

جميل، نأتي على ناحية ربما نختم بها هذا اللقاء أن الخوف من الله- سبحانه وتعالى- يحتاج إلى إثبات، ليس فقط أن يدعي الإنسان أنه يخاف الله- سبحانه وتعالى- لكن عندما نتحدث أو  نأتي على جانب مهم ألا وهو ثمرات الخوف من الله- سبحانه وتعالى- يعني تبرز هذه الآية الكريمة قوله -سبحانه وتعالى-: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن : 46]

نعم؛ أبرز ما يكون في معنى الخوف هو أن يكون الإنسان على استعداد مستمر في تحقيق طاعات الله- عز وجل- وفي النأي بنفسه عن مغاضب الله تعالى؛ فإن المؤمن إذا عمَّر قلبه بمحبة الله لن يكون أبدا مُرتَخِيًا ولا مُضيِّعا للحقوق، ولا بعيدا عن أداء الواجبات بل ستجده مبادِرا إلى كل خير حتى يا أخي الحوادث الكونية يستثمرها المؤمن في زيادة قربه من الله، تقول عائشة- رضي الله تعالى عنها-:«كان النبي rإذا تخيَّلت السماء وجاء السحاب تغيَّر لونُه، وخَرَج ودخل، وأَقْبَلَ وأَدْبَرَ، فسألته- رضي الله تعالى عنها- قالت يعني: لم هذا الخوف؟ قال: يا عائشة لعله كما قال الله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف : 24]   [صحيح البخاري:3206]من الذي يتكلم بهذا الكلام؟ إنه سيد ولد آدم، إنه أعبد الناس لربه، يقول لعائشة:«يا عائشة ما يُؤَمِّنُني أن يكون فيه عذاب، قد عُذِّب قومٌ بالريح»[أخرجه مسلم في صحيحه:899/16] الآن تنزل مصائب، وتحل بالناس كروب كألوان ويأتي من يقول: لا لا أنتم ما عليكم من العافية، ما فيكم إلا كل خير، هذا شيء كوني هذا شيء طبيعي يصير على الناس كلها.

يعني هذا التبنيج، وهذا التهوين لهذه الحوادث التي هي نُذُر، والنبي rكان ينفعل لما هو دون ذلك للسحاب الذي يرى يخاف أن يكون عارضا كما قال أولئك: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}[الأحقاف : 24] فخاف أن يكون ذاك هذا، فينبغي لمؤمن أن يكون على وعي، وتمام حذر، ودوام تذكر، واستعداد وتهيؤ وبه يحقق سعادة الدنيا، الخوف من الله أمن، الخوف من الله سعادة، الخوف من الله سكن، ليس في الخوف مع الله قلق، ليس في الخوف مع الله اضطراب، ليس في الخوف مع الله شقاء بل هو مفتاح السعادة.

طبعا عندما نتحدث أيضا عن الخوف من الله- سبحانه وتعالى- يعني كانت الكثير من القصص للسلف الصالح ممن كانوا يجتهدون في بذل العبادات والطاعات ومع ذلك كانوا يخافون أو يخشون ألا تُقبل هذه الأعمال، يعني بحثا عن المزيد ليس قنوطا من رحمة الله- سبحانه وتعالى- ربما هذه أيضا من الآثار التي تجعل الإنسان يجتهد، يعني من ثمرات الخوف التي يمكن أن تجعل الإنسان يزيد في اجتهاده في الطاعة، لو أحببتم أن تختموا اللقاء بكلمة يا شيخ خالد اتفضل!

هو يعني في المعنى هذا رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولم يحمله ذلك على ارتخاء وركون إلى الدنيا، وترك العمل الصالح بل كان rيجتهد في طاعة الله- عز وجل- ويقيم الليل حتى تتورَّم قدماه، وإن من أعظم ما يدرك به الإنسان خشية الله وخوفه أن يسأل الله خشيته بصدق بأن يقول: «اللهم إني أسألك خَشيَتَك في الغيبِ والشهادة»[دعاء النبيrتقدم تخريجه]! فإن ذلك من موجبات العطاء إضافة لما تقدم من الأسباب.

شكر الله لكم صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح أستاذ الفقه بكلية الشريعة في جامعة القصيم، والمشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم على ما تحدثتم به من حديث شيق وماتع في حديثنا هذا في حلقتنا التي خصصناها للحديث عن الخوف من الله- سبحانه وتعالى- وأثره في سلوك العبد. جعل الله ذلك في موازين أعمالكم الصالحة!

آمين! بارك الله فيك وفي الإخوة والأخوات! والسلام عليكم ورحمة الله!

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته! وأنتم لكم الشكر الجزيل مستمعينا الكرام على حسن استماعكم وتفاعلكم معنا من خلال هذه الحلقة، تقبلوا تحياتي محدثكم عبد الله الداني.

 

 

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91424 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87224 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف