×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / الفقه وأصوله / القواعد الفقهية للسعدي / الشرح الثاني / الدرس(5) من قول المؤلف"النية شرط لسائر العمل"

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

وقوله رحمه الله:"النية شرط لسائر العمل"، بعد أن ذكرنا أنواع الأعمال التي تندرج تحت قوله: شرط لسائر العمل نحتاج إلى أن نفهم ما فائدة النية في العمل؟ فائدة النية في العمل إما أن تميز العبادة عن غيرها، وإما أن تميز العقد عن غيره، والثاني أنها تميز أنواع العبادات، فالعبادات أنواع، فالذي يميز هذه العبادة عن تلك إذا استوت في الصورة والفعل هو ما يكون من النية، إذا النية لها فائدتان: تميز العبادات عن العادات، وكذلك تميز المعاملات عن سائر الأفعال العادية الثاني أنها تميز العبادات بعضها عن بعض؛ واجبها عن مستحبها، بل حتى الواجبات تميزها عن بعض اتفقت في صورتها وعملها كنية الظهر ونية العصر، فإن الذي يميز بين الظهر والعصر إذا جمع بينهما أيش الذي يميز؟ النية، لا يميز إلا النية؛ إذ إن الصورة والعمل واحد ومتفق في كلا العبادتين، فالنية تميز العبادة عن العادة، وتميز العبادات في مراتبها من الواجبات، أو في مراتبها بتمييز المسنون منها عن الواجب، وقوله- رحمه الله-: ( النية شرط لسائر العمل) بحث الفقهاء هنا في النية؛ هي نية العمل ذاته لا نية المعمول له، فالنية التي تتعلق بالعمل نوعان: نية العمل ذاته ونية المعمول له، ما تكلم عنه الفقهاء هو نية العمل لا نية المعمول له، فنية المعمول له يبحثها علماء الاعتقاد، وهي المشار إليها بقوله صلى الله عليه وسلم عندما سأله الرجل: الرجل يقاتل يبتغي الأجر والذكر ما له؟ قال: « لا شيء له» قال: الرجل يقاتل يبتغي الأجر والذكر ما له؟ قال: « لا شيء له» قال: الرجل يقاتل يبتغي الأجر والذكر- يعني يريد الأجر من الله على الجهاد، ويريد إنه يمدح، ويثنى عليه- ما له؟ إيش له؟ ماذا يرجع به من الأجر؟ قال صلى الله عليه وسلم: « لا شيء له؛ إنما يتقبل الله من العمل ما كان خالصا، وابتغي به وجهه» والحديث في مسند الإمام أحمد من حديث أبي أمامة بإسناد جيد، ونظائره أيضا ما في صحيح الإمام مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: « يقول الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه» هذه الأحاديث وأمثالها تتعلق بنية العمل أو نية المعمول له؟ نية المعمول له، وهذا ما لا يتكلم عنه الفقهاء، ولا يتطرق إليه العلماء في الفقه وقواعد الفقه. قوله- رحمه الله- شرط لسائر العمل) أي أن النية ثم قال: بها الصلاح والفساد للعمل أي أن النية هي معقد الصلاح والفساد في الأعمال، وقوله- رحمه الله-: ( بها) الباء للسببية، أي بسببها يثبت الصلاح وصفا في العمل، ويثبت الفساد وصفا في العمل، فالباء للسببية والضمير يعود إلى النية، أي أن النية التي شرطت لسائر العمل بها يثبت وصف الصلاح ووصف الفساد للعمل، والمراد بالصلاح الصحة، فالعمل لا يكون صالحا إلا إذا كان صحيحا، فإن ما لا يكون صحيحا من الأعمال لا يكون صالحا؛ ولهذا قوله- جل وعلا-: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا} [ الملك: 2] فسر عياض حسن العمل أن يكون خالصا صوابا، ومعنى الصواب أن يكون صحيحا صالحا؛ فإنه لا يكون صحيحا صالحا إلا إذا توفرت فيه شروط الصحة ومنها النية، وقوله- رحمه الله-: بها الصلاح: أي بها الصحة، والصحة في العبادات والمعاملات تختلف؛ فالصحة في العبادات هي براءة الذمة وسقوط الطلب، براءة ذمة المكلف، وسقوط الطلب عنه، هذه الصحة في العبادات، وأما الصحة في المعاملات فهي ترتب آثار العقد عليه، وكلاهما عرفه الجويني في الورقات بقوله: النفوذ والاعتداد، فقال: الصحة وهي النفوذ والاعتداد، النفوذ أي القبول، بأن يسقط الطلب، وتبرأ الذمة بالفعل، تبرأ الذمة ويسقط الطلب، وفيما يتعلق بالمعاملات النفوذ يتحقق بترتيب آثار العقد عليه، فإذا قلنا: هذا بيع صحيح كيف نرتب آثاره عليه؟ نرتب آثاره عليه بأن يملك المشتري السلعة، ويملك البائع الثمن، وهنا نكون قد حكمنا على هذا العمل بالصحة؛ لأننا رتبنا آثار العقد عليه، وفي العبادة إذا قلنا: هذه صلاة صحيحة معناه برئت ذمة المصلي، ولم نطالبه بالإعادة، فقوله: بها الصلاح أي بها الصحة التي هي النفوذ والاعتداد، والنفوذ هذا فيما يتعلق بفعل المكلف، أو ما يتعلق بالمكلف، وأما الاعتداد فهو ما يتعلق بالله- عز وجل- فالاعتداد أي القبول، وإنما يتقبل الله من العمل ما كان صالحا، أي ما كان قد توافرت فيه شروط القبول، هذا ما يتصل بقوله: بها الصلاح والفساد، قوله: الفساد ضد الصلاح، والمقصود بالفساد البطلان، ولا فرق بين الفساد والبطلان في قول عامة أهل العلم، فالفساد هو البطلان، إلا فيما فرق الحنفية بين الفساد والبطلان كما فرقوا بين الفرض والواجب؛ وهذا خلاف ما عليه جماهير الفقهاء والأصوليين من أن الفساد هو البطلان في غالب موارده، والفرض هو الواجب، هذه القاعدة تسمى في كلام العلماء إيش؟ الأمور بمقاصدها، وهي إحدى القواعد الكبرى الخمسة؛ فينبغي أن يعرف وزن هذه القاعدة، وثمت أدلة لها في الكتاب والسنة، وأجمع عليها علماء الأمة، فلسنا بحاجة إلى أن نسرد ذلك في مثل هذا الدرس؛ لأن المقصود الإشارة إلى القاعدة، وبيان منزلتها، وإبراز معناها وما يتصل بها على وجه الإجمال، والدليل الحاضر في ما يتصل بهذه القاعدة قول النبي_ صلى الله عليه وسلم- :« إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» وكذلك التي ذكرتها قبل قليل: {أيكم أحسن عملا} [ الملك: 2] وحسن العمل لا يكون إلا بأن يكون لله خالصا، وأن يكون صوابا، بعد ذلك القاعدة الثانية التي ذكرها، وأنا الحقيقة أرى أنها ليست قاعدة، بل هذا أصل، لكن هذا الأصل تتفرع عليه قواعد، وإلا هي في الأصل ليست قاعدة، بل هي أصل وأساس يبنى عليه التشريع؛ وهي قاعدة المصلحة والمفسدة، أو أصل المصلحة والمفسدة، قوله- رحمه الله- في هذه القاعدة قال: الدين مبني على المصالح في جلبها والدرء للمفاسد هذه نعم؟ نعم والدرء للقبائح، هذه القاعدة التي ذكرها المصنف- رحمه الله- هذا هو الأصل الذي ترجع إليه بقية القواعد التي ذكرها، قال- رحمه الله-: الدين مبني على المصالح، الدين يطلق في اللغة ويراد به الجزاء، ويطلق ويراد به العمل. إذا هذا الأصل فيما ذكره في هذا البيت مثل ما ذكرت هذا يمثل أصلا تتفرع عليه قواعد، ومما يتفرع عليه ما يتعلق بالموازنة بين المصالح والمفاسد؛ وسنأتي عليه بعد قليل. الدين مبني على المصالح، الدين هنا بمعنى العمل، والمقصود بالعمل هنا العمل العبادي، وليس العمل مطلقا، الآن في البيت السابق ذكر العمل، وما يشترط لصحته، في هذا ذكر العمل على أي أساس يقوم وعلى أي أصل يبنى، الدين مبني على المصالح، جميع ما فيه تراعى فيه المصلحة، وهذا يفوق أن يكون قاعدة- كما كررت وذكرت- إنما ذكره المصنف- رحمه الله- لذكر ما يتفرع عليه من القواعد المتعلقة بالمصلحة والمفسدة والموازنة بينهما، الدين مبني على المصالح، أي أن بناءه على المصالح، والمقصود بالبناء على المصالح أي أن الشريعة جميعها في كل تفاريعها وتفاصيلها مبنية على تحقيق المصلحة، وعلى جلبها، فالشريعة جاءت بأصل وهو إيجاد المصلحة في حال عدم وجودها، وأصل آخر: تكثير المصلحة في حال وجودها، فقوله: الدين مبني على المصالح: طريقة الشريعة في المصالح الإيجاد فيما لم يوجد، والتكثير في إيش؟ فيما وجد، إن وجدت المصلحة فيكثرها، إن لم تكن موجودة فيوجدها، فقوله- رحمه الله- الدين مبني على المصالح أي أن الدين الحنيف الذي بعث الله- عز وجل- محمد بن عبد الله- صلوات الله وسلامه عليه- مبني على هذا الأصل وهو جلب المصالح، وجلب المصالح إيجادا في المعدوم، وتكثيرا في الموجود، هذا فيما يتعلق بالمصالح، وأما فيما يتعلق بالشق الثاني وهو ما يقابلها: المفاسد وهي القبا التي عبر عنها هنا بالقبائح، وإنما عدل عن المفاسد إلى القبائح حتى يستقيم النظم؛ لأنه قال في الشطر الأول: الدين مبني على المصالح، فخاتمته حاء، والرجز لابد فيه من موافقة الشطر الأول للشطر الثاني في القافية؛ فلذلك قال: والدرء للدرء للقبائح، والمقصود بالقبائح جمع قبيحة؛ وهي المفاسد؛ لأن المفاسد قبائح يقبح فعلها، وتقبح حال من تورط فيها ووقع فيها، فالمقصود بالقبائح هنا أي المفاسد، والمفاسد ضد المصالح وهو ما لا خير فيه، أو ما ترتب عيله فساد وشر، فالمفاسد شر في ذاتها، أو شر في عواقبها ونتائجها، وكما أن الشريعة في جلب المصالح كانت على مرتبتين: إيجاد في المعدوم، وتكثيرا في الموجود؛ فكذلك في القبائح هي على مرتبتين: إعداما للموجود، فإن لم يمكن الإعدام فالتقليل، فتخفيفا لما لا يمكن إعدامه، فطريقة الشريعة في المفاسد الإعدام إن أمكن، فإن لم يمكن فالتخفيف، وهذا معنى ما ذكره المصنف- رحمه الله- هنا في قوله: والدرء للقبائح، والمقصود بالدرء الدفع، وهذا يدل على أن المصالح والمفاسد تحتاج إلى عمل، فلا تأتي بلا عمل، ففي المصالح التحصيل، وفي المفاسد الدرء، الدين مبني على المصالح في جلبها- وهو الفعل- والدرء للقبائح، وهو فعل، فالمصالح والمفاسد لا تحصل إلا بعمل وجهد من العامل، هذا يختص في جانب من جوانب الحياة؟ أم أنه في كل شأن الإنسان؟ وفي كل ما يتعلق بنواحي حياته؟ الشريعة جاءت بتحصيل المصالح في كل نواحي حياة الإنسان، وفي كل نواحي حياة الإنسان سعت إلى دفع المفاسد ودرئها؛ فليس ذلك في جانب من الجوانب، فكل الشرائع هي مما تحصل به المصالح، وكل المناهي والمحرمات هي مما يدرأ بها المفاسد، ولا يعني هذا أن تكون مفاسد خالصة ومصالح خالصة، قد تكون مشوبة، وإذا كانت مصالح خالصة ومفاسد خالصة تبين المفسد من المصلح، وتبين الخير من الشر، وأمكن للإنسان أن يحصل الخير، ويدفع الشر، لكن ثمت أحوال يجري فيها اشتباه وتزاحم، وأحوال يكون فيها الخير على مراتب، المصالح على مراتب، والمفاسد على مراتب؛ ولذلك من أدق القواعد والأصول إعمالا هو قاعدة المفاسد درءا، والمصالح جلبا؛ فإنها في الخير الواضح، والشر الواضح ما يلتبس على كثير من الناس، إنما يقع الالتباس عند التزاحم بين المصالح والمفاسد، وعند تزاحم المصالح في حال عدم تحصليها كلها، وكذلك عند تزاحم المفاسد في حال عدم إمكان درئها كلها، أما إذا كان يمكن جلب المصالح كلها، أو درءها كلها، أو تتمحض المصلحة عن المفسدة فبتبين بذلك الخير من الشر لا نحتاج إلى عناء طويل في جلب المصلحة ودفع المفسدة ودرءها، يقول- رحمه الله- في هذه القاعدة بعد أن قرر الأصل، طبعا دليل هذه القاعدة لا يقتصر على دليل واحد، كل أدلة الشريعة، كل أحكام الشريعة تدل على هذا المعنى؛ ولذلك من البخس أن يذكر دليل واحد لهذه القاعدة التي هي أصل لا يخلو منها تشريع، ليس ثمت تشريع يخلو من مصلحة، وليس ثمت تشريع يخلو من درء مفسدة، سواء أكان أمرا، أو نهيا؛ فلذلك هذا الأصل مجمع عليه، ومتفق عليه، يحيط به الإنسان بمعرفة تفاصيل الشريعة، وكل حكم من أحكام الشريعة يدل عليه، يقول المصنف- رحمه الله-: فإذا نعم، فإن تزاحم عدد المصالح         يقدم الأعلى من المصالح وضده تزاحم المفاسد           يرتكب الأدنى من المفاسد قاعدة الشريعة.. طيب طيب؛ هذان البيتان  حقيقتهما هو بيان ما ذكرت من أن الإشكال في هذه القاعدة هو عند التزاحم، يقول: فإن تزاحم عدد المصالح   يقدم الأعلى من المصالح، ليس الفقه في أن تعرف الخير من الشر؛ إنما الفقه في أن تعرف خير الخيرين، وشر الشرين، هذا هو الفقه الحقيقي، وهو ما يشير إليه هنا في قوله: فإن تزاحم عدد المصالح، عندنا عدد من المصالح، فيما إذا كانت المصالح متعددة إن استطعنا تحصيلها جميعا فما المطلوب؟ تحصيل الجميع، لا نفوت شيئا من المصالح، لكن عندما تكون هذه المصالح لا يمكن الإتيان بها جميعا وهو ما يشير إليه قوله: فإن تزاحم عدد المصالح، تزاحم عدد المصالح، ما عندنا إمكان أن نأتي بالجميع إنما التزاحم، والتزاحم يقتضي التدافع، والتشاح في حصول المطلوب، فلا يمكن أن نحصل شيئا إلا بتفويت شيء وكلها مصالح، وكلها مطلوبة، وكلها مرغوبة، لكن لا سبيل إلى جمعها، هنا يقول: فإن تزاحم المصالح يقدم  الأعلى من المصالح، الأعلى أي الأكثر مصلحة، هذا معنى الأعلى؛ لأن الأعلى هنا منوط بماذا يا إخوان؟ منوط بوصف وهو المصلحة، وما أنيط بوصف فإن مقياس ومعيار الموازنة في الوصف الذي أنيط به، وهو في هذا الحال المصلحة ، عندنا مصلحتان أيهما أعلى؟ أي أيهما أكثر مصلحة، هذا معنى أعلى، أيهما يتحقق به نفع أعظم؟ فعندما يتبين لك ما نفعه أعظم وجب أخذ الأعلى، ولا يجوز في هذه الحال الأخذ بالأدنى، بل الأدنى يكون مرجوحا لا يصار إليه، والأخذ به غلط، بل الواجب الأخذ بالأعلى من المصلحتين لماذا؟ لأن الأخذ بالأدنى قصور عما شرع الله من الأخذ بالكمال، وهذا خلاف ما جاءت به الشريعة من الندب إلى السمو، نحن نعرف هذا من قولنا في صلاتنا:{ اهدنا الصراط المستقيم} [ الفاتحة: 6] فإننا في كل صلاة في كل ركعة نقول: { اهدنا الصراط المستقيم}نلح على الله بالدعاء، لكن أكثرنا لا يستشعر هذا المعنى، كثير منا يقول هذا قراءة دون وعي لمعناه، معنى{ اهدنا الصراط المستقيم} عندك هدايات، فأنت ترتقي من هداية إلى هداية، وتطلب دائما الأعلى من الهدايات، ووراء كل هداية هداية، فقولك: { اهدنا الصراط المستقيم}تقول: أنا الحمد لله مهتدي؛ الحين أصلي، و و و...وويعدد بعض الناس صالح عمله، نقول: فوق هذه الهداية هداية؛ ولذلك شرع لك طلبها، فالشريعة جاءت بطلب السمو، والعلو في كل فضيلة، وفي كل خير، فليس من العدل، ولا من العقل أن يقتصر الإنسان على الأدنى ويفوت الأعلى؛ ولهذا يقول عند التزاحم: فإن تزاحم أي تدافع عدد المصالح فلا يدرك إلا أحدها: عند ذلك يطلب الأعلى من المصالح، يطلب السامي منها، ثم بعد ذلك قال في المقابل: وإن تزاحم عدد المفاسد، ما؟ وضده تزاحم المفاسد يقدم الأدنى من المفاسد، فضد المفاسد؛ لأن المفاسد يقدم فيها إيش؟ الأعلى، المصالح يقدم فيها الأعلى تحصيلا، والمفاسد يقدم فيها الأدنى فعلا، يعني إذا كان ثمت مفسدتان لا سبيل لدفع المفاسد كلها إنما لابد أن تقع في مفسدة من هذه المفاسد، في هذه الحال الأخذ بالأدنى هو المتعين، فإذا أكرهت مثلا وأجبرت على قتل أحد أو على جلده، هاتان مفسدتان وأكرهت عليهما فماذا تفعل؟ الجلد، تأخذ الأدنى باليقين، ولا ريب في هذا الشوكاني- رحمه الله- في بعض كتبه فيما يتعلق بمسألة الموازنة في العمل عند الظالم إذا أجبرك على فعل مظلمتين فإنك تقدم الأدنى منهما، ونحتاج هذه القاعدة، هذه القواعد في شئون كثيره من حياتنا اليوم، كثير من حياتنا اليوم هي مصالح لا يمكن الإتيان بالأعلى؛ لا يمكن الجمع بينها، إنما تحتاج إلى أن توازن بين المصالح لتفعله، وتحتاج أن توازن بين المفاسد لتجتنب الأعلى وتأخذ بالأدنى؛ فلذلك هذه القاعدة من أنفع القواعد لمن وفق إليها، لكن التوفيق في هذا ليس فقط بالنظر إلى ذات الشيء، إنما هو الفرقان يمنحه الله تعالى العبد عندما يلبس أجمل لباس وهو التقوى، { ولباس التقوى ذلك خير} [ الأعراف: 26] قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا} [ الأنفال: 29] أي نورا تفرقون به بين الهدى والضلال، ليس فقط بين الهدى والضلال، بل بين الهدايات في مراتبها، فتأخذون الأعلى، وبين الضلالات في منازلها فإذا اضطررتم ارتكبتم الأدنى؛ ولذلك أشار المصنف إلى هذا المعنى في قوله: وضده تزاحم المفاسد   يرتكب الأدنى من المفاسد ثم بعد هذا ذكر المصنف- رحمه الله- قاعدة التيسير قاعدة الشريعة التيسير   في كل أمر نابه تعسير، هذه القاعدة هي من القواعد الكبرى، فالآن عندنا قاعدتان كبريان: القاعدة الأولى: الأمور بمقاصدها، وتقدمت القاعدة الثانية: لا؛ قاعدة كبرى؛ قاعدة التيسير، القاعدة قاعدة التيسير اللي هي قاعدة المشقة تجلب التيسير، والتعبير بقاعدة المشقة تجلب التيسير هو نوع من فروع تلك القاعدة؛ قاعدة اليسر في الشريعة؛ لأن اليسر في الشريعة أوسع من أنه في مواطن المشقة، الفقهاء عندما يقولون: من القواعد الخمسة: المشقة تجلب التيسير يتناولون جانبا من قاعدة كبرى، وهي في الحقيقة أصل من أصول الشريعة، وليست قاعدة، بل هي أصل من أصول الشريعة، لكن هذا الأصل يتصل بقاعدة المشقة تجلب التيسير؛ يتصل به المشقة تجلب التيسير، فقوله- رحمه الله- عندكم النظم ويش يقول؟ عندكم نظم أنتم؟ قاعدة الشريعة التيسير في كل أمر نابه تعسير، أنت قرأتها كيف اللي عندك؟ لا، لأ، اللي عندي فيما أحفظه: ومن قواعد الشريعة التيسير في كل أمر نابه تعسير، وهذه هي في هذا النظم، وهذا من المواطن التي يعني قد يكون فيها اختلال؛ ولذلك جرى تعديلها في بعض النسخ، من قواعد الشريعة التيسير، من قواعد الشريعة أي من أصولها، لكن هنا أشار إلى قاعدة المشقة تجلب التيسير في قوله: في كل أمر نابه تعسير، عندنا في هذه القاعدة أمران: الأمر الأول: الأصل، والأمر الثاني: القاعدة، الأصل أن الشريعة بناؤها على اليسر، دليل ذلك قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: « إن الدين يسر» كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- وقد وصف الله تعالى هذا الشرع بذلك فقال: { وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج: 78] وقال- جل وعلا-: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [ البقرة: 185] وقال- سبحانه وتعالى-: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} [ القمر: 17] من يبرز وجه الدلالة في الآية نحن في كثير من الأحيان نذكر الأدلة لكن ما نعرف كيف نستدل بها، يعني لا نعرف أين الدليل، أن ذكرت الآن آية وهي قوله: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} [ القمر: 17] فأين وجه الدلالة في هذه الآية على أن الأصل في الدين اليسر؟ من يجيب؟ نعم! اقرأ يا أخي، إيوه، طيب غير الكلام هذا، نعم؟ لكن يعني يسر القراءة ما علاقته بيسر الشريعة؟ نحن نبحث عن دلالة الآية على يسر الشريعة، لا على يسر التلاوة، نعم يا أخي! هذا في حفظه، هو ذكر التلاوة وأنت ذكرت الحفظ، نحن نقصد شيئا آخر، نعم؛ اليسر المذكور في القرآن هو يسر تلاوته، ويسر حفظه، ويسر فهمه،كور في القرآن هو يسر تلاوته، ويسر حفظه، ويسر فهمه، ويسر العمل به، وهذا وجه الدلالة في الآية؛ ولذلك يا إخواني أن توا أقول: حنا يعني لو لم نقف عند وجه الدلالة في الآية هذه لكان سجلت وذكرت في سياق الآيات التي تدل على يسر الشريعة، لكن لو بيجيك واحد يقول: وقف يا أخي! أين الدليل في الآية؟ قد لا تجيب، وهذا الواقع أنه كثيرا منا لا يجيب، لماذا؟ لأن عنايتنا بإيش؟ اهتمامنا في كثير من المواطن هو في حفظ الدليل لا في فهمه، والشأن كل الشأن في أنت تفهم كيف دل الحديث أو الآية على الحكم الذي سقتها في الاستدلال له، وهذا من الفقه الذي إذا فتح الله تعالى قلب العبد عليه انفتح له باب من العلم عظيم، فلنحرص على الفهم! وإذا سيقت أدلة لا تحفظها بس وتجيبها هكذا تهذها هذا كهذ الشعر؛ كما قال ابن مسعود: " أهذا كهذ الشعر، ونثرا كنثر الدقل" قف عند المعاني! واطلب وين وجه الدلالة في الآية، ولا يمنع إنك تقول لشيخك، أو مدرسك: يا شيخ ما اتضح لي وجه الدلالة، أين وجه الدلالة في هذا الموضوع؟ هنا العلم، هنا ينفتح لك باب الفهم، وتدرك ما لا يدركه غيرك، ويعني مسألة مهمة للغاية في طريق التعلم وهي فهم الدلالات في النصوص على المسائل والأحكام، إذا؛ هذا من الدلائل على هذه المسألة وهي يسر الشريعة، أن الشريعة يسر، من فروع هذه القاعدة ما يتعلق بما ذكره من قاعدة المشقة تجلب التيسير، وأنا أعتذر إليكم لأني مضطر إلى المسير الآن، ونكمل- إن شاء الله تعالى- درس غد بإذن الله تعالى، الدرس في غد.

المشاهدات:6154

وقوله رحمه الله:"النية شرط لسائر العمل"، بعد أن ذكرنا أنواع الأعمال التي تندرج تحت قوله: شرط لسائر العمل نحتاج إلى أن نفهم ما فائدة النية في العمل؟ فائدة النية في العمل إما أن تميز العبادة عن غيرها، وإما أن تميز العقد عن غيره، والثاني أنها تميز أنواع العبادات، فالعبادات أنواع، فالذي يميز هذه العبادة عن تلك إذا استوت في الصورة والفعل هو ما يكون من النية، إذا النية لها فائدتان:
تميز العبادات عن العادات، وكذلك تميز المعاملات عن سائر الأفعال العادية
الثاني أنها تميز العبادات بعضها عن بعض؛ واجبها عن مستحبها، بل حتى الواجبات تميزها عن بعض اتفقت في صورتها وعملها كنية الظهر ونية العصر، فإن الذي يميز بين الظهر والعصر إذا جمع بينهما أيش الذي يميز؟ النية، لا يميز إلا النية؛ إذ إن الصورة والعمل واحد ومتفق في كلا العبادتين، فالنية تميز العبادة عن العادة، وتميز العبادات في مراتبها من الواجبات، أو في مراتبها بتمييز المسنون منها عن الواجب، وقوله- رحمه الله-: ( النية شرط لسائر العمل) بحث الفقهاء هنا في النية؛ هي نية العمل ذاته لا نية المعمول له، فالنية التي تتعلق بالعمل نوعان:
نية العمل ذاته
ونية المعمول له، ما تكلم عنه الفقهاء هو نية العمل لا نية المعمول له، فنية المعمول له يبحثها علماء الاعتقاد، وهي المشار إليها بقوله صلى الله عليه وسلم عندما سأله الرجل: الرجل يقاتل يبتغي الأجر والذكر ما له؟ قال: « لا شيء له» قال: الرجل يقاتل يبتغي الأجر والذكر ما له؟ قال: « لا شيء له» قال: الرجل يقاتل يبتغي الأجر والذكر- يعني يريد الأجر من الله على الجهاد، ويريد إنه يمدح، ويثنى عليه- ما له؟ إيش له؟ ماذا يرجع به من الأجر؟ قال صلى الله عليه وسلم: « لا شيء له؛ إنما يتقبل الله من العمل ما كان خالصا، وابتغي به وجهه» والحديث في مسند الإمام أحمد من حديث أبي أمامة بإسناد جيد، ونظائره أيضا ما في صحيح الإمام مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: « يقول الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه» هذه الأحاديث وأمثالها تتعلق بنية العمل أو نية المعمول له؟ نية المعمول له، وهذا ما لا يتكلم عنه الفقهاء، ولا يتطرق إليه العلماء في الفقه وقواعد الفقه.
قوله- رحمه الله- شرط لسائر العمل) أي أن النية ثم قال: بها الصلاح والفساد للعمل أي أن النية هي معقد الصلاح والفساد في الأعمال، وقوله- رحمه الله-: ( بها) الباء للسببية، أي بسببها يثبت الصلاح وصفا في العمل، ويثبت الفساد وصفا في العمل، فالباء للسببية والضمير يعود إلى النية، أي أن النية التي شرطت لسائر العمل بها يثبت وصف الصلاح ووصف الفساد للعمل، والمراد بالصلاح الصحة، فالعمل لا يكون صالحا إلا إذا كان صحيحا، فإن ما لا يكون صحيحا من الأعمال لا يكون صالحا؛ ولهذا قوله- جل وعلا-: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [ الملك: 2] فسر عياض حسن العمل أن يكون خالصا صوابا، ومعنى الصواب أن يكون صحيحا صالحا؛ فإنه لا يكون صحيحا صالحا إلا إذا توفرت فيه شروط الصحة ومنها النية، وقوله- رحمه الله-: بها الصلاح: أي بها الصحة، والصحة في العبادات والمعاملات تختلف؛ فالصحة في العبادات هي براءة الذمة وسقوط الطلب، براءة ذمة المكلف، وسقوط الطلب عنه، هذه الصحة في العبادات، وأما الصحة في المعاملات فهي ترتب آثار العقد عليه، وكلاهما عرفه الجويني في الورقات بقوله: النفوذ والاعتداد، فقال: الصحة وهي النفوذ والاعتداد، النفوذ أي القبول، بأن يسقط الطلب، وتبرأ الذمة بالفعل، تبرأ الذمة ويسقط الطلب، وفيما يتعلق بالمعاملات النفوذ يتحقق بترتيب آثار العقد عليه، فإذا قلنا: هذا بيع صحيح كيف نرتب آثاره عليه؟ نرتب آثاره عليه بأن يملك المشتري السلعة، ويملك البائع الثمن، وهنا نكون قد حكمنا على هذا العمل بالصحة؛ لأننا رتبنا آثار العقد عليه، وفي العبادة إذا قلنا: هذه صلاة صحيحة معناه برئت ذمة المصلي، ولم نطالبه بالإعادة، فقوله: بها الصلاح أي بها الصحة التي هي النفوذ والاعتداد، والنفوذ هذا فيما يتعلق بفعل المكلف، أو ما يتعلق بالمكلف، وأما الاعتداد فهو ما يتعلق بالله- عز وجل- فالاعتداد أي القبول، وإنما يتقبل الله من العمل ما كان صالحا، أي ما كان قد توافرت فيه شروط القبول، هذا ما يتصل بقوله: بها الصلاح والفساد، قوله: الفساد ضد الصلاح، والمقصود بالفساد البطلان، ولا فرق بين الفساد والبطلان في قول عامة أهل العلم، فالفساد هو البطلان، إلا فيما فرق الحنفية بين الفساد والبطلان كما فرقوا بين الفرض والواجب؛ وهذا خلاف ما عليه جماهير الفقهاء والأصوليين من أن الفساد هو البطلان في غالب موارده، والفرض هو الواجب، هذه القاعدة تسمى في كلام العلماء إيش؟ الأمور بمقاصدها، وهي إحدى القواعد الكبرى الخمسة؛ فينبغي أن يعرف وزن هذه القاعدة، وثمت أدلة لها في الكتاب والسنة، وأجمع عليها علماء الأمة، فلسنا بحاجة إلى أن نسرد ذلك في مثل هذا الدرس؛ لأن المقصود الإشارة إلى القاعدة، وبيان منزلتها، وإبراز معناها وما يتصل بها على وجه الإجمال، والدليل الحاضر في ما يتصل بهذه القاعدة قول النبي_ صلى الله عليه وسلم- :« إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» وكذلك التي ذكرتها قبل قليل: {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [ الملك: 2] وحسن العمل لا يكون إلا بأن يكون لله خالصا، وأن يكون صوابا، بعد ذلك القاعدة الثانية التي ذكرها، وأنا الحقيقة أرى أنها ليست قاعدة، بل هذا أصل، لكن هذا الأصل تتفرع عليه قواعد، وإلا هي في الأصل ليست قاعدة، بل هي أصل وأساس يبنى عليه التشريع؛ وهي قاعدة المصلحة والمفسدة، أو أصل المصلحة والمفسدة، قوله- رحمه الله- في هذه القاعدة قال:
الدين مبني على المصالح في جلبها والدرء للمفاسد
هذه نعم؟ نعم والدرء للقبائح، هذه القاعدة التي ذكرها المصنف- رحمه الله- هذا هو الأصل الذي ترجع إليه بقية القواعد التي ذكرها، قال- رحمه الله-: الدين مبني على المصالح، الدين يطلق في اللغة ويراد به الجزاء، ويطلق ويراد به العمل.
إذًا هذا الأصل فيما ذكره في هذا البيت مثل ما ذكرت هذا يمثل أصلا تتفرع عليه قواعد، ومما يتفرع عليه ما يتعلق بالموازنة بين المصالح والمفاسد؛ وسنأتي عليه بعد قليل.
الدين مبني على المصالح، الدين هنا بمعنى العمل، والمقصود بالعمل هنا العمل العبادي، وليس العمل مطلقا، الآن في البيت السابق ذكر العمل، وما يشترط لصحته، في هذا ذكر العمل على أي أساس يقوم وعلى أي أصل يبنى، الدين مبني على المصالح، جميع ما فيه تراعى فيه المصلحة، وهذا يفوق أن يكون قاعدة- كما كررت وذكرت- إنما ذكره المصنف- رحمه الله- لذكر ما يتفرع عليه من القواعد المتعلقة بالمصلحة والمفسدة والموازنة بينهما، الدين مبني على المصالح، أي أن بناءه على المصالح، والمقصود بالبناء على المصالح أي أن الشريعة جميعها في كل تفاريعها وتفاصيلها مبنية على تحقيق المصلحة، وعلى جلبها، فالشريعة جاءت بأصل وهو إيجاد المصلحة في حال عدم وجودها، وأصل آخر: تكثير المصلحة في حال وجودها، فقوله: الدين مبني على المصالح: طريقة الشريعة في المصالح الإيجاد فيما لم يوجد، والتكثير في إيش؟ فيما وجد، إن وجدت المصلحة فيكثرها، إن لم تكن موجودة فيوجدها، فقوله- رحمه الله- الدين مبني على المصالح أي أن الدين الحنيف الذي بعث الله- عز وجل- محمد بن عبد الله- صلوات الله وسلامه عليه- مبني على هذا الأصل وهو جلب المصالح، وجلب المصالح إيجادا في المعدوم، وتكثيرا في الموجود، هذا فيما يتعلق بالمصالح، وأما فيما يتعلق بالشق الثاني وهو ما يقابلها: المفاسد وهي القبا التي عبر عنها هنا بالقبائح، وإنما عدل عن المفاسد إلى القبائح حتى يستقيم النظم؛ لأنه قال في الشطر الأول: الدين مبني على المصالح، فخاتمته حاء، والرجز لابد فيه من موافقة الشطر الأول للشطر الثاني في القافية؛ فلذلك قال: والدرء للدرء للقبائح، والمقصود بالقبائح جمع قبيحة؛ وهي المفاسد؛ لأن المفاسد قبائح يقبح فعلها، وتقبح حال من تورط فيها ووقع فيها، فالمقصود بالقبائح هنا أي المفاسد، والمفاسد ضد المصالح وهو ما لا خير فيه، أو ما ترتب عيله فساد وشر، فالمفاسد شر في ذاتها، أو شر في عواقبها ونتائجها، وكما أن الشريعة في جلب المصالح كانت على مرتبتين: إيجاد في المعدوم، وتكثيرا في الموجود؛ فكذلك في القبائح هي على مرتبتين: إعداما للموجود، فإن لم يمكن الإعدام فالتقليل، فتخفيفا لما لا يمكن إعدامه، فطريقة الشريعة في المفاسد الإعدام إن أمكن، فإن لم يمكن فالتخفيف، وهذا معنى ما ذكره المصنف- رحمه الله- هنا في قوله: والدرء للقبائح، والمقصود بالدرء الدفع، وهذا يدل على أن المصالح والمفاسد تحتاج إلى عمل، فلا تأتي بلا عمل، ففي المصالح التحصيل، وفي المفاسد الدرء، الدين مبني على المصالح في جلبها- وهو الفعل- والدرء للقبائح، وهو فعل، فالمصالح والمفاسد لا تحصل إلا بعمل وجهد من العامل، هذا يختص في جانب من جوانب الحياة؟ أم أنه في كل شأن الإنسان؟ وفي كل ما يتعلق بنواحي حياته؟ الشريعة جاءت بتحصيل المصالح في كل نواحي حياة الإنسان، وفي كل نواحي حياة الإنسان سعت إلى دفع المفاسد ودرئها؛ فليس ذلك في جانب من الجوانب، فكل الشرائع هي مما تحصل به المصالح، وكل المناهي والمحرمات هي مما يدرأ بها المفاسد، ولا يعني هذا أن تكون مفاسد خالصة ومصالح خالصة، قد تكون مشوبة، وإذا كانت مصالح خالصة ومفاسد خالصة تبين المفسد من المصلح، وتبين الخير من الشر، وأمكن للإنسان أن يحصل الخير، ويدفع الشر، لكن ثمت أحوال يجري فيها اشتباه وتزاحم، وأحوال يكون فيها الخير على مراتب، المصالح على مراتب، والمفاسد على مراتب؛ ولذلك من أدق القواعد والأصول إعمالًا هو قاعدة المفاسد درءًا، والمصالح جلبًا؛ فإنها في الخير الواضح، والشر الواضح ما يلتبس على كثير من الناس، إنما يقع الالتباس عند التزاحم بين المصالح والمفاسد، وعند تزاحم المصالح في حال عدم تحصليها كلها، وكذلك عند تزاحم المفاسد في حال عدم إمكان درئها كلها، أما إذا كان يمكن جلب المصالح كلها، أو درءها كلها، أو تتمحض المصلحة عن المفسدة فبتبين بذلك الخير من الشر لا نحتاج إلى عناء طويل في جلب المصلحة ودفع المفسدة ودرءها، يقول- رحمه الله- في هذه القاعدة بعد أن قرر الأصل، طبعا دليل هذه القاعدة لا يقتصر على دليل واحد، كل أدلة الشريعة، كل أحكام الشريعة تدل على هذا المعنى؛ ولذلك من البخس أن يذكر دليل واحد لهذه القاعدة التي هي أصل لا يخلو منها تشريع، ليس ثمت تشريع يخلو من مصلحة، وليس ثمت تشريع يخلو من درء مفسدة، سواء أكان أمرا، أو نهيا؛ فلذلك هذا الأصل مجمع عليه، ومتفق عليه، يحيط به الإنسان بمعرفة تفاصيل الشريعة، وكل حكم من أحكام الشريعة يدل عليه، يقول المصنف- رحمه الله-: فإذا نعم،
فإن تزاحم عدد المصالح         يقدم الأعلى من المصالح
وضده تزاحم المفاسد           يرتكب الأدنى من المفاسد
قاعدة الشريعة.. طيب طيب؛ هذان البيتان  حقيقتهما هو بيان ما ذكرت من أن الإشكال في هذه القاعدة هو عند التزاحم، يقول: فإن تزاحم عدد المصالح   يقدم الأعلى من المصالح، ليس الفقه في أن تعرف الخير من الشر؛ إنما الفقه في أن تعرف خير الخيرين، وشر الشرين، هذا هو الفقه الحقيقي، وهو ما يشير إليه هنا في قوله: فإن تزاحم عدد المصالح، عندنا عدد من المصالح، فيما إذا كانت المصالح متعددة إن استطعنا تحصيلها جميعا فما المطلوب؟ تحصيل الجميع، لا نفوت شيئا من المصالح، لكن عندما تكون هذه المصالح لا يمكن الإتيان بها جميعا وهو ما يشير إليه قوله: فإن تزاحم عدد المصالح، تزاحم عدد المصالح، ما عندنا إمكان أن نأتي بالجميع إنما التزاحم، والتزاحم يقتضي التدافع، والتشاح في حصول المطلوب، فلا يمكن أن نحصل شيئا إلا بتفويت شيء وكلها مصالح، وكلها مطلوبة، وكلها مرغوبة، لكن لا سبيل إلى جمعها، هنا يقول: فإن تزاحم المصالح يقدم  الأعلى من المصالح، الأعلى أي الأكثر مصلحة، هذا معنى الأعلى؛ لأن الأعلى هنا منوط بماذا يا إخوان؟ منوط بوصف وهو المصلحة، وما أنيط بوصف فإن مقياس ومعيار الموازنة في الوصف الذي أنيط به، وهو في هذا الحال المصلحة ، عندنا مصلحتان أيهما أعلى؟ أي أيهما أكثر مصلحة، هذا معنى أعلى، أيهما يتحقق به نفع أعظم؟ فعندما يتبين لك ما نفعه أعظم وجب أخذ الأعلى، ولا يجوز في هذه الحال الأخذ بالأدنى، بل الأدنى يكون مرجوحا لا يصار إليه، والأخذ به غلط، بل الواجب الأخذ بالأعلى من المصلحتين لماذا؟ لأن الأخذ بالأدنى قصور عما شرع الله من الأخذ بالكمال، وهذا خلاف ما جاءت به الشريعة من الندب إلى السمو، نحن نعرف هذا من قولنا في صلاتنا:{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [ الفاتحة: 6] فإننا في كل صلاة في كل ركعة نقول: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}نلح على الله بالدعاء، لكن أكثرنا لا يستشعر هذا المعنى، كثير منا يقول هذا قراءة دون وعي لمعناه، معنى{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} عندك هدايات، فأنت ترتقي من هداية إلى هداية، وتطلب دائما الأعلى من الهدايات، ووراء كل هداية هداية، فقولك: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}تقول: أنا الحمد لله مهتدي؛ الحين أصلي، و و و...وويعدد بعض الناس صالح عمله، نقول: فوق هذه الهداية هداية؛ ولذلك شرع لك طلبها، فالشريعة جاءت بطلب السمو، والعلو في كل فضيلة، وفي كل خير، فليس من العدل، ولا من العقل أن يقتصر الإنسان على الأدنى ويفوت الأعلى؛ ولهذا يقول عند التزاحم: فإن تزاحم أي تدافع عدد المصالح فلا يدرك إلا أحدها: عند ذلك يطلب الأعلى من المصالح، يطلب السامي منها، ثم بعد ذلك قال في المقابل: وإن تزاحم عدد المفاسد، ما؟ وضده تزاحم المفاسد يقدم الأدنى من المفاسد، فضد المفاسد؛ لأن المفاسد يقدم فيها إيش؟ الأعلى، المصالح يقدم فيها الأعلى تحصيلا، والمفاسد يقدم فيها الأدنى فعلا، يعني إذا كان ثمت مفسدتان لا سبيل لدفع المفاسد كلها إنما لابد أن تقع في مفسدة من هذه المفاسد، في هذه الحال الأخذ بالأدنى هو المتعين، فإذا أكرهت مثلا وأجبرت على قتل أحد أو على جلده، هاتان مفسدتان وأكرهت عليهما فماذا تفعل؟ الجلد، تأخذ الأدنى باليقين، ولا ريب في هذا الشوكاني- رحمه الله- في بعض كتبه فيما يتعلق بمسألة الموازنة في العمل عند الظالم إذا أجبرك على فعل مظلمتين فإنك تقدم الأدنى منهما، ونحتاج هذه القاعدة، هذه القواعد في شئون كثيره من حياتنا اليوم، كثير من حياتنا اليوم هي مصالح لا يمكن الإتيان بالأعلى؛ لا يمكن الجمع بينها، إنما تحتاج إلى أن توازن بين المصالح لتفعله، وتحتاج أن توازن بين المفاسد لتجتنب الأعلى وتأخذ بالأدنى؛ فلذلك هذه القاعدة من أنفع القواعد لمن وفق إليها، لكن التوفيق في هذا ليس فقط بالنظر إلى ذات الشيء، إنما هو الفرقان يمنحه الله تعالى العبد عندما يلبس أجمل لباس وهو التقوى، { وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [ الأعراف: 26] قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [ الأنفال: 29] أي نورا تفرقون به بين الهدى والضلال، ليس فقط بين الهدى والضلال، بل بين الهدايات في مراتبها، فتأخذون الأعلى، وبين الضلالات في منازلها فإذا اضطررتم ارتكبتم الأدنى؛ ولذلك أشار المصنف إلى هذا المعنى في قوله: وضده تزاحم المفاسد   يرتكب الأدنى من المفاسد ثم بعد هذا ذكر المصنف- رحمه الله- قاعدة التيسير
قاعدة الشريعة التيسير   في كل أمر نابه تعسير، هذه القاعدة هي من القواعد الكبرى، فالآن عندنا قاعدتان كبريان: القاعدة الأولى: الأمور بمقاصدها، وتقدمت
القاعدة الثانية: لا؛ قاعدة كبرى؛ قاعدة التيسير، القاعدة قاعدة التيسير اللي هي قاعدة المشقة تجلب التيسير، والتعبير بقاعدة المشقة تجلب التيسير هو نوع من فروع تلك القاعدة؛ قاعدة اليسر في الشريعة؛ لأن اليسر في الشريعة أوسع من أنه في مواطن المشقة، الفقهاء عندما يقولون: من القواعد الخمسة: المشقة تجلب التيسير يتناولون جانبا من قاعدة كبرى، وهي في الحقيقة أصل من أصول الشريعة، وليست قاعدة، بل هي أصل من أصول الشريعة، لكن هذا الأصل يتصل بقاعدة المشقة تجلب التيسير؛ يتصل به المشقة تجلب التيسير، فقوله- رحمه الله- عندكم النظم ويش يقول؟ عندكم نظم أنتم؟ قاعدة الشريعة التيسير في كل أمر نابه تعسير، أنت قرأتها كيف اللي عندك؟ لا، لأ، اللي عندي فيما أحفظه: ومن قواعد الشريعة التيسير في كل أمر نابه تعسير، وهذه هي في هذا النظم، وهذا من المواطن التي يعني قد يكون فيها اختلال؛ ولذلك جرى تعديلها في بعض النسخ، من قواعد الشريعة التيسير، من قواعد الشريعة أي من أصولها، لكن هنا أشار إلى قاعدة المشقة تجلب التيسير في قوله: في كل أمر نابه تعسير، عندنا في هذه القاعدة أمران:
الأمر الأول: الأصل، والأمر الثاني: القاعدة، الأصل أن الشريعة بناؤها على اليسر، دليل ذلك قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: « إن الدين يسر» كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- وقد وصف الله تعالى هذا الشرع بذلك فقال: { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وقال- جل وعلا-: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [ البقرة: 185] وقال- سبحانه وتعالى-: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [ القمر: 17] من يبرز وجه الدلالة في الآية نحن في كثير من الأحيان نذكر الأدلة لكن ما نعرف كيف نستدل بها، يعني لا نعرف أين الدليل، أن ذكرت الآن آية وهي قوله: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [ القمر: 17] فأين وجه الدلالة في هذه الآية على أن الأصل في الدين اليسر؟ من يجيب؟ نعم! اقرأ يا أخي، إيوه، طيب غير الكلام هذا، نعم؟ لكن يعني يسر القراءة ما علاقته بيسر الشريعة؟ نحن نبحث عن دلالة الآية على يسر الشريعة، لا على يسر التلاوة، نعم يا أخي! هذا في حفظه، هو ذكر التلاوة وأنت ذكرت الحفظ، نحن نقصد شيئا آخر، نعم؛ اليسر المذكور في القرآن هو يسر تلاوته، ويسر حفظه، ويسر فهمه،كور في القرآن هو يسر تلاوته، ويسر حفظه، ويسر فهمه، ويسر العمل به، وهذا وجه الدلالة في الآية؛ ولذلك يا إخواني أن توا أقول: حنا يعني لو لم نقف عند وجه الدلالة في الآية هذه لكان سجلت وذكرت في سياق الآيات التي تدل على يسر الشريعة، لكن لو بيجيك واحد يقول: وقف يا أخي! أين الدليل في الآية؟ قد لا تجيب، وهذا الواقع أنه كثيرا منا لا يجيب، لماذا؟ لأن عنايتنا بإيش؟ اهتمامنا في كثير من المواطن هو في حفظ الدليل لا في فهمه، والشأن كل الشأن في أنت تفهم كيف دل الحديث أو الآية على الحكم الذي سقتها في الاستدلال له، وهذا من الفقه الذي إذا فتح الله تعالى قلب العبد عليه انفتح له باب من العلم عظيم، فلنحرص على الفهم! وإذا سيقت أدلة لا تحفظها بس وتجيبها هكذا تهذها هذا كهذ الشعر؛ كما قال ابن مسعود: " أهذا كهذ الشعر، ونثرًا كنثر الدقل" قف عند المعاني! واطلب وين وجه الدلالة في الآية، ولا يمنع إنك تقول لشيخك، أو مدرسك: يا شيخ ما اتضح لي وجه الدلالة، أين وجه الدلالة في هذا الموضوع؟ هنا العلم، هنا ينفتح لك باب الفهم، وتدرك ما لا يدركه غيرك، ويعني مسألة مهمة للغاية في طريق التعلم وهي فهم الدلالات في النصوص على المسائل والأحكام، إذًا؛ هذا من الدلائل على هذه المسألة وهي يسر الشريعة، أن الشريعة يسر، من فروع هذه القاعدة ما يتعلق بما ذكره من قاعدة المشقة تجلب التيسير، وأنا أعتذر إليكم لأني مضطر إلى المسير الآن، ونكمل- إن شاء الله تعالى- درس غد بإذن الله تعالى، الدرس في غد.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات89962 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات86964 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف