×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / الفقه وأصوله / القواعد الفقهية للسعدي / الشرح الثاني / الدرس(9) من قول المؤلف "ومن مسائل الأحكام في التبع"

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه أحمده حق حمده وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين أما بعد فكنا قد وقفنا في النظم نظم القواعد الفقهية للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله عند قوله: ومن مسائل الأحكام في التبع*** يثبت لا إذا استقل فوقع. ونبدأ إن شاء الله تعالى التعليق على هذا البيت وما يليه أسأل الله أن يرزقني وإياكم العلم النافع والعمل الصالح وأن يسددنا في الأقوال والأعمال وأن يصلح لنا السر والإعلان والظاهر والباطن يا رب العالمين، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين قال الإمام السعدي رحمه الله: ومن مسائل الأحكام في التبع*** يثبت لا إذا استقل فوقع والعرف معمول به إذا ورد***حكم من الشرع الشريف لم يحد معاجل المحظور قبل آنه***قد باء بالخسران مع حرمانه وإن أتي التحريم في نفس العمل***أو شرطه فذو فساد وخلل. يقول رحمه الله: ومن مسائل الأحكام في التبع من هنا تبعيضيه ومسائل جمة مسألة وهي ما يسأل عنه و يحتاج به إلى بيان وجواب وقوله مسائل الأحكام أي قضايا الأحكام وما يحتاج به إلى جواب من الأحكام، في التبع أي في الشيء التابع والأمور نوعان أصول وتوابع ويمكن أن تقسم بتوابع ومقاصد والمقصود بالتبع هنا ما كان ملحقا بالشيء لا ينفك عنه ولكنه يسير فيه فالغالب في التبع أنه يسير منغمر في الأصل ولذلك يقارن التبع الشيء اليسير فقوله: ومن مسائل الأحكام في التبع أي في التوابع والملحقات يثبت لا إذا استقل فوقع أي أنه يثبت حال كونه تبعا لا إذا استقل ووقع منفردا من غير تبع وهذا البيت يشير إلى قاعدة فقهية معروفة وهي قاعدة التابع تابع ومقصود بالتابع تابع أي أن التابع يأخذ حكم متبوعة مقصود بالتابع أنه يأخذ حكم متبوعة أي ما تبعه وهذه القاعدة تكون في العبادات وتكون في المعاملات فتكون في العبادات على سبيل المثال في وجوب غسل الأصبع الزائد في الطهارة للصلاة فإن الإنسان إذا كان ذا أصبع زائد أخذ التابع حكم المتبوع في وجوب الغسل فيقال ما الدليل على وجوب غسل الأصبع الزائد الدليل أن التابع تابع وأنه داخل في مجمل قول الله عز وجل { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق } ( ) وهو من جملة اليد فيصدق على اليد الأصلية وما تبعها ويمكن أن يكون أيضا في المعاملات ومثاله في ذلك العفو عن التابع من الغرر في العقود فإن الشريعة جاءت بالنهي عن الغرر كما في الصحيح من حديث أبي هريرة قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغرر)) والأصل في النهي أنه يعم كل غرر أصليا كان أو تابعا لأن الأف واللام للاستغراق فتعم جنس الغرر كيف ما كان لكن الإجماع منعقد على أن هذا اللفظ العام ليس باقيا على عمومه بل هو مخصوص بأمور ومن جملة ما خص به أو خص فيه اللفظ ما يتعلق بمسائل التبع فإن الغرر إذا كان تابعا فالإجماع منعقد على أنه مما يعفى عنه وقد يجتمع مع التبع أوصاف أخرى تكون موجبة للعفو كأن يكون مما يشق التحرز منه كأن يكون يسيرا فهذه كلها مما تجعل الغرر معفوا عنه ومن أوصاف الغرر المعفو عنه أن يكون يسيرا أن يكون غير أصلي تابعا أن يكون يسيرا كل هذه أوصاف لما يعفى عنه والمقصود الذي يخص هذه القاعدة أن لا يكون الغرر أصليا بل يكون تابعا فإذا كان الغرر أصليا في العقد فإنه لا يحل وأما إذا كان الغرر تابعا فإنه مما يعفى عنه فهذه القاعدة قررت أن التبع يعفى عنه وأن الشيء إذا استقل فإنه لا يعفى عنه ومثال ذلك ما إذا قلت لك بعتك ما في هذا الوعاء أو هذا الكيس وأنت لا تعلم ما فيه بريال الريال الغرر فيه والمخاطرة فيه كبيرة أو يسيرة؟ يسيرة وليست بذات بال لكن عندما استقلت حرمت عندما استقل حرم فلا يجوز الغرر ولو في أقل ما يكون من المال إذا كان مستقلا لكن إذا كان تابعا فإن التبع يجبر ذلك ولو كان يسيرا ويشترط في التبع أن يكون يسيرا كما أشرت في الحديث عن معنى التبع أن يقترن كثيرا بأن يكون يسيرا لأنه إذا لم يكن يسيرا لم يكن تابعا.  ومن أمثلة التبع الذي يعفى عنه مس الطيب بالنسبة للمحرم فإن المحرم إذا ابتدأ التطيب أو مس الطيب ولو قليلا وهو مستقل لم يجز لكنه لو مسح رأسه وكان قد طيب رأسه فإن ما علق في يديه من مسح الرأس تبع يعفى عنه لأنه تابع لمسح الرأس فما علق في يديه الصحيح من قول العلماء أنه لا يجب إزالته ولا يعد محظورا من محظورات الإحرام لأنه تبع لمسح الرأس والمقصود أن هذه القاعدة قاعدة لها تطبيقات عديدة في المعاملات وفي العبادات وهي مستقرة مستفادة من تصرفات الشارع وما جاء من الأحكام الدالة على العفو في التبع بخلاف الاستقلال والانفراد فإنه إذا استقل كان ذلك غير معفو عنه هذا ما يتصل بهذه القاعدة ثم انتقل المصنف رحمه الله إلى قاعدة أخرى قال: والعرف معمول به إذا ورد      حكم من الشرع الشريف لم يحد العرف هو كل ما اعتداه الناس وتواطئوا عليه من الأقوال والأعمال العامة والخاصة هذا هو العرف، كل ما اعتاده الناس وتواطئوا عليه من الأقوال والأعمال العامة والخاصة فالرعف وهو ما تواطأ عليه الناس وجرت عليه عادتهم معمول به أي معتبر هذا معنى قوله معمول به أي أنه معتبر في بيان ما ورد به الشرع ولم يأتي حده شرعا فكل ما ورد في الشرع ولم يأتي حده في الشرع وثمة عرف يبينه فإنه يرجع في فهمه ومعرفته إلى العرف وهذا البيت يشير إلى القاعدة المشهورة وهي إحدى القواعد الخمس الكبرى قاعدة العادة محكمة أي أنها يصار إليها في فهم النصوص وتفسيرها إذا وردت في سياق لم يبين الشارع فيه الحد المطلوب والشرع فيما جاء فيه من الفرائض والأحكام إما أن يبين ذلك بيانا جليا واضحا فيكون بيان ذلك إليه فلا يقدم على بيان الشرع شيء لا يقدم على بيان الشارع شيء مثال ذلك  قال الله تعالى { وأقيموا الصلاة } ( ) أمرر الله بإقامة الصلاة فما الصلاة التي أمرنا بإقامتها الصلاة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم (( صلوا كما رأيتموني أصلي) فبيان هذه الصلاة جاء شرعا فلا يصار إلى غير بيانه ولا يقال إن الصلاة في اللغة الدعاء إذا هي الدعاء أو الصلاة في العرف كذا فالصلاة المأمور بإقامتها هي كذا لأن الشارع قد بينها وأمر بأخذ البيان عنه حيث قال ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) ومثل أيضا في الفرائض التي جاء بيانها كالزكاة وكالصوم وكالحج فإنها ألفاظ يفهم معناها لكن بيان ذلك وتوضيحه يرجع فيه إلى بيان الشارع وقد جاء بيانها في الشرع فبين الزكاة من حيث الأموال التي تجب فيها الزكاة ومن حيث النصاب الذي إذا بلغه المال وجب فيه الزكاة ومن حيث قدر الواجب الذي يجب في تلك الأموال ومن حيث مصرف تلك الأموال التي تخرج زكاة فجاء البيان واضح مستوعب لكل التفاصيل فلا يرجع في قوله تعالى { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } ( ) إلى عرف ولا إلى لغة ولا إلى غيره بل إلى بيان الشرع وكذلك الصوم وكذلك الحج كلها قد جاء بيانها وإيضاحها في قول الشارع وفعله ((خذوا عني مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا)) فكل ما جاء بيانه في الشرع يصار إلى الشرع في فهم معناه وإدراك مدلوله وأما ما جاء الأمر به دون بيان المعنى شرعا فإنه يصار في بيانه إلى اللغة وما يكون من العرف المبين للغة فمثال ذلك قوله تعالى { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا } ( ) لم يأتي في الشرع بيان الإحسان الواجب في حق الوالدين ما هو؟ فالإحسان في اللغة هو إيصال كل خير وكف كل شر هذا معناه لغة فيكون المعنى في قوله: { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا } ( ) أي قضى على الولد بأن يسعى في إيصال كل خير لوالديه قولا وفعلا وحالا وأن يكف عنهم كل أذى قولا وفعلا وحالا فالبيان هنا للغة فإذا كان ثمة معنى يفيده العرف في الإحسان فإنه يتعين العمل به مثال ذلك إذا كان العرف في مكان ما أن الولد لا يتقدم في المشي بين يدي والده فإن الإحسان إلى الوالد في هذه الصورة يفسر بالعرف وهو أن لا يتقدم في السير بين يدي والده وهذا لم يأتي بيانه في الكتاب ولا في السنة ولا دلت عليه اللغة لأن اللغة دلت على مطلق الإحسان وهل هذا من الإحسان أو لا؟ ما الذي حدده وما الذي بينه؟ العرف فصير إلى العرف في بيان ما لم يأتي الشرع بتحديده ولم يأتي بيانه على وجه التفصيل أو التعيين في اللغة وقد اختلف العلماء رحمهم الله فيما ورد في الشرع مطلقا ولم يأتي بيانه في الشرع هل المعتبر فيه ما كان في المعنى اللغوي أو في العرف والترتيب الذي جرى عليه أكثر الأصوليين والفقهاء أن البيان في المرتبة الأولى للشرع فيصار إلى الحقيقة الشرعية ثم بعد ذلك إلى اللغة ثم بعد ذلك إلى العرف والذي يظهر والله تعالى أعلم أن المرتبة الأولى لا خلاف فيها وهو أنه إذا جاء البيان للمأمور به أو المنهي عنه شرعا فإنه يصار إلى ما جاء بيانه في الكتاب والسنة وأما إذا لم يأتي البيان في الكتاب والسنة فالجمهور على أن البيان يرجع فيه إلى اللغة ثم بعد ذلك العرف ولكن فيما يظهر لي أن اللغة والعرف قد يمتزجان فاللغة كما مثلت قبل قليل في الإحسان للوالد بأنه إيصال الخير وكف الشر هذا المعنى العام لكن تفاصيل هذا المعنى تدرك بالعرف كما فصلت في مسألة المشي بين يدي الوالد هل يمشي بين يديه أو يمشي خلفه الأمر يرجع في ذلك إلى ما جرى به العرف وقد اعتبر الشارع العرف في مواضع عديدة فقال تعالى { وعاشروهن بالمعروف } ( ) فرد المعاشرة المأمور بها إلى ما جرى به العرف، فما جرى به العرف يصار إليه فيما يتعلق بالمعاشرة المشروعة أو المأمور بها وكذلك في النفقة كما قال تعالى { لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله }( ) هذه رجعت في الأمر إلى حال المنفق سعة وضيقا وأصلح من هذا قوله تعالى { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } ( ) فجعل فرضا على المولود له وهو الوالد الكسوة للمرأة بالمعروف { وعلى المولود له رزقهن } ( ) الرزق ما تقوم به الكفاية في المسكن والمأكل والكسوة نص عليها استقلالا وعاد ذلك جميعا إلى ما جرى به العرف وهذا يدل على أن العرف معتبر في كل ما لم يأتي به حد من قبل الشارع وهذا ما قرره المصنف رحمه الله في هذا البيت حيث قال: والعرف معمول به إذا ورد      حكم من الشرع الشريف لم يحد أي لم يبين حده وقدره الواجب ومثال ذلك صلة الرحم وهذا يسأل عنه كثيرا ما القدر الواجب في صلة الرحم هل أزوره كل يوم أو كل أسبوع أو كل شهر هل يكفي الاتصال أم لابد من المجيء هل يكفي الإرسال أم لابد من المجيء كل هذه الأجوبة يرجع فيها إلى العرف والأعراف مختلفة وأيضا تختلف باختلاف الأحوال من القرب والبعد والمساكنة في البلد والمفارقة عنه فالمرجع في هذا كله إلى ما جرى به العرف.

المشاهدات:4456

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه أحمده حق حمده وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد فكنا قد وقفنا في النظم نظم القواعد الفقهية للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله عند قوله:
ومن مسائل الأحكام في التبع*** يثبت لا إذا استقل فوقع.
ونبدأ إن شاء الله تعالى التعليق على هذا البيت وما يليه أسأل الله أن يرزقني وإياكم العلم النافع والعمل الصالح وأن يسددنا في الأقوال والأعمال وأن يصلح لنا السر والإعلان والظاهر والباطن يا رب العالمين،
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين قال الإمام السعدي رحمه الله:
ومن مسائل الأحكام في التبـع*** يثبت لا إذا اسـتقل فـوقع
والعـرف معمـول بـه إذا ورد***حكم من الشرع الشريف لم يحد
معـاجل المحـظور قبـل آنه***قد باء بالخسران مع حرمانه
وإن أتي التحريم في نفس العمل***أو شـرطه فذو فسـاد وخـلل.
يقول رحمه الله: ومن مسائل الأحكام في التبع من هنا تبعيضيه ومسائل جمة مسألة وهي ما يسأل عنه و يحتاج به إلى بيان وجواب وقوله مسائل الأحكام أي قضايا الأحكام وما يحتاج به إلى جواب من الأحكام، في التبع أي في الشيء التابع والأمور نوعان أصولٌ وتوابع ويمكن أن تقسم بتوابع ومقاصد والمقصود بالتبع هنا ما كان ملحقًا بالشيء لا ينفك عنه ولكنه يسير فيه فالغالب في التبع أنه يسير منغمر في الأصل ولذلك يقارن التبع الشيء اليسير فقوله: ومن مسائل الأحكام في التبع أي في التوابع والملحقات يثبت لا إذا استقل فوقع أي أنه يثبت حال كونه تبعًا لا إذا استقل ووقع منفردًا من غير تبع وهذا البيت يشير إلى قاعدة فقهية معروفة وهي قاعدة التابع تابع ومقصودٌ بالتابع تابع أي أن التابع يأخذ حكم متبوعة مقصود بالتابع أنه يأخذ حكم متبوعة أي ما تبعه وهذه القاعدة تكون في العبادات وتكون في المعاملات فتكون في العبادات على سبيل المثال في وجوب غسل الأصبع الزائد في الطهارة للصلاة فإن الإنسان إذا كان ذا أصبع زائد أخذ التابع حكم المتبوع في وجوب الغسل فيقال ما الدليل على وجوب غسل الأصبع الزائد الدليل أن التابع تابع وأنه داخل في مجمل قول الله عز وجل { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ } ( ) وهو من جملة اليد فيصدق على اليد الأصلية وما تبعها ويمكن أن يكون أيضًا في المعاملات ومثاله في ذلك العفو عن التابع من الغرر في العقود فإن الشريعة جاءت بالنهي عن الغرر كما في الصحيح من حديث أبي هريرة قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغرر)) والأصل في النهي أنه يعم كل غرر أصليًا كان أو تابعًا لأن الأف واللام للاستغراق فتعم جنس الغرر كيف ما كان لكن الإجماع منعقد على أن هذا اللفظ العام ليس باقيًا على عمومه بل هو مخصوص بأمور ومن جملة ما خص به أو خص فيه اللفظ ما يتعلق بمسائل التبع فإن الغرر إذا كان تابعًا فالإجماع منعقد على أنه مما يعفى عنه وقد يجتمع مع التبع أوصافٌ أخرى تكون موجبة للعفو كأن يكون مما يشق التحرز منه كأن يكون يسيرًا فهذه كلها مما تجعل الغرر معفوًا عنه ومن أوصاف الغرر المعفو عنه أن يكون يسيرًا أن يكون غير أصلي تابعًا أن يكون يسيرًا كل هذه أوصاف لما يعفى عنه والمقصود الذي يخص هذه القاعدة أن لا يكون الغرر أصليًا بل يكون تابعًا فإذا كان الغرر أصليًا في العقد فإنه لا يحل وأما إذا كان الغرر تابعًا فإنه مما يعفى عنه فهذه القاعدة قررت أن التبع يعفى عنه وأن الشيء إذا استقل فإنه لا يعفى عنه ومثال ذلك ما إذا قلت لك بعتك ما في هذا الوعاء أو هذا الكيس وأنت لا تعلم ما فيه بريال الريال الغرر فيه والمخاطرة فيه كبيرة أو يسيرة؟ يسيرة وليست بذات بال لكن عندما استقلت حرمت عندما استقل حرم فلا يجوز الغرر ولو في أقل ما يكون من المال إذا كان مستقلاً لكن إذا كان تابعًا فإن التبع يجبر ذلك ولو كان يسيرًا ويشترط في التبع أن يكون يسيرًا كما أشرت في الحديث عن معنى التبع أن يقترن كثيرًا بأن يكون يسيرًا لأنه إذا لم يكن يسيرًا لم يكن تابعًا.
 ومن أمثلة التبع الذي يعفى عنه مس الطيب بالنسبة للمحرم فإن المحرم إذا ابتدأ التطيب أو مس الطيب ولو قليلاً وهو مستقل لم يجز لكنه لو مسح رأسه وكان قد طيب رأسه فإن ما علق في يديه من مسح الرأس تبعٌ يعفى عنه لأنه تابع لمسح الرأس فما علق في يديه الصحيح من قول العلماء أنه لا يجب إزالته ولا يعد محظورًا من محظورات الإحرام لأنه تبعٌ لمسح الرأس والمقصود أن هذه القاعدة قاعدة لها تطبيقات عديدة في المعاملات وفي العبادات وهي مستقرة مستفادة من تصرفات الشارع وما جاء من الأحكام الدالة على العفو في التبع بخلاف الاستقلال والانفراد فإنه إذا استقل كان ذلك غير معفوٍ عنه هذا ما يتصل بهذه القاعدة ثم انتقل المصنف رحمه الله إلى قاعدة أخرى قال:
والعـرف معمـول به إذا ورد      حكم من الشرع الشريف لم يحد
العرف هو كل ما اعتداه الناس وتواطئوا عليه من الأقوال والأعمال العامة والخاصة هذا هو العرف، كل ما اعتاده الناس وتواطئوا عليه من الأقوال والأعمال العامة والخاصة فالرعف وهو ما تواطأ عليه الناس وجرت عليه عادتهم معمولٌ به أي معتبر هذا معنى قوله معمولٌ به أي أنه معتبر في بيان ما ورد به الشرع ولم يأتي حده شرعًا فكل ما ورد في الشرع ولم يأتي حده في الشرع وثمة عرفٌ يبينه فإنه يرجع في فهمه ومعرفته إلى العرف وهذا البيت يشير إلى القاعدة المشهورة وهي إحدى القواعد الخمس الكبرى قاعدة العادة محكمة أي أنها يصار إليها في فهم النصوص وتفسيرها إذا وردت في سياق لم يبين الشارع فيه الحد المطلوب والشرع فيما جاء فيه من الفرائض والأحكام إما أن يبين ذلك بيانًا جليًا واضحًا فيكون بيان ذلك إليه فلا يقدم على بيان الشرع شيء لا يقدم على بيان الشارع شيءٌ مثال ذلك  قال الله تعالى { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ } ( ) أمرر الله بإقامة الصلاة فما الصلاة التي أمرنا بإقامتها الصلاة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم (( صلوا كما رأيتموني أصلي) فبيان هذه الصلاة جاء شرعًا فلا يصار إلى غير بيانه ولا يقال إن الصلاة في اللغة الدعاء إذًا هي الدعاء أو الصلاة في العرف كذا فالصلاة المأمور بإقامتها هي كذا لأن الشارع قد بينها وأمر بأخذ البيان عنه حيث قال ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) ومثل أيضًا في الفرائض التي جاء بيانها كالزكاة وكالصوم وكالحج فإنها ألفاظ يفهم معناها لكن بيان ذلك وتوضيحه يرجع فيه إلى بيان الشارع وقد جاء بيانها في الشرع فبين الزكاة من حيث الأموال التي تجب فيها الزكاة ومن حيث النصاب الذي إذا بلغه المال وجب فيه الزكاة ومن حيث قدر الواجب الذي يجب في تلك الأموال ومن حيث مصرف تلك الأموال التي تخرج زكاةً فجاء البيان واضح مستوعب لكل التفاصيل فلا يرجع في قوله تعالى { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } ( ) إلى عرف ولا إلى لغة ولا إلى غيره بل إلى بيان الشرع وكذلك الصوم وكذلك الحج كلها قد جاء بيانها وإيضاحها في قول الشارع وفعله ((خذوا عني مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا)) فكل ما جاء بيانه في الشرع يصار إلى الشرع في فهم معناه وإدراك مدلوله وأما ما جاء الأمر به دون بيان المعنى شرعًا فإنه يصار في بيانه إلى اللغة وما يكون من العرف المبين للغة فمثال ذلك قوله تعالى { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } ( ) لم يأتي في الشرع بيان الإحسان الواجب في حق الوالدين ما هو؟ فالإحسان في اللغة هو إيصال كل خير وكف كل شر هذا معناه لغةً فيكون المعنى في قوله: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } ( ) أي قضى على الولد بأن يسعى في إيصال كل خيرٍ لوالديه قولاً وفعلاً وحالاً وأن يكف عنهم كل أذى قولاً وفعلاً وحالاً فالبيان هنا للغة فإذا كان ثمة معنىً يفيده العرف في الإحسان فإنه يتعين العمل به مثال ذلك إذا كان العرف في مكانٍ ما أن الولد لا يتقدم في المشي بين يدي والده فإن الإحسان إلى الوالد في هذه الصورة يفسر بالعرف وهو أن لا يتقدم في السير بين يدي والده وهذا لم يأتي بيانه في الكتاب ولا في السنة ولا دلت عليه اللغة لأن اللغة دلت على مطلق الإحسان وهل هذا من الإحسان أو لا؟ ما الذي حدده وما الذي بينه؟ العرف فصير إلى العرف في بيان ما لم يأتي الشرع بتحديده ولم يأتي بيانه على وجه التفصيل أو التعيين في اللغة وقد اختلف العلماء رحمهم الله فيما ورد في الشرع مطلقًا ولم يأتي بيانه في الشرع هل المعتبر فيه ما كان في المعنى اللغوي أو في العرف والترتيب الذي جرى عليه أكثر الأصوليين والفقهاء أن البيان في المرتبة الأولى للشرع فيصار إلى الحقيقة الشرعية ثم بعد ذلك إلى اللغة ثم بعد ذلك إلى العرف والذي يظهر والله تعالى أعلم أن المرتبة الأولى لا خلاف فيها وهو أنه إذا جاء البيان للمأمور به أو المنهي عنه شرعًا فإنه يصار إلى ما جاء بيانه في الكتاب والسنة وأما إذا لم يأتي البيان في الكتاب والسنة فالجمهور على أن البيان يرجع فيه إلى اللغة ثم بعد ذلك العرف ولكن فيما يظهر لي أن اللغة والعرف قد يمتزجان فاللغة كما مثلت قبل قليل في الإحسان للوالد بأنه إيصال الخير وكف الشر هذا المعنى العام لكن تفاصيل هذا المعنى تدرك بالعرف كما فصلت في مسألة المشي بين يدي الوالد هل يمشي بين يديه أو يمشي خلفه الأمر يرجع في ذلك إلى ما جرى به العرف وقد اعتبر الشارع العرف في مواضع عديدة فقال تعالى { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } ( ) فرد المعاشرة المأمور بها إلى ما جرى به العرف، فما جرى به العرف يصار إليه فيما يتعلق بالمعاشرة المشروعة أو المأمور بها وكذلك في النفقة كما قال تعالى { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ }( ) هذه رجعت في الأمر إلى حال المنفق سعةً وضيقًا وأصلح من هذا قوله تعالى { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } ( ) فجعل فرضًا على المولود له وهو الوالد الكسوة للمرأة بالمعروف { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ } ( ) الرزق ما تقوم به الكفاية في المسكن والمأكل والكسوة نص عليها استقلالاً وعاد ذلك جميعًا إلى ما جرى به العرف وهذا يدل على أن العرف معتبر في كل ما لم يأتي به حدٌ من قبل الشارع وهذا ما قرره المصنف رحمه الله في هذا البيت حيث قال:
والعـرف معمـول بـه إذا ورد      حكم من الشرع الشريف لم يحد
أي لم يبين حده وقدره الواجب ومثال ذلك صلة الرحم وهذا يسأل عنه كثيرًا ما القدر الواجب في صلة الرحم هل أزوره كل يوم أو كل أسبوع أو كل شهر هل يكفي الاتصال أم لابد من المجيء هل يكفي الإرسال أم لابد من المجيء كل هذه الأجوبة يرجع فيها إلى العرف والأعراف مختلفة وأيضًا تختلف باختلاف الأحوال من القرب والبعد والمساكنة في البلد والمفارقة عنه فالمرجع في هذا كله إلى ما جرى به العرف.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات89973 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات86967 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف