×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

خطب المصلح / خطب صوتية / خطبة الجمعة : أسباب النجاة يوم المعاد

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
خطبة الجمعة : أسباب النجاة يوم المعاد
00:00:01
1522.21

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صفيه وخليله، خيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين.  ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم (1) يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد﴾  +++الحج1-2--- . ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا﴾ +++النساء:1--- .  أما بعد. فاتقوا الله أيها المؤمنون فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلال وكل ضلالة في النار. عباد الله عجبا للإنسان كيف لا نعتبر بما نشاهده من آيات الله في خلقه. ﴿وفي أنفسكم أفلا تبصرون﴾  +++الذاريات:21--- . عجبا للإنسان فإن في أقوال خلقه ما يدل على عظيم فضل ربه، وأنه علي مقتدر، وإنه إليه راجع، وأنه لا محيص له ولا مناص عن الوقوف بين يديه يحاسبه على القليل والجليل، ففي أطوار خلقكم، ومنازلكم وأدوار حياتكم ما 02:14 قلوبكم بالله تعالى وتوثيقا به. ﴿قتل الإنسان ما أكفره (17) من أي شيء خلقه (18) من نطفة خلقه فقدره (19) ثم السبيل يسره (20) ثم أماته فأقبره (21) ثم إذا شاء أنشره (22) كلا لما يقض ما أمره﴾  +++عبس17-23--- . هذه هو حال كل واحد منا هذه أفضاله وأحواله،  ﴿لتركبن طبقا عن طبق﴾  +++الانشقاق: 19--- . أيها المؤمنون عباد الله سل أنفسكم أين الخلائق الذين كانوا من قبلكم، ألم يكن فيهم قوم جمعوا وفرحوا من الشهوات وشبعوا ألم يكن فيهم قوم أملوا البغاء فما نالوا فيها ما فرحوا، ألم يكن فيها أبواب فنت أعماره بما غروا وخدعوا جاءهم ملك الموت على حين غفلة وندرة فذلوا وخضعوا، وأخذوا من ديارها فلا والله ما رجعوا سألوا إلى ملك حق واتهموا بأحوالهم أنظروه شاهدوه اعتدلوا بأحوالهم، هم في القبور متفرقون فإن نفخ في الصور اجتمعوا ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين. ﴿يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم﴾  +++التغابن:9--- . وكيف قرر لأهل العلم أعينهم أو استلذوا لتلك العرش أو هجعوا والموت ينذرهم جهرا علانية لو كان للقوم أسماع لقد سمعوا. ذكر الله في كتابه من الألوان من قاله -جل وعلا-: ﴿وصرفنا فيه من الوعيد﴾  +++طه:113---  نوع الله الوعيد في كتابه ليوقظ القلوب، ولينبهها. ومن صور الوعيد الذي كان في الكتاب ما جاء من بيان أهواله من ميعاد فقد ذكر الله في كتابه من أهوال ذلك اليوم وأحواله ما يكشفه العظيم قدر ذلك اليوم كثير خطبه يقول الله تعالى في محكم كتباه: ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا﴾  +++لقمان:33---  مهما طالت وزالت وجملت. ﴿فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور﴾  +++لقمان:33---  الشيطان الذي يسير لكم الدنيا، ويطيل فيها بقاءكم، ويؤملك فيها خلودا، ودواما وعدم تحول. ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم﴾  +++الحج:1---  هذا خبر عظيم؛ ولذا قال العظيم عن شيء إنه عظيم فذد أن عظمته تفوق الخيال ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم﴾  +++الحج:1---  ذكر شيئا من هول هذا اليوم ﴿تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد﴾  +++الحج1-2---  السكارى لا عقول لهم، لا يصوبون هدفا ولا يدركون مخرجا بل هم في التراضي وأمن المريج ﴿يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد﴾  +++الحج1-2--- . هذا الذي غطاه عقولهم، وغيب أذهانهم، وأعمى أفكارهم فله بكر مخرجا ولا نجاة لهم إلا برحمة الرحيم الرحمن في ذلك اليوم العظيم، في يوم القيامة أهوال عظيمة، وأمور جليلة ليست حكاوي، ولا أساطير، ولا قصص إنها حقائق سنراها من أيقن بها عمل من اجلها، ومن تعامل معها على أنه أفكار يؤمن بها أجنادا لا أنكر لها في حياته فإنه لن ينتفع بتلك الأخبار، إن يوم القيامة فيه من الأهوال ما لا تقوم له السماء، ولا تثبت له راسيات الجبال وشارفاتها. يقول ربكم جل في علاه: ﴿يوم تكون السماء كالمهل (8) وتكون الجبال كالعهن﴾  +++المعارج8-9---  المنفوش ﴿ولا يسأل حميم حميما﴾  +++المعارج:10---  كل امرئ منا له شيء يغنيه في ذلك اليوم، يجمع الله تعالى الأولين والآخرين، يجمع الخلائق أجمعين من الإنس والجن، وسائر الخلق فيأتون في صحيح واحد يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر لا حول لهم ولا قوة. ﴿يوم تبدل الأرض غير الأرض﴾  +++إبراهيم:48---  هذه الأرض وتتحول وتتغير فلا ضل فيها ﴿لا ترى فيها عوجا ولا أمتا﴾  +++طه:107---  يتحول عن حالها الذي تشاهدوه فتكون على حال من البسط والاستواء، والمد ما لا يكون فيه ملجأ لأحد، ولا يكون فيه معاد لمستعد ﴿يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار﴾  +++إبراهيم:48---  فنسأل الله العون على أهوال ذلك اليوم ومن أفضاله وعظيم أحواله أن الشمس تدلوا ما وصف لها، تدلوا الشمس التي تجدون لهيبها في قالب هذا المسجد على بعدها وعظيم المسافة بينكم وبينها تدلوا يوم القيامة بأمر الله الذي له الأمر كله جل في علاه. ما شاء كان ومن لم يشأ لم يكن. فلا تقل كيف فذاك يوم يختلف حاله عن حال هذا اليوم جاء رجل فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- بقاءه في قول الله تعالى: ﴿ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما﴾  +++الإسراء:97---  قال : إما يحشرهم على وجوههم. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الذي أنفاهم على أقلامهم قادر على أن يحشرهم على وجوههم» سبحانه جلت قدرته فلا تقل كيف فذاك أمر لا تجيبه عقولنا نؤمن بخبر صادق مصدوق نؤمن بما شاء به -صلى الله عليه وسلم- على الوجه الذي جاء به  دون زيادة ولا نقص، تدنوا الشمس من رؤؤس الخلائق على قدر ميل حتى تكون على قدر ميل و ميل هو المسافة، وميل هو ميل المكحلة التي تكحل به العين، هذا وذاك ليس ببعيد وقلبه شديد وأمره خطير فإذا الشمس اليوم لا ولا انجلت عن موقعها أيا ما يكون لاحترقت الأرض ومن فيها فذاك يوم تختلف فيه الأحوال، ويكون فيه الناس على غير هذه الحال ﴿ يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ۖ وبرزوا لله الواحد القهار﴾ ---  سورة إبراهيم آية 48 +++.  تدنو الشمس فيكون الناس في ذلك الموقف العظيم ذلك الموقف الشديد، ولك أن تتخيل هذا الموقف بأي اجتماع يزدحم فيه الناس، ويلتحمون ويتدافعون فهو يوم التناد يوم التزاحم يوم شده وكرب نسأل الله -تعالى-، تدنو الشمس من رؤؤس الخلائق فيكون الناس في ذلك اليوم على قدر أعمالهم في عرقهم وما يكون من رشحهم، فمنهم من يكون العرق إلى كعبيه، ومنهم من يكون العرق إلى ركبتيه، ومنهم من يكون العرق إلى حاكويه إلي نصف جسمه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما هذا التطابق، وذلك الاختلاف هو اختلافكم في أعمالهم اختلافكم في أحوالكم، يصدر الناس يوم القيامة ليرو أعمالهم، وأعمالهم شتى فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات، ومنهم من هو خارج عن دائرة أهل الإسلام، فهؤلاء يتفاوتون في الحال كذا ذكر سيد الأنام- صلوات الله وسلامة عليه- على اختلاف العرق في إلجامهم وليس للناس في ذلك اليوم ظل يستظلون به أو يصدعون به  أو يتوقون من حر الشمس ولهيب اقترابها منهم إلا حصائد أعمالهم. فأعمالكم تكون ظلا لهم وأعظم ظل يناله الإنسان في ذلك اليوم ظل التقوى نتبع قول- الله تعالى-  ﴿ إن المتقين في ظلال وعيون ﴾ ---  سورة المرسلات الآية 41 +++ إن الظلال التي ذكرها -الله عز وجل- للمتقين إنه ليس من يكون في الجنة من النعيم فحسب، بل قبل ذلك ما يكون في يوم العرض من ظل يظله - الله تعالى- به يوم لا ظل إلا ظله، ذاك ظل التقوى التي هي صلاح القلوب واستقامتها، ذلك ظل التقوى الذي يحمل على أداء الواجبات وترك المحرمات والمسابقة في ألوان الخيرات، إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين أمنوا وكانوا يتقون، هنيئا لهم لهم البشرى في الحياة الدنيا، وليس ذلك فحسب بل وفي الآخرة ﴿ لا تبديل لكلمات الله﴾ ---  سورة يونس الآية 64 +++ وحده لا يتخلف ﴿ ذلك هو الفوز العظيم﴾ ---  سورة يونس الآية 64 +++. اللهم ارزقنا ذلك الفوز يا رب العالمين، أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم  الحمد- لله رب العالمين- احمده حق حمده له الحمد كله وأوله وأخره وظاهره وباطنه، وأشهد أن لا اله إلا الله اله الأولين والآخرين، وأشهد أن -محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى أهله وصحبه- ومن يتبع سنته وأثره بإحسان إلي يوم الدين.  أما بعد فاتقوا الله عباد الله اتقوا- الله تعالى- واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله  فذاك يوم عظيم يحتاج أن يكون حاضرا في قلوبنا وعقولنا وأعمالنا، قال: أبو عبد الله أحمد ابن حنبل لعلي ابن المديني إمام من أئمة أهل العلم في زمانه أوصني فقال: "ألزم التقوى واجعل في الآخرة وصية تشفع لك في الدنيا والآخرة"، الزم التقوى في كل ما تأتي وتذر، وما يعينك على لزوم التقوى أن تجعل الآخرة أمامك، فسرعان ما تتحول سرعان ما ننتبه مهما طالت أعمالنا فما هي إلا ساعة ثم تنقضي، ويصبح كل واحد منا رهينة عمله إما فرحان جليا بصالح عمله، وأما نادما خاسرا لتفريطه وتضييعه، فاتقوا الله أيها الناس فإن تقوى -الله تعالى- تقيكم الشرور والبليات فلا نجاه في الآخرة فلا نجاه في الدنيا إلا بتقوى -الله جل في علاه- يقول -الله تعالى ﴿ ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ﴾  ۚ ---  سورة الزمر الآية 60 +++بلى والله ثمة مثوى نسأل الله السلامة منه ﴿وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء  ﴾---  سورة الزمر الآية 61 +++ولا أولئك الذين قاموا بأمر الله وبادروا إلى طاعته واشتغلوا بما يحب الله –جل في علاه – جهدهم، وفزعوا إليه بالتوبة والاستغفار، عباد الله الدنيا دار عمل والآخرة دار جزاء فما تزرعه اليوم تحصده غدا، أعمالك خيرها وشرها، صالحها وفاسدها سترافقك وتقابلك في كل أحوالك في دنياك وفي قبرك وفي بعثك وفي شغلك وفي عبورك على الصراط، ثم بعد ذلك في مثواك ومنقلبك ﴿ وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير﴾ ---  سورة الشورى الآية 7 +++. فاختر لنفسك في أي الفريقين تكون فريق في الجنة -نسأل الله أن نكون منهم-، وفريق في السعير، أيها المؤمنون إن ما يؤلمكم من حال الدنيا ويؤذيكم لا يقارن بما في الآخرة من حر النار، أي قوم اختلفوا على طاعة الله من أجل حرارة الجو فقالوا لا تنفروا في الحر قال- الله تعالى- لرسوله قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون، فحر هذه الدنيا مهما بلغ فإنه لا يقارن بحر الآخرة، فتوقوا حر ذلك اليوم بتقوى الله -تعالى-، اليوم قد أخبر الله -تعالى- ورسوله عن أعمال تكون ظلال لأصحابها لو ضحى الإنسان إلى الشمس في هاجرة اليوم وفي رابعة النهار وشده القيظ ما الذي يؤمنه؟ يؤمنه ظلا يقيه حر النار وماء يبرد  كبده بروده لجوفه وبروده لظاهرة وليس بإدارك ذلك إلا بطاعة الله في ذلك اليوم، في ذلك اليوم أعمالكم هي ظلالكم، فالتقوى أعظم ظل يستظل به العبد، إن المتقين في ظلال وعيون ،لا ظل فيه يؤوي ولا يلتجأ إليه بما هو جدير  بمن هداه من شمس الدنيا اليوم أن يستعد للحر الأعظم يوم تدنو الشمس من الرؤوس، واعلموا أيها المؤمنون أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قد بين في أحاديث عديدة تلك الأعمال التي تكون ظلا لأصحابها يوم القيامة، وجامع تلك الأعمال هو مجاهدة النفس ومخالفه الأهواء، تأمل كل الأحاديث التي أخبر فيها النبي – صلي الله عليه وسلم – عن ظل ينتفع به الناس يوم القيامة تجد أن المعني المشترك التي ذكرها في كل الأحاديث هو أن الإنسان فاز بمجاهده نفسه ومخالفه هواه في الصحيحين حديث أبي بكر -رضي الله تعالى- عنه قال النبي- صلى الله عليه وسلم-  « سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله استمع إلي هؤلاء إمام عابد شاب نشأ في عباده  الله، رجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل جاءته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله رب العالمين، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» فاضت عيناه  تشمل بكاء الندم عن الذنوب وبكاء الخوف والخشية وبكاء المحبة والتعظيم، تلك الأعمال الجليلة هي مما يستظل به الناس يوم القيامة فاختر لنفسك عملا تستظل به في ذلك اليوم وقد قال – صلى الله عليه وسلم- « من أنبر معسرا أو وضع عن معسرا (لا يستطيع الوفاء بديونه) من أنبر معسرا أو وضع عنه  أظله الله في ظله» في ذلك اليوم  العظيم العصيب الشديد والقرآن ظل لأصحابه بل سورة البقرة وآل عمران تظلان صاحبها يوم القيامة يقول -صلى الله عليه وسلم- «أقرءوا الزهراوين البقرة وآل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كالغمامتين (يعني السحابتين) أو كالطير السباط (يعنى سبط الطير الطيور المهاجرة) تظلان صاحبهما» أي تظلان من قرأهما وحفظهما وعقل معناهما وعمل بهما، فلك من أجل الظل في البقرة وآل عمران بقدر ما معك من مصاحبتهما وقد قال – صلى الله عليه وسلم- « العبد في ظل صدقته يوم القيامة» فكل تلك الأعمال يجمعها أن أصحابها جاهدوا أنفسهم للقيام بما أمرهم الله خالفوا أهوائهم في سبيل الفوز برضا الله  فجدوا واجتهدوا، ولا تقولوا تكون منازل لا فأن خالطك بنفسك مع جمع تبلغك تلك المنزلة فلس واحد تتصدق به بإخلاص فتخفيه إخفاء حتى لا تعلم شمالك ما تنفق يمينك تبلغك تلك المنزلة، سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.  اللهم اجعلنا منهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك الأمن يوم العرض عليك يا ذا الجلال و الإكرام، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والرشاد والغنى، أعنا على طاعتك، وأصرف عنا معصيتك، وخذ بنا وأوصلنا إلي ما تحب وترضى، واستعملنا في مراضيك، واصرف عنا معاصيك، صرف قلوبنا على طاعتك، واصرفنا عن معصيتك، اللهم إنا نسألك الهدى ظاهرا وباطنا، اللهم ارزقنا الهدى في أنفسنا وأهلينا وأولادنا وأزواجنا وآبائنا، وجميع أقاربنا وأحبابنا وسائر المسلمين يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك الهدى من فضلك فأهد قلوبنا إلي ما تحب وترضى، وأعنا ولا تعن علينا، وانصرنا على من بغى علينا، واجعلنا لك شاكرين راغبين أوابين مؤمنين، اللهم تقبل توبتنا، وثبت حجتنا، وسل الصغائر من صدورنا ممن يقبل عليك بلا اله إلا الله واجعل أخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله، وأحسن عواقبنا وخواتمنا، وأدخلنا في كل أمر مدخل صدق، وأخرجنا مخرج صدق واجعل لنا من لدنك سلطانا نصيرا يا رب العالمين، اللهم أمنا في أوطاننا، اللهم إنا نسألك التوفيق لولي أمرنا لما تحب وترضي، وأصرف عنا كل سوء وشر، اللهم أحفظ بلاد المسلمين من كل سوء وشر، اللهم من أراد بنا شرا فأجعل كيده في نحره وعجل بالفرج للمستضعفين من المؤمنين في كل مكان يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.

المشاهدات:7181
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله صفيه وخليله، خيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسانٍ إلى يوم الدين. 
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾  الحج1-2 .
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ النساء:1
أما بعد.
فاتقوا الله أيها المؤمنون فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلال وكل ضلالةٍ في النار.
عباد الله عجباً للإنسان كيف لا نعتبرُ بما نشاهده من آيات الله في خلقه.
﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾  الذاريات:21 .
عجبا للإنسان فإن في أقوال خلقه ما يدل على عظيم فضل ربه، وأنه عليِّ مقتدر، وإنه إليه راجع، وأنه لا محيص له ولا مناص عن الوقوف بين يديه يحاسبه على القليل والجليل، ففي أطوار خلقكم، ومنازلكم وأدوار حياتكم ما 02:14 قلوبكم بالله تعالى وتوثيقًا به.
﴿قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ﴾  عبس17-23 . هذه هو حال كل واحدٌ منا هذه أفضاله وأحواله، 
﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ﴾  الانشقاق: 19 .
أيها المؤمنون عباد الله سلُ أنفسكم أين الخلائق الذين كانوا من قبلكم، ألم يكن فيهم قومٌ جمعوا وفرحوا من الشهوات وشبعوا ألم يكن فيهم قومٌ أملوا البغاء فما نالوا فيها ما فرحوا، ألم يكن فيها أبوابٌ فنت أعماره بما غروا وخدعوا جاءهم ملك الموت على حين غفلةٍ وندرة فذلوا وخضعوا، وأخذوا من ديارها فلا والله ما رجعوا سألوا إلى ملكٍ حقٍ واتهموا بأحوالهم أنظروه شاهدوه اعتدلوا بأحوالهم، هم في القبور متفرقون فإن نفخ في الصور اجتمعوا ليومٍ عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين.
﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾  التغابن:9 .
وكيف قرر لأهل العلم أعينهم أو استلذوا لتلك العرش أو هجعوا والموت ينذرهم جهرًا علانيةً لو كان للقوم أسماعٌ لقد سمعوا.
ذكر الله في كتابه من الألوان من قاله -جل وعلا-: ﴿وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ﴾  طه:113  نوَّع الله الوعيد في كتابه ليوقظ القلوب، ولينبهها. ومن صور الوعيد الذي كان في الكتاب ما جاء من بيان أهواله من ميعاد فقد ذكر الله في كتابه من أهوال ذلك اليوم وأحواله ما يكشفه العظيم قدر ذلك اليوم كثير خطبه يقول الله تعالى في محكم كتباه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾  لقمان:33  مهما طالت وزالت وجملت. ﴿فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾  لقمان:33  الشيطان الذي يُسير لكم الدنيا، ويطيل فيها بقاءكم، ويؤملك فيها خلودًا، ودوامًا وعدم تحول.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾  الحج:1  هذا خبرٌ عظيم؛ ولذا قال العظيم عن شيءٍ إنه عظيم فذد أن عظمته تفوق الخيال ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾  الحج:1  ذكر شيئًا من هول هذا اليوم ﴿تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾  الحج1-2  السكارى لا عقول لهم، لا يصوبون هدفًا ولا يدركون مخرجًا بل هم في التراضي وأمن المريج ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾  الحج1-2 . هذا الذي غطاه عقولهم، وغيب أذهانهم، وأعمى أفكارهم فله بكر مخرجًا ولا نجاة لهم إلا برحمة الرحيم الرحمن في ذلك اليوم العظيم، في يوم القيامة أهوالٌ عظيمة، وأمورٌ جليلة ليست حكاوي، ولا أساطير، ولا قصص إنها حقائق سنراها من أيقن بها عمل من اجلها، ومن تعامل معها على أنه أفكار يؤمن بها أجنادًا لا أنكر لها في حياته فإنه لن ينتفع بتلك الأخبار، إن يوم القيامة فيه من الأهوال ما لا تقوم له السماء، ولا تثبت له راسيات الجبال وشارفاتها. يقول ربكم جلَّ في علاه: ﴿يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ﴾  المعارج8-9  المنفوش ﴿وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا﴾  المعارج:10  كل امرئٌ منا له شيء يغنيه في ذلك اليوم، يجمع الله تعالى الأولين والآخرين، يجمع الخلائق أجمعين من الإنس والجن، وسائر الخلق فيأتون في صحيحٍ واحد يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر لا حول لهم ولا قوة.
﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ﴾  إبراهيم:48  هذه الأرض وتتحول وتتغير فلا ضل فيها ﴿لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا﴾  طه:107  يتحول عن حالها الذي تشاهدوه فتكون على حالٍ من البسط والاستواء، والمد ما لا يكون فيه ملجأ لأحد، ولا يكون فيه معادٌ لمستعد ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾  إبراهيم:48  فنسأل الله العون على أهوال ذلك اليوم ومن أفضاله وعظيم أحواله أن الشمس تدلوا ما وصف لها، تدلوا الشمس التي تجدون لهيبها في قالب هذا المسجد على بعدها وعظيم المسافة بينكم وبينها تدلوا يوم القيامة بأمر الله الذي له الأمر كله جلَّ في علاه. ما شاء كان ومن لم يشأ لم يكن.
فلا تقل كيف فذاك يومٌ يختلف حاله عن حال هذا اليوم جاء رجلٌ فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- بقاءه في قول الله تعالى: ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا﴾  الإسراء:97  قال : إما يحشرهم على وجوههم. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الذي أنفاهم على أقلامهم قادرٌ على أن يحشرهم على وجوههم» سبحانه جلت قدرته فلا تقل كيف فذاك أمرٌ لا تجيبه عقولنا نؤمن بخبرٍ صادقٍ مصدوق نؤمن بما شاء به -صلى الله عليه وسلم- على الوجه الذي جاء به 
دون زيادة ولا نقص، تدنوا الشمس من رؤؤس الخلائق على قدر ميل حتى تكون على قدر ميل و ميل هو المسافة، وميل هو ميل المكحلة التي تكحل به العين، هذا وذاك ليس ببعيد وقلبه شديد وأمره خطير فإذا الشمس اليوم لا ولا انجلت عن موقعها أيا ما يكون لاحترقت الأرض ومن فيها فذاك يوم تختلف فيه الأحوال، ويكون فيه الناس على غير هذه الحال ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ۖ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار﴾  سورة إبراهيم آية 48 .  تدنو الشمس فيكون الناس في ذلك الموقف العظيم ذلك الموقف الشديد، ولك أن تتخيل هذا الموقف بأي اجتماع يزدحم فيه الناس، ويلتحمون ويتدافعون فهو يوم التناد يوم التزاحم يوم شده وكرب نسأل الله -تعالى-، تدنو الشمس من رؤؤس الخلائق فيكون الناس في ذلك اليوم على قدر أعمالهم في عرقهم وما يكون من رشحهم، فمنهم من يكون العرق إلى كعبيه، ومنهم من يكون العرق إلى ركبتيه، ومنهم من يكون العرق إلى حاكويه إلي نصف جسمه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما هذا التطابق، وذلك الاختلاف هو اختلافكم في أعمالهم اختلافكم في أحوالكم، يصدر الناس يوم القيامة ليرو أعمالهم، وأعمالهم شتى فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات، ومنهم من هو خارج عن دائرة أهل الإسلام، فهؤلاء يتفاوتون في الحال كذا ذكر سيد الأنام- صلوات الله وسلامة عليه- على اختلاف العرق في إلجامهم وليس للناس في ذلك اليوم ظل يستظلون به أو يصدعون به  أو يتوقون من حر الشمس ولهيب اقترابها منهم إلا حصائد أعمالهم. فأعمالكم تكون ظلا لهم وأعظم ظل يناله الإنسان في ذلك اليوم ظل التقوى نتبع قول- الله تعالى- 
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ ﴾  سورة المرسلات الآية 41 إن الظلال التي ذكرها -الله عز وجل- للمتقين إنه ليس من يكون في الجنة من النعيم فحسب، بل قبل ذلك ما يكون في يوم العرض من ظل يظله - الله تعالى- به يوم لا ظل إلا ظله، ذاك ظل التقوى التي هي صلاح القلوب واستقامتها، ذلك ظل التقوى الذي يحمل على أداء الواجبات وترك المحرمات والمسابقة في ألوان الخيرات، إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين أمنوا وكانوا يتقون، هنيئا لهم لهم البشرى في الحياة الدنيا، وليس ذلك فحسب بل وفي الآخرة ﴿ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾  سورة يونس الآية 64 وحده لا يتخلف ﴿ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾  سورة يونس الآية 64 . اللهم ارزقنا ذلك الفوز يا رب العالمين، أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم 
الحمد- لله رب العالمين- احمده حق حمده له الحمد كله وأوله وأخره وظاهره وباطنه، وأشهد أن لا اله إلا الله اله الأولين والآخرين، وأشهد أن -محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى أهله وصحبه- ومن يتبع سنته وأثره بإحسان إلي يوم الدين.
 أما بعد فاتقوا الله عباد الله اتقوا- الله تعالى- واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله  فذاك يوم عظيم يحتاج أن يكون حاضرا في قلوبنا وعقولنا وأعمالنا، قال: أبو عبد الله أحمد ابن حنبل لعلي ابن المديني إمام من أئمة أهل العلم في زمانه أوصني فقال: "ألزم التقوى واجعل في الآخرة وصية تشفع لك في الدنيا والآخرة"، الزم التقوى في كل ما تأتي وتذر، وما يعينك على لزوم التقوى أن تجعل الآخرة أمامك، فسرعان ما تتحول سرعان ما ننتبه مهما طالت أعمالنا فما هي إلا ساعة ثم تنقضي، ويصبح كل واحد منا رهينة عمله إما فرحان جليا بصالح عمله، وأما نادما خاسرا لتفريطه وتضييعه، فاتقوا الله أيها الناس فإن تقوى -الله تعالى- تقيكم الشرور والبليات فلا نجاه في الآخرة فلا نجاه في الدنيا إلا بتقوى -الله جل في علاه- يقول -الله تعالى
﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ ﴾  ۚ  سورة الزمر الآية 60 بلى والله ثمة مثوى نسأل الله السلامة منه ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ  ﴾  سورة الزمر الآية 61 ولا أولئك الذين قاموا بأمر الله وبادروا إلى طاعته واشتغلوا بما يحب الله –جل في علاه – جهدهم، وفزعوا إليه بالتوبة والاستغفار، عباد الله الدنيا دار عمل والآخرة دار جزاء فما تزرعه اليوم تحصده غدا، أعمالك خيرها وشرها، صالحها وفاسدها سترافقك وتقابلك في كل أحوالك في دنياك وفي قبرك وفي بعثك وفي شغلك وفي عبورك على الصراط، ثم بعد ذلك في مثواك ومنقلبك ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير﴾  سورة الشورى الآية 7 .
فاختر لنفسك في أي الفريقين تكون فريق في الجنة -نسأل الله أن نكون منهم-، وفريق في السعير، أيها المؤمنون إن ما يؤلمكم من حال الدنيا ويؤذيكم لا يقارن بما في الآخرة من حر النار، أي قوم اختلفوا على طاعة الله من أجل حرارة الجو فقالوا لا تنفروا في الحر قال- الله تعالى- لرسوله قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون، فحر هذه الدنيا مهما بلغ فإنه لا يقارن بحر الآخرة، فتوقوا حر ذلك اليوم بتقوى الله -تعالى-، اليوم قد أخبر الله -تعالى- ورسوله عن أعمال تكون ظلال لأصحابها لو ضحى الإنسان إلى الشمس في هاجرة اليوم وفي رابعة النهار وشده القيظ ما الذي يؤمنه؟ يؤمنه ظلا يقيه حر النار وماء يبرد  كبده بروده لجوفه وبروده لظاهرة وليس بإدارك ذلك إلا بطاعة الله في ذلك اليوم، في ذلك اليوم أعمالكم هي ظلالكم، فالتقوى أعظم ظل يستظل به العبد، إن المتقين في ظلال وعيون ،لا ظل فيه يؤوي ولا يلتجأ إليه بما هو جدير  بمن هداه من شمس الدنيا اليوم أن يستعد للحر الأعظم يوم تدنو الشمس من الرؤوس، واعلموا أيها المؤمنون أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قد بين في أحاديث عديدة تلك الأعمال التي تكون ظلا لأصحابها يوم القيامة، وجامع تلك الأعمال هو مجاهدة النفس ومخالفه الأهواء، تأمل كل الأحاديث التي أخبر فيها النبي – صلي الله عليه وسلم – عن ظل ينتفع به الناس يوم القيامة تجد أن المعني المشترك التي ذكرها في كل الأحاديث هو أن الإنسان فاز بمجاهده نفسه ومخالفه هواه في الصحيحين حديث أبي بكر -رضي الله تعالى- عنه قال النبي- صلى الله عليه وسلم-
 « سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله استمع إلي هؤلاء إمام عابد شاب نشأ في عباده  الله، رجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل جاءته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله رب العالمين، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» فاضت عيناه  تشمل بكاء الندم عن الذنوب وبكاء الخوف والخشية وبكاء المحبة والتعظيم، تلك الأعمال الجليلة هي مما يستظل به الناس يوم القيامة فاختر لنفسك عملا تستظل به في ذلك اليوم وقد قال – صلى الله عليه وسلم- « من أنبر معسرا أو وضع عن معسرا (لا يستطيع الوفاء بديونه) من أنبر معسرا أو وضع عنه  أظله الله في ظله» في ذلك اليوم  العظيم العصيب الشديد والقرآن ظل لأصحابه بل سورة البقرة وآل عمران تظلان صاحبها يوم القيامة يقول -صلى الله عليه وسلم- «أقرءوا الزهراوين البقرة وآل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كالغمامتين (يعني السحابتين) أو كالطير السباط (يعنى سبط الطير الطيور المهاجرة) تظلان صاحبهما» أي تظلان من قرأهما وحفظهما وعقل معناهما وعمل بهما، فلك من أجل الظل في البقرة وآل عمران بقدر ما معك من مصاحبتهما وقد قال – صلى الله عليه وسلم- « العبد في ظل صدقته يوم القيامة» فكل تلك الأعمال يجمعها أن أصحابها جاهدوا أنفسهم للقيام بما أمرهم الله خالفوا أهوائهم في سبيل الفوز برضا الله 
فجدوا واجتهدوا، ولا تقولوا تكون منازل لا فأن خالطك بنفسك مع جمع تبلغك تلك المنزلة فلس واحد تتصدق به بإخلاص فتخفيه إخفاء حتى لا تعلم شمالك ما تنفق يمينك تبلغك تلك المنزلة، سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
 اللهم اجعلنا منهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك الأمن يوم العرض عليك يا ذا الجلال و الإكرام، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والرشاد والغنى، أعنا على طاعتك، وأصرف عنا معصيتك، وخذ بنا وأوصلنا إلي ما تحب وترضى، واستعملنا في مراضيك، واصرف عنا معاصيك، صرف قلوبنا على طاعتك، واصرفنا عن معصيتك، اللهم إنا نسألك الهدى ظاهرا وباطنا، اللهم ارزقنا الهدى في أنفسنا وأهلينا وأولادنا وأزواجنا وآبائنا، وجميع أقاربنا وأحبابنا وسائر المسلمين يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك الهدى من فضلك فأهد قلوبنا إلي ما تحب وترضى، وأعنا ولا تعن علينا، وانصرنا على من بغى علينا، واجعلنا لك شاكرين راغبين أوابين مؤمنين، اللهم تقبل توبتنا، وثبت حجتنا، وسل الصغائر من صدورنا ممن يقبل عليك بلا اله إلا الله واجعل أخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله، وأحسن عواقبنا وخواتمنا، وأدخلنا في كل أمر مدخل صدق، وأخرجنا مخرج صدق واجعل لنا من لدنك سلطانا نصيرا يا رب العالمين، اللهم أمنا في أوطاننا، اللهم إنا نسألك التوفيق لولي أمرنا لما تحب وترضي، وأصرف عنا كل سوء وشر، اللهم أحفظ بلاد المسلمين من كل سوء وشر، اللهم من أراد بنا شرا فأجعل كيده في نحره وعجل بالفرج للمستضعفين من المؤمنين في كل مكان يا رب العالمين، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، وصل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : فابتغوا عند الله الرزق ( عدد المشاهدات18648 )
4. خطبة: يسألونك عن الخمر ( عدد المشاهدات11972 )
8. خطبة : عجبا لأمر المؤمن ( عدد المشاهدات9156 )
12. الاجتهاد في الطاعة ( عدد المشاهدات8021 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف