السلامُ عليكُمْ ورحْمَةُ اللهِ وَبَركاتُهُ، الحمْدُللهِ ربِّ العالمينَ، الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، مالِكِ يَوْم الدِّينِ، أَحْمَدُهُ لا أُحْصِي ثَناءً عَلَيْهِ، هُوَ أَحَقُّ مَنْ حُمِدَ، وأَجَلُّ مَنْ ذُكِرَ، لَهُ الحَمْدُ كُلُّهُ، أَوَّلُهُ وآخِرُهُ، ظاهِرُهُ وَباطِنُهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُ اللِه وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبعَ سُنَّتَهُ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أمَّا بَعْدُ:
فحيَّاكُمُ اللهُ .. أَيُّها الإِخْوَةُ وَالأَخَواتُ .. في هَذِهِ الحلَقَةِ الجَدِيدَةِ مِنْ بَرْنامجِكُمْ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ الدُّعاءُ أَيُّها الإِخْوَةُ وَالأَخَواتُ .. مُناجاةُ، اسْتِحْضارُ هَذا المعْنَى، ضَرُورَةً لِلتَّحَلِّي بِالآدابِ الفاضِلَةِ، الدُّعاءُ مُناجاةٌ لِرَبِّ العالمينَ، يُناجِي فِيهِ الإِنْسانُ ربَّهُ، يُخاطِبُ فِيهِ خالِقَهُ، يتكلَّمُ فِيهِ مَعَ مَنْ بِيدِهِ مَلَكوتُ كُلِّ شيءٍ، فَجَدِيرٌ بِالمؤْمِنِ، وَالمؤْمِنَةِ، وَهُوَ يُخاطِبُ اللهَ ـ تَعالَى ـ أَنْ يتَحَلَّى بِأَكْمَلِ ما يَسْتطِيعُ مِنَ الآدابِ، وَأَنْ يَتَحَلَّى بِأَعْلَى ما يُمْكِنهُ مِنْ طَيِّبِ الخِصالِ، أَنْ يَكُونَ عَلَى أَكْمَلِ ما يَسْتَطِيعُ مِنَ القَوْلِ، وَالحالِ، وَالظَّاهِرِ، وَالباطِنِ، حَتَّى يَكُونَ دُعاءَهُ مَقْبُولاً، حتَّى يَكُونَ دُعاءَهُ مَرْضِيّاً، حَتَّى يَكُونَ دُعاؤُهُ عظيمَ المقامِ عِنْدَ رَبِّ العالمينَ.
اللهُ ـ جلَّ وَعَلا ـ رَفَعَ مَقامَ الدُّعاءِ، وَجَعَلَهُ العِبادةَ كُلَّها، كَما جاءَ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ، عِنْدَ التَّرْمِذِيِّ، مِنْ حَدِيثِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ – رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُ – قالَ: قالَ رَسُولُ ﷺ: «الدُّعاءُ هُوَ العِبادَةُ»سُنَنُ أَبي دُاودَ ﴿1479﴾ وصحَّحَهُ الأَلْبانِيُّ إِنَّ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ، أَنَّ أصْلَ الآدابِ في كُلِّ العباداتِ، هُوَ الإِخْلاصُ للهِ عزَّ وَجَلَّ.
فإِخْلاصُ العَمَلِ للهِ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ هُوَ أَصْلُ كُلِّ عِبادَةٍ، وَالدُّعاءُ عِبادَةٌ، فَيَنْبغِي أَنْ يكُونَ الإِخْلاصُ فِيها حاضِراً، فَلا يُلْتَفَتُ إِلَى سِوَى اللهِ، وَلا يعِلّق قَلْبَهُ بِغَيْرِهِ، كَما قالَ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ: ﴿وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ﴾ وكما قالَ ـ جلَّ في عُلاهُ ـ: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾الجن:18 .
أَخْلصْ دُعاءَكَ بِاللهِ، علَّقْ قَلْبَكَ بِهِ؛ فَلا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُهُ، وَلا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُهُ، لا يأْتي بِالحَسناتِ إِلَّا هُوَ، وَلا يَدْفَعُ السَّيِّئاتِ إِلَّا هُوَ، لا مانَعَ لما أَعْطَى، وَلا مُعْطَي لما مَنَعَ، إِذا اعْتَقَدَ العَبْدُ هَذا لم يجدْ في قلْبِهِ الْتِفاتاً إِلَى سُوَى اللهِ، لم يجِدْ في قَلْبِهِ مَيْلاً إِلَى غَيْرِهِ، بَلْ سَيُعلَِّقُ قَلْبُهُ بِاللهِ، وَإِذا علَّقَ العَبْدُ قَلْبَهُ بِاللهِ كانَ في غايَةِ السُّمُوِّ، وَفي غايَةِ القُوَّةِ، وَفي غايَةِ الامْتِناعِ مِنْ كُلِّ ما يَضُرُّهُ، فَإِنَّ التعلُّقَ بِاللهِ مِفْتاحُ السَّعادَةِ، مِفْتاحُ النَّجاحِ، مِفْتاحُ إِدْراكِ المطالِبِ، مِفْتاحُ الأَمْنِ مِنْ كُلِّ مَرْهُوبٍ، وَمَخُوفٍ، لِذَلِكَ عَلِّقْ قَلْبَكَ بِاللهِ، فَإِنَّ تَعْلِيقَ قَلْبَكَ بِاللهِ يَقْطَعُ عَنْكَ كُلَّ ما تخافُهُ، وَلِذَلِكََ قالَ الصَّرْصَرِيُّ – رَحِمَهُ اللهُ – في أَبْياتٍ جَمِيلَةٍ، يُقارِنُ بَيْنَ مَنْ علَّقَ قَلْبَهُ بِاللهِ، وَبيْنَ مَنْ عَلَّقَ قَلْبَهُ بِغَيْرِ اللهِ، يَقُولُ:
إِذا انْقَطَعَتْ أَطْماعُ عَبْدٍ عَنِ الوَرَى*** تعلَّقَ بِالربِّ الكَرِيمِ رَجاءُهُ
فَأَصْبَحَ حُرّاً عِزَةً وَقَناعَةً*** عَلَى وَجْهِهِ أَنْوارُهُ وَضِياءُهُ
هذَهِ حالُ مَنْ علَّقْ قَلْبَهُ بِاللهِ، قَوَّةً، وَعِزَّةً، وَقَناعَةً، وَبَهْجَةً، وَضِياءً، وَنُورًا، هَذِهِ حالُ الموَحِّدِينَ، هَذِهِ حالُ مَنْ لا يَقُولُ إِلَّا: يا اللهُ، يا رَبُّ، لا يَلْتَفَتْ إِلَى سِواهُ، وَلا يتعلَّقُ بِغَيْرِهِ، بَلْ هُوَ مُخْلِصٌ للهِ في دُعاءِهِ، لَكِنْ عِنْدَما يَلْتَفِتُ إِلَى الخلْقِ، وَيَعْلُقُ قَلْبَهُ بِهِمْ، وَيَرْجُوا مِنْهُمْ ما لا يُرْجَى إِلَّا مِنَ اللهِ، عِنْدَ ذَلِكَ يَقَعُ في غايَةِ البُعْدِ عَنِ السَّعادَةِ، وَالطُّمَأْنِينَةِ، وَلِذَلِكَ يَقُولُ:
وَإِنْ عَلَّقْتَ في الخلْقِ أَطْماعَ نَفْسِهِ*** تَباعدَ ما يَرْجُوا وَطالَ عَناءُهُ
"تَباعَدَ ما يَرْجُوا" ما يَرْجُوهُ لَنْ يَنالَهُ، ثُمَّ إِنَّهُ فَوْقَ هَذا يَجِدُ مِنَ المشَقَّةِ، وَالعَناءِ، ما لا يجدُهُ أَولَئِكَ المخْلِصُونَ للهِ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ يَقُولُ اللهُ ـ تَعالَى ـ في مُحكَمِ كِتابِهِ: ﴿وأنهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرجالٍ مِنَ الجَنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقا﴾ أيْ زادُوهُمْ عَناءً، وَمَشَقَّةً، وَتَعباً لأَنَّ قُلُوبَهُمْ التَفَتَتْ إِلَى غَيْرِ اللهِ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ فَمنَ المهِمِّ لِلمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ قَلْبُهُ للهِ خالِصاً، هَذا الأَدَبُ أَساسٌ، وَإِذا اسْتَحْضَرَهُ المؤْمِنُ بَحَثَ عَنْ أَسْبابِهِ، وَمِنْ أَسْبابِ ذَلِكَ:
أنْ يَكُونَ العَبْدُ في غايَةِ الثَّناءِ عَلَى اللهِ، في غايَةِ التَّمْجِيدِ لَهُ، في غايَةِ ذِكْرهِ لأَسْمائهِ، وَصِفاتِهِ الموجَبَةِ لإِجابَةِ الدُّعاءِ، لهذا كانَ مِنْ آدابِ الدُّعاءِ: أَنْ يُثْنِيَ العَبْدُ عَلَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ في دُعاءِهِ، بِذِكْرِ أَسْماءِهِ، وَصِفاتِهِ، بِذِكْرِ جَمِيلِ أَفْعالِهِ، وبَدِيعِ صُنْعِهِ، فَمِنْ أَعْظَمِ أَبْوابِ القُرْبِ إِلَيْهِ، وَمِنْ أَوْسَعِ طُرُقِ نَوالي ما عنْدَ اللهِ ـ عزَّ وجَلَّ ـ مِنْ إِحْسانٍ، وَفَضْلٍ، أَنْ يَذْكُرَ العَبْدُ مَجْدَ رَبِّهِ ـ جلَّ في عُلاهُ ـ أَنْ يُمجِّدَهُ، أَنْ يُقدِّسَهُ، أَنْ يُذكُرَهُ، وَأَنْ يُثْنِيَ عَلَيْهِ بِالخَيْرِ، فَإنَّهُ مَنِ اشْتَغَلَ بِالثناءِ عَلَى اللهِ، انفتحَ لَهُ أَبْوابُ العَطاءِ، لِذَلِكَ جاءَ في المسْنَدِ، وَالسُّنَنِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي سعيدٍ الخدْرِيِّ – رَضِيَ اللهُ تعالَى عنهُ – أَنَّ النَّبيَّ ﷺ قالَ: "مَنْ شغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتي أَعْطَيْتُهُ خَيْرَ ما أُعْطِي السَّائِلِينَ".
قِفْ عِنْدَ هَذا الحَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْري عَنْ مَسْأَلَتِي» في ذكرِ اللهِ، وَمَسْأَلَةِ اللهِ، يَقُولُ فِيما يُخبِرُ بِهِ عَنِ اللهِ: «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي» أَيْ ذِكْرُ اللهِ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ: «عَنْ مَسْأَلَتي» وَطَلَبهِ، وسؤالِ الحوائِجِ، فَإِنَّ اللهَ ـ تَعالَى ـ مِنْ كَرَمِهِ يُعْطِيهِ: «أَعْطَيتُهُ خَيْرُ ما يُعْطِي السَّائِلِينَ»سُنَنُ الدَّارِمِيِّ (3399)، وضَعَّفَهُ الأَلْبانِيُّ . ذَلِكَ فَضْلُهُ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ فَمَنِ اشْتَغَلَ بِالثَّناءِ عَلَى اللهِ عزَّ وَجَلَّ، مَنْ اشْتَغَلَ بِتَمْجِِيدِهِ، وَتَقْدِيسِهِ، وَذِكْرِ كَمالاتِهِ في أَسْمائِهِ، وَصِفاتِهِ، وأَفْعالِهِ، نالَ مِنْهُ العَطاءَ، وَقَدْ قالَ سُفْيانُ في تَعْلِيقِهِ عَلَى أَبْياتِ لأُمَيَّة بْنِ أَبي الصَّلْتِ يُثْنِي فِيها عَلَى عَبْدِاللهِ بْنِ جُدْعان، قالَ فِيها:
أأذكرُ حاجَتي أَمْ قَدْ كَفاني – أُمَيَّةُ يَتَعَرَّضُ لِعَبْداللهِ بْنِ جُدْعانَ، وَهُوَ مِنَ الكُرماءِ في الجاهِلِيَّةِ، وَأَصْحابِ العَطاءِ، يَقُولُ:
أأَذْكُرُ حاجَتي أَمْ قَدْ كَفاني*** حَياؤُكَ إِنَّ شِيمتَكَ الحياءُ
إِذا أَثْنَى عَلَيْكَ المرْءُ يَوْماً*** كَفاهُ مِنْ تَعْرُّضِهِ الثَّناءُ
إذا ذَكَرَكَ بِالجَمِيلِ هَذا كانَ كافِياً، في أَنَّ تُعْطِيَهُ فَضْلاً عَنْ أَنْ يَسْأَلَ، أَوْ أَنْ يطلُبَ حاجتهُ، فَإذا كانَ هَذا في حقِّ المخلُوق، فكيفَ في حقِّ الخالقِ؟ الَّذي غمَرَنا بِإِحْسانِهِ، وَتَفَضَّل عَلينا بإِنْعامهِ، ولمْ نَنْفَكَّ عَنْ عَطاءِهِ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ في حالٍ مِنَ الأَحْوالِ، وَلا في لحظَةٍ مِنَ اللَّحَظاتِ، فَينبغِي لِلمُؤْمِنِ، أَنْ يَسْتَحْضِرَ أَنَّ الثَّناءَ لَيْس تَقْصيراً في الطَّلَبِ، وَلا إِبْعاداً لِلمَسْأَلَةِ، بَلِ الثَّناءُ هُوَ طَلَبٌ بِأَعْلَى ما يكُونُ مِنْ أَسْبابِ الطَّلَبِ، فَإِنَّ ذِكْرَكَ للهِ، وَتمجيدِكَ لَهُ، يَفْتحُ لَكَ أبْوابَ العَطاء، وَإذا سأَلْتَ المطالب، فقدِّمْ بَيْنَ يَدَيْ ذَلِكَ حَمْداً، وَثَناءً، هَذِهِ سُورَةُ الفاتِحَةِ عَلَى سَبِيلِ المثالِ، وَهِيَ أمُّ القُرْآنِ، "وأَعْظَمُ سُورَةٍ فِيهِ" كَما في الصَّحيحِ منْ حَدِيثِ أَبي سَعِيدٍ بْنِ المُعلَّى، افْتَتَحها اللهُ ـ تَعالَى ـ بحمْدِهِ، وَالثَّناءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ جاءَ بَعْدَ ذَلِكَ السُّؤالُ، وَالطَّلَبُ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ هَذا تمجِيدُ: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ هَذا تَقْدِيسٌ: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ هَذا ثَناءٌ، وَإِطْراءٌ في ذِكْرِ: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ وهَذا تَوَسُّلٌ إِلَيْهِِ بالإِخْلاصِ في العِبادَةِ، وَالافْتِقارِ إلَى إِعانَتِهِ، جاءَ بَعْدَ ذَلِكَ السُّؤالُ، وَالطَّلَبُ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)﴾ إنَّ سورةَ الفاتحَةِ تُرْسِي الأَدَبَ، الَّذي يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحْضِرَهُ المؤْمِنُ في دُعاءِ اللهِ، وَسُؤالِهِ، يَبْدأُ أَوَّلاً بحمْدِ اللهِ، وَالثَّناءِ عَلَيْهِ، وَبِتَمْجِدِهِ، وَتَقْدِيسِهِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَسْأَلُ ما شاءَ مِنَ المساءِلِ، لهذا جاءَ في الصَّحِيحِ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ فِيما يَرْوِيهِ عنْ رَبِّهِ: "قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْني وَبَيْنَ عَبْدِي نصفَيْنِ وَلِعَبْدِي ما سَأَلَ، فَإِذا قالَ العَبْدُ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ قالَ اللهُ تَعالَى: حَمِدَني عَبْدِي، وَإِذا قالَ: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ قالَ الرَّبُّ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ: أَثْنَى عَليَّ عَبْدِي، وَإِذا قالَ: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ قالَ الرَّبُّ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ: مجَّدني عَبْدِي، وَإِذا قالَ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ قالَ الربُّ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ: هَذا بيْني وَبَيْنَ عبْدِي" انظُرْ أَنَّ الدُّعاءَ مُناجاةٌ، فَكُلُّ كَلِمَةٍ تَقُولُها يُِجيبُكَ اللهُ ـ تَعالَى ـ عَلَيْها: "ثُمَّ ِإذا قالَ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: هَذا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي ما سَأَلَ"صَحِيحُ مُسْلِمٍ (395) فَكانَ المبْدَأُ في هَذا السُّؤالِ، وَفي هَذا الطَّلَبِ، الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ، وَأَعْلَى المساءِلِ، كانَ مَبْدأُهُ ماذا أَيُّها الإِخْوةُ والأَخَواتُ؟ كانَ مَبْدَأُهُ الثَّناءَ، والتَّمْجيدَ، وَالتَّقْدِيسَ للهِ عزَّ وجَلَّ، وَالحَمْدُ لهُ سُبْحانهُ وبحمْدِهِ.
لهذا ينْبَغِي لِلمُؤْمِنِ أَنْ يَسْتَحْضِرَ أَنَّ مِفْتاحَ عَطاءِ: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ هُوَ الإخلاصُ لَهُ بِالقَلْبِ، وَالثَّناءُ عَلَيْهِ بِالتَّمْجِيدِ، وَالتَّقْدِيسِ، وَالتنزِيهِ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِعطاءِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَلهذا جاءَ عَنِ النَّبيِّ ﷺ أَنَّهُ قالَ: "إِذا صلَّى أَحَدكُمْ" أَيْ إِذا دَعا: "فَلْيَبْدَأْ بحمْدِ اللهِ، وَالثَّناءِ عَلَيْهِ" وَهَذا مِفْتاحُ كُلِّ عطاءٍ: "ثُمَّ لِيُصلِّ علَى النَّبيِّ ﷺ، ثُمَّ لِيَدْعُ بَعدُ بِما شاءَ"سننُ التِّرْمِذيِّ (3477) هكذا يكون الترتيب في السؤال، والطلب، ابدأ بحمدالله، والثناء عليه، ثم الصلاة على النبي ﷺ، ثم سل الله ـ عزّ وجل ـ ما شئت من الفضل، فإنهُ يُعطي عطاءً جزيلاً ـ سبحانهُ وبحمده ـ ولن تبلُغَ ما عندَ الله من فضل إلا بتمجِده، وتقدِسهِ، وحُسْنِ الثَّناءِ عَلَيْهِ سُبْحانَهُ وَبِحمْدِهِ، فانْتبِهْ إِلَى هَذا الأَدَبِ، الَّذِي لَهُ شَواهِدُ كَثِيرَةٌ في الكِتابِ، وَالسُّنَّةِ، وَسَنَقِفُ عَلَى شَيْءٍ مِنْها في الحَلَقَةِ القادِمَةِ إِنْ شاءَ اللهُ.. اللهُمَّ أَعِنَّا عَلَى طاعَتِكَ، وَاسْلُكْ بِنا سَبِيلَ أَوْلِياءكَ، وَارزُقْنا ذِكرَكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبادَتِكَ، إِلَى أَنْ نَلْقاكُمْ في حَلْقةٍ قادِمَةٍ مِنْ بَرْنامجكُمْ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ أستودِعُكُمُ اللهَ الَّذي لا تَضِيعُ وَدائِعُهُ، وَالسَّلامُ عليْكُمْ ورحْمَةُ اللهِ وَبَركاتُهُ