السلامُ عليكُمْ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ، أَهْلاً وَسَهْلاً وَمَرْحباً بِكُمْ.. أيُّها الإِخْوَةُ والأَخَواتُ.. في هَذهِ الحلقةِ الجديدَةِ مِنْ بَرنامجكُمْ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾.
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ أَحمدُهُ حقَّ حمدهِ، لا أُحْصِي ثَناءً عليْهِ هُوَ كَما أثْنَى علَى نفسهِ، وأشهدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدهُ لا شَريكَ لهُ، وأَشْهدُ أَنَّ محمَّداً عبدُهُ ورسُولُهُ، وصَفيهُ وخليلُهُ، وخيرتُهُ مِنْ خَلْقهِ، صَلَّى اللهُ عليهِ وعلَى آلِهِ وَصَحْبهِ، ومنِ اتَّبعَ سُنتهُ، واقْتَفَى أثَرَهُ بإحْسانٍ إِلَى يوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بعْدُ:
فهذهِ حلقَةٌ جَديدةٌ مِنْ بِرْنامجكُمْ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ وَقَدْ أَمَرَ اللهُ ـ تَعالَى ـ عِبادهُ بِدُعائِهِ، وَفي هَذِهِ الآيَةِ لم يُبيِّن اللهُ ـ جَلَّ وَعَلا ـ سُوَى الأَمْرِ بِالدُّعاءِ، وَالوعْدِ بِالإجابَةِ، وَبَيانِ حالِ، وَعُقُوبَةِ مَنْ تخلَّفَ عَنْ هَذا الأَمْرِ، فَقالَ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾غافر:60 جاءَ في آياتٍ أُخْرَى ما يُبيَّن الآدابَ، وَالخِصالَ الَّتي يَنْبَغِي أَنْ يَتَحلَّى بِها الدَّاعُونَ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ ـ جلَّ في عُلاهُ ـ: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾الأعراف:55 هذِهِ الآيةُ الكريمةُ أَمَرَ اللهُ بِدُعائِهِ عَلَى حالٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُتضَرِعاً في دُعاءِهِ: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا﴾ أيْ حالَ كَوْنِكُمْ مُتضَرِّعِينَ: ﴿وَخُفْيَةً﴾ أيْ وَحالَ كَوْنِكُمْ مُختَفِينَ، حالَ كَوْنِكُمْ غَيْرَ مُظْهِرينَ هَذا الدُّعاءُ، وَغَيْرَ مُبدِناهُ علَى نْحوٍ يُخْرُجُ بِهِ العَبْدُ عَنِ الاخْتِفاءِ، وَالسِّرِّ الَّذي بِهِ يَصِلُ العَبْدُ إِلَى الإِخْلاصِ في العَمَلِ، وَفي القَوْلِ.
إنَّ اللهَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ أَمرَ بِالضَّراعَةِ إِلَيْهِ، وَقَدْ بيَّنَ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ أَنَّ الضَّراعَةَ سببٌ لِلنَّجاةِ، وَسَببٌ إِلَى السَّلامَةِ مِنَ الهلاكِ، فَقالَ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾الأنعام:43 وهُنا يتبيَّنُ الصِّلَةَ بَيْنَ الضَّراعَةِ وَلِينِ القَلْبِ، بَيْنَ الضَّراعَةِ وَعَدَمِ قَسْوَةِ القَلْبِ، فَإِنَّ الضَّراعَةَ ثَمرةُ القَلْبِ الخاشِعِ، الضَّراعَةُ ثَمرةُ القَلْبِ المقْبَلِ عَلَى اللهِ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ فبِالضَّراعَةِ تُسْتدفعُ النقِمُ، بِالضَّراعَةِ يُسْتدْفَعُ البَلاءُ، وقدْ تكلَّمْنا عَنْ هَذا في حَلْقَةٍ ماضِيَةٍ، وَنَحْنُ بِحاجَةٍ إِلَى تَكْرارِهِ، وَتَأْكِيدِ هَذا المعْنَى، لِيَكُونَ في حالِ سؤالِنا، وَدُعاءِنا لِربِّنا جلَّ في عُلاهُ.
إِنَّهُ مِنَ المهِمِّ لَكُلِّ دَاعي، أَنْ يَكُونَ في دُعاءِهِ مُتضَرِِّعاً لِرَبِّهِ، وَالضَّراعَةُ مَبْدَؤُها قلْبٌ خاشِعٌ، وَلِسانٌ للهِ ذَاكِرٌ، وَبَدَنٌ لَهُ خاضِعٌ، فَالضَّراعَةُ تَكُونُ+القلبِ، وتَكُونُ بِاللِّسانِ، وَتَكونُ في الحالِ، وَلهذا في وَصْفِهِ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ عِنْدما خَرَجَ لِلدُّعاءِ، وَهُو في خُرُوجِهِ لِلاسْتِسْقاءِ، قالَ الصَّحابَةُ – رَضِيَ اللهُ تَعالَى عنْهُمْ – في وَصْفِ خُرُوجِهِ، كَما في المسْنِدِ، وَالسُّنَنِ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبَّاسٍ قالَ: «خَرجَ رسُولُ اللهِ ﷺ مُتَواضِعاً، مُتذلِلاً، مُتخَشِّعاً، مُترسِلاً، مُتضرِعاً»مُسندُ أَحْمَد (2039) وقالَ مُحقِّقُو المسْنَدِ: إِسْنادُهُ حَسَنٌ هذهِ خصالُ جَمَعَها وَصْفُ التضرعِ، فَإِنَّ التَّواضُعَ، وَالتبذُّلَ، وَالتخَشُّعَ، وَالترسُّلَ: وَهُوَ السُّكونُ في السيرِ، وَعَدَمِ الوَطْءِ عَلَى الأَرْضِ بِكِبْرٍ، وَعُلُوِّ، كُلُّها يجْمَعُها مَعْنَى التَّضَرُّعِ.
فَكانَ النبيُّ في طَرِيقهِ لِسُؤالِ ربِّهِ الغَيْثَ، في طَرِيقِهِ لِسُؤالِ رَبِّهِ أَنْ يَسْقِيَهُمْ، وَقَدْ أَجْدَبَتْ أَرْضُهُمْ، وَقَحَطَتْ سَماؤُهُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذِهِ الحالِ.
كانَ عَلَى هَذِهِ الحالِ – صَلَواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ – مِنَ الذُّلِّ، وَالانْكِسارِ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّه قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ، فَيَنْبَغِي لِلدَّاعِي أَنْ يَسْتَشْعِرَ هَذا المعْنَى، أَنْ يَسْتَشْعِرَ معْنَى الضَّراعَةِ للهِ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ حَتَّى يُدْرِكَ ما أَمْرَ اللهُ ـ تَعالَى ـ بِهِ مِنْ وَصْفٍ في الدُّعاءُ: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ إنَّ أَعْظَمَ ما يَقْذِفُ في قَلْبِكَ التَّضرُّعَ، أَنْ تَتَذَكَّرَ عَظِيمَ حاجَتِكَ إِلَى اللهِ عزَّ وَجَلَّ.
كُلُّنا في الحاجَةِ إِلَى اللهِ، كَذاكَ الَّذي رَكِبَ خَشَبةً في البَحْرِ لَيْس لَهُ مُنْجٍ، وَلا ثَمَّةَ حَبْلُ نَجاةٍ إِلَّا أَنْ يَقُولَ: يا رَبُّ يا رَبُّ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يُدْرِكَهُ بِرَحْمَتِهِ، ويُنجَّيهِ مِنَ الغَرَقِ، أَرَأَيْتَ هَذَهِ الحالَ كَيْفَ يَكُونُ فِيها الإِنْسانِ في غايَةِ الذُّلِّ؟ في غايَةِ الضَّراعَةِ للهِ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ في غايَةِ الانْكِسارِ وَالافْتِقارِ لَهُ ..
هذهِ الحالِ الَّتي يَنْبَغِي أَنْ يكُونَ عَلَيْها كُلُّ دَاعٍ، نحْنُ مَهْما تَبايَنَتْ أَحْوالُنا، حَقِيقَةُ أَمْرِنا كَحالِ ذاكَ الرَّجُلِ، الَّذي لمْ يجِدْ في لُجَّةِ البَحْرِ إِلَّا خَشَبَةً، يجْلِسُ علَيْها أَوْ يَتَمَسَّكُ بِها لِيَنْجُو، وَلَيْسَ ثَمَّةَ ما يُنَجِّيهِ إِلَّا أَنْ يَقُولَ: يا رَبُّ يا رَبُّ، يَسْأَلُ اللهَ تَعالَى أَنْ يُخْرِجاهُ مِنْ هَذِهِ الحالِ، وأَنْ يَنْجُوَ بِهِ مِنْ هَذِهِ الكُرْبَةِ، نَحْنُ جَمِيعاً كَذَلِكَ الرَّجُلِ، نَحْنُ جَمِيعاً عَلَى هَذِهِ الحالِ مَهْما كانَتْ حالُنا مِنَ الغَنِىِّ.
الغِنىَ ظاهِرٌ لَكِنْ حَقِيقَةُ الأَمْرِ أَنَّنا إِلَى اللهِ فُقَراءٌ، فَلَوْ لمْ يُدْرِكْنا بِرَحْمَتِهِ، وَلَوْ لمْ يُدْرِكْنا بِفَضْلِهِ، وَعَطاءِهِ، وَإِحْسانِهِ هَلَكْنا، وَلَوْ كانَ عِنْدَنا مالُ قارُونَ، ولَوْ كانَ عنْدِنا مِنَ القُوَّةِ قُوَّةُ فَرْعَوْنَ، وَلَوْ كانَ عِنْدَنا مِنَ المُكنَةِ ما عِنْدَنا، فَنَحْنُ لا شَيْءَ لَوْلا فَضْلُ اللهِ، نَحْنُ لا شَيءَ لَوْلا عَوْنُهُ، نَحْنُ لا شَيْءَ لَوْلا رَحْمَتُهُ:
إِذا لَمْ يَكُنْ عَوْنٌ مِنَ اللهِ لِلفَتَى *** فَأَوَّلُ ما يَجْني عَلَيْهِ اجْتِهادُهُ
"لا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ" كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الجنَّةِ كَما قالَ النبيُّ ﷺصَحيحُ البُخارِيِّ (4205)، وَمُسْلِمٍ (2704) ، لأَنَّها إِعْلانٌ حَقِيقِيٌّ لحالِ الإِنْسانِ، وأَنَّهُ لا حَوْلَ لَهُ، أَيْ لا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى التَّحَوُّلِ مِنْ حالٍ إِلَى حالٍ، وَلا انْتِقالَ لَهُ مِنْ مَقامٍ إِلَى مَقامٍ إِلَّا بِاللهِ عزَّ وَجَلَّ، اسْتَحْضارِ المعْنَى، وَإِدْراكِ هَذا الأَمْرَ مِمَّا يَقْذِفُ في قَلْبِكَ ضَرُورَةَ الضَّراعَةِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَتَكُونُ لَهُ فَقِيرٌ، وإِلَيْهِ مُنْجَذِبٌ، يا أخي ويا أختي.. من المهم أن نُدرك أنّنا بدون عون الله لا شيء، والله تعالى يُنادِنا وهو الجليلُ، المتفضل، العظيم، المجيد، الحميد، الكريم، سبحانهُ وبحمده، يقول: «يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي كلكم ضالٌ إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار» أنا وأنت مخاطبون بهذا الخطاب: «يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار»، «كل ابن آدم خطّاء»، «وأنا أغفرُ الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم»صحيح مسلم (2577) فما أحوجنا إلى استحضار هذه المعاني التي بها يتبيّن أنهُ لا صلاحَ لمعاشِنا، ولا صلاحَ لدُنيانا ، ولا صلاحَ لآخرتنا، ولا صلاح لقلوبنا، ولا صلاح لأبداننا، ولا صلاحَ لبواطِننا، ولا لظواهِرنا إلا باستحضار عظيم فقرنا إلى الله ـ جلّ وعلا ـ لذلك نُدرك الضراعة، التي بها يحققُ العبدُ ما أمرَ اللهُ ـ تعالى ـ بهِ في قوله: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾الأعراف:55 إنَّ ضراعة العبد هي غناه، إنَّ افتقار العبد هو سموهُ، إنَّ انكسارك هو رفعتُك: "من تواضعَ لله رفعه" لكن ذاكَ الّذي يخرج عن هذا الإطار، ويظُنُّ غناهُ عن الله ـ عزّ وجل ـ ينقطع عنهُ المدد، ويزول عنهُ العون، ولا يجد إلا الخسارة في حاله، وفي مآله.
إنّنا بحاجة أن نعرف أنَّ الضراعةَ، هي ثمرةُ العلم بالله ـ عزّ وجل ـ فعندما يعلم العبد أنَّ اللهَ لا يأتي بالحسنات إلا هو، فلا يأتي بالنعم إلا هو، ولا يدفع السيئات إلا هو، ولا مانع لما أعطى ولا مُعطي لما منع، وأنَّ كُل خيرٍ من قِبله، وأنَّ الخيرَ كُلّهُ في يديه، وأنهُ ـ جلّ في علاه ـ يصلُ عبده بإحسانه، وفضله، وأنهُ المتفضل عليهِ بكُلِ نعمة، عندَ ذلك سيوقن أنَّ ضراعتهُ، وذلّهُ، وانكساره هو سبب تحصيل تلك الفضائل، والخيرات.
إنَّ النبي صلى الله عليه وعلى آلهِ وسلم: "ذكرَ رجلاً يطيل السفر أشعث أغبر يقول: يا رب يا رب"صحيح مسلم (1015) وهذه حال تُبيّن أنَّ الافتقار إلى الله باللسان، وبالحال، هي من موجباتِ العطاء، هي من أسباب إجابة الدعاء، لكن هذا رجلٌ، كان ثمةَ ما يمنعُ إجابَته من مطعمٍ حرام، ومن مشربٍ حرام، وملبسٍ حرام، وشِبَعٍ من الحرام، فلا يُستجابُ لهُ، لكنْ هَذِهِ الحالُ وهِيَ حالُ الضَّراعَةِ إِلَى اللهِ ـ عزَّ وجلَّ ـ بِالثَّناءِ عليهِ، بندائِهِ، بِالدُّعاءِ بِأَسْمائِهِ، وَصِفاتِهِ، بِالتَّوسُّلِ إِلَيْهِ بِرُبوبيَّتِهِ، مَعَ افْتِقارِ العبْدِ وانْكِسارهِ، هِيَ مما يُوجِبُ عَطاءَ الربِّ ـ جلَّ في عُلاهُ ـ رَبُّنا يَقُولُ: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ والخفِيَّةُ: هِيَ السرُّ، وَهُوَ نَدْبٌ أَنْ لا يَرْفَعَ الإِنْسانُ صَوْتَهُ بِدُعائِه، في حالِ خلْوَتِهِ، كَما لا يرفَعُ صَوْتَهُ أَكْثرَ مما يَحْتاجُ، فِيما إِذا كانَ يَدْعُوا لمنْ خَلَفَهُ، يَدْعُوا لِنَفْسِه، وَلمنْ خلفهُ ممنْ يَسْمَعُهُ، أَوْ دُعاءهُ في الاسْتسْقاءِ عِنْدَ الخُطبةِ، لا يرفَعُ صَوْتَهُ أكْثرَ مِمَّا يُسمعُ، لِيتحَقَّقَ قَوْلُهُ ـ جلَّ وَعَلا ـ: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ رفْعُ الصَّوْتِ في الدُّعاءِ، يُشْعُرُ بِالاستغناءِ بِالقُوَّةِ، وَلِذلكَ كانَ مُخالِفاً، مُجافِياً لما أُمِرَ بهِ مِنَ الضَّراعَةِ.
فالضَّراعَةُ تقْتَضِي السُّكُونَ، تَقْتَضِي أَنْ يَهْمِسَ العَبْدُ، وَيَدْعُوا دُعاءً خافِتاً، وقَدْ قالَ اللهُ ـ تَعالَى ـ في وَصْفِ دُعاءِ زَكَرِيَّا: ﴿إذْ نادَى رَبَّهُ نِداءً خَفِيّا﴾ فالنِّداءُ الخفِيُّ أَقْرَبُ إِلَى الإِجابَةِ، أَقْرَبُ إِلَى اسْتِشْعارِ حالَ الافْتِقارِ، أَقْربُ إِلَى الذُّلِّ، والانْكِسارِ، فَلْنَحْرِصْ عَلَى هَذِهِ المعانِي حتَّى نُحَقِّقَ أَمْرَ اللهِ لَنا: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إنِهُ لا يُحبُّ المعْتَدِينَ﴾.
اللهمُّ ألهمْنا رُشدَنا، وقِنا شرَّ أنْفُسِنا، وأَعِنَّا عَلَى طاعَتِكَ، وَاسْلُكْ بِنا سَبِيلَ مرْضاتِكَ، إِلَى أن نلْقاكُمْ في حَلْقَةٍ قادِمَةٍ منْ بَرْنامجكُمْ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ أستودعكُمُ اللهَ الَّذي لا تَضِيعُ وَدائِعُهُ، وَالسلامُ عليكُمْ وَرحمةُ اللهِ وَبركاتُهُ.