السلامُ عليكمْ ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ .. أَهْلاً وسَهْلاً ومرْحَباً بكُمْ .. أَيُّها الإِخْوةُ والأَخواتُ .. في هذهِ الحلَقةِ الجديدَةِ مِنْ بَرْنامجكُمْ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾غافر:60 .
الحمدُ للهِ رَبِّ العالمينَ، أحمدُهُ حقَّ حمدِهِ، لَهُ الحمْدُ كُلهُ، لَهُ الحمْدُ في الأُولَى والآخِرةِ وَلَهُ الحُكْمُ وإليهِ تُرجعونَ، وأَشْهدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ، إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرينَ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحمنُ الرَّحيمُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحمَّداً عبدُاللهِ وَرَسُولُهُ، وصَفِيُّهُ وَخليلهُ، وخيرتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلهِ وصحبهِ، وَمنِ اتَّبعَ سُنَّتهُ، واقْتَفَى أثَرَهُ بإحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
فاللهُ ـ تَعالَى ـ يقُولُ في مُحكمِ كِتابِهِ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾غافر:60 هَذا أَمْرُ رَبِّنا لَنا بِدُعائِهِ، وَوَعْدُهُ لَنا باِلاسْتجابةِ، وَوعيدهِ لمنْ خالَفَ ما أَمرَ بِهِ، فاسْتكبرَ عَنء دُعاءِهِ، وَعِبادَتِهِ، أَيُّها الإِخْوةُ وَالأَخواتُ ..
إنَّ دُعاءَ اللهِ ـ تَعالَى ـ دُعاءُ عِبادَةٍ، وَدُعاءُ مَسألَةٍ، لا يَتَحقَّقُ بِهِ المطْلُوبُ، إِلَّا إِذا قارنَهُ آدابٌ، تَلْكَ الآدابُ بِها يكملُ المقْصُودُ مِنَ الدُّعاءِ، بَلْ لا يَتحقَّقُ المقْصُودُ مِنَ الدُّعاءِ دونَ هَذهِ الآدابِ، الَّتي مِنْها ما هُوَ واجِبٌ، وَمِنْها ما هُوَ مُسْتحبٌّ.
فَمِنَ الآدابِ الواجِبَةِ:
1ـــ الإِخلاصُ للهِ ـ عزَّ وَجلَّ ـ في الدُّعاءِ، سَواءٌ كانَ دُعاءَ عِبادَةٍ أَوْ دُعاءَ مَسألَةٍ.
2 ـــ الضَّراعةُ، فَإِنَّ اللهَ ـ تَعالَى ـ لا يَقْبلُ الدُّعاءَ ممنِ اسْتكْبرَ، وخرجَ عَنْ حدِّ العُبودِيَّةِ.
3 ـــ حسْنُ الظنِّ باللهِ ـ تَعالَى ـ فإِنَّ حُسْنَ الظنِّ بِاللهِ ـ تَعالَى ـ أَدَبٌ واجِبٌ في دُعاءِهِ، سَواءٌ كانَ دُعاءَ عِبادَةٍ كالصَّلاةِ، وَالزكاةِ، وَالصَّومِ، وَالحجِ، وبرِّ الوالِديْنِ، وصلَةِ الأَرْحامِ، وكفِّ الأَذَى عن الناسِ، وَالإحْسانِ إِلَى الخلقِ، وأَداءِ الأَمانَةِ، أَوْ كانَ دُعاءَ مسْأَلةٍ بالسؤالِ، وَالطلبِ، بِأَنْ يَقولَ: ربِّ اغفِرْ لي، ربِّ نجِّني مِنَ الكُروباتِ، رَبِّي أدْخلْني الجنَّةَ، ربِّ ارزُقْني رِزْقاً حَلالاً طيِّبا، لا بُدَّ في هَذا وَذاكَ، لا بُدَّ في نَوْعَيِ الدُّعاءِ أَنْ يَكُونَ الإِنْسانُ حَسَنَ الظَنِّ بِاللهِ، فَإِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ باللهِ ـ تَعالَى ـ حَقٌ واجِبٌ عَلَى أَهْلِ الإِيمانِ، وَبِقَدْرِ ما يَمْتَلِئُ قَلْبُكَ حُسْنَ ظَنٍ باللهِ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ بِقَدْرِ ما تَنالُ مشنْ إِحْسانِهِ، بِقَدْرِ ما تُدْرِكُ مِنْ جَزِيلِ عَطاءِهِ، ولذلِكَ جاءَ في الصحيحِ أَنَّ النبيَّ ﷺ يَقُولُ: «قالَ اللهُ تَعالَى: أَنا عنْدَ ظَنِّ عبْدِي بي»صَحِيحُ البُخارِيِّ ﴿7405﴾، وَمُسلمٍ ﴿2675﴾ وَهَذا يدلُّ علَى أنَّ العبدَ في ما يؤمِّلُهُ مِنَ اللهِ ـ عزَّ وجلَّ ـ بقدْرِ ما يكُونُ في قلْبِهِ مِنْ حُسْنِ ظَنٍ بِهِ، فلنُحْسِنِ الظنَّ بِاللهِ، وَلَنُجِدَّ في أَنْ يَكُونَ ظَنّاً بِاللهِ حَسَناً، فَإِنَّهُ يُفتْحُ لَكَ مِنْ أَبْوابِ الخيرِ بِقدْرِ ما يَكُونُ عِنْدَكَ مِنْ حُسْنِ الظَّنَّ بِاللهِ، وَيَتأَكَّدُ هَذا الأَمْرُ عِنْدما يَكُونُ الإنْسانُ في سِياقِ المفارَقَةِ، والخُروجِ مِنَ الدُّنْيا، فإِنَّهُ إِذا أَحْسَنَ العَبْدُ الظنَ بربهِ في هَذا المقامِ، كانَ ذَلِكَ مُوجَباً لحُسْنِ عَطاءِ اللهِ لَهُ، دخَلَ واثلَةُ بْنُ الأَسْقَعِ – رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُ – عَلَى أَبِي الأَسْوَدِ - مِنَ الأَخْيارِ العُبّادِ - فَسَأَلهُ قائِلاً: " كَيْفَ ظَنُّكَ بِرَبِّكَ؟ - وَهُو في حالِ الاحْتِضارِ – فأَشارَ برأسِهِ ما يُفهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَظُنُّ بِاللهِ تعالَى ظَنَّاً حَسَنا" قالَ وَاثِلَةُ بْنُ الأَسْقَعِ – رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُ – سمعْتُ رَسُولُ اللهِ ﷺ يقولُ: «قالَ اللهُ عزَّ وَجلَّ: أَنا عِنْدَ ظنِّ عبْدِي بي فَلْيَظُنَّ بي ما شاءَ!»صَحيحُ البخاريِّ ﴿7405﴾، ومسلِمٍ ﴿2675﴾ ، وقَدْ جاءَ في صَحيحِ الإِمامِ مُسلمٍ، مِنْ حَدِيثِ جابِرٍ – رَضِيَ اللهُ تَعالَى عنهُ – أَنَّ النَّبيَّ ﷺ قالَ: «لا يَمُوتُنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظنَّ بربهِ»صحيحُ مسلمٍ ﴿2877﴾ .
وهذا تنبيه إلى ضرورة استصحاب حسن الظن، في هذا المقام، فإنَّ الله ـ تعالى ـ يكُونُ لَكَ كَما تظُنُّ بهِ، فَإِنْ ظَننتَ بهِ خَيْراً أَدْركتَ خَيْراً، وَإِنْ ظَننْتَ بهِ غيرَ ذلكَ كانَ اللهُ لكَ كَما ظننتَ، لكنِ انْتَبهْ لا يُمكِنُ أَنْ يُحْسِنَ العَبْدُ الظَّنَّ بِاللهِ ـ تعالَى ـ إِلَّا إِذا اسْتَصْحَب ذلِكَ في حالِ سَعتهِ، في سائِرِ حَياتِهِ، فَإِنَّ حالَةَ الموْتِ، حالَةُ الاحْتِضارِ، حالَةٌ شَدِيدَةٌ، يَأْتي الإِنْسانَ مِنَ النَّصَبِ، وَالتَّعبِ، وَيأْتِيهِ مِنَ تسلُّطِ الشيطانِ ما قَدْ يُغيِّبُ عنْهُ هَذا الظنَّ الحسَنَ، فَإِذا استَصْحَبهُ الإِنْسانُ مُنْذُ حالِ سَعتهِ، وَفي سائِرِ أَحْوالِهِ، كانَ قَريباً حالَ مَوْتِهِ.
إنَّ حُسْنَ الظنِّ بِاللهِ ـ تَعالَى ـ في الدُّعاءِ، دُعاءِ العِبادةِ أنْ تُحسنَ الظنَّ بهِ في قَبُولِ عملكَ، وَفي التجاوزِ عنْ قُصوركَ، وعَنْ تقْصيركَ، فَإِنَّ ذلكَ مِنْ حسنِ الظنِّ باللهِ، ولذَلِكَ نَدبَنا اللهُ ـ تَعالَى ـ إِلَى الاسْتِغفارِ بعْدَ العِباداتِ، بما فِيها مِنَ القُصُورِ، الَّذي هُوَ قُصورٌ جِبِلِّيٌ، وَلما فِيها مِمَّا يمكنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ ت+قصير، بسببِ أنَّ الإنسان خطّاء كما قال النبيُ ﷺ: "كلُ ابنُ آدم خطّاء"مُسندُ أحْمَد ﴿13049﴾، وَحسَّنهُ الأَلبانيُّ فَهَذا مِنْ حسنِ الظَّنِّ بِاللهِ ـ تَعالَى ـ في العبادَةِ، فإذا صلَّيْتَ أَحْسِنِ الظنَّ بِاللهِ تَعالَى، وَجِدَّ في إِتْقانِها، وَإِذا حصَلَ لكَ ذلكَ مِنْ بذلِ الوُسعِ، في الإتقانِ مَعَ توقُّعِ القَبولِ مِنْ ربِّ العالمينَ، كانَ ذلكَ مُوجِباً لما ظننتَهُ بربِّكَ، مِنْ أَنَّهُ سَيقْبَلُ عَمَلكَ.
إنَّ حُسْنَ الظنِّ بِاللهِ ـ تعالَى ـ فضِيلَةٌ عُلْيا، بِها يُدْرِكُ الإنْسانُ خَيْراً عَظِيماً، فإِذا حسَّنَ العبدُ ظنهُ بربهِ نالَ منْ خيرهِ، إِذا حسَّنْتَ ظَنَّكَ باللهِ أَفاضَ عَلَيْكَ جزيلَ خيراتِهِ، وأَسْبَلَ عليْكَ جَمِيعَ فضْلِهِ، وَمَنَّ عليْكَ بخيرٍ عَظِيمٍ، أَدْركْتَ محاسِنَ كرامِتِهِ بحُسْنِ ظنكَ، وَإذا أَحْسنْتَ ظَنَّكَ بهِ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ أَسْبغَ عليْكَ عَطاياهُ، وَمن لم يَكُنْ هَكذا في ظنهِ بربهِ، فإِنَّهُ محرُومٌ مِنَ الخيرِ، وَلذلكَ حرِيٌّ بالمؤمنِ أنْ يستحضِرَ هَذِه المعاني.. وهُوَ يَدْعُوا اللهَ ـ عزَّ وجلَّ ـ يتعبَّدُ لَهُ، وهُوَ يُصلِّي، وهُوَ يصُومُ، وهُوَ يحجُّ، وهُوَ يزكِّي، أَنَّ العاقِبَةَ عِنْدَهُ عظيمةٌ، وأَنَّ اللهَ قال: ﴿أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى﴾آل عمران: 195 وأنهُ لا يضيعُ الأعمال، والجُهدَ، بل: ﴿وكُلُ صغيرٍ وكبيرٍ مستطر﴾القمر:53 كل صغيره، وكبيره، لا يغيبُ عن رب إذ قال في كتابه: ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾الجاثية:29 .
أيها الإخوة والأخوات .. إنّا أدراكَ عظيم شأنِ الربِ ـ جلّ في علاه ـ وإدراك عظيم رحمته، مما يوجبُ حُسنَ الظن به، فأحسن الظن بالله، فهو أرحمُ بكَ من نفسك، أحسن الظن بالله، فقد قال ـ جلّ في علاه ـ في وصفِ نفسه: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾الفاتحة:3 أحسن الظن بهِ ـ جلّ في علاه ـ فقد سبقت رحمتهُ غضبَه، كُل هذه المعاني، وغيرُها من أسماء الله، وصفاته، مما يقدحُ في قلبك، ويقيمُ في نفسك حُسنَ الظن بالله ـ جلّ في علاه ـ فهو الغني عنك، وعن عباداتك، وعن ما يكونُ مِنْ سائرِ حالِكَ، هُوَ المتفضِّلُ عليْكَ بِالعملِ الصَّالحِ، وهُوَ الَّذي يَتفضَّلُ عليْكَ بِقُبولِهِ، فَجِدَّ في أَنْ تَكُونَ عَلَى حُسْنِ ظِنٍّ بِهِ سُبْحانَهُ وبحمْدِهِ، فَأَنْتَ إِذا أَحْسَنْتَ الظَّنَ بِهِ كانَ لَكَ كَما ظننْتَ.
أيُّها الإِخْوةُ والأَخَواتُ .. إِنَّ ثَمَّةَ خيطٌ رفيعٌ، يَنْبغِي التنبُهُ لَهُ، يُميزُ بيْنَ حُسْنِ الظنِّ بِاللهِ ـ تعالَى ـ وبيْنَ الاغْتِرارِ بِهِ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يغترُّ بِاللهِ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ ويظُنُّ أنَّ حُسْنَ الظنِّ مُقْتَضاهُ، أَنْ يَتمادَى في الإِسْرافِ، أَنْ يَمْضِي في الخطَأِ، أَنْ يَغْفلَ، ويُسرفُ عَلَى نفْسِهِ بأَلْوانٍ مِنَ السَّيئاتِ، بتركِ الواجِباتِ، وَبِتَرْكِ الحسناتِ، ثمَّ يتوقَّعُ منَ اللهِ ـ تعالَى ـ العَطاءَ، وحُسْنَ الظنِّ، وَهَذا لَيْسَ سَدِيداً، هَذا لَيْسَ حُسْنَ ظَنٍّ باللهِ.
ليسَ حُسنَ ظنٍّ بِاللهِ أنْ تَرتقبَ ما عندَهُ، وأَنْتَ تُسيءُ في عِبادَتِهِ، وَتُسيءُ في طاعتهِ ـ جلَّ في عُلاهُ ـ لِذلكَ مِنَ المهمِّ أَنْ نَسْتحضرَ هَذا المعْنَى، وأَنَّ حُسْنَ الظنِّ بهِ ـ جلَّ في عُلاهُ ـ يَسْتلزِمُ أَنْ يكونَ الإِنْسانُ طائِعاً للهِ، قائِماً بحقِّهِ.
ذاكَ الرجلُ صاحبُ البُسْتانِ، الَّذي حاوَرَهُ صاحِبُهُ، كَما قصَّ اللهُ ـ تَعالَى ـ في سُورَةِ الكهْفِ، قالَ: ﴿وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا﴾الكهف:36 هَذا مِنْ سُوءِ الظنِّ بِاللهِ، وَلَيْسَ حُسْنَ الظَّن بالله، فإنَّ منْ سُوءِ الظنِّ بِاللهِ أنْ تُسئَ، وتظُنَّ أنهُ يُحسِنُ، أنْ تُسْرِفَ في مُخالَفَةِ أَمْرهِ، وَعِصْيانِ شَرْعِهِ، ثُمَّ تتوقَّعُ مِنْهُ الإِحْسانَ، فإنَّهُ حَكْمٌ عدلٌ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ لا يظلمُ الناسَ شيْئا، وَيتفضَّلُ عليهمْ بِالعَطايا، لكنَّهُ قدْ بَيَّنَ ـ جلَّ في علاهُ ـ أَنَّ الَّذي يستحقُّ الإِحْسانَ، هُوَ المحسِنُ: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾الرحمن:60 لهذا قالَ الحسنُ تِلْكَ الكلمةُ الشهيرةُ، وَهِيَ كلمةٌ في غايةِ الدِّقةِ، في توْصيفِ حالِ كَثِيرٍ مِنَ الناسِ: "إِنَّ قَوْماً ألهتْهُمْ أَماني المغفرَةِ، حتىَّ خَرجُوا مِنَ الدُّنْيا ولَيستْ لهمْ حَسَنةٌ" يقُولُ أحدُهُمْ: إِنِّي لأُحْسِنُ الظنَّ بِربي، وَكَذَبَ لَوْ أَحْسَنَ الظَّنَّ بِربِّهِ لأَحْسَنَ العَملَ.
حسنُ الظنِّ بِاللهِ لا بُدَّ أَنْ يشَفْعَ معهُ، حُسْنَ الظنِّ بِاللهِ لا بُدَّ أَنْ يُقارِنَهُ حُسْنُ العمَلِ، إِذا كانَ عِنْدَكَ حُسْنُ ظنٍّ بِاللهِ فانْظُرْ هَلْ أَنْتَ حَسَنُ العَمَلِ أَوْ لا، فَذاكَ الَّذي ضَيَّع الصَّلَواتِ، وَذاكَ الَّذي لم يُقِمْ حَقَّ اللهِ في المالِ في الزكاةِ، وَذاكَ الَّذي أسْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ في الفِطْرِ في رَمَضانَ، وَذاكَ الَّذي تَمكَّنَ مِنْ أَداءِ النُّسُكِ وَلم يُقمْ بِهِ، وَذَاكَ الَّذي عَقَّ والدِيْهِ، وَذاكَ الَّذي أَساءَ إِلَى جارِهِ، وَذَاكَ الَّذي خانَ الأمانةَ، وَذاكَ الَّذي لم يَحْفَظْ حَقَّ اللهِ تعالَى في خَلْقِهِ، كُلُّ هّؤُلاءِ لا يُغْنيهِمْ أَنْ يُحْسِنُوا الظنَّ باللهِ، لأَنَّهُمْ لَوْ أَحْسَنُوا الظنَّ بِاللهِ، لما ارْتَكَبُوا تِلْكَ السيئاتِ، وتوقَّعُوا مِنْهُ الإِحْسانَ، لا يَعْني أَنْ لا يكونَ الإنسانُ صاحِبَ خَطَأٍ: «فكُلُّ ابْنِ آدمَ خَطّاءٌ» لكنْ شَتَّانَ بيْنَ مَنْ يُخْطِئُ وَيَطْلُبُ المغْفِرَةَ، بيْنَ مِنْ يُخْطِئُ وَيَتوبُ إِلَى اللهِ عزَّ وَجَلَّ، بيْنَ مَنْ يُخْطِئُ وَيَسْأَلُ اللهَ العَفْوَ، وَالتجاوُزَ، وَبَيْنَ ذاكَ الَّذي يُخْطِئُ ويَبْقَى عَلَى الخَطَأِ، وَيُتْبِعُ السَّيئَةَ السَّيئَةَ مِثْلَها، وَيَمْضِي في كَبْوَتِهِ وَلا يَعُودُ إِلَى رَبِّهِ بِالتَّوْبَةِ، وَالإنابَةِ، شتَّان بَيْنَ حالَ هَذا وَذاكَ، وَلهذا لا يَكُونُ مُحْسناً الظَّنَّ بربِّهِ، إِلَّا من جَدَّ، واجْتَهَدَ في بَذْلِ الأَسْبابِ الموجِبَةِ لِعطاءِهِ، وفضْلِهِ، وَاجْتهدَ في طاعَتِهِ، وتجنَّبَ مَعْصِيَتهُ، وَإِذا وَقَع فَخالَفَ طاعَتَهُ، أَوِ ارْتَكَبَ ما حرَّمَ، عادَ إِلَى رَبِّهِ بِالتَّوْبَةِ، وَالاسْتِغْفارِ.
اللهم ألهمنا رُشدنا، وقنا شرَ أنفسنا، واملأ قلوبنا بمحبتك، وتعظيمك، وحُسنَ الظنِ بكَ، وأَعِنَّا عَلَى ما تُحبُّ، وَتَرْضَى، وَصلىَّ اللهُ عَلَى نبيِّنا محمدٍ، وَإِلَى أنْ نلقاكُمْ في حَلْقةٍ قادمَةٍ مِنْ بَرْنامجكُمْ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ أستودِعُكُمُ اللهَ الَّذي لا تضيعُ وَدائِعُهُ، وَالسلامُ عليكُمْ ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ.