السَّلامُ عليكُمْ وَرحمةُ اللهِ وبركاتُهُ.. أَهْلاً وَسَهْلاً ومرْحَباً بِكُمْ أيُّها الإِخْوةُ والأَخَواتُ.. في هَذِهِ الحلقةِ الجديدةِ مِنْ بَرْنامَجِكُمْ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ غافر:60 .
الحمْدُ للهِ فاطرِ السَّمواتِ والأَرْضِ، جاعِلِ الملائكَةِ رُسُلاً أُولي أَجْنحَةٍ مَثْنَى وثُلاثَ وَرُباعَ، يزيدُ في الخلْقِ ما يَشاءُ، أَحْمدهُ لهُ الحمْدُ كُلُّهُ، ولهُ الحمْدُ في كُلِّ ما خلَقَ، وَلَهُ في كُلِّ ما أَمَرَ، ولَهُ الحَمْدُ في كُلِّ ما شَرَعَ، وَلَهُ الحَمْدُ في الأُولَى وَالآخِرَةِ ولهُ الحُكْمُ وإِلَيْهِ تُرْجعُونَ، وَأَشْهدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، شَهادةً أَرْجُوا بها النجاةَ منَ النارِ، شَهادةً تُحقِّقُ الإِخْلاصَ لَهُ، شَهادةً يزدادُ بِها القلبُ يقيناً، ويزْدادُ بِها الإيمانُ، ويثبتُ بها اليقينُ، وأَشْهدُ أَنَّ مُحمداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيِّهُ وَخَلِيلهُ، وخيرتهُ مِنْ خَلْقِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ، وَاقْتَفَى أثَرَهُ بإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بعْد:
أيُّها الإِخْوَةُ وَالأَخَواتُ في هَذِهِ الحلْقَةِ الجَدِيدَةِ مِنْ بَرْنامِجِكُمْ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ نَقِفُ عِنْدَ صُورَةٍ مِنْ صُوُرَ التَّضَرُّعِ، صُورَةً مِنْ صُوُرِ تَحْقِيقِ ما أَمرَ اللهُ ـ تعالَى ـ بهِ في قَوْلِهِ: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضُرُّعاً وَخُفيةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ المعْتَدِينَ﴾الأَعْراف:55.
إنَّ مِنْ آدابِ الدُّعاءِ الَّتي يَحْصُلُ بِها الإِجابَةُ:
ـــ أَنْ يَرْفَعَ العَبْدُ يَدَيْهِ في دُعائِهِ لِرَبِّهِ.
فرَفعُ اليَدَيْنِ إِلَى اللهِ في الدُّعاءِ هُوَ مِنْ أَسْبابِ إِجابَةِ الدُّعاءِ، وَهَذا أَدَبٌ عامٌ في الدُّعاءِ عامَّةً، فَإِنَّ الدُّعاءَ حالَ افْتِقارٍ، وَالدُّعاءُ حال تضرُّعٍ، والدُّعاءُ حالَ إِبْداءِ حاجَةٍ، فلذَلِكَ كانَ في دُعاءِ المسأَلَةِ مِنْ آدابِ الدُّعاءِ، أَنْ يرفعَ الدَّاعِي يَدَيْهِ يسْتَجْدِي ربهُ، هَذِهِ الصِّفةُ هِيَ صِفَةُ اسْتِجْداءٍ، وصِفةُ اسْتِعْطاءٍ، وَصِفَةُ استهاب، وَصِفَةُ الفقيرِ، الَّذي يسْأَلُ اللهَ أن يُعطِيهُ، وَيَمدُّ يديْهِ إِلَى ربهِ، يَسْألهُ أَنْ يُنزلَ عَلَيْهِ مِنْ خَيْرِهِ، وَفَضْلِهِ، وبرِّهِ، ما يَكُونُ عَوْناً لهُ عَلَى بُلُوغِ حاجاتِهِ، وَإِدْراكِ آمالِهِ، وَالنجاة مِمَّا يكْرهُ، وَيَرْهَبُ.
إنَّ الدَّاعِي يبلُغُ الغايَةَ في مَظِنَّةِ الإِجابَةِ عِنْدما يُحَقِّقُ الغايَةَ في الذُّلِّ للهِ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ الغايَةَ في الانْكِسارِ لَهُ، الغايةُ في الافْتِقارِ إِلَيْهِ، وَلهذا كانَ مِنْ هَدْيهِ ﷺ أَنْ يُظْهِرَ الضَّراعَةَ للهِ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ وَالانْكِسارَ لَهُ، وَالافْتِقارَ لهُ ـ جلَّ في عُلاهُ ـ في قَوْلهِ، وذَلِكَ في أَلْفاظِ سُؤالِهِ، في أَلْفاظِ دُعاءِهِ، وكَذَلِكَ في أَلْفاظِ ثَناءِهِ عَلَى رَبَّهِ، وَمِثْلُهُ أيْضاً في حالِهِ، وَفي اسْتِجْداءِهِ في رَفْعِ يَدَيْهِ إِلَى اللهِ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ جاءَ في الحديث الصحيح عندَ أحمد، وغيره، من حديث سلمان أنَّ النبيَ ﷺ قالَ: «إنَّ الله حييٌ كريمٌ» هَذا خبرٌ عَنِ اللهِ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ وعَنْ صِفتيْنِ مِنْ صِفاتِهِ: «حَيِيٌ كَريمٌ» الحييُّ: هُوَ مَنْ يَسْتَحْيي أنْ يَردَّ السَّائلينَ، مَنْ يَسْتَحْيي أَنْ يَحْجِبَ فَضْلَهُ عمَّنْ قصدَهُ، وَلِذلكَ قالَ النبيُّ ﷺ في ترجمةِ هَذا، في بَيانِ مُقْتَضَى هذيْنِ الاسْميْنِ، اسمُ الحييِّ، واسمُ الكريمِ، قالَ: «يستحْيِ أَنْ يَرْفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يديْهِ ثُمَّ يَرُدُّهُما صِفرًا» سننُ الترمِذِيِّ (3556) وصحَّحَهُ الألْبانِيُّ اللهُ ـ تَعالَى ـ: ﴿رب العالمينَ﴾ منْ جودِهِ، وكرمِهِ، أنَّهُ يَسْتَحِي أَنْ يَسْأَلَ العبدُ رَبَّهُ، أنْ يتضَرَّعَ إليهِ، أَنْ يَمُدَّ يديْهِ إليهِ سائِلاً حاجةً: «ثُمَّ يَردُّهُما صِفْرWا» أيْ خَالِيتيْنِ مِنْ كُلِّ خيرٍ، ومِنْ كُلِّ سُؤالٍ، مِنْ كُلِّ نوالٍ، مِنْ كُلِّ عطاءٍ، مِنْ كُلِّ هِباتٍ، مِنْ كُلِّ أفْضالٍ، فَلذلِكَ لا بُدَّ أَنْ يَنالَ كُلُّ منْ رَفَعَ يديْهِ إِلَى ربِّهِ، خَيْراً منَ اللهِ ـ جَلَّ وَعَلا ـ هَذا الحديثَ يبيِّنُ أنَّ رفْعَ اليدَيْنِ مِنْ أسْبابِ الإجابَةِ، وَرَفْعُ اليَدَيْنِ لَيْسَتْ صُورةً مجرَّدَةً عنْ مَعْنَى، إِنَّها تُشيرُ إِلَى مَعْنَى قَلْبي، وَحالي، وَهُوَ افْتِقارُ العَبْدِ إِلَى اللهِ، والافْتِقارُ إِلَى اللهِ يَكُونُ بِالقوْلِ، كَما يَكُونُ في الحالِ، ولهذا «ذَكَرُ النَّبيُّ ﷺ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّماءِ» يَعْني إِلَى اللهِ ـ جلَّ وَعَلا ـ العَلَيِّ الأَعْلَى، هَذا مَعْنى: «يمدُّ يَديْهِ إِلَى السَّماءِ : يا رَبُّ، يا رَبُّ»، فَهَذا الرَّجُلُ جَمعَ الضَّراعَةَ بِصُوُرها، جَمَعَ ضَراعَةَ الحالِ: «أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّماءِ» صَحِيحُ مُسْلِمٍ (1015) ثمَّ إِضافةً إِلَى هاتَيْنِ الصُّورتَيْنِ مِنَ الافْتِقارِ إِلَى اللهِ، تكَلَّمَ بما يُوجِبُ العَطاءَ: يا رَبُّ، يا رَبُّ، يَسْتَجْدِي اللهَ ـ عزَّ وجَلَّ ـ ويَسألُهُ العَطاءَ، هَذا لا يخيبُ، هَذا السَّائِلُ عَلَى هَذا النَّحْوِ، وَبِهذا القَوْلِ لا يخيبُ إِلَّا أَنْ يَقُومَ فِيهِ ما يمنَعُ مِنْ إِجابَةِ الدُّعاءِ، وَلِذَلِكَ يَسْتَحِي اللهُ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ الحييُّ الكريمُ، أَنْ يَرْفَعُ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ ثُمَّ يَرُدُّهُما صِفْراً خائِبَتَيْنِ.
وقَدْ جاءَ عَنِ النَّبيِّ ﷺ رفْعُ اليَدَيْنِ في مَواطِنَ عَدِيدَةٍ مِنْ دُعائِهِ، وَلِذَلِكَ الأَصْلُ في الدُّعاءِ أَنْ تُرفَعَ فِيهِ الأَيْدِي، إِسْتجداءً، وَضَراعةً للهِ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ وَإِظْهاراً للفاقَةِ، وَالحاجَةِ، جاءَ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ رَفَعَ يَدَيْهِ في أَدْعِيَةٍ كثيرةٍ، ذَكَرَها العُلَماءُ، بلغتْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثِينَ مَوْطِناً، كُلُّها تَتَضَمَّنُ رَفْعَ اليَدَيْنِ في الدُّعاءِ، وَلا فرْقَ في ذلِكَ بَيْنَ الدُّعاءِ المقْصُودِ، الَّذي يَتَهيَّئُ لَهُ كَدُعاءِ الاسْتِسْقاءِ، وَبَيْنَ الدُّعاءِ الَّذي يكونُ عارِضاً، سأذْكُرُ جُملةً مِنَ النَّماَذِجِ، وَعَددًا مِنَ الأَحادِيثِ النَّبوِيَّةِ، الَّتي فِيها رفْعُ النبيِّ ﷺ يدَيْهِ في الدُّعاءِ، وَمِنْها ما هُوَ ما قَصَدَ فِيهِ الدُّعاءَ ابْتِداءً، وَمِنْها ما هُوَ دُعاءٌ عارِضٌ، مِثالُ ذَلِكَ: أَنَّ الطُّفَيْلَ جاءَ إِلَى النبيِّ ﷺ وَهُوَ مِنْ أَصْحابِ النبيِّ ﷺ، الَّذينَ آمَنُوا قَدِيماً، الطفيلُ بْنُ عَمْرو الدُّوسِيُّ – رَضِيَ اللهُ تَعالَى عنْهُ – آمنَ بِالنبيِّ ﷺ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى قَوْمِهِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، فامْتَنعَ كَثيرٌ مِنْهمْ فَلَمْ يؤْمِنُوا، فَجاءَ إِلَى النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وعَلَى آلهِ وَسَلَّمَ ـ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ دوْساً قدْ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ، «إِنَّ دَوْساً قَدْ عَصَتْ، وأَبَتْ، فادْعُ اللهَ عليهِمْ» صحيحُ (2937)، وَمُسْلِمٌ (2524) هَكَذا قدَّمَ خَبَراً، ثُمَّ طَلَبَ مِنَ النَّبيِّ ﷺ أنْ يَدْعُوا عليهمْ، لأَنَّهُمْ أَبَوا الإِسْلامِ، وَقَدْ بذَلَ جُهْدَهُ في دَعْوَتِهِمْ، فَما كانَ مِنَ النَّبيِّ ﷺ إِلَّا أَنِ اسْتَقْبَلَ القبلَةَ، وَرَفعَ يديْهِ، قالَ الناسُ لمّا رأَوْا رَسُولَ اللهِ عَلَى هَذِهِ الحالِ: "هَلَكُوا" مَنِ الَّذينَ هَلَكُوا؟ دَوْسٌ، لأَنَّ النَّاسَ ظنُّوا أَنَّ النبيَّ ﷺ سيُلَبِّي ما طلبَ منهُ الطفيلُ، وهُوَ أَنْ يَدْعُوا عَلَى هَؤُلاءِ القَوْمِ، هلكُوا، قالَ النبيُّ ﷺ: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْساً وأْتِ بهِمْ» فَدَعا لهمْ فَما كانَ إِلَّا أَنْ أَسْلَمُوا، اللهُ أَكْبَرُ ما أَعْظَمَ رَحْمَةَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَما أَصْدَقَ قولَ اللهِ ـ تَعالَى ـ فِيهِ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ التوبة:29 فدَعا اللهَ ـ عزَّ وَجَلَّ ـ لهمْ، فآمَنُوا، هَذا الحدَيثُ، وَهَذِهِ الواقِعَةُ في الصَّحيحيْنِ، وَفي المسْنِدِ، تُبيِّنُ أَدَبا مِنْ آدابِ الدُّعاءِ: أن يرفعَ يَدَيْهِ في الدُّعاءِ العارِضِ، وأَنْ يَسْتَقْبِلَ القِبْلَةَ، فَجَمَعَ أَدَبَيْنِ مِنْ آدابِ الدُّعاءِ:
الأَدَبُ الأَوَّلُ: رَفْعُ اليَدَيْنِ.
الأَدَبُ الثَّاني: اسْتِقْبالُ القِبْلَةِ.
فكُلُّ هَذا مِنْ مُوجِباتِ إجابَةِ الدُّعاءِ، وَقَدْ جاءَ أَيْضاً نظيرُ هَذا، في قِصَّةِ أَبِي عامرٍ، حَيْثُ إنَّهُ أَصابهُ سَهْمٌ، فنَزَعَهُ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ، فَقال لهُ أَبُو عامِرٍ: أَقْرِئِ النَّبيَّ ﷺ السَّلامَ مِنَّي، وَقُلْ لَهُ يَسْتَغْفِرُ لي، فَلَمَّا ذَهَبَ أَبُو مُوسَى إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، أَخْبَرَهَ بِحالِ أبي عامرٍ، فَدَعا النبيُّ ﷺ بِوُضوءٍ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ ﷺ، وَدَعا لأَبي عامِرٍ، فَقالَ: «اللَّهُمَّ اغفرْ لِعُبيدٍ أَبي عامِرٍ» يَقُولُ أَبُو مُوسَى في وَصْفِ حالِ النبيِّ ﷺ، وَشِدَّةِ ضَراعَتِهِ، يَقُولُ: "حَتَّى رَأَيْتُ بَياضَ إِبطيْهِ" أَيْ لشدَّةِ رَفْعهِ ﷺ في الدُّعاءِ: "حَتَّى رَأَيْتُ بَياضَ إِبِطَيْهِ" صَحِيحُ البُخارِيِّ (4323)، وَمُسلمٍ (2498) وكذلك دُعاءُهُ ﷺ في غزْوَةِ أُحُدٍ، فإِنَّهُ دَعا اللهََ ـ عَزَّ وجَلَّ ـ لأُمَّتِهِ: "اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لي ما وَعَدْتَني" فَما زالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مادّاً يدَيْهِ، حَتَّى سَقَطَ رِداءُهُ عَنْ مِنْكَبيهِ – صَلواتُ اللهِ وسلامُهُ عَلَيْهِ صَحِيحُ مسلمٍ (1763) هَذا مِنْ دُعاءِ النبيِّ ﷺ، الَّذي رفَعَ فيهِ يَديْهِ، وَالشواهِدُ علَى هَذا كَما ذكرَتْ كثيرةً، مِنْها ما هُوَ مَقْصُودٌ، وَمِنْها ما هُوَ عارِضٌ، ويُمكِنُ أن نُجمِلَ القَوْلَ، في رفْعِ اليدينِ في الدُّعاءِ.
وَنقُولُ: إِنَّ الدُّعاءَ عَلَى ثَلاثَةِ أَحْوالٍ:
الأَوَّلُ: مِنْها وَرَدَ فِيهِ عَنِ النَّبيِّ ﷺ، أَنَّهُ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَيُسَنُّ رَفْعُ اليَدَيْنِ، كُدُعاءِ الاسْتِسْقاءِ.
الثَّاني: وَمِنْهُ أَنَّهُ وَرَدَ أَنَّهُ لم يَرْفَعْ يَدَيْهِ، كالدُّعاءِ في أَدْبارِ الصَّلَواتِ، وَالدُّعاءِ في السُّجُودِ، فَهُنا السُّنَّةُ: أَنْ لا يَرْفعَ يَدَيْهِ.
الثَّالِثُ: ما لَمْ يَرِدْ فِيهِ أَنَّهُ رَفَعَ، وَلا أَنَّهُ لم يَرْفَعْ، فَالأَصْلُ فِيهِ أَنَّ رَفْعَ اليَدَيْنِ سُنَّةٌ، لأَنَّهُ الغالِبُ في أَدْعِيَةِ النَّبيِّ ﷺ، أَنْ يَقْترِنَ دَعاءُهُ بِرَفْعِ اليَدَيْنِ.
هَذا ما يَتَّصِلُ فِيما يَتَعَلَّقُ في رَفْعِ اليَدَيْنِ، وَهُنا مَسْأَلَةٌ وَهِيَ الدُّعاءُ في الخُطْبَةِ، هَلْ يُسَنُّ لِلإِمامِ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ في الخُطْبَةِ؟ نَنْظُرُ إِلَى هَدْيِهِ ﷺ، فَنَرَى أَنَّهُ لم يَرْفَعْ يَدَيْهِ في الخُطْبَةِ، إِلَّا في دُعاءِ الاسْتَسْقاءِ، لَكنَّهُ كانَ يُشِيرُ في سَبَّابَتِه ﷺ، فَرَفْعُ السبَّابَةِ، وَالإِشارَةِ بِها في الدُّعاءِ، وَرَدَ في الخُطْبَةِ.
أسأَلُ اللهَ ـ تَعالَى ـ أَنْ يَرْزُقَني وَإِيَّاكُمْ حُسْنَ طَاعَتِهِ، وَجَمِيلَ دُعاءِهِ، وَأَنْ يَرْزُقَنا الضَّراعَةَ في القَوْلِ، وَالعَمَلِ، وَالظَّاهِرِ، وَالباطِنِ، إِلَى أَنْ نَلْقاكُمْ في حَلْقَةٍ قادِمَةٍ مِنْ بَرْنامِجكُمْ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ أسْتَوْدِعُكُمُ اللهَ الَّذي لا تَضِيعُ وَدائِعُهُ، والسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَركاتُهُ.