×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة(61) وقفات مع صفات عباد الرحمن

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:6459

المذيع: من جديد نحييكم ونرحب بكم مستمعينا الكرام وهذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة" قال -سبحانه وتعالى-: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} إلى قوله -سبحانه وتعالى-: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} الفرقان: 63 – 76.
في هذه الآيات الكريمة من خواتيم سورة الفرقان يصف الله -عز وجل- أحوال عباده الذين شرَّفهم بنسبهم أو بنسبتهم إليه -سبحانه وتعالى-.

 وعباد الرحمن: هم العباد الذين شرُفوا بالانتساب إلى الله -سبحانه وتعالى-، فإن كان هناك عبيد للشيطان والطواغيت فهؤلاء عباد لله -سبحانه وتعالى-، وانتسابهم إلى الله -سبحانه وتعالى- باسمه الرحمن إشعار بأنهم أهل لرحمة الله -عز وجل-.
سنتعرف بإذن الله معكم في هذه الحلقة عن صفات عباد الرحمن مع ضيفنا فضيلة الشيخ الدكتور: خالد المصلح.
شيخ خالد عندما نتحدث بداية عن مثل هذا الموضوع؛ لأننا في البداية تكون هنا توطئة حول عباد الرحمن حول صفاتهم.
لماذا سُمِّي هؤلاء بأنهم عباد الرحمن؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلى وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة لك أخي عبد الله وللإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
الله -جل في علاه- أخبر في كتابه أن كل من في السموات والأرض عبد له، لا يخرج عن كونه عبدًا لله -عز وجل-، فهو -سبحانه وتعالى- رب العالمين، ومقتضى الربوبية أنه -سبحانه وبحمده- الخالق لهذا الخلق كله، الرزَّاق له، المتصرف فيه، المالك له، فجميع من في السماوات والأرض هم عباد الله -عز وجل-، ولا يخرجون عن حُكمه وتقديره -جل في علاه-، وهذا هو المذكور في قوله: {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} مريم: 93 - 95، فالجميع كلهم عباد لله -عز وجل-، لا يخرج عن هذا المعنى برٌّ ولا فاجر، ولا مسلم ولا كافر، ولا عاقل ولا غيرُ عاقل، ولا جماد ولا متحرِّك، فجميع من في السماوات والأرض هم عباد لله -عز وجل-، وقد أخبر الله -جل في علاه- في كتابه عن قنوت الأشياء له، وذُلِّها له -جل وعلا-، كما قال تعالى: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} آل عمران: 83، وقال -جل وعلا-: {كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} البقرة: 116، وقال -جل وعلا-: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} الحج: 18، فالله -عز وجل- أخبر عن هذه السمة والصفة العامة التي تنتظم الخلق كلَّهم.
لكن من هؤلاء العباد صنف آخر ارتقوا منزلة وسَمَوا مكانة فحققوا العبودية لله -عز وجل- اختيارًا، فهم عبيد لله -عز وجل- باختيارهم لم يمض فيهم فقط الحكمُ الكونيُّ بل أمضَوا باختيارهم الحكم الشرعي، وحققوا المطلوب من وجودهم وهو عبادة الله -عز وجل-، فتبوَّؤوا هذه المنزلة السامية أن أضافهم الله تعالى إليه، كما في قوله -جل وعلا-: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} إلى آخر ما ذكر -جل في علاه-.
فذِكْر العبودية لشخص أو لوصف خاصٍّ في القرآن الكريم لا يطلق إلا على وجه الثناء والمدح، وليس هذا بالعبودية العامة التي تنظم كلَّ الخلق، والتي الخبر عنها خبر عن أمر واقع من الخلق للثناء على الله، لا للثناء على المعبودين.
 
فقوله تعالى: {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} مريم: 93، ليس ثناءً على هؤلاء العباد؛ لأنهم يأتونه أذِلَّاء، إنما هو لبيان عظيم ملك الله -عز وجل-، وسعة ربوبيته، وأنه لا يخرج عنها شيء من الخلق، لكن العبودية التي تُذكر على وجه الثناء والمدح هذه لا تكون إلا لمن حقق العبودية الاختيارية، يعني أطاع الله في أمره، حقق الغاية من الوجود التي قال فيها تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} الذاريات: 56، وهذا هو الممدوح فيما أخبر الله تعالى به عن أصفيائه وعباده وأوليائه الصالحين، فهذا وصف لهم على وجه الإكرام له، على وجه التمييز لهم، على وجه الثناء عليهم، فهذا يبيِّن شريفَ مقامهم، وعظيم منزلتهم على نحو قول الله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} الأنبياء: 26، وهم الملائكة، وقال -جل وعلا-: {إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} الأعراف: 206، وقال -جل وعلا- في نوح عليه السلام: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} الإسراء: 3، هذه العبادة والعبودية هي مناط المدح، ولذلك يذكرها الله تعالى في مَقامات الثناء على أوليائه، كقوله تعالى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ} ص: 45، فالعبودية هنا غير تلك التي جعلها الله تعالى لجميع خلقه، هي عبودية اختيارية، رفع الله تعالى بها أقدار هؤلاء، وأعلى بها منازلهم وشرَّفهم، ونظير ذلك قوله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} ص: 17، وما قاله في سليمان -عليه السلام-: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} ص: 30، وما قال في أيوب: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ} ص: 41، وما قاله في عيسى، بل عيسى -عليه السلام- أول ما تكلم به في تعريفه لنفسه عندما اتَّهم اليهودُ مريم بما اتهموها به، قالوا: ﴿ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَاۖ [آل عمران:37]، {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} مريم: 30، ولذلك لما كانت هذه المنزلة منزلةً عالية لا يتبوأها إلا أصحاب الفضل والسبق والخير، كان هذا الاسم محلُّ مدح ومحبة لله -عز وجل-.
جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله تعالى- عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ أحبَّ أسمائكم إلى الله عبد الله، وعبد الرحمن»[أخرجه مسلم في صحيحه:ح2132/2]، السبب في هذا أن هذين الاسمين يترجمان حقيقة خُلقية كونية، وحقيقة شرعية مطلوبة من الخلق، وهو أن يحققوا العبودية لله.
أخي الكريم، أيها الإخوة والأخوات، لو أردنا أن نتلمس وصفَ النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو سيد ولد آدم، الذي هو أعلى الخلق منزلة، الذي هو صفوة الله من خلقه، لو أردنا أن نعرف بماذا تمدَّحه الله -عز وجل- في كتابه في أشرف مقاماته، وفي أعلى منازله، لوجدنا أن الوصف الذي أُطلق على النبي صلى الله عليه وسلم في تلك المقامات العالية الشريفة هو هذا الوصف، وصف العبودية.
ففي الإسراء يقول: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} الإسراء: 1.

 لما بلغ هذه المنزلة العالية أن الله خصَّه بالإسراء لم يصفْه بأكثر من أنه عبد؛ لأنه كمَّل العبودية لله.
ومثله في مقام الدعوة، {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} الجن: 19.
ومثله في مقام الوحي: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} النجم: 10.
ومثله في مقام التحدي للمعارضين المكذِّبين، قال -جل وعلا-: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} البقرة: 23، في إنزال القرآن الذي هو أعظم رسالة، وهو خاتم الكتب، وهو أشرفها وأعلاها، لما ذَكَر إنزالَه بيَّن أنه أُنزل على عبد من عباد الله، هذه العبودية عبودية فضل وشرف ومنزلة وعلوِّ مكان.
ولذلك لما ذكر الله تعالى في سورة الفرقان صفات الأخيار، صفات الأبرار، صفات أولياء الرحمن ذكرهم بوصف العبودية؛ لأنه أعلى أوصافهم، كما قال الشاعر في بيان عظيم التمدح بهذا الوصف، قال الشاعر في بيان عظيم الفضل والمنزلة التي بلغها في العبودية:
وكِدت بأخمصي أطأ الثُّريَّا
لمَّا دخل في زُمرة عباد الله -عز وجل- الذين شرَّفهم وأعلى منزلتَهم، ورفع مكانتهم كان أن بلغ هذه المنزلة السامية العالية، أنه كاد بعلوِّه وسموه أن يكون على هذا النحو من المقام الشريف والمقام العليّ.

 إن أعلى المقامات التي يقومها العبد، وأشرف المنازل التي ينزلها الإنسان في مسيرته في الحياة الدنيا وفي الآخرة أن يحقق وصف العبودية لله -عز وجل-؛ لأن وصف العبودية لله -عز وجل- يبلِّغ الإنسان الكمال البشري، ويبلغه السعادة في الدارين، الكمال البشري فلا كمال للخلق إلا بتحقيق العبودية لله -عز وجل-، ولا سبقَ لهم ولا فوزَ في الدنيا ولا في الآخرة إلا بتحقيق العبودية لله -عز وجل-، لهذا من الضروري أن يستحضر المؤمن عظيمَ الشرف وكبير المنزلة وجليل المِنَّة عليه أن اصطفاه الله تعالى.
يا أخي الكريم عندما ذكر الله تعالى أهل الإسلام، وما مَنَّ به عليهم من توريث هذا الكتاب المبين، وأنهم وَرِثوا الأممَ السابقة بهذه الهداية التي أنزلها عليهم، قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} فاطر: 32 يعني هو اصطفاء، وهو اختيار وتخصيص للفضل بعد التعميم، {اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ} شفت حتى أصحاب الظلم لأنفسهم لما أسلموا دخلوا في زُمرة المصطفَين الأخيار، زمرة عباد الله -عز وجل-؛ لأن كل ابن آدم خطَّاء {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} فهم مراتب في الاصطفاء ودرجات في تحقيق العبودية لله -عز وجل-.
أخي الكريم –أختم هذه المقدمة- بأن ذِكْر العبودية مضافة إلى الله فيها من التفخيم {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ}، هذا تفخيم لهم وتكريم وتوقير وتشريف، ولفت نظر إلى أنهم أحظُّ الناس برحمة الله وأوفرهم نصيبًا منها، نسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم.
المذيع: نتواصل معكم مستمعينا الكرام عبر هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة"، وحديثنا في هذا اللقاء عن صفات عباد الرحمن.
المشاركات متاحة بالاتصال على الرقم: 0126477117 و 0126493028 وعبر الواتساب على الرقم 0582824040 وعبر الوسم المخصص للبرنامج الدين والحياة عبر تويتر.
نأخذ أول اتصال معنا في هذه الحلقة من عبد العزيز الشريف، تفضل يا عبد العزيز.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: حياك الله أستاذ عبد الله.
المذيع: أهلا وسهلا، حياك الله.
المتصل: طيب الله حالك، وجزاك الله خيرًا على هذا البرنامج الطيب.
المذيع: اللهم آمين وإياك.
المتصل: ونحي معك شيخنا الفاضل الشيخ خالد.
المذيع: يا مرحبًا تفضل.
المتصل: يقول الله -سبحانه وتعالى-: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} الزمر: 53، ويقول -عز وجل-: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} الفرقان: 63.
فالجمع بين هذه الآيات، الله -عز وجل- يقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} هل عباد الرحمن، هم الذين ابتعدوا عن المعاصي، أم أن هؤلاء عباد الرحمن قد يقعون في الزلَّات ويقعون في الأخطاء لكن يتداركون؟
الأمر الثاني: جاء ثلاثة نفرٌ إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أُخبروا كأنهم تقالُّوها، قال أحدهم: إني أصلي فلا أرقد، وقال الثاني: أصوم فلا أفطر، وقال الآخر: لا أتزوَّج النساء، فلما بلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، قال: «إِنِّي أَخْشاكم لله وأتقاكم له»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح5063] ثم بين الحديث، السؤال هنا: هل عباد الرحمن يقتصرون في العبادة، أم أنهم يُشدِّدون على أنفسهم؟ وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يرهق نفسه بالعبادة:« المُنبَتّ لا ظهرًا أَبْقَى»[أخرجه البيهقي في الكبرى:4743، وضعفه الألباني في الضعيفه:ح2480، وفيه: " إِنَّ هَذَا الدِّينَ [ص:28] مَتِينٌ، فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ، وَلَا تُبَغِّضْ إِلَى نَفْسِكَ عِبَادَةَ اللهِ، فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لَا أَرْضًا قَطَعَ، وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى ".]، أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
فما توجيه الشيخ لهؤلاء الذين تجدهم للأسف لا يفهمون السنة ولا يطبِّقونها، مجرد يؤدُّون الأعمال ويُكثرون منها ولو لم تكن على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبارك الله فيك.
المذيع: شكرًا لك أخي عبد العزيز، الاتصال الثاني من محمد بن مسعود من مكة، تفضل يا محمد.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياك الله يا محمد.
المتصل: وفقكم الله وأثابكم أنتم وشيخنا والجميع.
المذيع: وإياك.
المتصل: ما شاء الله أفدتم وأجدتم، لا قوة إلا بالله.
المذيع: أحسن الله إليك تفضل.
المتصل: طيب نقول وبالله التوفيق، الحمد لله رب العالمين، اللهم صلِّ وسلم على رسولنا أكرم الأكرمين، تلك هي صفات عباد الرحمن، فما هو جزاء من حقَّق تلك الصفات.
المذيع: طيب أحسنت.
المتصل: أقول: فهؤلاء المتصفون بهذه يُجزون يوم القيامة بالجنة، لصبرهم على القيام بتلك الخصال، ويلقَّون فيها التحية والإكرام، التوقير والاحترام، ويخلُدون فيها بلا موت ولا سفر ولا تحوُّل، وجزاكم الله خيرًا.
المذيع: جزاك الله خير، وشكرًا جزيلا.
شكرًا جزيلا لك أخي محمد، شيخ خالد إذا كان بالإمكان نجاوب على سؤال الأخ عبد العزيز، وإن كان في صلب حديثنا، في محورنا الأول حول أهم صفة من صفات عباد الرحمن، هل هم الذين ابتعدوا عن معصية الله -عز وجل-، وربما هو سأل عن آيتين في القرآن الكريم، إحداهما في سورة الزمر، والأخرى في سورة الفرقان: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ}[الزمر:53]  ، والآية الأخرى في قوله سبحانه وتعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا}[الفرقان:63]، كيف يمكن أن نجمع بين الآيتين؟.
الشيخ: هو على كل حال، قبل قليل لما ذكرت توريث الكتاب لهذه الأمة ذكرت الأقسام التي ذكرها الله -جل وعلا- في هذه الآية.
الله -جل وعلا- يقول: {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ} فاطر: 31 فأثنى على الكتاب وأنه حقٌّ، وأن مصدِّق لكل الرسالات السابقة.
يقول: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} فاطر: 32 أي الذين اخترناهم على العالمين، وهديناهم إلى الإيمان بسيد المرسلين، وخاتم النبيين صلوات الله وسلامه عليه.
ثم قال في أقسامهم فيما يتعلق بقيامهم بالكتاب التي أورثوه، {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} فهم ليسوا على درجة واحدة، بل هم على دراجات، الظالم لنفسه هو الذي أدَّى شيئًا من الواجب بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، والإقرار بما جاء به، ولكن عنده ظلم لنفسه بترك واجب، أو بفعل محرم.
المذيع: لكن لا يخرج من هذه الدائرة؟
الشيخ: طبعًا لا يخرج من هذه الدائرة بذلك، بل هو من المصطَفين رغم أنه ظالم لنفسه.
الدرجة الثانية: وهو المقتصد، وهو القائم بالطاعات المنتهي عن المحرمات.
المرتبة الثالثة: هي مرتبة السابق بالخيرات بإذن الله، وهؤلاء كلهم مشمولون بقوله: {ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} فاطر: 32، أي ذلك الذي نالوه والاصطفاء الذي حازوه بإيمانهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأخذهم بالكتاب على مراتبهم الثلاثة هم في فضل من الله كبير.
أيها الإخوة والأخوات: ذكر العبادة في القرآن وذكر العبودية لأحد على وجه التعيين إنما هو على وجه الاصطفاء والمدح والثناء.
في قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ} الزمر: 53 هو خطاب لمن ظلم نفسه في القسم الأول، لقوله تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ}، مهما عظم الظلم للنفس ما لم يوقع الإنسان في الكفر والشرك، فإنه مدعوٌّ إلى التوبة، وأما الكفر والشرك فإنه يُخرج الإنسان عن كونه عبدًا لله مصطفى مُختارًا، ولذلك يقول الله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} الإسراء: 65، وذلك في قوله للشيطان لما قال: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ*إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَص: 82، 83 هو استثنى لعلمه بأنه لا سبيل له إلى أولئك، ولا مدخل له على هؤلاء، فاستثناهم لعلمه باصطفاء الله لهم : {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ص: 82، 83 فهم ممنوعون من أن ينالهم أو من أن يدخل عليهم شيء من كيد الشيطان أو إضلاله أو إزاغته بما حققوه من الإخلاص لله -عز وجل-.
المقصود: أن قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} الزمر: 53 فتعرضوا لهذه المغفرة.
إذا قلنا: أن هذا شامل لكل العباد مسلمِهم وكافرهم، فيشمل المسلمَ بالتوبة من الذنوب والمعاصي، ويشمل الكافر بالتوبة من الشرك، فالله لا يغفر الذنوب للمشرك لعظيم ما معه.
{إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} النساء: 48 فلا تعارض بين هذه الآيات، بل النظر إليها على النحو الذي ذكرنا يجمع شَتات ما يمكن أن تذهب إليه الأفهام أو الأذهان.
المذيع: لعلنا شيخ خالد تعرَّضنا إلى بعض من صفات عباد الرحمن، لكن أسأل: كيف هي عبادة هؤلاء؟ هذا الصنف من الناس الذين اصطفاهم الله -سبحانه وتعالى-، ونسبهم إليه -سبحانه وتعالى-؟
الشيخ: هؤلاء حققوا العبودية لله -عز وجل- على أعلى مراتبها، يمكن أن تَستَشِفَّ ذلك وتعرفَه بالنظر إلى الأوصاف التي ذكرها، ولهذا من المهم أن نستعرض هذه الصفات إجمالاً، وأما الدخول في تفاصيلها فأمر لا سبيل إلى إدراكه.
يقول الله تعالى في صفات عباد الرحمن: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} الفرقان: 63.

 هذه أول صفة ذكرها الله تعالى لعباد الرحمن، هو ما يتعلق بصفة مَشيهم، وليس المقصود بالصفة هنا الصورة الظاهرة لطريقة الحركة، إنما المقصود بالمنهج والسِّمة التي يتَّسم به هؤلاء من الذلّ لله -عز وجل-، والتواضع لعباد الله -عز وجل-، فليس في قلوبهم كِبر، وليس فيها علوٌّ، ولا فيها فخر، ولذلك هم سالمون مما ذكر الله تعالى في حال المعارِضين المعانِدين الذين يمشون في الأرض مَرَحًا، كما قال تعالى فيما نهى عنه: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} لقمان: 18، وفي قوله تعالى: {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} الإسراء: 37 فالله -عز وجل- بيَّن ما يتصف به المُعارِضون له والخارجون عن شرعه، وما يتصف به أولياؤه من الذلِّ والخضوع له -جل وعلا-، والتواضع.
لكن ينبغي أن يُفهم أن قوله تعالى: {يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} ليس تَثاقُلًا في السير ولا تَماوُتًا ولا تصنُّعًا ولا رياءً، بل هذه المشية هي مشية من لا يُريد علوًّا في الأرض.
المذيع: لعل الاتصال انقطع مع الشيخ خالد، حتى نعود إلى فضيلة الشيخ خالد الذي كان يتحدث قبل قليل معنا عن أبرز صفات عباد الرحمن -عز وجل- حيث بدأ فضيلته هذا الحديث وهذه الصفات بأن هؤلاء الصفوة من عباد الله -عز وجل- يمشون على الأرض هونًا كما قال -سبحانه وتعالى-: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا}، وهذا الأمر ليس من باب التقاعُس أو التكاسل أو الضعف، وإنما هو عائد إلى ما انطوت عليه نفوسُهم من التواضع لله -سبحانه وتعالى-، ولعباده المؤمنين.

 عاد إلينا الشيخ خالد، شيخ خالد حياك الله من جديد.
لعلك تتحدث أول شيء عن صفات الرحمن فيما يتعلق بمِشيَتهم، وكما تحدثتم وكما تفضلتم أن هذه المشية ليس الوصف مقصودًا لأجله، وإنما لِما انطوت نفوس هؤلاء الصفوة من عباد الله من التواضع والحِلم على عباده المؤمنين، التواضع لله -عز وجل-، والحلم على عباده المؤمنين.
الشيخ: نعم، هو كذلك أن هذه الصفة ليست صفة لصورة المشي فقط، بل هي صفة للسلوك والأخلاق التي سَكَنَت قلوبَهم وترجموها في أعمالهم، فقلوبهم متواضعة ذليلة لله -عز وجل-، هَيِّنَة لَيِّنَة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «حرَّم اللهَ على النار كلَّ هيِّن ليِّن سهلِ قريب من الناس»[أخرجه أحمد في صحيحه:ح3938، وصححه الألباني في الصحيحة:ح3135]
وثاني وصف ذكره هو أنهم لا يواجِهون الخلقَ بالإساءة والاعتداء والتجاوز، بل إذا خاطبهم الجاهِلون بما اقتضاه جهلُهم من سوء قول أو سوء وصف قالوا: سلامًا، أي: واجهوا ذلك بالسلامة، والسلامة هنا ليست أن يقول سلام فقط، بل المقصود به أنهم لا يتجاوزون الحدَّ في الرد، فإذا أسيء إليهم فهم بين أمرين: إما أن يردوا الإساءة بمثلها كما قال تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} النحل: 126، وكما قال تعالى: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} الشورى: 40، وإما أنهم يعفون عمن أخطأ عليهم، فلا يصل المخطئ منهم إساءة نظيرَ ما أساء، كما قال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}[الشورى:40].

إذًا هم بين هذين الأمرين، وفي كلا الصورتين هم سلام للجاهل والمعتدين.
ثم ذكر في الوصف الثالث ما يكونون عليه في اجتهادهم في الطاعة والعبادة، قال: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} الفرقان: 64، فهم إذا خَلَوا بأنفسهم في ليلهم وفي سكون هَجْعات المساء والليل خصُّوا أنفسهم بتلك العبادة التي يتقرَّبون فيها إلى الله -عز وجل- بالطاعة وتلاوة كتابه والسجود والقيام بين يديه -سبحانه وبحمده-.
وبعد ذلك قال في الوصف الرابع الذي ذكره من أحوالهم: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} الفرقان: 65، 66 إنهم بالرغم مما هم عليه من الطاعة والإحسان في صِلَتهم بالله وصلتهم بالخلق؛ لأن المذكور في الأوصاف السابقة هو جميل الصلة بالله، وجميل الصلة بالخلق.
جميل الصلة بالخلق أنهم لا يصل الناس منهم أذى، متواضعون لا يريدون علوًّا في الأرض حتى إذا اعتدى عليهم المعتدي فإنهم يقابلون ذلك بالسلام، وفيما يتعلق بصلتهم بالله -عز وجل- هم في غاية الطاعة والإحسان {يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} كما قال: {كَانُوا قَلِيلا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} الذاريات: 17، 18 لكن مع هذا وذاك ليس عندهم أمن ولا عندهم رؤية لهذا العمل أنهم بلغوا حد النجاة، هم على وَجَل وخوف أن ينالَهم شيء من العقوبة أو أن يكونوا من أهل الجحيم، ولذلك {يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا}[الفرقان:65 ،66] وصرف عذاب جهنم يكون بسؤال الله -عز وجل- بأن يصرف العذاب يعني أن ينجيَه ويجيَره من النار، هذا وجه، الوجه الثاني أن يقيه الله تعالى الأسباب والأعمال التي تُدخله النار، فإن من وقاية النار وقايةَ الأسباب التي يُفضي إليها، كما أن سؤال الجنة هو سؤال الله -عز وجل- أن يتفضل على العباد من الأسباب التي تدخله الجنة.
رابع ما ذُكر من الأوصاف لهؤلاء هو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} الفرقان:67، وهذا يبين أنهم أصحاب توسط واعتدال، ليس عندهم سَرف ولا تَقتير، ليس عندهم غلوٌّ ولا جفاء، ليس عندهم إفراط ولا تفريط، وذكر ذلك في وجه من الأوجه هو نموذج لوسطيّتهم التي يتَّسِمون بها، فعباد الرحمن هم الذين قال الله تعالى فيهم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} البقرة: 143 فهم وسط في كل أحوالهم، وسط في كل أعمالهم، خيار عدول، لا إفراط ولا تفريط، لا غلو ولا جفاء، بل« هَلَك المُتَنَطِّعون»[أخرجه مسلم في صحيحه:ح2670/7] ، «إِيَّاكم والغلوَّ؛ فإنما أَهلَكَ من كان قبلكم الغلوُّ في الدين».[أخرجه النسائي في الصغرى:ح3057، والحاكم في مستدركه:ح1711، وقال:هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ "]
كما أنهم ليسوا أصحاب خروج عن طاعة الله -عز وجل-، بل هم قائمون بأمره، يرجون ما عنده -جل في علاه.-
فقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا} يشمل كل النفقات سواء كانت النفقات الواجبة كالنفقات على نفسه، وعلى ولده، وعلى زوجه، وعلى من يجب عليه الإنفاق من قرابة به، أو كان ذلك إنفاقًا في الزكوات والصدقات والحقوق الواجبة في الباب.
المذيع: يا شيخ خالد هذه الصفات بصراحة أنتم ذكرتم ما يتعلق بهذه الصفات، وكان هذا على سبيل الإجمال وبودنا -إن شاء الله- أن يكون التفصيل أكثر ولو في حلقات قادمة كل صفة نأخذها على حدة؛ لأن كل صفة بالتأكيد تحمل معاني عظيمة وجليلة جدًّا كما ذكرتم وتفضلتم في الصفة الثالثة من صفات عباد الرحمن، وهم الذين يكثرون من قيام الليل، ويتهجدون، ويقومون في الليل طلبًا لله -سبحانه وتعالى- مغفرته ورحمته، وأيضًا هذه من أبرز الصفات التي يمكن أن ربما نفرد لها حديثًا كاملا في حلقات قادمة.
الشيخ: لعل الله ييسر ذلك نعم.
الوصف السادس الذي ذكره الله -عز وجل- من أوصافهم هو ما ذكره في قوله: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} الفرقان: 68 فهؤلاء سالمون من الشرك، من التوجه إلى غيره، وهذا وإن أخَّره ذكرًا لكنه مُقدَّم في الفعل، ودليله أنه وصفهم بأنهم عباده مختصون به دون غيرهم، لكن أضافوا إلى تحقيق العبودية لله أنهم يتوقَّون أيَّ سبب يخرجهم عن ذلك، وذلك بأن يساووا غير الله تعالى به -سبحانه وبحمده-، فهم سالمون من الشرك ظاهرًا وباطنًا، في قلوبهم وفي أعمالهم، فلا يدعون مع الله إلهًا آخر، لا يعبدون سواه، بل هم خُلَّص لله وحده لا شريك له.
فهذا ليس تأخيرًا للذكر والمقام، إنما هو تأكيد أنهم مع كل هذه الأعمال هم ملازِمون للتوحيد ساعون في تحقيقه، فهذا إبراهيم -عليه السلام- يقول الله تعالى في شأنه: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} النحل: 120 فقد قام بالتوحيد على أكمل ما يكون -صلوات الله وسلامه عليه- حتى جعله الله تعالى إمامًا في ذلك، ومع هذا كان يسأل الله -عز وجل- ويدعوه قائلاً: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} إبراهيم: 35 فما أَمِنَ على نفسه من أن يقع في شيء من مخالفة التوحيد، بل سأل الله أن يسلم من الشرك كله، دقيقه وجليله، صغيره وكبيره، هذا من الخصال التي ذكرها الله -عز وجل-.
ومن الخصال التي ذكرها أيضًا تعظيمُهم لما عظَّمه الله -عز وجل- من حُرمة الدماء {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ}[الفرقان:68] فلا يستبيحون قتلَ النفوس المعصومة، بل النفوس عندهم بمنزلة أنها لا تُنتَهَك ولا تُؤذَى ولا يُنال منها شيءٌ إلا بحق، والحق ليس شيئًا تَقتَرحُه عقولهم، أو تبدو لهم، وإنما الحق في ذلك ما دل عليه الكتاب والسنة، ما بينه الله -عز وجل-، والأصل في النفوس العصمة حتى يقوم الدليل على استباحتها.
وبه يعلم أن أولئك الذين...
المذيع: الاتصال انقطع بالشيخ خالد، وحتى يعود إلينا من جديد، وكان يتحدث فعلاً عن صفات عباد الرحمن التي وَرَدت في سورة الفرقان، ووصلنا في هذه الصفات إلى توقي هؤلاء العباد قتلَ النفس التي حرم الله -سبحانه وتعالى- إلا بحقها، وبالتالي فإن هؤلاء المؤمنين وقفوا عند حدود الله -عز وجل- ولم يتعرَّضوا إلى هذه الدماء ولو بِشَطر كلمة، كما قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم- محذِّرًا -عليه الصلاة والسلام- من الإعانة على ذلك ولو بأدنى إعانة، وهذا يُعتبر مشاركة للقاتل في الجريمة تستوجب لصاحبها المقتَ والطردَ من رحمة الله سبحانه ورضوانه، فما كان بعد ذلك فهو من باب أولى مما يجدر التحذير منه.
عاد إلينا الشيخ خالد، حياك الله شيخ خالد من جديد، وكنتم تتحدثون عن هؤلاء الذين يتساهلون في الدماء المعصومة المحرمة، ويعينون على ذلك ويشاركون في القتل والتدمير والتفجير وانتهاك حرمات الله -عز وجل-.
وهنا في الآية الكريمة لعل الله -سبحانه وتعالى- نصَّ على هذا الوصف المهم من صفات عباد الرحمن، وهناك تحذير المصطفى صلى الله عليه وسلم من قتل النفس، ومن الإعانة على ذلك، ووصَفَ من أعان على ذلك أنه مشارك للقاتل في جريمته فكان القتل من باب أولى أن يُحذر منه ويُجتنب.
الشيخ: ولذلك يعني أنت تنظر يا أخي، الآن عباد الرحمن أول ما وصفهم بأنهم {يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا}، فليس عندهم كِبْر ولا علوٌّ ولا تفاخر، وأيضًا إذا أُسيء إليهم بالقول خاطَبَهم الجاهلون لم يقابلوا الإساءةَ القولية بمثلها، أي بما يخرج عن المباح لهم من المقابلة بالمكافئة بالمثل أو بالعفو، فكيف بما يتعلق بالأنفس؟ لكن أعاد تأكيدًا أن مِن خصالهم هو أنهم لا تمتدُّ أيديهم إلى دمٍ محرَّم إلا بحق، والحق ليس أمرًا يؤخذ من قبل رأي الإنسان أو اجتهاده الذي يخرج عن نور الشريعة، بل هو في إطار ما بيَّنَت الأدلة، أول ما يدخل في هذا أن الإنسان لا يقتل نفسه، كما قال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} النساء: 29، فنهى الله عن قتل النفس.
أيضًا قَتْل المسلم برفع السيف عليه هو مما نهى عنه الله -عز وجل-، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتولُ في النَّار»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح31] هذا كله تعظيم لاستباحة الدماء والتساهل فيها، وقال: «سِبابُ المسلم فُسوقٌ وقتالُه كُفرٌ».[أخرجه البخاري في صحيحه:ح48]

المذيع: شيخ خالد، النبي صلى الله عليه وسلم حذَّر حتى من المُزاح برفع حديدة أو آلة بالنسبة للمسلم على أخيه المسلم، وكان هذا التحذير فيما يتعلق بهذا الإجراء وهذا الإقدام، فما بالنا إذا ما كان الأمر متعلِّقًا بقتل النفس أو بمشاركة على ذلك، يعني تمَّ التحذير من أدنى درجات المساهمة في القتل أو الترويع على الأقل.
الشيخ: فكيف بأولئك الذين يقصدون المساجد ويقصدون المسلمين في أماكنهم، يقصدون الأبرياء فيفجِّرون ويدمِّرون زعمًا منهم أن هذا يتحقق به نصرةُ دين، أو يتحقق به سبقٌ، أو يتحقق به فضل، وهؤلاء إنما هم من جنود الشيطان الذين استزلَّهم وأغواهم فأوقعهم في مثل هذه الخطايا التي تحيط بأصحابها.
فقد قال ابن عمر فيما ذكره من فهمه لنصوص الكتاب والسنة: "إن من وَرْطات الأمور التي لا مَخرجَ للإنسان منها أن يُصيب دمًا حرامًا".[أخرجه البخاري في صحيحه:ح6863]
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الرجل في فُسحةِ من دينه ما لم يُصب دمًا حرامًا».[أخرجه البخاري في صحيحه:ح6862]
الخصلة التي تليها من خصال عباد الرحمن قال: {وَلا يَزْنُونَ}[الفرقان:68]، فهم أصحاب عِفَّة في الفرج والعفة معنى أشمل من أن يختص عفة الفروج بالكفِّ عن المحرمات، وعدم طلب ما لا يحل من الاستمتاع، إلى أنه سلوك عامٌّ، ولكنه ذكر منه صورة من الصور وهو أنهم لا يزنون، وقد قال الله -جل وعلا- في أوصاف أهل الإيمان قال: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} المؤمنون: 5، 6 وهنا يتأكد للمؤمن أن يفهم ما أمر الله تعالى به من اجتناب الزنا، قال: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} الإسراء: 32.
المذيع: تحذير من قُرب الزنا وليس من الزنا، فما بالنا لو كان الأمر متعلِّقًا بالزنا نفسه.
الشيخ: بالتأكيد، لأن الزنا مراتب ودرجات وله مُقدِّمات، «العينان تَزنيان وزناهما النظر، والأُذنان تزنيان وزناهما السمع، واليد تزني وزناها البَطْش، والرجل تنزني وزناها التنقل والحركة، والقلب يهوى ويتمنَّى، والفرج يُصدِّق ذلك أو يكذِّبه»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح6243].

 فكلها مقدمات تؤدي إلى غرض، فكلما كفَّ الإنسان نفسَه عن هذه المقدمات وقى نفسه التورط في هذه الموبقة العظيمة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح2475] فإن الزاني إذا زنا خرج من قلبه الإيمان وكان على خطر إن شاء رده الله تعالى إليه وإن شاء سلبه الإيمان.
وهذه قضية خطيرة أن تعرض إيمانك للزوال بسبب متعة آنية تعقب قلبك حسرة وظلمة وشقاء، نسأل الله أن يصرف عنا وعنكم السوء والشقاء.
المذيع: شيخ خالد لعل البعض ربما يعني يلبس عليهم إبليس ويقول: إن كثيرًا من الناس يظنون هناك ،كثير من الناس يظنون أن ربما بعض من استقام على شرع الله -سبحانه وتعالى- ودينه على هذا الدين الحنيف، يعيشون حياة كآبة لا فرح فيها ولا مرح، وأن كل الفرح والمرح في معصية الله -سبحانه وتعالى-، فلا يعرف هؤلاء الجهلاء كم يعيش العصاة في حزن وشقاوة.
الشيخ: بالتأكيد، يا أخي شوف، هناك أصل أنه لا يمكن أن تجلب السعادة المعصية، يعني كل معصية إنما تجلب الشقاء، وكل طاعة إنما تجلب طمأنينة وسعادة، وهذا لا يعني أن الطاعة ليس فيها عناء، كل ما في هذه الدنيا لا بد فيه من عناء، لكن عناء يعقبه سعادة وانشراحًا وبهجة أكيد أنه أولى بالإقبال على عناء يحصِّل به الإنسان لذَّة آنيةً يعقبه بعد ذلك حسرة وظلمة ووحشة في قلبه، كما يعقبه عقوبة في الآخرة الله بها عليم.
المذيع: تذهب المتعة واللذة ويبقى العذاب والشؤم.
الشيخ: ولذلك أنا أقول: يا إخواني وأخواتي لنحرص على وقاية أنفسنا من كل الأسباب المؤدِّية إلى هذه السيئة، فإن ظهور الزنا من علامات الساعة، وظهور الزنا يكون بكل تلك الوسائل التي تقرِّب إليه، سواء كان ذلك من خلال المرئيَّات والمشاهدات والنظر إلى الصور المحرمة في المواقع الإباحية والمواقع الرديئة، ينبغي أن يكفَّ الإنسان نفسه عن هذا احتسابًا للأجر، وليعلم أن اللذة التي يدركها بالنظر المحرم يعقبُها حسرة، بخلاف ما يعانيه من كفِّ نفسه عن النظر المحرم، فإنه يعقبه خيرٌ، قال الله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} النور: 30 والزكاء هو نور في القلب وطمأنينة وانشراح وبهجة بسبب قيامهم بذلك.
المذيع: فضلا عمن يقومون بنشر مثل هذه المقاطع للأسف الشديد عبر مجموعات وعبر مجاميع كبيرة جدًّا فهم ينالون العقاب من الله -سبحانه وتعالى- أكثر مما كانوا ينالونه بمفردهم؛ لأنهم عموا بذلك هذا الإثم، وكذلك أيضًا يزِرون أوزارَ كلِّ من تلقوا مثل هذه المعاصي والآثام.
الشيخ: بالتأكيد نسأل الله أن يهديهم وأن يكفي المسلمين شرهم؛ لأن هؤلاء ممن قال الله تعالى فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} النور: 19 فينبغي للمؤمن أن يقي نفسه هذا البلاء بأن يكفَّ نفسَه عن الشرِّ وأن يبعد عنه، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شيئًا.
المذيع: جميل هذا الترتيب يا شيخ خالد أنه بعد ذلك ذكر في القرآن الكريم وصفَ التوبة النصوح لهؤلاء المؤمنين عباد الرحمن.
الشيخ: بالتأكيد، وذلك أن كون الإنسان من عباد الرحمن لا يعني أنه معصوم، كما تقدم في قوله- جل وعلا-: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ} فاطر: 32.

 نحن بحاجة للتوبة، والتوبة تكون في مقابل التقصير، وفي مقابل القصور، القصور أننا لا نستطيع أن نَفِيَ الله حقَّه، نستغفر الله ونتوب إليه من عدم قيامنا بقدره حق قدره، كما نستغفره ونتوب إليه من الخطأ الذي يكون في ترك واجب أو في فعل محرم.
ولهذا بعد أن ذكر الله هذه السيئة نَدَب إلى التوبة، وهذه سيئات وليست سيئة واحدة، سواء الشرك، سواء قتل النفس والاعتداء على الأنفس المعصومة، سواء كان بالزنا ،كل هؤلاء مَدعُوُّن للتوبة، وهذه دعوى لكل صاحب سيئة كما قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} الزمر: 53 أسأل الله أن يغفر لي ولكم وللمسلمين والمسلمات.
بعد هذا ذكر الله تعالى وصفًا من أوصاف المؤمنين فقال: {لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ}[الفرقان:72].

 

   من أوصاف عباد الرحمن أنهم يقون أنفسهم الحضور لكل موقع فيه باطلٌ أو شرٌّ، أيضًا يقون أنفسهم أن يقولوا زورًا أو أن يفعلوا فجورًا، فإن الزور اسم لكل ما يكون من الباطل سواء كان فعلاً أو كان قولاً، سواء كان منه أو من غيره.
ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الصائم: «مَن لم يَدَع قولَ الزور والعملَ به»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1903]، فالزور ليس فقط بالقول، كثير من الناس يتوهَّم بأن الزور هو شهادة الزور بأن تشهد بغير الحق لغير مستحقٍّ، لكن ثمة معاني أخرى، هذا من قول الزور لكن هو أوسع من هذا، هو يشمل: الكذب، النميمة، الغيبة، ترويج الباطل، الدعوة للفساد كل هذا من قول الزور.
المذيع: كذلك اجتناب مجاميع الباطل اللغو واللهو وغير ذلك.
الشيخ: نعم، {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} هذا من أوصافهم أنهم معرضون عن ما لا فائدة فيه لا يشتغلون باللغو، فاللغو اسم لكل ما لا فائدة فيه، فضلا عن أن يكون محرَّمًا، كمل الله صفاتهم، فهم لا يشهدون الزور يتوقونه كما أنهم إذا عَرَض لهم شيء من اللهو، شيء من الباطل الذي لا فائدة منه، شيء مما لا تُحمد عقباه من الأفعال أعرضوا عنه ومرُّوا كرامًا، لا يشتغلون به.
المذيع: عفوًا يا شيخ خالد، وهذا يشمل بعض الذين يخطؤون وربما بعضهم لا يعلم الحكم الشرعي في أنه ربما يشهد بشيء لا يعلمه كما يحصل هذا الأمر أمام بعض الدوائر الشرعية وغيرها يا شيخ، يعني يؤجِّرون نفسهم أو أنهم يكترون نفسهم للناس ويكرون أنفسهم للناس، ويأخذون مقابل ذلك أموال تجاه الشهادة بشيء لا يعلمونه، ولا يعلمون تفاصيله.
الشيخ: الإشكال يا أخي بعض الناس يبيع ذمته بالشهادة الباطلة، ومن الناس من يجعل الشهادات نوعًا من الفزعة، يفزع لصاحبه، وأن والله أنا ما أقدر أتأخَّر عنه وطَلَب مني الشهادة، وكأنها خِدمة ينتفع بها، وهي في الحقيقة توريط له في أكل المال بالباطل أو في جحود الحقوق أو ما إلى ذلك، فينبغي أن يقي المؤمن نفسه، ويتذكر أنه يخرج بذلك من وصف عباد الرحمن إذا شهد زورًا، نسأل الله السلامة والعافية إلا أن يتوب.
ثم قال -جل وعلا- في أوصافهم قال: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا}[الفرقان:73] فهم أصحاب عبادة، أصحاب ذكر، أصحاب تدبُّر، أصحاب تفكُّر، أصحاب نظر وبصر، فقوله: {إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} يعني إذا ذكَّرهم أحد بشيء من آيات الله سواء آيات الله المتلوة كالقرآن، أو آيات الله الخَلقية في السماوات والأرض ما مروا عليها وهم معرضون، كما قال تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} يوسف: 105 بل ينتفعون من ذلك، فليسوا عُميًا ولا صمًّا في ما يرونه ويشاهدونه من آيات الله الخلقية، أو من آياته المتلوَّة في كتابه الحكيم، بل يتدبرون القرآن ويتَّعظون به وينتفعون بآياته.
ومن صفاتهم أيضًا أنهم أصحاب دعاء لهم ولمن حولهم من أهليهم وذرياتهم، وليسوا أصحاب أنانية لا ينظرون في المصالح إلا لأنفسهم.
في الأولى ذكر قال: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} هنا قال في الدعاء: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ}، فهو يدعون الله -عز وجل- باستقامة حال أولادهم وحال أزواجهم، كما أمرهم الله تعالى بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} التحريم: 6 وكما قال- جل وعلا-: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} طه: 132 ثم قال -جل في علاه-: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}. هنا لفتة أنهم دائمًا يسابقون، فليسوا أهل تأخُّر، فهم ينظرون إلى التقدم في الدين، وليس أن يكون في أي منزلة منه، ولذلك طلبوا الإمامة في التقوى، والإمامة تقتضي التقدم، وتقتضي اجتماع الفضائل، فإن الإمام هو الذي اجتمعت فيه الفضائل والمكرمات.
وبعد هذا كله ذكر الله تعالى جزاءهم –نسأل الله أن يبلغنا هذه الخصال وعلى الفوز بها- قال: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا}[الفرقان:75] بما صبروا في التخلِّي عن المحرَّمات ووقاية النفس منها، بما صبروا على أقضية الله وأقداره المؤلمة فإن ذلك يبلغهم أجرًا عظيما {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} الزمر: 10 قال -جل وعلا- بعد ذكر جزاءهم، الغرفة هي منزلة في الجنة وهي عالية، نسأل الله أن يبلِّغنا إياها، قال: {وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا} تحية من الله -عز وجل-، سلام قولا من ربٍّ رَحيم، تحية من الملائكة يدخلون عليهم من كل باب فيسلمون عليهم، سلامًا هم بعضهم يسلم على بعض، فيلقون التحية ويلقون السلام من كل آفة من كل مكروه.
ثم قال في بيان أن ذلك الفضل من تحصيل المحبوب والأمر من المرهوب قال جل وعلا: {خَالِدِينَ فِيهَا} فهو أمر دائم مستمر لا انقطاع له، قال جل وعلا: {حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} نسأل الله أن يجعلنا من أهلها، وأن يبوِّءنا أعلى المنازل فيها، وأن يجعلنا من عباد الرحمن الذين هم أولياؤه وخاصته.
المذيع: شكر الله لكم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ خالد بن عبد الله المصلح أستاذ الفقه بكلية الشريعة في جامعة القصيم المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم، أسأله تعالى أن يجزل لكم المثوبة والأجر، وأن يجعل ما تفضَّلتم به في هذا اللقاء في ميزان حسناتكم.
الشيخ: بارك الله فيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91424 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87224 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف