×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطب الجمعة: واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:13797

إِنَّ الحَمْدَ للهِ, نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًّا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَالبقرة:281.
قِيلَ: أَنَّ هَذِهِ آخِرُ آيَةٍ أَنْزَلَها اللهُ تَعالَى عَلَى قَلْبِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،يُنظر:الِإتْقانُ في عُلُومش القُرْآنِ لِلسُّيُوطِي(1/102) ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ ذَلِكَ اليَوْمُ يَوْمٌ عَظِيمٌ أَخْبَرَ اللهُ تَعالَى عَنْهُ في كِتابِهِ، إِنَّهُ اليَوْمُ الآخِرُ الَّذي يَقُومُ فِيهِ الأَشْهادُ لِرَبِّ العالمينَ، إِنَّهُ اليَوْمُ الَّذي فِيهِ مِنَ الأَهْوالِ وَالأَحْوالِ ما تَطِيشُ لَهُ الأَلْبابُ، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى﴾ غُيِّبَتْ عُقُولُهُمْ ﴿وَمَا هُمْ بِسُكَارَى﴾ وَلَيْسُوا سُكارَى سُكْرَ نَشْوَةٍ وَطَرَبٍ ﴿وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌالحج: 1، 2.
أَيُّها المؤْمِنُونَ, أَخْبَرَكُمُ اللهُ تَعالَى في كِتابِهِ عَنْ ذَلِكَ اليَوْمِ خَبَرًا مُفَصَّلاً مُبَيَّنًا، ﴿اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌالشورى:17.
تَلْكَ السَّاعَةُ هِيَ ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَالمطففين:6.
أَحْوالُ النَّاسِ فِيها عَلَى قِسْمَيْنِ: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا﴾ يَقُولُونَ مَتَى, لماذا تَأَخَّرْتَ, مَتَى تَكُونُ؛ يُشَكِّكُونَ فِيها وَيَسْتَعْجِلُونَ الرُّسَلَ في مَجِيئِها ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا﴾ فَهُمْ عَلَى وَجَلٍ وَخَوْفٍ مِنْ ذَلِكَ اليَوْمِ، ذاكَ الوَجَلِ ناشِئٌ عَنْ كَمالِ الإيمانِ بِذَلِكَ اليَوْمِ، وَالعِلْمِ بِأَنَّهُ يَوْمٌ حَقٌّ يَقُومُ فِيهِ الأَشْهادُ لِرَبِّ العالمينَ ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ﴾ يُجادِلُونَ وَيُناقِشُونَ وَيُشَكِّكُونَ  ﴿ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍالشُّورَى:18.
عِبادَ اللهِ, إِنَّ اللهَ تَعالَى بِرَحْمَتِهِ جَعَلَ النَّاسَ مَفْطُورينَ عَلَى خَوْفِ المكْرُوهاتِ وَطَلَبِ المحْبُوباتِ، فَكُلُّ نَفْسٍ بَشَرِيَّةٍ تَسْعَى إِلَى ما تُحِبُّ وَتَعْمَلُ إِلَى إِدْراكِهِ وَتَخْشَى وَتخَافُ ما تَكْرَهُ، وَتَعْمَلُ عَلَى اجْتِنابِهِ وَوِقايَتِهِ، إِنَّ أَعْظَمَ مَخُوفٍ في قُلُوبِ المؤْمِنِينَ هُوَ يَوْمُ القِيامَةِ، إِنَّ أَعْظَمَ ما يَخافُهُ أُولُوا الأَلْبابِ هُوَ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العالمينَ حُفاةً عٌراةً غٌرْلاً.
إِنَّ أَعْظَمَ ما يَخافُهُ أَهْلُ التَّقْوَى وَالإيمانِ، يَوْمَ يَفِدُونَ عَلَى الواحِدِ الأَحَدِ الدَّيَّانِ الَّذي يُحاسِبُ عَلَى القَلِيلِ وَالكَثِيرِ، وَيَسْأَلُ عَنِ القِطْمِيرِ وَالنَّقِيرِ، فَلا يَدَعُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَتَى بِها، ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهالزلزلة:7، 8.
فَلَمَّا تَمَّ عَلَّمَهُمْ بِذَلِكَ اليَوْمِ وَأَيْقَنُوا أَنَّهُ حَقٌّ؛ كانَ حاضِرًا في أَذْهانِهِمْ، فَنَفَذَتْ أَبْصارُهُمْ مِنَ الحَياةِ الدُّنْيا وَما فِيها، مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، مِنْ مَلَذَّاتٍ وَشَقاواتٍ، مِنْ مَحْبُوباتٍ وَمَكْرُوهاتٍ إِلَى الآخِرَةِ، فَأَبْصارُهُمْ لا تَقْتَصِرْ عَلَى حَياتِهِمُ الدُّنْيا طَلبًا وَلا رَهَبًا، رَغْبَةً وَرَهْبَةً، بَلْ إِنَّ أَبْصارَهُمْ مُعَلَّقَةٌ بِيَوْمٍ أَيْقَنُوا أَنَّهُ حَقٌّ وَأَنَّهُمْ وَاقِفُونَ فِيهِ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَسْأَلهُمُ ْعَنِ الدَّقِيقِ وَالجَليلِ، وَيُوَفِّيهِمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ فِيهِ عَلَى فَرِيقَيْنِ: فَرِيقٌ في الجَنَّةِ, وَفَرِيقٌ في السَّعِيرِ.
عِبادَ اللهِ, كُلُّنا يُؤْمِنُ بِاليَوْمِ الآخِرِ، فَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِأَنَّ ثَمَّةَ ساعَةً يُبْعَثُ فِيها النَّاسُ مِنْ قُبُورِهِمْ، وَيُحاسِبُونَ عَلَى أَعْمالِهِمْ، وَتَنْتَهِي مآلاتُهُمْ إِمَّا إِلَى جَنَّةٍ وَإِمَّا إِلَى نارٍ، هَذا العِلْمُ وَذَلِكَ الإيمانُ نَظَرِيٌّ في قُلُوبِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، يَقْوَى نُورُهُ فَيَصْلُحُ العَمَلُ وَيَسْتَقِيمُ، وَيَضْعُفُ وَيَخْبُوا أَثَرُهُ في حَياةِ أُولئِكَ الَّذينَ لمْ تَتَرَسَّخْ في قُلُوبِهِمْ مَعالِمُ ذَلِكَ اليَقِينِ، وَلمْ تَثْبُتْ في أَفْئِدَتِهِمْ أَخْبارُ ذَلِكَ اليَوْمِ العَظِيمِ، إِنَّ مَنْ كانَ يَنْظُرُ إِلىَ الآخِرَةِ بَعَيْنِ التَّصْدِيقِ وَاليَقِينِ سَيَنْظُرُ إِلَى دُنْياهُ عَلَى أَنَّها فُرْصَةٌ وَمِنْحَةٌ يُسابِقُ فِيها إِلَى مَرْضاةِ رَبِّهِ، فَلا يُبالِي ما أَصابَهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ؛ لأَنَّهُ مُبْتَلَى بِالخَيْرِ وَمُبْتَلَى بِالشَّرِّ، وَالنَّجاحِ لَيْسَ فِيما تَنالُهُ مِنْ مَلَذَّاتِ الدُّنْيا وَلا فِيما تَنْجُوا مِنْهُ مِنْ كُرُباتِها وَشَدَائِدِها، النَّجاحُ هُوَ أَنْ تَكُونَ أَوّابًاً للهِ رَجّاعًًا إِلَيْهِ في السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ.
سُلَيْمانُ: فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ مِنَ العَطايا والهِباتِ فَآتاهُ مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لمْ يُخْرِجْهُ ذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا أَوَّابًا فَأَثْنَىَ عَلَيْهِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقالَ: ﴿ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌص:30. عَلَى عَظِيمِ ما أَتاهُ اللهُ مِنَ الملْكِ وَالقُدْرَةِ وَتَسْخِيرِ جُنُودِ الإِنْسِ وَالجِنِّ، إِلاَّ أَنَّهُ لم ْيَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ عَبْدًا أَوَّابًا؛ فَفَازَ بِهَذِهِ الشَّهادَةِ وَالثَّناءِ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
أَيُّوبُ: ابْتَلاهُ اللهُ في جَسَدِهِ وَفي مالِهِ وَفي نَفْسِهِ وَفي أَهْلِهِ، فَقالَ عَنْهُ رَبُّنا ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌص:44 نَفْسُ الشَّهادَةُ لَكِنَّها عَلَى عَمَلٌ مُخْتَلِفٌ، وَعَلَى بَلاءٍ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ، فَكُلُّنا نُبْلَى بِخَيْرٍ وَشَرٍّ، وَالنَّجاحِ لَيْسَ بِكَمِّيِّةِ ما أَدْرَكْتَهُ مِنَ الملَذَّاتِ وَالمحْبُوباتِ، وَلا فِيما سَلِمْتَ مِنْهُ مِنَ المكْرُوهاتِ وَالمسْتَقْذَراتِ وَالمؤْلماتِ، إِنَّما النَّجاحُ في أَنْ تَكُونَ صابِرًا عَلَى البَلاءِ شاكِرًا في النَّعْماءِ، هَكَذا تُفْلِحْ وَتَنْجَحْ، وَلَنْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلَّا عِنْدَما يُوقِنُ أَنَّ الدُّنْيا دَارُ اخْتِبارٍ، أَنَّ الدُّنْيا مَعْبَرٌ وَلَيْسَتْ دارَ قَرارٍ، مَنْ أَيْقَنَ هَذا، وَسَكَنَ هَذا العِلْمُ قَلْبَهُ، أَفْلَحَ وَنَجَحَ، وَكانَ عَبْدًا للهِ في السَّرِّاءِ وَالضَّرَّاءِ، فَتَحَقَّقَ فِيهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيما رَواهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ صُهَيْبٍ: «عَجَبًا لأمْرِ المُؤمنِ إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خيرٌ، ولَيسَ ذلِكَ لأَحَدٍ إلاَّ للمُؤْمِن: إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكانَ خَيرًا لَهُ، وإنْ أصَابَتْهُ ضرَاءُ صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا لَهُ»مسلم(2999).لماذا؟ لأنَّ المؤْمِنَ لم يُقْصِرَ النَّجاحَ وَالفَوْزَ عَلَى ما يُدْرِكُهُ مِنْ مَلَذَّاتِ الدُّنْيا وَنِعَمِها، وَلا عَلَى ما يَسْلَمُ مِنْهُ مِنْ بَلاياها وَمَكْرُوهاتِها، بَلْ نَجاحُهُ في تَحْقِيقِ العُبُودِيَّةِ للهِ.
﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَالأعراف:23.
أَقُولُ هَذا القَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العظيمَ لي وَلَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحَمْدُ للهِ رَبّ العالمين أحمده حق حمده لا أحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله الله إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًّا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله تعالى واخشوا يومًا تُرجعون فيه الله، تُوفون فيه على أعمالكم، لا يغيب فيه دقيق ولا جليل، ولا يغيب فيه شيء عن رب العالمين بل يأتي بكل حسنة فيجزيك عليها، لا تُظلم شيئًا، كما يُؤتى بكل سيئة، فيجرى فيك عدله أو فضله، عدله بالمؤاخذة أو فضله بالعفو والتجاوز؛ فأعد لذلك  اليوم عدته.
أيها المؤمنون, لماذا يشفق المؤمنون من يوم القيامة، لماذا سكن خوف الآخرة قلوب أولياء الله، لماذا أمرنا الله تعالى بتقوى ذلك اليوم، فقال: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِالبقرة:281، نعم، نحن نخشى ذلك اليوم، ويجب أن نخافه؛ لأنه يوم شديد الأهوال عظيم الأحوال، تطيش فيه الألباب، يجري الله تعالى فيه من التغيرات ما لا قبل لكم في تصوره وإدراك حقيقته في هذا اليوم، إنه يوم عظيم مهيب، يكفي في عظمته أن الله وصفه ﴿ وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌالحج:2.
إن أهوال يوم القيامة أمرها جليل، لو سمعتم صوت رعد شديد لفزعت له قلوبكم، وهو رحمة يسوقها الله تعالى لكم فيأتي بالسيل والمطر الذي تحبون، فكيف بتلك الأهوال التي تنشق فيها السماء وتتغير فيها الأحوال ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِإبراهيم:48.
إنه يوم عظيم تقرؤون أخباره في كلام الله عز وجل ﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُالطارق:1- 3.﴿إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْالانشقاق:1- 3..﴿إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْالانفطار:1. وما إلى ذلك من الآيات التي يخبر الله تعالى فيها عن عظيم أهواله، أهوال ذلك اليوم العظيم الذي تتغير فيه الأحوال، ألا يخاف المؤمن تلك التحولات الكبرى التي تعتري السماء والأرض، فلا الأرض هي الأرض، ولا السماء هي السماء التي يعهدها الإنسان، ولا الناس هم الناس، ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِعبس:34- 37.
أطلق لفكرك الخيال في تصور حال الناس في ذلك اليوم, إنه فرار من القريب والبعيد، الآن إذا أصاب ابنك مكروه فزعت إليه، وإذا أصاب والدك ما تكره هرعت إليه لتنقذه، ذلك اليوم أهوال تشيب لها الولدان، يولي فيها الناس، كل منهم يولي من يعرف ظهره، نفسي نفسي، ليس ثمة نظر إلى ولد ولا إلى والد، ولو كانت في غاية الحاجة والضرورة، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌالحج:2.
أيها الناس, هذه أخبار إلهية ليس سوالف ولا أساطير ولا قصص إنها حقائق سنلقاها ونواجهها ليس بيننا وبينها إلا أن تخرج أرواحنا فنرى صدق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم.
فأعدوا لذلك اليوم عدته وذلك الموقف ما يحتاجه، الدنيا مهما طابت لنا فنحن عنها راحلون، ومهما قاسينا فيها مما نكره، فنحن عنها متحولون، وإنما ننجوا بما تزودنا به من صالح العمل، فاتقوا الله أيها الناس، اتقوا الله واعملوا لذلك اليوم، وأهواله.
نخاف اليوم الآخر؛ لشدة ما فيه من الأهوال، قال الله تعالى في خبره عن الأبرار وما يُقدمونه من صالح الأعمال ﴿إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًاالإنسان:10 هذا اليوم أنا وأنت سنَرِد إليه جميعنا سيدخل ذلك اليوم ويرى ذلك الوصف الذي ذكر الله تعالى في محكم كتابه ﴿إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا﴾ أي: شديدًا ﴿قَمْطَرِيرًا﴾ أي طويلاً، فشدته تكفي لخوفك، فكيف إذا كان شديدًا طويلاً، لكنه ينجو فيه الإنسان بصالح عمله، فالمؤمن في ظل صدقته يوم القيامة، وأهل الصلاح يقدمون على الله عز وجل، ﴿ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَالبقرة:62. فيأمنون من فزع ذلك اليوم العظيم.
نخاف يوم القيامة؛ لأنه اليوم الذي يقوم فيه الناس للحساب والجزاء، وإيفاء الأعمال لذلك يقول ربكم: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَالبقرة:281.
﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُلقمان:16، ما غاب عن الناس فالله به بصير.
﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ النساء:108 فليكن نظرك إلى رؤية ربك وبصره وسمعه، ولا يحجزك عن سيء أن الناس ينظرون إليك فقط بل الله بك بصير، الله بك عليم ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌق:18 يقيد: ﴿ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾الجاثية:29.
﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ
الطارق:4 ما من نفس إلا وعليها حافظ يقيد أعمالها، في السر والعلن، في الشدة والرخاء، في الصحة والمرض، في الغنى والفقر، في كل الأحوال بين الناس وفي الخلوات، فستحاسب على ذلك اليوم فاتقي الوقوف بين يدي الله؛ فإنه وقوف عظيم، ومن خاف ذلك المقام أفلح، ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىالنازعات:40، 41.أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم.
أيها الإخوة, نخاف ذلك اليوم؛ لأنه يوم الوقوف بين يدي الله عز وجل، ذلك اليوم ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان، وإما أن يسعد ويفلح في ذلك اللقاء، ويسر به، وإما أن يكون خائبًا، لا تظن ولا يرد عليك أن هذا لقاء لفلان أو عِلان وأنت سالم ﴿يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِالانشقاق:6 ,كلنا سيلقى الله فإما أن يفلح في هذا اللقاء وينجح وإما أن يخيب ويخسر، فاتقوا الله عباد الله واستحضروا وقوفكم بين يديه، وسؤاله جل في علاه؛ فإنه يسأل عبده عما كان، وهو موقف جليل عظيم، لا يعرف قدره؛ إلا من علم قدر ربه، فمن علم قدر الله ـ جل في علاه ـ، وأدرك عظيم ما له من الصفات، وما له من الكمالات، وجد في قلبه هيبة ورهبة وخوفًا من ذلك المقام؛ يحمله ذلك على إصلاح الأعمال، يحمله ذلك على الإخلاص للواحد الديّان، يحمله ذلك على المبادرة إلى الاستغفار والاستعتاب، يحمله ذلك على بذل كل ما يقوى على بذله لنيل رضى ربه.
اللهم اجعلنا من عبادك المتقين، ومن حزبك المفلحين، وأوليائك الصالحين يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والرشد والغنى.
﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَالأعراف:23.﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا البقرة:48.﴿ وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَالأنبياء:47.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم استعملنا فيما رضيت، واصرف عنا معاصيك، اللهم اجعلنا من حزبك وأوليائك، اللهم اجعلنا ممن يقدم عليك آمنًا يا رب العالمين.
اللهم أعنا على أداء حقك، وأداء حق خلقك، والقيام بالأمانة التي حملتنا يا حي يا قيوم.
اللهم اصرف عنا السوء والفحشاء، واجعلنا من عبادك المخلصين، وفقنا إلى ما تحب وترضى من الأعمال يا رب العالمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق ولي أمرنا إلى ما تحب وترضى، خذ بناصيته إلى البر والتقوى، واجعل له من لدنك سلطانًا نصيرًا.
اللهم سدد ولاة أمرنا إلى الأقوال الصالحة، والأعمال المباركة، وفقهم في سرهم وإعلانهم، وهيئ لهم بطانة صالحة تعينهم على الخير، وتشجعهم عليه، وتحذرهم من الشر وتبينه لهم.
اللهم إنا نسألك أن توفق ولاة أمر المسلمين إلى ما تحب وترضى، في كل مكان يا رب العالمين.
اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام نسألك لأهل الإسلام عزًّا ونصرًا وتمكينًا وظهورًا.
اللهم من أراد بالمسلمين شرًّا في كل مكان فاجعل تدبيره تدميرًا عليه، واكفِ المسلمين شره، واحفظ علينا ديننا وأمننا يا حي يا قيوم.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات90647 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87046 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف