×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (65) من صور الشح في حياة الناس

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:5572

المقدم: أهلا بكم مستمعينا الكرام في هذه الحلقة، وحديثنا بإذن الله –تعالى- عن هذا الخلق الذميم الممقوت الذي كان في حديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وجاء مقرونًا بخلق ذميمٍ أيضًا آخر في حديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، حينما ذمَّ وحذر منهما، وقال-عليه الصلاة والسلام_: ‹‹اتقوا الظلمَ؛ فإن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة، واتقوا الشحَّ؛ فإن الشح أهلَكَ من كان قبلكم...››[أخرجه مسلم في صحيحه:ح2578/56] إلى آخر هذا الحديث الشريف.

 فقد تكلم الناس كثيرًا عن موضوع الظلم، واعتنَوا به عنايةً كبيرةً وظاهرة، لكن حديثنا مستمعينا الكرام في هذه الحلقة سينصب حول موضوع مهمٍّ جدًّا أيضًا عن الشح، فهو هذا الشحُّ الذي تم التحذير منه، والتنبيه من القرب منه، هو الحرص والجَشَع الذي يحمل صاحبه على جمع المال من حِلِّه، أو من غير حله، ثم يمنع الحقوق الذي تترتَّب عليه لغيره من الناس، هذا هو موضوع حديثنا مستمعينا الكرام، إضافةً إلى العديد من صور الشح التي تكون في حياتنا هذه الأيام.
 
نسعد بضيفنا اليوم في هذه الحلقة فضيلة الشيخ الدكتور/خالد المصلح.
شيخ خالد: عندما نتحدث عن خطورة الشح، ربما في البداية نتحدث عن سبب تحذير المصطفى-صلى الله عليه وسلم-من هذا الخُلق الذميم.
الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلِّ وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد،،،،
فتحية طيبه لك أخي عبد الله، ولجميع المستمعين والمستمعات، حيَّاكم الله، في هذه الحلقة التي نتحدث فيها عن هذا الخلق الذي يمثل قاعدةً من القواعد التي ينشأ عنها، وينتج عنها جملة من الأخلاق الرديئة، والمسالك المذمومة سواء كان فيما يتعلق بمعاملة النفس، أو في معاملة الغير، أو في معاملة الخلق، أو الخالق.
الشح أيها الإخوة والأخوات، خصلة تجمع معاني عديدة، فهي حرصٌ، وإمساكٌ، وجشعٌ، وطموح نفسٍ إلى ما في أيدي الغير، وكراهيةٌ لجريان الفضل والخير على أيدي الناس، هذه الكلمات هي التي يمكن من خلالها أن نتوصَّل إلى معنى الشح، ونفهم ما هو الشح الذي جاءت النصوص بالتحذير منه؟ وما هو الشح الذي ينبغي أن نحرص على مجافاته والبعد عنه؟
عندما يطلق الشح في غالب أذهان الناس، ينصرف الشح إلى الإمساك في المال، وهذا في الحقيقة ليس إلا صورة من صور الشح، وناتجًا من نواتجه، وخصلة من خصاله، وإنما الشحُّ أوسع من أن يكون بُخلًا، الشح هو الحرص الشديد الذي يقتضي استقصاء في تحصيل الحقوق، وجشعَ النفس، وطمَعها، ومنعَها، ويقتضي أيضًا منعَها كل ما للغير من الحقوق، فالبخل منع إنفاق المال بعد حصوله، وحبُّ إمساكِه، هذا هو البخل.

 لكن هذا ليس إلا شيئا يسيرًا من معنى الشح الواسع، الذي يُترجَم عبر البخل، عبر الحسد، عبر الحقد، عبر الجحود للحقوق، عبر الاعتداء على الخلق.
ولذلك حتى يُفهم هذا المعنى، وأن الشح ليس مقصورًا على جانب من الجوانب، من النواحي المالية، نقرأ ما ذكره رسول الله-صلى الله عليه وسلم-عندما حذَّر من الشحِّ فقال فيما رواه مسلم: ‹‹واتقوا الشح، فإن الشحَّ أَهَلَك من كان قَبلَكم››[تقدم]، ثم ذكر سيِّئَتَين من أبرز السيئات الناتجة عن الشحِّ، فقال: ‹‹حَمَلهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلُّوا محارِمَهم››، وهذا يبين أن الشحَّ ليس مقصورًا على إمساك المال، إنه يحمل على ما هو أكثر من ذلك من الاعتداء على الأنفس، وما دونها بالجنايات، ويحمل على استباحة المحرمات، وانتهاك الحرمات، والوقوع في السيئات.
 
ويترجَم هذا على وجهٍ أكثر وضوحًا وبيانًا ما في سنن أبي داود، عن عبد الله بن عمرو-رضي الله تعالى عنه-أن النبي-صلى الله عليه وسلم-خَطَب فقال: ‹‹إياكم والشحَّ›› -يعني احذروه، وتوقُّوه، واجتنبوه، وكونوا على غاية التنبُّه من أن يتسلل إلى نفوسكم شيء منه، فإنما أهلك من كان قبلكم، الشح- ثم يقول: ‹‹أَمَرَهم بالبخل فبَخِلوا››، هذه خصلة من الخصال،‹‹وأَمَرَهم بالقَطِيعة فقطعوا››، هذه الخصلة الثانية الناتجة عن الشح-، ‹‹وأمرهم بالفجور ففجروا››[أخرجه أبو داود في سننه:ح1698، والحاكم في مستدركه:ح1516، وقال:هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وصححه الألباني في الصحيحة:ح858]، هذه الخصلة الثالثة الناتجة عن الشح.
 
إذًا الشح هو خصلة ذميمة، تنتج عنها جملةٌ من الصفات الرديئة، تنتج عنها مجموعة من الخصال المذمومة التي توقع الإنسانَ في أنواع من السوء، من الاعتداء على الأنفس وما دونها في القتل والاعتداء، وما أشبه ذلك من الإمساك عن بذل الحقوق الواجبة في الأموال من القطيعة، وهذا منعٌ للحقوق المعنوية من الاعتداء بالفجور، والخصومات، والتعدي والخروج عن حدود الشريعة، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم- في بيان خطورة الشح: ‹‹فإن الشحَّ أهلك من كان قَبْلَكم، حَمَلَهم على سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم».[أخرجه مسلم في صحيحه:ح2578/56]
 وهنا يتبين أن من أعظم أسباب الفساد في المجتمعات والأمم، أن يشيع هذا الخلق، فإنه موجب للهلاك، ولذلك قال: ‹‹اتقوا الشح -لماذا؟- فالشح أهلك من كان قبلكم.››، هو سبب للهلاك، ثم ذكر ما الطريق الذي يصل إلى الهلاك؟ سفك الدماء واستحلال المحارم، إذا كان كذلك، فمن الخطأ أن يُفهم الشحُّ ببعض صوره، أو يُقصر على بعض صوره.
 
بل عندما يذكر البخل فهو صورة من صور الشح، وعندما يذكر الحسد فهو صورة من صور الشح، عندما يمتنع الإنسان من أداء ما عليه من حقوق، كأن كان الحقُّ من حق الوالد على ولده، أو من الحق الولد على والده، من حق الزوجة على زوجها، من حق الجار على جاره، من حق المسلم على المسلم، من حق أصحاب العقود المتعاقِدِين في المعاملات، ومثله الوظائف والأعمال، هذا الموظف الذي يجلس وراء مكتبه، ويمنع الناس في حقوقهم في إنهاء معاملاتهم، إنما حمله على ذلك الشحُّ، وذلك أن نفسه أمرته بمنع الحقوق فاستجاب لها، فكان ذلك موجِبًا لاتصافه بالشح الذي أوقعه في منع الحق الواجب، وحلاه بهذه الخصال الرديئة.
إذًا يتبين من هذا كله، أن الشح مفهوم واسع، ينتج عنه خصال رديئة عديدة، الواجب على المؤمن أن يجتهد في أن يخلِّص نفسه من كل مظاهر الشح، وهنا أذكر أن كثرة الشح في الناس ناتجة عن خروجهم عن حدود الشريعة، عن استجابتهم لأهوائهم، عن انقيادهم لشهواتهم، عن تركهم أنفسَهم بلا تهذيب، ولا تربية، ولا تذكية تحملهم على طاعة الله –تعالى-، وتجنِّبهم معصيته، وتحملهم على أداء الحقوق.
 
عندما يمتنع الزوج عن أداء حقوق زوجته، أو الزوجة من أداء حقوق زوجها، عندما يمتنع الأب والد الأسرة، وكذلك الأم من القيام الحق في الرعية التي استرعاهم الله –تعالى- إياها بحسن التربية والنظر، عندما يقوم الموظف بترك ما يجب عليه من حقوق الوظيفة، عندما يقوم الطالب بالحرص على اجتياز المراحل دون استحقاق، بغشٍّوتدليس وما أشبه ذلك، كل هذا حقيقة هو من الغش ومن الشح الذي يُفضي إلى الهلاك، وأختم هاهنا بتنبيه إلى أن هذه المظاهر المتنوعة، وكثرة هذه المظاهر هو من علامات الساعة، كما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: ‹‹يتقارَب الزمان، وينقُص العمل، ثم قال: ويُلقَى الشحُّ، ويكثر الهَرْج».[أخرجه البخاري في صحيحه:ح6037، ومسلم في صحيحه:ح157/11].
هذه أربعة خصال ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- من علامات الساعة الصغرى، تقارب الزمان، قيل في عدة معاني، ينقص العمل أي العمل النافع الصالح الذي يُطاع الله تعالى به، وينفع به الخلق، «ويُلقَى الشح» أي ينتشر في الناس ويظهر، فيلقى في قلوبهم، وينتشر في مسالكهم وأعمالهم، ونتيجة الشح قال: «ويكثر الهرْجُ»، والهرج هو القتل، ولذلك ‹‹قالوا: ما هو الهرج يا رسول الله؟ قال: القتل، القتل››، لأن الشحَّ يفضي إلى هذه المقاتلات، والمشاحنات، وجحد الحقوق الذي يوقع الناس في الفساد.
المقدم: جميل. لعل هذا الحديث، وهذه المقدمة المستفيضة من فضيلتكم، تؤكِّد وتبين للعموم، أن هذا الخلق الذميم مرتبطٌ أيضًا بما قبله، أو بالخلق الذي سبقه، وسبق النبي-صلى الله عليه وسلم- في التحذير منه، ألا وهو الظلم، ربما يتقاطعان في ظلم الناس، وأيضًا اتباع الشهوات في أخذ أموال الناس بغير حقٍّ، وأيضًا الشح ربما هو كما تفضلتم لا يقتصر على صورة معينة، بل يكون ماديًّا، ويكون معنويًا، وله صور عديدة.
نذكِّر مستمعينا الكرام بأننا متواصلون معهم في هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة"، وحديثنا متواصل مع فضيلة الشيخ الدكتور/خالد المصلح، وحديثنا موضوعه عن "خطورة الشح" أرقام التواصل/0126477117-0126493028 رقم الواتساب هو/0582824040 وعبر اسم البرنامج "الدين والحياة" على تويتر.
أول اتصال معنا من/محمد بن مسعود، تفضل يا محمد.
المتصل: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: خير الصدقة وأفضلها، وأنت صحيح شحيح، جاء في الحديث لما سُئل النبي-صلى الله عليه وسلم- أي صدقة أعظم؟ فقال: «أن تَصَدَّق وأنت صحيحٌ شحيح»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1419]حاب أعرف تعليق الشيخ على صحيح شحيح؟ والفرق بين الفقر والشح؟ عفوًا البخل والشح؟
المقدم: طيب، إن شاء الله، شكرا جزيلا لك.
المتصل: جزاكم الله خيرًا
المقدم: وإياك، حياك الله، الاتصال الثاني من عبد العزيز الشريف من الرياض اتفضل يا عبد العزيز
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المقدم: السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: حياكم الله يا أستاذ عبد الله.
 
المقدم: أهلًا وسهلًا، حياك الله.
 
المتصل: أحييكم، وأحيي فضيلة الشيخ.
 
المقدم: حياك الله، اتفضل.
المتصل: النبي-صلى الله عليه وسلم-يقول: «إياكم والشحَّ، فإنه أهلك من كان قبلكم، حمَلَهم على أن سفكوا دماءهم»[تقدم]، ما علاقة الشحِّ بانتشار القتل؟ وهل للشح علاقة بما يحصل من جرائم، وانتهاك للأعراض وغير ذلك؟
الأمر الثاني: عندما جاءت أم معاوية هند زوجة أبي سفيان للنبي -صلى الله عليه وسلم-: «قالت يا رسول الله، إن أبا سفيان رجلٌ شحيح»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح2211]، شحُّ الزوج على زوجته وأولاده، ما هي ضوابطه؟ ومتى يكون الرجل شحيحًا في بيته؟
 وجزاكم الله كل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام، شكرًا لك عبد العزيز، الآن يا شيخ نبدأ من حيث انتهينا في استقبال الأسئلة، الأخ عبد العزيز يسأل عما يتعلق بالشح، وكون هذا الشح ربما أحيانًا يحصُل من أحد يعني من الأزواج، وإذا كان الرجل ممكن ربما يشحُّ في نفقته أو عن نفقته، لا يعطيها لمن تجب عليهم النفقة، ولا يعطيهم هذه الحقوق، ربما نوضِّح بعض المسائل حيال هذه النقطة يا شيخ.
الشيخ: أخي الكريم هو السؤالان الحقيقة يتقاطعان في موضوع الشح، الأخ الأول تحدث، الأخ مسعود تحدث عن حديث «أن تصدق وأنت صحيحٌ شحيح»، والأخ عبد العزيز تحدث عن وصف هند بنت عتبه-رضي الله تعالى عنها- أبا سفيان، -رضي الله عنه- بأنه شحيح، لا يعطيهم ما يحتاجونه من النفقة، هذا وذاك يخبر عن صفة في الإنسان ينبغي أن تُراعى، وأن يُنتبه إليها في معالجة موضع الشح، الشح هو ثمرة طبيعة في الإنسان، وهي أن النفس مجبولةٌ على حب المال، مجبولة على الحرص، مجبولة على التكثُّر من كل ما يرى الإنسان أنه من أسباب سعادته.
 
ولذلك قال النبي-صلى الله عليه وسلم-:«لو كان للإنسان واديًا من ذهب لتمنى أن يكون له آخر، ولا يملأ جوفَ ابن آدم إلا التراب»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح6436]، والله تعالى يقول: ﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّاالفجر:20، فالنفوس مجبولة على حبِّ المال، على الحرص على الإمساك كما قال الله-جلَّ وعلا-: ﴿قُلْ لَوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِالإسراء:100 ، ثم قال تعالى: ﴿وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًاالإسراء:100 كونه قتور هذا ثمرة الشح، وناتج عن هذه الخصلة، والإسلام أخبر عن هذه الصفات والنَّزْعات الرديئة في النفس الإنسانية، وأَمَرَه بمقاومتها، بالتفطن إليها، بالنشاط في إزالتها، أمره بالتخلُّص منها، عندما تأتي النصوص مُخبِرة عن صفات الإنسان من حيث جِبِلَّتِه وخصاله الأصلية التي يُطلَب منه تهذيبُها، إنما يخبر بذلك تنبيهًا إلى ضرورة العناية بالتخلص من الشح، التخلص من تلك الخصال الرديئة، حتى يسموَ الإنسان، ولذلك الله-عزَّ وجل- يقول: ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَالحشر:9
 
عندما نفهم هذا المعنى، أن ثمة خصلةً نحن بحاجة إلى تربيتها، تهذيبها، تقويمها، التخلص من آثارها السلبية، الحد من سَطْوتِها على أقوالنا وأعمالنا وأخلاقنا، عند ذلك سنَنجح في أن نحقِّق ما ذكره الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَالحشر:9
 
أخي عبد الله أيها الإخوة والأخوات المستمعون والمستمعات، من المهم أن نفهم أن قول النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما سئل عن أي الصدقة أفضل فقال-صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم من حديثه لما جاءه رجل فقال: «يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجرًا؟ قال: أن تَصدَّق وأنت صحيح شحيح -ثم بين قال- تخشى الفقر -أي تخافه- وتأمُل البقاء»، هذا أفضل ما يكون من الصدقة، ووَصَف الإنسان فيه بوصفين: صحيح في بدنه، شحيح في سلوكه وأخلاقه، أي أنه مُمسك ليس عنده زُهد في الدنيا، يحمله ذلك الزهد- لأنه مودع وخارج- يحمله على أن يخرج كل ما عنده.
 
ولذلك قال: «ولا تُمهِل حتى إذا بَلَغَت الحلقومَ، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان».

 وهنا تنبيه إلى ضرورة العناية بتقويم النفس وتخليصها من الخصال والصفات المذمومة، فإن حَبسَ الإنسان لما في يده من الخير في الحقِّ الواجب، وفي الفضل، والندب، والمسابقة للخير، هو من تسلُّط الشيطان على الإنسان.
 
أخي الكريم الآن بعض الناس ممن فَتَح الله –تعالى- عليهم رِزقًا يكفيهم، ويحقق لهم شيئًا من الطمأنينة والأمن على مأكلهم ومشربهم ومسكنهم، لا تجدُ هذه النعمة ظاهرة في مأكله، في مشربه،في ملبسه، ولا أقصد بذلك المباهاة، ولا أقصد بذلك الإسراف، لا، أقصد الحد الأدنى الذي يتبيَّن به أثرُ نعمة الله على عبده، كثير من هؤلاء الذين تُفتح عليهم الدنيا يقتِّر على نفسه، ويتجاوز الأمر إلى أن يقتِّر حتى على من تجب عليه، من يجب عليه في ماله من حق، فتجده يبخل بالزكاة، ولا يبذلها لمستحقيها، وهذا من الشحُّ الذي يُذمُّ صاحبه، فذاك الذي يلبس أحسن الملابس، ويركب أحسن المراكب، ويسكن أحسن المساكن، وإذا أقام مأدُبةً ملأها بأطايب الطعام، وحضر له القريب والبعيد، لكنه يحبس الزكاة، هذا شحيح، وإن كان قد ظهر عليه من آثار النعمة ما ظهر، ذاك الذي يمنع أولاده من حقوقهم في نفقتهم في المسكن، في المأكل، في المشرب، وكذلك في سائر الحقوق الأخرى، لأن حق الولد لا يقتصر على هذا، هو في كل ما تصلح به أحواله سواء الولد أو الزوجة.
 
هذا الذي يمنع مثلَ ما ذَكَرتُ مما أوجبه الله عليه، هو في الحقيقة شحيح، ولهذا نبَّه الله –تعالى-، إلى خطورة الشح في علاقة الرجل بامرأته، في أن هذا من أعظم أسباب عدم التوافق، يقول الله -جلَّ وعلا- في مُحكم كتابه، في ذكر الخصومة بين الزوجين، قال -جلَّ وعلا-: ﴿وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّالنساء:128، هذه الآية الكريمة جاءت في سياق ما ذكره الله –تعالى- من المُصالَحة بين الرجل والمرأة، يقول-جلَّ وعلا: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًاالنساء:128
 
أي تقصيرًا في حقِّها، ﴿أَوْ إِعْرَاضًاالنساء:128 أي: انصرافًا عنها ﴿فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًاالنساء:128
 
ثم قال -جلَّ وعلا- في نَدْبِه إلى أن لا تصلَ الأمور إلى حدِّ الفِراق، لا تصل الأمور إلى هدم الأُسرة، لا تصل الأمور إلى أن يعيش البيتُ في جحيم وشقاق وفراق وخلاف، قال: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌالنساء:128، ثم ذكر أكبر ما يمنع من حصول المصالحات في الخلافات الزوجية قال:﴿وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّالنساء:128، يعني هنا في مثل هذا المقام الذي يعثر ويمنع من تحصيل المقصود، من الإصلاح بين الزوجين، هو شحُّ كلِّ واحد من الطرفين بما يحصل به الصلح، بما يحصل به الوفاق، فالإنسان لابد أن يقاوم نفسَه، ويتنازل عن بعض حقه، سواء الرجل أو المرأة، حتى يصل إلى نوع من الوفاق، نوع من البذل للحقوق والتسامح بها، الذي تقتضيه الحياة السليمة، والذي هو في الحقيقة خروجٌ عن الأخلاق الذميمة، والشِّيَم اللئيمة التي تمنع الخير، وتقف سدًّا مانعا أمام الإصلاح.
 
لذلك من المهم أن يفهم الجميع، أن الشحَّ يمنع من كل أوجه الوفاق؛ لأن الشحيح شخصٌ صاحب هوى، الشحيح الذي استجاب لشحه وانقاد له، شخص استجاب لهواه، استجاب لشهواته، استجاب لرغباته، أنانيٌّ، ليس له همٌّ إلا فيما يعود عليه بالمصلحة، حتى أحيانًا يا أخي يبلغ به الشح أن يشح على نفسه.
 
ولهذا الحديث الآخر الذي ذكره أو أشار إليه الأخ عبد العزيز فيما يتعلق بشكاية هند-رضي الله تعالى عنها-أبا سفيان فيما يتعلق بالنفقة «قال النبي-صلى الله عليه وسلم-، لما قالت له: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجلٌ شحيح، -ثم بيَّنَت ما معنى الشح الذي أرادته، وأنه ليس الشح في مفهومه الواسع العام، إنما شحٌّ في جانب من جوانب الحقوق، وهو ما يتصل بالمال- فقالت:" إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي" يعني لا تطيب نفسه-رضي الله تعالى عنه- ببذل الكفاية، هو يعطي لكن لا يعطي حدَّالكفاية؛ هنا تأتي المسائل التقديرية أحيانًا، لما تكون النفس مجبولةً على الإمساك، لما يكون إنسان يرضى لنفسه بالقِلَّة، يرى أن ما يعطيه أهلَه كافٍ والواقع أنه ليس بكافٍ، لأن الكفاية أمر نسبي يُرجع فيه إلى العرف، يُرجع فيه إلى المتوسط من حال الناس.
 
فالرجل الذي يعطي القليل، يعني يقول مثلا شوف ترى ما في إلا وجبة في اليوم، ترى ما في إلا ثوب في الصيف وثوب في الشتاء، ترى السكن ما يحتاج عندنا إلى غرفة، وما إلى ذلك من المرافق، فقط مكان واحد يجمعنا، وننام فيه، هذا صح إنه وفر مسكنًا، ووفر مطعما، وفر مَلبسًا، لكن دون الكفاية، والحامل له إذا كان قادرًا على ما هو أكثر من هذا، الحامل له الشحُّ، ولا يرجع في ذلك إلى تقديره.
 
ولذلك قال النبي-صلى الله عليه وسلم- لهند:«خذي ما يكفيكي وولدَك بالمعروف»[تقدم] يعني أمرها-صلى الله عليه وسلم-، وأذن لها أن تأخذ كفايتَها، كفايتها بالعرف، كفايتها بالمعقول، كفايتها دون إسراف وتوسُّع؛ لأن ثمة أيضًا في الجانب الآخر يعني خَصلة تُقابِل هذه الخصلة، وهو الإسراف والتجاوز والتبذير، لا ذاك محمود، ولا هذا محمود ،كلُّ قصدٍ لِطَرَف الأمور ذميم، لا الشح مطلوب ومحمود، ولا الإسراف والتبذير محمود ومطلوب.
 
بل قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف»، إذًا يا أخي الكريم يعني أصل الفكرة، إنه عندما يُوقى الإنسان شحَّ نفسه، فإنه سيدرك من الخيرات في سلوكه، ومعاملته من أداء الحقوق الواجبة في نفسه، في ماله، لربِّه، للخلق، ما يكون فيها سعيدًا مطمئنَّ النفس، وما يكون من حوله كذلك سعيدًا، ومطمئنَّ النفس؛ لأن حقه لن يضيع عند هذا الذي وُقِيَ شحَّ نفسه، وبهذا يصدق قول الباري-جلَّ في علاه-: ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَالحشر:9
المقدم: أحسن الله إليكم، نحن متواصلون معكم مستمعينا الكرام في هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة"، وحديثنا عن خطورة الشح مع فضيلة الشيخ الدكتور/خالد المصلح، شاركونا بالاتصال على الرقم/0126477117-0126493028، أما الرقم المخصص لاستقبال الرسائل النصية عبر الواتساب فهو /0582824040 وعبر اسم البرنامج "الدين والحياة" عبر تويتر.

 نأخذ اتصالًا من المستمع/ عبد الله الخالدي إتفضل يا عبد الله.
 
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله.
 
المتصل: كيف حالك أخويا عبد الله؟
 المقدم:أهلًا وسهلا حياك الله.
 
المتصل: كيف حالك شيخ خال؟.
 
الشيخ: مرحبًا، الله يحييك أهلًا وسهلا.
المتصل: أسعد الله أيامكم، ونوَّر طريقكم بكل ما تقدمونه للمستمع من هذه النصائح الجميلة.
 
المقدم: حياك الله.
 
المتصل: طبعًا أريد أن أتكلم عن الموضوع، وهو الشح، فنجد أن الله -سبحانه وتعالى- من صفاته الكرم، ومن أسمائه الكريم، وفي المقابل الشيطان، فهو يعِدُ بالفقر،﴿ٱلشَّيۡطَٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلۡفَقۡرَ[البقرة:268]، والله -سبحانه وتعالى- يأمر العبد بالكرم، وهو ضدُّ الشح والبخل، والشيطان يعد الفقر أي يخوِّف المسلم إذا أنفق، ولا يريد له الإنفاق حتى لا يدخل الجنة، طبعا كنت سأعرِّج على كلمة سبقني الشيخ  -جزاه الله خيرًا-، وهو قول الله-سبحانه وتعالى -:﴿ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّالنساء:128، بعد قوله تعالى: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌالنساء:128، هناك قول ثمين للشيخ ابن العثيمين في شرح رياض الصالحين، يقول: "الإنسان ينبغي له عند الإصلاح أن يتنازل عن ما في نفسه، ولا يتَّبِع نفسه، فإن النفس شحيحة، فإذا تنازل كلُّ واحد عن ما يريد، وتغلَّب على شخصه، فإنه يحصِّل الخير الكبير، فالشحُّ في الإصلاح يعتبر من أنواع الشحِّ، ليس فقط الشح في المال، كما ذكر الشيخ.
 
فأريد الشيخ أن يعلِّق على الموضوع، وقد تكلم -جزاه الله خيرًا-، نجد أن المشاكل في المجتمع كثيرة جدًّا، وأن الناس يَشِحِّون بالصلح، فإذا عرفوا أن الشح في هذا الأمر يعتبر شحًّا، فنصيحة شكرًا.
 
المقدم: الشكر لله، وإياك يا عبد الله شكرًا لك، معنا أيضًا عماد، اتفضل يا عماد، اتفضل يا عماد.
 
المتصل: السلام عليكم.
 
المقدم: عليكم السلام ورحمة الله، اتفضل.
 
المتصل: مساء الخير أنتم والمستمعين الكرام.
 
المقدم: مساك الله بالنور، يا هلا.
 
المتصل: حبيبي إذا كان.
 
المقدم: أخ عماد في إزعاج حولك، لو تقفل الطاقة مثلًا، أو النافذة، ونسمعك جيدًا المتصل: طيب حبيبي، مساك الله بالخير يا شيخ.
 
المقدم: حياك الله يا عماد، يسمعك الشيخ، اتفضل.
 
الشيخ: حياكم الله، مرحبًا بك.
 
المتصل: حبيبي إذا كان زوج عنده راتب، وزوجة كذلك عندها راتب يعني في نفس راتب الزوج، هو نفس راتب الزوجة، ما أدري هل يجب عليه النفقة؟ أو ما يجب عليه؟! يعني أفتونا جزاكم الله خير.
 
المقدم: طيب..طيب تسمع إجابة الشيخ، شكرًا جزيلًا لك يا عماد، ولعل يا شيخ خالد تحدثنا في موضوع سابق، عندما كنا نتحدث في موضوع سابق عن النفقة، تحدثنا عن هذا الجانب، ولكن يعني ربما يتقاطع هذا الأمر في حديثنا عن الشحِّ، إذا ما لم ينفق الزوج على زوجته، بداعي، أو بحُجَّة أن لديها عملًا، أو لديها راتبًا تتقاضاه من عملها.

 الشيخ: فيما يتعلق براتب الزوجة، لا يخلو الأمر من حالين:
الحال الأولى: أن يكون الرجل يعلم أن امرأته ستعمل بوظيفة، سواء كان ذلك العلم شرطًا، أي اشترط عليه ألا يمنعها من العمل، أو أن يكون هذا مما جرى به عُرفُ مثلها، يعني يكون معروفًا أن من كانت على هذه الحال أنها ستعمل، وأنها ستتقاضى راتبًا، وأن زوجها لا يمنعها، ففي هذه الحال لا حقَّ له في مالها؛ لأنها قد شرطت هذا، وليس له حق،
ونحن نتكلم عن هل للزوج حقٌّ في مال زوجته، في راتبها؟ وليس الحديث عن النفقة، النفقة واجبة على الزوج، لو كانت المرأة تتقاضى راتبًا مليون ريال شهريًا، هذا ينبغي أن يكون واضحًا، النفقة حقٌّ لازم على الزوج مهما كانت حال المرأة، والله تعالى قال: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُالطلاق:7
 
وقال-جلَّ وعلا-: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْالنساء:34، فعدم النفقة هو حقيقة، إخلال بموجِب، وسبب أصيل من أسباب القوامة، فالحديث ليس عن النفقة، لأن ثمة خلطًا بين راتب المرأة وبين النفقة، نتحدث الآن عن راتب المرأة، أما النفقة فلا خلاف بين العلماء أنه يجب على الرجل أن ينفق على المرأة.
 
لكن هل له حق في راتبها، إذا كانت المرأة عملت، وتتقاضى راتبًا، ومعروف أنها ستعمل، أو مشروط عليه ذلك، أو أنه تزوجها وهي موظفة، فلا حقَّ له في راتبها، لكن لو أن المرأة مِثلُها لا يعمل عادةً، فطلبت من زوجها أن تعمل، وقال: ما عندي مانع أن تعملي، لكن بشرط أن تعطيني بعضَ راتبك، ولم يكن مشروطًا عليه العمل، ولا ممن مثلُها يكون عاملًا في العادة والعرف.
 
ففي هذه الحال له حقٌّ في ذلك، لأنها اقتطعت جزءًا من وقتها من وقته لمصلحة ترجع إليها، فلا حرج أن يصطلحا صلحًا، وهنا بأن يأذن لها بالعمل مقابل جزء من الراتب، ويكون هذا في جملته ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌالنساء:128، ﴿وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّالنساء:128، وينبغي للمؤمن أن يتقيَ الله-عزَّ وجل- فيما يفرضه من الراتب، أما ما يفعله بعض الناس من أن، والله هو مشروط عليه في العقد، أو أنه معروف أن هذه طالبة تدرس في الجامعة، وإذا تخرجت من المعروف أنها ستتقدم لعمل، وتبحث عن وظيفة، ثم إذا توظفت. قال: ترى أنا لي كذا من الراتب، ما في وظيفة إلا بكذا، هذا ليس له حقٌّ فيه، ولا يجوز له منعُها عن العمل، ولا يجوز له أن يأخذ شيئًا من راتبها، فينبغي التفريق بين الأحوال.
 
المقدم: شيخ خالد أيضًا لو يعني كان بشكل مختصر، نوضح علاقة الشح بالقتل والظلم، الوارد في حديث واحد.
 
الشيخ: الشح هو خصلة تحمل الإنسان على إمساك ما يجب، والحرص على ما لم يحصل، وفي كلا الخصلتين إمساك ما في يدك عن الخلق، فإن كان ذلك في الحقوق المالية، أو كان ذلك في الحقوق المعنوية، الحقوق المالية كالزكاة ،كنفقة الأولاد، ما إلى ذلك من الحقوق المالية التي في مالك لغيرك، هذا من الظلم بالتأكيد، وهو يحمل على الخصام، يحمل على الفجور، يحمل على قطيعة الرحم، يحمل على قطيعة الوصل، فهو يحمل على حصول العقوبات التي تحلُّ بالناس بسبب منع الزكاة، هذا فيما يتعلق بحبس الحقوق المادية.
ثمة حقوق معنوية: وهي ما يكون للغير من الحق، حق المسلم على المسلم، هذا أوسع الحقوق، ثم بعد ذلك حق المسلم على ذوي رحمِهِ، حق المسلم على والديه، حق المسلم على زوجه، حق المسلم على ولده، حق المسلم على مجتمعه.
 
ثمة حقٌّ يغفل عنه الناس ويشحون بما تقتضيه الحقوق، وهو ما يتعلق بحق الوظيفة، حق الوظيفة بعض الناس لا يقيمون لوقت الوظيفة وزنًا، ولا يقيم لمتطلبات الوظيفة شيئًا من الاعتبار، بسبب إنه هذا يعني أنا جاي وجالس الوقت من أول الدوام لآخره، لكن طيب يا أخي إذا حافظت على حق الدوام، فضروري أن تحافظ على حق العمل والوظيفة التي أُنيطت بك، كل هذا مما يتعلق بقضية الشح، فالشح يحمل الإنسان على حبس هذه الحقوق المعنوية، والحقوق المادية، الحقوق التي تقتضيها الشريعة، أو الحقوق التي تثبت بالتعاقد بين الناس، وبالتالي إذا مَنَعها فإنه يكون قد وقع في الظلم، وقوع الظلم يحمل على يعني سيئات.
صورة من الشح الذي وقع، وكان سببًا لسفك الدم، ما حصل بين ابني آدم اللذين قصَّ الله تعالى خبرَهما في كتابه، أيضًا يعني حوادث القتل في المنازعات المالية، هو من أسباب الشح في كثير من الأحوال، القتل بسبب التحزُّبات والعنصريات والعصبيات كله يرجع إلى نوع من الشح، الذي يطلب كإنسان التميُّز على غيره، يطلب من الإنسان التكثُّر، يطلب من الإنسان العلوَّ على الخلق، فيكون ذلك سببًا للفساد الواقع بين الناس، إذا سمحتلي في الوقت آخر شيء.
 
المقدم: نأخذ اتصالًا فقط من الأخ صِدِّيق، ثم نواصل أيضًا حديثنا، الله يحفظكم يا شيخ، اتفضل يا صديق.
 
المتصل: السلام والرحمة، كيف الحال؟
 المقدم: حياك الله، وعليكم السلام.
 
المتصل: الحمد لله، جزاكم الله خيرًا.
 
المقدم: وإياك، اتفضل.
 
المتصل: اسمع يا أخي عندي ابن عمي كده متزوج، عنده أطفال، وبعدين يطلق ثلاثا، فأبوها قال لازم تجبلنا فتوى.
 
المقدم: يا أخي طبعا أخ صديق الحديث اليوم عن خطورة الشح، بإمكانك أن تتواصل مع فضيلة الشيخ في وقت لاحق للحديث عن هذا، أو لتلقي إجابة -إن شاء الله- حول سؤالك، شكرًا لك أخ صديق.

طيب اتفضل يا شيخ خالد إذا كان إكمال هذا الموضوع، بالإضافة إذا كان بالإمكان أوضَحْنا الفرق أيضًا بين الشح والبخل.
الشيخ: هو إحنا تكلمنا عن هذا في أول الحلقة، التفريق بين الشح والبخل، وقلنا  أن الشح دائرة واسعة، والبخل داخل هذه الدائرة، يعني البخل هو صورة من صور الشح، الإنسان البخيل الذي يبخل بالمال، سواء كان بخله عن حق واجب لله -عزَّ وجل- بمنع الزكاة مثلًا، أو حق واجب للخلق كنفقته على زوجته، نفقته على أولاده، نفقته على من تجب الإنفاق عليه من قراباته، أيضًا منعه كذلك، منعه لما يجب عليه في ماله من الحقوق التعاقدية، كالذي يحبس الأجرة، مثلًا أجرة البيت، أو أجرة المركب، أو يمنع مثلا من إعطاء الأجير أجره، إذا عمل عنده.
 
كل هذا من الشح الذي يدخل فيما هو بخلٌ، وهو شحٌ، فالشح والبخل بينهما فرق، والبعض يساوي بينهما، لكن الصحيح أن بينهما فرقًا، فالشح أوسع دائرة من البخل، يعني الشح يدخل فيه الحسد، يدخل فيه البَغْي، يدخل فيه القتل، يدخل فيه قطيعة الرحم، يعني كل هذه قد تكون بأسباب الشح، وأيضًا يحمل الإنسان على منع الواجب في ماله.
 
المقدم: الشيخ خالد حديثنا اليوم عن الشح، ربما أيضًا هو كما تفضلتم أن بعض الناس قد يكون حريصًا وجَشِعًا، وحريصًا بشكل مبالغ فيه على جمع المال، من حِلِّه وغير حله، وبالتالي ربما يدفعه ذلك إلى التعدي على الحقوق، وأيضًا ربما -لا قدَّر الله- أن يكون ممن يعني ابتلوا مثلًا في السرقة، أو قطع الطريق، والنهب وغير ذلك.
 
فهو ربما أيضًا هو الرابط المشترك بين الظلم وبين الشح، لكن هذه أيضًا وردت في صفةٍ من صفات المنافقين، عندما قال تعالى في سورة الأحزاب: ﴿أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِالأحزاب:19، ماذا يمكن أن نستشفَّ أيضًا ونستفيد من هذه الآية في هذا الموضوع؟
 الشيخ: أخي هذا بيان أن الشح لا يَقتَصِر على المال، الله -عز وجل- لما ذكر خصال المنافقين، ذكر هذه الخصلة الخطيرة، التي تبين عظيم ما كانوا عليه من فساد في دينهم وأخلاقهم.

 الله -جلَّ وعلا- ذكر في هذه الصورة حال المنافقين وفي سورة الأحزاب، وما يعني يكون منهم تجاه أهل الإيمان، يقول الله تعالى﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَالأحزاب:18،أي الجهاد والقتال في سبيل الله الذي أمروا به ﴿إِلَّا قَلِيلًاالأحزاب:18.
بعد ذلك قال ﴿أَشِحَّةً عَلَيْكُمْالأحزاب:19، أشحة عليكم، وهو ما في قلوبهم من كراهية جريان الخير لأهل الإسلام، ثم بعد ذلك قال -جلَّ في علاه-بعد جملة من الأوصاف: ﴿أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِالأحزاب:19 يعني هم شديدو الحرص على المال، شديدو الحرص على أن يشاركوا أهل الإسلام في مالا يستحقون، فهم يبخلون على أهل الإيمان بما يجب عليهم من الحقوق، ويطالبون أهل الإسلام بما ليس لهم من الحقوق، ولذلك قال: هم أشحة عليكم، يعني هم يبخلون عليكم في الحقوق الواجبة لكم، سواء كان ذلك حقًّا معنويًّا، أو حقًّا ماديًّا، في المقابل إذا حصل لكم رزق، حصل لكم كسب، حصل لكم فضل من الله -عزَّ وجل-، وجدوا في أنفسهم ألمًا أن نلتم ذلك الخير دونهم.
 
وفي الجملة إن من آكد المعاني التي ينبغي أن يحرص عليها كل مؤمن، أن يطهِّر نفسه من الشح، فإن الشح إذا تمكَّن من النفس، أرداها وأوردها المهالك، وغيَّب الخير في المجتمع، ولذلك الشح موجود في النفوس، يا إخواني ويا أخواتي كل نفس فيها نوع من الشح، لكن منا من يتغلَّب على شُحِّه، فلا يستجيب له، ولا ينقاد له، ومنا من يستجيب له، وينقاد له، ولهذا قال النبي-صلى الله عليه وسلم-:«بل ائتمروا بالمعروف، وانتهوا عن المنكر»، ثم قال: «حتى إذا رأيت شحًّا مطاعًا»، يعني هناك حرص وإمساك وبخل بالخير، وتعدي على الخلق بالقلب والنية والإرادة، فينتقل إلى العمل، شحًّا مطاعًا، أي متَّبَعًا، «ودنيا مؤثَرَه، وإعجابَ كلِّ ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، ودع عنك أمر العامَّة».[أخرجه أبو داود في سننه:ح4341، والترمذي في سننه:ح3058، وحسنه]
 الله-جلَّ وعلا- ذكر الفلاح، وجعل له شرطا فقال-جلَّ في علاه- ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْالتغابن:16، ثم قال:﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَالتغابن:16
المقدم: شيخ خالد.
 
الشيخ: إذ جاء عن عبد الرحمن بن عوف-رضي الله تعالى عنه-، أنه طاف ذات يوم بالكعبة، وكرَّر دعوة لا يدعو بغيرها، فكان يقول: "اللهم قني شحَّ نفسي، اللهم قني شحَّ نفسي، اللهم قني شح نفسي"، فقال له قائل: لمَ تدعو بهذه الدعوة يا عبد الرحمن؟ فقال له كلمة هي ترجمة لآية﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَالتغابن:16
قال:"إِنَّك إن وقيتَ شحَّ نفسك، فقد أفلحت كل الفلاح"[ تفسير ابن كثير، 4/ 446.]
 المقدم: الله أكبر، أحسن الله إليكم شيخ خالد، لو في دقيقة نوجه رسالة أيضًا إلى التجار، وحثهم أيضًا على أن يكون هناك مراعاة لعباد الله، وألا يكون أيضًا لديهم شحٌّ في اكتساب المال، إضافة إلى أيضًا منح العمالة حقوقهم.
 
الشيخ: بالتأكيد أنا أدعو كل صاحب عمل أن يتقي الله –تعالى-، في بذل الأجرة الواجبة في ماله لمن استحق الأجرة، فإن ذلك من أسباب العقوبات، الله-عزَّ وجل- يقول في الحديث «ثلاثةٌ أنا خَصْمُهم -وذكر منهم- رجلًا أستأجر أجيرًا، فاستوفى منه» يعني أخذ منه ما استأجره عليه، يعني جابه يصلح له مطبخ، يركب له دولاب، يصلح له السيارة، يبني له عمارة، يصلح له زراعةً، المهم إنه جابه لعمل «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة؛ رجلٌ أُعطى بي ثم غَدَر، ورجل ٌباع حرًّا ثم أكل ثمنه، ورجلٌ أستأجر أجيرًا فاستوفى منه»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح2227]، إذًا أنت في هذه الحال خصمك الله إذا استأجرت أجيرًا، بغض النظر عن مستوى الإجارة، قد يكون خادمًا في البيت، قد يكون سائقًا، وقد يكون مديرَ مصنع، أو رئيس شركة كلهم أجير، فينبغي أن تبذل الأجرة لكل من استوفيت منه العمل، وإلا فإن خصمك الله يوم القيامة.
المقدم: لا إله إلا الله.
الشيخ: هذا فيه تحذير شديد مِن جَحْد الحقوق، وعدم بذلها، والتهرب من أدائها بما يتهرب به الناس في شتى صور التهربات، أما التجار فأنا أوصى التجار بتقوى الله -جلَّ في علاه-، وأن يتركوا الجشع، وأن يحتسبوا الأجر عند الله -عزَّ وجل- في التيسير على الناس والتسهيل، فإن الله تعالى لك فيما يتعلق بصفات الفضل، والخير كما تكون للخلق، فإذا كنت إليهم مُحسنًا ،كان الله إليك محسنًا، إذا كنت بهم رحيمًا، كان الله بك رحيمًا وقد قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: «الراحمون يرحمهم الرحمن».[أخرجه أبو داود في سننه:ح4941، والترمذي في سننه:ح1924، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ].
 فأدعوهم إلى التخفيف، يعني الرضا بالقدر المعقول من المكاسب، ومراعاة أصحاب الديون، مراعاة أصحاب العسر، كما قال الله تعالى﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍالبقرة:280 ومن وضع عن مُعسرٍ وضع الله عنه يوم القيامة.
 
المقدم: جزاكم الله خيرًا.
 
الشيخ: وفي الختام أوصي نفسي وإخواني بتقوى الله، والحرص على التخلق بالأخلاق الفاضلة، فكل خصلة فاضلة تتخلق بها، هي ضمانة وصيانة ومانع بينك وبين الشح.
 
المقدم: جزاكم الله خيرًا، وأحسن الله إليكم، وبارك الله فيكم، وفي علمكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين، شكر الله لكم فضيلة الشيخ الدكتور/خالد المصلح، أستاذ الفقه  بكلية الشريعة في جامعة القصيم، والمشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء.
 
أسأل الله أن يجعل ما تفضلتم به في هذا اللقاء في ميزان حسناتكم.
الشيخ: آمين، بارك الله فيك، وأسأل الله أن يريَنا في أنفسنا، وولاتنا، وبلادنا ما يسرُّنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
 
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91428 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87224 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف