×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح
مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:2850

الحلقة الثانية: "عباد الله"

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلًا وسهلًا ومرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات، هذه حلقة جديدة في برنامجكم: "عباد الرحمن".

الحمد لله ربِّ العالمين، لهُ الحمدُ في السماوات وفي الأرض، له الحمدُ في الأولى والآخرة، وله الحكمُ وإليه ترجعون، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، ربِّ العالمين، وأشهدُ أنَّ محمدًا صفوةَ اللهِ من الخلق، بعثهُ الله بالهدى ودين الحق، فصلى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه، ومن اتبّعَ سنته، واقتفى أثره بإحسانٍ إلى يومِ الدين، أمَّا بعد:

ففي هذه الحلقةِ نتحدثُ عن قومٍ أعلا اللهُ مقامهم؛ إنهم عبادُ الله، إنهم الذين قال اللهُ ـ تعالى ـ فيهم: {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ} [الصافات: 40، 41] ، هؤلاء الذين أثنى الله ـ جلَّ وعلا ـ عليهم، فميَّزهم دونَ سائر العباد، دونَ سائر الخلق، لهم من المكانة، والمنزلة، ما تُبَوَّأُ بهِ أسمى المراتب؛ أن وصفهم الله بأعلى أوصافِ الخلقِ، وأكملِ ما يتصفُ بهِ مخلوق؛ أن يكون عبدًا لله، أكملُ ما نتصفُ به، يا من تنشدونَ الكمال، وتأملون بلوغَ أعلى مقام، أن تكونُوا عبادًا لله، نعم، إنَّ الله ـ عزَّ وجل ـ خلق الخلقَ ليعبُدوه، كما قال ـ تعالى ـ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] أرسل الله تعالى الرسل جميعًا، يدعون الخلق لهذه الحقيقة، كما قال ـ جلَّ في علاه ـ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25] هذه هي الغاية من الخلق، هذا هو المطلوب من الجميع، أن يكونُوا عبادًا لله، طبعًا نحنُ عبادٌ للهِ قهرًا، وقدرًا، فلا خروجَ لنا عن خلقه، وعن حكمه الكوني، وعن تقديره، جميعُنا من في السموات، ومن في الأرض كلُنا لهُ قانت، {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 83] ، لكنَّ ثمةَ فئة من الناس، ثمةَ فئة من الخلق، ميَّزهم الله ـ تعالى ـ بأن أعلى مقامهم، فكانوا عبادًا لهُ طوعًا؛ كانوا لهُ عبادًا اختيارًا، استجابوا لما خلقهم الله ـ تعالى ـ لأجله، واستجابوا لدعوة المرسلين، فكانوا عبادًا لله ـ عزَّ وجل ـ على نحوٍ مميّز، دونَ سائر الخلق، إنهم عباد لله ـ عزَّ وجل ـ في أمره، ودينه، وما شرعهُ الله ـ عزَّ وجل ـ فبلغوا أعلى المراتب، وأسمى المنازل، إنهم أهلُ العبودية الحقّة، الذين عبدوا الله ـ جلّ وعلا ـ في قلوبهم، وقوالبهم، فازوا بأن حققوا ما من أجلِه بعثَ اللهُ الرسل، الله ـ عزّ وجل ـ يقول في مُحكم كتابه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] فمن حقق هذا المطلوب، من فازَ بهذا الوصف؛ أن كان عبدًا لله، خالصًا لهُ دونَ ما سواه، فإنهُ يكونُ بذلك من عباد الرحمن، يكونُ بذلك من عباد الله، يكونُ بذلكَ قد وافقَ الركب الكريم، والرفق الجميل، وأحسنَ الرفيق، وهم المرسلون في سلوك الصراط المستقيم.

إنَّ أولئك لم يبلغوا ذلك المقام ولم يدخلوا في زمرةِ هذا المكان، وهو المكانُ الشريف العالي، بأن كانوا عبادًا لله، إلا بعد أن حققوا العبوديةَ لله عزّ وجل.

أيها الإخوة والأخوات، إنَّ الله ـ جلّ وعلا ـ ذكرَ في كتابه فيمن حققَ العبوديةَ لهُ ـ جلّ في علاه ـ ما يشحذُ النفوس، ويشجِعُها على المُضِيِّ في تحقيقِ العبودية لله ـ عزَّ وجل ـ فذكر الله ـ عزَّ وجل ـ في دعوة الرسل، أنهم دَعَوْا أقوامهم لعبادته وحده لا شريك له؛ {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا} [الأعراف: 59] ، وهو أولُ رسولٍ أرسله الله ـ عزّ وجل ـ إلى الأرض، {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59] دعاهم إلى أن يدخلوا في عباد الله، دعاهم إلى أن يدخلوا في عباد الرحمن.

وهود، يقول اللهُ ـ تعالى ـ عنه: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 65] ، {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 73] ، {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 85].

 وهكذا جميع المرسلين، وجميع مَنْ بعثهم الله ـ عزّ وجل ـ دَعَوْا أقوامهم إلى هذه الحقيقة، إلى أن يعبدوا اللهَ وحدهُ لا شريكَ له، وقد فاز بهذه المنَّة وهذه المنحة، أشرفُ الخلق؛ إنهم الملائكة الذين ميّزهم الله ـ تعالى ـ بالقدُرات والإمكانات، كانوا في العبودية على وجه الكمال، إنهم {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6] ، بل قد قال الله ـ جلَّ وعلا ـ في وصفهم: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26] ، وقال ـ جلّ وعلا سبحانهُ وبحمده ـ في وصفِ الملائكة القائمين بطاعته ـ جلَّ في علاه ـ: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ} [الأنبياء: 19] ، وهم الملائكة {لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} [الأنبياء: 19] ، فليس عندهم كبرٌ ولا علو عن تحقيق العبودية لله، {وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ} [الأنبياء: 19] ؛ أي: ولا يقصِّرون في تحقيق العبودية له، {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20] ، وقد قالَ ـ جلَّ في علاه ـ في وصفهم: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: 206] ، وبيَّن أنَّ الاستكبار عن العبودية، هو الذي يُخرِج أكثرَ الخلق عن وصفِ عباد الله، وعن وصفِ عباد الرحمن، {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا} [النساء: 172].

إنَّ المؤمن ينظرُ إلى هذه الحقائق فيرى أنَّ عباد الرحمن وصفٌ لصفوةِ الخلق، وصَفَ اللهُ بهِ الملائكة، وبيّنَ أنهُ من أجل ما مازوا بهِ الخلق، وبلغوا بهِ المنزلة العظمى، أن كانوا عندَ اللهِ ـ عزَّ وجل ـ على نحوٍ من الخضوعِ والذلِ والعبودية التامة، التي لا تنقطع، وهو وصفُ أكمل البشرية؛ فإنَّ الله ـ تعالى ـ وصف بالعبودية أكملَ الخلق، وهم الرسل والنبيون – صلوات الله وسلامه عليهم – يقولُ اللهُ ـ تعالى ـ في نوح وهو أولُ من أرسلهُ اللهُ ـ تعالى ـ إلى الناس، وهو من أولي العزمِ من الرسل: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: 3]، ويقولُ في إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، وهم من الرسل، والنبيين، يقول: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا} [ص: 45]، إنهُ وصفهم في هذه المنزلة العظيمة، لم يُمجِّدهم، ولم يُثنِ عليهم بغيرِ العبودية: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} [ص: 45] ويقول ـ جلّ وعلا ـ في داود: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 17] ويقول عن سليمان الذي أعطاه الله من الملك، ما لم يُعطِ أحدًا من بعده، فكان لهُ من العلوِ في القدرة على أسبابِ تحصيل المقاصد في الدنيا ما ليسَ لغيره؛ فقد أتاهُ اللهُ مُلكًا، وسخَّرَ لهُ من الجنودِ، من الإنسِ والجن على نحوٍ لا يُعرف لغيره من الخلق، ومع ذلك يقول: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 30] ، وقد قال في أيوب، الذي ابتلاه بالمرض، فكان صابرًا محتسِبًا، قائمًا بأمرِ الله: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص: 41] ، ويقول ـ جلّ وعلا ـفي عيسى، وهو الذي جعله الله على نحوٍ مختلف عن سائر الخلق في الوجود، فقد خُلِق من أمٍ دونَ أب، بكلمة الله ـ عزّ وجل ـ وروحه التي نفخَ فيها جبريل – عليه السلام – في درعِ مريم، فكانَ عيسى آيةً، ومثلًا للخلق، إذ هذا التميُّز لم يُخرجه عن أن يكون عبدًا لله، بل أول ما تكلَّم بهِ المسيح عيسى ابن مريم – عليه السلام -: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} [مريم: 30] ، وقد قال اللهُ ـ تعالى ـ في بيانِ حقيقته: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [الزخرف: 59].

إنَّ العبودية هي وصفُ سيد المرسلين – صلوات الله وسلامه عليه – ولذلك وصفهُ الله ـ تعالى ـ به في أشرفِ مقاماته، وسيأتي ذلكَ مبينًا وموضحًا، في حلقة قادمة إن شاء الله تعالى.

وأحببت أن أقول: إنَّ أسمى المراتب، وأعلى المنازل، وأكمل الأوصاف لكَ، ولجميع البشر، ولجميع الخلق، أن تكونوا لله عبادًا طُوَّعًا، أن تكونوا لله عبيدًا باختياركم، فكونوا عباد اللهِ كما أمرَكم الله، تفوزوا بهِباتهِ وعطاياه.

اللهم اجعلنا من عبادك المتقين، وحزبك المفلحين، وأوليائك الصالحين، واحشرنا في زمرة عبادك يا رحمن.

إلى أن ألقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم: "عباد الرحمن" استودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المادة السابقة

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات89954 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات86962 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف