المقدَّمُ:بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمينَ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ الأَتْمَّانِ الأَكْملانِ عَلَى قائِدِ الغُرِّ المحجَّلِينَ نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أُحَيِّيكُمْ مُسْتَمِعِيَّ الكرامَ في حَلْقَةِ هَذا اليَوْمِ مِنْ بَرْنامِجِكُمُ اليَوْمِيِّ الرَّمَضانِيِّ «فَتْواكُمْ»، ضَيْفُنا في كُلِّ يَوْمِ جُمْعَةٍ بِمَشِيئَةِ اللهِ تَعالَى طُوالَ هَذا الشَّهْرِ المبارَكِ هُوَ صاحِبُ الفَضِيلَةِ الشَّيْخُ الدُّكْتُورُ خالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ المصْلِح، المشْرِفُ العامُّ عَلَى فَرْعِ الرِّئاسِةَ العامَّةِ لِلإِفْتاءِ بِمنْطَقَةِ القَصِيمِ.
أَهْلًا وَمَرْحَبًا بِكُمْ صاحِبَ الفَضِيلَةِ.
الشَّيْخُ:أَهْلًا وَسَهْلًا بِكَ، حَيَّاكَ اللهُ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَركاتُهُ، حَيَّاكَ اللهُ أَخِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَحَيَّا اللهُ الإِخْوَةَ وَالأَخواتِ، وَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَكُونَ لِقاءً نافِعًا مُباركًا.
المقدِّمُ:وَهُوَ كَذَلِكَ بِإِذْنِ اللهِ بِإِطْلالَتِكُمْ وَوُجُودِكُمُ الدَّائِمُ مَعَنا في هَذِهِ المواسِمِ المبارَكَةِ، وَشَوْقِ المسْتَمِعِينَ الكرامِ لِسَماعِ صُوْتِكُمْ، وَالاسْتِرْشادِ بِفَتاوَاكُمُ المبارَكَةِ.
شَيْخِي، عَنْوَنْتَ حَلْقَةَ اليَوْمِ بِبَشائِرَ لِلصَّائِمِينَ.
الشَّيْخُ:الحمْدُ للهِ رَبِّ العالمينَ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى المبْعُوثِ رَحْمَةً لِلعالمينَ، نَبِيِّنا محمَّدٍ وعَلَىَ آلِهِ وَأَصْحابِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ:
هَذَا الموسِمُ المباركُ، وَهَذا الشَّهْرُ العَظِيمُ شَهْرٌ يَعْرِفُ خاصِيَّتَهُ وَمِيزتَهُ مِنْ حَيْثُ اصْطفاءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ أَكْثَرُ المسْلِمينَ، بَلْ يَعْرِفُهُ حَتَّى غَيْرُ أَهْلِ الإِسْلامِ؛ لِما يَرَوْنَ مِنْ إِقْبالِ المسْلِمينَ فِيهِ عَلَى أَنْواعٍ مِنَ الطَّاعاتِ وَالقُرُباتِ.
وَلِذَلِكَ نَسْمَعُ التَّهْنِئَةَ بِهذا الشَّهْرِ حَتَّى مِنَ الكُفَّارِ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ لِلمُسْلِمينَ في بُلُوغِ هَذا الشَّهْرِ المبارَكِ، فَهَذا الشَّهْرُ المبارَكُ العَظِيمُ لَهُ مَزايا إِذا أَدْرَكَها الإِنْسانُ وَعَرَفَها نَشَّطَ قَلْبَهُ وَبَدَنَهُ وَعَمَلَهُ في الاسْتِزادَةِ فِيهِ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ وَصالِحٍ.
اللهُ عَزَّ وَجَلَّ اخْتَصَّ شَهْرَ رَمَضانَ بِخَصائِصَ عَدِيدَةٍ، أَبْرَزُ خَصائِصِهِ القَدَرَيَّةِ الكَوْنِيَّةِ أَنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلا جَعَلَهُ مَحلًّا لإِنْزالِ القُرْآنِ؛ ذاكَ أَنَّ اللهَ سُبْحانَهُ وَبِحَمْدِهِ أَنْزَلَ القُرْآنَ عَلَى نَبِيِّهِ الكَرِيمِ في شَهْرِ رَمَضانَ؛ كَما قالَ في الذِّكْرِ الحَكِيمِ: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ البقرة: 185.
فاللهُ عَزَّ وَجَلَّ خَصَّ هَذا الشَّهْرَ بِهَذِهِ السِّمَةِ العَظِيمَةِ؛ أَنْ أَنْزَلَ فِيهِ هَذا النُّورَ المبينَ، وَهَذا الهَدْي القَوِيمَ، وَهَذا الصِّراطَ المسْتَقِيمَ، الَّذِي مَنْ اسْتَمْسَكَ بِهِ نَجا، ومَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ هَلَكَ، وَلما كانَ هَذا الشَّهْرُ مَحلًّا لإِنْزالِ هَذِهِ الهِدايَةِ العُظْمَى، خَصَّهُ اللهُ تَعالَى بِهداياتٍ كَثِيرَةٍ، وَأَسْبابٍ لِلاسْتِقامَةِ، وَالصَّلاحِ، واَلأَوْبَةِ، وَالتَّوْبَةِ، وَحَطِّ الخَطايا، وَفَتَحَ فِيهِ أَبْوابَ الجِنانِ، وَغَلَّق فِيهِ أَبْوابَ النِّيرانِ، وَدَعا عِبادَهُ فَنادَى مُنادٍ: يا باغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيا باغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَهَذا المنادِي في نَفْسِ كُلِّ أَحَدٍ يُدْرِكُهُ بِما في نَفْسِهِ مِنَ الإِقْبالِ عَلَىَ الطَّاعَةِ، وَالحِرْصِ عَلَيْها وَالرَّغْبَةِ فِيها والقُصُورِ عَنِ المعْصِيَةِ، وَالانْزِجارِ عَنْها، وَالتَّخَفُّفِ مِنْها، حَتَّى لما يَأْتِي المعْصَيِةَ وَيَكُونُ في رَمَضانَ تَجِدُ أَنَّهُ في هَذا الشَّهْرِ مِنَ القُدُسِيَّةِ في نُفُوسِ أَهْلِ الإِيمانِ ما هُوَ اسْتِجابَةُ لهذا المنادِي: يا باغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيا باغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ.
فَلَمَّا كانَ هَذا الشَّهْرُ بِهَذِهِ المنْزِلَةِ الكُبْرَى الَّتِي خَصَّهُ بِها اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ تَنْزِيلِ القُرْآنِ، وَمِنْ تَسْهِيلِ أَسْبابِ الهِدايَةِ؛ لأَنَّ القُرْآنَ نَزَلَ في هَذا الشَّهْرِ وَهُوَ هِدايَةٌ ﴿هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ البقرة: 185، سَِهَّلَ اللهُ طُرَقَ الهَدايا بأَِنْواعِها، وَفَتَحَ اللهُ تَعالَى أَبْوابَ الوُصُولِ إِلَيْهِ جَلَّ في عُلاهُ، فَتَفْتِيحُ أَبْوابِ الجَنَّةِ مُشْعِرٌ بِكَثْرَةِ أَبْوابِ الصَّالحاتِ الَّتِي تَقَرَّبَ إِلَيْهِ، وَتَغْلِيقُ أَبْوابِ النِّيرانِ مُشْعِرٌ بِالانْزِجارِ وَالكَفِّ عَنْ كُلِّ أَسْبابِ الخُسْرانِ مِنَ المعاصِي وَالسَّيِّئاتِ.
فَهَذِهِ الخَصائِصُ اقْتَرَنَتْ بِالخاصِّيَّةِ القَدَرِيَّةِ، وَهِيَ تَخْصِيصُ هَذا الشَّهْرِ بِإِنْزالِ القُرْآنِ، وَخَصَّهُ اللهُ شَرْعًا بَأَنْ جَعَلَهُ مَحلًّا لِرُكْنٍ مِنْ أَرْكانِ الإِسْلامِ، وَهُوَ الصَّوْمُ، فَرَمَضانُ هُوَ مَحَلُّ رابِعِ أَرْكانِ الإِسْلامِ، وَهُوَ صَوْمُ رَمَضانَ، فَالإِسْلامُ بُنِيَ عَلَى خَمْسٍ: شَهادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَّن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقامِ الصَّلاةِ، وَإِيتاءِ الزَّكاةِ، وَصَوْمِ رَمَضانَ، وَحَجِّ البَيْتِ لمنَ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، هَذا هُوَ الإِسْلامُ كَما بَيَّنَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَخَصَّ هَذا الشَّهْرَ بِأَنْ جَعَلَهُ مَحلًّا لِركنٍ مِنْ أَرْكانِ الإِسْلامِ يَتَعَبَّدُ فِيها المؤْمِنُونَ بِالإِمْساكِ عَنِ المفطراتِ طاعةً للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَعَرُّضًا لِنَفحاتِهِ، فَمِنْ صامَ رَمَضانَ إِيمانًا وَاحْتسابًا غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قامَ رَمَضانَ إِيمانًا وَاحْتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.
هَذِه كُلُّها بَشائِرُ يا أَخْ عَبْدَ الرَّحمنِ، هَذِه كُلُّها نَفَحاتٌ، وَهِباتٌ، وَمَكْرُماتٌ مِنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَلِذَلِكَ مِنَ الجَدِيرِ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، كُلُّ إِنْسانٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ حَرِيٌّ بِهِ أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنَ الصَّالحاتِ، وَأَنْ يُبادِرَ لِلطَّاعاتِ، وَأَنْ يَغْتَنِمَ الفُرْصَةَ وَلَوْ بِالقَلِيلِ مِنَ العَمَلِ؛ فَإِنَّ القَلِيلَ عِنْدَ اللهِ كَثِيرٌ إِذا قَارَنَهُ إِخْلاصٌ وَصِدْقُ رَغْبَةٍ، فَلا تَحْرِمْ نَفْسَكَ، وَلا تَحْرِمِي نَفْسَكِ أَيُّها الأَخُ الكَرِيمُ وَأَيَّتُها الأُخْتُ الكَرِيمَةُ مِنْ كُلِّ صالحٍ. وَأَبْوابُ الخَيْرِ مُتَنَوِّعَةٌ: صَوْمٌ، صَلاةٌ، قِيامٌ، صَدَقَةٌ، إِحْسانٌ، خِدْمَةٌ، إِعانَةٌ الوالِدَيْنِ، صِلَةٌ أَرْحامٍ، إِكْرامُ جِيرانٍ، إِحْسانٌ إِلَى الخَلْقِ، تَبُسُّمَكَ في وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَبْوابِ الخَيْرِ الَّذي يؤجر عليه الإنسان.
نسأل الله أن يفتح الله لي ولكم أبواب الصالحات، وأن يرزقني الله وإياكم القبول، وأن يجعل مآلنا وعاقبتنا على خير.
المقدم:آمين، جزاك الله خيرًا شيخ خالد، أتيتم على الكثير من النقاط والمحاور التي كنا نريد إثارتها في مقدمة هذه الحلقة، لكنكم استرسلتم استرسالًا جميلًا مقترنًا بالآية والحديث وتفصيلهما، فأحسن الله إليكم.