×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / عباد الرحمن / الحلقة (12) ومما رزقناهم ينفقون

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

الحلقة الثانية عشر: {ومما رزقناهم ينفقون} +++[البقرة: 3]--- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله ومرحبا بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم: "عباد الرحمن". الحمد لله حمدا كثيرا، طيبا مباركا فيه، حمدا يرضيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته، واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فمرحبا وأهلا وسهلا بكم أيها الإخوة والأخوات، هذه الحلقة نتناول فيها خصلة من خصال عباد الرحمن الذين  هم المؤمنون، عباد الرحمن الذين  هم أولياء الله، عباد الرحمن الذين  هم أهل التقوى والإحسان، هذه الحلقة نتكلم عن خصلة ذكرها الله تعالى في كتابه كثيرا، وقرنها بالصلاة في مواضع الذكر في الكتاب الحكيم، ففي أوائل ما ذكره الله تعالى من خصال أهل التقوى من عباد الرحمن، من عباد الله، من أهل الإحسان، قال جل في علاه: {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين (2) الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} +++[البقرة: 2، 3]--- هذه الخصلة وهي خصلة الإنفاق، من رزق الله جل وعلا، ملأ الله تعالى ذكرها في كتاب الله عز وجل، فالقرآن ملئ بذكر الإنفاق في سبيله، وفضل ذلك، وأنواع الإنفاق، وما يتصل به من حث وندب، وبيان لأوجه الإنفاق، ومحاله على وجه بين واسع، وذاك أن النفقة دليل وبرهان على صدق الإيمان، فمن أعظم براهين صدق الإيمان ودلائل صحة الإسلام الإنفاق في سبيل الله، أن ينفق الإنسان فيما أمره الله تعالى، أن ينفق فيه وهنا يصدق قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيما ذكر من جملة أعمال صالحة، في حديث أبي مالك الأشعري، في صحيح الإمام مسلم، قال صلى الله عليه وسلم: «والصدقة برهان» قف عند هذه الكلمة، قال صلى الله عليه وسلم: «والصدقة برهان» أي دليل صدق الإيمان، لماذا؟ لماذا كانت الصدقة برهانا ودليلا على صدق الإيمان، وصحته؟ الجواب على هذا السؤال يتبين من فهم الصدقة، وما يتصل بها من باعث ودافع للإنفاق، ما الذي يحملك على الإنفاق؟ إنك تنفق ترجو ما عند الله، إنك تقدم شيئا عاجلا، لتنال شيئا مؤجلا، ولذلك كانت هذه النفقة، هذا الإخراج من أعظم الدلائل على صدق الإيمان، لماذا؟ لأنه يدفع الإنسان شيئا حاضرا، يصدق به إيمانه بالغيب، وأنه فعلا مؤمن بالغيب، والذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم والذي جاء ذكره في القرآن من أن الله تعالى: «يجزي على الحسنة بعشر أمثالها»، وأن الله تعالى قال: {أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى} +++[آل عمران: 195]---، وأن الله جل وعلا يأتي بالحسنات وإن دقت {يابني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله} +++[لقمان: 16]---، لا تضيع، {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره (7) ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} +++[الزلزلة: 7، 8]--- هذا الإيمان هو في الإنفاق، وبذل الأموال في سبيل الله وفي أوجه الإنفاق المأمور بها والمشروعة، هو من دلائل الصدق وبراهين صدق إيمان الإنسان؛ لهذا ذكره الله تعالى في مواطن كثيرة في كتابه، وقرنه بالصلاة لأنه عنوان صلاح ما بينك وبين الخلق، فإن عنوان صلاح ما بينك وبين الله عز وجل في الأعمال أن تقيم الصلاة، وعنوان صلاح ما بينك وبين الخلق في المعاملة، أن تبذل الحقوق إلى أهلها، أن تبذل المال نفقة لمن أوجب الله تعالى عليك الإنفاق عليه، أو أن تخرج المال الذي فرضه الله تعالى عليك في مالك، وكسبك. أيها الإخوة، الإنسان مجبول على محبة المال: {وتحبون المال حبا جما} +++[الفجر: 20]---، لكن أهل التقوى وأهل الإيمان يقدمون تلك الأموال ليس زهدا فيها، ولا رغبة عنها، إنما يقدمونها رجاء ما عند الله عز وجل، ورغبة في ثوابه، وتصديقا لوعده: {إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا} +++[الإنسان: 9]--- فهم يقدمون هذه الأموال التي ينفقونها في سبيل الله، لا يرجون من الناس لا جزاء، ولا شكورا؛ لذلك ذكر الله جل وعلا أعمالهم وكريم أفعالهم في الإنفاق، في مواضع كثيرة، قال الله تعالى: {والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار} +++[الرعد: 22]---، أي لهم العاقبة الحميدة بالفوز بالجنة، نسأل الله أن نكون من أهلها. وقال تعالى: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال} +++[إبراهيم: 31]--- ويقول تعالى: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور} +++[فاطر: 29]---، فهذه تجارة رابحة بعيدة عن كل خسار، وبوار، أن تنفق مالك ابتغاء مرضاة الله تعالى، من الناس من ينفق أموالا طائلة، لكنه يرجو بذلك ذكرا حسنا، وثناء عاطرا، ومدحا، ووصفا بالكرم، وكل هذا يذهب بذهاب الدنيا، لكن الذي يبقى في الآخرة هو ما ابتغي به وجه الله تعالى، هو ما أنفق، وأخرج طاعة لله عز وجل ورغبة فيما عنده ولو كان قليلا، فليس العبرة بالقلة والكثرة في الإنفاق، إنما العبرة بأن تنفق ابتغاء وجه الله عز وجل، وأن تطيعه فيما أمرك به جل وعلا من الإنفاق.  والإنفاق على نوعين: النوع الأول: إنفاق واجب، والنوع الثاني: وإنفاق مستحب، أولى ما ينبغي أن يشتغل به الإنسان، وأبدى ما يشتغل به بتحقيق صفات عباد الرحمن أن يبادر إلى النفقة الواجبة بإبراء ذمته، فرض الله تعالى على الإنسان أن ينفق على نفسه، كفاية لها عن الحاجة، ولذلك كان أفضل ما ينفقه الإنسان دينار يصرفه على نفسه، لكفاية حاجته واستغنائه عن الناس، ثم ينفق بعد ذلك على من كلفه الله تعالى بالإنفاق عليه، من زوجة ووالد وولد، فهذه نفقات لازمة للإنسان، يجب عليه أن يبادر إليها، وأن لا يمتنع من الإنفاق.  امتناعه من الإنفاق في أوجه وجوب الإنفاق على نفسه، وعلى ولده، وعلى زوجة، وعلى والديه، وعلى قراباته، وعلى من يجب الإنفاق عليهم، هو في الحقيقة إلقاء بالنفس إلى التهلكة؛ ولذلك يقول الله تعالى: {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} +++[البقرة: 195]--- فندب الله تعالى للنفقة، ثم أمر بالمزيد، وهو الإحسان الذي يبذل فيه الإنسان أكثر مما يجب عليه، رغبة في إحسان الله عز وجل، وطمعا في عطائه، ونواله، إن الإنفاق لا يقتصر على الزكاة الواجبة في المال، بل كما هو المتبادر للذهن، عندما تذكر النفقة الواجبة، أو الحقوق الواجبة. الحقوق الواجبة ليست فقط في الزكاة، بل هي في النفقة على النفس، والنفقة على الأهل، والنفقة على الولد، والنفقة على الوالد، والنفقة على الأقارب، والنفقة على ذوي الأرحام، كل هؤلاء مما يدخلون فيما أمر بالنفقة عليه؛ ولذلك ينبغي للمؤمن أن لا يبخل على نفسه، ولا على أهله فيما وسع الله تعالى عليه وأعطاه: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا} +++[الطلاق: 7]---، وإذا بذل الإنسان ماله رغبة فيما عند الله، أجر على ذلك ونال به فضلا وأجرا من الله عز وجل؛ فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صلى الله عليه، وعلى آله وسلم: «ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا»، وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: «أنفق ينفق الله عليك»، وهذا يشمل كل أوجه الإنفاق المشروعة. فمن خصال الإيمان أن يبذل الإنسان المال في مواضعه التي أمر أن ينفق فيها، ولا يقصر ذلك على باب من الأبواب، بل كل الأبواب. باب من الأبواب المهمة إعطاء الزكاة التي فرضها الله تعالى في المال؛ فقد قال الله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} +++[التوبة: 103]---، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نقص مال من صدقة»، بل تزده وهذا يشمل كل أوجه الإنفاق. ثم إذا قام الإنسان بما فرضه الله تعالى عليه من الصدقات التي فرضها الله تعالى عليه والإنفاق الذي فرضه الله تعالى عليه، لزوجته وقرابته وغير ذلك مما يجب الإنفاق عليهم، وأخرج الزكاة الواجبة في ماله، ثم بادر إلى أوجه الإنفاق الأخرى التي بها يكتسب أجرا، فليبشر؛ «إن المؤمن في ظل صدقته يوم القيامة»، وبذلك يتبوأ منزلة من المنازل المباركة، ويتحلى بصفة من صفات عباد الرحمن. إنه بذلك ينال فضلا من الله عز وجل، فالله جل وعلا يعطي على القليل الكثير؛ {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} +++[الرحمن: 60]---. أنفقوا ينفق الله عليكم، لا تبخلوا، {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا} +++[البقرة: 268]---، حتى لو كان المال قليلا، أنفق وسينفق الله عليك، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الصدقة، قال: «جهد المقل» يعني عندما تخرج وأنت على حاجة، وأنت قد قدر عليك رزقك، كان ذلك من دلائل صدقك، ومن أسباب توسيع رزقك، {وما عند الله خير وأبقى} +++[القصص: 60]---. أسأل الله أن يعينني وإياكم على طاعته، وأن يرزقنا الاحتساب في ما نبذله من الأموال على أنفسنا، وعلى أولادنا، وعلى أهلنا، وعلى من نحب، وما نتصدق به في صدقاتنا الواجبة. أسأل الله أن يخلف علينا خيرا. إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم: "عباد الرحمن" أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:3347

الحلقة الثانية عشر: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 3]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله ومرحبًا بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم: "عباد الرحمن".

الحمد لله حمدًا كثيرًا، طيبًا مباركًا فيه، حمدًا يرضيه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنَّ مُحمدًا عبدُ اللهِ ورسوله، صلى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه، ومنِ اتبعَ سنته، واقتفى أثره بإحسانٍ إلى يومِ الدين، أمّا بعد:

فمرحبًا وأهلًا وسهلًا بكم أيها الإخوة والأخوات، هذه الحلقة نتناول فيها خصلة من خصالِ عباد الرحمن الذين  هم المؤمنون، عباد الرحمن الذين  هم أولياء الله، عباد الرحمن الذين  هم أهلُ التقوى والإحسان، هذه الحلقة نتكلم عن خصلة ذكرها اللهُ تعالى في كتابهِ كثيرًا، وقرنها بالصلاةِ في مواضع الذكرِ في الكتاب الحكيم، ففي أوائل ما ذكرهُ اللهُ تعالى من خصال أهل التقوى من عباد الرحمن، من عباد الله، من أهل الإحسان، قال جلَّ في علاه: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 2، 3] هذه الخصلة وهي خصلة الإنفاق، من رزق الله جلَّ وعلا، ملأ اللهُ تعالى ذكرها في كتاب الله عز وجل، فالقرآن ملئ بذكر الإنفاق في سبيله، وفضل ذلك، وأنواع الإنفاق، وما يتصل بهِ من حث وندبٍ، وبيان لأوجه الإنفاق، ومحالِّه على وجهٍ بيِّنٍ واسع، وذاكَ أنَّ النفقة دليلٌ وبرهانٌ على صدق الإيمان، فمن أعظم براهين صدق الإيمان ودلائل صحة الإسلام الإنفاق في سبيل الله، أن يُنفق الإنسان فيما أمرهُ اللهُ تعالى، أن يُنفقَ فيه وهنا يصدقُ قوله صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم، فيما ذكر من جملة أعمال صالحة، في حديث أبي مالك الأشعري، في صحيح الإمام مسلم، قال صلى الله عليه وسلم: «وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ» قف عندَ هذه الكلمة، قال صلى الله عليه وسلم: «وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ» أي دليلُ صدق الإيمان، لماذا؟ لماذا كانت الصدقة برهانًا ودليلًا على صدق الإيمان، وصحته؟

الجواب على هذا السؤال يتبيَّن من فهم الصدقة، وما يتصل بها من باعث ودافع للإنفاق، ما الذي يحملُك على الإنفاق؟ إنكَ تُنفق ترجو ما عند الله، إنكَ تُقدِّم شيئًا عاجلًا، لتنال شيئًا مؤجلًا، ولذلك كانت هذه النفقة، هذا الإخراج من أعظم الدلائل على صدق الإيمان، لماذا؟ لأنهُ يدفعُ الإنسانُ شيئًا حاضرًا، يُصدِّقُ بهِ إيمانهُ بالغيب، وأنهُ فعلًا مؤمن بالغيب، والذي أخبرَ به النبيُ صلى الله عليه وسلم والذي جاءَ ذكرُهُ في القرآن من أنَّ اللهَ تعالى: «يَجْزِي عَلَى الْحَسَنَةِ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا»، وأنَّ الله تعالى قال: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [آل عمران: 195]، وأنَّ الله جلّ وعلا يأتي بالحسناتِ وإن دقّت {يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} [لقمان: 16]، لا تضيع، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8] هذا الإيمان هو في الإنفاق، وبذل الأموال في سبيل الله وفي أوجه الإنفاق المأمور بها والمشروعة، هو من دلائل الصدقِ وبراهين صدق إيمان الإنسان؛ لهذا ذكرهُ اللهُ تعالى في مواطنَ كثيرة في كتابه، وقرنهُ بالصلاة لأنهُ عنوان صلاح ما بينك وبين الخلق، فإنَّ عنوان صلاح ما بينك وبين الله عز وجل في الأعمال أن تقيم الصلاة، وعنوان صلاح ما بينك وبين الخلق في المعاملة، أن تبذلَ الحقوق إلى أهلها، أن تبذلَ المال نفقةً لمَن أوجبَ اللهُ تعالى عليكَ الإنفاقَ عليه، أو أن تُخرِج المال الذي فرضهُ اللهُ تعالى عليكَ في مالك، وكسبك.

أيها الإخوة، الإنسان مجبول على محبة المال: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر: 20]، لكنَّ أهل التقوى وأهل الإيمان يُقدِّمون تلك الأموال ليسَ زُهدًا فيها، ولا رغبةً عنها، إنما يُقدِّمونها رجاء ما عندَ الله عز وجل، ورغبة في ثوابه، وتصديقًا لوعده: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 9] فهم يُقدِّمون هذه الأموال التي ينفقونها في سبيل الله، لا يرجون من الناس لا جزاء، ولا شكورًا؛ لذلكَ ذكرَ اللهُ جلَّ وعلا أعمالهم وكريم أفعالهم في الإنفاق، في مواضع كثيرة، قال اللهُ تعالى: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 22]، أي لهم العاقبة الحميدة بالفوزِ بالجنة، نسألُ الله أن نكونَ من أهلها. وقال تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ} [إبراهيم: 31] ويقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر: 29]، فهذه تجارة رابحة بعيدة عن كُلِّ خسارٍ، وبوار، أن تنفقَ مالكَ ابتغاءَ مرضاة الله تعالى، من الناس من يُنفق أموالًا طائلة، لكنّهُ يرجو بذلكَ ذكرًا حسنا، وثناءً عاطِرًا، ومدحًا، ووصفًا بالكرم، وكلُّ هذا يذهبُ بذهابِ الدنيا، لكنَّ الذي يبقى في الآخرة هو ما ابتُغيَ بهِ وجهُ اللهُ تعالى، هو ما أُنفق، وأُخرج طاعة لله عز وجل ورغبة فيما عنده ولو كانَ قليلًا، فليسَ العبرة بالقلَّة والكثرة في الإنفاق، إنما العبرة بأن تُنفق ابتغاء وجه الله عز وجل، وأن تُطيعه فيما أمركَ بهِ جلَّ وعلا من الإنفاق.

 والإنفاقُ على نوعين: النوع الأول: إنفاق واجب، والنوع الثاني: وإنفاق مستحب، أولى ما ينبغي أن يشتغل بهِ الإنسان، وأبدى ما يشتغل بهِ بتحقيق صفات عباد الرحمن أن يُبادر إلى النفقة الواجبة بإبراء ذمته، فرضَ اللهُ تعالى على الإنسان أن يُنفق على نفسه، كفاية لها عن الحاجة، ولذلك كان أفضل ما يُنفقُهُ الإنسان دينارٌ يصرفه على نفسه، لكفاية حاجته واستغنائه عن الناس، ثم ينفق بعد ذلك على من كلَّفهُ اللهُ تعالى بالإنفاق عليه، من زوجةٍ ووالدٍ وولد، فهذه نفقات لازمة للإنسان، يجبُ عليه أن يُبادر إليها، وأن لا يمتنع من الإنفاق.

 امتناعه من الإنفاق في أوجهِ وجوب الإنفاق على نفسه، وعلى ولده، وعلى زوجة، وعلى والديه، وعلى قراباته، وعلى من يجبُ الإنفاقُ عليهم، هو في الحقيقة إلقاءٌ بالنفس إلى التهلُكة؛ ولذلكَ يقولُ اللهُ تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195] فندب الله تعالى للنفقة، ثم أمرَ بالمزيد، وهو الإحسان الذي يبذلُ فيه الإنسان أكثر مما يجب عليه، رغبة في إحسان الله عز وجل، وطمعًا في عطائه، ونواله، إنَّ الإنفاق لا يقتصر على الزكاة الواجبة في المال، بل كما هو المتبادر للذهن، عندما تُذكر النفقة الواجبة، أو الحقوق الواجبة.

الحقوق الواجبة ليست فقط في الزكاة، بل هيَ في النفقة على النفس، والنفقة على الأهل، والنفقة على الولد، والنفقة على الوالد، والنفقة على الأقارب، والنفقة على ذوي الأرحام، كلُّ هؤلاءِ مما يدخلون فيما أُمرَ بالنفقة عليه؛ ولذلكَ ينبغي للمؤمن أن لا يبخل على نفسه، ولا على أهله فيما وسَّعَ اللهُ تعالى عليه وأعطاه: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7]، وإذا بذل الإنسانُ مالهُ رغبة فيما عندَ الله، أُجرَ على ذلك ونالَ بهِ فضلًا وأجرًا من الله عز وجل؛ فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ صلى الله عليه، وعلى آله وسلم: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا»، وقد جاء في الحديث أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: «أَنْفِقْ يُنْفِقِ اللَّهُ عَلَيْكَ»، وهذا يشمل كُلَّ أوجه الإنفاق المشروعة.

فمن خصالِ الإيمانِ أن يبذل الإنسان المال في مواضعه التي أُمِرَ أن يُنْفِقَ فيها، ولا يقصرُ ذلكَ على بابٍ من الأبواب، بل كُلِّ الأبواب.

باب من الأبواب المهمة إعطاء الزكاة التي فرضها اللهُ تعالى في المال؛ فقد قال اللهُ تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا نَقَصَ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ»، بل تزده وهذا يشمل كُل أوجه الإنفاق.

ثم إذا قام الإنسان بما فرضهُ اللهُ تعالى عليه من الصدقات التي فرضها اللهُ تعالى عليه والإنفاق الذي فرضهُ اللهُ تعالى عليه، لزوجته وقرابته وغيرِ ذلك مما يجبُ الإنفاق عليهم، وأخرجَ الزكاة الواجبة في ماله، ثم بادرَ إلى أوجه الإنفاق الأخرى التي بها يكتسبُ أجرًا، فليبشر؛ «إِنَّ الْمُؤْمِنَ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، وبذلك يتبوّأ منزلةً من المنازل المباركة، ويتحلى بصفة من صفات عباد الرحمن.

إنهُ بذلك ينال فضلًا من الله عز وجل، فالله جلَّ وعلا يُعطي على القليل الكثير؛ {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60].

أنفقوا يُنفق الله عليكم، لا تبخلوا، {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا} [البقرة: 268]، حتى لو كان المالُ قليلًا، أنفق وسيُنْفِقُ الله عليك، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الصدقة، قالَ: «جَهْدُ الْمُقِلِّ» يعني عندما تُخرج وأنتَ على حاجة، وأنتَ قد قُدِرَ عليك رزقُك، كانَ ذلكَ من دلائلِ صدقك، ومن أسباب توسيع رزقك، {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [القصص: 60].

أسأل الله أن يُعينني وإياكم على طاعته، وأن يرزُقنا الاحتساب في ما نبذِلُه من الأموال على أنفسنا، وعلى أولادنا، وعلى أهلِنا، وعلى من نحب، وما نتصدَّق بهِ في صدقاتنا الواجبة. أسأل الله أن يُخلِفَ علينا خيرًا.

إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم: "عباد الرحمن" أستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مواد جديدة

الاكثر مشاهدة

4. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات77839 )
6. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات71335 )
10. قراءة سورة البقرة لجلب المنافع ( عدد المشاهدات65196 )
15. أعمال يمحو الله بها الذنوب ( عدد المشاهدات55051 )

مواد مقترحة

375. Jealousy