×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة إن ربك واسع المغفرة

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:7609

الحَمْدُ لله غَافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ، لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، إِلَيْهِ الْمَصِيرُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، شَهادَةً تُنْجِي قائِلَها مِنْ عَذابِ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ المَصيرُ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، المنْعُوتُ في القُرْآنِ وَالتَّوْراةِ وَالإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ. صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، صَلاةً تُضَاعِفُ لِصاحِبِها الأُجُورَ.
أَمَّا بَعْدث:
فاتَّقُوا اللهَ - أيُّها النَّاسُ - وَأَطِيعُوهُ ، وَاعْمَلُوا في دُنْياكُمْ ما يَكُونُ زادًا لَكُمْ في أُخْراكُمْ؛ فالدُّنْيا إِلَى زَوالٍ، وَالآخِرَةُ هِيَ دارُ القَرارِ، وَكُلُّنا رَاحْلٌ إِلَيْها بِعَمَلِهِ وَمُرْتَهِنٌ فِيها بِسَعْيِهِ، فَصحائِفُ الأَعْمالِ لا تُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً مِنْ صالحِ الأَعْمالِ وَسَيِّئِها إِلَّا أَحْصَتْها، قالَ اللهُ تَعالَى: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} القمر: 52، 53.

وَقالَ سُبْحانَهُ: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} آل عمران: 30.وقال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} الزلزلة: 7، 8.
أَيُّها المؤْمِنُونَ, الموْتُ قَضاءُ اللهِ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ، كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموْتِ، وَإِذا مُتْنا تَرَكْنا كُلَّ شَيْءٍ وَراءَ ظُهُورِنا، وَلَمْ يُرافِقْنا مِنَ الدُّنْيا إِلاَّ أَعْمالُنا، رَوَىَ البُخارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلاثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ: يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ»البخاري(6514), وَمُسْلِمٌ(2960) فَيَدْخُلُ مَعَهُ القَبْرُ، فَإِنْ كانَ صالحًا مُثِّلَ لَهُ في أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَيُؤْنِسُهُ وَيُبَشِّرُهُ، فَيَقُولُ:« مَنْ أَنْتَ؟» «فَيَقُولُ: عَمَلُكَ»، وَإِنْ كانَ سَيِّئًا مُثِّلَ لَهُ في أَقْبِحِ صُورَةٍ، فَيَقُولُ لَهُ: «مَنْ أَنْتَ؟» «فَيَقُولُ: عَمَلُكَ».صَحَّ مَعْناهُ مِنْ حَدِيثِ البَراءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عِنْدَ أَحْمَدَ(18534)وَيَصْحَبُهُ كَذِلَكَ إِلَى يَوْمِ البَعْثِ وَالنُّشُورِ، ثُمَّ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العالمينَ يُرافِقُهُ عَمَلُهُ؛ كَما قالَ تَعالَى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا} الإِسْراء: 13.
في ذَلِكَ اليَوْمِ العَظيمِ - يَوْمَ القِيامَةِ - لِلأَعْمالِ شَأْنٌ كَبيرٌ، فَالأَعْمالُ الصَّالحَةُ تَحْمِلُ أَصْحابَها، فَهِيَ مَطاياهُمْ وَمَرَاكِبَهُمْ الَّتي بِها يَرْحَمُهُمُ اللهُ وَيُنَجِّيهِمْ مِنَ الأَهْوالِ؛ كَما قالَ تَعالَى: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} الزمر: 61.
أَمَّا الأَعْمالُ السَّيِّئَةُ مِنَ الفُسُوقِ وَالعِصْيانِ فَهِيَ الَّتي تَرْكَبُ أَصْحابَها مِنْ أَهْلِ المعاصي وَالأَوْزارِ، فيَرِدُون المواقِفَ يَوْمَ القِيامَةِ وَعَلَى ظُهُورِهِمُ الأَثْقالُ وَالأَحْمالُ؛ حَصائِدُ سَيِّئِ الأَعْمالِ؛ كَما قالَ الكَبِيرُ المتَعالِ: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} الأنعام: 31.
وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ طاعَةِ اللهِ وَتَوَرَّطَ في مَعاصِيهِ.
قالَ تَعالَى: {وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا} طه: 99 - 101 فَبِئْسما حَمَلُوا وَتَزَوَّدُوا.
وَقالَ تَعالَى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} آل عمران: 161.
عِبادَ اللهِ, هَذا الحِمْلُ وَذَلِكَ الثِّقَلُ لا يَحْمِلُهُ يَوْمَ القِيامَةِ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، فَكُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ؛ مَحْبُوسَةٌ، فَلا مُعِينَ، وَلا نَصِيرَ، وَلا وَلِيَّ، وَلا شَفِيعَ؛ قالَ تَعالَى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} فاطر: 18.
فالنَّفْسُ المثْقَلَةُ مِنَ الخَطايا وَالذُّنُوبِ إِنْ تَسْأَلْ مَنْ يَحْمِلُ عَنْها ذُنُوبَها وَتَطْلُبُ ذَلِكَ لمْ تَجِدْ مَنْ يَحْمِلُ عَنْها شَيْئًا مِنْ خَطاياها، وَلَوْ كانَ الَّذي سَأَلَتْهُ ذا قَرابَةٍ مِنْ أَبٍ أَوْ أَخٍ، أَوْ غَيْرِ ذِي قَرابَةٍ، قالَ تَعالَى: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} عبس: 37.
عِبادَ اللهِ, إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبابِ السَّعادَةِ في الدُّنْيا وَأَكْبَرِ أَسْبابِ النَّجاةِ وَالفَوْزِ في الآخِرَةِ أَنْ يَضَعَ اللهُ عَنْكَ وِزْرَكَ، وَأَنْ يَغْفِرَ ذَنْبَكَ؛ فالذُّنُوب والخطايا شَرُّ ما اصْطَحَبْتَهُ في دُنْياكَ وَآخِرَتِكَ، فَإِنَّ الذُّنُوبَ وَالمعاصِي في الدُّنْيا تَجْلِبُ الضَّنْكَ وَالكَدَرَ وَالمصائِبَ؛ قالَ تَعالَى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} الشُّورَى: 30، وَقالَ تَعالَى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} الرُّوم: 41.
أَمِّا يَوْمُ لِقاءِ رَبِّكَ فَهِيَ تُوجِبُ الهَلاكَ وَالمعاطِبَ. صَدَقَ اللهُ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلًا {وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا} طه: 101 فَما أَقْبَحَهُ مِنْ حِمْلٍ يُقالُ لأَصْحابِهِ: {فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} الأَعْراف: 39.
أَيُّها المؤْمِنُونَ,  لَقَدِ امْتَنَّ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ أَنْ وَضَعَ عَنْهُ وِزْرَهُ فَقالَ: {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} الشَّرْحُ: 2، 3 أَيْ: أَثْقَلَهُ وَأَوْهَنَهُ، لا لِعَظيمِ جُرْمِ وَلا لِكَبِيرِ إِثْمٍ، إِنَّما لِعظيمِ قَدْرِ رَبِّهِ في قَلْبِهِ وَخَوْفِهِ مِنْ ذَنْبِهِ، وَلَوْ كانَ صَغِيرًا. قالَ القُرْطُبِيُّ: "وَإِنَّمَا وُصِفَتْ ذُنُوبُ الْأَنْبِيَاءِ بِهَذَا الثِّقَلِ، مَعَ كَوْنِهَا مَغْفُورَةً؛ لِشِدَّةِ اهْتِمَامِهِمْ بِهَا, وَنَدِمَهِمْ مِنْهَا, وَتَحَسُّرِهِمْ عَلَيْهَا"تفسير القُرْطُبِيُّ(20/106).
أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ عَمَلَ المؤْمِنِ الرَّشِيدِ في هَذِهِ الدُّنْيا دَائِرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: الأَوَّلُ: التَّزَوُّدُ مِنَ الصَّالحاتِ، وَالثَّاني: التَّخَفُّفُ مِنَ السَّيِّئاتِ. وَبهذا عَلَّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهْيَهُ عَنْ تَمَنِّي الموْتِ؛ كَما في البُخارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ، إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ«أَخْرَجَهُ البُخارِيُّ(7235), وَمُسْلِمٌ(2682).
أَيُّها المؤْمِنُونَ, ما أَكْثَرَ ما نُخْطِئُ وَنُذْنِبُ وَنَزِلُّ ونَعْصِي، وَاللهُ تَعالَى يَغْفِرُ وَيَعْفُو، وَيَتَجاوَزُ وَيَصْفَحُ، فَفِي الحدِيثِ الإِلهِيِّ قالَ تَعالَى: «يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ» رَواهُ مُسْلِمٌ(2577).
فَيا عَبْدَ اللهِ المغْفَرِةُ وَعْدُ اللهِ لمَنْ اسْتَغْفَرَ، فَلا يَمْنَعَنَّكَ عَظيمُ ذَنْبٍ ارْتَكَبْتَهُ، وَلا كَبيرُ وِزْرٍ اقْتَرَفْتَهُ أَنْ تَطْلُبَ مِنَ اللهِ العَفْوَ وَالمغْفِرَةَ؛ فَقَدْ قالَ: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} الزمر: 53.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:                                                                       

الحَمْدُ للهِ واسِعِ المغْفِرَةِ، كَثِيرِ العَفْوِ، عَظيمِ الحِلْمِ، غَمَرَ العِبادَ بِأَلْطافِهِ، وَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِواسِعِ الرَّحمَاتِ وَجَزِيلِ العَطايا وَالهِباتِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، شَهادَةً  تُنْجِي قائِلَها مِنَ المهْلِكاتِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، سَيِّدُ البَرِيَّاتِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحابِهِ، مَعْدِنُ الفَضائِلِ والمكْرُماتِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ وَصِدْقِ التَّوْبَةِ إِلَيْهِ، وَالجِدِّ في طَلَبِ عَفْوِهِ وَمَغْفِرَتِهِ، {فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا} الطلاق: 10.
أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ اللهَ واسِعُ المغْفِرَةِ نَوَّعَ لِعِبادِهِ الأَسْبابَ الَّتي تُغْفَرُ بِها ذُنُوبُهُمْ، وَتُحَطُّ بِها سَيِّئاتُهُمْ، وَتُكَفِّرُ خَطاياهُمْ.
فَمِنْ أَعْظَمِ ما تُنالُ بِهِ مَغْفِرَتُهُ: سُؤالُهُ، وَالإلحْاحُ عَلَيْهِ في طَلَبِ المغْفِرَةِ وَالعَفْوِ، قالَ تَعالَى: {فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} هود: 61. وَفي البُخارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يَقُولُ: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً«البُخارِيُّ(6307).فَأَلحُّوا عَلَى اللهِ في طَلَبِ العَفْوِ وَالمغْفِرَةِ كُلَّ حِينٍ وَحالٍ؛ فَإِنَّهُ لا يَتَعاظَمُهُ ذَنْبٌ أَنْ يَغْفِرَهُ مَهْما عَظُمَ وَكَثُرَ، وَلا يَكْبُرُ عَلَيْهِ عَيْبُ أَنْ يَسْتُرَهُ مَهْما جَلَّ وَكَبُرَ، قالَ تَعالَى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} الزمر: 53.
أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ أَنْ جَعَلَ مِنَ الأَعْمالِ ما يَمْحُو اللهُ بِهِ جَمِيعَ الخَطايا وَالآثامِ، وَيَحُطُّ بِهِ كُلَّ السَّيِّئاتِ وَالأَوْزارِ، وَلَوْ كانَتْ في الكَثْرَةِ وَالعِظَمِ مِثْلَ زَبَدِ البِحارِ، سُبْحانَهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ، وَذَلِكَ لعَظِيمِ حاجَةِ النَّاسِ إِلَى مَغْفِرَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَفْوِهِ.
أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الأَعْمالِ تَكْفِيرًا لِلخَطايا وَحَطًّا لِلأَوْزارِ وَالرَّزايا الصَّلاةُ؛ فَرْضُها وَنَفْلُها.
وَإِلَيْكَ بَعْضًا مِمَّا جاءَ في ذَلِكَ؛ فَفِي الصَّحيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟» قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ: «فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا»البخاري(528), وَمُسْلِمٌ(667). فَهذا مَثَلٌ ضَرَبَهُ النَّبِيُّ لمحْوِ الخَطايا بِالصَّلَواتِ الخَمْسِ، فَجَعَلَ ذَلِكَ مِثْلَ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبابِهِ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مِرارٍ، فَكَما أَنَّ دَرَنَهُ وَوَسَخَهُ يَنْقَىَ بِذَلكَ حَتَّى لا يَبْقَىَ مِنْهُ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ الصَّلواتُ الخَمْسُ في كُلِّ يَوْمٍ تَمْحُو الذُّنُوبَ وَالخَطايا حَتَّى لا يَبْقَى مِنْها شَيْءٌ.
وَفي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُثْمانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ قالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذا ثُمَّ قالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ«أَخْرَجَهُ البُخارِيُّ(159), وَمُسْلِمٌ(226).وَفي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عُثْمانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ»مُسْلِمٌ(245).وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ«مسلم(251).وفي الصَّحيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا؛ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ«ضالبخاري(780), ومسلم(410).فَهَذِهِ أَحادِيثُ كُلُّها في الصَّحيحَيْنِ دالَّةٌ عَلَى عَظِيمِ فَضْلِ اللهِ تَعالَى عَلَى عِبادِهِ في الصَّلاةِ الَّتيِ بِها تُحَطُّ الخَطايا، وَتُكَفَّرُ السَّيِّئاتُ، وَتُرْفَعُ الدَّرَجاتُ، وَتَنْشَرِحُ الصُّدُورُ، وَتَطْمَئِنُّ الأَفْئِدَةُ، وَيَنْتَهِي الِإنْسانُ عَنِ الفَحْشاءِ وَالمنْكَرِ، وَما فِيها مِنْ ذِكْر اللهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} العنكبوت: 45 فَهُوَ أَكْبَرُ المنافِعِ وَأَعْظَمُها؛ لأَنَّهُ طِيبُ القُلُوبِ وَهَناؤُها، وَهُوَ مِفْتاحُ الصَّالحاتِ، وَمِفْتاحُ عَظيمِ الأُجُورِ وَالهِباتِ؛ مِنْ رَبٍّ يُعْطِي عَلَى القَلِيلِ الكَثِيرَ.
أَيُّها المؤْمِنُونَ, ما أَحْوَجَنا إِلَى أَنْ نَقِفَ عَلَى هَذِهِ النُّصُوصِ، وَأَنْ نُبادِرَ إِلَى الأَخْذِ بِها؛ فَهِيَ أَعْمالُ يَسْيرَةٌ؛ مَنْ أَخْذَ بِها أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ؛ حُطَّتْ خَطاياهُ ورُفِعَتْ دَرَجاتُهُ، وَفُتِحَ لَهُ مِنْ أَبْوابِ السَّعادَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ في الدُّنْيا ما يُكُونُ سَبَبًا وَوَسِيلَةً إِلَى إِدْراكِ سَعادِةِ الدُّنْيا، وَالفَوْزِ بِما عِنْدَ اللهِ تَعالَى في الآخِرَةِ مِنَ النَّعِيمِ المقِيمِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِأَسْمائِكَ الحُسْنَى وَصِفاتِكَ العُلا أَنْ تَفْتَحَ لَنا أَبْوابَ العَفْوِ وَالمغْفِرَةِ.
اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فاعْفُ عَنَّا، اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فاعْفُ عَنَّا، اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فاعْفُ عَنَّا.
اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَلَيْنا، اللَّهُمَّ انْصُرْنا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنا، اللَّهُمَّ آثِرْنا وَلا تُؤْثِرْ عَلَيْنا.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنا لَكَ ذَاكِرينَ شاكِرينَ، رَاغبينَ رَاهبينَ، أَوَّاهينَ مُنيبينَ.
اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ تَوْبَتَنا، وَثَبِّتْ حُجَّتَنا، واغْفِرْ ذَلَّتَنا، وأَقِلْ عَثَرَتَنا، يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ.
اللَّهُمَّ إِناَّ ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنا وَلِإخْوانِنا الَّذينَ سَبَقُونا باِلإيمانِ، وَلا تَجْعَلْ في قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذينَ آمَنُوا، رَبَّنا إِنَّك رَءُوفٌ رَحيمٌ.
اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قُلُوبَنا عَلَى الحَقِّ وَالهُدَى، أَعِنَّا عَلَى الطَّاعَةِ وَالإِحْسانِ، وَاصْرِفْ عَنَّا الإِساءَةَ وَالشَّرَّ يا ذا الجَلالِ وَالِإكْرامِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أُمورِنا، وَاجْعَلْ وِلايَتَنا فِيمَنْ خافَكَ وَاتَّقاكَ، وَاتَّبَعَ رِضاكَ، يا ذا الجلالِ والِإكْرامِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنا إِلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ سَدِّدْهُ في القَوْلِ وَالعَمَلِ، أَصْلِحْ لَهُ البِطانَةَ، وَفِّقْهُ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلْهُ بابًا لِكُلِّ بِرٍّ، وَاصْرِفْ عَنْهُ كُلَّ شَرٍّ، وَأَيِّدْهُ بِرُوحٍ مِنْكَ وَنَصْرٍ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَحْفَظَ بِلادَ المسْلِمينَ منْ كُلِّ سُوءٍ وَشَرٍّ.
اللَّهُمَّ اجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ وَالهُدَى، وَاصْرِفْ عَنْهُمْ كُلَّ شَرٍّ وَخِزْيٍ وَرَدَى.
اللَّهُمَّ إنِاَّ نَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما اسْتعاذَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِبادُكَ الصَّالحُون، وَنَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ ما سَأَلَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِبادُكَ الصَّالحُونَ.
رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ.
أَكْثِرُوا عِبادَ اللهِ مِنَ الصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّ صَلاتَكُمْ في يَوْمِ الجُمُعَةِ مَعْرُوضَةٌ عَلَيْهِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ؛ كَما صَلَيَّتَ عَلَى إِبْراهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْراهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات89960 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات86964 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف