×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

خطب المصلح / خطب مطبوعة / خطبة: قصة موسى عليه السلام

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

 قصة موسى عليه السلام الخطبة الأولى: إن الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله.   أما بعد. فاتقوا الله، عباد الله، واعتصموا بحبله المتين وكتابه المبين، فإن الله أنزل عليكم الكتاب العظيم لتتدبروا آياته، وتعتبروا بقصصه، فإنه كتاب عظيم، فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم: ﴿لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون)+++ سورة يوسف (111)---. أيها المؤمنون. إن الله تعالى قص عليكم في كتابه العظيم قصصا كثيرة، فيها عبر وعظات، وكان من أعظم ما قصه الله علينا نبأ موسى وفرعون، فهي أعظم قصص الأنبياء، التي تذكر في القرآن، ثناها الله أكثر من غيرها، وذكرها في سور عديدة لينتفع منها أولو الألباب.  عباد الله، أيها المؤمنون. إن مجمل ما ذكره الله في كتابه من نبأ موسى وفرعون أن فرعون -ملك مصر- علا في الأرض، وجعل أهلها شيعا، يستضعف طائفة منهم، هم بنو إسرائيل، يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، علا عليهم فرعون، وتسلط، يذبح أبناءهم، ويستحيي نساءهم، فكان من أعظم المفسدين في الأرض، والله لا يصلح عمل المفسدين، فأخرج من هؤلاء المستضعفين، من يبين لفرعون سوء عمله، وضلال سعيه، فبعث الله موسى عليه السلام، فأوحى إليه وكلمه، وناداه: أن يا موسى، إني أنا الله رب العالمين، وأمده سبحانه بالآيات، والسلطان المبين، وشد عضد موسى بأخيه هارون، فجعله نبيا من الصالحين، ثم أرسله- جل شأنه- إلى فرعون ليدعوه إلى رب العالمين، فقال فرعون مستكبرا معاندا: وما رب العالمين؟ فأجابه موسى : ﴿رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين)+++ سورة الدخان (7). --- ،فقال فرعون عدو رب العالمين لقومه : ﴿ألا تسمعون﴾ فرد عليه موسى معرفا له بالله رب العالمين : ﴿ربكم ورب آبائكم الأولين)+++ سورة الشعراء (26)--- فقال فرعون :﴿ إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون)+++ سورة الشعراء ( 27)--- فأجابه موسى: ﴿ رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون)+++ سورة الشعراء (28).--- و ﴿الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى)+++ سورة طه (50).--- و ﴿الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى (53)كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى)+++ سورة طه (53-54)--- . فلما انقطعت حجة فرعون، وبان له من هو رب العالمين؟ هدد موسى عليه السلام فقال: ﴿لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين)+++ سورة الشعراء (29)--- فقال له موسى ليقطع حجته، ويقيم البرهان على صدق ما يقول: ﴿قال أولو جئتك بشيء مبين)+++ سورة الشورى (30)--- ، فأراه من الآيات ما فيه بلاء مبين، فلما جاءتهم آيات رب العالمين قالوا: ﴿هذا سحر مبين (13) وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا)+++ سورة النمل (13-14).--- ﴿وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين)+++ سورة الأعراف (132)---  .  فأصر فرعون وقومه على الكفر بالله رب العالمين، واستكبروا استكبارا، فأغضبوا الله، رب المشرق والمغرب، رب العالمين، فأوحى إلى موسى ﴿أن أسر بعبادي إنكم متبعون (52) فأرسل فرعون في المدائن حاشرين. إن هؤلاء﴾ - ؛أي: موسى وقومه - ﴿لشرذمة قليلون﴾ أي: جماعة قليلة ﴿وإنهم لنا لغائظون (56) وإنا لجميع حاذرون)+++ سورة الشورى (52 -56)--- ، فعبأ فرعون ملك مصر جيشه، وجهز جنده لملاحقة موسى ومن معه من المؤمنين، فخرج فرعون وقومه من مصر، أرض الجنات والعيون والكنوز والمقام الكريم، لقتل موسى ومن معه؛ بغيا وعدوا، فأدركهم فرعون عند البحر ﴿قال أصحاب موسى إنا لمدركون)+++ سورة الشعراء (61).--- ؛أي: سيدركنا فرعون وقومه، فقال موسى -وقد وثق بوعد رب العالمين- قال: ﴿كلا إن معي ربي سيهدين)+++ سورة الشعراء (62).---، فجاءه الوحي من رب العالمين ﴿أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم)+++ سورة الشعراء (63).--- ؛أي: كالجبل العظيم، وسار موسى وقومه على ما فتح لهم في البحر من طرق، وسلكوا ذاك الشق العظيم، فلم يرتدع فرعون عن غيه، بل مضى وسار بقومه، فسلكوا هذا الطريق، ولم يؤمنوا بالله رب العالمين، رب موسى وهارون، فلما توسطوا بين جبال الماء أطبق الله عليهم الماء، فأغرقوا أجمعون ﴿فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين)+++ سورة الدخان (26)--- ﴿وحاق بآل فرعون سوء العذاب)+++ سورة غافر (45). --- بما كان يكفرون ﴿النار يعرضون عليها غدوا وعشيا)+++ سورة غاغر (46)--- إلى يوم يبعثون ﴿ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب﴾ ﴿وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)+++ سورة النحل (118)---  ﴿وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب.وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد)+++ سورة هود (101 - 102)---. فلا إله إلا الله، الملك الحق المبين، ينصر عباده المؤمنين، وينتقم من الظالمين المكذبين، فالحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.    الخطبة الثانية  أما بعد. فيا أيها المؤمنون. اتقوا الله تعالى، واعتبروا بمصارع الغابرين، وحسن عواقب الصالحين، فإن الله قص عليكم هذه القصص لعلكم تتفكرون، وعن الشر تنزعون، وعلى الطاعة تقبلون، فاقصص القصص لعلهم يتفكرون. عباد الله.. إن نصر الله لأهل الحق آت لا محالة، ولكن الله تعالى شرط لنصره شروطا، فقال : ﴿يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم﴾+++ سورة محمد (7).--- وقال : ﴿والعصر (1) إن الإنسان لفي خسر (2) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر﴾+++ سورة العصر (1-3).---.  أيها المؤمنون. إن هذه أمتكم أمة واحدة، فما ذكره الله من نصر رسله السابقين، وأوليائه الصالحين، هو نصر لأهل الإسلام، في كل زمان ومكان؛ ولهذا فإن النبي  صلى الله عليه  وسلم  صام اليوم العاشر من محرم؛ شكرا لله تعالى أن نصر موسى على فرعون فيه، فإن النبي  صلى الله عليه  وسلم لما قدم إلى المدينة وجد اليهود يصومون هذا اليوم، فسألهم عن سبب صيامهم؟ فقالوا: يوم صالح، نجى الله فيه موسى وقومه، وأهلك فرعون وقومه، فقال  صلى الله عليه  وسلم : «أنا أولى بموسى منهم ،فصامه وأمر بصيامه»+++ أخرجه البخاري (3397)، ومسلم (2714)، وهذا لفظ البخاري، من حديث ابن عباس  رضي الله عنه---. فصوموه أيها المؤمنون؛ شكرا لله رب العالمين، واتباعا لسنة محمد خاتم النبيين  صلى الله عليه  وسلم ، وقد سئل النبي  صلى الله عليه  وسلم  عن صيام عاشوراء؟ فقال  صلى الله عليه  وسلم : «يكفر السنة الماضية»+++ أخرجه مسلم (1162) من حديث أبي قتادة  رضي الله عنه . ---.  فصوموه أيها المؤمنون، واحتسبوا الأجر فيه عند الله تعالى، واعلموا أن من السنة أن يصام معه التاسع لقوله  صلى الله عليه  وسلم :«فإن كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع»، قال فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله  صلى الله عليه  وسلم +++ أخرجه مسلم (1134) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.---.

المشاهدات:19934

 قصةُ موسى عليه السلام

الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.  
أما بعد.
فاتقوا الله، عبادَ الله، واعتصموا بحبلِه المتينِ وكتابِِِِِه المبينِ، فإن اللهَ أنزلَ عليكم الكتابَ العظيمَ لتتدبَّروا آياتِه، وتعتبروا بقصصِه، فإنه كتابٌ عظيمٌ، فيه نبأُ من قبلَكم، وخبرُ ما بعدَكم، وحُكمُ ما بينَكم: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) سورة يوسف (111).
أيها المؤمنون.
إن اللهَ تعالى قصَّ عليكم في كتابِه العظيمِ قصصاً كثيرةً، فيها عبرٌ وعِظاتٌ، وكان من أعظمِِ ما قصَّه اللهُ علينا نبأُ موسى وفرعونَ، فهي أعظمُ قصصِِِ الأنبياءِِ، التي تُذكَرُ في القرآنِِِِ، ثناها اللهُ أكثر من غيرِها، وذكرَها في سورٍ عديدةٍ لينتفعَ منها أولو الألبابِ. 
عباد الله، أيها المؤمنون.
إن مجملَ ما ذكره الله في كتابِه من نبأِ موسى وفرعون أن فرعونَ -ملِكَ مصر- علا في الأرضِ، وجعل أهلَها شيعاً، يستضعفُ طائفةً منهم، هم بنو إسرائيل، يعقوبُ بنُ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ عليهم السلام، علا عليهم فرعونُ، وتسلَّط، يذبِّح أبناءَهم، ويستحيي نساءَهم، فكان من أعظمِ المفسدين في الأرضِ، واللهُ لا يصلحُ عملَ المفسدين، فأخرجَ من هؤلاء المستضعفين، من يبيِّن لفرعونَ سوءَ عملِه، وضلالَ سعيه، فبعث الله موسى عليه السلام، فأوحى إليه وكلَّمه، وناداه: أن يا موسى، إني أنا الله ربُّ العالمين، وأمدّه سبحانه بالآيات، والسلطان المبين، وشدّ عضُدَ موسى بأخيه هارون، فجعله نبياً من الصالحين، ثم أرسله- جلّ شأنه- إلى فرعونَ ليدعوه إلى ربِّ العالمين، فقالَ فرعونُ مستكبِراً معانِداً: وما ربُّ العالمين؟ فأجابه موسى : ﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) سورة الدخان (7). ،فقال فرعون عدو ربِّ العالمين لقومه : ﴿ألا تسمعون﴾ فرد عليه موسى معرِّفاً له باللهِ ربِّ العالمين : ﴿رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) سورة الشعراء (26) فقال فرعونُ :﴿ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) سورة الشعراء ( 27) فأجابه موسى: ﴿ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) سورة الشعراء (28). و ﴿الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) سورة طه (50). و ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53)كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهَى) سورة طه (53-54) .
فلما انقطعت حجةُ فرعونَ، وبانَ له من هو ربُّ العالمين؟ هدَّدَ موسى عليه السلام فقال: ﴿لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) سورة الشعراء (29) فقال له موسى ليقطعَ حجَّتَه، ويقيمَ البرهانَ على صدقِ ما يقولُ: ﴿قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ) سورة الشورى (30) ، فأراه من الآياتِ ما فيه بلاءٌ مبينٌ، فلما جاءتهم آياتُ ربِّ العالمين قالوا: ﴿هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّا) سورة النمل (13-14). ﴿وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) سورة الأعراف (132)  . 
فأصرَّ فرعونُ وقومُه على الكفرِ باللهِ ربِّ العالمين، واستكبروا استكباراً، فأغضبوا اللهَ، ربَّ المشرقِ والمغربِ، ربَّ العالمين، فأوحى إلى موسى ﴿أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ. إِنَّ هَؤُلاءِ﴾ - ؛أي: موسى وقومَه - ﴿لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ﴾ أي: جماعةٌ قليلةٌ ﴿وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (56) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ) سورة الشورى (52 -56) ، فعبَّأ فرعونُ ملِكُ مصرَ جيشَه، وجهَّز جندَه لملاحقة موسى ومن معه من المؤمنين، فخرج فرعونُ وقومُه من مصرَ، أرضِ الجناتِ والعيون والكنوز والمقام الكريم، لقتل موسى ومن معه؛ بغياً وعدواً، فأدركَهم فرعونُ عند البحرِ ﴿قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) سورة الشعراء (61). ؛أي: سيدركنا فرعون وقومه، فقال موسى -وقد وثق بوعد رب العالمين- قال: ﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) سورة الشعراء (62).، فجاءه الوحي من رب العالمين ﴿أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) سورة الشعراء (63). ؛أي: كالجبل العظيم، وسار موسى وقومُه على ما فُتح لهم في البحرِ من طرق، وسلكوا ذاك الشق العظيم، فلم يرتدعْ فرعونُ عن غيِّه، بل مضى وسار بقومِه، فسلكوا هذا الطريق، ولم يؤمنوا بالله رب العالمين، رب موسى وهارون، فلما توسَّطوا بين جبال الماء أطبق الله عليهم الماء، فأُغرقوا أجمعون ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) سورة الدخان (26) ﴿وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ) سورة غافر (45). بما كان يكفرون ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً) سورة غاغر (46) إلى يوم يبعثون ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) سورة النحل (118)  ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ.وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) سورة هود (101 - 102).
فلا إله إلا الله، الملكُ الحقُّ المبينُ، ينصر عبادَه المؤمنين، وينتقمُ من الظالمين المكذبين، فالحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبةُ للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. 
 
الخطبة الثانية 
أما بعد.
فيا أيها المؤمنون.
اتقوا اللهَ تعالى، واعتبروا بمصارعِ الغابرين، وحسنِِِ عواقبِ الصالحين، فإن اللهَ قصَّ عليكم هذه القصصَ لعلَّكم تتفكرون، وعن الشرِّ تنزِعُون، وعلى الطاعةِ تُقبلون، فاقْصُص القصصَ لعلهـم يتفكرون.
عبادَ الله..
إن نصرَ اللهِ لأهلِ الحقِّ آتٍ لا محالةَ، ولكن الله تعالى شرطَ لنصرِه شروطاً، فقال : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ سورة محمد (7). وقال : ﴿والعصر (1) إِنَّ الإنسان لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر﴾ سورة العصر (1-3).
أيها المؤمنون.
إن هذه أمتُكم أمةً واحدةً، فما ذكرَه اللهُ من نصرِ رسلِه السابقين، وأوليائِه الصالحين، هو نصرٌ لأهلِ الإسلامِ، في كلِّ زمانٍ ومكانٍ؛ ولهذا فإن النبيَّ  صلى الله عليه  وسلم  صامَ اليومَ العاشرَ من محرمٍ؛ شكراً للهِ تعالى أن نصرَ موسى على فرعونَ فيه، فإن النبيَّ  صلى الله عليه  وسلم لما قدمَ إلى المدينةِ وجدَ اليهودَ يصومون هذا اليومَ، فسألهم عن سببِ صيامِهم؟ فقالوا: يومٌ صالحٌ، نجَّى اللهُ فيه موسى وقومَه، وأهلك فرعونَ وقومَه، فقال  صلى الله عليه  وسلم : «أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ ،فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ» أخرجه البخاري (3397)، ومسلم (2714)، وهذا لفظ البخاري، من حديث ابن عباس  رضي الله عنه.
فصوموه أيها المؤمنون؛ شكراً لله ربِّ العالمين، واتباعاً لسنةِ محمدٍ خاتم النبيين  صلى الله عليه  وسلم ، وقد سُئل النبيُّ  صلى الله عليه  وسلم  عن صيامِ عاشوراءَ؟ فقال  صلى الله عليه  وسلم : «يكفرُ السنةَ الماضيةَ» أخرجه مسلم (1162) من حديث أبي قتادة  رضي الله عنه .
فصوموه أيها المؤمنون، واحتسبوا الأجرَ فيه عندَ اللهِ تعالى، واعلموا أن من السُّنةِ أن يصامَ معه التاسعُ لقوله  صلى الله عليه  وسلم :«فإن كان العامُ المقبل إن شاء الله صمنا اليومَ التاسعَ»، قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه  وسلم أخرجه مسلم (1134) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما..

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات83550 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات78517 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات72821 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات60769 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات55160 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات52327 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات49605 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات48356 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات44942 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات44254 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف