×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (86) وقل رب زدني علما

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:2853

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلًا ومرحبًا بكم مستمعينا الكرام في بَدْء هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم" الدين والحياة"، والتي تأتيكم عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة.

نرحب بكم في بدء هذا اللقاء، ونسعد بصحبتكم من خلال هذه الحلقة التي تمتد بنا وبكم -إن شاء الله- على مدى نحو ساعةٍ من الآن، في لقاءٍ حيٍّ ومباشر، وأيضًا نقاش ثري معكم أنتم، وأيضًا نسعد بأن يكون معنا دائمًا وأبدًا في هذا البرنامج ضيفنا الذي نسعد به وبصحبته في هذا البرنامج، ونسعد كذلك أيضًا بالترحيب بفضيلته في هذا اللقاء في بدئه، السلام عليكم ورحمة الله، شيخ خالد، ومرحبًا بكم وأهلًا.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك أخي عبد الله، حياك الله، وحيا الله الإخوة والأخوات، المستمعين والمستمعات، وأسأل الله أن يكون لقاءً نافعًا مباركًا.

المقدم: اللهم آمين. مرحبًا بكم فضيلة الشيخ، ومرحبًا بكل المستمعين والمستمعات.

في هذه الحلقة يسعد بصحبتكم من الإعداد والتقديم محدثكم "عبد الله الداني"، ومن التنفيذ على الهواء زميلي: "مصطفى الصحفي".

حديثنا في هذه الحلقة وموضوعنا هو عن قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًاطه: 114. سنتكلم بإذن الله -سبحانه وتعالى- عن: "فضل العلم وتعلمه" في هذا اللقاء.

أرقام التواصل لمن أراد أن يتفاعل معنا في هذه الحلقة ويطرح ما لديه من أسئلة أو مشاركة على الرقم: 0126477117، والرقم الثاني: 0126493028 ، الرقم المخصص لاستقبال رسائل الواتس آب سيكون على الرقم: 0582824040 ، كذلك أيضًا نسعد بتلقي مشاركاتكم وتفاعلكم على هاشتاج البرنامج "الدين والحياة"، وحساب الإذاعة على تويتر "نداء الإسلام".

أهلًا وسهلًا بكل المستمعين والمستمعات معنا في هذا البرنامج.

أهلًا ومرحبًا بكم مستمعينا الكرام في برنامجكم "الدين والحياة"، ونرحب مجددًا بضيفنا وضيفكم الدائم في هذا البرنامج: فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور "خالد بن عبد الله المصلح" أستاذ الفقه بكلية الشريعة في جامعة القصيم، المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم.

شيخ خالد، عندما نتحدث عن أجر هذا المُعَلِّم، وعن فضله، وعن فضل هذا التعليم الذي يتلقاه الإنسان في حياته، سواء ما يتعلق بالتعليم الرسمي أو المنهجي، أو التعليم الخارج عن الإطار المنهجي أو الرسمي كما يُقال، أو كما هو متعارف عليه بين مقاعد أو على مقاعد الدراسة.

 أتحدث عن أجر المُعَلِّم، وفضل هذا العلم وتعليمه، وهذا الفضل الذي يكفي أنَّ الله -سبحانه وتعالى- في فضله إنما بعث نبيه -صلى الله عليه وسلم- مُعَلِّمًا.

وطبعًا هناك الآيات الكثيرة والأحاديث الكثيرة التي تُثْرِي مثل هذا الموضوع في فضله وفي فضل بذله للناس.

في البداية عندما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿رَبِّ زِدْنِي عِلْمًاطه: 114، ما هي الدلالات التي يمكن أن نخرج بها من خلال هذه الآية الكريمة؟

الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فمرحبًا بك أخي عبد الله، ومرحبًا بالإخوة والأخوات مجددًا في هذا اللقاء الأسبوعي الذي أسأل الله تعالى أن يجعله في موازين الأعمال، وأن ينفع به القائل والمستمع.

المقدم: آمين.

الشيخ: أيها الإخوة والأخوات، انطلاقًا من الآية التي عُنْوِنَت بها الحلقة وهي قوله تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًاطه: 114؛ الله -جلَّ وعلا- أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئًا، كما قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًاالنحل: 78، ومن رحمته -جلَّ وعلا- أنْ رَكَزَ في فِطَرِ الناس وخِلْقَتِهِم ما يدعوهم إلى التعلم، وإلى المعرفة التي بها تصلح أمورهم ويدركون بها مصالح معاشهم؛ ولهذا كان من أمر الله تعالى الذي فَطَر عليه الخلق أنْ يسعوا إلى إدراك المعارف التي بها يحصل أصل المعاش؛ لهذا يَخرج الطفل من بطن أمه لا عهد له بطعامٍ ولا بشراب، يخرج على نحوٍ من الفقر والفاقة والحاجة ما لا يمكن أن يُسدَّ إلا برحمة الله -عزَّ وجلَّ- وبما يسَّره من الأسباب التي تكفيه، ومن ذلك تعليمه الرضاع أول ما يكون، ثم بعد ذلك تعليمه ما يحتاج إلى تعلم تَدَرُّجًا حتى يكتمل في معرفة مصالحه التي بها يحفظ حياته، ويُدْرِك بها مصالح معاشه.

وهذا الجانب من جوانب العلم هو كسبي من جهة الممارسة، والتلقي، والأخذ عن البيئة والمحيط الذي يدرك به الإنسان منافعه ومصالحه؛ ولهذا لا خصوصية للإنسان في هذا الجانب فيما يتعلق بالجانب المعاشي، فالناس بل الحيوان على وجه الإجمال يدرك من مصالح معاشه بالفِطْرة، والجِبِلَّة، وما فطر الله تعالى عليه الخلق من طلب مصالحهم، والنأي عن كل ما يضرهم.

ففي سورة الأعلى التي نستمع إليها في كل جمعة يقول الله تعالى في ذكر ما يكون من تدبيره للخلق؛ قال: ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىالأعلى:2-3.

قوله تعالى: ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىالأعلى: 3، يُشِير إلى ما يتعلق بجانب إدراك المصالح من الخلق كافة، وليس فقط من الإنسان، بل من كل الخلق الذين خلقهم الله -عزَّ وجلَّ-، فإن عندهم من السعي في إدراك مصالحهم ما يدركون به كل سبل الخير والشر، حتى البهائم، وهكذا قال المفسرون.

﴿فَهَدَىالأعلى: 3، قال: هدى الإنسان لسبيل الخير والشر، والبهائم للمراتع، يعني للأماكن التي تطلب فيها ما يُقِيتُها ويعيشها.

فهذا الجانب جانب ما يتعلق بالمصالح البشرية الخلقية الحياتية مما فطر الله تعالى عليه الناس، وبقدر ما يبذلون من الجهد والعمل يحصل التميز؛ ولذلك الإنسان فاق سائر المخلوقات فيما يتعلق بمأكله، فيما يتعلق بمشربه، فيما يتعلق بملبسه، فيما يتعلق بانتقاله، فيما يتعلق بتسخير ما في السماوات والأرض لمصالحه. واكتمل هذا على صورة لا نَعْهد لها -فيما نعرف من التاريخ البشري الذي سُطر- نظيًرا في هذا العصر الذي تقدم فيه الإنسان تقدمًا واسعًا في تسخير الخلق لتحقيق مصالحه، فأصبحت تنقلاته سريعة، ومعاشه هنيئا، وليله كنهاره في الإضاءة، وما إلى ذلك من الأوجه التي يتنَعَّم بها الناس في كل أرجاء المعمورة على اختلاف أنصبتهم في ذلك سعة وضيقًا.

إذن الجانب المتعلق بالعلم الحياتي، العلم المعاشي جانب يدركه الناس بفطرتهم وما جَبَل الله تعالى عليه الخلق من الإنس والجن والحيوان وسائر المخلوقات.

والتفوُّق فيه على قدر ما يُفْتَح فيه لهؤلاء من المعارف التي يبزّون بها غيرهم، وعلى قدر ما يُعطونه من القدرات والقوات.

فالله -عزَّ وجلَّ- خلَق وفَرق، فأعطى الإنس من القدرات ما لم يُعْطِ غيرهم من الخَلْق، وأعطى الجن من القدرات ما لم يُعْطِ غيرهم من الخلق، فبقدر حسن استعمال هذه القدرات يطيب المعاش، فيما يتعلق بالجانب الحياتي المعيشي.

أما ما يتعلق بالجانب الآخر، وهو ما يتصل بالروح واستقامة أمر هذا المعاش في انتظام أمره وإدارة مصالحه، فهذا مما جاءت به الشرائع، وعلَّمه الله تعالى الرسل وبعثهم به؛ ليصلحوا معاش الناس ومعادهم؛ ولهذا كانت مرتبة هذا النوع من العلم أرفع من مرتبة العلم الأول، علم المعاش والحياة؛ لأن هذا النوع من العلم تنضبط به الصِّلات فيما يتعلق باستعمال والانتفاع من العلوم الحياتية، وأيضًا يمتد نفعه إلى ما بعد ذلك فيما يتصل بالمعاد.

أما ما يتعلق بعلم المعاش فهو ينتهي نفعه بموت الإنسان، فالإنسان إذا مات لا يصطحب معه صاروخًا، ولا يصطحب معه جوالًا، ولا يصطحب معه أي نوع من أنواع المنتَجات التي تُسَهِّل حياة الناس ويدركون بها مصالحهم.

المقصود من هذا الحديث: أنَّ العلم هو مما جَبَل الله تعالى النفوس عليه، الرغبة في العلم شيء لا تستقيم الحياة إلا به؛ ولهذا بقدر ما يأخذ الناس بأنواع هذه العلوم، سواء كانت العلوم الحياتية المعاشية الدنيوية، أو العلوم الروحية القلبية الدينية الشرعية، بقدر ما ينالون من الكمال الحياتي، من الكمال في الدنيا، ومن الفوز في الآخرة، من السعادة في الدنيا ومن الفوز في الآخرة.

فتقصير الإنسان في جانب من جوانب العلم هذا أو ذاك، العلم المعاشي وعلم الدنيا والحياة، أو العلم الديني، العلم الشرعي الذي يعرف به الإنسان غاية الوجود، يعرف به حق الله -عزَّ وجلَّ- عليه، يعرف به حقوق الخلق، يُقيم به الشرائع، يُقيم به أداء ما يجب من حقوق، هذا وذاك به تكتمل الحياة، وبه تصلح.

الآية الكريمة التي جاء فيها أمر الله -عزَّ وجلَّ- رسوله -صلى الله عليه وسلم- يأتي بأن يطلب المزيد من العلم؛ لأن الله -عزَّ وجلَّ- يقول لرسوله في هذه الآيات: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًاطه: 114، هذا أمرٌ من الله -عزَّ وجلَّ- لرسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يقول هذا القول.

فيقول له: ﴿وَقُلْ﴾ أي: يا محمد. ﴿رَبِّ﴾ أي يسأل الله -عزَّ وجلَّ- ﴿زِدْنِي عِلْمًا.

فهو عنده علم، لكنه يطلب الرِّفْعَة فيه، عِلْم يطلب الترقي فيه، عِلم يطلب الاستكثار منه، فما هو هذا العلم الذي أمر الله -عزَّ وجلَّ- رسوله أن يزيده منه وأن يفتح عليه فيه؟

لا شك بلا ريب أنه العلم بالله، والعلم بالطريق الموصل إليه.

وهذان العلمان هما قِوام سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، فبقدر ما يحقق من هذين العلمين: العلم بالله، والعلم بالطريق الموصل إلى الله -كيف يصل إلى الله؟- بقدر ما يُحقق من سعادة الدنيا والآخرة.

ولا يعني هذا أن بقية العلوم ليست محلًّا لطلب زيادة، بل العبد مأمور أن يستزيد من خير الدنيا والآخرة، لكن عندما نتكلم عن العلم الذي جاء الأمر بالدعاء، الأمر للنبي -صلى الله عليه وسلم- أن يسأله ربه وأن يزيده منه، هو بالتأكيد لهو العلم الطريق الموصل إليه.

وقد امتنَّ الله تعالى على البشر بمنَن عظيمة، أو بِنِعم كثيرة، لكن ليس ثمَّة نعمة امتنَّ الله تعالى بها على الناس تبلغ منزلة العلم بالقرآن؛ ولهذا كان أول ما ذكره الله تعالى من المِنَح التي منَّ بها على الإنسان أن علمه القرآن، في سورة الرحمن قال: ﴿الرَّحْمَنُالرحمن: 1، وهي السورة المتضمنة لألوان من المنح والنِّعم، والفضائل، والهبات، والعطايا الخلقية والكونية، الدينية والدنيوية، يقول الله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَالرحمن:1-3

انظر قدَّم تعليم القرآن على الخلق؛ لأنه بالخلق دون العلم ليس ثمَّة تميز، ولا هناك سمو، ولا هناك ما يوجب المدح والفضل، بل المدح والفضل فيما يُعْمَرُ به هذا الفؤاد، فيما يسكن نفس الإنسان من هذه المعارف، وينطق بها لسانه؛ ولذلك قال: ﴿عَلَّمَهُ الْبَيَانَالرحمن: 4.

فهذه الآية التي تخص امتنان الله -عزَّ وجلَّ- على الإنسان كانت في تعليمه القرآن الذي به يصلح باطنُه؛ وقدَّم ذلك لأنه الأصل، ثم بتعليمه البيان الذي يَجمُل به ظاهره؛ ولذلك أخَّره لأن جمال الظاهر العاري عن جمال الباطن لا ينفع الإنسان شيئًا.

بهذا يُعْلَم أنَّ الفوز والسبق والنجاح في العلوم هو فيما يبني الإنسان.

النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان من أعظم الناس بذلًا للعلم، ومن أعظم الناس قيامًا بدلالة الخلق على ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وكان في ذاته حريصًا على الاستكثار من الخير.

جاء فيما رواه ابن السُّنِّي بإسنادٍ لا بأس به، من حديث أم سلمة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم-كان يقول كل صباح.. وأنا أقول: اسمعوا أيها الإخوة والأخوات، أيها المستمعون والمستمعات، من المعلِّمين والمتعلِّمين، ومن سائر البشر، ولو لم يكن دارسًا أو طالبًا، فالعلم لا علاقة له بمدرسة يأوي إليها، المدارس هي منافذ، وهي محاضن للتعليم، والتربية، والإعانة على إكساب مفاتيح العلم، لكن العلم لا يقتصر عليها، بل هي دُور تُعطيك المفاتيح وتفتح لك الطريق للسمو وخوض ثمار المعرفة ونيل ما تُؤمِّل مما ترغب فيه من العلوم والمعارف؛ لذلك هذه الكلمة ينبغي أن يعيها كل أحد، متعلم، معلم، أم في بيتها، أب في مكتبه أو في مشغله، عامل، مهندس، طبيب، طالب علم شرعي، أُمِّي لا يقرأ ولا يكتب، كلنا نحتاج إلى أن نقف عند هذا الدعاء الذي كان يفتتح به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومه وصباحه: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَعَمَلًا صَالِحًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا».[ابن ماجه في سننه:ح925، وأحمد في مسنده:ح26521، وقال الهيثمي في المجمع: رجاله ثقات:ح16976]

هذه الثلاث دعوات كان يدعو بها رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في كل صباح يفتتح صباحه -صلى الله عليه وسلم- بهذه الدعوات التي تبيِّن مفاتيح النجاح في كل يوم من الأيام، فمفاتيح النجاح في كل لحظاتك هي أن تفوز بهذه المفاتيح الثلاثة، الِهبات الثلاث، العطايا الثلاث، التي يطيب بها المعاش ويُدْرك بها الإنسان الخير بجوانبه.

عندنا العلم النافع به يُدرك الإنسان مصالح الدنيا والآخرة؛ ولذلك جاء بعده شيئان:

الشيء الأول: الأرزاق، والشيء الثاني: الأعمال.

الأرزاق تُكْتَسب بالعلوم، والأعمال ثمرات العلوم؛ فلذلك ينبغي للإنسان أنْ يستحضر أنَّ العلم ليس أمرًا يأخذه لأجل تكميل، أو لأجل نيل مصلحة محدودة.

الحياة كلها بناؤها على العِلم، بقدر ما تتميز أنت وأنتِ بالعلم الذي تُتْقنه، سواء كان في علوم الشريعة أو في علوم الدنيا بقدر ما تنال من المصالح، بقدر ما تُدرك من السَّبْق، بقدر ما تُدرك من العلو والارتفاع؛ ولهذا ذكر الله تعالى علو المراتب والمنازل بأمرين: بالإيمان، وبالعلم.

يقول الله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌالمجادلة: 11.

فجدير بنا ونحن في بدايات عام دراسي جديد أن نستشعر هذه المعاني، وأن نُشيعها بين أنفسنا، وإخواننا وأخواتنا، وأبنائنا وبناتنا، وفي إعلامنا، وفي سائر منصات التأثير ومراكز الخطاب؛ لأجل أن يبذل كل أحد مِنَّا وسعه في الاستزادة، على أنه ينبغي أن نُدرك أن العلوم ليست مقصورة على ظرف، ولا على مكان، ولا على زمان، بل هي في كل الأحوال، ومع هذا بقدر ما يَبْذل الناس من الجهد في التحطيم فالعلم كثير، ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًاالإسراء: 85.

نسأل الله أن يفتح لنا فتوح العارفين، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح.

المقدم: اللهم آمين. جميل أن يذكَّر أيضًا المعلمون والمعلمات بمثل هذه الفضائل؛ ليعرفوا أهمية الدور الذي يقومون به، وكذلك أيضًا يذكِّروا الأبناء من الطلاب والطالبات بفضل ما يُقْدِمُون عليه، وفضل ما يتلقونه من العلم، بأن يُسخروه في خدمة هذا الدين العظيم وفي خدمة هذه الأمة، وبأن يُرَسِّخوا في نفوسهم أنَّ ما يتلقونه من العلم يجب عليهم أن يؤدوا زكاته بالعمل بهذا العلم، وكذلك أيضًا ببذل العلم ونشره إلى الآخرين حتى يشيع العلم بين الناس. وأفضل هذه العلوم هو العلم بالله -سبحانه وتعالى-، وكما قيل: "من كان بالله أعْرَف كان منه أخوَفْ".

فخير ما يُتَلَقى هو العلم عن الله -سبحانه وتعالى- والعلم عن الطريق الموصل إليه كما تفضلتم فضيلة الشيخ في هذا اللقاء.

نذكِّر مستمعينا الكرام بأننا متواصلون معهم في هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة" مع ضيفنا: فضيلة الشيخ الدكتور "خالد بن عبد الله المصلح" أستاذ الفقه بكلية الشريعة في جامعة القصيم، المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم.

حديثنا أيضًا مستمر عن قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًاطه: 114

نتحدث عن: "فضل العلم وتعلُّمِه وبذله للناس".

وأيضًا أرقام التواصل لمن أراد أن يتواصل معنا في هذه الحلقة بالاتصال على الرقم الأرضي: 0126477117 ، والرقم الآخر: 0126493028.

ورقم الواتس آب: 0582824040

ويمكنكم كذلك مشاركتنا بالتغريد على هاشتاج البرنامج "الدين والحياة"، أو حساب الإذاعة على تويتر "نداء الإسلام".

استأذنك يا شيخ خالد بفتح باب الاتصالات للمستمعين، نأخذ بعض الأسئلة، ثم أيضًا نواصل حديثنا في هذا الموضوع.

الاتصال الأول، أم سارة، تفضيلي يا أم سارة.

المتصلة: السلام عليكم.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله.

المتصلة: تقبل الله منا ومنكم، وبارك الله فيكم.

المقدم: اللهم آمين.

المتصلة: لو سمحت بس أنا عندي أسئلة أبغي حكمًا شرعيًّا فيها، يعني ما هو تبع الحلقة ممكن؟ فيه مجال؟

المقدم: إذا كان باختصار حتى نتيح الفرصة الأكبر لموضوع الحلقة.

المتصلة: طيب، إن شاء الله، طيب لو سمحت يا شيخ، لو شفت بالكويت أخ  بمصر، حولوا المبلغ من الدينار الكويتي، وليكن أربعمائة دينار إلى ما يعادله بالعملة المصرية، وليكن بثلاثة أو أربعة آلاف من العملة المصرية، فالآن قيمة العمل المصرية انخفضت، فأصبحت الأربعمائة دينار وصلت إلى ستة آلاف ممكن، بس هاي استلم المبلغ بأربعة آلاف جنية مصري، فكيف يرده الآن؟ هل يرده أربعمائة دينار، يعني بما يعادل أربعمائة دينار، أي ستة آلاف، أم أربعة آلاف كما استلمها منه؟

المقدم: طيب واضح السؤال يا شيخ خالد؟

الشيخ: والله أنا أقول: إن مثل هذه الأسئلة خارجة تمامًا عن موضوع الحلقة، فالأخت تتصل بالهاتف.

المقدم: طيب، لعلك -إن شاء الله- تتواصلين مع الشيخ إن شاء الله، مع الإخوان في الكنترول يزودونكم برقم الشيخ، فتواصلي معه لطرح بقية الأسئلة خارجة عن موضوع حلقتنا هذه.

شكرًا أم سارة. شكرًا لك.

الاتصال الثاني مصطفى. شيماء من مصر، تفضلي يا أخت شيماء.

المتصلة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

المتصلة: كل عام وأنت إلى الله أقرب وعلى طاعته أدوم.

المقدم: اللهم آمين.

المتصلة: ربنا يتقبل منكم يا رب العالمين.

المتصلة: أنا عندي سؤالان وطلب.

المقدم: في إطار الحلقة، في موضوع الحلقة؟

المتصلة: في إطار الحلقة إن شاء الله.

المقدم: تفضلي باختصار شيماء.

المتصلة: ما حق المعلم على المتعلِّم، وما حق المتعلِّم على المعلم؟

ده أول سؤال.

السؤال الثاني: عايزين رسالة من الشيخ، من فضيلة الشيخ -ربنا يرضى عنه يا رب، ويكتب له السعادة في الدنيا والآخرة- يحث فيها المسلمين على حضور حلقات العلم. التعلُّم المباشر له فضل عظيم، عايزين الشيخ يوجهنا ويرشدنا إلى ذلك.

المقدم: طيب، شكرًا لك. طيب لعل لها طلبا، الأخ مصطفى يمكن تتلقى الطلب، وإن شاء الله نلبيه لها.

الاتصال الثالث يا مصطفى؟

محمد بن مسعود، تفضل يا أخ محمد.

المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله، تفضل أخي محمد.

المتصل: الحقيقة الشيخ -جزاه الله خيرا- كفَّى ووفَّى وما ترك لي مجالًا. والعلم في الحقيقة هو الرفعة، ومن أراد الرفعة ومن أراد العز ومن أراد القوة فبالعلم، فعليه بالعلم.

ذكرتم الآية: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًاطه: 114 الله -سبحانه وتعالى- لم يأمر نبيه بالتزوُّد إلا بالعلم، ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا.

وأيضًا ذكرتم أن قول الله -عزَّ وجلَّ-: ﴿الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَالرحمن: 1-2

﴿عَلَّمَ﴾ يعني ما قال: أقرأ القرآن، ﴿عَلَّمَ الْقُرْآنَ.

فهنا يعني الكثير منا يهتم بالقراءة فقط، فلعل الشيخ أيضًا يُذَكِّر بتدبر القرآن، والعمل به، والنظر بالآيات، وأخيرًا أقول: الإخلاص، الإخلاص. يعني الذي يبلغ العلم الشرعي إذا لم يُخْلِص قد يكون القارئ الذي أول ما يدخل النار.

وأيضًا قد الكافر يُخْلِص العلم الدنيوي، يعني قد يتعلم عن الكون فيُسْلِم يعني سبحان الله.

المقدم: طيب، جزاك الله خيرًا أخ محمد على هذه اللفتات.

المتصل: أثابكم الله.

المقدم: شكرًا جزيلًا. وإياك.

شيخ خالد، هل هناك نقاط معينة تريد أن تأتي إليها ونجيب عن الأسئلة بشكل سريع.

الشيخ: على كل حال يعني.

المقدم: هو السؤال كان: مسألة حق المُعَلِّم على المتعلم والعكس يا شيخ.

الشيخ: حق المعلم على المتعلم، الشريعة تأتي لرعاية الحقوق وحفظ الآداب، ذِكْر هذه الحقوق على وجه التفصيل يستوعب وقتًا، لكن في الجملة لاشك أن المُعَلِّم له من المنزلة والمكانة ما ينبغي أن يُبْرَز ويُظْهر؛ لأن التعليم مهمة شريفة، وليست مقصورة فقط على التعليم الشرعي يا أخي، هذا في كل العلوم، وفي كل من يدلك على ما ينفعك في دينك ودنياك، نوع من الفضل والإحسان الذي يستوجب أن يُقابَل بتقديرٍ واحترامٍ وإحسان. ﴿هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُالرحمن:60.

وأنا أضرب لهذا مثلًا يا أخي: الآن أخي الكريم عبد الله، وأنت أيها الأخ الكريم المستمع، وأختي المستمعة، لو الإنسان مثلًا ضل طريقًا ولم يعرف كيف يصل مثلًا إلى الشارع الفلاني، أو المكان الفلاني في مدينة، أو المدينة الفلانية؛ فسأل قال: كيف أصل إلى كذا؟ فجاء شخص وقال: تصل من طريق كذا، وتمشي كذا، ووصف له، هذا تعليم أو ليس تعليمًا؟ هذا تعليم، طبعًا كثير من الناس ما يعدون هذا تعليمًا؛ لأنه يعني قد يحصرون التعليم فقط في صورة محدودة وهي التلقي والتلقين.

التعليم أوسع من ذلك، التعليم يشمل، والتعلم والمعلم يشمل كثيرًا من المواقف التي نمر بها ونحن لا نشعر، قد نتعلم من أطفالنا، قد نتعلم مِمن يراهم الإنسان أنهم ما حصَّلوا علمًا، وما إلى ذلك، فنحن نتعلم في كل ذلك. وهو في حق المعلم: كل من علَّمك شيئًا فحقه أن تُحْسن إليه؛ لأن التعليم إحسان، لما يدلك شخص على طريق تقول: الله يجزيك خيرًا، شكرًا لك، ما قصرت، بيَّض الله وجهك، وما أشبه ذلك من كلمات الثناء والدعاء التي تُشْعِر بالرضا والامتنان لفعله.

فمثله كذلك كلما عَظُم قدر المعرفة عظُم قدر الفضل والإحسان، فالذي يعلِّمني كيف أكتسب رزقي، كيف أصنع، كيف أعمل، له فضل عليَّ.

 الذي يعلمني كيف تصلح دنياي له فضل عليَّ، الذي يعلمني كيف تصلح دنياي وآخرتي فضله عليَّ أعظم وأكبر، وهكذا تتفاوت مراتب حقوق المعلمين على قدر ما يكون من منزلة العلم الذي تلقيته عندهم.

وفي الجملة: نحن مدينون بالفضل لكل من علَّمنا، ولا بد أن نذكرهم بالجميل، وأن نحفظ فضلهم وإحسانهم، ولو تباعد الزمان ومضت الأيام فإن فضل المعلم ينبغي أن يكون قائمًا.

ما يتعلق بالمعلم، يعني المعلم أيضًا ينبغي أن يكون رفيقًا، رحيمًا، بصيرًا بما يُصْلِح المتعلم، ناصحًا له، وقائمًا بكل ما يستطيع في السمو به والعلو والارتفاع؛ لأن المتعلم قد منحك أثمن ما فيه، منحك عقله وهو أثمن ما فيه، فهمه، ذهنه، قلبه، فاحرص على أن تُسْكِنَه من المعارف والعلوم ما ينفعه.

احرص على أن يكون بصمة نور، بصمة نفع، بصمة بناء، ونقول: لو استشعر إخواننا وأخواتنا المعلمون والمعلمات هذه الجوانب لتلذذوا بالتعليم.

الآن يعني الواقع أنه مع كثرة ما قد يعانيه بعض المعلمين، يعني بعض الترتيبات الإدارية والتنظيمات المهنية، قد يمل، يشعر بثقل العملية التعليمية؛ لما أُدْخِلَت بها من أمور لا بد منها وتقتضيها المصلحة، ويُحتاج إليها لضبط الأمور، فيزهد في روح وظيفته، وهو ترك بصمات ما تُنْسَى.

يا أخي، الآن أنا أقول للإخوة والأخوات، ولنا جميعًا المستمعين والمستمعات: كل واحد منا مر بالتعليم، مر عليه عشرات المدرسون والمدرسات ذكورًا وإناثًا، أنت في نهاية المطاف عندما تقف على عتبة التخرج أو تخرجت أو الآن بعدما تخرجت تذكر أن فلانًا في المرحلة الابتدائية كان -وقد ما تذكر اسمه- لكن قد تذكر فعله جميلًا، صنعه جميلًا، وفلان، وفلان، ما زالت ثمَّة مواقف، هذه المواقف أثَّرت طبعًا في نفسك تأثيرًا، سواء التأثير قد يكون إيجابيًّا، وهذا هو المأمول، وقد يكون تأثيرًا سلبيًّا، وهذا في الجانب الآخر الذي ينبغي أن يتحاشاه كل من يتولى عملية التعليم.

استحضار المعلم أنه يبني أرواحًا، يبني نفوسًا، يبني أفكارًا، يبني أُمَّة، يبني جيلًا، يشارك في صناعة وطن، يشارك في صناعة إنسان نافع، لا شك أن ذلك سيعود عليه بالاحتساب، احتساب الأجر، الصبر في التعليم، بذل الجهد في الارتقاء وأداء المهمة على أكمل وجه، الفرح بالنتائج وتلمُّس الثمار، هذه كلها جوانب لها تأثير فيما يتعلق بحق المعلم وحق المتعلم.

أسأل الله أن يعين الجميع على ما فيه الخير، وأن يسددنا في القول والعمل.

المقدم: آمين. جميل. مسألة حضور حلقات العلم لعلكم أشرتم إليها في بداية الحلقة فيما يتعلق بفضل العلم والتعلم.

الشيخ: ما فيه شك أنه العلم لا ينحصر في مدرسة، ولا في حلقة، ولا في كتاب، العلم هو أكثر من ذلك، العلم كما قيل: "إن أعطيته كُلَّك نِلْت بعضه، وإن أعطيته بعضك لم تنل منه شيئًا"، وهذا في كل العلوم والمعارف؛ ولهذا المبرزّون في كل العلوم، سواء العلوم العربية، العلوم الشرعية، العلوم الاجتماعية، العلوم الطبيعية، بقدر ما يبذلون ويجتهدون ينالون.

المقدم: يعني زرعًا وحصادًا.

الشيخ: وأقول اليوم لأبنائي وبناتي، وإخواني وأخواتي المعلمين والمعلمات: هذه الفكرة لا بد أن تشيع بيننا جميعًا، اليوم أنت وزنك بقدر ما يكون عندك من المعرفة والعلم والإتقان في المجال الذي تخصصت فيه؛ ولهذا عندما يسألني بعض الشباب والسائلين: أي تخصص أدخل، أدخل كذا أو كذا أو كذا؟ يعني أحيانًا أقول: ادخل ما شئت من التخصصات، لكن ثق تمامًا أنه لو دخلت أفضل تخصص ولم تتقنه فلن تكون شيئًا، وإذ دخلت أقل تخصص، فرص وظيفية على سبيل المثال، لكنك أتقنت، فقد تكون متفوِّقًا على غيرك من أصحاب التخصصات النادرة؛ فلهذا ينبغي أن نسعى إلى الإتقان.

وأنا أقول: البناء العلمي والبناء المعرفي يحتاج أن نبدأه خطوة بخطوة من أول المراحل، أن نشيع في أنفس أبنائنا وبناتنا، طلابنا وطالباتنا روح حب المعرفة، الذهاب إلى المدرسة ليس نزهة، الذهاب إلى المدرسة ليس تمضية وقت، الذهاب إلى المدرسة ليس لأجل أن يقضوا أول النهار وترتاح منهم البيوت من إزعاجٍ كما يصوره بعض الناس، الذهاب للمدرسة هو بناء، هو عملية، مثلما تبني بيتًا أنت تبني إنسانًا، وهو هذا البناء ستجني ثماره، فبقدر الإتقان في بنائك وتأسيسك وتقعيدك بقدر ما تجني ثمارًا مباركة في الشخص نفسه، وفي محيطه الضيِّق؛ أسرته، وفي محيطه الواسع؛ مدينته، وفي محيطه الأوسع؛ وطنه، وفي محيطه الأوسع؛ أمته، وفي محيطه الأوسع؛ العالم.

المقدم: جميل.

الشيخ: أسأل الله أن يجعلنا بذور خير، وأن يباركنا، ويبارك لنا، وأن يوفِّق أبناءنا وبناتنا إلى ما يحب ويرضى من العلوم والمعارف.

المقدم: اللهم آمين. أيضًا من الأسئلة مسألة التركيز وحث الأبناء على.. وكذلك أيضًا ربما القائمين بالعملية التعليمية على الإخلاص؛ لأن الإخلاص ما دخل في عملٍ قليلٍ إلا كثَّره وعظَّمه، وما نُزِع من عملٍ ولو كان كبيرًا إلا حقره وصغره.

الشيخ: بالتأكيد، الإخلاص له تأثير كبير، وهو مهم وفي غاية الضرورة في العلوم الشرعية، وأما العلوم الحياتية فهذه ليست قُرْبة لله -عزَّ وجلَّ- في أصلها.

المقدم: مما يُبْتَغى به وجه الله.

الشيخ: إنما النيَّة فيها تفيد أن يكون العمل مَثوبًا عليه، يعني عندما أنا أدرس مثلًا طِبًّا، وفي نفسي.. يعني أنا أعجبني مرة يا أخي.. ركبت مع شاب من خلال أحد التطبيقات التي ينقلون الناس في المشاوير، قلت: من متى تشتغل في هذه الشغلة؟ قال لي: أسبوع. قلت له: أنت قبل كده ماذا كنت تشتغل؟ قال لي: أنا طالب طب امتياز وتخرجت، والآن على إقبال الوظيفة. أنا أكبرته جدًّا أنه لم يقعد في بيته جالسًا ينتظر وظيفته، مع أنه تخصص نادر، وتخصص لا يكون إلا من في الغالب أهل التميز؛ لأنه القبول فيه صعب، والوصول إلى الغاية فيه أيضًا ليس باليسير.

المهم أنه لفت نظري إلى قضية مهمة، قال: أنا لو لم يكن في الطب إلا أني أحتسب عند الله أني أزور مريضًا وأنفع مريضًا في كل يوم عندما أزور المرضى وأَمُر عليهم في نيَّتي أني أساعد مريضًا، أنا في عيادة عمل صالح عبادة. لكن من يستحضر مثل هذه النوايا في مثل الأعمال اللي هي أعمال دنيوية، يعني هو يجني منها كسبًا، لكن حوَّلها إلى عبادة وضعها بأيش؟

المقدم: بالنِيَّة.

الشيخ: بالنية الصالحة؛ ولهذا بقدر ما يحقق الإنسان من سلامة القصد وحسن النية، يُدرك من الأجر والفضل وخير الدنيا والآخرة.

فمسألة الإخلاص فيما يتعلق بالعلوم الشرعية، أن يكون العلم لله، يقصد رفع الجهل عن نفسه، ويقصد نفع الناس ودلالتهم على الخير.

في العلوم الدنيوية ما فيه يعني عبادة بالعمل ذاته، فلو لم ينوِ بالطب إلا كسب المال ما عنده مشكلة، لو لم ينوِ بالهندسة إلا أنه يُدْرِك مرتبة ومركزًا كويس، ودخلًا جيدًا ما عنده مشكلة، لكن لا يمكن أن يُقْبل هذا في الذي يدرس العلوم الشرعية؛ لأنه يكون قد أراد بما يُراد به الله -عزَّ وجلَّ- الدنيا؛ وبذلك يخسر الأمرين، لكن هذا الذي في العلوم الشرعية إذا دَرَسَها مُخلِصًا لله -عزَّ وجلَّ- وقال: إن هذه الدراسة لا يُنال النفع إلا من طريق هذه المدارس، وهي أيضًا منظَّمة، والتعليم فيها وفق آلية أجود، وما إلى ذلك هذا نيته -إن شاء الله- طيبة ولو حصل شهادةً ولو توظف بذلك.

المهندس مثلما ذكرت والطبيب إذا نوى بذلك نفع الناس، وخدمة إخوانه، وكفاية الأمة، ونفع الوطن ببذل الجهد في رُقيه وتنميته نال بذلك أجرًا أُخرويًّا إضافةً إلى ما يجنيه من مكاسب دنيوية.

المقدم: جميل، أحسن الله إليكم.

أيضًا ربما نوجه بعض الرسائل التي تكون ضمن هذه المحاور أو المحور الأساسي لنا في هذه الحلقة عن"فضل العلم والتعلم"، في مثل هذا اليوم الذي أيضًا يبدأ فيه الطلاب عامهم الدراسي الجديد، ولعلها فرصة أيضًا أن تُوَجَّه رسالة إلى الأُسر فيما يتعلق بحثّ أبنائهم على أن يكون مسألة التعليم أن تكون بالنسبة لديهم غايةً لا مجرد وسيلة، وكذلك أيضًا ربما يدفع عنهم هذه الرسائل السلبية التي يُشيعها البعض عبر الوسائل المختلفة بقصدٍ أو بغير قصد فيما يتعلق أحيانًا بازدراء المدرسة، أو التعليم، أو غير ذلك مما له صلة بالتعليم.

الشيخ: مُلخص النقطة لو سمحت؟

المقدم: الحديث عن مسألة حث الأبناء على فضل العلم، وحماية أو تجنيب الأبناء هذه الوسائل السلبية.

الشيخ: طبعًا هي لا شك الحقيقة أنه وسائل التواصل بشتى صُوَرها أحيانًا يتداول الناس فيها ما يكون سببًا لإجهاض الجهود التي يبذلها الآباء، ويبذلها المعلمون، وتبذلها الدولة، وتبذلها الجهات التعليمية، في حث النفوس وتشجيعها على الإقبال على عامٍ دراسي حافل بالعطاء، والتلقي، والانتفاع، والبذل الذي يرتقي بالأمة.

يا أخي، كل الأمم لا تنال رُقيًّا ولا تميزًا لا بجودة ملابسها، ولا بجودة مراكبها، ولا بجمال بُنْيَانِها، إنما بسواعد أبنائها وبناتها، وعِلْم أبنائها وبناتها، هذا الذي تتميز به المجتمعات، وبه ترتقي؛ لأن تلك تُشْتَرَى، لكن الأرواح، والنفوس، والإنسان الصالح، لا يمكن أن تستورده؛ ولهذا من المهم أن نُجنِّب مجتمعنا، وأن نكون واعين فيما نتداوله من نقاط، أو من مقاطع تكون تأثيراتها سلبية، تدعو إلى الكسل، وتدعو إلى غير ذلك من المعاني الرديئة التي ينبغي أن نتكاتف جميعًا في وقاية المجتمع ووقاية الناس منها.

وأعجبني الحقيقة هذه الحَفاوة في هذا العام الدراسي من جهات عديدة شاركت الطلاب والطالبات في بداية العام الدراسي بأنواع من المشاركات المُشَجِّعة التي أشعرتهم بقيمة ما نحن فيه.

المقدم: على مستوى أمراء المناطق يا شيخ خالد.

الشيخ: وعلى مستوى الأمراء، ثم أمراء المناطق، وكذلك على مستوى رجال الأمن، وتصريح الناطق الرسمي الذي نشرته وزارة التعليم حول كلمات طيِّبة فيما يتعلق ببداية العام الدراسي، الخطب في المساجد وبيان أهمية التعليم ودور التعليم وما إلى ذلك، الإعلام في بعض جوانبه أدى رسالة في هذا الجانب، كل هذا مما يُعَزِّز قيمة التعليم، يعزز قيمة المعرفة، يعزز ضرورة العناية والجدية في البداية التعليمية.

وأنا أقول: يعني من خلال المشاهدة اليسيرة أنه أشعر أنه هذا العام ثمة اختلاف في بدايته عن الأعوام السابقة، اختلاف إيجابي، اختلاف نوعي من حيث النشاط، من حيث الإقبال، من حيث الحماس. وأسأل الله تعالى أن يحسن العاقبة للجميع، وأن يجعلنا في هذا البلد المبارك المملكة العربية السعودية من علوٍّ إلى أعلى، وأن يبارك في قيادتنا، وأن يسددهم في الأقوال والأعمال، وأن يرينا في مجتمعنا وأبنائنا وبناتنا وإخواننا وأخواتنا ما يسرنا.

المقدم: اللهم آمين. أيضًا من الأمور التي ربما ينبغي أن يُذكَّر بها الأبناء فضل ما يقومون به بدل أن يكون الأمر مجرد روتين يذهبون إلى المدارس يوميًّا أو بالنسبة للمعلمين كذلك، فمن هذه الأحاديث التي تبيِّن فضل العلم قول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: «وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ».[صحيح مسلم:ح2699/38]

تحدثنا عن فضل هذا العلم، وفضل التعليم، وأيضًا فضل ما ينتج عن هذا العلم من ثمرات، ويكون كالصدقة الجارية تجري للإنسان حتى بعد موته بما بذله من علمٍ، سواء فيما يتعلق بالعلم الذي يتعلق بعلوم الشريعة، وحتى بالعلوم الدنيوية إذا قصد بها وجه الله سبحانه وتعالى، وكان من الآثار فيها من آثار ما ينفع الناس في دينهم ودنياهم.

ربما نختم يا شيخ خالد أيضًا بمسألة التفريط في الحقوق، وهو رسالة يكون فيها نوع من التذكير بمسألة الحفاظ على الحقوق، وخطورة -أيضًا- هذا التفريط الذي قد يحصل، وهو إن شاء الله أمرٌ نادر.

الشيخ: يعني بالتأكيد أن التعليم أمانة حتى يكون حديثنا في سياق موضوع الحلقة، التعليم أمانة. ومُقْتَضى هذه الأمانة أن يؤديها الإنسان على أكمل وجه؛ ولهذا أنا أدعو إخواني وأخواتي المعلمين والمعلمات على وجه الخصوص وجميع المشتغلين بالعملية التعليمية على اختلاف مواقعهم أن يستشعروا عظيم ما يقومون به، فاستشعار الإنسان بخطورة ما يقوم به ورِفْعَة منزلة ما يؤديه بالتأكيد أنه يحمله على العناية وبذل الوسْع في الإتقان.

أنا أوصي إخواني وأخواتي المعلمين والمعلمات أن يبذلوا جهدهم وقُصَارى طاقتهم في جانبين:

الجانب الأول: التمكين العلمي الذي يمكِّنهم من المعرفة التي يُعلِّمونها، ليس صحيحًا أن يكون آخر عهد المعلم بتطوير معارفه هو شهادته التي نالها في الجامعة وانتهت، أو مقرر درَّسه لسنة أو سنتين ويكرره دون أن يطوِّره، لا بد من أن يطوِّر نفسه علميًّا ومعرفيًّا وتربويًّا.

الأمر الثاني: هو ما يتعلق بتطوير وسائل إيصال المعلومة، وهذه أيضًا لا تقل أهمية عن الجانب الأول؛ لأننا نحتاج إلى معلم متقن، ومعلم يحسن الأداء، يحسن إيصال الإفهام، هذه أمانة، وبقدر ما يُتقِنُها الإنسان ينجح في مجاله، والنجاح الحقيقي هو أن يرضى الله تعالى عنك..  قد يقول قائل: ما فيه حوافز، ما فيه مميزات. يا أخي هي أمانة، إذا وُجدت الحوافز فالحمد لله، لكن أكبر حافز هو أن تؤدي الأمانة التي يرضى الله تعالى بها عنك، وأن تترك أثرًا جيدًا وبصمةً جميلة في الجيل الذي تبنيه وتعلمه.

يا أخي، بعض المعلمين مثلما ذكرت قبل قليل لا يزال الإنسان يذكرهم على تطاول العهد، وقد يكون في وقت تعلمه قاسيًا من طريقة حزمهم، ما قاس لكنه يَحْمَد لهم ما كانوا عليه من جِدّ، يحْمَد لهم ما كانوا عليه من تفانٍ، يَحْمَد لهم ما كانوا عليه من إتقان لموادهم، يَحْمَد لهم ما كانوا عليه من حُسن عرض وتقريب للمعلومة؛ فلذلك أدعو الإخوة والأخوات من المعلمين والمعلمات إلى أن يطوروا أنفسهم، والتطوير أنت الذي تستفيد منه أولًا في دينك وفي دنياك، وفي رفعتك وعلوك، فأسأل الله أن يعينني وإياهم، وأن يسددنا في الأقوال والأعمال، وأن يجعل ما نبذله في هذا في موازين الأعمال.

المقدم: اللهم آمين.

الشيخ: من الإشكال الكبير أن يكون المعلم لا يُحسن الكتابة، يخطئ في الإملاء، لا يُحسن البيان، هذه أشياء أنت يا أخي فتِّش عنها في نفسك، ولا تقل: والله تخرجت انتهيت. فتِّش عن أي خلل وحاول أن تُكمله.

المقدم: نعم. أحسن الله إليكم، وبارك الله فيكم وفي علمكم، وشكر لكم ما تفضلتم به في هذا اللقاء.

شكرًا لفضيلة الشيخ الدكتور "خالد بن عبد الله المصلح" أستاذ الفقه بكلية الشريعة في جامعة القصيم، المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم.

شكر الله لكم، وبارك الله فيكم وفي علمكم، والشكر كذلك موصولٌ إلى كل المستمعين والمستمعات الذين كانوا معنا عبر هذه الساعة في هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة".

لقاؤنا يتجدد بكم بإذنه تعالى في حلقة الأسبوع المقبل في تمام الثانية ظهرًا من يوم الأحد المقبل، حتى ذلكم الحين تقبلوا تحياتي محدثكم "عبد الله الداني"، ومن تنفيذ الهواء زميلي "مصطفى الصحفي"، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91408 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87214 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف