×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة الجمعة: مكانة المسجد الأقصى في وجدان المسلمين ( الإسراء والمعراج )

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:10237

إِنَّ الحَمْدَ للهِ, نَحْمَدُهٌ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ خِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلهِ وَصَحْبِهِ، ومَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ, أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ؛ فَتَقْواهُ تَجْلِبُ لَكُمْ كُلَّ خَيْرٍ، وَتَدْفَعُ عَنْكُمْ كُلَّ سَوءٍ وَشَرٍّ، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُالطلاق:2-3، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًاالطلاق:5، الَّلهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ المُتَّقِينَ، وَحِزْبِكَ المُفْلِحينَ، وَأَوْلِيائِكَ الصَّالحينَ.

أَيُّها المؤْمِنُونَ عِبادَ اللهِ، بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَانْقِطاعٍ مِنَ الهِداياتِ، بَعَثَهُ اللهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، أَخْرَجَ اللهُ بِهِ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ، دَلَّهُمْ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ، وَحَذَّرَهُمْ مِنْ كُلِّ شَرٍّ، جاءَهُمْ بِبَيِّناتٍ وَهِداياتٍ، وَأَيَّدَهُ اللهُ بِآياتٍ وَمُعْجِزاتٍ كُلُّها دَالَّةٌ عَلَى صِدْقِهِ، وَأَنَّهُ لا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى، وَأَنَّ ما يُخْبِرُ بِهِ هُوَ وَحْيُ رَبِّ العالمينَ، ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَالحاقة:44-47.

جاءَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسُ في عَماءٍ إِلَّا بَقايا مِنْ أَهْلِ الكِتابِ عَلَى بَقِيَّةِ هِداياتِ الرُّسُلِ المُتَقَدِّمِينَ، أَشْرَقَتْ بِرِسالَتِهِ الأَرْضُ بَعْدَ ظُلُماتِها، هَدَى اللهُ بِهِ القُلُوبَ، وَكانَ قَدْ أَيَّدَهُ -جَلَّ وَعَلا- بِما يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، وَمِنْ عَجائِبِ رِسالَتِهِ، وَخَصائِصِ ما مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَيْهِ أَنْ أَبْقَى آياتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَلَمْ تَنْقَطِعْ آياتُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ مَوْتِهِ، بَلْ بَقِيَ ما يُبَيِّنُ لِلنَّاسِ صِدْقَ ما جاءَ بِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَعْظَمُ ذَلِكَ هَذا الكِتابُ المُبينَ، هَذا القُرْآنُ الحَكِيمُ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ آيةً دالةً عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ الكَرِيمِ، يَقُولُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّفُصِّلَتْ:53، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ البَشَرُ»، يَعْنِي أَعْطاهُ مُعْجزاتٍ وَبَراهِينَ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ يُؤْمِنُ عَلَى مِثْلِها البَشَرُ، «وَكَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ»، يَعْني الَّذِي خَصَّنِيَ اللهُ بِهِ مِنَ الآياتِ «وَحْيٌ أَوْحَاه اللهُ إِلَيَّ»البخاري(4981), ومسلم(152)، فَكانَ الَّذِي خَصَّهُ اللهُ بِهِ هَذا القُرْآنُ العَظِيمُ الَّذِي حَوَى خَبَرَ المُتَقَدِّمينَ، وَهِداياتِ السَّامِعينَ المُخاطَبِينَ، وَخَبَرَ ما سَيَكُونُ بَيْنَ أَيْدِيِهمْ في الدُّنْيا وَيَوْمَ القِيامَةِ، فَإِنَّ هَذا القُرْآنَ فِيهِ خَبَرُ مَنْ قَبْلَكُمْ، وَحُكْمُ ما بَيْنَكُمْ، وَفِيهِ نَبَأُ ما سَيَكُونُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ.

أَيُّها المؤْمِنُونَ عِبادَ اللهِ, أَخْبَرَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- في كِتابِهِ أَنَّ مِنْ عَظِيمِ ما يُنَزَّهُ لأَجْلِهِ وَيَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَتِهِ وَكَمالِهِ ما أَجْرَاهُ لِرَسُولِهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الِإسْراءِ مِنَ المسْجِدِ الحرامِ إِلَى المسْجِدِ الأَقْصَى، ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُالإسراء:1.

نَعَمْ أَسْرَى اللهُ بِرَسُولِهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَيْنَما رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ- نَائِمٌ في الحِجْرِ في الكَعْبَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ أَتاهُ آتٍ فَشَقَّ ما بَيْنَ ثَغْرِ نَحْرِهِ إِلَى أَسْفَلَ بَطْنِهِ، ثُمَّ اسْتَخْرَجَ مِنْهُ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -ما شاءَ اللهُ- اسْتَخْرَجَ، وَمَلأَ قَلْبَهُ حِكْمَةً وَإِيمانًا، ثُمَّ أُتِيَ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِدَابَّةٍ بَيْضاءَ يُقالُ لها البُراقُ، يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى بَصَرِهِ، فَرَكِبَهُ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعَهُ جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَيا بَيْتَ المقْدِسِ، ثُمَّ إِنَّهُ دَخَلَ المسْجِدَ الأَقْصَى-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَجَمَعَ اللهُ لَهُ النَّبِيِّينَ، فَصَلَّى بَهِمْ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَتَيْنِ، كُلُّهُمْ يُصَلِّي خَلْفَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، آدَمُ وَمَنْ بَعْدَهُ، نُوحٌ، وَإِبْراهِيمَ، وَمُوسَى، وَعِيسَىَ، وَسائِرِ النَّبِيِّينَ صَلُّوا خَلْفَ سَيِّدِ الوَرَى-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ المسْجِدِ الأَقْصَى، فَجاءَهُ جِبْريلُ بِإِناءٍ فِيهش خَمْرٌ، وَإِناءٍ مِنْ لَبَنٍ، فاخْتارَ اللَّبَنَ فَقالَ لَهُ جِبْرِيلُ: «اخْتَرْتَ الفِطْرَةَ»مسلم (162)مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ,ثُمَّ عُرِج بِهِ إِلَى السَّماءِ الدُّنْيا، فاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فِقِيلَ مَنْ، فَقالَ: جِبْرِيلُ، قالُوا: وَمَنْ مَعَكَ، قالَ: مُحَمَّدٌ، قالَ: وَقَدْ بُعِثَ أَيْ أُوحِيَ إِلَيْهِ، قالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعِمَّ المَجِيءُ جاءَ، مَرْحَبًا بِهِ فَنِعِمَّ المجِيءُ جاءَ، وَحَيَّا رَسُولُ اللهِ أَهْلَ السَّماواتِ، فَكُلُّ سَماءٍ يَسْتَأْذِنُ فِيها، هَذا جَوابُهُمْ: مَرْحَبًا بِهِ فنِعِمَّ المجِيءُ جاءَ، فُتِحَتْ لَهُ السَّماءُ الدُّنْيا فَوَجَدَ آدمَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلامُ وَقالَ آدَمُ لمُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ: مَرْحَبًا بالابْنِ الصَّالحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالحِ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى السَّماءِ الثَّانِيَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْريلُ كَما في السَّماءِ الأُولَى، وَقِيلَ لَهُ كَما في السَّماءِ الأُولَى فَرأَى فِيها رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِيَسى بْنَ مَرْيَمَ، وَيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، فَرَحَّبا بِالنَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَدَعَيا لَهُ بَخَيْرٍ ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّماءِ الثَّالِثَةِ فَلَقِيَ يُوسفَ بْنَ يَعْقُوبَ وَقَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الحُسْنِ فَرَحَّبَ بِهِ وَدَعا لَهُ بَخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّماءِ الرَّابِعَةِ فَإِذا هُوَ بِإِدْرِيسَ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّماءِ الخَامِسَةِ فَإِذا هُوَ بهارُونَ، فَرَحَّبَ بِهِ وَدَعا لَهُ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّماءِ السَّادِسَةِ فَإذا هُوَ بِمُوسَى -عَلَيْهِ السَّلامُ- فَرَحَّبَ بِهِ وَدَعا لَهُ بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّماءِ السَّابِعَةِ فَإِذا هُوَ بِإِبْراهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلامُ- مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى البَيْتِ المعْمُورِ، وَهُوَ بَيْتٌ يَدْخُلُه كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لا يَعُودُونَ إِلَيْهِ.

ثُمَّ ذُهِبَ بِهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى سِدْرَةِ المُنْتَهَى، فَلَمَّا غَشَّاها مِنْ أَمْرِ اللهِ ما غَشَّاها تَغَيَّرَتْ، فَما أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَها أَوْ أَنْ يَصِفَ حُسْنَها، فَأَوْحَى اللهُ إِلَى رَسُولِهِ ما أَوْحَى، فَرَضَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ صَلاةً في كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلَ إِلَى مُوسَى فَقالَ لَهُ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ، ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فَوَضَعَ اللهُ عَنْهُ عَشْرًا وَمازالَ يَرْجِعُ حَتَّى اسْتَقَرَّتِ الصَّلواتُ المكْتوباتُ عَلَى خَمْسِ فَرائِضَ في اليَوْمِ وَالَّليْلَةَ، ثُمَّ نادَى مُنادٍ قَدْ أَمْضَيْتُ فَريضَتي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبادِي، ثُمَّ عادَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ- إِلَى بَيْتِ المقْدِسِ، ثُمَّ عادَ بِهِ جِبْريلُ إِلَى فِراشِهِ عِنْدَ البَيْتِ، وَأَصْبَحَ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مَكَّةَ بَعْدَ هَذا الحَدَثِ العَظيمِ.

كُلُّ هَذا النَّبَأَ العَظِيمُ، وَهَذهِ الأَحْداثِ الكُبْرَى كانَتْ في لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَسُبْحانَ اللهِ، وَالحَمْدُ للهِ، وَاللهُ أَكْبَرُ، وَلا إِلَهُ إِلَّا اللهُ، عادَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ لَيْلَتِهِ فَلَمَّا أَصْبَحَ في قَوْمِهِ أَخْبَرَهُمْ بِما أَرَاهُ اللهُ مِنْ آياتِهِ الكُبْرَى، عِنْدَ ذَلِكَ فَرِحَ المُشْرِكُونَ بِهذا الخَبَرِ، وَاشْتَدَّ تَكْذِيبُهُمْ لَهُ، فَرِحُوا؛ لأَنَّ العُقُولَ لا تُطِيقُ ذَلِكَ، إِذِ العُقُولُ تَقْصُرُ عَنْ إِدْراكِ قُدْرَةِ القَدِيرِ العَزِيزِ الحَكيمِ الَّذي أَمَرَهُ إِذا أَرادَ شَيْئًا قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُيس:82.

آذَوْهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَاشْتَدَّ تَكْذِيبُهُمْ لَهُ، وَكانَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كُلَّما قالَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئًا قالَ: صَدَقْتَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، وَأَخْبَرَهُمْ عَنْ إِبِلِهِمْ، أَبانَ لَهُمْ مِنَ الآياتِ ما يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، وَصَفَ لهَمْ المسْجِدَ الأَقْصَى، وَأَخْبَرَهُمْ عَنْ مَوْضِعِ إِبِلِهِمْ في طَرِيقِها، وَأَخْبَرَهُمْ عَنْ وَقْتِ قُدُومِها، فَكَانَ الأَمْرُ كَما كانَ، فَلَمْ يَزِدْهُمْ ذَلِكَ إِلَّا نُفُورًا، ﴿فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًاالإسراء:99.يُنْظَرُ: الإسْراءُ وَالمعْرِاجُ وَذِكْرُ أَحادِيثهِما لِلأَلْبانِيِّ؛ فَيما سَبَقَ مِنْ إِجْمالٍ لخَبَرِ الإِسْراءِ وَالمِعْراجِ .

أَيُّها المؤْمِنُونَ, هَذا خَبَرُ إِسْراءِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، هَذا خَبَرُ الإِسْراءِ بِنَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ المسْجِدِ الحَرامِ إِلَى المسْجِدِ الأَقْصَى الَّذي بارَكْنا حَوْلَهُ، وَمِنْ ذَلكَ الوَقْتِ وَإِلَى أَنْ يَرِثَ اللهُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها ثَمَّ ارْتِباطٌ وَثِيقٌ بَيْنَ مَكَّةَ البَلَدِ الحَرامِ وَبَيْنَ مَسْرَى رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- المسْجِدِ الأَقْصَى، هَذا الارْتِباطُ وَذَلِكَ الاتِّصالُ لا يَنْتَقِضُ وَلا يَزُولُ مَهْما كانَ وَمَهْما صارَ، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَيوسف:21.

أَقُولُ هَذا القَوْلَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظيمَ لي وَلَكُمْ فاسْتَغَفِْروهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيّبًا مُبارَكًا فِيهِ، أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ، لَهُ الحَمْدُ في الأُولَى وَالآخِرَةِ، وَلَهُ الحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجُعُونَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِه وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، اتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى؛ يَجْلِبُ اللهُ لَكُمْ كُلَّ خَيْرٍ، وَيَدْفَعُ عَنْكُمْ كُلَّ سُوءٍ وَشَرٍّ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ عِبادكَ المُتَّقِينَ، وَحِزْبِكَ المُفْلِحينَ، َوأَوْلِيائِكَ الصَّالحينَ يا رَبَّ العالمينَ.

أيها المؤمنون, اعتبروا بِهَذا الخَبَرِ وَذَلِكَ النَّبأُ العَظِيمُ الَّذي أَخْبَرَ اللهُ تَعالَى بِهِ في كِتابِهِ في سُورَةِ الإِسْراءِ فَقَالَ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُالإسراء:1، وَقصَّ اللهُ خَبَرَ عُرُوجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى حَيْثَ عُرِجَ بِهِ، ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (3) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (4) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (5) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (6) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (7) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى (8) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (9) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (10) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (11) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (12) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (13) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (14) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (15) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (16) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (17) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (18) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىالنجم:1-18.

فَنُؤْمِنُ بِاللهِ وَبِرُسُلِهِ، وَنُصَدِّقُ ما أَخْبَرَ اللهُ تَعالَى بِهِ في كِتابِهِ، وَما أَخْبَرَ بِهِ رَسُولُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فَإِنَّهُ لا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى، إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- حِكَمٌ في كِتابِهِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادَهُ الصَّالحُونَ وَهَذا وَعْدٌ لا يَتَخَلَّفُ، وَالمؤْمِنُ يُصَدِّقُ بَوَعْدِ اللهِ وَوَعَدَ رَسُولَهُ وَإِنْ حالَ دُونَ ذَلِكَ الحوائِلُ، وَإِنْ بَدَتَ بَوادِرُ الأُمُورِ عَلَى خِلافِ ما يَظُنُّ، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَيوسف:21.. المهِمُّ أَنْ يَرْسُخَ في قَلْبِ المؤْمِنِ تَصْديقَ وَعْدِ اللهِ، وَبَذْلَ المُسْتَطاعِ لإدْراكِ ما كُلِّفَ بِهِ، وَالقِيامَ بِما أَمَرَهُ اللهُ، وَاللهُ غالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ.

رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاهَدَ في سَبِيلِ اللهِ، فَجَمَعَ النَّاسُ لَهُ كُلَّ ما يَسْتَطِيعُونَ مِنْ خِلالِهِ أَنْ يَكْبِتُوا دَعْوَتَهُ، وَأَنْ يَنالُوا مِنْهُ، وَأَنْ يَسْتَأْصِلُوا شَأْفَتَهُ، فَلَمَّا قِيلَ لهُ ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْآل عمران:173، فَما كانَ إِلَّا مَزِيدُ تَصْدِيقِ، ﴿فَزَادَهُمْ إِيمَانًاآل عمران:173، لمْ يَكُنْ هَذا سَبَبًا لِضَعْفِ يَقِينِ، أَوْ ضَعْفِ إِيمانٍ، أَوْ تَزَلْزُلِ ثَوابِتَ في قُلُوبِ المؤْمِنينَ، بَلْ كانَ ذَلِكَ مَزِيدُ تَوْثيقٍ لموْعُودِ اللهِ، فَقَدْ قالَ -جَلَّ وَعَلا-: ﴿فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُآل عمران:173، نَعْمْ اللهُ كافِينا، وَهُوَ وَكِيلُنا -جَلَّ وَعَلا- فِيما نَرْجُو وَنُؤَمِّلُ مِنْ نَصْرٍ وَعِزٍّ وّتّمْكِينٍ، وَسَلامَةٍ وَاجْتِماعِ كَلِمَةٍ، وَصَلاحِ حالٍ وَمآلٍ، وَإِدْراكِ كُلِّ مَحْبُوبٍ وَالسَّلامَةِ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَيوسف:21

اللَّهُمَّ أَرِنا في أَنْفُسِنا ما يَسُرُّنا، وَأَعِذْنا يا ذا الجَلالِ وَالِإكْرامِ مِمَّا نَخافُ وَنَحْذَرُ، اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أُمورِنا، وَاجْعَلْ وِلايَتَنا فِيمَنْ خافَكَ وَاتَّقاكَ وَاتَّبَعَ رِضاكَ يا رَبَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ اجْمَعْ هَذِهِ الأُمَّةَ عَلَى الحَقِّ وَالهُدَى، الَّلهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهْمْ، الَّلهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لا حَوْلَ لَنا وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ أَنْ تَأْذَنَ لهِذِهِ الأُمَّةِ بِعِزٍّ وَنَصْرٍ تَجِتَمِعُ فِيها عَلَى كِتابِكَ وَسُنَّةِ نَبِيِّكَ، الَّلهُمَّ اسْتَنْقِذِ المسْجِدَ الأَقْصَى مِنْ بَراثِنش اليَهُودِ الغاصِبينَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَسْتَنْقِذَ المسْجِدَ الأَقْصَى مِنْ بَراثِنِ اليَهُودِ الغاصِبينَ الصَّهايِنَةِ يا رَبَّ العالمينَ.

رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرادَنا وَأَرادَ بِلادَنا بِلادَ الحَرَمَيْنِ بِسُوءٍ أَوْ شَرٍّ فاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرَهُ، وَاكْفِنا شَرَّهُ، نَدْرَأُ بِكَ في نُحورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرورِهِمْ، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أَمْرِنا إِلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ إِلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُمْ بِنَصْرِكَ، وَأَعْزَّهُمْ بِعِزِّكَ، وَاجْعَلْ لهُمْ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطانًا نَصِيرًا، الَّلهُمَّ وَفِّقْ رِجال أَمْرِنا إِلَى كُلِّ خَيْرٍ وَاحْفَظْهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهمْ وَمِنْ خَلْفِهِ، وَعَنْ أَيْمانهِمْ وَعَنْ شَمائلِهِمْ، الَّلهُمَّ وَانْصُرْ جُنودَنا المُقاتِلينَ يا ذا الجلالِ وَالإكْرامِ، الَّلهُمَّ وَاكْتُبْ النَّصْرَ وَالعِزَّ وَالتَّوْفِيقَ وَالاجْتِماعَ لِسائِرِ بِلادِ المُسْلِمينَ يا رَبَّ العالمينَ.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْراهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبراهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

 

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات89954 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات86963 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف