×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة الجمعة: الماء ثروة يجب الحفاظ عليها .

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:7708

إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، لَهُ ما في السَّماواتِ وَما في الأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ خِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
 أَمَّا بَعْدُ:
فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ فَتَقْوَى اللهِ تَفْتَحُ لَكُمْ بَركاتِ السَّماءِ وَالأَرْضِ ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ[الأعراف:96].
فاللهُ -جَلَّ في عُلاهُ- يَفْتَحُ لِعِبادِهِ الخَيْراتِ، وَيَرْزُقُهُمْ مِنْ كُلِّ ما يَتَمَنَّوْنَ وَيَسْأَلُونَ، وَذاكَ مِنْ فَضْلِهِ وَعَظِيمِ إِحْسانِهِ وَهُوَ -جَلَّ في عُلاهُ- يَبْتَدِئُ خَلْقَهُ بِالِإحْسانِ، وَيُضاعِفُ إِحْسانَهُ بِالتَّقْوَىَ وَالإِيمانِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَآمَنَ بِهِ وَقامَ بِحَقِّهِ فَتَحَ اللهُ لَهُ مِنَ البَرَكاتِ وَالخَيْراتِ ما يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْلُ الحَقِّ: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا[الطلاق:2-3]، فَبِالتَّقْوَى يَخْرُجُ الإِنْسانُ مِنْ كُلِّ ضائِقَةٍ، وَبِالتَّقْوَى يُدْرِكُ الإِنْسانُ كُلَّ رَغْبَةٍ وَمَأْمُولٍ.
أَيُّها المؤْمِنُونَ عِبادَ اللهِ، حَياتُكُمْ قائِمَةٌ عَلَى ما أَنْزَلَ اللهُ تَعالَى مِنَ الرِّزْقِ مِنَ السَّماءِ ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ[الذاريات:22]، وَإِنَّ اللهَ -جَلَّ في عُلاهُ- جَعَلَ مِنْ آياتِهِ الظَّاهِرَةِ وَدَلائِلِ قُدْرَتِهِ الباهِرَةِ ما أَنْزَلَهُ مِنَ السَّماءِ مِنَ الماءِ ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ[الأنبياء:30].
وَأَعْظَمُ ما نَزَلَ مِنَ السَّماءِ مِنَ الأَرْزاقِ الماءُ الَّذي جَعَلَهُ اللهُ تَعالَى حَياةً لِكُلِّ شَيْءٍ، فالمياهُ العَذْبَةُ هِيَ أَهَمُّ مَوْرِدٍ عَلَى الإِطْلاقِ بِالنِّسْبَةِ لجَمِيعِ الكائِناتِ وَلِلبَشَرِيَّةِ عَلَى وَجْهِ الخُصُوصِ، فالمياهُ العَذْبَةُ هِيَ رَكِيزَةُ الحَياةِ عَلَى سَطْحِ الأَرْضِ بِها تَقُومُ حَياةُ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى هَذِهِ البَسِيطَةِ، كَما قالَ -جَلَّ في عُلاهُ-: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ[الأنبياء:30].
 أَوَلَمْ يَنْظُرِ المكَذِّبُونَ مِنَ الكُفَّارِ بِرَبِّهِمُ الَّذِينَ جَحَدُوا حَقَّهُ وَلمْ يُؤْمِنُوا بِهِ ما يُدُلُّهُمْ دِلالَةً صادِقَةً عَلَى أَنَّ لهِذِهِ الأَرْضِ رَبًّا مَحْمُودًا كَرِيمًا مَعْبُودًا يَشْهَدُونَ فَضْلَهُ، وَيُدْرِكُونَ إِحْسانَهُ بِما أَنْزَلَهُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مِنَ الماءِ، وَأَرْضُهُمْ مَيْتَةٌ هامِدَةٌ لا نَباتَ فِيها؟ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعالَى مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ ما طابَتْ بِهِ حَياتُهُمْ، وَما زَانَتْ بِهِ أَرْضُهُمْ كَما قالَ -جَلَّ في عُلاهُ- في مُحْكَمِ كِتابِهِ: ﴿فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا[الروم:50]، ﴿وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا[الفرقان:48-50].
فَاللهُ تَعالَى أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُحْيَ بِهَ أَرْضًا طالَ انْتِظارُها لِلغَيْثِ، فَهِيَ هامِدَةٌ لا نَباتَ فِيها وَلا شَيْءَ.
 فَلَمَّا جاءَها الحَيا عاشَتْ بِالأَمْطارِ         وَاكْتَسَتْ رُباها أَنْواعُ الأَزاهِيرِ وَالأَلْوانِ
 كَما قالَ جَلَّ وَعَلا: ﴿وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ[الحج:5]، وَذَلِكَ أَنَّنا نَرَى كُلَّ أَرْضٍ لا يَنْزِلُ فِيها المطَرُ وَلا تَجْرِي فيها المياهُ مِنَ الأَراضِي المَمْطُورَةِ لا في ظاهِرِها وَلا في باطِنِها خَالِيةٌ مِنَ النَّباتِ وَالحَيوانِ إِلَّا أَنْ يَأْتِيها مِنَ الحَيَا وَالمطَرِما تَحْيا بِهِ سَواءٌ بِالمباشَرَةِ، أَوْ بِما يَسُوقُهُ اللهُ تَعالَى مِنَ المياهِ الجَوْفِيَّةِ الَّتي تَجْتَمِعُ مِنَ الأَمْطارِ فَيَحْيِا بهِ النَّاسُ كَما قالَ تَعالَى: ﴿وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا[الفرقان:49]، فَيَشْرَبث مِنْهُ الحَيوانُ، وَيَشْرَبُ مِنْهُ الإِنْسانُ، وَتُسَدُّ بِهِ ضَرُورَاتهُمْ وَيَنْتَفِعُونَ بِهِ في زُرُوعِهِمْ وَثِمارُهُمْ ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ[الشورى:28]، ﴿فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[الروم:50].
وَاللهُ في إِنْزالِ هَذا الماءِ الَّذِي بِهِ حَياةُ البَشَرِيَّةِ يَجْرِي ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَفْقِ حِكْمَةٍ بالِغَةٍ، وَقُدْرَةٍ نافِذَةٍ ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا[الفُرْقانُ:50]، أَيْ: أَمْطَرْنا هَذِهِ الأَرْضِ دُونَ تِلْكَ، وَسُقْنا السَّحابَ فَمَرَّ عَلَى الأَرْضِ وَتَعَدَّاها وَجاوَزَها إِلَى الأَرْضِ الأُخْرَى، فَأَمْطَرَها وَكَفاها، لمْ يَنْزِلْ ذَلِكَ إِلَّا بِحِكْمَةٍ وَعِلْمٍ نافِذٍ فَلِلَّهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ، وَلَهُ الحِكْمَةُ القاطِعَةُ.
أَيُّها المؤْمِنُونَ عِبادَ اللهِ: ذاكَ التَّصْرِيفُ يَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ اخْتِيارِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَحِكْمَتِهِ وَابْتِلائِهِ، وَتَصْرِيفِهِ الأَراضِي وَالنَّاسَ عَلَى وَفْقِ ما تَقْتَضِيهِ حِكْمَتُهُ، فالنَّاسُ يَتَقَلَّبُونَ في خَلْقِهِ -جَلَّ في عُلاهُ- وَفي حُكْمِهِ بَيْنَ عَدْلِهِ وَفَضْلِهِ.
أَيُّها المؤْمِنُونَ: حاجَةُ الخَلْقِ إِلَى المياهِ وَالأَمْطارِ لا تَخْتَصُّ بَلَدًا دُونَ بَلَدٍ، وَلا أَرْضًا دُونَ أَرْضٍ، بَلْ هِيَ عامَّةٌ لِكُلِّ النَّاسِ لا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ شَيءٌ مِنَ الأَرْضِ، وَلَوْ كانَتْ تِلْكَ الأَراضِي مُرُوجًا وَأَنْهارًا فَإِنَّها مُحْتاجَةٌ إِلَى الماءِ وَقَطْرِ السَّماءِ؛ فَإِنَّ مِياهَ الأَنْهارِ وَالعُيُونِ الَّتي تَنْبُعُ مِنَ الأَرْضِ كُلِّها مِنَ المَطَرِ، فَإِنَّهُ يَتَخَلَّلُ المَطَرَ الأَرْضَ فَيَنْدَفِعُ بِإِذْنِ اللهِ تَعالَى، فَيَنْبُعُ أَنْهارًا وَعُيُونًا وَيَنابِيعَ كَما قالَ تَعالَى: ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ[الزمر:21]، فَضَرُورَةُ البَشَرِيَّةِ إِلَى الماءِ فَوْقَ كُلِّ ضَرُورَةٍ حَياتِيَّةٍ فَلا حَياةَ وَلا نُمُوَّ وَلا تَنْمِيَةَ وَلا صِناعَةَ وَلا ازْدِهارَ وَلا إِعْمارَ لِلأَرْضِ إِلَّا بِالماءِ؛ فَالمياهُ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرًا للِرَّفاءِ، وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرًا لِلبُؤْسِ، وَتَكُونُ سَبَبًا لِلتَّعاوُنِ وَالتَّنازُعِ ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ[الحجر:21].
فاللهُ -جَلَّ في عُلاهُ- في يَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ، يَصْرِفُ ذَلِكَ وَفْقَ حِكْمَةٍ وَعِلْمٍ نافِذٍ بالغٍ قالَ -جَلَّ في عُلاهُ-: ﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ[الحجر:21-22]، أَيْ لَيْسَ عِنْدَكُمْ مِنَ القُدْرَةِ وَلا مِنَ القُوَّةِ أَنْ تَخْتَزِنُوا وَتَدَّخِرُوا مِياهَ الأَمْطارِ عَلَى عَظَمَتِها وَكَثْرَتِها، وَلَوِ اخْتَزَنْتُمْ ذَلِكَ وَحَفِظْتُمُوهُ فَلَيْسَ لَكُمْ قُدْرَةٌ عَلَى إِبْقائِهِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي نَزَلَ مِنَ النَّفْعِ، نَفْعُ الماءِ عِنْدَ نُزُولِهِ، وَالمياهُ العَذْبَةُ مَوْرِدٌ مُتَجَدِّدٌ بِما يَسُوقُهُ اللهُ تَعالَى مِنَ الأَمْطارِ، وَلَكِنَّها عَلَى البَسِيطَةِ مُتَوَفِّرَةٌ بِكِمِّياتٍ مَحْدُودَةٍ، كَما قالَ تَعالَى: ﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ[الحجر:21]، وَذاكَ لحِكْمَةٍ بالِغَةٍ مِنَ اللهِ -جَلَّ في عُلاهُ-.
وَهِذِهِ المياهُ المَحْدُودَةُ تُواجِهُ اليَوْمَ ضُغُوطًا كَبِيرَةً لأَسْبابٍ كَثِيرَةٍ مِنْها ارْتِفاعُ عَدَدِ السُّكِّانِ، وَزِيادَةِ الطَّلَبِ عَلَى المياهِ، وَتَسارُعِ وَتِيرَةِ التَوَسُّعِ العُمْرانِيِّ، وَالتَّلَوُّثُ وَتَغَيُّر المنُاخِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الأَسْبابِ، وَأَنا أَضْرِبُ لِذَلِكَ مَثَلًا في حَياتِنا اليَوْمِيِّةِ كَمْ يَسْتَهْلِكُ الفَرْدُ مِنَّا مِنَ الماءِ في يَوْمِهِ إِنَّهُ قَدْرٌ كَبِيرٌ أَكْثَرُهُ يَذْهَبُ في أُمُورٍ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَغْنَى عَنْها؛ وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الماءَ ثَرْوَةٌ يَنْبَغِي الحِفاظُ عَلَيْها.
لِذَلِكَ تَداعَى العالَمُ بِأَسْرِهِ إِلَى ضَرُورَةِ تَحْقِيقِ الأَمْنِ المائِيِّ بِحِمايَةِ نُظُمِ الماءِ الهَشَّةِ، وَالتَخْفِيفِ مِنْ آثارِ الأَخْطارِ المرْتَبِطَةِ بِالمياهِ كالفَيَضاناتِ وَحالاتِ الجَفافِ، وَيُمْكِنُ لِلجَمِيعِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالماءِ إِذا كانَ هُناكَ تَرْشِيدٌ وَإِدارَةٌ لِلمَوارِدِ المائِيَّةِ بِطَرِيقَةٍ مُتكامِلَةٍ مُنْصِفَةٍ، وَغَيْرُ خافٍ أَيُّها النَّاسُ أَنَّنا مِنْ أَوْلَى النَّاسِ في هَذِهِ الأَرْضِ عِنايَةً بِهذا الأَمْرِ شَرْعِيًّا وَحياتِيًّا.
أَمَّا شَرْعًا: فاللهُ أَمَرَنا بِالعَدْلِ، وَنَهانا عَنِ الإِسْرافِ وَالتَّبْذِيرِ وَإِضاعَةِ المالِ، وَفِي تَبْدِيدِ المياهِ وَالإِسْرافِ فَيها ما يُنافِي أَمْرَ اللهِ تَعالَى في قَوْلِهِ: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ[الأعراف:31]، وقَدْ قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا مَخِيلَةٍ»أخرجه أحمد ح(6695)بإسناد حسن .
 وَأَمَّا ضَرُورَتُنا الحَياتِيَّةُ لِلمُحافَظِةِ عَلَى الماءِ نَحْنُ نَعْيشُ في مَفازَةٍ لا ماءَ فِيها، وَلا نَباتَ في أَرْضٍ قَفْرٍ سَباسِبَ دَوِيَّةٍ لا ماءَ إِلَّا سَرابِها، وَهذَا مِمَّا يَتَطَلَّبُ مِنَّا مَزِيدَ عِنايَةٍ، فَالبِلادُ الَّتي تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأَنْهارُ وَتَسْقِيها الأَمْطارُ تَتَدَارَسُ، كَيْفَ تُحافِظُ عَلَى الثَّرْوَةِ المائِيِّةِ، فَكَيْفَ بِبِلادٍ لا ماءَ في سَماِئها، وَلا ماءَ في أَرْضِها؟! هِيَ بِحاجَةٍ ماسَّةٍ إِلَى العِنايَةِ بِهذا الأَمْرِ.
وَقَدْ فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ مِنْ أَسْبابِ الحَياةِ مِياهَ البِحارِ الْمُحَلَّاةِ، لَكِنَّها مَهْما كَثُرَتْ فَإِنَّها لا تُغْنِي عَنْ مِياهِ الأَمْطارِ وَما يَنْتُجُ عَنْها مِنْ حَياةٍ، قالَ اللهُ تَعالَى: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ[الحجر:22]، ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ[الحجر:21].
فَواجِبٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَعْتَنِيَ بِهذا الأَمْرِ، وَأَنْ يَنْظُرَ في ما يَتَعَلَّقُ بِاسْتِعْمالِ الماءِ عَلَى الوَجْهِ الَّذِي يُحَقِّقُ حاجَتَهُ دُونَ سَرَفٍ وَلا مَخِيلَةٍ، وَأَنْ يَعْتَنِي بِالمحافَظَةِ عَلَى هَذِهِ الثَّرْوَةِ الَّتِي يَسَّرَها اللهُ تَعالَى دُونَ إِسْرافٍ وَلا تَقْتِيرٍ، بَلْ عَلَى الحالِ الوَسَطِ الَّتي وَصَفَ اللهُ تَعالَى بِها الأُمَّةَ ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا[البقرة:143].
اللَّهُمَّ أَلهِمْنَا رُشْدَنا وَقِنَا شَرَّ أَنْفُسِنا، أَغْنِنا بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِواكَ، وَلا تَكِلْنا إلَّا إِلَى فَضْلِكَ وَإِحْسانِكَ, أَقُولُ هَذا القَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبةالثَّانِيَةُ:
الحَمْدُ للهِ مالِكِ الملْكِ، لا إِلَهَ إِلًّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ، لَهُ الحَمْدُ في الأُولَى وَالآخِرَةِ، وَلَهُ الحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرْيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدَّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ حَقَّ التَّقْوَى؛ فَبِتَقْوَى اللهِ تُجْلَبُ الخيَرْاتُ، وَتُسْتَدْفَعُ الشُّرُورُ وَالمضَرَّاتُ عَلَى الخَاصِّ وَالعامِّ، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا[الطلاق:5].
أَيُّها المؤْمِنُونَ، عِبادَ اللهِ، إِنَّ الماءَ مِمَّا جَعَلَهُ اللهُ تَعالَى سَبَبًا لحياةِ الِإنْسانِ، كَما قالَ جَلَّ وَعَلا: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ[الأنبياء:30].
 فَحِفْظُ حَياةِ كُلِّ شَيْءٍ بِالماءِ، فاحْفَظُوا مادَّةَ حَياتِكُمْ بِتَرْشِيدِها وَالعِنايَةِ بِها وَعَدَمِ الإِسْرافِ في اسْتِعْمالها، وَلْنُخَفِّفْ مِنْ أَوْجُهِ الإِسْرافِ الَّذي تَقْتَضِيهِ في كَثِيرٍ مِنَ الأَحْيانِ طَبِيعَةُ حَياةِ النَّاسِ المعاصِرَةِ، فَإِنَّ الإِنْسانَ يَدْخُلُ إِلَى مَحَلِّ الخَلاءِ، فَيَسْتَعْمِلُ مِنَ الماءِ أَضْعافَ ما يَحْتاجُ مِنْ خِلالِ أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ في الاسْتِعْمالِ، وَإِذا تَفَطَّنَ الإِنْسانُ إِلَى ضَرُورَةِ العِنايَةِ بِهذا المَوْرِدِ فَإِنَّهُ سَيَبْذُلُ جُهْدَهُ في التَّقْلِيلِ وَالتَّخْفِيفِ مِنْ هَذا الإِسْرافِ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لا يُفَكِّرُ إِلَّا في نَفْسِهِ، وَلا يَرَى أَنَّ للهَ تَعالَى عَلَيْهِ حَقًّا في حِفْظِ هَذِهِ النَّعْمَةِ، وَلَوْ كانَ الماءُ يَجْرِي تَحْتَ بِيْتِهِ أَنْهارًا، فَاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَّدَّقُوا مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ وَلا مَخِيلَةٍ، وَلا يَغُرَّنَّ أَحَدَكُمْ أَنْ صُنْبُورًا يَتَدَفَّقُ عَلَيْهِ الماءُ، فَإِنَّ هَذا إِذا لمْ يُحافِظْ عَلَيْهِ يُوشِكُ أَنْ يَغْلَى عَلَيْكُمْ أَوْ أَنْ يَذْهَبَ اللهُ تَعالى بِهِ عَنْكُمْ.
 قالَ اللهُ تَعالَى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ[الملك:30]، أَيْ: مَنْ يِأْتِيكُمْ بِالماءِ الَّذِي تَسْقُونَ بِهِ أَنْعامُكُمْ، وَتَقْضُونَ بِهِ حَوائِجَكُمْ وَتَشْرَبُونَ مِنْهُ، وَتَقْضُونَ بِهِ مَصالحَكُمْ؟! الماءُ عِمادُ حِياةِ النَّاسِ، فَلْيُحافِظْ عَلَيْهِ المؤْمِنُ احْتِسابًا لِلأَجْرِ عِنْدَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَطَلَبًا لِلثَّوابِ مِنْهُ، وَقِيامًا بِحَقِّ هَذِهِ النِّعْمَةِ.
أَيُّها المؤْمِنُونَ، عِبادَ اللهِ، إِنَّهُ إِذا قَحَطَ المطَرُ وَأَجْدَبَتِ الأَرْضُ، فَإِنَّ المشْرُوع َلأَهْلِ الإيمانِ أَنْ يَلْجَأُوا إِلَى العَزِيزِ الغَفَّارِ بِالتَّوْبَةِ وَالاسْتِغْفارِ، وَسائِرِ صالحِ الأَعْمالِ، فَبِالتَّقْوَى وَالإيمانِ تُسْتَجْلَبُ الخَيْراتُ، وَتُسْتَدْفَعُ البَلِيَّاتُ، وَقَدْ اسْتَسْقَى رَسُولُكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَبًا لِلماءِ مِنَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- في مَرَّاتٍ عَدِيدَةٍ، وَأَجْرَى اللهُ تَعالَى لَهُ ما أَمَّل مِنَ الخَيْرِ، فَاسْتَسْقَى فَجاءَ السَّيْلُ عَلَى حِينِ انْقِطاعٍ مِنَ السُّبُلِ، وَهَلاكٍ مِنَ النّاَسِ، وَجَفافٍ مِنَ الأَرْضِ بِرَحْمَتِهِ -جَلَّ في عُلاهُ-.
وَطَلَبَ الماءَ أَصْحابُهُ في مَرَّةٍ مِنَ المَرَّاتِ فَدَعا بِإِناءٍ فِيهِ ماءٌ، وَوَضَعَ يَدَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذَلِكَ الماءِ القَلِيلِ فَفَارَ الماءُ مِنْ بَيْنِ أَصابِعِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[يس:82].
فَالجؤُوا إِلىَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَأَنْتُمْ مُفْتَقِرُونَ إِلَيْهِ، نَحْنث إِلَيْهِ فُقَراءَ، وَهُوَ الغَنِّيُّ عَنَّا بِقَدْرِ ما نَسْتَشْعِرُ الفَقْرَ في قُلُوبِنا، وَنُظْهِرُهُ في أَحْوالِنا وَأَعْمالِنا، وَشُؤُونِنا نَنالُ مِنْ عَطاياهُ وَهِباتِهِ، سَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ فُرادَى وَجماعاتٍ، وَفَضْلُ اللهِ لا حاجِبَ لَهُ ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ[البقرة:186].
الَّلهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتَّقَى وَالعَفافَ وَالرَّشادَ وَالغَنَى، اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أَمُورِنا، وَاجْعَلْ وِلايَتَنا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقاكَ وَاتَّبَعَ رِضاكَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذا البَلَدَ آمِنَّا سَخاءً رَخاءً وَسائِرَ بِلادِ المسْلِمينَ، الَّلهُمَّ احْفَظْنا مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَشَرٍّ، وَادْفَعْ عَنَّا كُلَّ بَلاءٍ وَفِتْنَةٍ وَبِرٍّ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى المبْعُوثِ رَحْمَةً للِعالمينَ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحابِهِ أَجْمَعِينَ.
 

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91422 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87222 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف