×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / عباد الرحمن / الحلقة (28) أولئك يسارعون في الخيرات

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:4213

الحلقة الثامنة والعشرون: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [المؤمنون: 61]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مرحبًا بكم، أيها الإخوة والأخوات، في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم: "عباد الرحمن".

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1] له الحمدُ، لا أحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسوله، صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه ومنِ اتبعَ سنته، واقتفى أثره بإحسانٍ إلى يومِ الدين، أمّا بعد:

فاللهُ ـ جلّ في علاه ـ ذكرَ من أدعية عباد الرحمن أنّهم أهلُ سؤالٍ، وطلبٍ من اللهِ ـ جلَّ وعلا ـ فقال ـ جلَّ في علاه ـ في مُحكمِ كتابه: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74] ثم قال: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} إنهم سألوا التقدُّمَ في كُلِّ خير، فلإمام هو الْمُقدَّم على غيره، في كُلِّ أمرٍ يتقدّمُ فيه، ويكون فيهِ إمامًا، إنَّ الإمامة المطلوبة هُنا هيَ الإمامة في التقوى، والإمامة في التقوى معناها السبق إلى كُلِّ خصلةٍ من خصال المتقين، السبق إلى طاعة الله، السبق إلى محبته، السبق إلى تعظيمه، السبق إلى الخوفِ منه، السبق إلى رجائه، السبق في أعمال القلوب، السبق في أعمال الجوارح؛ من الصلاةِ، والزكاةِ، والصوم، والحج، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، السبق إلى تركِ كُلِّ معصيةٍ وسيئة، إنَّ أهل الطاعة والإحسان من عباد الرحمن لا يرضون بالانضمام إلى سلكِ المتقين، والانضمام إلى رَكب الصالحين، ولو كانوا في آخرِ الرَّكب، وفي آخرِ المسير، بل يَسْعَوْن دائمًا إلى التقدُّم، علت همَامُهم، وسمت رغباتهم إلى التقدُّم على غيرهم، لذلكَ أمرَ اللهُ ـ تعالى ـ المتقين بأن يبادروا إلى كُلِّ طاعةٍ وإحسان، قال ـ جلَّ وعلا ـ: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]، وفي الآية الأخرى قال: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الحديد: 21] ويقول ـ جلَّ وعلا ـ في مُحكمِ كتابه: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا} [البقرة: 148]، ويقول في الآية الأخرى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [المائدة: 48] إنَّ اللهَ ـ جلَّ وعلا ـ أثنى على أهل الطاعة والإحسان الذين  يسارعون في الخيرات، ويسابقون إليها؛ فقال ـ تعالى ـ: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا} أي: من الصالحات والقُرُبات وأنواع الطاعات، {وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أي: خائفة، ولذلكَ هم في إقبال وعمل واشتغال، لأنَّ قلوبهم خائفة من فوات الخيرات، خائفة من سوء العواقب والخواتيم، {وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ} [المؤمنون: 60، 61] حقيقتُهم {يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ وقد أثنى الله ـ جلَّ وعلا ـ على قومٍ من المتقدِّمين من عباد الله الصالحين بهذه الخصلة فقال: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 113، 114] نعم، إنهم صالحون، إنهم من عباد الله لَمَّا جمعوا هذه الخصال المباركة، وكانَ منها أنهم {وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ } [آل عمران: 114].

إنَّ المؤمن يسعى دائمًا إلى التقدُّم؛ ولذلك قال اللهُ ـ تعالى ـ في أهلِ الآخرة لَمَّا ذكرَ أصنافهم، وقسَّمَهم إلى ثلاثة أقسام: السابقون، وأهلُ اليمين، وأصحابُ الشمال، قال الله ـ جلّ وعلا ـ: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة: 10] فمن سبقَ إلى الطاعةِ سبقَ إلى البر، من سبقَ إلى الفضلِ في الدنيا والإحسان، سبقَ إلى البِرِّ من ربِّ العالمين والفضلِ وعظيم الجزاء والأجر، إننا في ميدان سباق، فلنستبق الخيرات، والمسابقة إلى الخيرات تتضمن أن يُبادر المؤمن ابتداءً بفعلِ ما فرضهُ اللهُ تعالى عليه من الواجبات في كُلِّ الواجبات الشرعيَّة، في واجبات القلوب، وفي واجبات الأبدان، في حقِّ الله، وفي حقِّ الخلق، فالمبادرة بالواجبات والمسارعة إليها والجهد في أن تكون على أعلى أحوال العابدين في هذه العبادات مما يُهيئُ لكَ الخير، ويجعلُكَ سابقًا إلى ألوانٍ من البر والفضل.

أيها الإخوة والأخوات، إنَّ السباق إلى الله ـ عز وجل ـ والمسارعة إليه تقتضي أن يشتغل الإنسانُ بعدَ فعل الواجبات بألوانٍ، وأنواعٍ من الصالحات والخيرات؛ فإنَّ الخيرات كثيرة والمضرات عديدة، والفائز مَنْ استعملَهُ اللهُ ـ تعالى ـ في هذه الأبواب على تنوُعِها وتفنُّنِها واختلاف ألوانها، إنَّ السابق إلى الخيرات لا يقف عندَ فعل الواجب؛ لأنَّ الواجب هو جزءٌ مما يتقرّب به إلى الله، وهو أحب ما يتقرَّب به إلى الله، لكن يشتغل أيضًا بألوان الطاعات، والقربات المستحبة، رجاءَ ما عندَ الله، ورغبة في الفوز بإحسانه وفضله وعطائه؛ ولذلك قال النبيُّ ـ صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم ـ في الحديث الإلهي: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ»  صحيح البخاري (6502) ثم قال ـ صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم ـ: «وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ» صحيح البخاري (6502)  يعني بعد أداء هذه الواجبات وتلك الفرائض هو مشتغل بألوان الطاعات وصنوف البر، من الصلاةٍ والزكاةِ والصدقةِ والإحسان والصوم والحج، وبر الوالدين وصلة الأرحام وإكرام الجيران وأداء الحقوق وسائر ما ندبَ إليه ربُّنا من الصالحاتِ، والقربات، ثم قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد أن بيَّنَ المسارعة إلى ما زادَ على الواجبات: «وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ»  صحيح البخاري (6502) حتى يحبه الله ـ جلَّ في علاه ـ: «فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَنْصَرَنِي لَأَنْصُرُنَّهُ»  صحيح البخاري (6502) هذه العطايا وتلك الهبات هي ثمرةُ الطاعة والإحسان، هي ثمرة المسارعة إلى مرضاة الله ـ عز وجل ـ وبرّه وإحسانه.

إنَّ الطائع - أيها الإخوة والأخوات - يفوزُ بعطاء عظيم من الله ـ عز وجل ـ إنهُ نعيم القلب أولًا، ثم يتبعُ ذلك انشراح الصدر، واستقامة الحال، وتصبح هذه الدنيا جنة له؛ لأنهُ قد عرف اللهَ تعالى واقتربَ منه وفازَ بمحبته ـ جلَّ في علاه ـ إذا فاز العبد بمحبة الله، فقد هانَ عليهِ كُلُّ مصاب، وانقشعت عنهُ كُلُّ كُرْبَة، وزالَ عنهُ كُلُّ أذى؛ لأن ما ينزِلُ به من خيرٍ أو شر هو بينَ أمرين: الأمر الأول: إمّا ما يُسَرُّ بهِ، ويَبْتَهِجُ، فيحمدُ اللهَ ـ تعالى ـ عليه، ويُسَخِّرُه في طاعة الله. والأمر الثاني: إمّا فيما يُكْرَه من نوازل ومصائب وأذى، فهو صابرٌ محتسب؛ «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ»  صحيح مسلم (2999) فهو عابد بالشكر «فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ» مما يَكْرَهُ في نفسِه، أو في ولده، أو في أهله، أو في ماله، أعطاهُ اللهُ ـ تعالى ـ صبرًا، فواجَه تلكَ المصائب بالصبر «فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»، ثم قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ» هذا العطاء العظيم، لا يكون لأي أحد، إنما يكون لعباد الله المؤمنين الشاكرين في السراء والصابرين في الضراء، وبهِ ينالون عطاء الله ـ عز وجل ـ وفضله.

نحنُ بحاجة إلى أن نعرف أننا في ميدان سباق، وأنَّ هذا الميدان لهُ نهاية، نهايته بانقضاء آجالنا، لن نبلُغ الغاية إلا بعظيم الاجتهاد والبذل الممكن، والمؤمن إذا بذلَ وأظهرَ لربِّه صدق رغبته واستعان الله عز وجل في الحصول على فضله وإحسانه نال من الله فضلًا عظيمًا؛ {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 55، 56].

أسأل الله العظيم ربَّ العرش الكريم أن يجعلنا من أهل الإحسان، وأنْ يَمُنَّ علينا بالفضلِ والإنعام، وأن يحشُرنا في زمرة عباد الرحمن.

إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم: "عباد الرحمن" أستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات89952 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات86962 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف