المقدمُ: مُسْتمِعِينا الكرامَ، السلامُ عليكُمْ وَرحمةُ اللهِ وَبركاتُهُ، أَهْلًا ومرْحَبًا بِكُمْ مَعَنا دائِمًا عَبْرَ أَثِيرِ إِذاعةِ "نَداءِ الإِسْلامِ" نَتواصُلُ وَإِيَّاكمْ أَيُّها الأَحِبَّةُ، دائِمًا معكُمْ، وندْعُوكمْ أَيْضًا إِلَى مُواصَلَةِ الاسْتِماعِ إِلَى إِذْاعَتِنا نحنُ في بَثِّنا المباشرِ عَلَى مَدارِ أربعٍ وَعِشْرِينَ ساعةٍ، نَحنُ وَإِيَّاكُمْ في شهرِ رَمَضانَ المبارَكَ، وَنَسْأَلُ اللهَ - عزَّ وجَلَّ - دائِمًا القبولُ لِصالحِ القوْلِ وَالعِملِ، وأَنْ يُتِمَّ عَليْنا وَعَلَيْكُمْ شَهْرُ الصِّيامِ، كَما بلَّغَنا أوَّلَهُ أَنْ يُبَلِّغَنا آخِرَهُ، وأَنْ يَجْعَلَنا مِنَ المرْحُومِينَ وَمِنَ المغْفُورِ لهمْ وَمِنْ عُتَقائِهِ مِنَ النارِ.
هذهِ أَطْيبُ تَحِيَّةٍ مِنّي محمد الجرِيني، وأَخِي مِنَ الإِخْراجِ عَبْدُ اللهِ الشَّمراري، نَتَواصِلُ وَإِيَّاكُمْ في "يَنابيعِ الفَتْوَى" مَعَ عُلَمائِنا وَمَشايِخِنا لإطْلاعهِمْ عَلَى ما يَهُمُّ المسلمَ في شَهْرِ رَمَضانَ، كَذلكَ يَسُرُّنا في كُلِّ حَلَقَةٍ مِنْ حَلَقاتِ هَذا الشَّهْرِ أَنْ نَتَواصَلَ مَعَكُمْ وَنُطْلِعَكُمْ كَذَلِكَ عَلَى الفَتاوَىَ الَّتي تَهُمُّ المسْلِمَ في حَياتِهِ في شَهْرِ رَمَضانَ المبارَكِ.
في هَذِهِ الحلَقَةِ يَسُرُّنا أَنْ يَكُونَ مَعَنا فَضِيلةِ الشَّيْخِ الدُّكْتُور خالد المصلح/ أَسْتاذِ الفقهِ بِكُلِّيَّةِ الشَّرِيعَةِ بِجامِعَةِ القَصِيمِ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ شَيْخُ خالد، وَحَيَّاكُمْ اللهُ.
الشيخُ: وَعَلَيْكُمُ السلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَركاتُهُ، مَرْحَبًا بِكَ، حَيَّاكُمُ اللهُ وَحَيَّا اللهُ الإِخْوةُ والأَخواتُ، وأَسأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَهُ لِقاءً نافِعًا مُبارَكًا.
المقدمُ: شيخُ خالدٍ تَعْلَمُونَ بِأَنَّنا في شَهْرِ رَمَضانَ، وَشَهْرُ رَمَضانَ يَلْتَقِي دَائِمًا مَعَ اهْتِمامِ المسْلِمينَ بِالقُرْآنِ وَكَثِيرٍ مِنَ الأَعْمالِ الصَّالحةِ، نَوَدُّ أَنْ نَتَحَدَّثَ وَإياكمْ عنْ حَياةِ المسلمِ في شهرِ رَمضانَ، كيفَ هُوَ في تَدارُسِهِ مَعَ القُرْآنِ الكريمِ؟ كيفَ لهُ أَنْ يَفْهمَ وأَنْ يَتَدبَّرَ القُرْآنَ الكريمَ وَأَنْ يُحْيي أَوْقاتَهُ في هَذا الشَّهْرِ الكريمِ بِالقُرْآنِ الكريمِ؟
الشيخُ: السلامُ عليكُمْ وَرحمةُ اللهِ وبركاتهُ، حيَّا اللهُ الإِخوةَ وَالأَخَواتِ، وأَسألُ اللهَ العظيمَ أَنْ يجعَلَنا مِنْ َأهلِ القُرْآنِ الَّذينَ هُمْ أَهْلُ اللهِ وَخاصَّتُهُ.
القرآنُ العَظيمُ لهُ خاصِّيَّةٌ في شَهْرِ رَمَضانَ مِنْ جِهةِ أَنَّ اللهَ تَعالَى اصْطَفَى هَذا الشهرَ بَيْنَ أَشْهُرِ العامِ فَجعلَهُ مَحلًّا لِنزولِ هَذا الذكرِ الحكيمِ وَهَذا الكتابِ المبينِ؛ يقولُ اللهُ ـ تَعالَى ـ: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾البقرة: 185 يخبرُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بينَ يَدَيْ فَرضِ الصِّيامِ عَنْ وَجْهِ اختصاصِ هَذا الزمانِ بهذهِ الفضيلةِ العُظْمَى؛ وَهِيَ أنْ جعلهُ مَحلًّا لفرضٍ مِنْ فَرائِضِ الإِسْلامِ وركنٍ مِنْ أَركانهِ العِظامِ وَهُوَ الصِّيامُ.
فإنَّ اللهَ تَعالَى خصَّ هَذا الشهْرَ بِأَنْ كانَ مَحلًّا لهذا الركنِ العَظِيمِ مِنْ أَرْكانِ الإسلامِ؛ لأَجْلِ كوْنِهِ الزمانِ الَّذي قدَّرَ اللهُ ـ تَعالَى ـ فيهِ إِنْزالَ الوَحْيِ المبينِ وَالقُرْآنِ العظيمِ عَلَى سَيِّدِ المرْسَلِينَ؛ قالَ ـ تَعالَى ـ بَعْد أَنْ ذَكَرَ إِنْزالِ القُرْآنِ في هَذا الشهرِ: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾البقرة: 185 .
وَباِلتأكِيدِ أَنَّ هَذا الشَّهْرِ يَنْبَغِي أنْ يكُونَ للِقُرْآن فيهِ منَ الاهْتمامِ وَالعِنايَةِ والحفاوَةِ وَالإِقْبالِ ما لَيْسَ بِسائرِ الزَّمانِ، وَإِنْ كانَ المؤمنُ لا يفترُ عَنِ الإِقْبالِ عَلَى القرآنِ آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ في كُلِّ حينٍ وعامٍ، لكنْ في زَمانِ القُرْآن وَنُزولِهِ كانَ لِلقُرْآنِ مَزيدُ حفاوةٍ وعِنايَةٍ.
ولَنا في هَدْي سيِّدِ المرسلينَ وخاتَمِ النبيينَ نَبيِّنا محمدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّم - الأُسْوَةُ وَالقُدْوةُ؛ فإنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يعْرِضُ القُرآنَ علَى جِبريلَ في رَمَضانَ في كُلِّ ليلةٍ مِنْ لَيالي هَذا الشَّهْرِ المبارَكِ؛ جاءَ ذلكَ في الصحيحينِ مِنْ حَدِيثِ أَبي هريرةَ - رضِيَ اللهُ تعالَى عنهُ - أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - كانَ يُعارِضُ جِبريلَ القُرْآنَ كُلَّ ليلةٍ، وذلكَ عَلَى مَرِّ الأَيامِ في رمضانَ في كُلِّ السَّنواتِ، وفي العامِ الَّذي قُبِضَ فيهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَعَلَى آلِهِ وسلَّمَ - عرَضَ عليهِ القُرْآنَ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - مَرَّتَيْنِ؛ أَي أنهُ قرأَ القُرآنَ معَ جِبْريلَ مَرَّتَيْنِ في العامِ الَّذي خَتَم لهُ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسلَّمَ.
ولاشكَّ أنَّ هذهِ القراءةَ الَّتي كانَ يقرأُها رسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ - كانتْ عَظيمةَ الأثَرِ عَلَى قَلْبِهِ مِنْ جِهَةِ أَثَرِ القُرْآنِ، وَمِنْ جِهَةِ الصُّحْبَةِ المباركَةِ التي كانتْ لهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ هَذا الملكِ الكريمِ الشريفِ جبريلَ عليهِ السلامُ؛ ولهذا ظهرَ أَثَرُ ذلكَ فِيهِ؛ فَهُوَ أَجْودُ الناسِ كَما جاءَ في الصحيحينِ منْ حَديثِ عَبدِ اللهِ بنَ عباسٍ قالَ: «كانَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ - أجودَ الناسِ بِالخيرِ وَأَجْودَ ما يكُونُ في رَمضانَ لأنَّ جبريلَ كانَ يَلْقاهُ في كُلِّ ليلةٍ في شهرِ رَمَضانَ حتَّى ينسلخَ يعرضُ عليهِ رَسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – القُرآنَ، فإِذا لقيهُ جِبريلُ كانَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّم - أَجْوَدَ بِالخيرِ مِنَ الريحِ المرْسَلَةِ»صحيحُ البُخاريِّ (6)، وَصَحيحُ مُسْلِمٍ (2308) هَذا النصُّ الشريفُ مِنَ خبرِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - الذي قصهُ ابنُ عباسٍ يبيُّن ما للقرآنِ مِنْ أثرٍ علَى أهلهِ، ما للقُرْآنِ مِنْ أثرٍ عَلَى تاليهِ، وَما لِلقُرآنِ مِنْ أثرٍ في انْتِقاءِ الصُّحبةِ الطيبةِ؛ فإنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - كانَ يُجالسُ أَشْرفَ الرُّسلِ مِنَ الملائكةِ؛ {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} الحج: 75 فأشرفُ الرُّسُلِ مِنْ بَني آدمَ محمدُ بْنُ عبدِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عليهِ وَعَلَى آلهِ وسلَّم ـ وأشرفِ الرُّسُلِ مِنَ الملائِكةِ جبريلُ عليهِ السلامُ.
كانَ رَسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - يَلْتَقِي بجبريلَ، وموْضُوعُ الِّلقاءِ كلامُ الرحمنِ ـ جلَّ في عُلاهُ ـ يعرضُ عليهِ القُرآنَ، وذلكَ كلَّ ليلةٍ مِنْ لَيالي شهرِ رمضانَ، وَيزيدُ جُودُهُ ويزيدُ خَيرهُ ويزيدُ بِرُّهُ؛ لِزيادَةِ إِيمانهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ - بِقراءةِ كَلامِ ربِّهِ؛ حيثُ قالَ اللهُ ـ تَعالَى ـ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾الأنفال: 2 فَالقُرآنُ لهُ مِنَ التأثيرِ ما ينْبغِي أَنْ يَكُونَ حاضِرًا في نَفْسِ كلِّ مُؤمنٍ في هَذا الشهرِ الكريمِ، وَنحْنُ في هذهِ الأيامِ المباركَةِ نَقرأُ القُرآنَ، يَقرأهُ المسلمُونَ فُرادَى في مساجدهِمْ، وَفي بُيوتِهمْ، وَفي أَسْواقهِمْ، وَفي مَكاتبهِمْ، وَفي سائرِ أَماكنهِمْ، وَيسمعُونهُ في صَلواتهِمُ المفْرُوضةَ، وَكَذلكَ في صَلواتهِمْ في قِيامِ الليلِ، يَسْمعونُهُ مِنَ الأَئِمَّةِ، فيمُرُّ عليهمُ القُرآنُ وتمرُّ عليهمْ آياتهُ وَعظاتُهُ وَقصصُهُ وأخبارهُ، وحِكمهُ وأَحكامهُ، كُلُّ ذلكَ لابُدَّ أَنْ يكُونَ لهُ أَثرٌ، فَإِذا كانَ أَطيبَ الناسِ خُلُقًا وأجودَ الناسِ بالخيرِ يتأثَّرُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ - فيزيدُ خيرُهُ بالقرآنِ، بِسماعهِ وتلاوتهِ، فينبغِي أنْ يَكُونَ هَذا في حالِ كُلِّ مُؤمنٍ، وَهَذا لا يكونُ لِلقراءةِ العاريةِ عنِ التدبُّرِ وَالفهمِ، بَلْ لا يكونُ هَذا الأثرُ إِلَّا لمنْ أَعْملَ لسانهُ بِذكرِ ربهِ تِلاوَةً، وأعملَ قلبهُ بِالتأمُّلِ وَالفكرِ والفهمِ والعقلِ لكلامِ اللهِ - عزَّ وجلَّ - وتأمَّلْ ما فيهِ مِنَ الحِكمِ والأَسْرارِ وَالمعاني وَالمواعظِ؛ فتجدُ في قلبهِ رِقَّةً وفي سُلُوكهِ صَلاحًا، وَفي نفعهِ لِلخلقِ إِقدامًا؛ حَيْثُ يجدُ مِنْ نفسهِ نَشاطًا للإحْسان إِلَى الناسِ في القوْلِ وَالعَمَلِ؛ كَما كانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عليهِ وسلَّمَ - فِيما وصفهُ ابْنُ عَبَّاسٍ؛ قالَ: «فإذا لَقيه جبريلُ كانَ أَجْودَ بِالخيرِ مِنَ الريحِ المرسلَةِ»صَحيحُ البُخاريِّ (6)، وَصحيحُ مسلمٍ (2308) يعْني بِالخيرِ في نشرهِ وبذلهِ وعَطائهِ أكثرَ مما تأْتي بهِ الريحُ المرسلَةُ شديدةُ الهبُوبِ بالخيراتِ وَما يحبُّهُ الناسُ.
فينبغِي أنْ يُفْهمَ أنَّ القُرآنَ لهُ وزْنٌ عَظِيمٌ في هَذا الشهرِ المبارَكِ، هَذا الشهرُ هُوَ شهرُ القُرآنِ، هَذا الشهرُ هُوَ شُهْرُ تدبرهِ، هَذا الشهْرُ هُوَ شهرُ تلاوتِهِ، هَذا الشهرُ هُوَ شهرُ التأثُّرِ بِهِ، هَذا الشهرُ هُوَ شهرُ الاسْتماعِ لِلقرآنِ، هَذا الشهرُ هُوَ شهرُ التأثرِ بِالقُرآنِ في السُّلُوكِ وَالعملِ وَالظاهرِ وَالباطنِ.
وإذا كانَ اسْتِماعُ القُرآنِ مُوجِبًا لِرحمةِ الرحْمنِ؛ فإنَّ كَثرةَ اسْتماعِ القُرآنِ تُوجِبُ عطاءَ الرَّحمنِ وبرهِ - جَلَّ وَعَلا - كَما قالَ اللهُ ـ تَعالَى ـ: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾الأعراف: 204 أَي: أَنَّ الرحمةَ نَصيبُ أُولئِكَ الَّذينَ أَكْثرُوا مِنْ سَماعِ القُرآنِ، فَكُلَّما زادَ سَماعُكَ لكلامِ ربكَ ـ جلَّ في عُلاهُ ـ زادَ ذلكَ في خيركِ وبركَ وما يَكُونُ مِنْ نَصِيبكَ مِنْ رَحْمَةِ الرَّحيمِ الرَّحمنِ جَلَّ في عُلاهُ سُبحانَهُ وبحمدِهِ.
فأُوصِي نفسِي وإِخْواني أَنْ يَكُونَ لَنا نَصيبٌ مِنْ تِلاوَةِ كَلامِ اللهِ - عَزَّ وجلَّ - أنْ يَكُونَ لَنا حظٌّ مِنْ تدبُّرِ مَعاني هَذا الكلامِ الكريمِ، وأَنْ نُجِدَّ في ذلكَ، وأَنْ نسابِقَ الوقْتَ، وأنْ لا يكُونَ ذَلِكَ في زَمانٍ دُونَ زَمانٍ، بَلْ يَكُونُ في كُلِّ أَوْقاتِ رَمضانَ، فإنَّ اللهَ ـ تَعالَى ـ نَدَبَنا لِتلاوَةِ كتابِهِ وَحَثَّنا عَلَى ذلِكَ، وَكانَ رَسُولُنا - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم - يَخُصُّ هَذا الشهْرَ بِتلاوَةِ القُرْآنِ وَعَرضِهِ عَلَى جِبْريلَ علَيْهِ السلامُ كُلَّ ليلةٍ مِنْ لَيالي هَذا الشهرِ، أسأَلُ اللهَ العظيمَ أَنْ يَستعْمِلَنا وَإِياكُمْ في طاعتهِ، وأَنْ يُعِينَنا على ذكرهِ وشكْرِهِ وَتلاوَةِ كَلامِهِ آناءَ الليلِ وَآناءَ النهارِ.
المقدمُ: شيخُنا خالد، إِذا آذنْتَنا بفاصلٍ قَصيرٍ ثُمَّ نعودُ وَنُكْمِلُ وَإياكمْ عَنْ حَياةِ المسلمِ في شهرِ رَمضانَ مَع القرآنِ العظيمِ.
الشيخُ: نعمْ.
المقدم: بارك الله فيك.
﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾البقرة: 286
المقدمُ: حياكُمُ اللهُ مُسْتمعِينا الكرامَ، إِلَى البرنامجِ المباشرِ "ينابيعُ الفتوَى"، أَنا محمدُ الجريني وأخِي عبدُ اللهِ شمراني مِنَ الإِخْراجِ، كَذلكَ مَعَنا فضيلةُ الشّيخِ الدكتور/ خالد المصلح؛ أُستاذُ الفقهِ بكُلِّيةِ الشريعَةِ بِجامعةِ القَصيمِ، حياكمُ اللهُ فضيلةَ الشيخ ِخالد.
الشيخُ: حياكمُ اللهُ، مَرْحبًا.
المقدمُ: أَهْلًا وسهْلًا بكمْ، كُنتمُ تَتحدَّثُونَ قبلَ الفاصلِ، ولعلَّنا أَيْضًا نذكِّر مستمعِينا الكرامَ بأرقامِ التواصُلِ قبلَ ذلكَ علَى الأرقامِ: 6477117 - الرقمُ الآخرُ: 6493028 مفتاحُ المنطِقةِ 012 أوْ عَلَى رقمِ الواتسِ أَبْ عَلَى الرقمِ: 05 أوْ 0500422121 لمنْ أرادَ أن يبعثَ بِرسالةٍ مشاركةٍ منهُ أوْ مُداخلةٍ في ثنايا هَذا اللقاءِ.
كنتمْ شَيخ خالدٍ تتحدثُونَ قبلَ الفاصِلِ عَنْ أَهِميةِ القُرآنِ وأهميةِ الاسْتماعِ للقُرآنِ وإعمارِ يومِ المسلمِ ومسائهِ بِالقُرآن الكريمِ، وَالتدبرِ لما فيهِ مِنَ الآياتِ العِظامِ، تفضلْ شيخَنا، باركَ اللهُ فيكُمْ.
الشيخُ: أي نعمْ، نحنُ تحدَّثْنا فِيما تقدَّمَ عنْ حُقُوقِ القُرْآنِ وَاخْتِصاصِ القُرآنِ في هَذا الشهْرِ، وَما الَّذي ميَّزَ هَذا الشهْرَ عنْ سائرِ الزَّمانِ فِيما يتعلقُ بِالعِنايَةِ بالقرآنِ وَالإقبالِ عليهِ، وَذكرنا لذلكَ ما أَشارتْ إِلَيْهِ الآيةُ: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾البقرة: 185 ، ثم قالَ اللهُ - جلَّ وعَلا - : ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾البقرة: 185 وكَذلكَ بيَّنا ما يكونُ مِنَ الإِقْبالِ عَلَى القرآنِ في هَذا الشهرِ في هَديِ سيدِ الأَنامِ ـ صَلَواتُ اللهِ وَسلامهُ عليهِ ـ فَكانَ - صلَّى اللهُ عليهِ وَسلمَ - يعرِضُ القُرآنَ علَى جبريلَ في كلِّ عامٍ مرةً، وفي العامِ الَّذي قُبِضَ فيهِ ـ صَلَّى اللهُ عليهِ وَعَلَى آلهِ وسلَّمَ ـ عرضهُ مَرَّتيْنِ، وَبيَّنَّا أنَّ هَذا العرضَ الَّذي كانَ يعملُ عليهِ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسلمَ - مَعَ جِبريلَ حَيثُ كانَ يُعارضُ بِالقرآنِ كلَّ سنةٍ وفي السَّنةِ الَّتي ماتَ فِيها عارَضَهُ مَرَّتينِ أَنَّ هَذا العرضَ لم يكُنْ عَرْضَ تِلاوةٍ لا تأْثِيرَ لهُ، بلْ كانَ عظيمَ التأثيرِ في أطيبِ الناسِ خُلقًا وأعبدهِمْ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّم - وأتقاهُمْ وأقومِهِمْ بأمرِ اللهِ - عزَّ وجلَّ - ففي الصحيحِ مِنْ حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عباسٍ قالَ: «كانَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - أجودُ الناسِ بِالخيرِ وأجودُ ما يكُونُ في رَمضانَ لأَنَّ جبريلَ كانَ يلقاهُ في كُلِّ ليلةٍ في شهرِ رَمضانَ حتَّى ينسلخَ يعرضُ عليهِ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ – القُرآنَ»؛ هَذا في العَملِ، وأَمَّا في الأَثَرِ قالَ: «فَإِذا لقِيهُ جبريلُ كانَ أَجْودَ بِالخيرِ مِنَ الرِّيحِ المرسلةِ» صحيحُ البخاريِّ (6)، وصحيحُ مسلمٍ (2308) صلَّى اللهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ .
منَ المهمِّ أن يُعلَم أنَّ القُرآنَ إِنَّما تنالُ بركاتُهُ وتدركُ خيراتُهُ، بِتلاوتهِ الَّتي يقرأُ فِيها الإنسانُ القُرآنَ بقلبٍ حاضرٍ، بقلبٍ متأملٍ متدبرٍ متفكِّرٍ في معاني ما يقرأهُ مِنْ كلامِ اللهِ - عزَّ وَجلَّ - يَقُولُ اللهُ - جلَّ وَعَلا - في محكَمِ كِتابهِ: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾ص: 29 فاللهُ - جلَّ وعَلا - أخبرَ عنْ بركةِ القُرآنِ وأنهُ مُباركٌ، والمباركُ هُوَ كثيرُ الخيرِ، كثيرُ الإحسانِ، كثيرُ البرِّ، كَثيرُ البركةِ، فالبركةُ إِشارةٌ لكثرةِ ما في هَذا القُرآنِ مِنْ أبوابِ البرِّ وصُنُوفِ الخيرِ، فمَنْ تَلا القُرآنَ نالَ بِتلاوةِ المتدبرِ قِراءةَ القُرآنِ؛ وَلذلكَ أشارَ اللهُ ـ تَعالَى ـ بَعْدَ ذكرِ بركةِ القُرآنِ إِلَى الطريقِ الَّذي ينالُ بِهِ ذَلِكَ الفَضْلَ وتلكَ البركةَ فَقالَ: ﴿لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾ص: 29 فطريقُ تحصيلِ البركةِ هُوَ التدبرُ، هُوَ التأملُّ والفكرُ في آياتِ الكتابِ الحكيمِ، وتلاوةِ القُرآنِ حَقَّ تلاوتِهِ بِالتفكُّرِ في مَعانيهِ وَإدراكِ مَدْلُولاتِهِ؛ عندَ ذلكَ يُفْتَحُ للِإنسانِ مِنْ خَيراتِ القُرآنِ الشيءُ العظيمُ، فالقرآنُ هُدَى، القُرآنُ رحمةٌ، القُرآنُ بصائرُ، القرآنُ نُورٌ، القُرآنُ حَياةٌ، القُرآنُ ذِكْرَى، كلُّ هَذِهِ المعانِي لا تُنالُ بِمجردِ القراءةِ الَّتي لا تدَبُّرَ فِيها وَلا فهْمَ لمعانِيها.
قالَ اللهُ ـ تعالَى ـ في قومٍ يقرءُونَ القُرآنَ ليسَ لهمْ مِنهُ إِلَّا قراءةُ الأَلْفاظِ دُونَ تدبُّرِ المعاني: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ﴾البقرة: 78 أيْ: ليسَ لهمْ حَظٌّ في القُرآنِ إِلَّا أنهمْ يقرءُونَهُ بألفاظهِ دُونَ تَدَبُّرِ معانِيهِ، دُونَ الوقوفِ عندَ دِلالاتِهِ، دُونَ التفكُّرِ فِيما فيهِ، وَبالتالي لا يُدْركُونَ ما فيهِ مِنَ الخيراتِ بِخلافِ أُولئِكَ الذِينَ يُفتحُ لهمْ فَيتلُونَ القُرآنَ حقَّ تِلاوتهِ، كَما قالَ اللهُ ـ تعالَى ـ: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِك يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾البقرة: 121 فحقُّ التلاوَةِ إِنَّما يكونُ بتدبرِ القُرآنِ والعملِ بِهِ والتأثُرِ بهِ والانتفاعِ بِهِ والاهتداءِ بهِ والاتِّعاظِ بهِ.
لذلكَ جَديرٌ بالمؤمنِ أَنْ يُقبلَ عَلَى هذهِ الرَّحْمَةِ وَهَذِه الذكْرَى، فيأخذَ مِنَ القُرآنِ ما فيهِ مِنَ الهداياتِ، ما فيهِ مِنَ البصائرِ، ما فيهِ مِنَ النُّورِ، ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ﴾المائدة: 15 - 16 ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ﴾ أيْ: يهدِي بِالقُرْآنِ، وَلا تكونُ هِدايةُ القُرآنِ إِلا لمنْ فهمَ، إلا لمنْ تدبَّر، إِلَّا لمنْ تَلاهُ حقَّ تِلاوتِهِ، وَذاكَ بأنْ يتفهَّمَ معانيه، وأَنْ يَتَفَكَّرَ بِما فيهِ، فيدركُ مِنْ خَيْراتِ القُرْآنِ ربحًا عَظِيمًا وَفَضْلًا كبِيرًا؛ ولذلكَ مَنْ تَلا القُرْآنَ وأرادَ بِهِ المتاجرةَ مَعَ مَوْلاهُ الكريمِ، فإنهُ يَرْبحُ الربحَ الَّذي لا بعدهُ رِبْحٌ، وَينالُ مِنَ البركةِ ما يَسعدُ بِهِ في دُنْياهُ وأُخْراهُ؛ قالَ اللهُ ـ تَعالَى ـ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾فاطر: 29 مفتاحُ هذهِ الفضائلِ، مِفْتاحُ هذهِ التجارَةِ تِلاوةُ كِتابِ اللهِ، ثمَّ ذكرَ بعدَ ذلكَ أَعْمالًا هِيَ أصُولُ؛ إِقامِ الصلاةِ وإنفاقِ المالِ في السرِّ والإعلانِ، قالَ: ﴿يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾ لكنَّ المفتاحَ والمبدأَ في أَنْ يقرأَ الإنسانُ كَلام اللهِ تعالَى حقَّ تلاوتِهِ كَما قالَ - جلَّ وَعَلا - وَإِذا حقَّقَ ذلِكَ فَتَحَ لهُ مِنْ أَبوابِ الخيرِ ما ينالُ بهِ الربحَ التامَّ والنجاحَ الكامِلَ ليُعطِيهمْ أُجُورَهُمْ ويزيدُهُمْ مِنْ فضلهِ، فضلُ اللهِ واسعٌ فجديرٌ بِنا أنْ نَتَعَرَّض لِذلكَ الفضْلَ وَذلكَ الإحسانُ حتَّى يُدركَ الإنسانُ مِنَ الخيرِ ما يكُونُ سَببًا لِسعادتِهِ في دُنْياهُ وأُخْراهُ.
إن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - بيَّنَ عظيمَ ما منَّ اللهُ ـ تَعالَى ـ بهِ منَ القُرآنِ، فقالَ ـ صَلَّى اللهُ عليهِ وَعَلَى آلهِ وسلَّمْ ـ كَما في الصحيحيِن مِنْ حَدِيثِ أبي هريرةَ: «ما مِنْ نبيٍّ إلا أُعْطِيَ مِنَ الآيات ما مثلُهُ آمَنَ عليهِ البشرُ» يَعْني أعطاهُ اللهُ مُعْجزاتٍ، أعطاهُ اللهُ دَلائلَ وَبَراهِين، تجعل الناسَ يُصدِّقونهُ، وكانَ الَّذي خصَّ بِهِ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - عَلَى كثرَةِ ما أُوتِيهُ مِنَ الآياتِ: الوَحْيِ العظيمِ، «وإنَّما كانَ الَّذِي أُوتيتهُ وَحْيُ أَوْحاهُ اللهُ إِلَي فأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أكثرَهُمْ تابِعًا»صحيحُ البُخاريِّ (4981)، وَصحيحُ مُسْلِمٍ (152).
أَيُّها الإِخْوةُ وَالأَخَواتُ؛ إِنَّ اسْتِماعَ القُرْآنِ وَتَدَبُّرَهُ يَفْتَحُ لِلعَبْدِ المؤْمِنِ بِرًّا وَخَيْرًا وفَضْلًا، وَكُلُّ واحِدٍ مِنَّا بحاجَةٍ ماسَّةٍ إِلَى تَدَبُّرِ القُرْآنِ لِيَنالَ مِنْ هِداياتِهِ وَخَيْراتِهِ؛ وَلِذلِكَ قَدْ يَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: التَدَبُّرُ مُهِمَّةُ المتَخَصِّصِينَ، مُهِمَّةُ المشْتَغِلِينَ بالتعْلِيمِ. مَعَ أَنَّ القُرْآنَ: اللهُ - جَلَّ وَعَلا - نَدَبَ إِلَى تَدَبُّرِهِ حَتَّى مَنْ لمْ يُؤْمِنْ بِهِ فَقالَ - جَلَّ وَعَلا - في المشركينِ الَّذينَ لمْ يُؤْمِنُوا بِهِ؛ قالَ ـ تَعالَى ـ: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾المؤمنونُ: 68 فندبَ اللهُ ـ تَعالَى ـ إِلَى تدبُّرِ آياتهِ حَتَّى أُولئكَ الَّذينَ لم يُؤمِنُوا بهِ وَلم يُصدِّقُوهُ.
فالتدبُّرُ مَطلُوبٌ منْ كُلِّ مَنْ سَمِعَ القُرْآنَ، مِنْ كُلِّ مَنْ تَلا القُرآنَ، سَواءٌ كانَ مِنْ أَهْلِ الإيمانِ أَوْ كانَ مِنْ غيرِهِ، سَواءٌ كانَ مِمَّنِ اشْتَغَلَ بِالعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَالتَّخَصُّصِيَّةِ أوْ كانَ مِنْ سائرِ عُمُومِ المسْلِمينَ؛ لأنَّهُ لا تُنالُ بَركاتُ القُرآنِ إِلَّا بِتَدبُّرِهِ وَالتفكُّرِ فيهِ؛ ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ﴾ خطابٌ منَ اللهِ - عزَّ وجَلَّ - لِلناسِ كافَّةً ﴿قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾يونس: 57 - 58 .
وحاجةُ الأُمَّةِ إِلَى فهْمِ القُرْآنِ حاجةٌ في غايَةِ الأهمِّيَّةِ وَفي غايَةِ الضَّرُورَةِ؛ يَقُولُ ابْنُ تيميةَ - رَحِمَهُ اللهُ -: وَحاجةُ الأُمَّةِ ماسَّةٌ إِلَى فهْمِ القُرْآنِ لإصْلاحِ القُلُوبِ وَتزكِيَةِ الأَعْمالِ والخُروجِ مِنَ المضائقِ؛ وَلِذلكَ يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَنِيَ المؤمِنُ بِذِكْرِ رَبِهِّ في تِلاوةِ كتابهِ وَتفهُّم آياتهِ، وَبِهِ يَلِينُ القَلْبُ، بِهِ يَصْفُو، وَيَزْكُو، وَيَصْلُحُ وَيَطِيبُ؛ لِذَلِكَ يقُولُ اللهُ ـ تَعالَى ـ: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾الحديدُ: 16 فجديرٌ بِنا أَنْ نعتَنِيَ بِالتَّدبُّرِ وَالاتِّعاظِ بِما في هَذا الكِتابِ الحكيمِ مِنْ مَعاني وَدِلالاتٍ.
المقدِّمُ: شيخُ خالد إِذا أَذِنْتَ لَنا بِأَخْذِ بَعْضِ الأَسْئِلَةِ مِنَ المتَّصِلينَ أَوْ مَنْ بَعَثُوا رسالتهُمْ عَبْرَ تطبيقِ واتس أَبْ.
الشيخُ: تفضَّلْ يا أَخِي.
المقدمُ: باركَ اللهُ فِيكَ، حفِظكُمُ اللهُ، هَذا السُّؤالُ مِنَ الأَخِ عَبدِ العَزيزِ يَقُولُ: ما هيَ وَصِيَّتِكُمْ يا شَيْخ خالدِ للأُسْرَةِ في شأْنِ القُرْآنِ العَظيمِ في رَمَضانَ خاصَّةً مِمَّنْ تَنْشَغِلُ أو يتلخبطُ نوْمُها أَوْ يتأثَّرَ نَوْمُها بِالليلِ وَالنهارِ أو بتوفيرِ الطَّعامِ؛ الفُطُورُ أوِ السُّحورُ وَما إِلَى هُنالِكَ، فَكيفَ تُوازِنُ بيْنَ هَذِهِ الأُمُورِ وتحرص عَلَى القُرآن الكريم؟
الشيخ: يا أخي الكريم، وصيتي لنفسي وإخواني وجميعَ المسلمينَ أَنْ نَتلاصَقَ بكتابِ اللهِ - عزَّ وجلَّ - مِنَ المهمِّ أنْ نَتواصَى جَميعًا بِالحقِّ، وَمِنَ التَّواصِي بِالحقِّ التواصِي بِالقرآنِ في شهرهِ، بأنْ نحُثَّ بعْضَنا بَعْضَا عَلَى تِلاوَتِهِ، علَى تَدبُّرِهِ، وَينْبَغِي أَنْ يَكُونُ في كُلِّ أُسْرَةٍ نَوْعٍ مِنَ التذاكرِ الَّذِي يَتذاكرُ فِيهِ أَفْرادُها مِنَ الصِّغارِ وَالكِبارِ وَالآباءِ وَالأُمَّهاتِ وَالإِخْوةِ وَالأَخواتِ، نُذَكِّرُ بَعْضَنا بِأَنْ نَأْخُذُ نَصِيبًا مِنْ كِتابِ رَبِّنا تِلاوَةً وَذِكْرًا وَتَدَبُّرًا وَفِكْرًا، وَبِهِ نُحَقِّقُ التَّعاوُنَ الَّذِي يَنْتَظِمُ بِهِ مَقْصُودُنا مِنْ أَنْ يَكُونُ لَنا في هَذا الشَّهْرِ مِنْ نَصِيبِنا مِنَ القُرْآنِ أَكْثَرَ مِنْ غَيرِهِ، فَوُجُودُ الأَعْمالِ، الأَشْغالَ، الانِشِغالاتُ، أَحْيانًا اخْتِلافُ البرنامجِ اليومِيِّ، كُلِّ هَذا لا يُعِيقُ عِنْدما تكُونُ هُناكَ رَغْبَةٌ صادِقَةٌ في أَنْ يَكُونَ لِلإنْسانِ نَصِيبٌ مِنْ كَلامِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
النبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - كانَ أَكْثَرَ الناسِ شُغْلًا، وَمَعَ ذلِكَ كانَ يُفَرِِّغَ نفْسَهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّ لَيْلَةٍ في رَمَضانَ وَيَعْرِضُ القُرْآنَ عَلَى جِبريلَ، كانَ يَعْرِضُهُ في كُلِّ سَنَةٍ مرةً، هَذا غيرُ قِراءتِهِ الخاصَّةِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غيرُ قِيامِهِ لِلَّيْلِ - صَلَّى اللهُ علَيْهِ وَسَلَّم - وَفي العامِ الَّذي قَبَضَ فيهِ عَرَضَهُ مَرَّتَيْنِ علَى جِبريلَ عليهِ السَّلامُ؛ لِذلكَ مِنَ المهمِّ أَنْ نَقتطَعَ مِنْ هَذِهِ الأَرْبِعٍ وَعِشْرِينَ ساعةً جُزْءًا مِنَ الوَقْتِ في ليلٍ أوْ نهارٍ، في غُدْوَةٍ أو في عَشِيٍّ، في لحظَةٍ مِنَ اللَّحَظاتِ، نَخْتَلِي فِيها بِكلامِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - نَقْرَأُهُ، نَعْرِضُ قُلُوبَنا عليهِ.
وأنا أُشِيرُ بِالنِّسْبةِ للأُسَرِ أنْ يَِكُونَ هُناكَ نَوعٌ مِنَ المسابَقَةِ الَّتي يُشِجِّعُ فِيها الآباءُ والأُمَّهاتُ وَالأَوْلِياءُ مِنْ إِخْوةٍ وأَخواتٍ كِبارٍ، يُشجعُ بعْضُهْمْ بَعْضًا عَلَى الإِنْجازِ، فَيجعلُ جائزةً لمنْ يختمُ، جائزةً لمنْ يحفظُ شَيْئًا مِنَ القرآنِ، جائزةٌ لمنْ يشتغلُ بشيءٍ مِنْ تَفْسِيرِ القُرْآنِ، وَمِثْلُ هَذا يُحفِّزُ وَيُشَجِّعُ وينشطُ عَلَى البرِّ، أَسأَلُ اللهَ أنْ يجعَلَنا وإِيَّاكُمْ مِنْ أَهْلِ القُرْآنِ.
المقدمُ: شيخُ خالد أيضًا سُؤالٌ آخرُ مِنَ الأخ عَبْدِ الرحمنِ يقولُ: في قولهِ ـ تَعالَى ـ: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا﴾الأعراف: 204 هَلْ يلزمُ المؤْمِنَ أَنْ يتوقَّفَ عنِ الحركَةِ إِذا اسْتمعَ إِلَى القُرآنِ عَبرَ إِذاعةٍ مَثَلًا وَهُوَ في شأْنٍ مِنْ شُئُونِ حياتِهِ أَوْ في مَعيشتِهِ مَثلًا؟
الشيخُ: لا، الاستماعُ وَالإنْصاتُ لا يستلزمُ التوقُّفُ عنِ الحركَةِ، وَلمْ يَقُلْ بِذلِكَ أحدٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، إِنَّما المقصُودُ بِالآيةِ ﴿فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا﴾الأعراف: 204 أقبلُوا عليهِ بتركِ ما سِواهُ مِمَّا ينْشَغِلُ بِهِ الإِنْسانُ عَنْ وَعْيِ آياتِ القُرآنِ، فاللهُ - جَلَّ وَعَلا - يَقُولُ: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾الأعراف: 204 والإنصاتُ هُوَ أَنْ يُرْعِي الإنسانُ سمعهُ القُرْآنَ سمعًا مُتَدبرًا مُتفكرًا، فالإنصاتُ إِقْبالٌ بِالقلبِ وليسَ فَقطْ إِقْبالًا بِالسمعِ؛ لأنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - جَمَعَ بينَ الأَمْريْنِ في سِياقٍ واحدٍ مَعَ أَنَّهُ يُطْلِقُ الإنصاتَ مُستقِلًّا عنِ السمعِ؛ قالَ اللهُ ـ تَعالَى ـ: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ﴾الأحقاف: 29 هُنا استماعٌ، اسْتَمِعُوا القُرآنَ وَتأثَّرُوا بِهِ، وَهُنا في هذهِ الآيةِ ذَكَر الإنصاتَ؛ فَقالَ: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا﴾الأعراف: 204 أيْ: أصْغُوا لَهُ سمعَكُمْ لتتفهَّمُوا آياتهِ وَتَعْتَبروا بمواعظِهِ، وَأَنْصِتُوا لَهُ، هَذا تَأْكيدٌ لمعنَى الاسْتِمْتاعِ، وَهُوَ ليسَ فقَطْ أَنْ يُدْرِكَ الصوتَ دُونَ تفهمٍ وتدبرٍ، بلْ أَقبلُوا عليهِ تمامَ الإقبالِ لِتَعْقِلُوهُ ولتتَدَّبَّرُوا، وَلا تلْغَوْا فيهِ فَلا تَعْقِلُوهُ، ثُمَّ رتَّبَ عَلَى ذلِكَ: ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾الأعراف: 204 .
المقدمُ: سُبحانَ اللهِ ﴿فَلَمَّا حَضَرُوهُ﴾الأحقاف: 29 وهُنا الحضُورُ: حضُورُ القلبِ وَحُضُورُ الذِّهْنِ لِلقُرآنِ الكريمِ.
الشيخُ: أي نَعمْ، هَذا في شأْنِ الجنِّ لما سَمِعُوا القُرْآنَ ذكرَ اللهُ ـ تَعالَى ـ إِنْصاتَهُمْ أولًا قالَ: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا﴾الأحقاف: 29 وهُنا الإنصاتُ سَماعٌ وزيادَةٌ، وفي الآيةِ الأُخْرَى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا﴾الأعراف: 204 فأمر اللهُ ـ تَعالَى ـ بِالاسْتِماعِ وَبالإِنْصاتِ.
المقدمُ: هَذا سُؤالٌ أخي الشيخُ خالد مِنَ الأُخْتِ شَيماء مِنْ مِصْرَ، حيَّاكَ اللهُ يا شيماء، تفضَّلي.
المتصلةُ: السلامُ عليكُمْ وَرحْمَةُ اللهِ وَبركاتُهُ.
المقدمُ: وعليكمُ السلامُ ورحْمَةُ اللهِ وبركاتهُ، أُخْتَ شَيْماء لوْ تَخْفِضِي صَوْتَ الإذاعَةِ لَديْكِ، تفَضَّلِي.
المقدمُ: أَيْ نَعَمْ، الآنَ صَوْتُكِ واضحٌ تفضَّلِي.
المتصلةُ: عندي بعضُ الأَسْئلَةِ؛ الكفيفُ غيرُ المتعلَّمِ أَوِ الوحيدُ الَّذي ليسَ لديْهِ أحدٌ إِذا أرادَ أَنْ يَصِلَ لِدرجةِ التدبُّرِ وَالتفكُّرِ وَالكلامِ الجميلِ الَّذِي نَسْمَعُهُ؛ ماذا يفعلُ؟
سُؤالٌ آخرُ خارجٌ عنْ مَوْضُوعِ الحلَقةِ: صَلاةُ الملائِكَةِ عَلَى مَنْ فَطَّر صائِمًا هَلْ تكُونُ في رَمَضانَ وغيرِ رَمَضانَ أَوْ لا؟
السؤالُ الثالِثُ: البُكاءُ في الصَّلاةِ؛ هَلْ يُبْطِلُها؟
المقدمُ: اللهُ المستعانُ، خيرًا إنْ شاءَ اللهُ، شُكرًا لكِ يا أخْت شَيماء. أخُونا عبدُ العزيزِ الشريفِ مِنَ الرياضِ حَيَّاكَ اللهُ أَخِي عبدُ العزيزِ.
المتصلُ: السلامُ عليكُمْ ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ.
المقدمُ: عليكُمُ السلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ.
المتصلُ: حياكَ اللهُ أُسْتاذ محمد الجريني كيفَ حالُكَ؟
المقدمُ: أهْلًا وسَهْلًا حياكَ اللهُ.
المتصلُ: أحييكَ وأحيي فضيلةَ الشيخِ، وباركَ اللهُ فيكُمْ جَمِيعًا، السؤالُ باركَ اللهُ فيكَ: فيما يتعلقُ بِتلاوةِ القُرآنِ الكريمِ؛ أيُّهُما أفضلُ أنْ تَكُونَ في الليلِ أَمْ في النهارِ، هَذا إذا ما علمْنا أنَّ جبريلَ عليهِ السلامُ كانَ يُدارسُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - ليْلًا؟
السؤالُ الثاني باركَ اللهُ فِيكَ: فِيما يتعلقُ بِقراءةِ القرآنِ أيْضًا: أيهُما أفضلُ خارجَ الصلاةِ أَمْ في الصلاةِ؟ وَما الأجرُ المترتبُ علَى الذي يقرأُ خارجَ الصَّلاةِ أَوْ في الصلاةِ؟ وجزاكُمُ اللهُ خيرًا.
المقدمُ: خيرًا إن شاء اللهُ، فضيلةَ الشيخِ خالد مَعِي؟
الشيخُ: نعم معكَ.
المقدمُ: الأختُ شيماءُ تقولُ: كيفَ يتدبرُ الكفيفُ الَّذي لا يبصرُ حُروف القرآنَ المكتوبةَ في المصحفِ الشريفِ؟
الشيخُ: التدبرُ لا يحتاجُ فيهِ الإنسانُ إلى بصرٍ، إنما يحتاجُ إِلَى فكرٍ وعقلٍ وإلَى إصغاءٍ؛ ولذلكَ اللهُ - عز وجلَّ - ما قالَ: {وإذا قُرِئ القرآن فانظروا} وإنما قال: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا﴾الأعراف: 204 والسماعُ إنما يكونُ بالأُذُنِ، وَلا علاقةَ للنظرِ بتدبرِ الآياتِ؛ ولذلكَ يتدبَّرُ الإنسانُ القُرآن وهُوَ في الصلاةِ، وهُوَ لا يقرأُ، ويتدبرُ القرآنَ عندَما يسمعهُ منَ التالي، وهُوَ لا يقرأُ، فَلا ارتباطَ بينَ حاسَّة البصرِ والتدبرُ، إِنما يكُونُ التدبرُ في التفهم ِوإعمالِ القلبِ تأملًا وفِكْرًا فيما يسمعهُ مِنْ آياتِ اللهِ - عزَّ وجلَّ - أَوْ فيما يتلوهُ مِنْ كَلامِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
المقدمُ: حسنًا، هُنا - يا شيخُ خالد - الكفيفُ بحاجةٍ إلَى مَنْ يستمعُ إليهِ مِنَ الناسِ إِمَّا بتطوُّعٍ أَو يَذْهَبَ إِلَى حلقَ الذِّكْرِ وَالدُّرُوسِ حَتَّى يَسْتَفِيدَ وَيَسْمَعُ.
الشيخُ: يمكن هَذا والحمدُ للهِ، اليومُ مُتيسِّرٌ يا أَخِي، حتَّى إِخْوانَنا الَّذِينَ لا يبْصِرُونَ يمكنِهُمْ الآنَ القراءةُ بلُغَةِ (برايل)، يقرءُونَ القُرْآنَ بِطَريقةٍ معيَّنَةٍ والحمدُ للهِ، لَيْسَ ثمةَ ما يحولُ دُونَ الراغِبِ في تدبُّرِ القُرْآنِ؛ ولِذَلِكَ أَنا أعْجَبُ مِنَ الَّذِينَ لا يَسْمَعُونَ وَلا يتكلَّمُونَ الصُّمُّ البُكْمُ الَّذِينَ عِندهُمْ هَذِهِ الآفَةُ، نسأَلُ اللهَ أنْ يُعْظِمَ لهمْ الأَجْرَ والمثوبَةَ، يحصُلُ مِنْهُمْ تدبَّرَ عِنْدَ تِلاوَةِ القُرْآنِ بحركَةِ أَيْديهِمْ، فيدركُونَ بهذا مِنَ المعانِي ما يكُونُ سَببًا لحياةِ قُلُوبهمْ، نسأَلُ اللهَ أنْ يُحْييَ قُلُوبَنا بذكرهِ وأَنْ يَعْمُرها بمحبتهِ وتعظيمهِ.
المقدمُ: هِيَ أَيْضًا تسألُ تَقُولُ: ما هِي الأَدواتُ الَّتي يمكِنُ أَنْ يستعِينَ بِها الكفيفُ ليتدبَّرَ القُرْآنَ؟ وهَذا السؤالُ يشتركُ مَعَ سُؤالِ الأَخ أَحْمد حسن الَّذِي يقُولُ: ما هِيَ أَدواتُ تدبرِ القُرْآنِ العَظِيم لِعامَّةِ النَّاسِ؟
الشيخُ: أَنا لا أَرى أنَّ الكَفِيفَ لهُ شيءٌ يخصُّهُ دُونَ سائرِ الناسِ، إِلَّا فِيما يتعَلَّقُ بالتلاوَةِ المباشرَةِ مِنَ المصْحَفِ، هُوَ لا يتمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فِيما يتعلَّقُ بِتِلاوةِ النظرِ، لكنهُ كَسائِرِ الناسِ فِيما يتعلقُ بِالتدبرِ عندَما يسمَعُ القُرْآنَ، التدبرُ عِنْدَما يقرأُ القرآنَ، عنْدَما يقْرأُ سُورةَ الفاتِحَةِ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾الفاتحة: 2 يمكن أن يتدبرَ هَذِهِ الآيةَ وَيفكِّرْ في عظيمِ إِنْعامِ اللهِ وكَبِيرِ إِحْسانِهِ إليهِ، ويمر عَلَى خاطرهِ ما أنعمَ اللهُ ـ تعالَى ـ بهِ عليهِ، هَذا منْ مُوجباتِ الحمدِ، فإنهُ يحمدُهُ على ما ساقَ إليهِ مِنَ النِّعَمِ، وَكَذَلِكَ يحمدُ اللهَ عَلَى كَمالِهِ في أَسْمائِهِ وَصِفاتِهِ، وهَذا كلهُ منَ التدبُّرِ الَّذي لا يحتاجُ فِيهِ إِلَى بَصَرٍ، إِنَّما يحتاجُ فِيهِ إِلَى إِعْمالِ فِكْرٍ، وبهِ يُعلم هُنا أَنَّ التَّدبُّرَ لَيْسَ خاصًّا بِالشَّخْصِ المتَخَصِّصِ، إِنَّما التدبرُ لابُدَّ فِيهِ من مرحلَةٍ ضروريَّةٍ لكُلِّ أَحَدٍ، وهُوَ أَنْ يفهمَ الخطابَ، أَعْني لنْ يتدبَّرَ القُرآنَ مَنْ لا يفهمُ مَعْناهُ؛ فلذلِكَ مِنَ المهِمِّ أَنْ يفهمَ المعْنَى، ففهْمُ معاني الكلامِ هُوَ مِفْتاحُ التدبرِ، وإذا تيسَّرَ لِلإنسانِ ذلكَ كانَ هَذا مِفْتاحًا لهُ لتدبرِّ القُرْآنِ والاتِّعاظِ بِهِ والاعتبارِ بِهِ.
ولهذا أقُولُ: مَثلًا الصائِمُ عِنْدما يَقْرأُ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ﴾الإخلاص: 1 - 2 ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ يخبر اللهُ ـ تَعالَى ـ عَنْ نفْسِهِ بِهذا الاسمِ العَظِيمِ، هَذا الاسْمُ لا يمكِنُ أَنْ يتدبَّرَ الإِنْسانُ هَذِهِ الآيةَ وَهُوَ لا يَعرفُ ما معْنَى الصمدِ، لكنْ إِذا عرفَ أنَّ الصَّمَدَ هُوَ الَّذي تقصِدُهُ جَمِيعُ المخْلُوقاتِ، وجميعُ مَنْ في السماءِ والأَرْضِ في قضاءِ حَوائِجِها، فما مِنْ صاحِبِ حاجةٍ في السَّماءِ والأَرْضِ إِلَّا ويقصِدُ اللهَ لِقَضائِها، تَأمَّلْ يا أَخِي انْظُرْ عِنْدما تَقْرَأُ هَذا المعْنى يكونُ لهُ تأثيرٌ، فعندَما تفهمُ تفسيرَهُ تستطيعُ أَنْ تتدبرَ وتتأمَّلَ، سُبحان اللهِ!! هذهِ الأَسْماكُ في البحارِ لا يقضِي حاجَتَها إِلَّا اللهُ، هَذِهِ الحيواناتُ في جُحُورِها لا يَقْضِي حاجتَها إِلَّا اللهُ، هَذِهِ الأَشْجارُ لا يبْلُغها تمامها إِلَّا اللهُ، كلُّ ما في السماءِ والأرضِ هُوَ فقيرٌ إِلَى اللهِ سُبحانَهُ وَتَعالَى.
ومن معاني الصمد أنه الغني ليس به حاجة إلى أحد؛ ولهذا قال: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾الإخلاص: 3 لكمالِ غناهُ - سُبحانهُ وبحمدهِ - فإذا تمَّ هَذا المعنَى أمكَنَ الإنسانُ أنْ يتدبَّرَ ويتأثَّرَ ويطيبُ قلبهُ بِتلاوَةِ كَلامِ ربهِ، أَسأَلُ اللهَ أَنْ يرزقَنا لذَّةَ تدبُّرِ آياتِهِ.
المقدمُ: إِذًا شيخ خالد، تقصدُونَ أَنَّ المرءَ علَيْهِ أَنْ يستعينَ بِكتُبِ التفسيرِ، كُتُبِ اللغةِ، حتى يصلَ إِلَى هَذِهِ الآياتِ بمضامِينِها وَما فِيها مِنَ الإِعْجازِ.
الشيخُ: نعمْ، ويمكنُ لِلعامِيِّ أَنْ يبدأَ بِالآياتِ الَّتي تمرُّ علَيْهِ في سُورةِ الفاتحةِ، في قصارِ السُّورِ، وَيا أخي انْظُرْ: مَنْ فَتحَ اللهُ علَيْهِ في تدبرِ آياتِ اللهِ، وَاللهِ لنْ يَقِفَ أمامهُ حاجزٌ، سيجدُ مِنَ التأْثِيرِ لِلقُرْآنِ كَما كانَ يُحدثُني - واسمحْ لي بهَذِهِ القِصَّةِ - يحدثني شَخْصٌ يقُولُ: أَنا واللهِ يا شيخُ عامِّيٌ، وليسَ عندِي تخصصٌ ودراسةٌ في التفسيرِ وكَذا، لكني سأَلْتُ كَثِيرًا في أَنِّي أُحاوِلُ أَنْ أَبَرَّ وَالِدَيَّ، لكِنِّي أَعْجَزُ عنْ بُلوغِ المقْصُودِ، ما اسْتَطَعْتُ أَنْ أُرضيَهُ، كُلَّما أفعلُ شَيْئًا لأُرْضيهُ أَجِدُ منْهُ عدمَ رِضا، فوقعَ في نفْسِي، وخُفْتُ أَنْ أكُونَ عاقًّا، وأَنا في قلْبي وفي نفْسِي بذلتُ كُلَّ ما أَسْتطيعُ في برِّ والِدي، لكني ما أدركتُ رِضا والدِي، والدي كثيرُ التأفُّفِ والشكْوَى مِنِّي علَى رغْمِ ما بذلْتُ، إِلَى أَنْ وجدت شفاء قلبي في آيات من كلام ربي. قلت له: ما هي الآية؟ قال: قرأت قول الله ـ تعالى ـ: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾الإسراء: 23 - 24 ، وأنا أفعل هذا بكل ما أستطيع. قلت له: ومن أين وجدت الراحة؟ قال: من الآية التي بعدها: ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا﴾الإسراء: 25 يقول: والله سرت عني؛ لأني أعلم أن الله يعلم ما في قلبي من رغبتي في بر والدي، لكن والدي عجزت أن أرضيه. فهذا المعنى لو فتشت في كتب التفسير لن تجده، لكن هذا الرجل هدي إليه بالربط بين الآيات والتفكر في معاني كلام الرب، فهذا من صور التدبر التي ينتفع بها الإنسان وينفتح له بها فهم القرآن، ويجد فيه شفاءً وحلًّا لمعضلاته.
وهدايات القرآن من أكمل الهدايات ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾الإسراء: 9 الله يفتح لنا وإياكم فيه.
المقدم: شيخ خالد الوقت أخذنا وإياكم الحقيقة، ولكن أيضًا من الأسئلة التي وردت للأخت شيماء تسأل تقول: من يفطر الصائمين هل تصلي عليه الملائكة في رمضان وفي غير رمضان؟
الشيخ: ما أعلم أن الذي يفطر الصائم تصلي عليه الملائكة، لا أعلم أن هذا من أسباب صلاة الملائكة، لكن هو من الخير الذي يؤجر عليه الإنسان وهو من الإحسان.
المقدم: تسأل تقول: هل البكاء في الصلاة يبطل الصلاة؟
الشيخ: البكاء الذي يكون معتادًا أو يكون من غير أصوات ولا تكلف فيه؛ هذا لا إشكال فيه، وهو من علامات الخشوع ودلائله، لكن الذي يكون فيه تكلف وأحيانًا يصاحبه زعيق أو نشيج أو كذا فهذا ينبغي تركه، ومن العلماء من يرى أنه قد يبطل الصلاة، والصواب أنه ما كان خارجًا عن اختيار الإنسان لا يبطل صلاته، ولكن ينبغي أن يضبط نفسه عن أن يزعج غيره عندما يتأثر بالقرآن.
المقدم: أخونا عبد العزيز يسأل يقول: تلاوة القرآن هل الأفضل أن تكون ليلًا أو نهارًا؟
الشيخ: العلماء منهم من قال: الأفضل الليل، ومنهم من قال: الأفضل النهار في رمضان، والذي يظهر والله تعالى أعلم أن الوقت كله محل لتلاوة القرآن، لكن في المدارسة ومعارضة القرآن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأه في كل ليلة من ليالي رمضان، وأخذ بعض العلماء من هذا فضيلة قراءة القرآن في ليالي رمضان، والناس اليوم يجتهدون في القراءة صباحًا غالبًا، ولكن يستمعون إليه في الليل في قراءة الأئمة، وفي كل ٍّخير، وعلى كل حال يبحث الإنسان عن الأصلح لقلبه في أي الأوقات يجد فراغًا، ولاشك أن الليل غالبًا هو أولى في حظوظ القلب ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾المزمل: 6 .
المقدم: أخونا أيضًا عبد العزيز يسأل سؤالًا أخيرًا: هل هذه القراءة تكون أفضل في صلاة أو بدون صلاة؟ٍ
الشيخُ: الصلاةُ لاشكَّ أنَّ القراءةَ فِيها وطُولُ القُنُوتِ مِنَ المطْلُوبُ، لكنَّ يُقرأ في الصَّلاةِ وفي غيرِها. أَمَّا مَسْأَلَةُ عَرْضِ القُرْآنِ أَوِ الختمَةِ فَقَدْ يَكُونُ لهُ ختمةٌ في صلاتِهِ، وَقَدْ يختِمُ في غيرِ الصَّلاةِ، الأَمْرُ في هَذا واسِعٌ، يبحثُ عنِ الأَصْلَحِ لقلبهِ.
المقدمُ: أَيْضًا هُنا سُؤالانِ يا شيخُ خالد: أُمُّ خالدٍ تسألُ تَقولُ: تُريدُ أَنْ تَتَبَرَّعَ بسدادِ دينِ مُستحِقٍّ علَى وَالدِها لأحدِ البُنوُكِ المحليَّةِ؛ فهَلْ تُزكِّي هَذا المالَ قبلَ أنْ تَدْفعهُ إِلَى هذهِ الجهَةِ مَعَ العِلْمِ بأنهُ حالَ عليهِ الحولُ أَوْ تدفعُهُ قَبْلَ إِخْراجِ زكاتِهِ؟ُ
الشيخُ: إِذا أخرجتْهُ قبلَ تمامِ الحوْلِ فَلا زكاةَ فيهِ؛ لأنهُ خرجَ مِنْ مِلْكِها قبلَ تمامِ الحولِ، لكنْ إِذ حالَ عليهِ الحولُ وَهُوَ في يدِها وأخرجتْهُ عَنْ والدِها بغيرِ نِيَّةِ الزكاةِ فإنهُ في هذهِ الحالُ يكُونُ فيهِ الزكاةُ، تخرجُ زكاتهُ سواءٌ مِنْهُ أوْ منْ غيرهِ قبلَ أَوْ بَعْدَ إخراجهِ.
المقدمُ: يعْني أَوَّلًا تخرجُ الزكاةُ ثمَّ تدفعهُ وَتُسَدِّدُ دَيْنَ وَالدِها.
الشيخُ: أيْ نعمْ، هَذا إِذا كانَتْ أَخرجَتْهُ في دَيْنٍ والدِها في غيرِ زَكاةِ، وَاضِحٍ أَنَّها تقولُ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُسَدِّدَ دَيْنَ وَالِدي مِنْ هَذا المالِ، فَهلْ أُسَدِّدُ الدِّيْنَ قَبْلَ وُجُوبِ الزكاةِ؟ إِذا سَدَّدْتَهُ قَبْلَ وُجُوبِ الزكاةِ فَما عليكِ زكاةٌ، لكنْ إِذا سدَّدْتِ الدينَ بعدَ وُجُوبِ الزكاةِ فَفِي هذهِ الحالِ يجبُ فيهِ الزكاةُ.
المقدمُ: إِذًا تُخْرِجُ زَكاةَ هَذا المال ثُمَّ تَدْفَعُهُ لهذهِ الجِهَةِ.
الشيخُ: إِذا حالَ الحولُ.
المقدمُ: هِيَ تقولُ حالَ الحولُ.
الشيخُ: إِذا حالَ الحولُ إِذًا تخرجُ زكاتهُ.
المقدمُ: سُؤالٌ مِنْ أَخِينا عُمَر القاصِي يقُولُ: نَعْملُ بِالنهارِ في الدَّوامِ الرسْمِي لمدةِ ستُّ ساعاتٍ، وَصاحبِ العَمَلِ يطلبُ مِنَّا العملَ لِسبعِ ساعاتٍ؛ فهلْ نُداوِمُ ستِّ ساعاتٍ كَما هُوَ الدَّوامُ الرسْمِي أَوْ نزيدُ ساعَةٍ عَلَى ذَلِكَ كَما يُريدُ صاحبُ العَمَلِ؟
الشيخُ: الَّذي يلزمُكَ ما تَعاقَدتْ عليهِ معهُمْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾المائدة: 1 لكنْ يُنظرُ إِلَى المصْلَحَةِ، وَهَلْ إِذا تركتُ هَذِهِ الساعَةِ سَيَتَأَثَّرُ العَمَلِ أَوْ لنْ يقبلَ صاحِبَ العَمَلِ أَوْ لا؟ وهذهِ المسأَلَةُ مِنْ حَيْثُ اللازمِ لَكَ شَرْعًا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيَْن اللهِ هُوَ ما جَرَى بينَكَ وَبينهُ مِنْ عَقْدٍ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾المائدة: 1 فَإذا تعاقدتُمْ عَلَى سِتِّ ساعاتٍ فَالَّذي لَهُ مِنكمْ سِتُّ ساعاتٍ.
المقدُمُ: وَإِذا خَشِيَ الضَّررَ بَعْدَ ذَلِكَ لَوْ أَرادَ أَنْ يَحْتَكِمَ لِلعَقْلِ.
الشيخُ: لَوْ أَرادَ أَنْ يَزيدَ عَلَى سِتِّ، سَبْعِ، ثَمان، فَهَذا اخْتِيارُهُ، يَنْظُرُ في الأَصْلَحِ لهُ، لكنْ مِنْ حَيْثُ: هَلْ يلْزَمُ شَرْعًا أَوْ لا؟ الَّذِي يلْزَمُهُ شَرْعًا هُوَ ما عاقِدٌ صاحِبُ العَمَلِ عليهِ مِنْ عدَدِ السَّاعاتِ المحدَّدَةِ.
المقدمُ: جَزاكُمُ اللهُ كُلَّ خيرٍ يا شيخُ خالد، وَقَبْلَ أَنْ نختِمَ الكلِمَةَ الأَخِيرَةَ إَِلَيْكُمْ باركَ اللهُ فِيكُمْ.
الشيخُ: أَنا أُوصِي إِخْواني وَأَخَواتي بِاغْتِنامِ الوَقْتِ في كُلِّ بَرٍّ وَخَيْرٍ، وَفي تِلاوَةِ القُرْآنِ عَلَى وَجْهِ الخُصُوصِ أَوْ اسْتِماعِهِ، وَيَجتَهِدَ الإنْسانُ بِطلَبِ الهدايةِ مِنَ القُرْآنِ؛ فإنَّ اللهَ تَعالَى جَعَلَ الهِداياتِ في كَلامِهِ، وَجَعَلَ كَلامَهُ مِفْتاحًا لِلصِّلاحِ والاستقامةِ؛ ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾الإسراءُ: 9 مَنْ رَغِبَ الهدَى فليُقبِلْ عَلَى القُرْآنِ، لَكِنْ يُقبلُ عليْهِ صادِقًا ويطلُبُ الهداياتِ منهُ، وَيعْرِضُ نفْسَهُ عَلَى كَلامِ ربهِ، يَسْألُ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ يجعلَهُ مِنَ المتَّقِينَ الصالحينَ القائِمينَ بهذا القُرْآنِ العامِلينَ بِهِ وَيُبَشِّرُ بِالخيرِ، نَسْأَلُ اللهَ العَظِيمَ رَبَّ العرشِ الكريمِ أنْ يجعَلَني وَإِيَّاكُمْ مِنْ أَهْلِ القُرْآنِ الَّذينَ هُمْ أَهْلُهُ وَخاصَّتُهُ، وَأَنْ يُبارِكَ لَنا فيهِ، وأَنْ يُعِينَنا عَلَى تِلاوَتِهِ آناءَ الليلِ وَالنهارِ، وأَنْ يَرْزُقَنا تَدَبُّرَهُ وَفَهْمَهُ والعملَ بِهِ والدَّعْوَةَ إِلَيْهِ، وَأَنْ يَحْفَظَنا وَبِلادَنا والمسلمينَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ، وَنَسْأَلُ اللهَ تعالَى أَنْ يُوَفِّقَ وُلاةَ أَمْرِنا إِلَى ما يُحِبُّ وَيَرْضَى، وَيُسَدِّدُهُمْ في القَوْلِ وَالعَمَلِ، وَأَنْ يدفَعَ عَنَّا وَعنهُمْ كُلَّ سُوءٍ وشَرٍّ، ومَنْ أَرادَنا بِسُوءٍ أَنْ يَجعَلَ كيْدَهُ في نحرهِ، وأَن يذُبَّ عَنَّا، وأَنْ يحفَظَ بِلادَنا وَالمسلمينَ منَ الفتنِ وَالشُّرُورِ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيَّنا محمّد، وَالسَّلامِ عليكُمْ وَرحْمَةُ اللهِ وَبركاتُهُ.
المقدمُ: شكرَ اللهُ لكُمْ فَضِيلَةَ الشيخِ الأُسْتاذ الدُّكْتُور/ الشيخُ خالِد المصْلِح؛ أُسْتاذُ الفِقْهِ بِكُلِّيةِ الشَّرِيعَةِ بِجامِعَةِ القَصِيمِ عَلَى ما أَفضْتُمْ وَأَفدْتُمْ في ثَنايا هَذا اللقاءِ المباشرِ "ينابيعُ الفتوَىَ".