المقدمُ: مُستمعِينا الكرامَ، السلامُ عليكمْ ورحمةُ اللهِ وَبركاتهُ، أَهْلًا ومرْحَبًا بكمْ مَعنا دائِمًا عبرَ أثِيرِ إِذاعَةِ "نِداءِ الإِسْلامِ"، نتَواصَلُ وَإِيَّاكمْ - أيُّها الأحبَّةُ - علَى مدارِ الساعةِ، وَنَدعوكمْ أَيْضًا إِلَى مُواصلَةِ الاسْتِماعِ إِلَى إِذاعَتِنا، راجِينَ أَنْ يَكُونَ فِيما نُقدِّمُهُ لكُمُ النَّفعَ والفائِدَةَ بإذنِ اللهِ تَعالَى.
يسرُّنا في هذهِ الساعَةِ أَحَبَّتَنا المستمعِينَ أَنْ نَكُونَ وَإِيَّاكُمْ في البرْنامجِ المباشرِ "ينابيعُ الفَتْوَى" ببَثِّنا المباشرِ في شهرِ رمَضانَ مِنَ الحرمينِ الشريفينِ، نتواصلُ وإيَّاكُمُ أَيُّها الأحبةُ في هَذا اللقاءِ عَلَى مَدَى ساعةٍ إِلَّا قليلٌ، ويَسُرُّنا أنْ يَكُونَ معَنا في الدَّقائقِ التالِيةِ فَضيلةُ الشيخِ الدكتورُ/ خالدُ المصلحُ؛ أُستاذُ الفقهِ بِجامعةِ القصيمِ، وَالَّذِي نَأْنَسُ بِالحديثِ معهُ حولَ مَواضيعِ هَذا البرنامَجِ.
السَّلامُ عليكمْ فَضيلةَ الشيخِ خالد، وحيَّاكُمُ اللهُ.
الشيخُ: وعليكُمُ السلامُ وَرحْمةُ اللهِ وَبركاتهُ، مَرْحبًا بِكَ أَخِي، وأَسْأَلُ اللهَ تَعالَى أنْ يُوفِّقَنا وَإِيَّاكُمْ لِلبرِّ وَالطَّاعَةِ.
المقدمُ: حضراتِ المستمعينَ الكرامُ، بِإِمْكانِكُمُ التَّواصُلُ مَعَنا عَلَى الرَّقَمينِ التَّالِيينِ: 6477117 - والرقمُ الآخرُ: 6493028 مفتاحُ المنطقةِ 012 أوْ عَلَى رقم الواتسِ أب، لمنْ أرادَ أنْ يبعثَ بِرسالةٍ نصيةٍ علَى الرقمِ: 0500422121 وحياكمُ اللهُ.
في البدءِ أَيُّها الأحبةُ؛ هَذِهِ أطيبُ تحيةٍ مِنِّي، أَنا محمدٌّ الجريني وَأَخِي مِنَ الإِخْراجِ عبدُ الرحمنِ الأحمَدِيِّ، وموضُوعُنا في هذهِ الحلقةِ مَعَ شَيْخِنا الفاضلِ حولَ "أَهلِ الأعذارِ وصيامِ أهلِ الأعذارِ" كيفَ لهمْ أَنْ يَتصرَّفُوا في هذا الشهرِ الكريمِ؟ وكيفَ ترفعُ الشريعةُ الإسلاميةُ الحرجَ عنهمْ؟ ومنْ همْ أهلُ الأعذارِ في هَذا الشأْنِ؟ وَما أنواعُ الأَعذارِ المبيحةِ للفطرِ؟ وهُناكَ أَعذارٌ دائمةٌ وأَعْذارٌ عارضِةٌ ما الحكمُ في هذيْنِ الصِّنْفينِ؟
تفضَّلْ شيخَنا باركَ اللهُ فيكمْ.
الشيخُ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأصَلِّي وأُسلمُ عَلَى المبعوثِ رحْمةً لِلعالمينَ نبيِّنا محمدٍ وعلَى آلهِ وأَصْحابهِ وَمَنِ اتَّبعَ سُنتهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يومِ الدِّينِ.
أمَّا بعدُ:
فالسلامُ عليكمْ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ، تحيَّةً لِلجميعِ مِنَ الإِخْوةِ والأَخواتِ المستمِعينَ والمستمعاتِ، وأسألُ اللهَ ـ تعالَى ـ أنْ يكُونَ لِقاؤُنا هَذا لِقاءً نافِعًا مُباركًا.
بادئَ ذِي بدءٍ، عندَ الانْطِلاقِ في الحديثِ عنْ هَذِه القضيةِ - قضيةُ صيامِ أهلِ الأعذارِ - نحتاجُ إِلَى أَنْ نستحضرَ مَعْنًى مُهِمًّا منَ المعاني الكُبْرى الَّتي تُبنَى علَيْها الشريعةُ، وهُوَ ما بُنيتْ عليهِ الشريعةُ منَ اليُسرِ وَرفعِ الحرجِ؛ فإنَّ رفعَ الحرجِ والتيسيرِ مَبدأٌ عظيمٌ في الشريعةِ، شاملٌ لجميعِ الأَحكامِ الشرعيَّةِ، لا يَقْتصرُ عَلَى جانبٍ منَ الجوانبِ، بَلْ هُوَ في كُلِّ تَكاليفِ الشريعةِ بِلا اسْتثناءٍ، وذلكَ مِنْ رَحْمةِ اللهِ تعالَى لِعبادهِ ورأفتهِ بهمْ؛ أنْ يَسَّر لهمْ سُبلَ الوُصولِ إليهِ وتحقيقِ الغايةِ مِنَ الوُجوبِ عَلَى كلِّ الأَحوالِ الَّتي يمرُّونَ بِها.
فالناسُ ليسُوا علَى حالٍ واحدةٍ في كلِّ أَحوالهمْ، بلْ يمرُّونَ بِألوانٍ مِنَ الاخْتلافِ؛ القوةُ والضعفُ، والصحةُ والمرضُ، والإقامةُ والسفرُ، وَما إِلَى ذلكَ مِنَ الأَحْوالِ الملحقةِ بهذهِ المعاني، فَكانَ مِنْ حقِّ هَذهِ المعاني أنْ تُراعَى في شريعةِ أَحكمِ الحاكِمينِ، راعتْ هَذهِ الأُمُورَ عَلَى نحوٍ يندفعُ بهِ الحرجُ ويتحقَّقُ بهِ الغايةُ مِنَ الخلقِ؛ وهِيَ عبادةُ اللهِ - عزَّ وجلَّ - يقولُ اللهُ في محكمِ كتابهِ: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ المائدة: 6 .
فاللهُ ـ تعالَى ـ يخبرُ عنْ رفعِ الحرجِ؛ لأنهُ لَيسَ منْ مَقاصدِ تَشريعِهِ وَلا مما يُريدهُ ويحبهُ ـ جلَّ في عُلاهُ ـ أنْ يلحقَ الناسَ حرجٌ ومشقةٌ وضيقٌ، إِنَّما المقصودُ مِنْ كُلِّ الشرائعِ هُوَ التَّطهيرُ؛ تطهيرُ القُلوبِ والأقْوالِ والأَعْمالِ والأحوالِ منْ كُلِّ ما يُدنِّسُها، وبهِ تتمُّ النعمةُ عَلَى العبادِ، وَيستوجبُ ربُّنا - جلَّ في عُلاهُ - الشُّكْرُ علَى كُلِّ ذلكَ مِنْ تَيسيرهِ وتسهيلِهِ، وقَدْ قالَ اللهُ - جَلَّ وعَلا - : ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾ الحجُّ: 78 وقالَ - سُبحانهُ وبحمدِهِ -: ﴿مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ﴾ الأحزاب: 38 فكلُّ ما فرضهُ اللهُ علَى رسولهِ وَعَلَى الأُمَّةِ في هذهِ الشريعةِ يزيلُ بِهِ الحرجَ؛ ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم﴾ التوبة: 91 ، ويقولُ ـ سبحانهُ ـ: ﴿لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ﴾ النور: 61 الآية فالمقصودُ أنَّ هَذِهِ الشَّريعةُ شَريعةٌ وسْطَ واعتدالِ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ البقرة: 143 .
منْ هَذا المنطلقِ الَّذِي هُوَ أصلٌ مِنْ أُصولِ الشريعةِ وقاعدةٌ منْ قَواعدِها الكبرَى الَّتي تُبنَى عليْها أَحكامُها؛ يمكِنُ أَنْ نَتْطَرَّقَ لموضُوعِ الصيامِ، الصيامُ شعيرةٌ وفريضةٌ فرضَها اللهُ ـ تعالَى ـ علَى أهلِ الإِسْلامِ، وهُوَ ركنٌ منْ أَرْكانِ الإِسْلامِ؛ يقولُ اللهُ ـ تعالَى ـ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ البقرة: 183 ؛ ففرضَ اللهُ هَذا الصيامَ بِما يُحقِّقُ الغايةَ منهُ دُونَ مَشقةٍ علَى الناسِ، دُونَ أنْ يلحقهمْ ضَررٌ.
﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾ البقرة: 184 هَذا أولُ التيسيرِ أنَّ الصِّيامَ محدودٌ بأيامٍ، وليسَ كلُّ العامِ وَلا أغلبُ العامِ، بلْ هوَ أيامٌ معدوداتٌ كَما قالَ ـ تعالَى ـ: ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾ البقرة: 184 ثم رَاعَى اللهُ ـ تعالَى ـ فِيها ما قدْ يطرأُ علَى الناسِ مِنْ أَحْوالٍ فقالَ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ البقرة: 184 فيسَّر الله ـ تعالَى ـ في أولِ التشريعِ بذكرِ الأحوالِ العارضةِ التَّي تعرضُ علَى الناسِ مِنْ مَرضٍ أوْ سفرٍ، فيكونُ ذَلِكَ مُوجَبًا للتخفيفِ والتيسيرِ.
وأَشارَ أَيْضًا إِلَى أهْلِ الأَعْذارِ الَّذينَ قَدْ يمتدُّ عذرُهُمْ وَلا يتعَلَّقُ بِزَمَنٍ مِنَ الأَزْمانِ فقالَ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ البقرة: 184 .
وَبِهذا يتبينُ أنْ مِنْ شُرُوطِ وُجوبِ الصيامِ الخلُّوِّ منَ العُذْرِ، فَإِذا كانَ الإِنْسانُ معذورًا بتركِ الصِّيامِ فإنهُ لا يجبُ عليهِ وَلا يلزمهُ صَوْمٌ، ويتنزلُ عليهِ قولهُ - جَلَّ وعَلا - : ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ البقرة: 184 وقولهُ - جلَّ وَعلا - : ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ﴾ البقرة: 184 .
وهُنا نحتاجُ إِلَى أنْ نعرفَ: ما هُوَ المعْنى العامُ لأَهْلِ الأَعْذارِ؟
أهلُ الأعْذارِ هُمْ: مَنْ لا لَوْمَ عليهِ في الفطرِ، يعْني الذي لا يُلامُ شَرْعًا عَلَى فطْرِهِ، وهمُ الَّذينَ أَذنَ اللهُ تعالَى لهمْ بالفطرِ.
وَإذا نظرْنا إِلَى النصُوصِ الواردةِ في ذلكَ نجدُ أنَّ أهْلَ الأعذارِ يمكنُ أنْ يُصَنِّفُوا في قسميْنِ:
القسمُ الأولُ: أهلُ الأَعْذارِ الدائمةِ، وهمُ الذينَ عُذْرهُمُ غيرُ مؤقتٍ بلْ عُذرهُمْ مُمْتدٌّ.
والقسمُ الثاني: أهلُ الأَعْذارِ المؤقتةِ، وهمُ الَّذينَ أعذارهُمْ عارضةٌ بوقتٍ محددٍ، ثمَّ يزولُ وتعودُ لهمُ الحالةُ الطبيعيةُ الَّتي يكونُونَ فِيها مِنْ غَيرِ أَهْلِ الأْعذارِ.
وكِلا النوعينِ فِيما يتعلقُّ بِالصومِ لهُ أَحْكامٌ وتفاصيلُ نأتِي عليْها إنْ شاءَ اللهُ تَعالَى منْ خِلالِ استعراضِنا في هذهِ الحلقةِ إِنْ شاءَ اللهُ تعالَى.
القسمُ الأولُ - إِذا أذنتمْ لي أيُّها الإخْوةُ وَالأخواتُ - همْ أهلُ الأعذارِ الدائمةِ؛ أعني الذينَ لا يَسْتَطيعونُ الصومَ علَى الامتدادِ، ليْسَ لديهمْ قُدْرةٌ علَى الصيامِ، وعدمُ القدرةِ لَيْسَ مُؤقتًا بوقتٍ، بلْ عذرهمْ ممتدٌ ليسَ محْدُودًا في زمانٍ أَوْ في وقْتٍ، وهمْ صنفانِ مِنَ الناسِ:
الأولُ: الكبيرُ الَّذي يعجزُ عنِ الصيامِ سواءٌ كانَ ذَكرًا أوْ أُنْثَى سواء كانَ شيْخًا أوْ عجوزًا، فمنْ كانتَ هذهِ حالهُ وهُوَ أنهُ بلغَ منَ السنِّ ما لا يقْدرُ معهُ علَى الصَّومِ فَلا خلافَ بينَ العُلماءِ في أنهُ يجُوز لهُ الفطرُ، هَذا محلُّ اتفاقٍ.
قالَ ابنُ المنذرِ: "أجْمعُوا علَى أنَّ للشيخِ الكبيرِ، والعجوزِ العاجزيْنِ عنِ الصومِ أنْ يُفطرا". وَالدليلُ واضحٌ في قولِهِ - جلَّ وَعَلا - : ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ البقرة: 184 قال: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ البقرة: 184 .
وقدْ جاءَ عنْ عبدِ اللهِ بنِ عباسٍ في صحيحِ البخاريِّ أنهُ قالَ عنْ قولِهِ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ﴾ البقرةُ: 184 قالَ: «ليستْ بِمنسوخَةٍ» يعني حُكُمها باقٍ، قالَ: «هُوَ الشَّيْخُ الكبيرُ والمرأةُ الكبيرةُ لا يستطيعانَ أنْ يصُوما فيُطعمانِ مَكانَ كلِّ يومٍ مِسكينًا».
فبيَّنَ عبدُ اللهِ بنُ عباسٍ ـ رضِيَ اللهُ تعالَى عنهُ ـ أنَّ هذهِ الآيةَ بَاقيةٌ الحُكمِ؛ وَذلكَ أنَّ اللهَ تعالَى أولَّ ما فرضَ الصِّيامَ أَيامًا مَعْدوداتٍ كانَ الصِّيامُ عَلَى وَجْهِ الاخْتِيارِ، يُخيرُ الإنسانَ بيْنَ أنْ يَصُومَ وَهَذا هُوَ الأَفْضلُ، وبيْنَ أَنْ يُفطرَ إِذا كانَ قادِرًا عَلَى الصَّومِ، لكنْ يدفعُ فِدْيةً فِيما تركهُ منَ الصومِ في قولهِ - جلَّ وعَلا - : ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ﴾ البقرة: 184 يعْني يستطيعُونَ الصيامَ لكنْ يَختارُون أَلا يصُومُوا فديةً طعامُ مسكينَ، هَذا الَّذي كانَ أولَّ التشريعِ وَفي أولِ فرضِ الصِّيامِ، كانَ الأمرُ عَلَى التخييرِ مَنْ شاءَ صامَ، وَمنْ شاءَ أَفْطرَ وَأطعمَ عنْ كلِّ يومٍ مسكينًا.
جعلَ هذا التخييرَ ؛ لقولِ اللهِ ـ تعالَى ـ: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ البقرة: 185 ففرضَ اللهُ ـ تعالَى ـ الصومَ علَى كلِّ منْ شهدَ الشهرَ، فكانَ الصومُ فَرْضًا لازِمًا علَى المسْلِمِ البالغِ العاقلِ القادرِ أَوِ الخالي مِنَ الأَعْذارِ، الأعذارُ إِمَّا مرضٌ أوْ سفرٌ أَوْ نحوُ ذلكِ؛ ولذلكَ بعضهمْ يَقُولُ: الإقامةُ والقدرةُ.
المقصودُ أنَّ هذهِ الآيةَ كانتْ في أولِ الأمرِ عَلَى التخييرِ، لكنْ هَذا النسخُ لمْ يرتفعْ بالكليةِ، بلْ بَقيَ في حقِّ الشيخِ الكبيرِ والمرأةِ الكبيرةِ، طبعًا المرأةُ الكبيرةُ والشيخُ الكبيرُ أصلًا ما في خيارٌ عندهمْ؛ فإذا كانا عاجزيْنِ عنِ الصوْمِ فليسَ لهمْ خِيارٌ إِلَّا أَلَّا يَصُومُوا: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ البقرة: 286 وقدْ قالَ - جلَّ وَعَلا - : ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ التغابن: 16 فليسَ لهمْ خِيارٌ إلا الفطرُ، وَبِالتالي إِذا أفطرا فإنهُ لا حرجَ عليهِما، فالآيةُ ليستْ منسوخةً في حقَِّ الشيخِ الكبيرِ والمرأةِ لا يَستطيعانِ أنْ يَصُوما فيطعِمان مكانَ كلِّ يومٍ مِسكينًا.
إذًا الآنَ فيما يتعلَّقُ بِالكبيرِ وَالمرأةِ الكبيرةِ، الكبيرُ مِنْ رَجُلٍ أوِ امرأةٍ لا يَقْوى علَى الصَّوْمِ يَجُوز أنْ يُفطرَ، هَلْ يجبُ عَليْهما إِطْعامٌ؟
كلامُ عبدِ اللهِ بنْ عَباسٍ - رَضِيَ اللهُ تعالَى عنهُ - فيهِ أنَّ عَليهِما الإطعامُ؛ لأَنَّ الآيةَ باقي حُكْمُها فيهِما حيثُ قالَ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ البقرة: 184 فَقالَ: «فليُطْعمانِ مَكانَ كلِّ يوْمٍ مِسْكينًا» وهَذا هُوَ القولُ الأولُ في المسألةِ الإِطْعامُ، وبهِ قالَ جُمهورُ العُلماءِ، هُوَ مذهبُ الإمامِ أَبي حنيفةَ والشافعيُّ وأحمدُ أنَّ الكبيرَ مِنْ رجلٍ أو امرأةٍ، الشيخُ الكبيرُ والمرأةُ الكبيرةُ اللذانَ لا يستطيعانِ الصيامَ يُفطرانِ، وَهَذا بالاتفاقِ، ويُطعمانِ في قولِ جمهورِ العُلماءِ.
الإمامُ ْمالكٌ - رحمهُ اللهُ - وذهبَ إلىَ هذا القولِ جماعةٌ منْ أهلِ العلمِ ذهبُوا ِإلَى أنهُ لا يجبُ الإطعامُ؛ لأنَّ الآيةَ منسوخةٌ، فَإِذا كانَ لا يقوَى علَى الصيامِ فليسَ عليهِ صوْمٌ وَلا إِطْعامٌ.
والَّذي يترجَّحُ - واللهُ تعالَى أعلمُ - مِنْ هذيْنِ القولينِ هُوَ ما ذهبَ إِليهِ الجمهورُ أنَّ الكبيرَ الَّذي يعجزُ عَلَى الصيامِ يُطعمُ عنْ كُلِّ يومٍ مِسكينًا.
وأمَّا مقدارُ الإطعامِ فمقدارُ الإطعامِ منْ أهلِ العلمِ منْ قالَ: صاعٌ وهُوَ مذهبُ الحنفيةِ. وَمنهمْ مَنْ قالَ: نِصفُ صاعٍ، وهُوَ مذهبُ الجمهورِ، ومنهمْ مَنْ قالَ: مُدٌّ، وهُوَ مذهبُ بعضِ الفقهاءِ، والَّذي يترجَّحُ مِنْ هَذِه الأقوالِ - وَاللهُ تعالَى أعلمُ - أنَّ الإطعامَ يحصلُ بِالقدرِ الكافي في إِشْباعِ المسكينِ.
وإذا نَظرْنا إِلَى نُصُوصِ الشَّريعةِ أَقَلُّ ما وردَ فِيما يتعلَّقُ بِالإِطعامِ في نُصُوصِ الشريعةِ نصفُ صاعٍ، فلوْ قيلَ: بأنهُ يجبُ أنْ يُخرجَ نِصفَ صاعٍ، ونصفُ الصاعِ عبارةٌ عنْ كِيلُو ونصفُ أوْ كيلُو وشيءٌ يعني ما بيْنَ الكيلُو والكيلُو ونصفٌ علَى اختلافِ حساباتِ العُلماءِ في مِقْدارِ الصاعِ، فإنهُ يُجْزئُ في الإطعامِ.
والإطعامُ لا يجبُ فيهِ التمليكُ بمعنَى أنهُ يصلحُ أَنْ يُعِدَّ طَعامًا، وَيدعُو الناسَ إِليهِ أَوْ يذهبُ بِهِ إليهمْ وَيوزِّعُهُ عليهِمْ مَطْبُوخًا، سواءٌ هَذا أوْ هَذا، يعْنِي لا يُشترطُ تمكينٌ، بلِ التمكينُ منْ حُصولِ وجبةٍ، وقدْ كانَ أنسُ بْنُ مالكٍ - رضِيَ اللهُ تعالَى عنهُ - كبُرَ وبلغَ بهِ الكِبرُ أنهُ لا يقْوَى علَى الصيامِ، فكانَ - رحمهُ اللهُ - وَرضِيَ اللُه تعالَى عنهُ يُطعمُ مَساكينَ رُبَّما أطعمَ ثَلاثينَ مِسْكينًا كُلَّ ليلةٍ مِنْ رَمَضانَ يتطوعُ بِذلكَ، وكانَ يصنعُ الجِفانَ مِنَ الخبزِ وَاللحمِ فيطعمهُمْ، فَإِذا حصلَ هَذا بمعْنى أنهُ أطعمَ دَعا مِسْكِينًا فأطعمهُ، أَوْ مكنهُ مِنَ الأَكْلِ، أَوْ جهَّزَ الطَّعامَ وَأعطاهُ؛ كُلُّ ذلكَ يتحقَّقُ بهِ الإِطْعامُ الَّذي هُوَ فديةٌ تركُ الصيامِ لِلعجزِ عنهُ في حالِ كوْنِ الإِنسانِ كَبيرًا كِبرًا يعجُزُ معهُ عنِ الصِّيامِ سواءٌ كانَ ذَكرًا أمْ أُنْثي، هَذا الأولُ مِنْ أَصحابِ الأَعْذارِ الدائمةِ.
أمَّا النوعُ الثاني مِنْ أَصحابِ الأَعْذارِ الدائمةِ فَهُمُ المرْضَى، وَقدْ نَصَّ اللهُ تعالَى علَى العذرِ بِالمرضِ في قولِهِ ـ تَعالَى ـ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ البقرةُ: 184 فقدَّمَ المرضَ علَى السفرِ؛ لأنَّ الحاجةَ فيهِ إِلَى الفطْرِ أَوِ التضرُّرُ بِالصومِ أكبرُ مِنَ السفرِ في الغالبِ، أَيْ: أنَّ مظنةَ المشقةَ بِالمرضِ أعْلَى وَأَكْثَرُ مِنْ مظنةِ المشقةِ بالسفرِ؛ يقولُ - جَلَّ وَعَلا - : ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ البقرة: 184 .
والمرْضَى الَّذينَ أَتحدثُ عنهمْ في هذا القسمِ هُمْ أصحابُ الأعْذارِ الدائمةِ، هُمُ الذينَ مرضهُمْ لا يُرْجَى الشفاءُ منهُ، مرضهُمْ ممتدٌ؛ حيثُ جرتْ عادةُ الناسِ ومنْ عندهُمْ مِنْ معارفَ في شأْنِ الطبِّ أنهُ لا يَشْفَى مِنْ هَذا المرضِ، ليسَ بالنظرِ إلى قُدرةِ اللهِ، فاللهُ علَى كلِّ شيءٍ قديرٌ، إنَّما بِالنظرِ إِلَى ما في أيْدِي الناسِ مِنْ وَسائلِ الاستشفاءِ والدواءِ والطبِّ، جرتْ العادةُ أنهُ لا شفاءَ مِنْ هَذا المرضِ.
فإذا كانَ هَذا المرضُ الَّذي لا يُرْجَى برؤُهُ مَرضًا لا يقوىَ معهُ الإنسانُ عَلَى الصيامِ أَوْ يلحقهُ بهِ مشقةٌ، فإنهُ يجوزُ الفطرُ بالاتفاقِ، لا خلافَ بينَ العُلماءِ أنَّ المريضَ الَّذي يلحقهُ مَرَضٌ، يلْحقهُ مَشقةٌ بالصيامِ، وَمرضهُ لا يُرْجَى برؤُهُ؛ لا صَوْمَ عليهِ.
وإذا كانَ كذلكَ فهوَ ملحقٌ بِالقسمِ الأولِ وهُوَ الكبيرُ الَّذي لا يقْوَى عَلَى الصيامِ، فيجوزُ لهُ الفطرُ بِالاتفاقِ.
هلْ يجبُ عليهِ في مُقابلِ الفِطْرِ فديةٌ؟
الجوابُ: العلماءُ في هَذا علَى قولينِ عَلَى نَحْو ما تَقدمَ، منهمْ مَنْ يُوجِبُ فديةٌ، ومنهمْ منَ لا يُوجبُ فديةً، وجُمهورُ العُلماءِ علَى وُجوبِ الفديةِ وهُوَ الصحيحُ، يجبُ أَنْ يفديَ عنْ كلِّ يومٍ مِسكينًا.
المقدمُ: لأنهُ شهِدَ الشهْرَ يا شيخ؟
الشيخُ: لأنهُ شهدَ الشهْرَ طَبعًا، أَكيد هُوَ شهِدَ الشَّهرَ وهُوَ عاجزٌ عنْ صِيامهِ فيجبُ عليهِ أنْ يُطعمَ عَنْ كُلِّ يومًا مِسْكِينًا.
فيما يتعلقُ بالإِطعامِ - إِنْ أَذِنْتَ لي قَبْلَ أَنْ نُغْلِقَ هَذا القِسْمَ وَنُنْهِيهِ - فِيما يتعلقُ بالإِطْعامِ ذَكرنْا أنَّ الإِطْعامَ هُوَ نِصْفُ صاعٍ أوْ ما يسَّرَ اللهُ ـ تعالَى ـ مِنَ الطَّعامِ الَّذي يحصلُ بهِ كِفايةٌ وجبةٌ واحدةٌ سواءٌ ملَّكهُ أوْ قبَّضهُ مِسْكِينًا أوْ أنهُ مَكَّنهُ مِنَ الأكْلِ، ولا فرقَ في ذلكَ بيْنَ أَنْ يُطعمَ مِسْكينًا وَاحِدًا كلَّ الشَّهرِ أَوْ يُطْعمَ كُلَّ يومٍ مِسْكينًا مختلِفًا، الكلامُ في هَذا واسعٌ.
فيما يتَّصِلُ بوقتِ إِخراجِ هذهِ الفديةِ، الأَصْلُ أَنْ يخرج كُلَّ يومٍ بيومهِ، فَمثلًا اليومُ لا يَسْتَطِيعُ الصِّيامَ وهُوَ كبيرٌ أو مريضٌ مرَضًا لا يُرْجَى بُرؤهُ، فَيُطْعِمُ اليومَ، وهَلْ يمكنُ أَنْ يُؤخِّرَ؟
الجوابَ: يجوزُ التأخيرُ، يجوزُ أنْ يُؤخرَ مَثَلًا لأُسبوعٍ، فيطعمُ عَنْ أُسْبوعٍ، يجوزُ أنْ يؤخِّرَ شَهْرًا فيطعمُ في كاملِ الشهرِ فَلا بأسَ، أَمَّا ما يفعلهُ بعضُ الناسِ مِنْ أنهُ إِذا دخَلَ الشهرُ أَطعمَ عَنْ كُلِّ الشهرِ في أولهِ، فَهَذا في قولِ جَماعةٍ مِنْ أَهْلِ العلمِ أنهُ غَيرُ مجزئٍ؛ وذلكَ أنهُ قَدَّمَ الإِطْعامَ عَلَى سببهِ، وسببهُ إِدْراكُ اليومِ، وَالَّذي يظهرَ لي وَاللهُ تعالَى أعلمُ أَنَّ الأَحْوطُ أنْ يُطعمَ عَنْ كلِّ يومٍ مِسْكينًا في يومِهِ، هَذا الأَفْضلُ والأكْملُ، وإِنْ أَخَّرهُ، فأَمَّا أَنْ يُطعمَ أَوَّلَ الشَّهْرِ فخُروجًا مِنَ الخلافِ ينبغِي ترْكُ ذَلِكَ؛ لأَنَّ مِنَ العُلَماءِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ هَذا إِطْعامٌ غيرُ مُجزئٍ.
هَذا ما يتِّصلُ بِالقسمِ الأَوَّلِ مِنْ أهْلِ الأَعْذارِ، وهُمْ مِنْ أَعْذارِهمْ دَائمةٌ فِيما يتعلقُ بِإباحةِ الفطرِ، فِيما يتعلقُ بما يترتبُ عَلَى الفطرِ مِنْ فديةٍ، فِيما يتعلقُ بقدرِ الفديةِ، وَفِيما يتعلقُ بمتَى تكونُ هَذِهِ الفديةُ، إِذا أحببْتَ انتقلْنا إِلَى القِسمِ الثاني.
المقدمُ: أي نعم يا شيخ.
الشيخُ: وهمْ أهلُ الأعذارِ العارضةِ، نعْني بهم الذينَ لهمْ عذرٌ يمنعهمْ مِنَ الصِّيامِ لكنهُ لَيْسَ مستمرًّا، عارضٌ بمعْنى أنهُ طارئٌ يزولٌ وليسَ ممتدًّا، هؤُلاءِ ستةُ أصنافٍ:
الصنفُ الأولُ: مِنْ نصِّ اللهِ عليهِ في القرآنِ في قولهِ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا﴾ البقرةُ: 184 طبعًا تكلَّمنا قبلَ قليلٍ علَى المريضِ الَّذي لا يُرْجَى بُرْؤهُ، لكنْ نحنُ نتكلَّمُ عنِ المريضِ الَّذي يرجُو الشفاءَ، وهوَ القسمُ الثاني مِنَ المرضَى، وهُوَ أولُ أنواعِ أَهْلِ الأعذار العارضةِ، المريضُ الذي يُرْجَى برؤهُ هُوَ الَّذي يأملُ أنْ يطيبَ ويشْفَى وتستقيمُ حالهُ، وهَذا كالزكامِ والسخونةِ والأمراضِ بشتى صُنُوفِها، وَهُوَ الأكثرُ في الأَمْراضِ، يُرْجَى الشفاءُ منهُ، هَذا الصنفُ الأولُ.
الصنفُ الثاني: السفرُ والمسافرُ؛ لقولِ اللهِ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ البقرة: 184 .
الصنف الثالثُ: المرأةُ الحاملُ.
الصنفُ الرابعُ: المرأةُ المرضعُ.
الصنفُ الخامسُ: الحائضُ.
والصنفُ السادسُ: النُّفساءُ.
وتلاحظُ يا أَخي الكريمَ أنَّ أربعةَ أَصنافٍ منْ هَؤُلاءِ كلهمْ مما يتعلَّقُ بِالنساءِ، واثْنانِ مُشتركانِ بينَ الرجالِ والنساءِ، وهُوَ المرضُ والسفرُ، أَهْلُ الأَعْذارِ المؤقتةِ هُمْ هؤلاءِ الستةِ أَصْنافٌ نأْتِي عليهمْ واحِدًا واحِدًا.
أما الصنفُ الأولُ فهوَ المريضُ الَّذِي مرضهُ يُرْجَى الشفاءُ منهُ، المريضُ الَّذي يرْجُو الشفاءَ يحلُّ لهُ الفطرُ؛ لِقولِ اللهِ ـ تعالَى ـ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ البقرة: 184 ثمَّ كررَ اللهُ تعالَى هَذا بعدَ الفرضِ الَّلازِمِ لكلِّ أحَدٍ قالَ: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ البقرةُ: 185 فأعادَ اللهُ تعالَى هذيْنِ العذرينِ في آياتِ الصِّيامِ مرَّتيْنِ؛ مَرَّةً عِنْدَ الفرضِ الأولِ لما كانَ هُناكَ خيارٌ، ومرَّةً عندَما صارَ الفرضُ لازِمًا عَلَى كُلِّ أحدٍ في قوْلِهِ: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ البقرة: 185 والعلةُ في الإِعادةِ هُوَ تأكيدُ الرخصةِ هَذا واحدٌ، ولأجلِ أنْ لا يَتوهَّمُ أحدٌ أنَّ قولهُ: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ البقرة: 185 نَسْخٌ للرخْصةِ بالمرضِ والسفرِ، وأنَّ المريضَ وَالمسافرَ يجبُ عَلَيهما الصومُ.
فاتَّفقَ العُلماءُ عَلَى جواز الفطر بِالمرضِ إِذا احتاجَ إِلَى ذلكَ.
هُنا سُؤالٌ فِيما يتعلقُ بِأحوالِ المرضِ، المرضُ أحوالٌ فَما هُوَ المرضُ المبيحُ لِلفطرِ؟
المرضُ الَّذي يبيحُ الفطرَ هُوَ الَّذي يلحقُ الإِنْسانَ بهِ أَذَىً إذا صامَ.
وما المرضُ الَّذي لا يُبيحُ الفطْرَ؟
هُوَ الَّذي لا يتأثَّرُ بِالصومِ، المرضُ الَّذِي لا يتأَثّرٌ بالصومِ لا يحلُّ الفطرُ بهِ، كأَنْ يكونَ مَثلًا عندهُ مَرضٌ جلديٌّ، وَلا يزيدُ وَلا يتأَذَّى الإِنسانُ بِالصَّوْمِ، فَهَذا مرضٌ غيرُ مؤثرٍ علَى الصيامِ، فَلا يدخُلُ في قولهِ ـ تعالَى ـ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا﴾ البقرةُ: 184 في قولِ عامَّةِ جَماهيرِ العُلَماءِ.
إذًا المرضُ الَّذي يبيحُ الفِطْرُ هُوَ المرضُ الَّذي يحصلُ بِهِ تأثرٌّ بِالصيامِ، وَهُوَ عَلَى مراتبَ منهُ ما يحصُلُ بهِ هَلاكُ لَوْ صامَ الإِنْسانُ، هَذا الاتفاقُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أنهُ يجبُ أنْ يُفطرَ، وَلا يجُوزُ لهُ الصيامُ، يأثمُ بالصيامِ إِذا كانَ مرِيضًا مرَضًا عارِضًا ولوْ صامَ أدَّى ذَلِكَ إِلَى هَلاكهِ؛ فإنَّهُ لا يجوزُ لهُ الصومُ؛ قالَ اللهُ ـ تعالَى ـ: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ النساءُ: 29 وقالَ اللهُ - جلَّ وعَلا - : ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ البقرةُ: 195 فأكدَّ اللهُ ـ تعالَى ـ النهيَ عنْ كلِّ ما يلْحَقُ بِهِ تلفٌ في بدَنِ الإِنسانِ، وقَدْ أقرَّ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - سَلْمانُ عندَما قالَ لأَبِي الدرداءِ: «إنَّ لربكَ عليكَ حَقًّا، ولنفسكَ عليكَ حَقًّا، ولأهلكَ عليكَ حَقًّا؛ فأَعْطِ كلَّ ذِي حقٍّ حقهُ»صحيحُ البخاريُّ (6139).
ومنَ القواعدِ الشرعيةِ أنهُ لا ضررَ ولا ضِرارَ، هذهِ الحالُ يجبُ فِيها الفطرُ.
إذًا ما هِيَ الحالُ الَّتي يجبُ فِيها الفطرُ عَلَى المريضِ؟
الجوابُ: إِذا كانَ صومهُ يؤَدِّي إِلَى هلاكهِ.
الحالُ الثانيةُ: أنْ يؤدِّيَ إِلَى زيادَةِ المرضِ دُونَ الهلاكِ، هَذا منَ العُلماءِ مَنْ يَقولُ: يجبُ أَنْ يفطرَ، ومنهمْ مَنْ يقولُ: يتأكَّدُ في حقِّهِ الفِطرُ باتفاقٍ، يجوزُ لهُ الفطْرُ، لكنْ هلْ يجبُ الفِطرُ أوْ لا؟ إِذا كانَ يزيدُ مرضَهُ الَّذي يظهرُ لي أنهُ يلْحَقُ بِالقسمِ الأولِ، وإنْ كانَ دُونهُ، لكنهُ يلحقُ بِالقسمِ الأولِ؛ لأَنَّ فيهِ إِشقاقًا وَعُدولًا عنِ الرُّخصةِ الَّتي رَخَّصَ اللهُ ـ تعالَى ـ فِيها للإنْسانِ في مثلِ هَذا، وزيادةُ المرضِ قَدْ لا تنتهِي عندَ حدٍّ، فيُفضِي إِلَى الهلاكِ أوِ التلَفِ، فينبغِي أنْ يأخُذَ الإنسانُ بالرخصةِ.
إذًا؛ إِذا أدَّى إِلَى الهلاكِ أَوْ أفْضَى الصومُ إِلَى زيادةِ المرضِ فإنهُ يجبُ الفطْرُ.
إِمَّا إِذا كانَ يُفْضِي إلى تأخُّرِ الشَّفاءِ، ليْس هُناكَ زيادةٌ ولا هَلاكٌ، لكنْ إِنْ أَفطرَ شفيَ في ثلاثةِ أَيامٍ، وإنْ لم يفطرْ امتدَّ مرضُهُ لأُسبوعٍ؛ فَهُنا يُستحبُّ لهُ الفطرُ وَلا يجبُ.
كذلكَ إِذا شقَّ عليهِ الصومُ مَشقةً زائدةً عنِ المعْتادِ لكنْ لا يتضررُ بهذهِ المشقَّةِ فإنهُ يستحبُّ لهُ الفطرُ؛ لقولِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - فِيما جاءَ في السننِ منْ حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ: «ِإنَّ اللهَ يُحبُّ أنْ تؤتَى رخصُهُ كَما يَكرهُ أن تُؤتَى معاصيهِ»أخرجه أحمد (5866)، وابن خزيمة (2027)، وابن حبان (3568)؛ ولذلكَ اتفقَ العُلماءُ علَى أَنَّ المريضَ إِذا تحاملَ عَلَى نفسهِ وَصامَ أنهُ يُجزئُهُ أَي تبرأُ ذمتهُ في الصومِ الَّذي صامهُ ولوْ كانَ فِيهِ مشقةٌ، ولوْ أدَّى إِلَى زيادةِ مرضٍ فإنهُ يُجزئهُ هَذا الصومُ.
أَمَّا إِذا كان المرضُ لا مشقةَ فِيهِ وَلا يضرُّهُ، فإنَّ جُمهورَ العُلَماءِ عَلَى أنهُ لا يجوزُ لهُ الفطرُ، بلْ يجبُ عليهِ الصيامُ؛ لأنهُ ليسَ مَشْمولًا بِالعُذرِ؛ لقولهِ ـ تعالَى ـ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ البقرةُ: 184 ؛ إِذْ إِنَّ المرضَ المقصودَ بِالآيةِ هُوَ ما يلحقُ بِهِ مَشقةٌ، هَذا هُوَ الصنفُ الأولُ مِنْ أصنافِ أهلِ الأعذارِ العارضةِ وهُوَ المريضُ، وَذكرنا أَحوالهُ.
الصنفُ الثاني: مِنْ أصْنافِ أَصحابِ الأمراضِ العارضةِ: المسافرُ، وَهُو الَّذي قالَ اللهُ ـ تعالَى ـ فيهِ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ البقرة: 184 وقولهُ: ﴿عَلَى سَفَرٍ﴾ دلالةٌ علَى أنَّ الرخصةَ في حقِّ الَّذي تلبَّس بِالسفرِ، يعني هُوَ مُسافرٌ قدْ شرعَ في سفرهِ، أَمَّا إِذا كانَ الإنسانُ ينْوي السفرَ فإنهُ لا يَجوزُ له الفِطرُ حَتَّى يشرعَ في سفرهِ؛ لأَنَّ العُذرَ إِنَّما هُوَ في حقِّ مَنْ سافرَ، أَمَّا منْ كانَ غيرَ مسافرٍ فهوَ لَيْسَ عَلَى سفرٍ، وَبالتالي لا يحلُّ لهُ الفطرُ، وَهَذا قولُ جماهيرِ علماءِ الأُمَّةِ أَن المقيمَ لا يحلُّ لهُ الترخصُّ بِرُخَصِ السَّفرِ للفطرِ إِلَّا إِذا أَنْشأَ سَفرًا، أَمَّا إِذا كانَ ينْوِي السفَرَ فإنهُ لا يَجُوزُ لَهُ الفِطْرُ.
ما يتعلَّقُ بِالسفرِ هُنا سُؤالٌ: ما هُوَ السفرُ الَّذي يبيحُ الفطرَ؟
السفرُ الواجبُ، والسفرُ المستحبُّ، والسفرُ المباحُ، أمَّا السفرُ المحرَّمُ فإنهُ لا يترخصُ فيهِ الإنسانُ برخَصِ السفرِ في قولِ جُمهورِ العُلماءِ؛ إِذِ السفرُ المحرمُ يعْني يسافرُ لمعصيةٍ، يُسافرُ لِفاحشةٍ، يُسافرُ لِفسادِ، هَذا ما يُعانُ عَلَى مقصودهِ بالرخَصِ؛ ولذلكِ جُمهورُ العُلماءِ علَى أنهُ لا يترخَّصُ إِلَّا ما كانَ سفرهُ مُباحًا؛ لأنَّ اللهَ تَعالَى أعانهُ بهذهِ الرخصةِ، أَمَّا منْ كانَ سفرهُ مُحرمًا فإنهُ لا يترخصُ برخصِ السفرِ، وَمِنها رخصةُ الفطرِ.
فقولهُ: ﴿عَلَى سَفَرٍ﴾ البقرة: 184 أيْ: علَى سفرٍ مأْجورٍ فيهِ أَوْ واجبٍ أوْ مُباحٍ.
فيما يتعلقُ بِالفطرِ للسفرِ لهُ أَحْوالٌ:
إذا كانَ السفرُ لا مَشقةَ فيهِ، وَيَسْتطيعُ فيهِ الإِنسانُ الصومَ كَكَثيرٍ مِنْ أَسْفارِ الناسِ اليومَ لاسِيما الأَسفارُ القصيرةُ بِوسائلِ النقلِ السريعِ لا يكونُ فِيها مشقةٌ ولا عَناءٌ؛ هُنا اختلفَ العُلماءُ؛ هلِ الأفْضلُ أَنْ يَصومَ أوْ الأَفْضلُ أَنْ يُفطرَ؟
لِلعُلماءِ في ذلكَ قَوْلانِ: منهمْ مَنْ قالَ: السفرُ مُطْلقًا مظنةُ مشقةٍ فَيستحبُّ فيهِ الفطرُ، واستدلُّوا لذلكَ بِقولِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ - : «لَيسَ منَ البرِّ الصومُ في السفرِ»صحيحُ البخاريِّ (1946)، وبقولهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - في الجماعةِ الَّذِينَ استمَرُّوا صِيامًا وقَدْ أَفْطرَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ - في سفرهِ ليظهرَ لهمُ الفطرَ وَالإذْنَ فيهِ قالَ: «أُولئكَ العُصاةُ». هَذا قولُ الحنابلةِ، وَهُوَ أنَّ الأفضلَ الفطرُ مُطْلقًا، سواءٌ شقَّ الصومُ في السفَرِ أَوْ لم يشقَّ.
وجمهورُ العلماءِ علَى أنَّ السفرَ إِذا خَلا مِنَ المشقةِ فإنَّ الأفضلَ الصومُ، يُباحُ الفطرُ في السفرِ مُطلقًا، لكنَّ الخلافَ في الأَفضلِ، قالُوا: إِذا لم يكنْ في السفَرِ مشقةٌ فالأفضلُ الصومُ، وَعللوا ذلكَ بأنهُ ثَبتَ أَنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - صامَ في سفرهِ، وأنَّ الصومَ رُخْصةٌ لدفعِ المشقةِ ولم تُوجدِ المشقةُ، وأَنَّ الصومَ في رمضانَ أَفضلُ منهُ في غيرهِ لموافقةِ فَضِيلَةِ شرَفِ الزمانِ وَفضيلتِهِ، وَأَيْضًا المعْنى الرابعُ أنهُ أَسْرَعُ في إِبْراءِ الذمَّةِ، فلهذهِ الأَوْجهُ قالُوا: إِنَّ الصَّومَ أفضلُ في حالِ عدمِ المشقةِ في السفرِ، وهُوَ القولُ الراجِحُ في هذهِ المسألةِ، ومذْهَبُ الجُمهورِ، مذهَبُ الحنفيةِ والمالكيَّةِ وَالشافِعِيَّةِ.
وَإِذا كانَ في السفَرِ مَشقةٌ، فَهُنا يتأكَّدُ الفطْرُ، لكنَّ المشقَّةَ مَراتبُ، إِذا كانتِ المشقَّةُ محتمَلةً فيجوزُ الصومُ، لكنَّ الأَفضلَ الفطرُ، أَمَّا إِذا كانتِ المشقَّةُ تُلحِقُ بالإنسانِ حَرجًا وَضِيقًا وَعَناءً فهُنا الأَفْضلُ ويتأكَّدُ الفطرُ؛ لقولِ النبيِّ - صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - : «ليسَ مِنَ البرِّ» أيْ: ليسَ مِنَ التقرُّبِ إِلَى اللهِ وَالطَّاعَةِ لهُ - جلَّ وَعَلا - ليسَ مِنَ التقرُّبِ إِليهِ بأنْ يحمِلَ الإنسانُ نفسهُ مشقةُ بِالصَّوْمِ في السفرِ.
هَذا ما يتَعَلَّقُ بِهذا العُذْرِ الثَّاني مِنْ أَعْذارِ الفِطْرِ، وَهُوَ السفَرُ وهُوَ مِنَ الأَعْذارِ العارضةِ.
المقدمُ: شيخُ خالد، باركَ اللهُ فِيكمْ، هُنالكَ بعضُ الاتِّصالاتِ الَّتي وَرَدَتْ إِلَينا؛ فهلْ ترونَ إِكْمالُ هذهِ الأَصْنافُ اليومَ؟
الشيخُ: إِنْ شئتَ، المتبقِّي ليسَ بِعسيرِ، لكنْ نأخذُ الأسئلةَ.
المقدمُ: طيب خيرٌ إنْ شاءَ اللهُ، لكنْ أَكملْ باركَ اللهُ فيكمْ، لا أُريدُ أَنْ أُقاطِعكمْ، لكني أَجِدُ زَمِيلي الأخُ عبدُ الرحمنِ يَستقبلُ اتِّصالاتٍ عديدةً فيشيرُ إِلَى أَنَّ هُناكَ جملةٌ منَ الاتصالاتِ، وأعلمُ أنَّ حديثكمْ هامٌّ جدًّا وفيهِ إجابةٌ لبعضِ الاتصالاتِ التي تردُّ، وَلكنْ أَكْمِلُوا باركَ اللهُ فِيكمْ قدرَ الاخْتصارِ، باركَ اللهُ فيكمْ.
الشيخُ: نَخْتَصِرُ:
متَى يحلُّ الصَّومُ في السفرِ؟
الجوابُ: إِذا شرعَ فيهِ.
هلْ يصحُّ أنْ يُفطرَ في اليومِ الَّذي سافرَ فيهِ؟
الجوابُ: نعم، النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سافرَ وَصامَ حَتَّى بلغَ منطقةً تُسمَّى (كُرَاع الغَمِيمِ)، قالَ لهُ بعضُ أَصحابهِ: إِنَّ الناسَ قَد شقَّ عليهمُ الصومُ وينظرُونَ فِيما تفعلُ، فَدَعا بعدَ العصرِ بِقدحٍ مِنْ ماءٍ فشربهُ وَالنَّاسُ يَنظرُونَ، فدَلَّ ذلكَ عَلَى جوازِ الفطرِ في أَثْناءِ يومِ السفرِ.
وإذا وَصَلَ المسافرُ إِلَى مَكانِ إِقامتهِ في سفرهِ؛ فَما الحكْمُ؟ الجوابُ: مادامَ أنهُ مسافرٌ، ما رجعَ إِلَى بلدهِ، فلهُ الفطرُ مُدَّةَ إِقامتهِ، هَذا ما يتعلَّقُ بالمسافرِ.
الَّذي يليهِ منْ أَهلِ الأَعذارِ: الحاملُ والمرضعُ، لَهما حالٌ مِنَ الضعفِ وَمُراعاةِ الحالِ ما ينبَغِي أنْ يعرفَ أَنَّهُما منْ أَهْلِ الرُّخْصةِ في الفطرِ، وقدْ جاءَ فِيهِما حديثُ أنسِ بْنِ مالكٍ الكعْبيِّ «أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - وَضَعَ عنِ الحاملِ وَالمرضعِ الصومَ»سُنن الترمذيِّ (715)، والوضْعُ هُنا أَي: الترخيصُ بِالفطرِ عَلَى نحوِ قولِ اللهِ ـ تَعالَى ـ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ البقرة: 184 .
فالحاملُ والمرضعُ مُلحقتانِ بِالمريضِ في إِباحَةِ الفِطرِ، وَهُوَ مِنَ الأُمُورِ العارضَةِ للمرأةِ، ولهُ مِنْ حيثُ الحكمُ أَنَّ الحاملَ إِذا خافتْ عَلَى نفسِها والمرضعِ إِذا خافتْ عَلَى نفْسِها حلَّ لهما الفطرُ، وكذلكَ إِذا خافتْ عَلَى ولديْهِما حلَّ لهما الفطرُ، وَهَذا محلُّ اتفاقٍ لا خِلافَ بيْنَ العُلَماءِ فيهِ، لكنِ اخْتلفُوا: هلْ يجبُ علَى الحاملِ والمرضعِ إطعامٌ إذا أَفطرَتا أَوْ لا؟
هذه المسألةُ فِيها للعلماءِ أقوالٌ، وَأَنا مراعاةٌ للوقتِ أُجْمِلُ ذلكَ وأقُولُ: الراجحُ في هذا أنهُ ليسَ عليْهِما إِطعامٌ، إِنَّما لهما الرخصةُ بِالفطرِ وعليْهِما القضاءُ وَلا إِطْعامٌ، وهَذا مذهبُ الإمامِ أَبي حنيفةَ، وقَولٌ في مذهبِ أَحمدَ، وهُوَ اخْتيارُ شَيخِنا عبدِ العزيزِ بْنِ بازٍ وشيخِنا العثيمينِ رحمهُما اللهُ رحمةً واسعةً.
هذا ما يتعلقُ بِالحاملِ والمرضعِ، يحلُّ لهما الفطرُ إِذا خافَتا علَى نفْسَيْهِما، وَكَذلكَ إذا خافَتا علَى ولديْهِما بِالاتفاقِ، هلْ يجبُ بذلكَ قَضاءٌ؟
الجوابُ: نعمْ، يجبُ القَضاءُ؛ لقولهِ: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ البقرة: 184 .
هل يجبُ إطعامٌ؟
الجوابُ: لا يجبُ إِطْعامٌ علَى الراجحِ في كُلِّ أَحْوالِ فطرِ الحاملِ والمرضعِ عَلَى الراجحِ منْ أَقوالِ أهلِ العلْمِ.
النوعانَ الأخيرانِ مِنْ أَهْلِ الأعذارِ العارضةِ هُما الحائضُ والنفساءُ، لا يجوزُ لهُما الصيامُ، يحرمُ عليهما الصيامُ؛ لأنَّ اللهَ تَعالَى مَنعهُما منَ الصّيامِ، ومحلُّ اتفاقٍ بينَ أهلِ العلمِ أنهُ لا يجوزُ لِلحائضِ والنفساءِ الصومُ، لكنْ أَيْضًا اتفَّقُوا علَى وُجُوبِ القضاءِ، فيجبُ علَى الحائضِ والنفساءِ القضاءُ إِذا صحَّتا وذهبَ عَنهُما العُذرُ، دليلُ ذلكَ قَولُ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - : «ألَيْسَ إِذا حاضتْ لم تصلِّ ولم تصمْ»صحيحُ البخاريِّ (1951).
وكذلكَ دليلُ وُجُوبِ القضاءِ قَولُ عائِشةَ لما سأَلَتْها مُعاذةُ: ما بالُ الحائضِ تقْضِي الصَّومَ وَلا تَقْضِي الصَّلاةُ؟ فَقالتْ لَها: «كانَ يُصِيبُنا ذَلكَ يَعْني في زَمَنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فنؤْمَرُ بِقضاءِ الصَّوْمِ وَلا نؤْمَرُ بِقَضاءِ الصَّلاةِ»صحيحُ مُسلمٍ (335).
هَذا ما يتصلُ بِأَهْلِ الأَعْذارِ العارضة وهُمْ سِتَّةُ أَصْنافٍ:
- المريضُ.
- المسافرُ.
- الحاملُ.
- المرضعُ.
- الحائضُ.
- النفساءُ.
المقدمُ: جزاكُمُ اللهُ كلَّ خيرٍ فضيلةَ الشيخِ خالد، والحقيقةُ المسلمُ بِحاجةٍ إِلَى أَنْ يتفقَّهَ في دينهِ، وَأنْ يعرفَ هَذهِ الأُمُورَ حَتَّى يعبدَ اللهَ - عزَّ وجلَّ - علَى بيِّنَةٍ.
مسْتمعِينا الكرامَ أَيْضًا نحنُ بانتظارِ مُشاركتكمْ، ولوْ أنَّ الوقْتَ قَدْ أزِفَ تَقْرِيبًا، وشارَفْنا عَلَى نِهايةِ هَذا اللقاءَ، ولكنْ فِيما ذكرهُ شَيْخُنا إِنْ شاءَ اللهُ إِجاباتٍ عَلَى تساؤلاتِ بَعْضِ المسْتمعينَ.
نبدأُ بِالمتصلِ عبد اللهِ مِنْ أَبْها تفضلْ أَخِي عبدُ اللهِ.
المتصلُ: السلامُ عليكمْ وَرحمةُ اللهِ.
المقدمُ: وعليكمُ السلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ.
المتصلُ: يا شيخ اللهُ يرفعُ قدركُمْ، وأَنا آتٍ مِنْ مكَّةَ سكنتُ في فندقٍ، واحتَجْتُ إلى منشفةٍ - أكرمَكُمُ اللهُ وأجلَّكُمْ - لتنْشِيفِ الجسمِ. جاءَ العاملُ ووضعَ عِندِي ثلاث ُمَناشِفَ، وأخذتُها بعدَما خرجتُ لِبيتي؛ فَما الحكْمُ؟
الشيخُ: الواجبُ ردُّ هذهِ المناشِفُ؛ لأَنَّ هذهِ المناشفَ وُضِعَتْ في الأَماكنِ للاستخدامِ وليسَ لِلتملكِ، فَبالتالي تَضْمَنُ هذهِ الأَغْراضَ الَّتي أَخذْتَها مِنَ الفندقِ، أرسلَها لهمْ أَوْ اتَّصلْ عليهمْ وابحثْ معهمْ كيفَ تبرِّئُ ذِمتكَ؛ إِمَّا بإرجاعِها أو تعويضهمْ بالقيمَةِ بِتحويلِها إليهِمْ.
المتصلُ: لكنيِّ استأذنتُ مَنِ المسؤُولُ في الاسْتعلاماتِ، وَالشخصُ المسؤُولُ عَنِ النظافةِ - أَكْرمكُمُ اللهُ - جاءَ بهذهِ وَوضعَها عندِي، وذهبَ.
الشيخُ: استأذنْتَ في استعمالِها، ليسَ في تملُّكِها.
المتصلُ: جزاكَ اللهُ خَيْرًا.
المقدمُ: أَبُو محمدٍّ منَ الرِّياضِ.
المتصلُ: السلامُ عليكمْ.
المقدمُ: وعليكمُ السلامُ ورحمةُ اللهِ، تفضَّلْ أَخِي الكريمَ.
المتصلُ: دخلْتُ مَعَ جماعَةٍ في الركعةِ الثانِيةِ مِنْ صَلاةِ المغربِ، فلَمَّا قُمتُ أَقْضِي الركعةَ اتضَّحَ لي أَنَّ الإمامَ نقَصَ ركعةً بَعْدَ التسليمِ؛ فهلْ أَرْجِعُ مَعَ الإِمامِ وأَقْضِي مَعَهُ أَوْ أُكْملُ أَنا في قَضاءِ الركعةِ الَّتي فاتَتْني؟
الشيخُ: لا، ارجعُ مَعَ الإمامِ وَتابعهُ.
المتصلُّ: أَنا قُمتُ أَقْضِي ركْعتِي الَّتي فاتَتْنِي.
الشيخُ: تبينَ أنهُ بقِيَ عليهِ شيءٌ مِنْ صلاتِهِ وَقامَ؟
المتصلُ: صحيحٌ.
الشيخُ: فأنتَ الآنَ ادخلْ معهُمْ، تابعهُمْ؛ لأنَّ انفصالَكَ كانَ لعُذْرٍ، والآنَ تَعُودُ إليهِ وَهَذا الأفضلُ، ولوْ أتْممتَ الصلاةَ مُنْفردًا، الأمْرُ وَاسعٌ، لكنَّ الأَفْضلَ أَنْ ترْجِعَ وتُتابِعهُ، حتَّى إِذا انقضَتْ صَلاتهُ وإِنْ بَقِيَ عليكَ شيءٌ أتيْتَ بهِ، وإِنْ قَد تمتْ صلاتُكَ تُسَلِّمْ مَعَهُ.
المتصلُ: السؤالُ الثاني يا شيخُ، مَنْ لمْ يقرأِ الفاتحَةَ في الصَّلواتِ نِسيانًا؛ فهلْ عليهِ شيءٌ؟
الشيخُ: إِذا كانتِ الصَّلاةُ سِرِّيةً أوْ كانتْ الصلاةُ مُنفردًا فلابُدَّ مِنْ قِراءةِ الفاتحةِ، «لا صلاةَ لمنْ لا يقرأُ بفاتحةِ الكتابِ»صحيحُ البخاريِّ (756)، وصحيحُ مسلمٍ (394)، أَمَّا خلفَ الإمامِ وَالإمامُ يَقرأُ في الجهريَّةِ فَقراءَةُ الإِمامِ تكفيكَ إِذا لم يتَّسِعْ لَكَ الوقتُ لقراءتِها.
المتصلُ: جزاكَ اللهُ خَيرًا يا شيخُ.
المقدمُ: شيخُ خالد، يسألُ أَيضًا يقولُ: ماذا يجبُ عليهِ إِذا لمْ يقرأْ مُنفرِدًا الفاتحةَ؟
الشيخ:ُ إِذا لمْ يقرأِ الفاتحةَ مُنفرِدًا وَجَبَ عليهِ أَنْ يُعيدَ الصلاةَ إذا كانَ عالِـمًا بوجوبِها، طبعًا أنا الآنَ أتكَلَّمُ عَنْ صَلاةِ إِنسانٍ تركَ فِيها قراءةَ الفاتِحةِ، فَيجِبُ عليهِ أَنْ يُعيدَها، إِذا تركَ قِراءةَ ركعةٍ وتفطَّنَ في الركعَةِ الَّتي تلِيها فَيَحْتَسِبُ هَذِهِ الركعةَ هِيَ الركعةُ الأُولَى، وَالركعةُ الَّتي لمْ يقرأْ فِيها الفاتحةَ مُلغاةٌ.
أمَّا ما يَتعَلَّقُ بِما مَضَى مِنَ الزَّمانِ، فالآنَ هُوَ يقُولُ: أَنا في السَّابِقِ ما كُنْتُ أَدْري أَنَّهُ يَلْزَمُني أَنْ أَقْرأَ. فَنَقُولُ: ما عَليْكَ شَيْءٌ فِيما مَضَى، نحْنُ نتَكَلَّمُ عنِ الصَّلاةِ الحاضِرةِ، وَفي المسْتَقْبَلِ لا تَتْرُكُ قِراءةَ الفاتِحَةِ؛ لِقَوْلِ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صَلاةَ لمنْ لا يقْرَأُ بِفاتحةِ الكتابِ».
المقدمُ: الأختُ فاطِمةُ مِنَ الرِّياضِ، حيَّاكِ اللهُ يا أُخْتُ فاطِمَة.
المتصلةُ: السلامُ عليكُمْ ورحْمَةُ اللهِ وَبركاتُهُ.
المقدمُ: وعَلَيْكمُ السلامُ ورحْمَةُ اللهِ وَبركاتهُ.
المتصلةُ: هَلا يا شيخُ، كيفَ حالُكَ؟
الشيخُ: مَرْحَبًا، اللهُ يحيِّيكَ.
المتَّصِلَةُ: يا شَيخُ، صاحبتي دَعَتْ عَلَى وَلَدِ زَوْجِها، وَوَقَعَ لَهُ حادِثٌ؛ فَماذا علَيْها؟
المقدِّمُ: بَقِيَ حَيًّا؟
المتَّصِلَةُ: لا، ماتَ، هِيَ دَعَتْ علَيْهِ.
المقدمُ: خيرًا إِنْ شاءَ اللهُ، تَستمعِينَ إِنْ شاء اللهُ.
المقدمُ: تَسألُ الأختُ فاطمةُ تقولُ: امرأةٌ دعتْ علَى شَخصٍ بِالهلاكِ أَوْ نَحوِ هَذا فهلكَ؛ فهلْ عَلَيْها شيءٌ؟
الشيخُ: الإِنْسانُ إِذا ظلمَ ينبغِي لهُ إِذا دَعا علَى ظالمٍ أَنْ يخُصَّهُ بِالدُّعاءِ، أَي: يدْعُو علَيْهِ هُوَ، لا في شيءٍ خارج عنهُ؛ ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ الأنعام: 164 فَلا يَدْعُو عَلَى وَلدهِ، وَلا يَدْعُو عَلَى أَبِيهِ، وَلا يَدْعُو علَى منْ لمْ يظلِمْهُ، إِنَّما يَدْعُو علَى الظالمِ، وَأفضلُ ما يُدْعَى بِهِ عَلَى الظالمِ أَنْ يُقالَ: اللهمُّ جازهِ بِما يَستحقُّ. هَذا العدلُ الكاملُ المطلقُ الَّذِي لا يلحقُ الإِنْسانُ فِيهِ لائمَّةٍ إِذا دَعا. إِذا ظلَمَكَ أَحدٌ إِيَّاكَ أَنْ تَقُولُ: اللهمَّ افْعلْ بِهِ كَذا وكَذا. وأَحْيانًا قدْ يكُونُ بِسببِ حُرقةِ الظلمِ يَتَجاوزُ فَيكونُ سَببًا لِردِّ دُعائكَ، فقُلْ: اللهُمَّ جازهِ بِما يستحقُّ. هَذا العدلُ في دَعْوةِ المظلُومِ.
ومما أُوصِي بهِ أنْ يَترفَّقُ الإِنْسانُ في الدُّعاءِ، وأَنْ يُغلِّبَ جانِبَ الصَّفْحِ إِذا أَمْكَنهُ ذَلِكَ ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ آلُ عمران: 134 ، ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ الشُورى: 40 ، لكنْ لوْ أرادَ أَحدٌ أنْ يقولُ: واللهُ أَنا أريدُ أنْ أَسْتوْفي حقِّي. فادْعُ، لكنْ اعْدِلْ في الدُّعاءِ، وَلا تعْتَدِ؛ فإنَّ دُعاءَ المظلُومِ إِذا كانَ قَدْ تضَمَّنَ اعْتِداءً فإنهُ لا يُجابُ.
وكيفَ يُحققُ العدالةَ في الدُّعاءِ عَلَى مَنْ ظلمهُ في مالهِ أَوْ في نفسِهِ أَوْ في شَيءٍ مِما يتعلقُ بهِ مِنْ حُقُوقِهِ؟
الجوابُ: أنْ يَقولَ: اللهمَّ جازهِ بِما يستحقُّ.
المتصلُ: السلامُ عليكمْ ورحمةُ اللهِ وَبركاتهُ.
المقدِّمُ: عليكمُ السلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ.
المتصلُ: حياكُمُ اللهُ أُستاذ محمد كيفَ حالُكَ؟
المقدمُ: بخيرٍ، الله يحفظك، تفضَّلْ بارَكَ اللهُ فِيكَ.
المتصلُ: أُحيِّيكَ وأُحَيِّي فضيلةَ الشيخِ، عِندي سُؤالٌ يتعلقُ بِصلاةِ التراويحِ: هلْ صلاةُ التراويحِ صلاةٌ متصلةٌ؟ بمعْنَى أنهُ إِذا اسْتفتحتَ في الركعتينِ الأُولَييْنِ ثمَّ تعوَّذْتُ وبسملْتُ؛ فهلْ أُعِيدُ ذلكَ في الركعتينِ التاليتيْنِ؟
السُّؤالُ الثاني: ما ضابطُ المرضِ المبيحِ لِلفطرِ؟
المقدمُ: أَخُونا أَبُو خالد، حيَّاكَ اللهُ يا أَبا خالدٍ.
المتصلُ: سلامُ عليكمْ ورحمةُ اللهِ.
المقدمُ: وعليكمُ السلامُ ورحمةُ اللهِ وَبركاتهُ، تفضَّلْ.
المتصلُ: ما حُكمُ المرأةِ الَّتي تقرأُ القرآنَ والمذْياعُ مفتوحٌ؟ وَما حكمُ الصَّلاةِ والمذياعُ مفتوحٌ؟
المقدمُ: تستمعُ، لكنْ ماذا في المذْياعِ يا أَبا خالد قراءةُ قُرْآنٍ أَيْضًا أَوْ ماذا؟
المتصلُ: قِراءةُ قُرآن أَوْ مُحاضرة. عُمُومًا: ما حكمُ قراءةِ القُرآنِ وَالمذْياعُ مَفْتوحٌ؟
المقدمُ: الأُختُ أنوارُ منَ الكُويْتِ، تفضَّلي أُخْتُ أَنوار.
المتصلةُ: السلامُ عليكمْ وَرحمةُ اللهِ وبركاتهُ، لوْ سمحت يا شيخ، أَنا كنت أْشتري بيتًا عنْ طريقِ بنْك إِسلامِي، أَنا أدْفعُ جُزْءًا بَسِيطًا مُقدَّمًا، وهُوَ يشتَري البيتَ بفلُوسِهِ، وَيُقَسِّطُ عَليَّ ثَمنهِ، عَلَى أَنْ آخُذَ البيتَ وَأَسْتَخْدِمُهُ؛ فَهَلْ هَذا يُجوزُ أَوْ حرامٌ؟ لأَنَّني سمعتُ عَلَى اليوتيوبِ شَيْخًا لا أَذْكُرُ اسمهُ يقُولُ: هَذا نوعٌ مِنْ أَنْواعِ التحايُلِ.
الشيخُ: أَنا أُريدُ أَنْ أَفهمَ السؤالَ بِالضَّبْطِ تَحْدِيدًا.
المتصلةُ: أَنا أَشْتَري بيْتًا عنْ طريقِ بِنْكٍ إِسْلامِي؛ فَما الحكمُ؛ حلالٌ أمْ حَرامٌ؟
المقدمُ: تستمعينَ الإِجابةَ إِنْ شاءَ اللهُ، انتهتْ الأَسْئِلَةُ، لَدينا هَذهِ الأَسئلةُ، ولديْنا أَيْضًا جُمْلَةٌ مِنَ الأَسْئلةِ الَّتي وردتْ حولَ الواتس أبْ، لكنْ لَعلَّنا نُجيبُ يا شَيْخَنا.
الشيخُ: فِيما يتعلَّقُ بِسُؤالِ الأخِ عنِ الاسْتفتاحِ لِلتراويحِ؛ هلْ يكْفِي الاستفتاحُ في أوَّلِها أوْ يَستفتحُ لِكُلِّ ركْعتينِ؟
الجوابُ: يستفتحُ لِكُلِّ ركعتينِ؛ لأنَّ الاسْتفتاحَ سُنَّةٌ في كُلِّ صَلاةٍ.
أمَّا ما يتعلَّقُ بِسُؤالهِ الثاني عنْ ضابِطِ المرَضِ المبيحِ لِلفِطْرِ؛ فَهُوَ ما ذكَرْنا أَنْ يَزِيدَ بهِ المرَضُ، أَنْ يَتَأَخَّرَ بِهِ البُرْؤُ، أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَشَقَّةٌ عَلَى الإِنْسانِ، أَنْ يَخْشَى مَعَهُ الهلاكُ، هذِهِ أرْبَعةُ أَوْصافٍ لِلمَرضِ المبيحِ لِلفِطْرِ في رَمَضانَ: أنْ يَخْشَى مَعَهُ الهلاكَ، أَنْ يَزِيدَ بِهِ المَرضَ، أَنْ يَتَأَخَّرَ بِهِ الشِّفاءُ، أنْ يَكُونَ فِيهِ مَشقةٌ زائِدَةٌ بسببِ المرضِ. أَمَّا إِذا كانَ لا تأثيرَ لِلمرضِ بِالكليةِ علَى الصومِ فإنهُ لا يدخلُ في الرخصةِ.
المقدمُ: أَبُو خالدٍ يسألُ يقولُ: ما حُكْمُ قراءةِ القُرآنِ لِلمرأةِ وَالمذياعِ مَفْتوح؟
الشيخُ: المذياعُ مَفْتوحٌ يعْني ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا﴾ الأعراف: 204 فإِمَّا أنْ تُنصِتَ لِلقرآنِ الَّذِي تسمعُهُ عَبرَ المذْياعِ، وَإِمَّا أنْ تُغلقهُ وتحضر قَلْبَها لِلتِّلاوَةِ؛ لأَنَّ الإِنْسانَ إِذا كانَ يَقرأُ وحولَهُ ضجيجٌ أَوْ أصواتٌ، فإنهُ لنْ يتَمكَّنَ مِنْ حُضُورِ القلْبِ الَّذي يحتاجُ إِلَيْهِ في تدَبُّرِ القُرآنِ.
المقدمُ: الأُخْتُ أَنوارُ تسألُ حولَ شَرائِها لِبيتٍ عنْ طَريقِ البنْكِ.
الشيخُ: إِذا كانَ هَذا عنْ طَريقِ تمويلِ تُراعِي فيهِ الضوابطَ الشَّرعِيَّةَ فَلا بَأْسَ، كأَنْ يكُونَ البنكُ يملِكُ هَذا البيتَ، ثُمَّ يَقُومُ ببيعهِ عَلَى العَمِيلِ، فَلا بأْسَ بِذلِكَ، لا حرجَ في هَذا.
المقدمُ: نشكركُمْ، بارَكَ اللهُ فِيكُمْ شَيخُ خالد، نعْتذِرُ لِلمستمعينَ الكرامِ الَّذِينَ بَعَثُوا بِرَسائلهِمْ إِلَى البرْنامجِ، وَسوفَ نجيبُ إِنْ شاءِ اللهُ عنْ هذهِ الأَسئلَةِ في حلقةِ الغدِ أوْ بعْدِ الغدِ بإذنِ اللهِ تَعالَى، جزاكمُ اللهُ كُلَّ خيرٍ فضيلةَ الشَّيخِ الدكتورُ/ خالد المصلح؛ أُستاذُ الفقهِ بجامِعةِ القَصِيمِ عَلَى ما أَفَضْتُمْ وأَفدتُمْ في ثَنايا هَذا الِّلقاءِ حوْلَ هَذا الموْضُوعِ الهامِّ جِدًّا حوْلَ صِيامِ أَهْلِ الأَعْذارِ في شَهْرِ رَمَضانَ، باركَ اللهُ في عِلْمِكُمْ، وَنَفعَ بِعِلْمِكُمْ.
الشيخُ: اللهُ يَحْفَظكمْ، باركَ اللهُ فيكَ وَفي الإِخْوةِ والأَخواتِ، وَالسلامُ عليكُمْ ورحمةُ اللهِ وَبركاتهُ.
المقدمُ: وعليكُمُ السلامُ ورَحْمَةُ اللهُ وَبركاتهُ.