×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

المكتبة المقروءة / دروس / دروس العقيدة / الفتوى الحموية الكبرى / الدرس (14) من شرح الحموية الكبرى

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الدرس (14) من شرح الحموية الكبرى
00:00:01

 (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تمتلئ النار حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول قط قط وينزوي بعضها إلى بعض)([1]) وقال لثابت بن قيس: لقد ضحك الله مما فعلت بضيفك البارحة)([2]) (وقال فيما بلغنا إن الله تعالى ليضحك من أزلكم وقنوطكم وسرعة إجابتكم فقال له رجل من العرب إن ربنا ليضحك؟ قال: نعم قال لا نعدم من رب يضحك خيرا)([3]). إلى أشباه هذا مما لا نحصيه. وقال تعالى: ﴿وهو السميع البصير﴾([4]) ﴿واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا﴾ ([5])وقال تعالى: ﴿ولتصنع على عيني﴾([6]) وقال تعالى: ﴿ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي﴾ ([7])وقال تعالى: ﴿وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون﴾([8]) فوالله ما دلهم على عظم ما وصفه من نفسه وما تحيط به قبضته: إلا صغر نظيرها منهم عندهم إن ذلك الذي ألقي في روعهم وخلق على معرفة قلوبهم فما وصف الله من نفسه وسماه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم سميناه كما سماه ولم نتكلف منه صفة ما سواه - لا هذا ولا هذا - لا نجحد ما وصف ولا نتكلف معرفة ما لم يصف)0   هذا تكملة ما سبق من كلام ابن الماجشون الإمام رحمه الله ومراد الشيخ في نقل هذا الكلام عنه رحمه الله أن السلف يثبتون الصفات لله سبحانه وتعالى سواء كانت صفات ذاتية أو فعلية أو خبرية فقوله: (لا تمتلئ النار حتى يضع الجبار فيها قدمه)هذا فيه إثبات صفة خبرية وهي صفة القدم له سبحانه وتعالى. وفي قوله: (لقد ضحك الله مما فعلت)هذا فيه إثبات صفة فعلية من صفات الله سبحانه وتعالى. وكذلك في قوله: ﴿وهو السميع البصير﴾هذا فيه إثبات الصفات الذاتية له سبحانه وتعالى:﴿واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا﴾فيه إثبات الصفة الخبرية، وكذا ﴿ولتصنع على عيني﴾﴿ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي﴾﴿والأرض جميعا قبضته يوم القيامة﴾ كل هذا فيه إثبات الصفات الخبرية له سبحانه وتعالى. ثم ذكر ابن الماجشون الإمام رحمه الله: (فوالله ما دلهم على عظم ما وصف به نفسه في قوله تعالى: ﴿والأرض جميعا قبضته يوم القيامة﴾ وما تحيط به قبضته إلا صغر نظيرها منهم عندهم) : أي مما جعله الله فيهم عندهم فما دلهم على عظم الله سبحانه وتعالى وأنه كبير عظيم جل وعلا إلا صغر ما عندهم ولكن قوله : (إلا صغير نظيرها)لا يعني المماثلة التامة إنما المقصود بالنظير هنا أي ما فيه مشاركة ومشابهة من وجه أما المماثلة فلا فيد الله سبحانه وتعالى ليست كيد المخلوقين بل يده سبحانه وتعالى على ما تليق به ويد المخلوقين على ما يليق بهم فلا مماثلة في صفات الله سبحانه وتعالى وإثبات هذه الصفات له لا يقتضي ما يزعمونه من التشبيه ولا يقتضي ما يزعمونه من التمثيل والتبعيض له سبحانه وتعالى فهو كما قال جل وعلا: ﴿ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير﴾([9]) ثم قال: (إن ذلك الذي ألقى في روعهم وخلق على معرفة قلوبهم فما وصف الله من نفسه وسماه على لسان رسوله سميناه كما سماه) فما سمى به نفسه من الصفات كالسمع والبصر واليد والرجل والقبضة وما إلى ذلك والعين تسمى كما جاءت ولا تؤول ولا تصرف عن ظاهرها ولم نتكلف منه صفة ما سواه يعني لا نطلب أكثر مما جاءت به النصوص لا هذا ولا هذا ولا نجحد ما وصف ولا نتكلف معرفة ما لم يصف وهذا فيه غاية العدل وتمام الامتثال لما في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله نقف حيث وقف ونقول كما قال دون زيادة ولا نقصان. وليكن على بالنا أن الغرض من سياق هذه النقول هو بيان مذهب السلف وأنهم يثبتون لله عز وجل الأسماء والصفات من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل وأما أفراد ما ذكروا من الصفات فسيأتي لبعضها ذكر في ما نستقبل وبعضها يكتفي الشيخ رحمه الله بما نقله عن السلف فيها. (اعلم - رحمك الله - أن العصمة في الدين أن تنتهي في الدين حيث انتهى بك ولا تجاوز ما قد حد لك فإن من قوام الدين معرفة المعروف وإنكار المنكر فما بسطت عليه المعرفة وسكنت إليه الأفئدة وذكر أصله في الكتاب والسنة وتوارثت علمه الأمة: فلا تخافن في ذكره وصفته من ربك ما وصف من نفسه عيبا؛ ولا تتكلفن بما وصف لك من ذلك قدرا. وما أنكرته نفسك ولم تجد ذكره في كتاب ربك ولا في حديث عن نبيك - من ذكر صفة ربك - فلا تكلفن علمه بعقلك ؛ ولا تصفه بلسانك واصمت عنه كما صمت الرب عنه من نفسه فإن تكلفك معرفة ما لم يصف من نفسه مثل إنكار ما وصف منها؛ فكما أعظمت ما جحده الجاحدون مما وصف من نفسه: فكذلك أعظم تكلف ما وصف الواصفون مما لم يصف منها. فقد - والله - عز المسلمون؛ الذين يعرفون المعروف وبهم يعرف؛ وينكرون المنكر وبإنكارهم ينكر؛ يسمعون ما وصف الله به نفسه من هذا في كتابه وما بلغهم مثله عن نبيه فما مرض من ذكر هذا وتسميته قلب مسلم ولا تكلف صفة قدره ولا تسمية غيره من الرب مؤمن. وما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سماه من صفة ربه فهو بمنزلة ما سمي وما وصف الرب تعالى من نفسه. والراسخون في العلم - الواقفون حيث انتهى علمهم الواصفون لربهم بما وصف من نفسه التاركون لما ترك من ذكرها - لا ينكرون صفة ما سمي منها جحدا ولا يتكلفون وصفه بما لم يسم تعمقا؛ لأن الحق ترك ما ترك وتسمية ما سمى ﴿ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا﴾([10]) وهب الله لنا ولكم حكما وألحقنا بالصالحين). هذا الكلام الجليل العظيم الفائدة فيه خير كبير ؛ وفيه قواعد كثيرة ؛ وفيه صد ورد لمذهب الضالين الذين يدعون أن طريقهم يوصل إلى معرفة الله ومعرفة رسوله. قال رحمه الله: (اعلم رحمك الله أن العصمة في الدين أن تنتهي في الدين حيث انتهى بك)يعني تقف عند ما وقفت النصوص ؛ لا تزيد على ما جاء في كتاب الله ولا في سنة رسوله  صلى الله عليه وسلم في شيء من الأمر لا في باب الغيبيات ولا في غيرها قال: (ولا تجاوز ما قد حد لكفإن من قوام الدين معرفة المعروف وإنكار المنكر) ثم قال: (فما بسطت عليه المعرفة وسكنت إليه الأفئدة وذكر أصله في الكتاب والسنة وتوارثت علمه الأمة فلا تخافن في ذكره وصفته من ربك ما وصف من نفسه عيبا)وهذا مهم وله شأن أن تعرف أن ما جاء في الكتاب والسنة لا يمكن أن يلزم عليه لوازم باطلة فمن ادعى فيما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله لوازم فإنما أوتي من قبل فهمه ورأيه وعقله وأما ما في الكتاب والسنة فلا تلزم عليه اللوازم الباطلة بحال و لذلك قال : (فلا تخافن في ذكره)إلى قوله: (ما وصف من نفسه عيبا)أي نقصا كما يقولون : إنه يلزم من إثبات الصفة كذا ويلزم من إثبات كذا كذا و هذا كله خيالات و لا تدل عليه النصوص ولا يلزمها . قال: (ولا تتكلفن بما وصف لك)إلى قوله:(ولا تصفه بلسانك)وأما منعه أن يتكلف ذلك بالعقل فقد تقدم بيان ذلك وهو أن العقل لا مجال له في أمور الغيبيات و دللنا على ذلك و ذكرناه قال: (ولا تصفه بلسانك واصمت)إلى قوله: (ما وصف منها)لأن الباب واحد وهو أن الزيادة كالنقص في دين الله فلذلك جعل الزيادة و تكلف ما لم يثبت كالنقص مما يثبت قال:(فكما أعظمت ما جحده الجاحدون مما وصف من نفسه فكذلك أعظم تكلف ما وصف الواصفون مما لم يصف منها) ثم قال:(فقد والله عز المسلمون)أي ندر وقل قال: (الذين يعرفون المعروف)إلى قوله:(من ذكر هذا و تسميته)يعني إثباته و ذكره لله عز وجل قال:(قلب مسلم) المراد أنه لا يلحق المؤمن بإثباته النصوص شيء من المرض و لا شي من الجفوة و لا شيء من القسوة بل إثباتها يؤول بالمرء إلى  تمام المعرفة بالله عز وجل. قال :(وهذا كله كلام ابن الماجشون الإمام " فتدبره وانظر كيف أثبت الصفات ونفى علم الكيفية - موافقا لغيره من الأئمة - وكيف أنكر على من نفى الصفات بأنه يلزمهم من إثباتها كذا وكذا كما تقوله الجهمية - أنه يلزم أن يكون جسما أو عرضا فيكون محدثا. وفي كتاب " الفقه الأكبر " المشهور عند أصحاب أبي حنيفة؛ الذي رووه بالإسناد عن أبي مطيع " الحكم بن عبد الله البلخي " قال: سألت أبا حنيفة عن الفقه الأكبر فقال: لا تكفرن أحدا بذنب ولا تنف أحدا به من الإيمان؛ وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؛ وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ولا تتبرأ من أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا توالي أحدا دون أحد؛ وأن ترد أمر عثمان وعلي إلى الله عز وجل. قال أبو حنيفة: الفقه الأكبر في الدين خير من الفقه في العلم؛ ولأن يفقه الرجل كيف يعبد ربه خير له من أن يجمع العلم الكثير. قال أبو مطيع: " الحكم بن عبد الله " قلت: أخبرني عن أفضل الفقه. قال: تعلم الرجل الإيمان والشرائع والسنن والحدود واختلاف الأئمة. وذكر مسائل " الإيمان " ثم ذكر مسائل " القدر " والرد على القدرية بكلام حسن ليس هذا موضعه. ثم قال: قلت: فما تقول فيمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فيتبعه على ذلك أناس فيخرج على الجماعة هل ترى ذلك؟ قال لا. قلت: ولم وقد أمر الله ورسوله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو فريضة واجبة؟ قال هو كذلك؛ لكن ما يفسدون أكثر مما يصلحون من سفك الدماء واستحلال الحرام. قال: وذكر الكلام في قتل الخوارج والبغاة. إلى أن قال: قال أبو حنيفة عمن قال: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض: فقد كفر لأن الله يقول: ﴿الرحمن على العرش استوى ﴾([11]) وعرشه فوق سبع سماوات. قلت: فإن قال : إنه على العرش استوى ولكنه يقول لا أدري العرش في السماء أم في الأرض؟ قال : هو كافر؛ لأنه أنكر أن يكون في السماء؛ لأنه تعالى في أعلى عليين وأنه يدعى من أعلى لا من أسفل - وفي لفظ - سألت أبا حنيفة عمن يقول : لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض. قال قد كفر. قال لأن الله يقول: ﴿الرحمن على العرش استوى ﴾ وعرشه فوق سبع سماوات قال فإنه يقول على العرش استوى ولكن لا يدري العرش في الأرض أو في السماء قال : إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر. ففي هذا الكلام المشهور عن أبي حنيفة عند أصحابه: أنه كفر الواقف الذي يقول: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض؛ فكيف يكون الجاحد النافي الذي يقول ليس في السماء؛ أو ليس في السماء ولا في الأرض؟ واحتج على كفره بقوله: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ قال: وعرشه فوق سبع سماوات). وهذا كله في إثبات أن الأئمة رحمهم الله كانوا على طريقة واحدة في إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء و الصفات ، و كتاب الفقه الأكبر جزم الشيخ رحمه الله بنسبته إلى أبي حنيفة رحمه الله و في نسبته نظر عند بعض أهل العلم  فقد تكلم في نسبته إلى أبي حنيفة الذهبي و غيره وعلى كل حال هو منقول عن أبي حنيفة و إن كان لم يكتبه إنما هو من أمالي أبي حنيفة لتلاميذه و قد نقله عنه أبو مطيع الحكم بن عبد الله البلخي و نقله عنه أيضا حماد بن أبي حنيفة فيكون جاء من طريقين . وهو من حيث ما فيه غالبه من كلام أبي حنيفة إلا أن فيه مسائل ليست من كلامه بل هي من زيادات إما من زيادات الرواة أو من زيادات غيرهم لأنه تكلم في مسائل لم يكن الخلاف قد وقع فيها في عصره رحمه الله. (وبين بهذا أن قوله تعالى: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ يبين أن الله فوق السماوات فوق العرش وأن الاستواء على العرش دل على أن الله بنفسه فوق العرش. ثم إنه أردف ذلك بتكفير من قال : إنه على العرش استوى ولكن توقف في كون العرش في السماء أم في الأرض قال: لأنه أنكر أنه في السماء؛ لأن الله في أعلى عليين؛ وأنه يدعى من أعلى لا من أسفل. وهذا تصريح من أبي حنيفة بتكفير من أنكر أن يكون الله في السماء؛ واحتج على ذلك بأن الله في أعلى عليين وأنه يدعى من أعلى لا من أسفل وكل من هاتين الحجتين فطرية عقلية فإن القلوب مفطورة على الإقرار بأن الله في العلو وعلى أنه يدعى من أعلى لا من أسفل).  احتج على ذلك بأن الله في أعلى عليين هذه الحجة الأولى وأما الحجة الثانية أنه يدعى من أعلى لا من أسفل و كل من هاتين الحجتين فطرية عقلية أما الأولى : فهي فطرية لا إشكال لأن القلوب تجد ميلا إلى العلو عند سؤال الله عز وجل  وطلبه والثانية عقلية : لأنه لو كان الله سبحانه و تعالى ليس في العلو لما توجه الداعي إلى جهة العلو فهي فطرية عقلية . (فإن القلوب مفطورة على الإقرار بأن الله في العلو وعلى أنه يدعى من أعلى لا من أسفل وقد جاء اللفظ الآخر صريحا عنه بذلك. فقال: إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر. وروى هذا اللفظ بإسناد عنه شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري الهروي في " كتاب الفاروق " وروى أيضا ابن أبي حاتم: أن هشام بن عبيد الله الرازي - صاحب محمد بن الحسن - قاضي الري حبس رجلا في التجهم فتاب فجيء به إلى هشام ليطلقه فقال: الحمد الله على التوبة؛ فامتحنه هشام؛ فقال: أتشهد أن الله على عرشه بائن من خلقه؟ فقال: أشهد أن الله على عرشه؛ ولا أدري ما بائن من خلقه. فقال: ردوه إلى الحبس فإنه لم يتب. وروي أيضا عن يحيى بن معاذ الرازي " أنه قال: إن الله على العرش بائن من الخلق وقد أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا؛ لا يشك في هذه المقالة إلا جهمي رديء ضليل وهالك مرتاب يمزج الله بخلقه ويخلط منه الذات بالأقذار والأنتان. وروي أيضا عن ابن المديني لما سئل ما قول أهل الجماعة؟ قال: يؤمنون بالرؤية والكلام وأن الله فوق السماوات على العرش استوى؛ فسئل عن قوله: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم)فقال: اقرأ ما قبلها: ﴿ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض﴾([12])هذا رد لدعوى هؤلاء بأن الله سبحانه وتعالى في كل مكان و أنه ليس على العرش فرد عليهم بالآية نفسها حيث أن الآية صدرت بقوله تعالى : ﴿ ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض﴾ ثم ذكر﴿ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم﴾أي بعلمه جل و علا و إلا فهو كما أخبر عن نفسه مستوي على عرشه بائن من خلقه. (وروي أيضا عن أبي عيسى الترمذي قال: هو على العرش كما وصف في كتابه؛ وعلمه وقدرته وسلطانه في كل مكان. وروي عن أبي زرعة الرازي أنه لما سئل عن تفسير قوله: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾([13])فقال: تفسيره كما يقرأ هو على العرش وعلمه في كل مكان؛ ومن قال غير هذا فعليه لعنة الله) كل هذه النقول كما ذكرنا لتأكيد هذه القضية و هي من أوضح ما يكون و لذلك فأقوى الكتب في الرد على أهل البدع هذا الكتاب لما فيه من النقول الكثيرة الوفيرة الدالة على أن أهل السنة و الجماعة يثبتون الأسماء و الصفات لله عز وجل كما جاء في الكتاب و السنة من غير تحريف ولا تعطيل و من غير تكييف  و لا تمثيل و  فيه أيضا شدة كلام السلف رحمهم الله في هؤلاء الذين ينكرون علو الله سبحانه وتعالى وأن إنكار العلو كفر و قوله رحمه الله : (كفر)يبين عظم هذه البدعة و أنها من البدع الكبيرة التي تتضمن تكذيب ما في الكتاب و ما في السنة غفر الله لهم و رحمهم  وصلى الله على نبينا محمد. ([1]) البخاري (2848) ،  ومسلم (2846) . ([2]) البخاري (3798).     ([3]) أخرجه : أحمد (181، 15754، 15768) وابن ماجة (181) من طريق حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن حدس عن عمه أبي رزين . ووكيع بن حدس متكلم فيه والحديث حسنه الألباني.          ([4]) سورة : الشورى : آية (11) . ([5]) سورة : الطور : آية (48).       ([6]) سورة : طه : آية (39) .         ([7]) سورة : ص: آية (75). ([8]) سورة : الزمر : آية (67) .       ([9]) سورة : الشورى : آية (11) . ([10]) سورة : النساء : آية (115) .  ([11]) سورة : طه : آية (5) .         ([12]) سورة : المجادلة : آية (7) . ([13]) سورة: طه : آية (5).

المشاهدات:3534


 (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تمتلئ النار حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول قط قط وينزوي بعضها إلى بعض)([1]) وقال لثابت بن قيس: لقد ضحك الله مما فعلت بضيفك البارحة)([2]) (وقال فيما بلغنا إن الله تعالى ليضحك من أزلكم وقنوطكم وسرعة إجابتكم فقال له رجل من العرب إن ربنا ليضحك؟ قال: نعم قال لا نعدم من رب يضحك خيرا)([3]). إلى أشباه هذا مما لا نحصيه. وقال تعالى: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾([4]) ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ ([5])وقال تعالى: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾([6]) وقال تعالى: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ ([7])وقال تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾([8]) فوالله ما دلهم على عظم ما وصفه من نفسه وما تحيط به قبضته: إلا صغر نظيرها منهم عندهم إن ذلك الذي ألقي في روعهم وخلق على معرفة قلوبهم فما وصف الله من نفسه وسماه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم سميناه كما سماه ولم نتكلف منه صفة ما سواه - لا هذا ولا هذا - لا نجحد ما وصف ولا نتكلف معرفة ما لم يصف)0



 



هذا تكملة ما سبق من كلام ابن الماجشون الإمام ـ رحمه الله ـ ومراد الشيخ في نقل هذا الكلام عنه رحمه الله أن السلف يثبتون الصفات لله سبحانه وتعالى سواء كانت صفات ذاتية أو فعلية أو خبرية فقوله: (لا تمتلئ النار حتى يضع الجبار فيها قدمه)هذا فيه إثبات صفة خبرية وهي صفة القدم له سبحانه وتعالى. وفي قوله: (لقد ضحك الله مما فعلت)هذا فيه إثبات صفة فعلية من صفات الله سبحانه وتعالى. وكذلك في قوله: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾هذا فيه إثبات الصفات الذاتية له سبحانه وتعالى:﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾فيه إثبات الصفة الخـبرية، وكذا ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾﴿وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ كل هذا فيه إثبات الصفات الخبرية له سبحانه وتعالى.



ثم ذكر ابن الماجشون الإمام رحمه الله: (فوالله ما دلهم على عظم ما وصف به نفسه في قوله تعالى: ﴿وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ وما تحيط به قبضته إلا صغر نظيرها منهم عندهم) : أي مما جعله الله فيهم عندهم فما دلهم على عظم الله سبحانه وتعالى وأنه كبير عظيم جل وعلا إلا صغر ما عندهم ولكن قوله : (إلا صغير نظيرها)لا يعني المماثلة التامة إنما المقصود بالنظير هنا أي ما فيه مشاركة ومشابهة من وجه أما المماثلة فلا فيد الله سبحانه وتعالى ليست كيد المخلوقين بل يده سبحانه وتعالى على ما تليق به ويد المخلوقين على ما يليق بهم فلا مماثلة في صفات الله سبحانه وتعالى وإثبات هذه الصفات له لا يقتضي ما يزعمونه من التشبيه ولا يقتضي ما يزعمونه من التمثيل والتبعيض له سبحانه وتعالى فهو كما قال جل وعلا: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾([9])



ثم قال: (إن ذلك الذي ألقى في روعهم وخلق على معرفة قلوبهم فما وصف الله من نفسه وسماه على لسان رسوله سميناه كما سماه) فما سمى به نفسه من الصفات كالسمع والبصر واليد والرجل والقبضة وما إلى ذلك والعين تسمى كما جاءت ولا تؤول ولا تصرف عن ظاهرها ولم نتكلف منه صفة ما سواه يعني لا نطلب أكثر مما جاءت به النصوص لا هذا ولا هذا ولا نجحد ما وصف ولا نتكلف معرفة ما لم يصف وهذا فيه غاية العدل وتمام الامتثال لما في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله نقف حيث وقف ونقول كما قال دون زيادة ولا نقصان.



وليكن على بالنا أن الغرض من سياق هذه النقول هو بيان مذهب السلف وأنهم يثبتون لله عز وجل الأسماء والصفات من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل وأما أفراد ما ذكروا من الصفات فسيأتي لبعضها ذكر في ما نستقبل وبعضها يكتفي الشيخ رحمه الله بما نقله عن السلف فيها.



(اعلم - رحمك الله - أن العصمة في الدين أن تنتهي في الدين حيث انتهى بك ولا تجاوز ما قد حد لك فإن من قوام الدين معرفة المعروف وإنكار المنكر فما بسطت عليه المعرفة وسكنت إليه الأفئدة وذكر أصله في الكتاب والسنة وتوارثت علمه الأمة: فلا تخافن في ذكره وصفته من ربك ما وصف من نفسه عيبا؛ ولا تتكلفن بما وصف لك من ذلك قدرا. وما أنكرته نفسك ولم تجد ذكره في كتاب ربك ولا في حديث عن نبيك - من ذكر صفة ربك - فلا تكلفن علمه بعقلك ؛ ولا تصفه بلسانك واصمت عنه كما صمت الرب عنه من نفسه فإن تكلفك معرفة ما لم يصف من نفسه مثل إنكار ما وصف منها؛ فكما أعظمت ما جحده الجاحدون مما وصف من نفسه: فكذلك أعظم تكلف ما وصف الواصفون مما لم يصف منها. فقد - والله - عز المسلمون؛ الذين يعرفون المعروف وبهم يعرف؛ وينكرون المنكر وبإنكارهم ينكر؛ يسمعون ما وصف الله به نفسه من هذا في كتابه وما بلغهم مثله عن نبيه فما مرض من ذكر هذا وتسميته قلب مسلم ولا تكلف صفة قدره ولا تسمية غيره من الرب مؤمن. وما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سماه من صفة ربه فهو بمنزلة ما سمي وما وصف الرب تعالى من نفسه. والراسخون في العلم - الواقفون حيث انتهى علمهم الواصفون لربهم بما وصف من نفسه التاركون لما ترك من ذكرها - لا ينكرون صفة ما سمي منها جحدا ولا يتكلفون وصفه بما لم يسم تعمقا؛ لأن الحق ترك ما ترك وتسمية ما سمى ﴿وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾([10]) وهب الله لنا ولكم حكما وألحقنا بالصالحين).



هذا الكلام الجليل العظيم الفائدة فيه خير كبير ؛ وفيه قواعد كثيرة ؛ وفيه صد ورد لمذهب الضالين الذين يدعون أن طريقهم يوصل إلى معرفة الله ومعرفة رسوله.



قال رحمه الله: (اعلم رحمك الله أن العصمة في الدين أن تنتهي في الدين حيث انتهى بك)يعني تقف عند ما وقفت النصوص ؛ لا تزيد على ما جاء في كتاب الله ولا في سنة رسوله  صلى الله عليه وسلم في شيء من الأمر لا في باب الغيبيات ولا في غيرها قال: (ولا تجاوز ما قد حد لكفإن من قوام الدين معرفة المعروف وإنكار المنكر) ثم قال: (فما بسطت عليه المعرفة وسكنت إليه الأفئدة وذكر أصله في الكتاب والسنة وتوارثت علمه الأمة فلا تخافن في ذكره وصفته من ربك ما وصف من نفسه عيبا)وهذا مهم وله شأن أن تعرف أن ما جاء في الكتاب والسنة لا يمكن أن يلزم عليه لوازم باطلة فمن ادعى فيما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله لوازم فإنما أوتي من قبل فهمه ورأيه وعقله وأما ما في الكتاب والسنة فلا تلزم عليه اللوازم الباطلة بحال و لذلك قال : (فلا تخافن في ذكره)إلى قوله: (ما وصف من نفسه عيبا)أي نقصاً كما يقولون : إنه يلزم من إثبات الصفة كذا ويلزم من إثبات كذا كذا و هذا كله خيالات و لا تدل عليـه النصوص ولا يلزمها . قال: (ولا تتكلفن بما وصف لك)إلى قوله:(ولا تصفه بلسانك)وأما منعه أن يتكلف ذلك بالعقل فقد تقدم بيان ذلك وهو أن العقل لا مجال له في أمور الغيبيات و دللنا على ذلك و ذكرناه قال: (ولا تصفه بلسانك واصمت)إلى قوله: (ما وصف منها)لأن الباب واحد وهو أن الزيادة كالنقص في دين الله فلذلك جعل الزيادة و تكلف ما لم يَثبُت كالنقص مما يثبت قال:(فكما أعظمت ما جحده الجاحدون مما وصف من نفسه فكذلك أعظم تكلف ما وصف الواصفون مما لم يصف منهـا) ثم قـال:(فقد ـ والله ـ عـز المسلمون)أي ندر وقل قال: (الذين يعرفون المعروف)إلى قوله:(من ذكر هذا و تسميته)يعني إثباته و ذكره لله عز وجل قال:(قلب مسلم) المراد أنه لا يلحق المؤمن بإثباته النصوص شيء من المرض و لا شي من الجفوة و لا شيء من القسوة بل إثباتها يؤول بالمرء إلى  تمام المعرفة بالله عز وجل.



قال :(وهذا كله كلام ابن الماجشون الإمام " فتدبره وانظر كيف أثبت الصفات ونفى علم الكيفية - موافقاً لغيره من الأئمة - وكيف أنكر على من نفى الصفات بأنه يلزمهم من إثباتها كذا وكذا كما تقوله الجهمية - أنه يلزم أن يكون جسماً أو عرضاً فيكون محدثاً. وفي كتاب " الفقه الأكبر " المشهور عند أصحاب أبي حنيفة؛ الذي رووه بالإسناد عن أبي مطيع " الحكم بن عبد الله البلخي " قال: سألت أبا حنيفة عن الفقه الأكبر فقال: لا تكفرن أحداً بذنب ولا تنف أحداً به من الإيمان؛ وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؛ وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ولا تتبرأ من أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا توالي أحداً دون أحد؛ وأن ترد أمر عثمان وعلي إلى الله عز وجل. قال أبو حنيفة: الفقه الأكبر في الدين خير من الفقه في العلم؛ ولأن يفقه الرجل كيف يعبد ربه خير له من أن يجمع العلم الكثير. قال أبو مطيع: " الحكم بن عبد الله " قلت: أخبرني عن أفضل الفقه. قال: تعلم الرجل الإيمان والشرائع والسنن والحدود واختلاف الأئمة. وذكر مسائل " الإيمان " ثم ذكر مسائل " القدر " والرد على القدرية بكلام حسن ليس هذا موضعه. ثم قال: قلت: فما تقول فيمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فيتبعه على ذلك أناس فيخرج على الجماعة هل ترى ذلك؟ قال لا. قلت: ولم وقد أمر الله ورسوله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو فريضة واجبة؟ قال هو كذلك؛ لكن ما يفسدون أكثر مما يصلحون من سفك الدماء واستحلال الحرام. قال: وذكر الكلام في قتل الخوارج والبغاة. إلى أن قال: قال أبو حنيفة عمن قال: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض: فقد كفر لأن الله يقول: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾([11]) وعرشه فوق سبع سماوات. قلت: فإن قال : إنه على العرش استوى ولكنه يقول لا أدري العرش في السماء أم في الأرض؟ قال : هو كافر؛ لأنه أنكر أن يكون في السماء؛ لأنه تعالى في أعلى عليين وأنه يدعى من أعلى لا من أسفل - وفي لفظ - سألت أبا حنيفة عمن يقول : لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض. قال قد كفر. قال لأن الله يقول: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ وعرشه فوق سبع سماوات قال فإنه يقول على العرش استوى ولكن لا يدري العرش في الأرض أو في السماء قال : إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر. ففي هذا الكلام المشهور عن أبي حنيفة عند أصحابه: أنه كفر الواقف الذي يقول: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض؛ فكيف يكون الجاحد النافي الذي يقول ليس في السماء؛ أو ليس في السماء ولا في الأرض؟ واحتج على كفره بقوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ قال: وعرشه فوق سبع سماوات).



وهذا كله في إثبات أن الأئمة رحمهم الله كانوا على طريقة واحدة في إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء و الصفات ، و كتاب الفقه الأكبر جزم الشيخ رحمه الله بنسبته إلى أبي حنيفة رحمه الله و في نسبته نظر عند بعض أهل العلم  فقد تكلم في نسبته إلى أبي حنيفة الذهبي و غيره وعلى كل حال هو منقول عن أبي حنيفة و إن كان لم يكتبه إنما هو من أمالي أبي حنيفة لتلاميذه و قد نقله عنه أبو مطيع الحكم بن عبد الله البلخي و نقله عنه أيضا حماد بن أبي حنيفة فيكون جاء من طريقين . وهو من حيث ما فيه غالبه من كلام أبي حنيفة إلا أن فيه مسائل ليست من كلامه بل هي من زيادات إما من زيادات الرواة أو من زيادات غيرهم لأنه تكلم في مسائل لم يكن الخلاف قد وقع فيها في عصره رحمه الله.



(وبين بهذا أن قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ يبين أن الله فوق السماوات فوق العرش وأن الاستواء على العرش دل على أن الله بنفسه فوق العرش. ثم إنه أردف ذلك بتكفير من قال : إنه على العرش استوى ولكن توقف في كون العرش في السماء أم في الأرض قال: لأنه أنكر أنه في السماء؛ لأن الله في أعلى عليين؛ وأنه يدعى من أعلى لا من أسفل. وهذا تصريح من أبي حنيفة بتكفير من أنكر أن يكون الله في السماء؛ واحتج على ذلك بأن الله في أعلى عليين وأنه يدعى من أعلى لا من أسفل وكل من هاتين الحجتين فطرية عقلية فإن القلوب مفطورة على الإقرار بأن الله في العلو وعلى أنه يدعى من أعلى لا من أسفل).



 احتج على ذلك بأن الله في أعلى عليين هذه الحجة الأولى وأما الحجة الثانية أنه يدعى من أعلى لا من أسفل و كل من هاتين الحجتين فطرية عقلية أما الأولى : فهي فطرية لا إشكال لأن القلوب تجد ميلا إلى العلو عند سؤال الله عز وجل  وطلبه والثانية عقلية : لأنه لو كان الله سبحانه و تعالى ليس في العلو لما توجه الداعي إلى جهة العلو فهي فطرية عقلية .



(فإن القلوب مفطورة على الإقرار بأن الله في العلو وعلى أنه يدعى من أعلى لا من أسفل وقد جاء اللفظ الآخر صريحا عنه بذلك. فقال: إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر. وروى هذا اللفظ بإسناد عنه شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري الهروي في " كتاب الفاروق " وروى أيضا ابن أبي حاتم: أن هشام بن عبيد الله الرازي - صاحب محمد بن الحسن - قاضي الري حبس رجلا في التجهم فتاب فجيء به إلى هشام ليطلقه فقال: الحمد الله على التوبة؛ فامتحنه هشام؛ فقال: أتشهد أن الله على عرشه بائن من خلقه؟ فقال: أشهد أن الله على عرشه؛ ولا أدري ما بائن من خلقه. فقال: ردوه إلى الحبس فإنه لم يتب. وروي أيضا عن يحيى بن معاذ الرازي " أنه قال: إن الله على العرش بائن من الخلق وقد أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا؛ لا يشك في هذه المقالة إلا جهمي رديء ضليل وهالك مرتاب يمزج الله بخلقه ويخلط منه الذات بالأقذار والأنتان. وروي أيضا عن ابن المديني لما سئل ما قول أهل الجماعة؟ قال: يؤمنون بالرؤية والكلام وأن الله فوق السماوات على العرش استوى؛ فسئل عن قوله: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم)فقال: اقرأ ما قبلها: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾([12])هذا رد لدعوى هؤلاء بأن الله سبحانه وتعالى في كل مكان و أنه ليس على العرش فرد عليهم بالآية نفسها حيث أن الآية صدرت بقوله تعالى : ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ ثم ذكر﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ﴾أي بعلمه جل و علا و إلا فهو كما أخبر عن نفسه مستوي على عرشه بائن من خلقه.



(وروي أيضا عن أبي عيسى الترمذي قال: هو على العرش كما وصف في كتابه؛ وعلمه وقدرته وسلطانه في كل مكان. وروي عن أبي زرعة الرازي أنه لما سئل عن تفسير قوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾([13])فقال: تفسيره كما يقرأ هو على العرش وعلمه في كل مكان؛ ومن قال غير هذا فعليه لعنة الله) كل هذه النقول كما ذكرنا لتأكيد هذه القضية و هي من أوضح ما يكون و لذلك فأقوى الكتب في الرد على أهل البدع هذا الكتاب لما فيه من النقول الكثيرة الوفيرة الدالة على أن أهل السنة و الجماعة يثبتون الأسماء و الصفات لله عز وجل كما جاء في الكتاب و السنة من غير تحريف ولا تعطيل و من غير تكييف  و لا تمثيل و  فيه أيضاً شدة كلام السلف رحمهم الله في هؤلاء الذين ينكرون علو الله سبحانه وتعالى وأن إنكار العلو كفر و قوله رحمه الله : (كفر)يبين عظم هذه البدعة و أنها من البدع الكبيرة التي تتضمن تكذيب ما في الكتاب و ما في السنة غفر الله لهم و رحمهم  وصلى الله على نبينا محمد.









([1]) البخاري (2848) ،  ومسلم (2846) .




([2]) البخاري (3798).    




([3]) أخرجه : أحمد (181، 15754، 15768) وابن ماجة (181) من طريق حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن حدس عن عمه أبي رزين . ووكيع بن حدس متكلم فيه والحديث حسنه الألباني.         




([4]) سورة : الشورى : آية (11) .




([5]) سورة : الطور : آية (48).      




([6]) سورة : طه : آية (39) .        




([7]) سورة : ص: آية (75).




([8]) سورة : الزمر : آية (67) .      




([9]) سورة : الشورى : آية (11) .




([10]) سورة : النساء : آية (115) . 




([11]) سورة : طه : آية (5) .        




([12]) سورة : المجادلة : آية (7) .




([13]) سورة: طه : آية (5).

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات83727 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات78580 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات73089 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات60807 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات55204 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات52364 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات49649 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات48465 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات44985 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات44285 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف