×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (122) شهر المحرم وما له من الخصائص والأحكام

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:2124

المقدم: سيكون حديثنا في هذه الحلقة حول شهر محرم وما له من الخصائص والأحكام، ابتداءً فضيلة الشيخ قبل أن نتحدث عن هذه الخصائص والأحكام المتعلقة بشهر محرم، نريد أن نتحدث قليلاً عن تفضيل الشهور وتمايز بعضها البعض كما قال الله تعالى،وكما خص الله تبارك وتعالى عدة أشهر بأنها حُرم، نريد أن نتحدث عن هذا التفضيل للشهور عن بعضها البعض.

الشيخ خالد: أولاً السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الشيخ خالد: تحية طيبة لكم أخي ولجميع الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد، الله تعالى يقول في محكم كتابه: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُالقصص:68،الله -سبحانه وبحمده- خلق خلقه زمانًا ومكانًا وأعيانًا وصفاتًا وأحوال، وهو -جل وعلا- بصيرٌ بذلك، عليم به، ولهذا اختار واصطفى من خلقه ما يشاء -سبحانه وبحمده-، وهذا الاختيار الذي أثبته الله تعالى لخلقه هو متنوع ولأسباب عديدة، من ذلك ما اختاره الله تعالى من الزمان فخصَّه بخصائص، هذه الخصائص إما قدريًّة بأن أجرى الله تعالى في هذا الزمان من الحوادث الكونية القدرية الخلقية ما ميَّزته عن سائر الزمان.

 مثال ذلك الجمعة، يوم الجمعة خير يوم طلعت فيه الشمس، خصه الله تعالى بجملة من الخصائص بيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «فيه خُلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها»، هذه خصائص خلقية كونية قدرية، خص الله تعالى بها هذا الزمان وهو يوم الجمعة، «وفيه تقوم الساعة»صحيح مسلم (854).

  وهذا من خصائصه التي تتعلق بالحوادث والوقائع، ففي يوم الجمعة تقوم القيامة التي يقوم فيها الخلق لله -عز وجل- لحسابهم وجزائهم.

من الاختصاصات الزمنية التي خصها الله تعالى لبعض الأشهر ما خصه الله تعالى لشهر رمضان، حيث جعله محلًّا لإنزال خاتم الكتب، وهذا أيضًا تخصيص قدري، وهذه صورة أخرى من صور الاختصاصات القدرية يعني التي ترجع إلى أن الله قدر فيها شيئًا ميَّزها عن سائر أوقات العمر وأيام الزمان، وبالتالي ثمة اختصاصات قدرية غالبًا، هذه الاختصاصات القدرية يقترن بها اختصاصات شرعية أي مشروعات عملية، فيوم الجمعة على سبيل المثال هو اليوم الذي فيه أفضل الصلوات، الصلاة التي أمر الله تعالى بالسعي إليها في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَالجمعة:9 .

رمضان خصه الله تعالى بخاصية على سائر الزمان أن فرض صومه على أهل الإسلام؛ ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾، هذه الخاصية القدرية، ﴿هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾، ثم قال: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُالبقرة:185، هذه الخاصية الشرعية.

إذًا الاختصاصات في الأيام والأشهر واضحة في كتاب الله -عز وجل-، وفيما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من سنته، خلق الله تعالى الزمان ومن رحمته بعباده أن جعله متنوعًا النهار يعقبه الليل، والليل يعقبه نهار، وهذا التعاقب بين الليل والنهار فيه من الآيات والعِبر ما لا يمكن أن يحيط به العقل لكثرة ذلك، وفيه من المنافع والفوائد ما يدركه الناس ويعرفونه، فإنه لو كان الزمان كله على حالٍ واحدة كان الأمر في غاية العسر على بني آدم، وفي غاية المشقَّة، وفيه فواتٌ لمصالح كثيرة من المصالح التي لا يمكن للبشرية أن تدركها إلا بهذا التعاقب، وهذا الاختلاف بين الليل والنهار.

ولهذا ذكَّر الله تعالى بهذه النعمة في محكم كتابه، فقال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا﴾ يعني كل الزمان ليل، ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَالقصص:71، لأنه في حل لظلمة الحاسة التي تعتبر هي السمع فقال: ﴿أَفَلا تَسْمَعُونَ﴾، وفي الآية الأخرى قال: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا﴾أي نهار على كل طول الوقت، إلى يوم القيامة متتابع لا ليل فيه، لا ظلمة فيه، ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَالقصص:72 ، هذا التنبيه الإلهي لجانب من جوانب الرحمة والحكمة في صنع الله وخلقه الذي جعل الليل والنهار خِلْفَة، كما قال تعالى: ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًاالفرقان:62 .

 فهذا الإبداع في تعاقب الليل والنهار هو من آيات الله الباهرة، قال تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا﴾ وهو الشمس، ﴿وَقَمَرًا مُنِيرًاالفرقان:61،  ثم قال: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً﴾، يذهب نهارٌ ويأتي ليل، يأتي ليلٌ ويذهب نهار، ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًاالفرقان:62، فرحمة الله أن يتعاقب النهار، وكل الزمان، كل الأيام، كل الأشهر على هذا النحو ليلٌ يعقبه نهار.

 فالفضائل التي في هذه الأزمنة هي وهبية لحكمةٍ من الله -عز وجل- قد تظهر للناس وقد لا تظهر، بمعنى أنه لقائل أن يقول: ما الذي ميَّز هذا اليوم عن هذا اليوم مع أنه لا يختلف عنه في شروق الشمس وغروبها وفي كونه ليلاً يعقبه نهار؟ الجواب: الله له حكمة في الاختصاصات، وقد تبدو هذه الحكمة وتظهر وقد تخفى، الزمان المتعاقب من رحمة الله أن جعله على نحوٍ من الحساب يدرك الناس به مصالحهم، ولذلك قال الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّالبقرة:189، والأهلَّة هي إحدى العلامات التي يُعرف بها معايير أو مقاييس الزمان، هي معيار لقياس الزمان بالنظر إلى الأشهر، فتعاقب الليل والنهار تُعرف به الأيام، لكن تعاقب الأشهر لا يعرفه الناس إلا من خلال الأهلة.

 وقد أجرى الله تعالى العام وهو السنة التي تتكون من الأشهر، أجرى الله تعالى العام على عدةٍ يوم خلق السماوات والأرض، تولَّاها هو بنفسه -سبحانه وبحمده- مثل عدة الأيام، ما في خلاف بين البشرية كلها أن الأيام سبعة، ولا في خلاف بين البشرية كلها أن عدة الشهور اثنا عشر شهرًا، فهو مما خلق الله تعالى البشر عليه، وتعاقب الناس عليه، وأخذوا به بلا اختلافٍ بينهم، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ ثم قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَالتوبة:36 .

هذه الآية الكريمة في سورة التوبة بيَّنت عدة الأشهر، وأنها اثنا عشر شهرًا، وهذه الأشهر أيضًا فيها اختصاص من حيث مكانتها عند الله -عز وجل- ومنزلة الطاعة والمعصية فيها، لذلك قال:﴿مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾، منها أي من هذه الاثني عشر شهرًا أربعة حرم أي أربعة أشهر محرَّمة، ومعنى محرمة أنها ذات حرمة، هذا معنى تحريمها وهي قد بينها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع عندما قال لأصحابه: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ» أي عاد على نحو ما كان عليه يوم خلق السماوات والأرض، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّه السَّماواتِ والأَرْضَ»صحيح البخاري (3197)، ومسلم (1679) .

 السبب في قول النبي صلى الله عليه وسلم وتنبيهه لهذا أن العرب كانت تخالف بين الأشهر فتقدِّم وتؤخِّر، كما قال الله -عز وجل-: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِالتوبة:37، فيؤخِّرون شهرا ويقدمون شهرا لمصالح موهومة، وللتحايل على حرمة ما حرمه الله تعالى عليهم من الأشهر، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين وغيرهما أن الزمان استدار أي عاد في تلك السنة إلى هيئته يوم خلق السماوات والأرض، «السَّنةُ اثْنَا عَشَر شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُم»، هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو مطابقٌ للآية الكريمة، «ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ» هذا بيان للأربعة الأشهر، «ذُو الْقعْدة، وَذو الْحجَّةِ، والْمُحرَّمُ»، هذه ثلاثة أشهر متعاقبة من الأشهر الحرم، «وَرَجَبُ مُضَر، الَّذِي بَيْنَ جُمادَى وَشَعْبَانَ» وهذا هو الشهر الرابع.

هذه الأشهر الأربعة هي أشهرٌ ذات حرمة وذات منزلة ومكانة عند الله -عز وجل-، يجب على أهل الإيمان أن يصونوا فيها حقوق الرحمن -جل في علاه-، فإن الله تعالى بيَّن حرمتها في كتابه، وقرر ذلك رسوله صلى الله عليه وسلم في سُنَّته، وهذه الأربعة أشهر الحرم من خصائها أنه يحرم فيها أمور جاء بيانها في السنة، وفي جملة ما يحرم في هذا الزمان هو ما ذكره الله تعالى في قوله: ﴿فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾، فإن هذه الآية الكريمة نهت عن ظلم النفس عمومًا، وعنه في هذه الأشهر خصوصًا، وذلك أن هذه الأشهر أشهر ذات حرمة ومكانة ومنزلة ينبغي أن تُصان وأن تُعتبر.

وبالتالي من المهم أن نعرف هذه الخصائص التي تقدمت على وجه الإجمال في معرفة خصائص الزمان، وما اختص الله تعالى به بعض الأيام، بعض الأشهر، هذه الأشهر الحرم ليست على مرتبة واحدة في الاختصاص يعني هي متفاضلة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وسنتطرق بعد قليل إلى شيء مما يتعلق بأي الأشهر أفضل.

المقدم: جميل، طيب اسمح لي فضيلة الشيخ أن نذهب إلى فاصل أول في هذه الحلقة بعده -بمشيئة الله تعالى- نكمل هذا الحديث حول تفاضل الأشهر وتمايزها، وأيضًا سنتحدث بشكل أكثر وأسهب عن شهر محرم وما له من الخصائص والأحكام المتعلقة به خصوصًا، مستمعينا الكرام سنذهب إلى فاصل أول في هذه الحلقة بعده نكمل الحديث -بمشيئة الله تعالى- فابقوا معنا.

أهلاً وسهلاً بكم مستمعينا الكرام مجددًا في هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، ضيفنا هو فضيلة الشيخ الدكتور "خالد المصلح" أستاذ الفقه بـ"جامعة القصيم" وعضو "لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم"، فضيلة الشيخ خالد أهلاً وسهلاً وحياك الله مجددًا.

الشيخ خالد: حياكم الله، ومرحبًا بك وبالإخوة والأخوات، أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد.

المقدم: اللهم آمين، فضيلة الشيخ كنا نتحدث عن تفاضل الأشهر وتمايزها، وكيف أن الله تبارك وتعالى فضل واصطفى بعض الأشهر على غيرها، والسؤال الذي نطرحه الآن قبل أن نتكلم بشكل أكثر إسهابًا فيما يتعلق بشهر محرم، أي الأشهر فضيلة الشيخ له حرمة أكثر من غيره فيما يتعلق بالأشهر الحرم نفسها؟

الشيخ خالد: الذي يظهر -والله تعالى أعلم- أن شهر محرم ورجب لهما من الخاصية ما ليس لغيرهما من جهة التحريم، وإن كانت الأشهر كلها حُرُمًا، لكن في التحريم رجب من أشد الأشهر حرمةً؛ وذلك أنه فرد لا يتصل بما قبله ولا بما بعده؛ فقد يغفل عنه، ولذلك سمي الشهر كما في الصحيح «رجب مُضَر»، إذ أن مضر تميزوا بتعظيم هذا الشهر وصيانته، وأما من حيث محرَّم، فمحرم له مزيَّة وخاصية على رجب أيضًا في التحريم من جهة أنه آخر الأشهر الحرم، وكانت العرب يطول عليها الوقت الذي تمنع فيه من القتال، إذ إن العرب كانت تمتنع من القتال، ابتداء القتال في هذه الأشهر حتى إن الرجل يرى قاتل أبيه ولا يتعرض له تعظيمًا لهذه الأشهر.

والعرب تُعرف في زمن الجاهلية كانوا أهل إغارة ويقتل بعضهم بعضًا في امتهان وانتهاك للدماء، فكانوا يمتنعون في هذه الأشهر فيطول عليهم المنع من ذي القعدة إلى آخر محرم، فماذا كانوا يصنعون؟ كانوا يؤخرون شهر محرم إلى ما بعد صفر، فيقدموا صفر فيجعلونه سابق لمحرم، وهذا الذي ذكره الله تعالى في قوله: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾، في الإنكار على ما كان يفعله المشركون من تقديم وتأخير، ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا﴾أي يحلون شهر محرم عامًا، ﴿وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا﴾ والسبب في هذا التلاعب، ﴿لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ﴾ أي ليوافقوا التحريم بنوعٍ من الحيلة، لكنهم في الحقيقة لا يمتثلون ما أمر الله تعالى، ﴿فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَالتوبة:37 .

فمُحَرَّم من هذه الناحية له مزية في التحريم، حيث كان موضعًا للتلاعب إذ أنه آخر الأشهر الحرم، وكانت العرب قد تؤخر وتقدم في الأشهر لأجل أن تقع فيما تشتهي من اعتداء على دماءٍ ونحو ذلك.

المقدم: فضيلة الشيخ فيما يتعلق بحرمة هذه الأشهر الحرم وذكرت أن شهر محرم يظهر أنه أكثر حرمة من غيره من الأشهر الحرم، هل تضاعف السيئات فيها والذنوب فيها؟

الشيخ: الأشهر الحرم عمومًا خصَّها الله تعالى بالنهي عن الظلم فيها بقوله: ﴿فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ فدل هذا على أن ظلم النفس فيها بكل المعاصي والسيئات مما له وقع عند الله -عز وجل- يوجب على الإنسان أن يتجنب المعصية ابتداءً، ثم إذا ذلَّت قدمه ووقع في شيء من ذلك، فليبادر إلى التوبة والاستغفار من جهتين

- من جهة المخالفة للأمر والوقوع في المحرم

- ومن جهة أيضًا عدم تعظيم ما أمر الله تعالى بتعظيمه؛ فتكون التوبة من جهتين، أو لمخالفتين، وليس لمخالفة واحدة، هذا ما يتعلق بالأشهر الحرم، فينبغي للإنسان أن يصون فيها نفسه، وأن يُكثِر فيها من التوبة وأن يبادر إلى الاستغفار، لا يعني أن الإنسان سيكون معصومًا في هذه الأيام لكن يجتهد طاقته في أن يمتثل أمر ربه في قوله تعالى: ﴿فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ.التوبة:36 .

إن شئت أخي وائل نشير إلى شيء من خصائص محرم.

المقدم: جميل، هذه النقطة الأخرى فضيلة الشيخ التي كنت نريد أن نتحدث فيها، أن ننتقل بالحديث إلى شهر محرم خصيصًا، ونتحدث عن الخصائص والأحكام التي يفضل بها أو يختص بها عن غيره من باقي الأشهر.

الشيخ خالد: فيما يتعلق بخصائص محرم أول ما اختص به هذا الشهر على هذه الأشهر أن الله أضافه إليه، وهذه ميزة كبرى وخاصية تبين شريف مكانة هذا الشهر ومنزلته، إذ أنه أضيف إلى الله -عز وجل-، أضافه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله -عز وجل- كما جاء ذلك في الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم قال لما سُئل عن أي الصيام أفضل بعد رمضان؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: «شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ»صحيح مسلم (1163)  أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم.

فهذه الإضافة إضافة هذا الشهر إلى الله -عز وجل- هي دالة على فضيلة هذا الشهر وعلى اختصاصه، فإن إضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله، فالله تعالى يضيف إليه خواصَّ خلقه وخواص عباده كما أضاف إليه محمدًا وإبراهيم، وكما أضاف إليه البيت الحرام، وما إلى ذلك مما أضافه الله تعالى إليه في كتابه وأضافه إليه رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، هذه خاصية ما ثبتت لشهر من الأشهر.

أيضًا من خصائص هذا الشهر أن من أهل العلم من قال: إنه أفضل الأشهر بعد رمضان، حيث إنه جاء في حديث أبي ذر عند النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله أبو ذر فقال: أي الليل خيرٌ، وأي الأشهر أفضل؟ فقال: «خيرُ الليلِ جَوفُه» هذا جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- «خير الليل جوفه» يعني أوسطه وآخره، «وأُفضُلُ الشهورِ شهرُ الله الذي تَدْعُونَه المحرَّم»سنن النسائي الكبرى:ح4202، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع  (ح794)، وهذا أيضًا فيه إضافة هذا الشهر إلى الله -عز وجل- مما يدل على اختصاصه وتفضيله على سائر الأشهر.

وفضيلته فيما يظهر والله تعالى أعلم هي فيما يتعلق بالفضيلة على وجه العموم، وفضيلته في الصيام على وجه الخصوص هي بعد رمضانن لما جاء في حديث أبي هريرة «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم«.[سبق]

إذًا هذه خاصية من الخصائص أنه أفضل الأشهر، وأن الله تعالى خصه بأن أضافه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

من خصائص هذا الشهر المبارك المحرم شهر محرم: أنه أفضل الأشهر يتعبَّد الإنسان فيها لله -عز وجل- بالصوم تطوعًا وتنفلاً، فأفضل الأيام أفضل الأشهر صيامًا بعد رمضان هو هذا الشهر المبارك، ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سُئل عن أي الصيام أفضل بعد رمضان؟ قال: «شهر الله المحرم»[سبق]، فدل هذا على فضيلة صيام أيامه، وأن التنفُّل بصيام أيامه مما يُتقرَّب به إلى الله عز وجل، وهو من أفضل الصيام في السنة كلها.

فيما يتعلق بصيامه يتأكد صوم يوم عاشوراء منه، وهذا سنأتي عليه بخاصية مستقلة -إن شاء الله تعالى- لكن الفضيلة في صيامه كله، أي في صيام أيام الشهر جميعها، ولكن السنة أن يفطر بعض ذلك؛ لأن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في صيام غير رمضان أنه لم يستكمل صيام شهرٍ كاملاً، فيُسنُّ أن يفطر بعض الأيام ليتحقق بذلك ولو يوم واحد حتى يتحقق بذلك أنه لم يستكمل شهرًا غير رمضان.

من خصائص هذا الشهر أيضًا أنه مبدأ السنة الهجرية، وهذا أمر توافق عليه أصحاب النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فإن الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقبله لم يكونوا يؤرخون بسنوات محددة، إنما كانوا يؤرِّخون بالأحداث والوقائع، فعام الفيل ونحو ذلك من الأعوام التي كان الناس يؤرخون بها، وليس للناس تاريخ يعتمدونه ويجرون عليه، مضى الناس على هذا زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك زمن أبي بكر -رضي الله تعالى عنه- لم يكن للناس تاريخ يؤرخون به على وجه التحديد في الأعوام، في الأشهر ثمة الأيام لكن في الأعوام ما هناك ما يؤرخ به.

في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-كتب أبو موسى إلى عمر وكان واليًا له على إحدى الجهات، فقال في كتابه لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب: إنه يأتينا منك كتابٌ ليس له تاريخ يعني غير مؤرَّخ بناءً على ما جرى عليه عمل الناس في ذلك الزمان فجمع عمر الناس، فقال بعضهم: أَرِّخ بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعض الصحابة أرِّخ بالهجرة، فقال عمر: الهجرة فرَّقت بين الحق والباطل فأرخوا بها، وذلك في عام 17 من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم لما اتفقوا على التاريخ بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم اختلفوا فقال بعضهم: نبدأ برمضان، وقال آخرون: بغير ذلك من الأقوال، واستقر رأيهم على البداءة بشهر الله المحرم؛ لأنه مُنصَرَف الناس من حجهم، أي الزمن الذي ينصرف الناس فيه من حجهم فيبتدأ عام جديد، لئلا يجتمع في العام حجَّان، فكان أول السنة الهجرية باتفاق الصحابة في زمن عمر -رضي الله تعالى عنه-، وجرى العمل عليه بعد ذلك هو شهر الله المحرم.

وهذه خاصية لهذا الشهر دون سائر الأشهر، ومن حكمة الله في هذا الاختيار كما قال الحسن البصري -رحمه الله-: أن العام يختم بشهرٍ حرام ويفتح بشهرٍ حرام، فآخر العام شهر ذو الحجة وهو شهر محرم، وأول العام هو شهر محرم وهو شهرٌ حرام.

المقدم: فضيلة الشيخ اسمح لي أن نأخذ بعض المشاركات من الإخوة المستمعين الكرام، معنا على الهاتف الأخ عبد العزيز الشريف أهلاً وسهلاً يا عبد العزيز، حياك الله.

المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلاً وسهلاً.

المتصل: أحييك وأحيي فضيلة الشيخ، وبارك الله فيكم جميعًا.

المقدم: حياك الله، تفضل يا أخ عبد العزيز.

المتصل: بارك الله فيك يعني.

المقدم: أيوه يا أخ عبد العزيز، يبدو أنا فقدنا الاتصال بالأخ عبد العزيز الشريف، اسمح لي فضيلة الشيخ أن نذهب إلى فاصل ثاني في هذه الحلقة بعده -بمشيئة الله تعالى- نكمل الحديث عما تبقى من الخصائص التي اختص الله تعالى بها شهر محرم، مستمعينا الكرام سنذهب إلى فاصل ثاني في هذه الحلقة بعده نكمل الحديث فابقوا معنا.

أهلاً وسهلاً بكم مستمعينا الكرام مجددًا في هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة ضيفنا الكريم هو فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصية، فضيلة الشيخ خالد أهلاً وسهلاً، وحياك الله مجددًا.

الشيخ خالد: مرحبًا بك، وحياك الله، وأهلاً وسهلاً بالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.

المقدم: أهلاً وسهلاً فضيلة الشيخ، اسمح لي فضيلة الشيخ أن نأخذ مشاركات من الإخوة الكرام معنا الأخ حسام من مكة المكرمة، أهلاً وسهلاً يا حسام، حياك الله.

المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلاً وسهلاً.

المتصل: كيف الحال طيب؟

المقدم: الله يسلمك، أهلاً وسهلاً.

المتصل: أبغى أسأل الشيخ.

المقدم: تفضل.

المتصل: اللي بيصوم، الحمد لله صمت عاشوراء، لو صمت أربع وخميس هذا الأسبوع كده بصوم يوم هل يجوز مع عاشوراء؟

المقدم: طيب يا حسام، هو هذا سؤالك؟

المتصل: أيوه.

المقدم: طيب تسمع الإجابة -إن شاء الله- شكرًا لك، شكرًا لك يا حسام، طيب فضيلة الشيخ هو يسأل عن الصيام الغير متتابع، أو أنه يسأل عن صيام عاشوراء لا أعلم الحقيقة، لكن يبدو أنه يسأل عن الصيام الغير متتابع؟

الشيخ خالد: على كل حال سنتحدث عن صيام عاشوراء، أما ما يتعلق بالصيام الغير متتابع فلا بأس بذلك فيما يتعلق بصيام محرَّم من أحب أن يكثر الصيام فيه فليصم متتابعًا ومتفرِّقًا حسب ما يتيسر له، وليأخذ من ذلك بما فتح الله تعالى عليه؛ لأنه شهرٌ فضل الله تعالى صيامه على غيره من الأشهر فليأخذ من ذلك ولو بيوم، والناس في ذلك يعني طاقات وقدرات، وتختلف يعني رغباتهم، وفي كل خير -إن شاء الله تعالى-، وأقلُّ ذلك، أقل ما تتحقق به السنة أن يصوم يومًا في هذا الشهر، هذا أقل ما يكون من إدراك فضيلة صيام محرم تطوعًا.

المقدم: جميل، أنا كنت أريد أن أسألك عن بعض الخصائص الأخرى، ونأتي بالحديث عن صيام عاشوراء بمشيئة الله تعالى؟

الشيخ: نعم ذكرت أن هذا الشهر المبارك من خصائصه أن الله تعالى فيه أجرى لنبيه موسى -عليه السلام- نصرًا عظيمًا وفتحًا كبيرًا حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى المدينة وجد من كان فيها من اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ما هذا اليومُ الَّذي تصومونَهُ؟ فقالوا: هذا يومٌ عظيمٌ أنجَى اللهُ فيه موسَى وقومَهُ، وأغرَقَ فرعونَ وقومَهُ، فصامَهُ موسَى شكرًا فنحنُ نصومُهُ» هكذا أجاب يهود المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سألهم، فقال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «فنحنُ أحقُّ وأوْلَى بموسَى منكمْ» أي أن نصوم ذلك شكرًا، «فصامَهُ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-،  وأمرَ بصيامِهِ»صحيح مسلم (1130) .

وهذا اليوم الذي نجى الله تعالى فيه موسى من الذي ادعى الألوهية والربوبية هو يومٌ صالح كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ نجى الله تعالى فيه موسى وقومه» فصامه وأمر بصيامه صلى الله عليه وسلم، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصومه قبل ذلك، حيث إن العرب كانت تصومه، أهل مكة كانوا يصومونه إما تأثرًا من أهل الكتاب أو لغير ذلك من الأسباب، وكان يومًا تُكسى فيه الكعبة، فصامه رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأمر بصومه.

وجاء في تأكيد صومه أنه أمر مناديًا أن ينادي في الناس: «من كان أصبح صائمًا فليُتِمَّ صومه، ومن كان أصبح مفطرًا فليتم بقيَّة يومه»صحيح البخاري (1960)، ومسلم (1136)، وهذا في أول الأمر قبل أن يُفرض صيام رمضان، أي كان صيام عاشوراء مؤكَّدًا، وقيل: إنه واجب قبل فرض صيام رمضان، فلما فرض الله تعالى صيام رمضان في السنة الثانية من الهجرة كان من شاء صامه، ومن شاء لم يصمه كما أخبر بذلك ابن عمر وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد جاء في فضيلة صيام هذا اليوم في صحيح الإمام مسلم من حديث أبي قتادة أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صيام يوم عاشوراء؟ فقال: «إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ»صحيح مسلم (1162)، إني أحتسب على الله؛ يعني: أطمع وأرجو أن يكون ثواب هذا الصوم أن يكفر السنة التي قبله، أي يكفر خطايا العام المنصرم، وهذا فضلٌ عظيم لعمل يسير أن يحطَّ الله تعالى عن العبد خطايا عامٍ كامل بصيام يوم واحد، فينبغي للمؤمن أن يحرص على صيام هذا اليوم إذا أطاقه وإذا استطاعه.

ومن السُّنَّة أن يضيف إليه صيام يوم التاسع؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قيل له في صيام اليهود لهذا اليوم قال: «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ والعَاشِر»صحيح مسلم (1134)، لئن بقيت إلى قابل يعني إلى العام القادم لأصومن التاسع والعاشر، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدرك العام القابل حيث إنه توفي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فلم يحقِّق ما عزم عليه من صيام التاسع مع العاشر، فالسنة في صيام عاشوراء أن يصومه مع يوم التاسع، لكن من قال: هل أدرك الفضيلة بصيام يوم العاشر منفردًا؟ 

الجواب: نعم يدرك الفضيلة ولو صامه بالانفراد دون أن يضيف إليه يومًا قبله أو يومًا بعده.

المقدم: فضيلة الشيخ هذا ما كنت أريد أن أسألك عن مشروعية صيام الحادي عشر، يعني النصُّ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أتى بصيام اليوم التاسع، ما مشروعية صيام اليوم الحادي عشر بعد اليوم العاشر؟

الشيخ خالد: هو جاء في حديث عند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خَالِفُوا فِيهِ الْيَهُودَ، صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا أَوْ بَعْدَهُ يَوْمًا»مسند أحمد (2154)، وقال محققو المسند: إسناده ضعيف، وضعفه الألباني الضعيفة:ح4297، وفي بعض روايات الحديث «صوموا يومًا قبله ويومًا بعده»مجمع الزوائد (5134) وقال: رواه أحمد والبزار وفيه محمد بن أبي ليلى، وفيه كلام ، ولهذا بعض أهل العلم قال: إن مراتب صيام يوم عاشوراء ثلاث مراتب:

-  المرتبة الأولى: أن يصوم عاشوراء ويومًا قبله ويومًا بعده.

-المرتبة الثانية: أن يصوم عاشوراء، ويصوم يومًا قبله أو يومًا بعده، والأفضل أن يكون التاسع.

 - والمرتبة الثالثة: أن يصومه منفردًا.

والصواب والله تعالى أعلم أن صيام عاشوراء من حيث الفضيلة على مرتبتين: صيام يوم قبله؛ لأن هذا الذي ثبت عن ابن عباس، وأما الحديث الذي فيه «صوموا يومًا قبله ويومًا بعده» ففي إسناده مقالكما سبق، ولهذا إذا صام التاسع أدرك الفضيلة، فإن لم يتمكن من صيام التاسع وصام معه اليوم الحادي عشر فالأمر في هذا يسير، وتحصل المخالفة لكن لو أنه صام العاشر منفردًا فإنه يدرك بذلك فضيلة «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله»، وأوصي نفسي وإخواني بالحرص على هذه السُّنَّة التي فيها هذا الفضل والأجر.

وأما تخصيص عاشوراء بإظهار الفرح أو إظهار معالم السرور هذا ليس له أصلٌ في سنة النبي صلى الله عليه وسلم بل هو كسائر الأيام.

المقدم: فضيلة الشيخ الأخ حسام قبل قليل المتصل يعني أوضح أنه يقول: أريد أن أصوم يوم عاشوراء بنية أنه يوم عاشوراء، وأريد أن أصوم أيضًا ذات اليوم الذي سيكون يوم الخميس بنية صيام يوم الخميس أو نية صيام يوم من الأيام الثلاث التي في كل شهر؟

الشيخ خالد: يحصل له كلُّ ما نوى يعني إذا نوى هذه الأمور جميعها أدرك ذلك كله، فضل الله واسع، الله يرزقنا النية الصالحة، وأن يرزقنا البصيرة في الدين.

المقدم: اللهم آمين، ومثل ما ذكرت فضيلة الشيخ أن صيام يوم عاشوراء على مرتبتين:

- صيام عاشوراء ويوم قبله.

- أو صيام يوم عاشوراء بذاته، ومن لم يحصل على يعني لم يستطع أن يصوم يومًا قبله يستطيع أن يصوم يومًا بعده للحديث الذي ورد فيه مخالفة اليهود على اعتبار أن بعض الناس قد يقول لك: الآن أيام دوامات وقد لا يستطيع أن يصوم اليومين التاسع والعاشر.

الشيخ خالد: الحمد لله يكفي أن يصوم اليوم العاشر لإدراك الفضيلة، وأنا أقول: يا أخي هي فرصة يدرك بها الإنسان خيرًا عبر الشهر المعتاد، فهؤلاء كلهم يكتب لهم ما نووا لقول النبي صلى الله عليه وسلم «إذَا مَرِضَ العَبدُ أو سَافَرَ كَتَبَ اللهُ تَعالى لهُ مِنَ الأَجْرِ مِثلَ مَا كانَ يَعمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا»صحيح البخاري (2996)  وكل من نوى خيرًا وحال بينه وبين ذلك الخير حائل ومانع خارج عن اختياره فإنه يدرك الأجر والفضل.

إذا سمحت لي في لحظة اتصل بي أحد الإخوة يقول: عندي سفر إلى منطقة بعيدة، وسفري سيكون صباح الخميس فجرًا من هنا، وسأصل إلى المنطقة التي سأسافر إليها في صباح الخميس عندهم هم فيكون عاشوراء أدركه في بلده وامتد إلى أن أمضى مثلاً ثلاثة عشر ساعة ولما وصل وصل نهارًا في أول النهار فسيكمل بقية اليوم صائمًا فسألني عن الصيام في مثل هذه الحال، قلت: يا أخي أنت لو لم تصم كتب الله أجرك؛ لأنك تدرك الفضيلة بنيتك العمل الصالح المداوم عليه الذي عذرت فيه بالسفر.

أنا سقت هذه القصة لأجل نرى من بعض الناس يقول: أنا شاق عليَّ أني أنا مضطر للسفر ولكن يشق علي أن يمر علي عاشوراء وأنا ما صمته، ومقتضى أن يصوم يعني قريبًا من العشرين أو ثلاثًا وعشرين ساعة، أسأل الله أن يستعملنا وإياكم في طاعته، وأن يعيننا وإياكم على ما يحب ويرضى.

المقدم: اللهم آمين، فضيلة الشيخ قبل أن نختم معك لو تكرمت حديثك هذا ساقني إلى سؤال وهو: إذا كان الإنسان بين تطوع ونافلة وبين رخصة مثل هذه الحالة التي قد تحدث في صيام عاشوراء مثلاً وفي الصيام ماذا يفعل؟

الشيخ خالد: هذه المسألة مما تفاوتت فيها آراء العلماء بلا شك أنه من شقَّ عليه الصوم فالسنة أن يفطر؛ لأن المشقة تكون الفضيلة فيها في الفطر، والأخذ بالرخصة في الفرض فكيف بالنفل؟ أما من لم يشق عليه الصوم فهنا بعض العلماء قال: إن هذه أيام لا تتدارك بخلاف رمضان فالله تعالى قال: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَالبقرة:184 ، لكن عاشوراء إذا فات وهو مسافر فيكون قد فات فإنه لن يدرك عاشوراء آخر، ولكن الذي يظهر لي والله تعالى أعلم أنه إن كان في صومه مشقة ولو كانت المشقة ليست شديدة، فإن الأفضل أن يفطر ويدرك أجر صيام عاشوراء بنيته لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذَا مَرِضَ العَبدُ أو سَافَرَ كَتَبَ اللهُ تَعالى لهُ مِنَ الأَجْرِ مِثلَ مَا كانَ يَعمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا»سبق تخريجه، فتُغلَّب الرخصة في مثل هذا.

أما من كان الأمر عنده يعني متَّسِع ولا مشقة عليه وعنده نشاط، فالأخذ بقول جماعة من العلماء أن الصوم أفضل لإدراك الفضيلة فله وجه، وإن كان والله تعالى أعلم سيدرك الفضيلة حتى ولو لم يصم إذا كان من عادته أن يصوم إذا كان مقيمًا لعموم حديث «إذَا مَرِضَ العَبدُ أو سَافَرَ كَتَبَ اللهُ تَعالى لهُ مِنَ الأَجْرِ مِثلَ مَا كانَ يَعمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا«.

المقدم: فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم وعضو لجنة الإفتاء بجامعة القصيم، شكر الله لك وكتب الله أجرك فضيلة الشيخ شكرًا جزيلاً.

الشيخ خالد: آمين، أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وأن يستعملنا في طاعته، وأن يوفق ولاة أمرنا إلى ما يحب ويرضى، وأن يسددهم في القول والعمل، وأن ينصر جنودنا المرابطين وجنودنا الذين يحرسون أمننا، أسأل الله لهم التوفيق والسداد، وأن يوفقنا الله إلى ما يحب ويرضى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مستمعينا الكرام وصلنا لختام هذه الحلقة من برنامج "الدين والحياة".

 

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91481 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87236 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف