×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (126) حول قول النبي ولا تحاسدوا

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:2172

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحييكم تحية طيبة في بداية هذه الحلقة من برنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، والتي نستمر معكم فيها على مدى ساعة إلا قليلًا بمشيئة الله تعالى، في بداية هذه الحلقة تقبلوا تحياتي محدثكم وائل الصبحي، ومن الإخراج الزميل ياسر زيدان، ومن الإشراف العام الأستاذ على الثقفي أهلاً وسهلاً ومرحبًا بكم.

ضيف حلقات برنامج "الدين والحياة" هو فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم.

 فضيلة الشيخ خالد السلام عليكم، وأهلاً وسهلًا بك معنا في بداية هذه الحلقة من برنامج "الدين والحياة".

الشيخ: حياك الله، ومرحبًا بك، وعليكم السلام، مرحبًا بك حياكم الله، أسأل الله أن يجعله لقاء نافعًا مباركًا.

المقدم: اللهم آمين.

 مستمعينا الكرام قبل أن نتحدث حول موضوعنا لهذه الحلقة، لمن أراد المشاركة معنا يمكنكم أن تشاركونا عبر هاتفي البرنامج على الرقمين: 0126477117، أو عن طريق الهاتف الآخر على الرقم: 0126493028.

 أيضًا يمكنكم أن تشاركونا بكتابة رسالة نصية على الواتساب على الرقم 0500422121.

بمشيئة الله تعالى مستمعينا الكرام حديثنا في هذه الحلقة يدور حول (الحسد)، وتحت عنوان (ولا تحاسدوا).

 فضيلة الشيخ ابتداء ونحن نتحدث حول هذا الموضوع، نتحدث عن هذه الآفة الخبيثة، وهذا المرض من أمراض القلوب التي جاءت الشريعة الإسلامية بالتحذير منه وبيان خطورته من خلال الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وجعل الإنسان يحارب هذا المرض الذي يسبب الكثير من المشاكل الاجتماعية، والمشاكل النفسية، وأثره وضرره على الحاسد قبل غيره.

تحت هذا العنوان -بمشيئة الله تعالى- سيكون حديثنا (ولا تحاسدوا).

 أبدأ معك فضيلة الشيخ بالحديث عن هذا المرض من أمراض القلوب، وكيف حذرنا ديننا الإسلامي منه؟

الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الشيخ: تحية طيبة لك أخي وائل، والإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، ولجميع الإخوة العاملين في إخراج هذا البرنامج وتجهيزه للمستمعين.

 الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد...

الحسد آفة خطرة في مسار الإنسان وسلوكه، وهو داء قديم، ويوجد بسبب ما يراه الإنسان من تفضيل الله تعالى أو إنعامه على غيره من الخلق، وقد حذَّرت النصوص الشرعية منه بطرق متعددة، من ذلك النهي الصريح عن الحسد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء عنه من حديث أبي هريرة أنه قال -صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ»صحيح البخاري (5143)، ومسلم (2563)، ثم ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جملة من الأخلاق الرديئة التي ينبغي أن يتفادها الإنسان، وأن يجتنبها، وأن لا تكون في سلوكه وعمله، فقال صلى الله عليه وسلم: «وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا»صحيح البخاري (6064)، ومسلم (2558) ، قوله صلى الله عليه وسلم: «وَلَا تَحَاسَدُوا» هو نهي عن هذه الآفة القلبية، هذا المرض الخطير الذي إذا دبَّ إلى قلب الإنسان أورده المهالك، وأورده ما يكره في معاشه ومعاده، فقوله صلى الله عليه وسلم: «وَلَا تَحَاسَدُوا» نهي عن الحسد، و{لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا }[رواه الطبراني في الكبير:ح8157، وقال الألباتي في الصحيحة:رجاله كلهم ثقات، من رجال التهذيب]كما قال النبي صلى الله عليه وسلم

فإذا وقعت هذه الخصلة بينهم، ودب بينهم الحسد أوقعهم ذلك في ألوان من البغي، والظلم، والتجاوز الذي يوجب هلكتهم، ويوقعهم فيما لا يسعدون به خلاف ما كانوا يتوقعون من أن الحسد سينفِّث عما في نفوسهم من بغضاء، من حوائج. النصوص الشرعية في التحذير من الحسد عديدة، هذا منها وهو النهي الصريح الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «وَلَا تَحَاسَدُوا»، وأيضًا من النصوص الشرعية ما بيَّن أن القلب المؤمن لا يسكنه حسد، فالإيمان لا يجامع الحسد، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه ابن حبان في صحيحه: «ولا يجتمعانِ في جوفِ مؤمنٍ غُبَارٌ في سبيلِ اللهِ وفَيْحُ جهنمَ، ولا يجتمعانِ في قلبِ عبدٍ الإيمانُ والحَسَدُ»صحيح ابن حبان (3251)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب:ح2886 ، فالإيمان ينقصه الحسد، فمتى سكن الحسد القلب كان موجبًا لنقص الإيمان وضعفه.

 وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في بيان خطورة الحسد، وعظيم ما ينتج عنه من آثار في سلوك الإنسان قال صلى الله عليه وسلم محذِّرًا كما في حديث عبد الله بن الزبير: «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْبَغْضَاءُ وَالْحَسَدُ»، وانظر كيف قرن بين هذين الأمرين، هاتين الخصلتين: الحسد هو المبدأ، والبغضاء هي النتيجة والثمرة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحسد: «هِيَ الْحَالِقَة، لا أَقُولُ: هي تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ»[مسند أحمد:ح1412، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب:ح2695] أي أنها تذهب بدين الإنسان لما توقعه فيه من رديء الأعمال، وسيء الأقوال، وفاسد العقائد، وفاسد الهموم والنيات والمقاصد.

ولهذا ينبغي للإنسان أن يكون في غاية الحذر من أن يدب إليه شيء من الحسد، فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بقوله: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ»، ثم قال: «وَلَا تَحَاسَدُوا»، وبيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- عظيم أثره بإفساد الدين حيث قال: «لا أَقُولُ: هي تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ»سنن الترمذي (2510) وقال الألباني: حسن لغيره ، حالقة الدين لا حالقة الشعر، وهو من أعظم ما يفني المكتسبات، ويفسد الطاعات، ويذهب بالحسنات، فعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إِيَّاكم والحَسَدَ؛ فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب».[سنن أبي داود:ح4903، وضعفه الألباني في الضعيفة:ح1902]، وهذا كله يؤكد أن الحسد أمره خطير، فالنبي صلى الله عليه وسلم حذر أمته من الحسد، وعظم شأنه، وبين خطورة التورط فيه لما يفتحه على الإنسان من البغي، والظلم، والتورط في أنواع وألوان من السيئات، وصنوف من الآثام والذنوب.

وأنت ترى هذا فيمن تورَّط في الحسد فإنه يكره كل خير، ويجد ضيقًا بكل نعمة تنزل على غيره، ويستطيل في أعراض الناس، ويقع في انتهاك حقوقهم، ومنع الواجبات التي لهم، كل هذه الشرور تنبع وتأتي من الاستسلام لهذا المرض القلبي، وما يقع في قلب الإنسان من الحسد.

 خطورة الحسد أخي وائل، أيها الإخوة والأخوات المستمعون والمستمعات، خطورة الحسد يمكن أن يدركها الإنسان من نتائجه وعواقبه، فثمة مثلاً من الحوادث المعروفة وقد ذكرها الله تعالى في كتابه الحكيم:

- الحدث الأول: حسد إبليس لأبينا آدم، فإن الله تعالى لما خلق آدم منحه -جل في علاه- من المزايا والخصائص ما لم يكن لأحد من الخلق، قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَالبقرة:34، وهذا تفضيل وتكريم لآدم -عليه السلام-، ولهذا الخلق الجديد فسجد الملائكة طاعة لربهم إلا إبليس، قال الله تعالى: ﴿فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَالبقرة:34 ، ما الذي منع إبليس من السجود؟

قال: ﴿أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا *  قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾الإسراء: 61-62 ، وفي موضع آخر يقول في جواب سؤال الله -عز وجل- له عن الامتناع عن السجود، قال: ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ *  قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍص:75،76  فكان الباعث على الامتناع من السجود لآدم، امتناع إبليس الشيطان من السجود لآدم الذي أمره الله تعالى به هو الكبر والحسد، الاستكبار والحسد؛إذ إن آدم -عليه السلام- خصه الله بهذه الخاصية، ما الذي ترتب على هذا؟ الذي فعله إبليس من الاستكبار والحسد؟

الذي ترتب عليه هلاكه، فأخرجه الله تعالى من الجنة، ووعده بالسعير، وكان سببًا لشر عظيم له ولذريته، وللخلق بسبب هذه الآفة العظيمة، هذا نموذج من عواقب ونكائل الحسد.

 النموذج الثاني هذا حسد مع اختلاف الجنس، إبليس مخلوق من نار، وآدم من طين فالجنس مختلف، لكن يقع الحاسد حتى في الجنس الواحد، فهذا ما ذكره الله تعالى في قصة ابني آدم، قال الله تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَالمائدة:27، فالله تعالى قصَّ ما ميز به أحد الأخوين على الآخر بقبول ما تقرّب به، وردِّ ما تقرب به الآخر فوقع في نفسه هذا الحسد الذي قال: ﴿لَأَقْتُلَنَّكَ﴾ ، يعني سبحان الله العظيم!انظر كيف يؤدي الحسد إلى أردى وأخطر الجنايات؟ القتل، وذلك قال: لأقتلنك، لماذا؟

لأن الله تقبل من أخيه ولم يتقبل منه، قال: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ *  لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَالمائدة:27،28  الآيات، هذه القصة قال العلماء: سبب هذا الاعتداء والجناية من أحد ابني آدم على أخيه هو حسَدُه، فالحسد خطير للغاية، ويفتح للإنسان شيئًا من الشرِّ لا يرِدُ له على بال ولا على خاطر، ولذلك حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم منه، ونبَّه إلى ضرورة العناية بتطهير القلب منه، قال: «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمُ»[سبق]، تأمل هذه الكلمة «دبَّ»،والدبيب عادة لا يُفطن له، ولا يتنبَّه إليه، ويتسلل على حين غفلة من صاحبه.

ولذلك من الضروري أن يكون الإنسان على وعي وإدراك لخطورة هذه الآفة، وهذا المرض، وأن يبادر إلى تطهير قلبه، وتنقيته وتصفيته من هذه المعاني الرديئة التي تحمله على الظلم، وعلى الاعتداء، وعلى سيء الأخلاق، ورديء الخصال والأعمال، إذًا ينبغي أن يكون الإنسان على حذر.

هذه جملة من النصوص التي وردت في السنة حول هذه القضية، قضية الحسد ووجوب الحذر منه، ومعرفة خطورته على قلب الإنسان، وعمله، ودينه، ودنياه، نحتاج معه إلى أن ننتقل إلى معرفة ما هو الحسد، وهذه قضية لابد أن نقف معها حتى يكون عندنا واضحًا ما هو الحسد الذي حذرت النصوص منه، والذي نهت عنه الشريعة؟

المقدم: اسمح لي فضيلة الشيخ قبل أن نكمل الحديث حول المعنى الذي ينبغي أن نعتني به، وهو معنى الحسد تحديدًا، اسمح لي أن نذهب إلى فاصل أول في هذه الحلقة بعده نكمل الحديث بمشيئة الله تعالى، مستمعينا الكرام سنذهب إلى فاصل قصير بعده نكمل الحديث ابقوا معنا.

المقدم: حياكم الله مستمعينا الكرام مجددًا في هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، ضيفنا الكريم هو فضيلة الشيخ خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم، فضيلة الشيخ خالد أهلاً وسهلاً بك مجددًا.

الشيخ: مرحبًا حياك الله، أهلاً وسهلاً

المقدم: فضيلة الشيخ خالد وردتنا العديد من الاتصالات، وردتنا أيضًا مجموعة من الأسئلة بالواتساب بعضها متعلق بموضوع الحلقة، والبعض الآخر أسئلة عامة سنتطرق إليها -بمشيئة الله تعالى- في آخر هذه الحلقة، لكن نكمل الحديث فضيلة الشيخ حول المعنى الذي ينبغي أن يعرفه الناس حول الحسد، ما هو الحسد تحديدًا؟

الشيخ: الحسد أخي الكريم هو مرض قلبي، وهو أمر معنوي يصيب القلب، ويُسْكِنُه كراهية فضل الله، ونعمة الله على الغير. الحسد خلاصته هو أن تكره أن ينعم الله تعالى على غيرك في دينه أو دنياه، وهذا معنى مهمٌّ،  الحسد هو أن كراهية إنعام الله تعالى على غيرك، فمتى وقع في نفسك كره أن ينعم الله على فلان سواء في دينه، أو في دنياه، أو في نفسه، أو في أهله، أو في ماله، أو في ولده أو في بلده، فاحذر هذا نذير قيام الحسد في قلبك، أن الحسد دب إليك، أحيانًا يسمع الإنسان عن نعمة ساقها الله تعالى لغيره، أو يرى ويشاهد فضلًا أعطاه الله تعالى لغيره، فضلًا في دين باستقامة وصلاح وما إلى ذلك، أو فضلًا في دنيا بمال أو جاه أو أمن أو غير ذلك، فيجد في نفسه ويكره هذه النعمة، فهذا قد وقع في الحسد، هذه أدنى مراتب الحسد أن تكره إنعام الله تعالى على غيرك، متى ما قام في قلبك ذلك فانأى بنفسك وطهر قلبك، وبادر إلى إزالة هذا الشعور من نفسك بأن تقول في قلبك -راضيًا بما أنعم الله تعالى على غيرك-: ساق الله هذه النعمة، بارك الله له فيها.

فتطيب نفسًا بإنعام الله على غيرك «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»صحيح البخاري (13)، ومسلم (45) ، هذه المرتبة الأولى من مراتب الحسد.

 تترقى مراتب الحسد ويزيد شرًّا وسوءًا عندما ينتقل الموضوع من كراهية النعمة التي أنعم الله تعالى بها على غيرك في دينه أو في دنياه إلى تمني زوال النعمة، تتمنى أن يسلُب الله تعالى فلانًا ما أنعم عليه في صحته، في بلده، في أمنه، في ولده، في أهله، في ماله، في جاهه، تتمنى أنه يسلب الله تعالى هذه النعمة ذلك الشخص، هنا يقع الحسد في مرتبة أعلىن وهو أنك تمنيت أن تزول النعمة.

وانظر كيف الأمور تبدأ خطوة خطوة«دَبَّ إليكم داءُ الحسد والبغضاء»[حديث النبيr، سبق تخريجه].

الحسد هو الشعور بعد ذلك ينتقل إلى تمكن هذا الشعور بالبغضاء، ثم ينتقل إلى العمل، فتجد أن الحاسد يسعى في النيل ممن ساق الله تعالى إليه النعمة، إما بإزالتها، أو التشويش عليه فيها، أو الوقيعة في عرضه، أو النيل منه بأي طريقة من طرق النيل والاعتداء، كل هذا ناتج عن تلك الشرارة الأولى التي أهملها الإنسان، وهو أنه كره إنعام الله تعالى على غيره.

ولهذا ينبغي أن يعي الإنسان خطورة هذا الشعور، وألا يستسلم له، وأن يدفعه عن قلبه بالرضا بقسمة الله تعالى، فالله تعالى حكيم فيما يعطي، حكيم فيما يمنع، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ﴿أَهُم يَقْسِمُون رَحْمَة ربك﴾، تذكر دائمًا أن النعم التي تشاهدها الذي قسمها هو الله، ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْالزخرف:32 .

 فسلم لهذه القسمة، وإياك أن تعترض ما قسم الله تعالى لعباده من نِعم وفضائل، واشتغل بالنظر إلى ما أنعم الله تعالى به عليك، فقد أنعم عليك بنعم لو اشتغلت بعدها لما أحصيتها، فلا تشتغل بنعمة غيرك عما أنعم الله تعالى به عليك، ولا تتمنَّ أو تكره إنعام الله على غيرك فيغفلك ذلك عن نعم الله تعالى عليك، ويفتح لك بابًا من الشرور والفساد ما سماه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «هِيَ الْحَالِقَة، لا أَقُولُ: هي تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ«.[سبق]

المقدم: فضيلة الشيخ تمنِّي النعمة التي تكون عند الغير هل هذا الإحساس يدخل ضمن الحسد أم لا؟

الشيخ: كون الإنسان يتمنى ما يراه من خيرات، رأى إنسانًا ساق الله له خيرًا في دينه، في نفسه أو ولده، ساق الله له خيرًا في دنياه، في مال أو جاه أو ما إلى ذلك من متع الدنيا، تمنى ذلك أن يسوق الله تعالى إليه مثله فهذا ليس من الحسد، هذا من الغِبْطَة، وأفضل ما يكون مما يُغْتَبَط به ما يتعلق بأمور الدين، إذا رأيت مَن أنعم الله عليه بعلم، بتلاوة قرآن، بعبادة، بإنفاق في سبيل الله، فهنا أبشر فهذا من أفضل ما تتمناه وترجوه، وليس هذا من الحسد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا»صحيح البخاري (73)، ومسلم (815)  الحكمة يعني العلم، هذا تمني الخير وأنت مأجور إذا تمنَّيتَه، هذا مما يؤجر عليه الإنسان أن يتمنى ما ساقه الله تعالى إلى غيره من خير الدين، بأن يتمنى أن يكون على علم حتى ينفع نفسه، وينفع غيره، وأن يتمنى أن يعطيه الله تعالى مالاً يعينه على وضعه في أوجه الحق، وصرفه فيما يحب الله تعالى ويرضى، هذا مما يؤجر عليه فهذا يسمى غبطة، وتسميته حسدًا تجوُّز في أنه يعني الباعث لها هو نظر الإنسان إلى ما أنعم الله تعالى به على غيره، هذا من محبة المساواة في الخير، ومحبة الاشتراك في الفضل، بل حتى محبة الامتياز والتقدم على الغير في أبواب البرِّ داخل في قول الله تعالى: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَالمطففين:26 .

وليس هذا من الحسد، فإذا رأيت من فتح الله عليه في علم، أو عبادة، بل حتى في أمر من الدنيا فتمنَّيت أن تكون شريكًا له في الخير أو مشابهًا له فهذا ليس من الحسد، وهو فيما يتعلق بأمور العبادة، والطاعة، والإنفاق في سبيل الله من الخير الذي يؤجر عليه الإنسان، وهذا يسمى غبطة وليس حسدًا.

المقدم: فضيلة الشيخ بهذه المعاني التي ذكرناها حول الحسد نقول: هل يتنافى الرضا بالقضاء والقدر مع الحسد عند هذا الحاسد؟ بحيث لا يكون لهذا الحاسد رضى بالقضاء والقدر الذي قسمه الله تبارك وتعالى مع وجود الحسد عنده؟

الشيخ: بالتأكيد أخي الكريم، الحسد من أعظم آفاته أنه اعتراض على حكم الله -عز وجل- وما قضاه وقدره، ولهذا نبَّه الله تعالى إلى خطورة هذا المعنى بتأكيد أنه هو المانع، وهو المعطِي، وأنه -سبحانه وتعالى- يعطي لحكمة، وأنه يمنع لحكمة، وأن الإنسان عندما يقوم في قلبه غياب هذا المعنى يقع في جناية على نفسه. الله -عز وجل- قال للمشركين الذين قالوا في النبي صلى الله عليه وسلم يعني: لماذا خصَّه الله بأن أنزل عليه الوحي؟ لماذا لم يوحي إلى فلان من أعيان أهل مكة، ومن أعيان العرب في ذلك الوقت، فلماذا خُصَّ محمد بهذا الإنزال؟

قال الله تعالى: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍالزخرف:32.

 فإذا قام في قلب العبد الحسد فإن الباعث له هو اعتراضه على تقدير الله تعالى على ما قسمه الله تعالى -سبحانه وتعالى- لعباده من الخير، فلذلك يجب على الإنسان أن يخلص نفسه من الاستسلام لهذه المشاعر؛ لأن هذا يوقعه في محادة أمر الله -عز وجل-، يوقعه في الاعتراض على قدر الله عز وجل، يوقعه في فساد قلبه، وفي فساد دنياه.

الحاسد لم يرض بقضاء الله تعالى فهو على خطر عظيم، ربما يوصله هذا إلى جحود نعمة الله، وقد يوصله إلى ما هو أعظم من ذلك كالكفر كما وقع من إبليس، فإن الذي حمله على ما حمله من الكفر وعدم الاستجابة لأمر الله -عز وجل- هو كبره وحسده، فأهلكه ذلك وأوقعه في شر عظيم.

 كما أن ابن آدم الذي أوقعه فيما أوقعه فيه ما قام في قلبه من حسد لأخيه أن تقبل الله تعالى منه، ولهذا الحسد يتضمن الاعتراض على قدر الله -عز وجل-، وعلى قسمته، وعلى حكمته، وعلى تدبيره -جل وعلا- في ملكه، وهذا قد يوقع الإنسان إذا استسلم له في كفر أو معصية أو شرٍّ لا ينفك منه، ويفسد عليه دينه ودنياه.

المقدم: اسمح لي فضيلة الشيخ أن نستقبل المشاركات الهاتفية من المستمعين الكرام، ونبدأ بالمشاركة الهاتفية من الأخ محمد من حائل، أهلاً وسهلاً يا محمد حياك الله.

المتصل: السلام عليكم، بارك الله في الجميع، أنا أبِّي أسأل شيخنا يعني كبار السن اللي لهم تجربة بهذه الحياة أكيد يكون عندهم أكثر خبرة من الشباب اللي يبغون منصبًا، ويبغون منزلاً كذا، لكن أصحاب التجارب واللي يؤخذ منهم الراية الآن يعني فعل الخير إذا قمت بحاجة الآخرين أنا أرى أنه يعني من علاج مرض الحسد هذا، يعني هذا من تجربتي أنا أود أن أخالف البعض إذا قمت بحاجة الآخرين وقرَّبت منه اللي عليهم نقص في أي... سواء في عقله أو في جسمه أو في أي شيء هذا هو من علاج اللي يكافح الحسد، ونتمنى الجميع الخير.

المقدم: وإياك، شكرًا يا محمد شكرًا جزيلاً.

 معنا الأخ عبد العزيز الشريف من الرياض أهلاً وسهلاً يا أخ عبد العزيز.

المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله يا أستاذ وائل كيف حالك؟

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلاً وسهلاً بخير الحمد لله.

المتصل: نحييك ونحيي فضيلة الشيخ وبارك الله فيكم جميعًا. ممارسات بعض الآباء والأمهات في البيوت قد تكون سببًا في وجود الحسد بين الإخوة والأخوات، فما هو توجيه الشيخ بارك الله فيه لمثل هؤلاء الآباء والأمهات لما علمنا أن إخوة يوسف -عليه السلام- حسدوه وآذَوه فما هو توجيهك للآباء والأمهات.

 الأمر الثاني بارك الله فيك في دوائر العمل، وفي محيط العمل وغير ذلك قد تجد بعض المنافسات بين الزملاء في ميدان العمل وغير ذلك، فهل هذا يكون سببًا في الحسد أو غير ذلك؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، شكرًا جزيلاً للأخ عبد العزيز.

 فضيلة الشيخ إذا كان هناك من تعليق على مشاركات الإخوة الكرام؟ الأخ محمد من حائل ذكر أنه...

الشيخ: إذا سمحت يا أخي وائل يعني فيه نقطة مهمة قبل أن نجيب على مداخلات للإخوة الأكارم، فيما يتعلق بالحسد، الحسد يعني القرآن الكريم عرض الحسد بصوره المختلفة، حسد بين الأخوات كما ذكر في قصة يوسف، وفي قصة ابني آدم، حسد مع اختلاف الجنس وهو حسد إبليس لآدم -عليه السلام-، ثمة حسد وهو من الصور الخطيرة التي تدب بين الناس وهو الحسد بين الأمم، وبين الشعوب، وبين أصحاب الأديان فإن الله تعالى ذكر في محكم كتابه ما أخبر به من حسد أهل الكتاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كما قال جل وعلا: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِالنساء:54  لما قالت جماعة من المشركين لبعض كبراء وأحبار اليهود الذين في المدينة، قالوا لهم: أينا أفضل محمد ومن معه أم نحن؟

فقالوا: أنتم أَقْوَمُ سبيلاً (للمشركين)، أنتم أقوم سبيلاً وطريقًا من محمد، ما حملهم على ذلك إلا الحسد، قال الله تعالى في هذه الآية: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِالنساء:54  فأخبر أن الذي حمل هؤلاء على ذلك هو ما قام في قلوبهم من حسد، فلذلك ينبغي أن يُعرف أن الحسد لا يقتصر فقط في تعاملات الناس الفردية، بل يكون هناك حسد جماعي تحسد أمةٌ أمةً، يحسد جماعةٌ جماعةً، وهذا نشاهده اليوم في كثير من ما يقع بين الشعوب من تحاسد.

وأنا أقول بهذه المناسبة: ما نشهده في فترات متتالية من حملات على بلاد الحرمين، على المملكة العربية السعودية، على قيادتها، على شعبها، هو نموذج من النماذج التي يمكن أن تصنف ضمن الحسد، هذه البلاد حباها الله تعالى بخيرات عظيمة، وخصها الله تعالى بخصائص ميزها عن سائر الدنيا، منحها الله تعالى التحكيم للشريعة وهذا من أبرز وأعظم ما مَنَّ الله تعالى به على هذه البلاد، سلامة الاعتقاد، وسلامة التحكيم والحكم بما أنزل الله -عز وجل-.

وهذه نعمة لا يُدرِك قدرها إلا من عرف عظيم ما يترتب على سلامة الاعتقاد، وعلى الحكم للشريعة من الخيرات التي تحصل للأمم والأفراد، وتفتح بركات السماء والأرض، خصها الله تعالى بقيادة ذات حرص وتفاني وبذل لخدمة رعاياهم برحمة، وقرب، ولين، واستشعار لحوائجهم، وبذل لأقصى ما يكون من جهد في الارتقاء ورفعة هذا البلد، ورفعة شعبه.

 خصها الله تعالى بأن حباها بأن كان بين جنبتيها وفي أحضان ترابها أقدسُ البقاع، وأطهر الأماكن مكة البلد الحرام التي هي مهبط الوحي، ومأرز الإيمان، وكذلك طيبة الطيبة مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيها مسجده، وفيها قبره صلى الله عليه وسلم، كل هذه الخصائص الدينية، والخصائص في الاجتماع والالتئام، وشيوع الأمر توغر الصدور.

أضف إلى تلك الخصائص، وتلك المزايا ما فجَّره الله تعالى من خيرات الأرض، وما فتحه على هذه البلاد من كنوز الأرض من الثروات العظيمة التي أودعها في باطن الأرض فانتفع بها أهل هذه البلاد، وأصبحت مصدرًا للطاقة في العالم كله، وهذا بالتأكيد كل هذه الخصائص الدينية والدنيوية التي حبا الله تعالى المملكة العربية السعودية بها أكيد أنها توغر صدورًا، وتحرِّك أقلامًا، وتشغل ألسنًا في النَّيل من هذه البلاد قيادة، وشعبًا، والتشويه، ومحاولات مستميتة في بثِّ كل ما يغطي هذه الخيرات ويشكك في هذه البلاد، ويشوِّه صورتها في أعين الناس إلا أن الله تعالى يدافع عن الذين آمنوا، فمتى ما بذلنا الوسع، واجتهدنا في تحقيق التقوى، والتزمنا شرع الله -عز وجل-، وبذلنا وسعنا في إظهار الصورة الحقيقية لهذه البلاد العظيمة، وهذه القيادة الرشيدة، وهذا الشعب الوفي، وهذا الالتحام، وأغلقنا الطريق على المتربصين، وأصممنا الآذان عن سماع تلك الشبهات والشائعات المغرضة، فإننا سنثبت للعالم كذب تلك الدعاوي، وفشلَ تلك الحملات بإذن الله تعالى.

هذا نموذج من التحاسد بين الأمم: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌالبقرة:109 .

المقدم: جميل، اسمح لي فضيلة الشيخ أن نذهب إلى فاصل ثاني في هذه الحلقة بعده نكمل الحديث -بمشيئة الله تعالى-، ونجيب حول استفسارات الإخوة الكرام.

 مستمعينا الكرام سنذهب إلى فاصل ثاني في هذه الحلقة بعده نكمل الحديث فابقوا معنا.

المقدم: حياكم الله مستمعينا الكرام مجددًا في هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، وضيفنا الكريم هو فضيلة الشيخ خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم. فضيلة الشيخ خالد أهلاً وسهلاً بك مجددًا.

الشيخ: مرحبًا، حياك الله أخي وائل وأهلاً وسهلاً بالإخوة والأخوات.

المقدم: حياك الله، فضيلة الشيخ نجاوب على الإخوة الكرام الأخ محمد من حائل ذكر أنه من علاج مرض الحسد مساعدة الآخرين، وتقديم الخدمة للآخرين.

 أيضًا الأخ عبد العزيز الشريف ذكر أن ممارسات بعض الآباء تكون سببًا لوجود الحسد عند الأبناء.

الشيخ: بالتأكيد يا أخي الكريم، يعني الحسد له بواعث، وله صوارف، من بواعثه يعني قد يكون هناك أنواع من التصرفات التي توغر الصدور، وقد تثير ما فيها من كوامن شرٍّ، فينبعث في القلب الحسد لذلك النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالعدل بين الأولاد، قال: «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ»صحيح البخاري (2587) ، وذكر موجب لذلك فقال: «أيَسُرُّكَ أنْ يَكُونُوا إليكَ في البِرِّ سَواء؟»صحيح مسلم (1623)  وهذا باعث من البواعث ولكن ثمة بواعث كثيرة توجب العدل بين الأولاد قطعًا لطريق ما يمكن أن يدب إلى النفوس من تحاسد، ولذلك ينبغي للآباء أن يحسنوا التعامل، وأن يكون تعاملهم على نحو من العدالة، وعدم التمييز الذي يبقى فيه ميل الإنسان إلى أحدهم بتخصيصه بشيء من الأمور التي يميز بها أحد أولاده من الذكور أو الإناث عن غيره، فيكون هذا مفسدًا لصلات الأولاد ذكورًا وإناثًا فيما بينهم.

فيما يتعلق بالنقطة الثانية...

المقدم: هو ذكر الأخ محمد ذكر أنه من علاج الحسد مساعدة الآخرين وتقديم الخدمة لهم.

الشيخ: أي نعم، بالتأكيد أن من أعظم ما يصرف الحسد عن الإنسان أن يحسن إلى من وقع في قلبه حنق عليه، أو حسد لما أنعم الله تعالى به عليه، وهذا يعني علاج مباشر إذا رأيت غيرك في نعمة، ووجدت من نفسك كرهًا لهذه النعمة بادر إلى الدعاء له، بادر إلى الثناء عليه بما أنعم الله تعالى عليه، بادر إلى المباركة له بما أنعم الله تعالى، أظهر السرور بهذه النعمة وسيتلاشى من قلبك كذلك الشعور الرديء بتلك المشاعر القبيحة التي هي كراهية إنعام الله تعالى على غيره.

وقد قال بعض أهل العلم: ما من جسد إلا وفيه حسد يعني يدب إليه الحسد، لكن التقي يتجاوزه بأخذ أسباب التقوى والبعد عن الاستسلام لهذه المشاعر.

 وأما اللئيم يبديه، يستسلم له حتى يظهر عليه، ويتمكن منه، ويتصرف بناء على ذلك الذي قام في قلبه من منع واجب أو انتهاك حق، أو النيل من غيره بسبب ما قام في قلبه من حسد. أحيانًا الشيطان يلبِّس، قد يأتيك الحسد لكن لا يظهره بمظهر الحسد، يظهره بمظهر يعني قد يريحك بعض الشيء، ويشارك بأنك أنت ما وقعت في خطأ لكن الذي يعلم ما في قلبك سيحاسبك على حقائق ما في القلوب، لا على التزييف وما إلى ذلك.

أحيانًا قد يكره الإنسان نعمة أنعم الله تعالى بها على غيره فيظهرها بمظهر مثلاً مقبول اجتماعيًّا أو مقبول دينيًّا وإنكار منكر أو نحو ذلك، والباعث في الحقيقة هو حسد الإنسان على ما أنعم الله تعالى به على غيره، فاحذر من تلبيس الشيطان، احذر من أن يدخل عليك الشيطان من مداخل هي حقيقة إخفاء للمرض فيستفحِل ويتمكن منك ويكون سببًا لفساد دينك ودنياك.

المقدم: اسمح لي فضيلة الشيخ أن نستعرض بعض الأسئلة التي وردت من المستمعين الكرام في الواتساب، بعض الإخوة الكرام يقول يعني بعض الأسئلة فضيلة الشيخ ليس لها علاقة بموضوع الحلقة لكن لا إشكال، يقول: أدركت مع الإمام في صلاة الظهر ثلاث ركعات وعندما كبرت تكبيرة الإحرام انشغلت عن قراءة الفاتحة ثم أكملت بقية الصلاة، وأتيت بعد السلام بركعة فائتة، هل صلاته صحيحة أم لا؟

الشيخ: نعم بما أنه ترك قراءة الفاتحة واستدركها بالإتيان بركعة فيكون قد فعل ما يجب عليه.

المقدم: جميل، أيضًا فضيلة الشيخ هذا أحد الإخوة الكرام يقول: قبل خمس سنوات وجدت عند أحد مساجد المحطات خمسمائة ريال أخذتها بعدم حسن تصرف مني وأعطيتها لأحد العمالة الموجودين في المحطة كصدقة عن صاحب المبلغ، هل فعلي صحيح أم علي إثم ويلزمني شيء؟

الشيخ: لا، المفروض يعني أن تعرفها، تقول لصاحب المحطة هذه خمسمائة ريال إذا جاء أحد يسأل عنها فهي عندي إلا إذا كان آيس من أن يرجع إليها صاحبها كالمحطات التي في الطرق البعيدة، هذه في الغالب أنه أصحابها قد لا يرجعون إلى ما فقدوا، أو لا يتوقعون أنها في المكان الفلاني. المهم أنه يعني أرجو ما فعلته لا حرج عليك فيه لأنه في النهاية بعد التعريف هي لك إن شئت أن تتملكها، وإن شئت أن تتصدق بها، فعلى كل حال ما فعلت أرجو أن يكون براءة لذمتك.

المقدم: شكر الله لك فضيلة الشيخ، قبل أن نختم فضيلة الشيخ إذا كان لك من تعليق وكلمة أخيرة حول موضوعنا في هذه الحلقة وهو عن الحسد؟

الشيخ: هو في نهاية هذا الحديث كثير من الناس يخاف من الحسد فكيف نتقي الحسد؟ يعني نحن تكلمنا عن الحسد، وعن أضراره، وعن شؤمه، وما إلى ذلك، لكن كيف أتقي شرَّ الحسد؟

المقدم: كيف نقي أنفسنا نحن؟

الشيخ: نعم يعني كيف أنا شخص كيف أقي نفسي الحسد؟ 

أولاً: اليقين أن الله تعالى بيده الأمور، وأنه -سبحانه وتعالى- هو القادر على حمايتك ودفع كل ما تكرهه، فالله تعالى بيده الأمر -سبحانه وبحمده- فارجع إليه، وقد شرع الله تعالى لنا سبيلاً نلجأ إليه في هذا الداء على هذا الخصوص وهو الاستعاذة بالله -عز وجل- من شر الحاسد، فالجأ إلى الله تعالى بقراءة هذه السورة التي هي من أعظم ما يدفع الله تعالى به عن الإنسان الشرور لجئه إلى الله، بعد أن يدفع الحسد الاستعاذة بالله من شر الحاسد، ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ* مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَسورة الفلق .

هذه في أذكار الصباح، وفي أذكار المساء، وفي أذكار أدبار الصلوات، وعند النوم احرص على قراءة هذه الآيات المباركات الإخلاص والمعوذات فإنها مما يقيك الله تعالى به شر الحسد وسائر الشرور

الثاني من الأسباب التي يقي الإنسان بها نفسه شر الحسد: تقوى الله -عز وجل-، فالله تعالى يدافع عن الذين آمنوا، وهو مع المتقين، وهو مع المحسنين -جل في علاه-، وانظر قصة يوسف -عليه السلام- فإنه لما حسده إخوانُه ما ضرَّه ذلك بل كان عاقبة أمره أن يعني ظهر عليهم بما أظهره الله تعالى من الفضل والملك وما إلى ذلك، إن الله يدافع عن الذين آمنوا فالجأ إلى الله -عز وجل-، واعلم أنه هو الذي يدفع عنك شرَّ كلِّ ذي شرٍّ هو آخذٌ بناصيته، وحقق الإيمان والتقوى تَفُز بمدافعة رب العالمين.

الثالث من الأسباب التي يقي الإنسان بها نفسه الحسد: أن يكثر من التوبة والاستغفار، وأن يلزم "أستغفر الله العظيم وأتوب إليه، أستغفر الله العظيم وأتوب إليه".

 يقول ابن القيم: "فليس للعبد إذا بغي عليه شيء أنفع من التوبة النصوح إلى الله تعالى"[بدائع الفوائد:ح2/242]، فإذا تسلط عليك أحد بحسد أو بغيره أو خشيت أن يحسدك أحد أو يعتدي عليك في نفسك أو في مالك فافزع إلى الله تعالى بالتوبة، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍالشورى:30  فأكثر من التوبة يدفع الله عند الشرور.

خلاصة ما ندفع به الحسد:

- لزوم الأذكار الشرعية لاسيما سورة الفلق والمعوذات.

- تحقيق خصال الإيمان التقوى فإن الله يدافع عن الذين آمنوا،.

-كثرة التوبة والاستغفار وبذلك يحصن الإنسان نفسه من شر الحاسدين، نسأل الله أن يدفع عني وعنكم وعن قيادتنا وبلادنا والمسلمين كل سوء وشر، وأن يجعل كيد الكائدين في نحورهم، وأن يحفظ أمننا، ويديم اجتماعنا، وأن يؤلف بين قلوبنا، وأن ينصرنا على من عادانا.

المقدم: اللهم آمين، شكر الله لك، وكتب الله أجرك، فضيلة الشيخ خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم، شكرًا جزيلاً فضيلة الشيخ.

الشيخ: بارك الله فيكم، ونلقاكم في حلقة قادمة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

 

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات90630 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87043 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف