×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

المكتبة المقروءة / دروس / دروس العقيدة / كشف الشبهات / الدرس(11) من التعليق على كشف الشبهات

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الدرس(11) من التعليق على كشف الشبهات
00:00:01

ولنختم الكلام إن شاء الله تعالى بمسألة عظيمة مهمة تفهم مما تقدم ولكن نفرد لها الكلام لعظم شأنها ولكثرة الغلط فيها فنقول: لا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل فإن اختل شئ من هذا لم يكن الرجل مسلما، فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر مرتد معاند ككفر فرعون وإبليس وأمثالهما، وهذا يغلط فيه كثير من الناس يقولون: أن هذا حق ونحن نفهم هذا ونشهد أنه حق، ولكننا لا نقدر أن نفعله، ولا يجوز عند أهل بلدنا إلا من وافقهم، أو غير ذلك من الأعذار، ولم يدر المسكين أن غالب أئمة الكفر يعرفون الحق، ولم يتركوه إلا لشئ من الأعذار كما قال تعالى: ﴿اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا﴾ وغير ذلك من الآيات، كقوله: ﴿يعرفونه كما يعرفون أبناءهم﴾. فإن عمل بالتوحيد عملا ظاهرا وهو لا يفهمه ولا يعتقده بقلبه، فهو منافق، وهو شر من الكافر الخالص ﴿إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار﴾. وهذه المسألة مسألة طويلة تبين لك إذا تأملتها في ألسنة الناس ترى من يعرف الحق ويترك العمل به، لخوف نقص دنيا أو جاه أو مداراة لأحد، وترى من يعمل به ظاهرا لا باطنا، فإذا سألته عما يعتقده بقلبه فإذا هو لا يعرفه. ولكن عليك بفهم آيتين من كتاب الله: أولاهما، قوله تعالى: ﴿لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم﴾ فإذا تحققت أن بعض الصحابة الذين غزوا الروم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، كفروا بسبب كلمة قالوها على وجه اللعب والمزح، تبين لك أن الذي يتكلم بالكفر ويعمل به خوفا من نقص مال، أو جاه أو مداراة لأحد، أعظم ممن يتكلم بكلمة يمزح بها. والآية الثانية قوله تعالى: ﴿من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من اكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدره فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم، ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة﴾ الآية، فلم يعذر الله من هؤلاء إلا من أكره مع كون قلبه مطمئنا بالإيمان، وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه سواء فعله خوفا أو مداراة، أو مشحة بوطنه أو أهله أو عشيرته أو ماله، أو فعل على موجه المزح أو لغير ذك من الأغراض إلا المكره. فالآية تدل على هذا من وجهين: الأول قوله تعالى: ﴿إلا من أكره﴾، فلم يستثن الله تعالى إلا المكره، ومعلوم أن الإنسان لا يكره إلا على الكلام أو الفعل، وأما عقيدة القلب فلا يكره أحد عليها، والثانية قوله تعالى: ﴿ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة﴾ فصرح أن هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد والجهل والبغض للدين أومحبة الكفر، وإنما سببه أن له في ذلك حظا من حظوظ الدنيا فآثره على الدين، والله سبحانه وتعالى أعلم وأعز وأكرم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. ختم الشيخ رحمه الله هذه الرسالة المباركة بهذا التنبيه المهم فإنه بعد أن أبطل حجج المشبهين وبين لنا ظاهرا صدق قول الشاعر فيها: حجج تهافت كالزجاج تخالها          حقا وكل كاسر مكسور فلما تبين هذا السراب وانكشف الغطاء واتضح أنه ليس معهم شيء بل هم كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم﴾([1])وليس عندهم من العلم إلا ظاهره وإلا فحقيقته قد تجردوا عنها ذكر رحمه الله تنبيهات مهمة فبعد أن أبطل الحجج التفت رحمه الله إلى مهرب نفسي يلجأ إليه بعض الذين تنكشف لهم الحقائق فيعلمون أن ما أوردوه من شبه وما ذكروه من أباطيل إنما هي ذرائع تتساقط واحدة تلو أخرى ذكر أن من الناس من يفر إلى تحكيم عادته وتحكيم ما عليه أهل بلده وتحكيم ما يخشاه من مواجهة الناس وما يخشاه من إنكارهم لما جاء به وبين أن هذا لا يفيد أيضا في ترك الحق فلو أن إنسانا اعتمد في ترك الحق على هذه الأمور وهي أن أهل البلد ينكرون هذا أو أنه يخشى أن يسلب الجاه أو يسلب المال أو يخشى أن يفقد مكانته أو ما إلى ذلك لم ينفعه ذلك. فقال رحمه الله: ولنختم الكلام إن شاء الله سبحانه وتعالى بمسألة عظيمة مهمة جدا تفهم مما تقدم ولكن يفرد لها الكلام لعظم شأنها ولكثرة الغلط فيها. وهذه المسألة هي قوله رحمه الله: هذه المسألة لا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل وهذا لا شك فيه فإنه عقد أهل السنة والجماعة في الإيمان والتوحيد أن يكون بالقلب واللسان والعمل وعلى هذا تواطأت أقوال السلف رحمهم الله، وقد قال الناظم في نظم عقيدة من سلف: إيماننا قول وصدق وعمل                يزيد بالتقوى وينقص بالزلل فلا بد من الإيمان بالقلب ولا بد من الإيمان باللسان ولا بد من الإيمان بالجوارح ولا يكفي الإيمان بالقلب مع إنكار وتخلف إيمان الجوارح واللسان ولا اللسان مع تخلف الباطن ولا الجوارح مع تخلف الباطن بل لا بد من تواطؤ هذه الأشياء حتى يتحقق التوحيد. لا خلاف أي بين أهل السنة والجماعة أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلما وتوضيح ذلك فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر لا شك أن من عرف التوحيد وعرف أن الله سبحانه وتعالى هو المستحق للعبادة وحده دون غيره ثم صرف العبادة لغيره ولم يقم بمقتضى هذه المعرفة فإن تلك المعرفة لا تفيده شيئا فهو كافر معاند. قال رحمه الله: وكفره ككفر فرعون فإن فرعون يعرف ربوبيته سبحانه وتعالى ويعرف إلهيته وإنما أنكرها علوا واستكبارا كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ﴾([2])ومع ذلك لم يفده هذا الإقرار. و إبليس عليه من الله ما يستحق من اللعن والسخط أيضا مقر بألوهية الله سبحانه وتعالى وإنما اعترض على أمر من أوامره فأبى استكبارا السجود لآدم فكان عاقبته أن عوقب بما ذكره الله سبحانه وتعالى من اللعن والطرد والعقوبة التي تنتظره في الآخرة أعظم وأكبر وأمثالهما. يقول رحمه الله: وهذا يغلط فيه كثير من الناس يقولون: إن هذا حق يعني ما ذكرنا من وجوب إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة وإن هذا الذي جاءت به الرسل يقولون: إن هذا حق ونحن نفهم هذا ونشهد أنه الحق ولكنا لا نقدر أن نفعله ولا يجوز عند أهل بلدنا إلا من وافقهم فيسوغون وقوع الشرك منهم بهذا الذي ذكروه من أن هذا لا يجوز هذا عند أهل بلدهم وأنه لا يوافق أهل بلدهم إلا بموافقتهم على الشرك أو غير ذلك من الأعذار ! قال رحمه الله: ولم يدر المسكين أن غالب أئمة الكفر يعرفون الحق فمعرفة الحق ليست هي المطلوبة ومعرفة الحق ليست هي المطلوبة فقط بل المطلوب معرفة الحق والعمل بمقتضاه ولذلك قال: غالب أئمة الكفر يعرفون الحق كما قال تعالى عنهم: ﴿وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا﴾([3])واليقين منتهى العلم لكن جحدوها فلم تنفعهم هذه المعرفة ولا هذا اليقين يعرفون الحق ولم يتركوه إلا لشيء من الأعذار وتختلف أعذار الناس فمن الناس من يعتذر بالقبيلة وبالعشيرة ومن الناس من يعتذر بالأهل ومن الناس من يعتذر بالبلد ومن الناس من يعتذر بالمال والجاه والمنصب ومن الناس من يعتذر بالضعف وما إلى ذلك من الأعذار فتعددت الأعذار والسبب أو الأسباب والمآل أو المنتهى واحد وهو عدم القيام بما فرض الله سبحانه وتعالى من وجوب إفراده بالعبادة كما قال تعالى: ﴿اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا﴾([4])فهم يعرفون آيات الله سبحانه وتعالى إلا أنهم استبدلوا بهذه الآيات البينات ثمنا قليلا بخسا فأخذوا هذه الدنيا عوضا عن جنة عرضها السماوات والأرض. يقول: وغير ذلك من الآيات كقوله: ﴿ يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ﴾([5])أي يعرفون الحق ويعرفون صدق ما جاء به النبي  صلى الله عليه وسلم  كما يعرفون أبناءهم. فإن عمل بالتوحيد عملا ظاهرا وهو لا يفهمه. . الآن انتهينا من القسم الأول وهو أن التوحيد لابد فيه من المعرفة مع العمل فهو لا يكفي في التوحيد المعرفة فقط حتى لو كان معتذرا بالمعاذير التي ذكر فإن عمل بالتوحيد عملا ظاهرا وهو لا يفهمه ولا يعتقده بقلبه فهو منافق وهو شر من الكافر الخالص: ﴿إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ﴾([6])فمن أظهر الإيمان والتزم شعائر الإسلام إلا أنه لم يقر بذلك قلبه ولم يرسخ ذلك في قلبه فإن ذلك لا ينفعه إذ إنه ممن حسن ظاهره وخبث باطنه والله سبحانه وتعالى إنما يطلع ويحاسب العبد في الأصل على قلبه وما يظهر من الجوارح هو فرع عما في القلب: ((إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم))([7])هذا في الأصل وأعمالكم في الفرع فلا بد من إقامة الباطن وإقامة الظاهر على ما يحبه الله سبحانه وتعالى ويرضاه. قال رحمه الله: فهو منافق، وهو شر من الكافر الخالص لاشك أن دلالة القرآن على أن المنافقين شر من الكفار ظاهرة فالله سبحانه وتعالى أخبر عن عذاب الكفار إلا أنه خص المنافقين بقوله جل وعلا: ﴿إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار﴾([8]). ثم قال رحمه الله: وهذه المسألة مسألة طويلة تتبين لك إذا تأملتها في ألسنة الناس ترى من يعرف الحق ويترك العمل به لخوف نقص دنيا أو جاه أو مداراة لأحد وترى من يعمل به ظاهرا يعني في الدين ظاهرا لا باطنا فإذا سألته عما يعتقد بقلبه فإذا هو لا يعرفه. ولكن عليك بفهم آيتين من كتاب الله: يعني هاتين الآيتين من كتاب الله توضح لك صدق ما تقدم من وجوب الإقرار بالتوحيد ظاهرا وباطنا وأنه لا بد فيه من قول القلب وعمل القلب وقول اللسان وعمل الجوارح. قال رحمه الله: أولاهما قوله تعالى: ﴿ لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ﴾([9])فإن الله سبحانه وتعالى لم يقبل منهم عذرا بعد أن وقع منهم ما يناقض التوحيد فأبطل عذرهم ورده عليهم. قال الشيخ رحمه الله: فإذا تحققت أن بعض الصحابة الذين غزوا الروم مع رسول الله  صلى الله عليه وسلم  كفروا بسبب كلمة قالوها على وجه اللعب والمزح تبين لك أن الذي يتكلم بالكفر ويعمل به خوفا من نقص مال أو جاه أو مداراة لأحد أعظم ممن يتكلم بكلمة يمزح بها: كان هذا أعظم لأنه تبين له الحق وعرفه وخالفه عن قصد وإرادة جازمة وأما الذي يمزح فهو هازل أي دون ذلك الذي قصد المخالفة وعلم بعاقبتها أما هذا الهازل فإنه خالف هازلا ولاعبا وليس كذلك الذي خالف قاصدا عازما جازما فينبغي للعبد أن يحذر الكفر وألا يعتذر لنفسه في مواقعة الكفر بأي عذر كان بل يجب عليه أن يقلع عن الكفر وقد قال الله سبحانه وتعالى في انتفاء العذر عمن تبين له الحق وعرفه: ﴿بل الإنسان على نفسه بصيرة  *  ولو ألقى معاذيره﴾([10])فقد تغش الناس بأعذارك وقد يعذرك الناس بظاهر حالك أو بحسن بيانك وقولك ولكن الله الذي يطلع على السرائر قد قالها في كتابه جل ذكره: ﴿لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم﴾([11])فالكفر لا تقبل فيه الأعذار ولذلك ينبغي على العبد أن يتقي الله سبحانه وتعالى وأن يحذر الشرك صغيره وكبيره فإن الشرك أعظم الظلم كما تقدم بيانه في غير هذا الموضع. قال رحمه الله: والآية الثانية: قوله تعالى: ﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم. ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة ﴾([12])قال رحمه الله في التعليق على الآية: فلم يعذر الله من هؤلاء إلا من أكره مع كون قلبه مطمئنا بالإيمان منشرحا بالإسلام وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه سواء فعل خوفا أو مداراة فمن واطأ كفره الظاهر الذي أكره عليه انشراحا في القلب وميلا وسكونا وطمأنينة بالكفر فإنه كفر ولو كان مكرها والذي استثناه الله سبحانه وتعالى من فعل الكفر أو قاله وهو مكره عليه مع انشراح قلبه بالإسلام واطمئنانه إلى الإيمان أما ما عدا ذلك فهو كافر. أو مشحة بوطنه أو أهله أو عشيرته أو ماله أو فعل على وجه المزح أو لغير ذلك من الأغراض إلا المكره. قال رحمه الله: فالآية تدل على هذا من وجهين: على أنه لا يعذر إلا من أكره مع اطمئنان قلبه وانشراحه بالإيمان قوله: ﴿ إلا من أكره ﴾ فلم يستثن الله تعالى إلا المكره ومعلوم أن الإنسان لا يكره إلا على الكلام أو الفعل وأما على الاعتقاد فلا يكرهك أحد على أن تعتقد ما حرم الله سبحانه وتعالى عليك اعتقاده فالقلب لا سبيل إليه أما الظاهر واللسان فإن السبل إليه كثيرة فقد عذر الله سبحانه وتعالى ظهور الكفر بسب الإكراه الملجئ على اللسان والجوارح أما على القلب فإنه سبحانه وتعالى لم يعذر في ذلك أحدا وذلك أنه لا سبيل إلى تحويل ما في القلب إلا إذا كان القلب فاسدا. أما إذا كان القلب مطمئنا بالإيمان صحيحا سليما معافى فإنه لو وضع عليه ما وضع عليه من العذاب فإنه لا يمكن أن ينصرف عن الإيمان والإسلام إلى الكفر والإلحاد بل سيكون مستقرا مطمئنا بالإيمان وشواهد هذا في حياة الصحابة وحياة من بعدهم من التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين كثيرة جدا. ويفهم من كلامه لا يكره على الكلام والفعل أن الآية تشمل الإكراه في القول والإكراه على الفعل فمن أكره على قول الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان إكراها ملجئا لم يضره ذلك، ومن أكره على فعل الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان لم يضره ذلك أيضا. وهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم منهم من قال: إن الإكراه الذي يعذر به العبد هو في القول فقط. وأما الإكراه في الفعل فإنه لا يجوز أن يفعل فعلا شركيا ولو أكره على ذلك ولو كان الإكراه ملجئا يؤول به إلى فقد حياته. والصواب: هو القول الأول وهو الذي عليه جمهور أهل العلم أن الإكراه الذي يسوغ الوقوع في الكفر يستوي فيه الإكراه على الكلام أو الإكراه على الفعل كالإكراه على قول الكفر أو الإكراه على فعل الكفر. ثم قال: وأما عقيدة القلب فلا يكره عليها. ثم قال رحمه الله: والثاني: قوله تعالى: ﴿ ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة ﴾([13])فلما استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة كان ذلك سبب كفرهم. فصرح أن هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد والجهل والبغض للدين ومحبة الكفر وإنما سببه أن له في ذلك حظا من حظوظ الدنيا فآثره على الدين والله سبحانه وتعالى أعلم وأعز وأكرم هذا والله سبحانه وتعالى أعلم وأعزم وأكرم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. تم بحمد الله وتوفيقه وبهذا نكون قد انتهينا من كشف الشبهات نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا وأن يجعلنا وإياكم من المباركين. ([1]) غافر: 83. ([2]) النمل: 14. ([3]) النمل: 14. ([4]) التوبة: 9. ([5]) البقرة: 146. ([6]) النساء: 145. ([7]) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة باب تحريم ظلم المسلم وخذله من حديث ابي هريرة برفم: 4651. ([8]) النساء: 145. ([9]) التوبة: 66. ([10]) القيامة: 14- 15. ([11]) التوبة: 66. ([12]) النحل: 106-107. ([13]) النحل: 107.

المشاهدات:3669


ولنختم الكلام إن شاء الله تعالى بمسألة عظيمة مهمة تفهم مما تقدم ولكن نفرد لها الكلام لعظم شأنها ولكثرة الغلط فيها فنقول:

لا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل فإن اختل شئ من هذا لم يكن الرجل مسلماً، فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر مرتد معاند ككفر فرعون وإبليس وأمثالهما، وهذا يغلط فيه كثير من الناس يقولون: أن هذا حق ونحن نفهم هذا ونشهد أنه حق، ولكننا لا نقدر أن نفعله، ولا يجوز عند أهل بلدنا إلا من وافقهم، أو غير ذلك من الأعذار، ولم يدر المسكين أن غالب أئمة الكفر يعرفون الحق، ولم يتركوه إلا لشئ من الأعذار كما قال تعالى: ﴿اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً﴾ وغير ذلك من الآيات، كقوله: ﴿يعرفونه كما يعرفون أبناءهم﴾.



فإن عمل بالتوحيد عملاً ظاهراً وهو لا يفهمه ولا يعتقده بقلبه، فهو منافق، وهو شر من الكافر الخالص ﴿إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار﴾.



وهذه المسألة مسألة طويلة تبين لك إذا تأملتها في ألسنة الناس ترى من يعرف الحق ويترك العمل به، لخوف نقص دنيا أو جاه أو مداراة لأحد، وترى من يعمل به ظاهراً لا باطناً، فإذا سألته عما يعتقده بقلبه فإذا هو لا يعرفه. ولكن عليك بفهم آيتين من كتاب الله:



أولاهما، قوله تعالى: ﴿لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم﴾ فإذا تحققت أن بعض الصحابة الذين غزوا الروم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، كفروا بسبب كلمة قالوها على وجه اللعب والمزح، تبين لك أن الذي يتكلم بالكفر ويعمل به خوفاً من نقص مالٍ، أو جاهٍ أو مداراة لأحد، أعظم ممن يتكلم بكلمة يمزح بها.



والآية الثانية قوله تعالى: ﴿من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من اكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدره فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم، ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة﴾ الآية، فلم يعذر الله من هؤلاء إلا من أكره مع كون قلبه مطمئناً بالإيمان، وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه سواء فعله خوفاً أو مداراة، أو مشحةً بوطنه أو أهله أو عشيرته أو ماله، أو فعل على موجه المزح أو لغير ذك من الأغراض إلا المكره.



فالآية تدل على هذا من وجهين:



الأول قوله تعالى: ﴿إلا من أكره﴾، فلم يستثن الله تعالى إلا المكره، ومعلوم أن الإنسان لا يكره إلا على الكلام أو الفعل، وأما عقيدة القلب فلا يكره أحد عليها، والثانية قوله تعالى: ﴿ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة﴾ فصرح أن هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد والجهل والبغض للدين أومحبة الكفر، وإنما سببه أن له في ذلك حظا من حظوظ الدنيا فآثره على الدين، والله سبحانه وتعالى أعلم وأعز وأكرم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



ختم الشيخ رحمه الله هذه الرسالة المباركة بهذا التنبيه المهم فإنه بعد أن أبطل حجج المشبهين وبين لنا ظاهراً صدق قول الشاعر فيها:



حججٌ تهافت كالزجاج تخالها          حقاً وكل كاسر مكسور



فلما تبين هذا السراب وانكشف الغطاء واتضح أنه ليس معهم شيء بل هم كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ﴾([1])وليس عندهم من العلم إلا ظاهره وإلا فحقيقته قد تجردوا عنها ذكر رحمه الله تنبيهات مهمة فبعد أن أبطل الحجج التفت رحمه الله إلى مهرب نفسي يلجأ إليه بعض الذين تنكشف لهم الحقائق فيعلمون أن ما أوردوه من شبه وما ذكروه من أباطيل إنما هي ذرائع تتساقط واحدة تلو أخرى ذكر أن من الناس من يفر إلى تحكيم عادته وتحكيم ما عليه أهل بلده وتحكيم ما يخشاه من مواجهة الناس وما يخشاه من إنكارهم لما جاء به وبين أن هذا لا يفيد أيضاً في ترك الحق فلو أن إنساناً اعتمد في ترك الحق على هذه الأمور وهي أن أهل البلد ينكرون هذا أو أنه يخشى أن يسلب الجاه أو يسلب المال أو يخشى أن يفقد مكانته أو ما إلى ذلك لم ينفعه ذلك.



فقال رحمه الله: ولنختم الكلام إن شاء الله سبحانه وتعالى بمسألة عظيمة مهمة جداً تفهم مما تقدم ولكن يُفرد لها الكلام لعظم شأنها ولكثرة الغلط فيها. وهذه المسألة هي قوله رحمه الله: هذه المسألة لا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل وهذا لا شك فيه فإنه عقد أهل السنة والجماعة في الإيمان والتوحيد أن يكون بالقلب واللسان والعمل وعلى هذا تواطأت أقوال السلف رحمهم الله، وقد قال الناظم في نظم عقيدة من سلف:



إيماننا قول وصدق وعمل                يزيد بالتقوى وينقص بالزلل



فلا بد من الإيمان بالقلب ولا بد من الإيمان باللسان ولا بد من الإيمان بالجوارح ولا يكفي الإيمان بالقلب مع إنكار وتخلف إيمان الجوارح واللسان ولا اللسان مع تخلف الباطن ولا الجوارح مع تخلف الباطن بل لا بد من تواطؤ هذه الأشياء حتى يتحقق التوحيد. لا خلاف أي بين أهل السنة والجماعة أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً وتوضيح ذلك فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر لا شك أن من عرف التوحيد وعرف أن الله سبحانه وتعالى هو المستحق للعبادة وحده دون غيره ثم صرف العبادة لغيره ولم يقم بمقتضى هذه المعرفة فإن تلك المعرفة لا تفيده شيئاً فهو كافر معاند. قال رحمه الله: وكفره ككفر فرعون فإن فرعون يعرف ربوبيته سبحانه وتعالى ويعرف إلهيته وإنما أنكرها علواً واستكباراً كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً ﴾([2])ومع ذلك لم يفده هذا الإقرار. و إبليس عليه من الله ما يستحق من اللعن والسخط أيضاً مقر بألوهية الله سبحانه وتعالى وإنما اعترض على أمر من أوامره فأبى استكباراً السجود لآدم فكان عاقبته أن عُوقب بما ذكره الله سبحانه وتعالى من اللعن والطرد والعقوبة التي تنتظره في الآخرة أعظم وأكبر وأمثالهما.



يقول رحمه الله: وهذا يغلط فيه كثير من الناس يقولون: إن هذا حق يعني ما ذكرنا من وجوب إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة وإن هذا الذي جاءت به الرسل يقولون: إن هذا حق ونحن نفهم هذا ونشهد أنه الحق ولكنا لا نقدر أن نفعله ولا يجوز عند أهل بلدنا إلا من وافقهم فيُسوغون وقوع الشرك منهم بهذا الذي ذكروه من أن هذا لا يجوز هذا عند أهل بلدهم وأنه لا يوافق أهل بلدهم إلا بموافقتهم على الشرك أو غير ذلك من الأعذار !



قال رحمه الله: ولم يدر المسكين أن غالب أئمة الكفر يعرفون الحق فمعرفة الحق ليست هي المطلوبة ومعرفة الحق ليست هي المطلوبة فقط بل المطلوب معرفة الحق والعمل بمقتضاه ولذلك قال: غالب أئمة الكفر يعرفون الحق كما قال تعالى عنهم: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً﴾([3])واليقين مُنتهى العلم لكن جحدوها فلم تنفعهم هذه المعرفة ولا هذا اليقين يعرفون الحق ولم يتركوه إلا لشيء من الأعذار وتختلف أعذار الناس فمن الناس من يعتذر بالقبيلة وبالعشيرة ومن الناس من يعتذر بالأهل ومن الناس من يعتذر بالبلد ومن الناس من يعتذر بالمال والجاه والمنصب ومن الناس من يعتذر بالضعف وما إلى ذلك من الأعذار فتعددت الأعذار والسبب أو الأسباب والمآل أو المنتهى واحد وهو عدم القيام بما فرض الله سبحانه وتعالى من وجوب إفراده بالعبادة كما قال تعالى: ﴿اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً﴾([4])فهم يعرفون آيات الله سبحانه وتعالى إلا أنهم استبدلوا بهذه الآيات البينات ثمناً قليلاً بخساً فأخذوا هذه الدنيا عوضاً عن جنة عرضها السماوات والأرض.



يقول: وغير ذلك من الآيات كقوله: ﴿ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ﴾([5])أي يعرفون الحق ويعرفون صدق ما جاء به النبي  صلى الله عليه وسلم  كما يعرفون أبناءهم.



فإن عمل بالتوحيد عملاً ظاهراً وهو لا يفهمه. . الآن انتهينا من القسم الأول وهو أن التوحيد لابد فيه من المعرفة مع العمل فهو لا يكفي في التوحيد المعرفة فقط حتى لو كان معتذراً بالمعاذير التي ذكر فإن عمل بالتوحيد عملاً ظاهراً وهو لا يفهمه ولا يعتقده بقلبه فهو منافق وهو شر من الكافر الخالص: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾([6])فمن أظهر الإيمان والتزم شعائر الإسلام إلا أنه لم يقرَّ بذلك قلبه ولم يرسخ ذلك في قلبه فإن ذلك لا ينفعه إذ إنه ممن حسن ظاهره وخبث باطنه والله سبحانه وتعالى إنما يطلع ويحاسب العبد في الأصل على قلبه وما يظهر من الجوارح هو فرع عما في القلب: ((إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم))([7])هذا في الأصل وأعمالكم في الفرع فلا بد من إقامة الباطن وإقامة الظاهر على ما يحبه الله سبحانه وتعالى ويرضاه.



قال رحمه الله: فهو منافق، وهو شر من الكافر الخالص لاشك أن دلالة القرآن على أن المنافقين شر من الكفار ظاهرة فالله سبحانه وتعالى أخبر عن عذاب الكفار إلا أنه خص المنافقين بقوله جل وعلا: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾([8]).



ثم قال رحمه الله: وهذه المسألة مسألة طويلة تتبين لك إذا تأملتها في ألسنة الناس ترى من يعرف الحق ويترك العمل به لخوف نقص دنيا أو جاه أو مُداراة لأحد وترى من يعمل به ظاهراً يعني في الدين ظاهراً لا باطناً فإذا سألته عما يعتقد بقلبه فإذا هو لا يعرفه. ولكن عليك بفهم آيتين من كتاب الله: يعني هاتين الآيتين من كتاب الله توضح لك صدق ما تقدم من وجوب الإقرار بالتوحيد ظاهراً وباطناً وأنه لا بد فيه من قول القلب وعمل القلب وقول اللسان وعمل الجوارح.



قال رحمه الله: أولاهما قوله تعالى: ﴿ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾([9])فإن الله سبحانه وتعالى لم يقبل منهم عذراً بعد أن وقع منهم ما يناقض التوحيد فأبطل عذرهم ورده عليهم.



قال الشيخ رحمه الله: فإذا تحققت أن بعض الصحابة الذين غزوا الروم مع رسول الله  صلى الله عليه وسلم  كفروا بسبب كلمة قالوها على وجه اللعب والمزح تبين لك أن الذي يتكلم بالكفر ويعمل به خوفاً من نقص مال أو جاه أو مداراة لأحد أعظم ممن يتكلم بكلمة يمزح بها: كان هذا أعظم لأنه تبين له الحق وعرفه وخالفه عن قصد وإرادة جازمة وأما الذي يمزح فهو هازل أي دون ذلك الذي قصد المخالفة وعلم بعاقبتها أما هذا الهازل فإنه خالف هازلاً ولاعباً وليس كذلك الذي خالف قاصداً عازماً جازماً فينبغي للعبد أن يحذر الكفر وألا يعتذر لنفسه في مواقعة الكفر بأي عذر كان بل يجب عليه أن يقلع عن الكفر وقد قال الله سبحانه وتعالى في انتفاء العذر عمن تبين له الحق وعرفه: ﴿بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ  *  وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾([10])فقد تغش الناس بأعذارك وقد يعذرك الناس بظاهر حالك أو بحسن بيانك وقولك ولكن الله الذي يطلع على السرائر قد قالها في كتابه جل ذكره: ﴿لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾([11])فالكفر لا تقبل فيه الأعذار ولذلك ينبغي على العبد أن يتقي الله سبحانه وتعالى وأن يحذر الشرك صغيره وكبيره فإن الشرك أعظم الظلم كما تقدم بيانه في غير هذا الموضع.



قال رحمه الله: والآية الثانية: قوله تعالى: ﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ ﴾([12])قال رحمه الله في التعليق على الآية: فلم يعذر الله من هؤلاء إلا من أكره مع كون قلبه مطمئناً بالإيمان منشرحاً بالإسلام وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه سواء فعل خوفاً أو مداراة فمن واطأ كفره الظاهر الذي أكره عليه انشراحاً في القلب وميلاً وسكوناً وطمأنينة بالكفر فإنه كفر ولو كان مكرهاً والذي استثناه الله سبحانه وتعالى من فعل الكفر أو قاله وهو مكره عليه مع انشراح قلبه بالإسلام واطمئنانه إلى الإيمان أما ما عدا ذلك فهو كافر. أو مشحة بوطنه أو أهله أو عشيرته أو ماله أو فعل على وجه المزح أو لغير ذلك من الأغراض إلا المكره.



قال رحمه الله: فالآية تدل على هذا من وجهين: على أنه لا يعذر إلا من أكره مع اطمئنان قلبه وانشراحه بالإيمان قوله: ﴿ إِلا مَنْ أُكْرِهَ ﴾ فلم يستثن الله تعالى إلا المكره ومعلوم أن الإنسان لا يكره إلا على الكلام أو الفعل وأما على الاعتقاد فلا يكرهك أحد على أن تعتقد ما حرم الله سبحانه وتعالى عليك اعتقاده فالقلب لا سبيل إليه أما الظاهر واللسان فإن السبل إليه كثيرة فقد عذر الله سبحانه وتعالى ظهور الكفر بسب الإكراه الملجئ على اللسان والجوارح أما على القلب فإنه سبحانه وتعالى لم يعذر في ذلك أحداً وذلك أنه لا سبيل إلى تحويل ما في القلب إلا إذا كان القلب فاسداً. أما إذا كان القلب مطمئناً بالإيمان صحيحاً سليماً معافى فإنه لو وضع عليه ما وضع عليه من العذاب فإنه لا يمكن أن ينصرف عن الإيمان والإسلام إلى الكفر والإلحاد بل سيكون مستقراً مطمئناً بالإيمان وشواهد هذا في حياة الصحابة وحياة من بعدهم من التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين كثيرة جداً.



ويفهم من كلامه لا يكره على الكلام والفعل أن الآية تشمل الإكراه في القول والإكراه على الفعل فمن أكره على قول الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان إكراهاً ملجئاً لم يضره ذلك، ومن أكره على فعل الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان لم يضره ذلك أيضاً.



وهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم منهم من قال: إن الإكراه الذي يعذر به العبد هو في القول فقط. وأما الإكراه في الفعل فإنه لا يجوز أن يفعل فعلاً شركياً ولو أكره على ذلك ولو كان الإكراه مُلجئاً يؤول به إلى فقد حياته. والصواب: هو القول الأول وهو الذي عليه جمهور أهل العلم أن الإكراه الذي يسوغ الوقوع في الكفر يستوي فيه الإكراه على الكلام أو الإكراه على الفعل كالإكراه على قول الكفر أو الإكراه على فعل الكفر.



ثم قال: وأما عقيدة القلب فلا يكره عليها. ثم قال رحمه الله: والثاني: قوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ ﴾([13])فلما استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة كان ذلك سبب كفرهم. فصرح أن هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد والجهل والبغض للدين ومحبة الكفر وإنما سببه أن له في ذلك حظاً من حظوظ الدنيا فآثره على الدين والله سبحانه وتعالى أعلم وأعز وأكرم هذا والله سبحانه وتعالى أعلم وأعزم وأكرم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



تم بحمد الله وتوفيقه وبهذا نكون قد انتهينا من كشف الشبهات نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا وأن يجعلنا وإياكم من المباركين.









([1]) غافر: 83.




([2]) النمل: 14.




([3]) النمل: 14.




([4]) التوبة: 9.




([5]) البقرة: 146.




([6]) النساء: 145.




([7]) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة باب تحريم ظلم المسلم وخذله من حديث ابي هريرة برفم: 4651.




([8]) النساء: 145.




([9]) التوبة: 66.




([10]) القيامة: 14- 15.




([11]) التوبة: 66.




([12]) النحل: 106-107.




([13]) النحل: 107.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات83151 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات78213 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات72540 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات60683 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات55028 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات52239 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات49432 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات47967 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات44825 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات44134 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف