×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

خطب المصلح / خطب مطبوعة / خطبة : الصلاة الصلاة.

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

 الصلاة الصلاة الخطبة الأولى : إن الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله. أما بعد. أيها المؤمنون. اتقوا الله واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، فالصلاة عماد الدين وعصام اليقين، هي ناصية القربات وعزة الطاعات، فعن معاذ بن جبل  رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله )+++ أخرجه أحمد (22366)، والترمذي"(2616)  رضي الله عنه  ، وابن ماجة"(3973) من حديث معاذ بن جبل.---.  والصلاة أيها المؤمنون أعظم شعائر الدين وأهم أركان الإسلام بعد الشهادتين فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : (بني الإسلام على خمس: شهادة أن إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا)+++ أخرجه البخاري (8)، ومسلم (16). ---.  والصلاة يا عباد الله أحب الأعمال إلى الله تعالى، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قلت: يارسول الله، أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: ( الصلاة على وقتها )+++ أخرجه البخاري (5970)، ومسلم (85).  ---.  وروى الحاكم عن ثوبان أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: ( استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة )+++ أخرجه أحمد (22737) و"ابن ماجة" (277) ومالك في "الموطأ" (72)، والحاكم في المستدرك (449)، وصححه.---.  والصلاة أيها الإخوان صلة بين العبد وربه تبارك وتعالى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه  أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال:(أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء )+++ أخرجه مسلم (482)---. وعنه  رضي الله عنه  قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : قال الله تعالى:(قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين. قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم. قال تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين. قال جل وعلا: مجدني عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين. قال تعالى: هذه بيني وبين عبدي، ولعبدي ماسأل، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم. قال الله تعالى: هؤلاء لعبدي، ولعبدي ماسأل)+++ أخرجه مسلم (395)---.  والصلاة أيها المؤمنون مفتاح من مفاتيح الجنة، فعن ربيعة بن كعب  رضي الله عنه  قال:(كنت مع رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، فكنت آتيه بوضوئه وحاجته، فقال لي: سلني فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة. قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود )+++ أخرجه مسلم (489).---.  وعن ابي موسى  رضي الله عنه قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم :(من  صلى البردين -أي: الصبح والعصر- دخل الجنة)+++ أخرجه البخاري (574)، ومسلم (635)--- . والصلاة ياعباد الله من أعظم ما يكفر الخطايا ويرفع الدرجات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يقول: أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم، يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بها الخطايا)+++ أخرجه البخاري (528)، ومسلم (667). ---.  وعنه  رضي الله عنه  قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم :(ألا أدلكم على مايمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يارسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط )+++ أخرجه مسلم (251). ---.  والصلاة يا عباد الله نور، قال النبي  صلى الله عليه وسلم :(الصلاة نور)+++ أخرجه مسلم (223). --- . وهي أيها المؤمنون من أهم أسباب ترك الفحشاء والمنكر، قال الله تعالى:﴿إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)+++ سورة العنكبوت: 45---، وقال الله تعالى: ﴿فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا)+++ سورة مريم: 59--- فرتب الله تعالى اتباع الشهوات ولقيان الغي على إضاعة الصلاة.  هذا أيها المؤمنون طرف من فضائل هذه الشعيرة الكبرى، وإلا فإن فضائلها تفوق الحصر، كيف لا وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أكثر أحاديث النبي  صلى الله عليه وسلم  في الصلاة والجهاد"+++ السياسية الشرعية في إصلاح الراعي والرعية: ص (37).--- .  وقد أجاد من قال:  ألا في الصلاة الخير والفضل أجمع  *** لأن بها الآراب لله تخضع وأول فرض من شريعة ديننا ***  وآخر ما يبقى إذا الدين يرفع فمن قام للتكبير لاقته رحمة   *** وكان كعبد باب مولاه يقرع وصار لرب العرش حين صلاته  *** نجيا فيا طوباه لو كان يخشع+++ انظر تفسير القرطبي(12/104).---  أيها المؤمنون. إن الله تعالى أمركم بالصلاة، فقال تعالى:﴿وأقيموا الصلاة﴾ وقال تعالى: ﴿أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا)+++ سورة الإسراء: 78. --- وقال تعالى: ﴿إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا)+++ سورة النساء: 103. ---.  وقد أمر الله تعالى بالمحافظة عليها فقال: ﴿حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين)+++ سورة البقرة: 238. ---. وقد حث النبي  صلى الله عليه وسلم  على ذلك، فقال:(من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة ، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف)+++ أخرجه أحمد (6540)، والدارمي (2721) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وصحيح ابن حبان (1467) وصححه الهيثمي في مجمع الزوائد (1611).---.  وقد توعد الله تعالى المضيعين لها بالغي والإثم والتورط في وحل الشهوات، قال تعالى: ﴿فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا)+++ سورة مريم: 59. --- وقد هدد الله الساهين عن الصلاة بالويل، فقال: ﴿فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون)+++ سورة الماعون: 4-5. ---.  أيها المؤمنون. إن أعظم صور إضاعة الصلاة والغفلة عنها ذاك الذنب العظيم الخطير الكبير، الذي تورط فيه جمع غير قليل، ألا وهو ترك الصلاة والعياذ بالله، ويالها من نكبة كبرى، ومصيبة عظمى، ونازلة شنعاء أن يقطع العبد صلته بمولاه، الذي لا غنى له عنه طرفة عين.   أيها المؤمنون. إن ترك الصلاة انخلاع من الدين، وانسلاخ من الإسلام، وكفر بالله الواحد القهار، فترك الصلاة، والمحافظة على عدم القيام بها لا يكون من رجل في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، بل والله لا يصدر إلا من قلب قد عشعش فيه الشيطان، كما قال الله تعالى: ﴿استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله)+++ سورة المجادلة: 19.---؛ ولذا فإن النبي  صلى الله عليه وسلم  الذي لا ينطق عن الهوى حكم على تارك الصلاة بالكفر، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم :(بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)+++ أخرجه مسلم (82)--- ، وفي المسند قال  صلى الله عليه وسلم : (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)+++ أخرجه أحمد (22937) وابن ماجة (1079) والترمذي(2621) من حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه ---. وقد أجمع الصحابة الكرام على كفر تارك الصلاة، فعن عبد الله بن شقيق رحمه الله قال: "كان أصحاب محمد  صلى الله عليه وسلم  لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر، غير الصلاة"+++ أخرجه الترمذي (2622) ورواه الحاكم (1/ 7) وقال الذهبي: إسناده صالح، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2114).---. وقد قال عمر  رضي الله عنه : "لا إسلام لمن لم يصل"+++ أخرجه المروزي في تعظيم قدر الصلاة  2/897 (930).---. وقال علي  رضي الله عنه : "من لم يصل فقد كفر"+++ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 2/387 (7722).---. وقد جعل الله ترك الصلاة من أسباب دخول النار، فاستمع -بارك الله فيك- إلى جواب أهل النار، عندما يسألون عن سبب دخولها، قال الله تعالى: ﴿ما سلككم في سقر (42) قالوا لم نك من المصلين (43) ولم نك نطعم المسكين (44) وكنا نخوض مع الخائضين (45) وكنا نكذب بيوم الدين (46) حتى أتانا اليقين)+++ سورة المدثر: 42-47--- ، فياليت شعري! هل علم أولئك المستهترون الساهون، الذين حافظوا على ترك الصلوات واستهانوا بها، بأنه لا إيمان لمن لا صلاة له؟!  فترك الصلاة كفر أيضا، أولئك متلاعبون بدينهم، يظنون أن الأمر هين سهل، لا والله، إن الأمر جد خطير، فإن ترك صلاة واحدة سبب لإحباط العمل، فعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم :(من ترك صلاة العصر حبط عمله )+++ أخرجه البخاري (594) من حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه.---.  فكيف أيها الإخوان بترك الصلاة تلو الصلاة؟! واعلموا بارك الله فيكم أن إحباط العمل ليس خاصا بترك صلاة العصر، بل هو ثابت بترك أي صلاة من الصلوات المكتوبة.  فاتقوا الله عباد الله، وحافظوا على هذه الشعيرة العظيمة، التي من لم يحافظ عليها أدركه الخذلان، وغشيته اللعنة والسخط، وانقطع عنه من ربه المدد، ومن حافظ عليها، فقد أخذ بأسباب السعادة والنجاة والفوز والفلاح.    الخطبة الثانية  : أما بعد. فيا أيها الناس. إن الصلاة من أعظم العبادات، وقد أمر الله تعالى بها الأنبياء جميعا، فهذا إمام الحنفاء إبراهيم عليه السلام يسأل ربه، فيقول:﴿رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء)+++ سورة إبراهيم:40--- وأمر تعالى بها موسى عليه السلام، فقال:﴿وأقم الصلاة لذكري)+++ سورة طه: 14. --- ومما يؤكد أهمية الصلاة أنها واجبة على كل أحد، ولا تسقط ما دام العقل ثابتا. ويظهر مكانتها أن النبي  صلى الله عليه وسلم  أوصى بها وهو في سكرات الموت، وفي الرمق الأخير، فكان يقول لأصحابه في مرضه الذي توفي فيه:(الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم) فما زال يقولها حتى ما يفيض بها لسانه+++ رواه أحمد (26526) والضياء في الأحاديث المختارة (2421).---. وفي رواية: وهو يغرغر بنفسه:(الصلاة وما ملكت أيمانكم)+++ أخرجه ابن ماجه (1625) من حديث أم سلمة رضي الله عنها، والحديث حسنه الكناني في مصباح الزجاجة (959).---.  وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يكتب لأمراء الأمصار: "إن أهم أموركم عندي الصلاة، فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع"+++ أخرجه الإمام مالك في الموطأ (2/10) (9)، وعبد الرزاق في المصنف (2038). ---. وبقدر اهتمامك بالصلاة وحرصك عليها تعرف يا عبد الله مدى حبك له تعالى، ورغبتك في الله، وقدر الدين في قلبك، قال الإمام أحمد رحمه الله: "إنما حظهم من الإسلام على قدر حظهم من الصلاة، ورغبتهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصلاة" ثم قال رحمه الله: "فاعرف نفسك ياعبد الله، احذر أن تلقى الله عز وجل ولا قدر للإسلام عندك، فإن قدر الإسلام في قلبك كقدر الصلاة في قلبك"+++ الصلاة للإمام أحمد (54).---.  فاعرفوا أيها المؤمنون مكانة هذه الشعيرة، وحافظوا عليها، أدوها في أوقاتها، أتموا ركوعها وخشوعها وسجودها، حافظوا على هذه الصلوات في المساجد مع الجماعة، فإن صلاة الجماعة واجبة، قال الله تعالى: ﴿واركعوا مع الراكعين)+++ سورة البقرة: 43. ---، وقال  صلى الله عليه وسلم :(لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم)+++ أخرجه البخاري (644)، ومسلم (651) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.--- ، فكيف يطيب لك ترك الجماعة، والجلوس في البيت أو المكتب، والنبي  صلى الله عليه وسلم  الذي وصفه الله تعالى بقوله: ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)+++ سورة التوبة: 128--- هم أن يحرق بيوت الذين لا يشهدون الصلاة ؟!! فالصلاة مع الجماعة لها منزلة عظيمة؛ لذا أمر الله تعالى: ﴿وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا)+++ سورة النساء: 102. --- فكان الصحابة رضي الله عنهم إذا جاءت الصلاة تركت منهم طائفة القتال، وأقبلوا على صلاتهم، كما قال الأول في وصفهم:  نحن  الذين  إذا  دعوا  لصلاتهم *** والحرب تسقي الأرض جاما أحمرا جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا *** يدعون  ربا  بالفضائل أنعما واسمع أرشدك الله وصية ابن مسعود رضي الله عنه حيث قال: "من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم  سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد، إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف"+++ أخرجه مسلم (654)---.  فليت شعري!! ماذا تراه يقول ابن مسعود رضي الله عنه لو رأى أولئك الذين هجروا بيوت الله، وعمروا الشوارع والطرقات أو البراري والاستراحات، لا يقيمون ولا يشهدون الجماعات، تعاهدوا على العصيان؟!  أم ماذا تراه ابن مسعود رضي الله عنه يقول لو رأى أولئك الذين قضوا الساعات تلو الساعات على مدرجات الكرة، يدخل وقت الصلاة ويخرج وهم على ما هم عليه، من لهو، ولا يصلي منهم إلا نفر قليل؟!  فإنا لله وإنا إليه راجعون.  فاتقوا الله عباد الله، وحافظوا على هؤلاء الصلوات في المساجد حيث ينادى بهن.  أيها المؤمنون. مروا أبناءكم بالصلاة وحثوهم عليها، وتعاهدوهم عليها، فإن الله تعالى قد أمركم بذلك، قال تعالى:﴿وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى)+++ سورة طه: 132.---.  عباد الله، إن ما نشهده من استهتار كثير من الشباب بهذه الفريضة، وتهاونهم بها إنما هو نتاج تفريط الآباء في الغالب، فاتقوا الله أيها الآباء والأولياء، فيمن استرعاكم الله إياهم، قوموا بما أمر الله به من الرعاية والصيانة، فإن الأمر جد خطير؛ إذ الصلاة فرقان بين أولياء الله وبين أولياء الشيطان، فمن تركها فإنه كافر.  ربوهم على ارتياد المساجد من صغرهم، وإياكم والتفريط والتهاون في ذلك، فإن عواقبه وخيمة، فإذا أهملت اليوم صعب عليك الإصلاح غدا، ولا ينفع عندها الندم.  ربنا اجعلنا مقيمي الصلاة، ومن ذريتنا، ربنا وتقبل دعاء. 

المشاهدات:41469
 الصلاةَ الصلاةَ
الخطبة الأولى :

إن الحمد لله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أما بعد.
أيها المؤمنون.
اتقوا اللهَ واعلموا أن خيرَ أعمالِكم الصلاةُ، فالصلاةُ عمادُ الدِّينِ وعصامُ اليقين، هي ناصيةُ القرُباتِ وعزةُ الطاعاتِ، فعن معاذ بن جبل  رضي الله عنه  قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : (رأسُ الأمرِ الإسلامُ، وعمودُه الصلاةُ ، وذروةُ سَنامِه الجهادُ في سبيلِ الله ) أخرجه أحمد (22366)، والتِّرمِذي"(2616)  رضي الله عنه  ، وابن ماجة"(3973) من حديث معاذ بن جبل.
والصلاةُ أيها المؤمنون أعظمُ شعائرِ الدِّينِ وأهمُّ أركانِ الإسلامِ بعد الشهادتين فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : (بني الإسلامُ على خمس: شهادةُ أن إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقامُ الصلاة وإيتاءُ الزكاة وصومُ رمضان وحجُّ البيت من استطاع إليه سبيلاً) أخرجه البخاري (8)، ومسلم (16).
والصلاةُ يا عبادَ اللهِ أحبُّ الأعمالِ إلى الله تعالى، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قلت: يارسولَ الله، أي الأعمالِ أحبُّ إلى الله؟ قال: ( الصلاةُ على وقتِها ) أخرجه البخاري (5970)، ومسلم (85).  
وروى الحاكم عن ثوبان أن النبيَّ  صلى الله عليه وسلم  قال: ( استقِيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خيرَ أعمالِكم الصلاةُ ) أخرجه أحمد (22737) و"ابن ماجة" (277) ومالك في "الموطأ" (72)، والحاكم في المستدرك (449)، وصححه.
والصلاةُ أيها الإخوان صلةٌ بينَ العبدِ وربِّه تبارك وتعالى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه  أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم  قال:(أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربِّه وهو ساجدٌ، فأكثِروا الدعاءَ ) أخرجه مسلم (482).
وعنه  رضي الله عنه  قال: قال رسولُ اللهِ  صلى الله عليه وسلم : قال اللهُ تعالى:(قسمت الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين. قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم. قال تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين. قال جل وعلا: مجَّدني عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين. قال تعالى: هذه بيني وبين عبدي، ولعبدي ماسأل، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم. قال الله تعالى: هؤلاء لعبدي، ولعبدي ماسأل) أخرجه مسلم (395)
والصلاةُ أيها المؤمنون مفتاحٌ من مفاتيحِ الجنة، فعن ربيعةَ بنِ كعب  رضي الله عنه  قال:(كنت مع رسولِ الله  صلى الله عليه وسلم ، فكنت آتيه بوضوئِه وحاجتِه، فقال لي: سلْني فقلت: أسألُك مرافقتَك في الجنةِ. قال: أو غيرُ ذلك؟ قلت: هو ذاك، قال: فأَعِنِّي على نفسِك بكثرةِ السجود ) أخرجه مسلم (489).
وعن ابي موسى  رضي الله عنه قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم :(من  صلى البردين -أي: الصبحَ والعصرَ- دخلَ الجنة) أخرجه البخاري (574)، ومسلم (635) .
والصلاةُ ياعباد الله من أعظمِ ما يكفِّرُ الخطايا ويرفعُ الدرجاتِ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يقول: أرأيتم لو أن نهراً ببابِ أحدِكم، يغتسلُ منه كلَّ يومٍ خمسَ مرات، هل يبقى من درنِه شيءُ؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيءٌ. قال: فذلك مَثَل الصلواتِ الخمسِ، يمحو اللهُ بها الخطايا) أخرجه البخاري (528)، ومسلم (667).
وعنه  رضي الله عنه  قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم :(ألا أدُلُّكم على مايمحو اللهُ به الخطايا، ويرفعُ به الدرجاتِ؟ قالوا: بلى يارسول الله، قال: إسباغُ الوضوءِ على المكارِه، وكثرةُ الخطا إلى المساجدِ، وانتظارُ الصلاةِ بعد الصلاةِ، فذلكم الرباطُ، فذلكم الرباطُ ) أخرجه مسلم (251).
والصلاةُ يا عباد الله نورٌ، قال النبي  صلى الله عليه وسلم :(الصلاةُ نور) أخرجه مسلم (223). .
وهي أيها المؤمنون من أهم أسبابِ تركِ الفحشاءِ والمنكرِ، قال الله تعالى:﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) سورة العنكبوت: 45، وقال الله تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) سورة مريم: 59 فرتَّب اللهُ تعالى اتباعَ الشهواتِ ولقيانَ الغيِّ على إضاعةِ الصلاةِ. 
هذا أيها المؤمنون طرفٌ من فضائلِ هذه الشعيرةِ الكبرى، وإلا فإن فضائلَها تفوقُ الحصرَ، كيف لا وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أكثر أحاديث النبي  صلى الله عليه وسلم  في الصلاة والجهاد" السياسية الشرعية في إصلاح الراعي والرعية: ص (37).
وقد أجاد من قال: 
ألا في الصلاة الخير والفضل أجمع  *** لأن بها الآراب لله تخضع
وأول فرض من شريعة ديننا ***  وآخر ما يبقى إذا الدين يرفع
فمن قام للتكبير لاقته رحمة   *** وكان كعبد باب مولاه يقرع
وصار لرب العرش حين صلاته  *** نجيا فيا طوباه لو كان يخشع انظر تفسير القرطبي(12/104).
 أيها المؤمنون.
إن اللهَ تعالى أمركم بالصلاةِ، فقال تعالى:﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ وقال تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً) سورة الإسراء: 78. وقال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) سورة النساء: 103.
وقد أمرَ اللهُ تعالى بالمحافظةِ عليها فقال: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) سورة البقرة: 238. . وقد حثَّ النبيُّ  صلى الله عليه وسلم  على ذلك، فقال:(من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة، ومن لم يحافظْ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة ، وكان يومَ القيامة مع قارونَ وفرعونَ وهامانَ وأبيِّ بنِ خلف) أخرجه أحمد (6540)، والدارمي (2721) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وصحيح ابن حبان (1467) وصححه الهيثمي في مجمع الزوائد (1611).
وقد توعَّد الله تعالى المضيِّعين لها بالغيِّ والإثمِ والتورُّط في وحلِ الشهواتِ، قال تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) سورة مريم: 59. وقد هدَّد اللهُ الساهين عن الصلاةِ بالويْلِ، فقال: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُون) سورة الماعون: 4-5.
أيها المؤمنون.
إن أعظمَ صورِ إضاعةِ الصلاةِ والغفلةِ عنها ذاك الذنبُ العظيمُ الخطيرُ الكبيرُ، الذي تورَّط فيه جمعٌ غيرُ قليل، ألا وهو تركُ الصلاة والعياذ بالله، ويالَها من نكبةٍ كبرى، ومصيبةٍ عظمى، ونازلةٍ شنعاء أن يقطع العبدُ صلتَه بمولاه، الذي لا غنى له عنه طرفةَ عين.  
أيها المؤمنون.
إن تركَ الصلاةِ انخلاعٌ من الدِّينِ، وانسلاخٌ من الإسلامِ، وكفرٌ باللهِ الواحدِ القهارِ، فتركُ الصلاةِ، والمحافظةُ على عدم القيامِ بها لا يكونُ من رجلٍ في قلبِه مثقالُ حبةِ خردلٍ من إيمانٍ، بل واللهِ لا يصدرُ إلا من قلبٍ قد عشعَشَ فيه الشيطانُ، كما قال الله تعالى: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّه) سورة المجادلة: 19.؛ ولذا فإن النبي  صلى الله عليه وسلم  الذي لا ينطق عن الهوى حكمِ على تارك الصلاةِ بالكفرِ، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم :(بين الرجلِ وبين الشركِ والكفرِ تركُ الصلاة) أخرجه مسلم (82) ، وفي المسند قال  صلى الله عليه وسلم : (العهدُ الذي بيننا وبينهم الصلاةُ، فمَن تركَها فقد كفَر) أخرجه أحمد (22937) وابن ماجة (1079) والتِّرْمِذِيّ(2621) من حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه .
وقد أجمع الصحابةُ الكرامُ على كفرِ تاركِ الصلاةِ، فعن عبد الله بن شقيق رحمه الله قال: "كان أصحابُ محمدٍ  صلى الله عليه وسلم  لا يرون شيئاً من الأعمالِ تركُه كفرٌ، غيرَ الصلاةِ" أخرجه الترمذي (2622) ورواه الحاكم (1/ 7) وقال الذهبي: إسناده صالح، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2114)..
وقد قال عمر  رضي الله عنه : "لا إسلامَ لمن لم يصلِّ" أخرجه المروزي في تعظيم قدر الصلاة  2/897 (930)..
وقال عليٌّ  رضي الله عنه : "من لم يصلِّ فقد كفَرَ" أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 2/387 (7722)..
وقد جعل الله تركَ الصلاة من أسبابِ دخولِ النار، فاستمع -بارك الله فيك- إلى جوابِ أهلِ النارِ، عندما يسألون عن سببِ دخولها، قال الله تعالى: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) سورة المدثر: 42-47 ، فياليتَ شِعري! هل علم أولئك المستهترون الساهون، الذين حافظوا على تركِ الصلواتِ واستهانوا بها، بأنه لا إيمانَ لمن لا صلاةَ له؟! 
فتركُ الصلاةِ كفرٌ أيضاً، أولئك متلاعبون بدينِهم، يظنُّون أنَّ الأمر هيِّنٌ سهلٌ، لا واللهِ، إن الأمرَ جِدُّ خطيرٌ، فإن تركَ صلاةٍ واحدةٍ سببٌ لإحباط العمل، فعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله  صلى الله عليه وسلم :(من تركَ صلاةَ العصرِ حبطَ عملُه ) أخرجه البخاري (594) من حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه.
فكيف أيها الإخوان بتركِ الصلاةِ تلوَ الصلاةِ؟!
واعلموا بارك الله فيكم أن إحباطَ العملِ ليس خاصًّا بتركِ صلاةِ العصر، بل هو ثابتٌ بتركِ أيِّ صلاةٍ من الصلواتِ المكتوبةِ. 
فاتقوا الله عبادَ اللهِ، وحافظوا على هذه الشعيرةِ العظيمةِ، التي من لم يحافظ عليها أدركه الخذلانُ، وغشيته اللعنةُ والسخطُ، وانقطع عنه من ربه المددُ، ومن حافظ عليها، فقد أخذ بأسبابِ السعادة والنجاةِ والفوزِ والفلاحِ. 
 
الخطبة الثانية  :
أما بعد.
فيا أيها الناس.
إن الصلاةَ من أعظمِ العباداتِ، وقد أمرَ اللهُ تعالى بها الأنبياءَ جميعاً، فهذا إمامُ الحنفاءِ إبراهيمُ عليه السلام يسأل ربَّه، فيقولُ:﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) سورة إبراهيم:40 وأمر تعالى بها موسى عليه السلام، فقال:﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) سورة طه: 14. ومما يؤكِّدُ أهميةَ الصلاةِ أنها واجبةٌ على كلِّ أحدِ، ولا تسقطُ ما دام العقل ثابتاً.
ويظهر مكانتَها أن النبيَّ  صلى الله عليه وسلم  أوصى بها وهو في سكراتِ الموتِ، وفي الرَّمَقِ الأخيرِ، فكان يقول لأصحابه في مرضِه الذي تُوفِّي فيه:(الصلاةَ الصلاةَ، وما ملكت أيمانُكم) فما زال يقولها حتى ما يفيضَ بها لسانُه رواه أحمد (26526) والضياء في الأحاديث المختارة (2421)..
وفي رواية: وهو يغرغر بنفسه:(الصلاةَ وما ملكت أيمانكم) أخرجه ابن ماجه (1625) من حديث أم سلمة رضي الله عنها، والحديث حسنه الكناني في مصباح الزجاجة (959).
وهذا عمرُ بنُ الخطاب رضي الله عنه يكتبُ لأمراءِ الأمصارِ: "إن أهمَّ أمورِكم عندي الصلاةُ، فمن حفظِها وحافظَ عليها حفظَ دينَه، ومن ضيَّعَها فهو لما سواها أضيعُ" أخرجه الإمام مالك في الموطأ (2/10) (9)، وعبد الرزاق في المصنف (2038). .
وبقدرِ اهتمامِك بالصلاةِ وحرصِك عليها تعرفُ يا عبد الله مدى حبِّك له تعالى، ورغبتَك في اللهِ، وقدرَ الدِّينِ في قلبِك، قال الإمام أحمد رحمه الله: "إنما حظُّهم من الإسلامِ على قدرِ حظِّهم من الصلاةِ، ورغبتُهم في الإسلام على قدر رغبتِهم في الصلاةِ" ثم قال رحمه الله: "فاعرف نفسك ياعبد الله، احذرْ أن تلقى اللهَ عز وجل ولا قدرَ للإسلامِ عندك، فإن قدرَ الإسلامِ في قلبِك كقدرِ الصلاةِ في قلبِك" الصلاة للإمام أحمد (54).
فاعرفوا أيها المؤمنون مكانةَ هذه الشعيرةِ، وحافظوا عليها، أَدُّوها في أوقاتِها، أتِمَّوا ركوعَها وخشوعَها وسجودَها، حافظوا على هذه الصلواتِ في المساجدِ مع الجماعةِ، فإن صلاةَ الجماعةِ واجبةٌ، قال الله تعالى: ﴿وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) سورة البقرة: 43. ، وقال  صلى الله عليه وسلم :(لقد هممتُ أن آمُرَ بالصلاةِ فتقام، ثم آمُرَ رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلقُ معي برجالٍ معهم حِزَمٌ من حطبٍ إلى قومٍ لا يشهدون الصلاةَ، فأحرِّقُ عليهم بيوتَهم) أخرجه البخاري (644)، ومسلم (651) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ، فكيف يطيبُ لك تركُ الجماعة، والجلوسُ في البيتِ أو المكتبِ، والنبي  صلى الله عليه وسلم  الذي وصفه الله تعالى بقوله: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) سورة التوبة: 128 همَّ أن يحرِّق بيوتَ الذين لا يشهدون الصلاة ؟!!
فالصلاةُ مع الجماعةِ لها منزلةٌ عظيمةٌ؛ لذا أمرَ اللهُ تعالى: ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً) سورة النساء: 102. فكان الصحابةُ رضي الله عنهم إذا جاءت الصلاةُ تركت منهم طائفةٌ القتالَ، وأقبَلوا على صلاتِهم، كما قال الأولُ في وصفِهم: 
نحن  الذين  إذا  دُعوا  لصلاتِهم *** والحربُ تسقي الأرضَ جاماً أحمرا
جعلوا الوجوهَ إلى الحجازِ فكبَّروا *** يدعـون  ربًّا  بالفــضائلِ أنعمَا
واسمع أرشدك اللهُ وصيةَ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه حيث قال: "من سرَّه أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلواتِ حيث ينُادى بهن، فإن اللهَ شرع لنبيِّكم صلى الله عليه وسلم  سنن الهدى، وإنهن من سننِ الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتِكم كما يصلي هذا المتخلفُ في بيتِه لتركتم سنةَ نبيِّكم، ولو تركتم سنةَ نبيِّكم لضللتم، وما من رجل يتطهَّرُ فيحسنُ الطهورَ ثم يعمدُ إلى مسجد من هذه المساجدِ، إلا كتب الله له بكل خطوةٍ يخطوها حسنةً، ويرفعُه بها درجةً ويحطُّ عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلفُ عنها إلا منافقٌ معلومُ النفاقِ، ولقد كان الرجلُ يُؤتى به يُهادى بين الرجُلين حتى يقامَ في الصف" أخرجه مسلم (654)
فليت شعري!! ماذا تراه يقول ابن مسعود رضي الله عنه لو رأى أولئك الذين هجروا بيوت الله، وعمَّروا الشوارعَ والطرقاتِ أو البراريَ والاستراحاتِ، لا يقيمون ولا يشهدون الجماعاتِ، تعاهدوا على العصيان؟! 
أم ماذا تراه ابن مسعود رضي الله عنه يقولُ لو رأى أولئك الذين قضوا الساعاتِ تلوَ الساعاتِ على مدرَّجاتِ الكرةِ، يدخل وقتُ الصلاة ويخرج وهم على ما هم عليه، من لهوٍ، ولا يصلي منهم إلا نفرٌ قليلٌ؟!
 فإنا لله وإنا إليه راجعون. 
فاتقوا الله عباد الله، وحافظوا على هؤلاءِ الصلواتِ في المساجدِ حيثُ ينادَى بهن. 
أيها المؤمنون.
مُروا أبناءَكم بالصلاةِ وحُثُّوهم عليها، وتعاهدوهم عليها، فإن اللهَ تعالى قد أمرَكم بذلك، قال تعالى:﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) سورة طه: 132.
عباد الله، إن ما نشهدُه من استهتارِ كثيرٍ من الشبابِ بهذه الفريضةِ، وتهاونهم بها إنما هو نتاجُ تفريطِ الآباءِ في الغالبِ، فاتقوا الله أيها الآباءُ والأولياءُ، فيمن استرعاكم اللهُ إياهم، قوموا بما أمرَ اللهُ به من الرعايةِ والصيانةِ، فإن الأمرَ جِدُّ خطيرٌ؛ إذ الصلاةُ فرقانٌ بينَ أولياءِ اللهِ وبينَ أولياءِ الشيطان، فمن تركها فإنه كافرٌ. 
ربُّوهم على ارتيادِ المساجدِ من صِغَرِهم، وإياكم والتفريطَ والتهاونَ في ذلك، فإن عواقبَه وخيمةٌ، فإذا أَهملتَ اليومَ صعب عليك الإصلاح غداً، ولا ينفعُ عندها الندم. 
ربنا اجعلنا مقيمي الصلاة، ومن ذريتنا، ربنا وتقبل دعاء. 
المادة التالية

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات83189 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات78236 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات72547 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات60684 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات55031 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات52239 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات49437 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات47985 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات44833 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات44138 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف