وَ قالَ في ذِكْرِ بَعْضِ عَلاماتِ أَهْلِ الباطِلِ:
((فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَقَيَّدُ بِلِباسٍ لا يَلْبَسُ غَيْرَهُ،أَوْ بِالجُلُوسِ في مَكانٍ لا يَجْلِسُ في غَيْرِهِ،أَوْ مِشْيَةَ لا يَمْشِي غَيْرَها،أَوْ بِزِيٍّ وَهَيْئَةٍ لا يَخْرُجُ عَنْهُما،أَوْ عِبادَةً مُعَيَّنَةً لا يَتَعَبَّدُ بِغَيْرِها،وَإِنْ كانَتْ أَعْلَى مِنْها،أَوْ شَيْخٍ مُعَيِّنٍ لا يَلْتِفَتُ إِلَى غَيْرِهِ،وَإِنْ كانَ أَقْرَبُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ مِنْهُ،فَهَؤُلاءِ كُلُّهُمْ مَحْجُوبُونَ عَنِ الظَّفْرِ بِالمطْلُوبِ الأَعْلَى،مَصْدُودُونَ عَنْهُ،قَدْ قَيَّدَتْهُمُ العَوائِدُ وَالرُّسُومُ،وَالأَوْضاعُ وَالاصْطِلاحاتُ عَنْ تَجْرِيدِ المتابَعَةِ،فَأَضْحَوْا عَنْها بِمَعْزِلٍ،ومَنْزِلَتِهِمْ مِنْها أَبْعَدُ مَنْزِلٍ،فَتَرَى أَحَدَهُمْ يَتَعَبَّدُ بِالرِّياضَةِ وَالخَلْوةِ،وَتَفْرِيغِ القَلْبِ،وَيَعُدُّ العِلْمُ قاطِعاً لَهُ عَنِ الطَّرِيقِ،فَإِذا ذُكِرَ لَهُ الموالاةُ في اللهِ والمعادَاةُ فِيهِ،وَالأَمْرُ بِالمعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ المنْكَرِ، عَدَّ ذَلِكَ فُضُولاً وَشِراً،وَإِذا رَأَوْا بَيْنَهُمْ مَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ أَخْرَجُوهُ مِنْ بَيْنِهِمْ،وَعَدَّوْهُ غَيْراً عَلَيْهِمْ،فَهَؤُلاءِ أَبْعَدُ النَّاسِ عَنِ اللهِ،وَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ إِشارَةً،وَاللهُ أَعْلَمُ)) مَدارِجُ السَّالِكِينَ (3/176)