×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / التفسير / القواعد الحسان المتعلقة بتفسير القرآن / الدرس(8) القاعدة الرابعة عشرة :حذف المتعلق المعمول فيه: يفيد تعميم المعنى المناسب له

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

القاعدة الرابعة عشرة :حذف المتعلق المعمول فيه: يفيد تعميم المعنى المناسب له وهذه قاعدة مفيدة جدا، متى اعتبرها الإنسان في الآيات القرآنية أكسبته فوائد جليلة . وذلك أن الفعل وما هو معناه متى قيد بشيء تقيد به، فإذا أطلقه الله تعالى، وحذف المتعلق كان القصد من ذلك التعميم، ويكون الحذف هنا أحسن وأفيد كثيرا من التصريح بالمتعلقات، وأجمع للمعاني النافعة . ولذلك أمثلة كثيرة جدا: منها: أنه قال في عدة آيات {لعلكم تعقلون}، {لعلكم تذكرون} ، {لعلكم تتقون}  +++الأنعام: 151،152،153--- فيدل ذلك على أن المراد: لعلكم تعقلون عن الله كل ما أرشدكم إليه وكل ما علمكموه، وكل ما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة، ولعلكم تذكرون، فلا تنسون ولا تغفلون، فتكونون دائما متيقظين مرهفي الحواس تحسون كل ما تمرون به من سنن الله وآياته، فتذكرون جميع مصالحكم الدينية والدنيوية، ولعلكم تتقون جميع ما يجب اتقاؤه من الغفلة والجهل والتقليد، وكل ما يحاول عدوكم أن يوقعكم فيه من جميع الذنوب والمعاصي، ويدخل في ذلك ما كان سياق الكلام فيه وهو فرد من أفراد هذا المعنى العام . ولهذا كان قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}  +++البقرة:183---: يفيد كل ما قيل في حكمة الصيام، أي لعلكم تتقون المحارم عموما، ولعلكم تتقون ما حرم الله على الصائمين من المفطرات والممنوعات، ومن كل الأحوال والصفات السيئة والخبيثة، ولعلكم تتصفون بصفة التقوى، وتحصلون على كل ما يقيكم مما تكرهون، وتتخلقون بأخلاقها، وهكذا سائر ما ذكر فيه هذا اللفظ مثل قوله {هدى للمتقين}  +++البقرة: 2--- أي المتقين لكل ما يتقى من الكفر و الفسوق و العصيان، المؤدين للفرائض والنوافل التي هي خصال التقوى . وكذلك قوله {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}  +++الأعراف:201--- أي إن الذين كانت التقوى وصفهم، واليقظة والتدبر لسنن الله وآياته حالهم، وترك المحارم شعارهم متى زين لهم الشيطان بعض الذنوب ولبس عليهم الطريق، وحاول تخديرهم بالشبهات أو الشهوات، تذكروا كل أمر يوجب لهم المبادرة إلى المتاب إجلالا لعظمة الله، وما يقتضيه الإيمان وما توجبه التقوى، وتذكروا عقابه ونكاله، وتذكروا ما تحدثه الذنوب من العيوب والنقائص وما تسلبه من الكمالات، فإذا هم مبصرون من أين أتوا، ومبصرون الوجه الذي فيه التخلص من هذا الذنب الذي وقعوا فيه، فبادروا بالتوبة النصوح والرجوع إلى صراط الله المستقيم، فعادوا إلى مرتبتهم وعاد الشيطان خاسئا مدحورا . وكذلك ما ذكره على وجه الإطلاق عن المؤمنين بلفظ " المؤمنين " وبلفظ {إن الذين آمنوا}  +++البقرة: 62--- ونحوها، فإنه يدخل فيه جميع ما يجب الإيمان به من الأصول والعقائد والأعمال والأحكام، مع أنه قيد ذلك في بعض الآيات مثل قوله: {قولوا آمنا بالله}  الآية +++ البقرة136--- وكذلك ما أمر به من الصلاح والإصلاح، وما نهى عنه من الفساد والإفساد مطلقا، يدخل فيه كل صلاح كما يدخل في النهي كل فساد كذلك . وكذلك قوله {إن الله يحب المحسنين}  +++البقرة: 195--- {وأحسنوا}  +++البقرة: 195---، {للذين أحسنوا الحسنى}  +++يونس: 26---{هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}  +++الرحمن:60--- يدخل في ذلك كله الإحسان في عبادة الخالق بأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، والإحسان إلى المخلوقين بجميع وجوه الإحسان من قول وفعل وجاه، وعلم ومال وغيرها . وكذلك قوله تعالى: {ألهاكم التكاثر}  +++التكاثر:1--- فحذف المتكاثر به ليعم جميع ما يقصد الناس فيه المكاثرة: من الرياسات والأموال والجاه والضيعات والأولاد، وغيرها مما تتعلق به أغراض النفوس فيلهيها ذلك عن طاعة الله . وكذلك قوله تعالى {والعصر * إن الإنسان لفي خسر}  +++العصر:1،2--- أي في خسارة لازمة من جميع الوجوه إلا من اتصف بالإيمان والعمل الصالح، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر . وقوله {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}  +++النحل: 43--- فذكر المسئولين وأطلق المسئول عنه، ليعم كل ما يحتاجه العبد ولا يعلمه . وكذلك أمره تعالى بالصبر، ومحبته للصابرين، وثناؤه عليهم، وبيان كثرة أجورهم، من غير أن يقيد ذلك بنوع، ليشمل أنواع الصبر الثلاثة، وهي الصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المؤلمة . ومقابل ذلك ذمه للكافرين والظالمين والفاسقين والمشركين والمنافقين والمعتدين ونحوهم، من غير أن يقيده بشئ ليشمل جميع ذلك المعنى . ومن هذا قوله {فإن أحصرتم}  +++البقرة: 196--- ليشمل كل حصر، ومنه قوله {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا}  +++البقرة: 239--- ليعم كل خوف . وقد يقيد ذلك ببعض الأمور فيتقيد به ما سيق الكلام لأجله . وهذا شيء كثير لو ذهبنا نذكر أمثلة عليه لطالت، ولكن قد فتح لك الباب، فامش على هذا السبيل المفضي إلى رياض بهيجة من أصناف العلوم . القاعدة الخامسة عشرة جعل الله الأسباب للمطالب العالية مبشرات لتطمين القلوب وزيادة الإيمان وهذا في عدة مواضع من كتابه، فمن ذلك: النصر قال في إنزال الملائكة به: {وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم}  +++الأنفال: 10--- وقال في أسباب الرزق ونزول المطر: {ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته}  +++الروم: 46--- . وأعم من ذلك كله قوله:{ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة}  +++يونس من 62: 64--- وهي كل دليل وعلامة تدلهم على أن الله قد أراد بهم الخير، وأنهم من أوليائه وصفوته، فيدخل فيه الثناء الحسن والرؤيا الصالحة، ويدخل فيه ما يشاهدونه من اللطف والتوفيق، والتيسير لليسرى، وتجنيبهم العسرى؛ لأن الله يقول: {فأما من أعطى واتقى {5} وصدق بالحسنى {6} فسنيسره لليسرى}  . +++ الليل: 5-7 ---، و يقول: {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا}  . +++ الطلاق: 4 ---، فإذا رأيت الأمور متيسرة لك ومسهلة، وأن الله يقدر لك الخير حتى وإن كنت لا تحتسبه، فهذه لا شك أنها بشرى، وإذا رأيت الأمر بالعكس فصحح مسارك فإن فيك بلاء، والنعم ما تكون استدراكا إلا لمن أقام على معصية الله، كما قال تعالى: {والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}  . . . .+++ الأعراف: 182 ---، أما إذا كانت من المؤمن فليست استدراجا . ومن ذلك: بل من ألطف من ذلك أنه يجعل الشدائد مبشرة بالفرج، والعسر مؤذنا باليسر، وإذا تأملت ما قصه عن أنبيائه وأصفيائه، وكيف لما اشتدت بهم الحال، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، {وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله}  . +++ البقرة: 214 --- {ألا إن نصر الله قريب}  +++البقرة: 214--- رأيت من ذلك العجب العجاب . وقال تعالى: {فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا}  . +++الشرح:5، 6--- وقال صلى الله عليه وسلم ( واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا ) وأمثلة ذلك كثيرة، والله أعلم . القاعدة السادسة عشرة حذف جواب الشرط يدل على تعظيم الأمر وشدته في مقامات الوعيد وذلك كقوله: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم}  +++السجدة: 12--- {ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت}  +++سبأ: 51--- {ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا}  +++البقرة: 165--- {ولو ترى إذ وقفوا على ربهم}  +++الأنعام: 30--- {ولو ترى إذ وقفوا على النار}  +++الأنعام: 27--- . فحذف الجواب في هذه الآيات وشبهها أولى من ذكره، ليدل على عظمة ذلك المقام، وأنه لهوله وشدته وفظاعته لا يعبر عنه بلفظ ولا يدرك بالوصف، مثله قوله تعالى: {كلا لو تعلمون علم اليقين}  +++التكاثر:5--- أي لما أقمتم على ما أنتم عليه من التفريط والغفلة واللهو القاعدة السابعة عشرة :بعض الأسماء الواردة في القرآن إذا أفرد دل على المعنى المناسب له، وإذا قرن مع غيره دل على بعض المعنى، ودل ما قرن معه على باقيه، ولهذه القاعدة أمثلة كثيرة منها: الإيمان، أفرد وحده في آيات كثيرة، وقرن مع العمل الصالح في آيات كثيرة . فالآيات التي أفرد فيها يدخل فيه جميع عقائد الدين وشرائعه الظاهرة والباطنة، ولهذا يرتب الله عليه حصول الثواب، والنجاة من العقاب، ولولا دخول المذكورات ما حصلت آثاره . وهو عند السلف: قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح . والآيات التي قرن الإيمان فيها بالعمل الصالح: كقوله {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات}  +++البقرة: 277--- يفسر الإيمان فيها بما في القلوب من المعارف والتصديق، والاعتقاد والإنابة . والعمل الصالح بجميع الشرائع القولية والفعلية . وكذلك لفظ " البر والتقوى " فحيث أفرد البر دخل فيه امتثال الأوامر واجتناب النواهي، وكذلك إذا أفردت التقوى . ولهذا يرتب الله على البر وعلى التقوى عند الإطلاق: الثواب المطلق والنجاة المطلقة كما يرتبه على الإيمان . وتارة يفسر أعمال البر بما يتناول أفعال الخير وترك المعاصي، وكذلك في بعض الآيات تفسير خصال التقوى، كما في قوله: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين * الذين ينفقون في السراء والضراء}  +++آل عمران: 133، 134--- إلى آخر ما ذكره من الأوصاف التي تتم بها التقوى . وإذا جمع بين البر والتقوى مثل قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى}  +++المائدة: 2--- كان +++ البر --- اسما جامعا لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة . وكانت +++ التقوى --- اسما جامعا يتناول ترك جميع المحرمات . وكذلك لفظ +++ الإثم --- و +++ العدوان --- إذا قرنا، فسر الإثم بالمعاصي التي بين العبد وبين ربه، والعدوان بالتجرىء على الناس في دمائهم وأعراضهم . وإذا أفرد +++ الإثم --- دخل فيه كل المعاصي التي تؤثم صاحبها، سواء كانت بينه وبين ربه أو بينه وبين الخلق، وكذلك إذا أفرد +++ العدوان --- . وكذلك لفظ +++ العبادة والتوكل --- ولفظ +++ العبادة والاستعانة --- إذا أفردت العبادة في القرآن تناولت جميع ما يحبه الله ويرضاه ظاهرا وباطنا، ومن أول وأهم ما يدخل فيها: التوكل والاستعانة . وإذا جمع بينها وبين التوكل والاستعانة نحو {إياك نعبد وإياك نستعين} +++الفاتحة:5--- {فاعبده وتوكل عليه}  +++هود: 123--- فسرت العبادة بجميع المأمورات الباطنة والظاهرة، وفسر التوكل باعتماد القلب على الله في حصولها وحصول جميع المنافع ودفع المضار مع الثقة التامة بالله في حصولها وكذلك +++ الفقير والمسكين --- إذا أفرد أحدهما دخل فيه الآخر كما في أكثر الآيات، وإذا جمع بينهما كما في آية الصدقات وهي قوله: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين}  +++التوبة: 60--- فسر الفقير بمن اشتدت حاجته وكان لا يجد شيئا، أو من يجد شيئا لا يقع منه موقعا، وفسر +++ المسكين --- بمن حاجته دون ذلك . ومثل ذلك الألفاظ الدالة على تلاوة الكتاب والتمسك به وهو اتباعه، ويشمل ذلك: القيام بالدين كله، فإذا قرنت معه الصلاة كما في قوله تعالى: {اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة}  +++العنكبوت: 45--- وقوله {والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة}  +++الأعراف: 170--- كان ذكر الصلاة تعظيما لها وتأكيدا لشأنها، وحثا عليها، وإلا فهي داخلة في الاسم العام وهو التلاوة والتمسك به وما أشبه ذلك من الأسماء . القاعدة الثامنة عشرة :إطلاق الهداية والإضلال وتقييدها في كثير من الآيات يخبر الله بأنه يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، وفي بعضها يذكر مع ذلك الأسباب المتعلقة بالعبد، الموجبة للهداية أو الموجبة للإضلال، وكذلك حصول المغفرة وضدها، وبسط الرزق وتقديره، وذلك في آيات كثيرة، فحيث أخبر أنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ويغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء، ويرحم من يشاء، ويبسط الرزق لمن يشاء ويقدره على من يشاء . يدل ذلك على كمال توحيده وانفراده بخلق الأشياء، وتدبير جميع الأمور، وأن خزائن الأشياء كلها بيده، يعطي ويمنع ويخفض ويرفع، فيقتضي مع ذلك من العباد أن يعترفوا بذلك، وأن يعلقوا أملهم ورجاءهم به وحده في حصول كل ما يحبون منها، ودفع كل ما يكرهون، وأن لا يسألوا أحدا غيره، كما في الحديث القدسي: ( يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم ) إلى آخره . وفي بعض الآيات: يذكر فيها أسباب ذلك، ليعرف العباد الأسباب والطرق المفضية إليها، فيسلكوا النافع ويدعوا الضار، كقوله تعالى: {فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى} +++الليل: الآيات من 5: 10---  فبين أن أسباب الهداية والتيسير إيمان العبد بحكمة ربه في سننه وخلقه وشرعه وأخذه بهذه السنن وانقياده لأمره الشرعي، وأن أسباب الضلال والتعسير ضد ذلك . وكذلك قوله تعالى في صفة القرآن: {يهدي به الله من اتبع رضوانه}  +++المائدة: 16--- {يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين}  +++البقرة: 26--- وقوله: {فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله}  +++الأعراف: 30--- فأخبر أن الله يهدي بالقرآن من كان قصده حسنا، ومن رغب في الخير، واتبع رضوان الله، وأنه يضل من فسق عن سنن الله الحكيمة، وتمرد على الله، وتولى أعداءه من شياطين الإنس والجن، ورضي بولايتهم عن ولاية رب العالمين . وكذلك قوله تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين}  الصف: 5--- وقوله: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة}  +++الأنعام: 110--- . وكذلك يذكر في بعض الآيات الأسباب التي تنال بها المغفرة والرحمة، والتي تحق بها كلمة العذاب، كقوله: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى}  +++طه:82--- {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون * الذين يتبعون الرسول النبي الأمي}  +++الأعراف: من الآيات 156، 157--- وقوله: {إن رحمت الله قريب من المحسنين}  +++الأعراف: 56--- وقوله: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين}  +++آل عمران:133--- ثم ذكر الأسباب التي تنال بها المغفرة والرحمة، وهي خصال التقوى المذكورة في هذه الآية وغيرها: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله}  +++البقرة: 218--- {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون}  +++الأعراف:204--- وأعم من ذلك كله قوله تعالى: {وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون}  +++آل عمران:132--- فطريق الرحمة والمغفرة سلوك طاعة الله ورسوله عموما، وهذه الأسباب المذكورة خصوصا . وأخبر أن العذاب له أسباب متعددة، وكلها راجعة إلى شيئين: التكذيب لله ورسوله، والتولي عن طاعة الله ورسوله، كقوله تعالى: {لا يصلاها إلا الأشقى * الذي كذب وتولى * وسيجنبها الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكى}  +++الشمس من 18:15--- وقوله: {إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى}  +++طه:48--- . وكذلك يذكر أسباب الرزق، وأنها لزوم طاعة الله ورسوله، والسعي الجميل في مناكب الأرض مع لزوم التقوى كقوله تعالى:{ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب} +++الطلاق: من الآيات 2،3--- وانتظار الفرج والرزق كقوله تعالى: {سيجعل الله بعد عسر يسرا}  +++الطلاق: 7--- وكثرة الذكر والاستغفار: {وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله}  +++هود: 3--- {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا}  +++نوح:10، 11--- فأخبر أن الاستغفار سبب يستجلب به مغفرة الله ورزقه وخيره، وضد ذلك سبب للفقر والتيسير للعسرى . وأمثلة هذه القاعدة كثيرة وقد عرفت طريقها فالزمه .

المشاهدات:2943
القاعدة الرابعة عشرة :حذف المتعلق المعمول فيه: يفيد تعميم المعنى المناسب له
وهذه قاعدة مفيدة جداً، متى اعتبرها الإنسان في الآيات القرآنية أكسبته فوائد جليلة .
وذلك أن الفعل وما هو معناه متى قيد بشيء تقيد به، فإذا أطلقه الله تعالى، وحذف المتعلق كان القصد من ذلك التعميم، ويكون الحذف هنا أحسن وأفيد كثيراً من التصريح بالمتعلقات، وأجمع للمعاني النافعة .
ولذلك أمثلة كثيرة جداً:
منها: أنه قال في عدة آيات {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}، {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} ، {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}  الأنعام: 151،152،153 فيدل ذلك على أن المراد: لعلكم تعقلون عن الله كل ما أرشدكم إليه وكل ما علمكموه، وكل ما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة، ولعلكم تذكرون، فلا تنسون ولا تغفلون، فتكونون دائماً متيقظين مُرْهفي الحواس تحسون كل ما تمرون به من سنن الله وآياته، فتذكرون جميع مصالحكم الدينية والدنيوية، ولعلكم تتقون جميع ما يجب اتقاؤه من الغفلة والجهل والتقليد، وكل ما يحاول عدوكم أن يوقعكم فيه من جميع الذنوب والمعاصي، ويدخل في ذلك ما كان سياق الكلام فيه وهو فرد من أفراد هذا المعنى العام .
ولهذا كان قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}  البقرة:183: يفيد كل ما قيل في حكمة الصيام، أي لعلكم تتقون المحارم عموماً، ولعلكم تتقون ما حرم الله على الصائمين من المفطرات والممنوعات، ومن كل الأحوال والصفات السيئة والخبيثة، ولعلكم تتصفون بصفة التقوى، وتحصلون على كل ما يقيكم مما تكرهون، وتتخلقون بأخلاقها، وهكذا سائر ما ذكر فيه هذا اللفظ مثل قوله {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ}  البقرة: 2 أي المتقين لكل ما يُتقى من الكفر و الفسوق و العصيان، المؤدين للفرائض والنوافل التي هي خصال التقوى .
وكذلك قوله {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}  الأعراف:201 أي إن الذين كانت التقوى وصفهم، واليقظة والتدبر لسنن الله وآياته حالهم، وترك المحارم شعارهم متى زين لهم الشيطان بعض الذنوب ولبس عليهم الطريق، وحاول تخديرهم بالشبهات أو الشهوات، تذكروا كل أمر يوجب لهم المبادرة إلى المتاب إجلالاً لعظمة الله، وما يقتضيه الإيمان وما توجبه التقوى، وتذكروا عقابه ونكاله، وتذكروا ما تحدثه الذنوب من العيوب والنقائص وما تسلبه من الكمالات، فإذا هم مبصرون من أين أُتوا، ومبصرون الوجه الذي فيه التخلص من هذا الذنب الذي وقعوا فيه، فبادروا بالتوبة النصوح والرجوع إلى صراط الله المستقيم، فعادوا إلى مرتبتهم وعاد الشيطان خاسئاً مدحوراً .
وكذلك ما ذكره على وجه الإطلاق عن المؤمنين بلفظ " المؤمنين " وبلفظ {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا}  البقرة: 62 ونحوها، فإنه يدخل فيه جميع ما يجب الإيمان به من الأصول والعقائد والأعمال والأحكام، مع أنه قيد ذلك في بعض الآيات مثل قوله: {قُولُوا آمَنَّا بِالله}  الآية البقرة136
وكذلك ما أمر به من الصلاح والإصلاح، وما نهى عنه من الفساد والإفساد مطلقاً، يدخل فيه كل صلاح كما يدخل في النهي كل فساد كذلك .
وكذلك قوله {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}  البقرة: 195 {وَأَحْسِنُوا}  البقرة: 195، {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى}  يونس: 26{هَلْ جَزَاءُ الْإحْسَانِ إِلَّا الْإحْسَانُ}  الرحمن:60
يدخل في ذلك كله الإحسان في عبادة الخالق بأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، والإحسان إلى المخلوقين بجميع وجوه الإحسان من قول وفعل وجاه، وعلم ومال وغيرها .
وكذلك قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}  التكاثر:1 فحذف المتكاثَر به ليعم جميع ما يقصد الناس فيه المكاثرة: من الرياسات والأموال والجاه والضيعات والأولاد، وغيرها مما تتعلق به أغراض النفوس فيلهيها ذلك عن طاعة الله .
وكذلك قوله تعالى {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}  العصر:1،2 أي في خسارة لازمة من جميع الوجوه إلا من اتصف بالإيمان والعمل الصالح، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر .
وقوله {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}  النحل: 43 فذكر المسئولين وأطلق المسئول عنه، ليعم كل ما يحتاجه العبد ولا يعلمه .
وكذلك أمره تعالى بالصبر، ومحبته للصابرين، وثناؤه عليهم، وبيان كثرة أجورهم، من غير أن يقيد ذلك بنوع، ليشمل أنواع الصبر الثلاثة، وهي الصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المؤلمة .
ومقابل ذلك ذمه للكافرين والظالمين والفاسقين والمشركين والمنافقين والمعتدين ونحوهم، من غير أن يقيده بشئ ليشمل جميع ذلك المعنى .
ومن هذا قوله {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ}  البقرة: 196 ليشمل كل حصر، ومنه قوله {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً}  البقرة: 239 ليعم كل خوف .
وقد يقيد ذلك ببعض الأمور فيتقيد به ما سيق الكلام لأجله .
وهذا شيء كثير لو ذهبنا نذكر أمثلة عليه لطالت، ولكن قد فتح لك الباب، فامش على هذا السبيل المفضي إلى رياض بهيجة من أصناف العلوم .
القاعدة الخامسة عشرة
جعل الله الأسباب للمطالب العالية مبشرات لتطمين القلوب وزيادة الإيمان
وهذا في عدة مواضع من كتابه، فمن ذلك:
النصر قال في إنزال الملائكة به: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ}  الأنفال: 10 وقال في أسباب الرزق ونزول المطر: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ}  الروم: 46 .
وأعم من ذلك كله قوله:{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}  يونس من 62: 64 وهي كل دليل وعلامة تدلهم على أن الله قد أراد بهم الخير، وأنهم من أوليائه وصفوته، فيدخل فيه الثناء الحسن والرؤيا الصالحة، ويدخل فيه ما يشاهدونه من اللطف والتوفيق، والتيسير لليسرى، وتجنيبهم العسرى؛ لأن الله يقول: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى {5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى {6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}  . الليل: 5-7 ، و يقول: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً}  . الطلاق: 4 ، فإذا رأيت الأمور متيسرة لك ومسهلة، وأن الله يقدر لك الخير حتى وإن كنت لا تحتسبه، فهذه لا شك أنها بشرى، وإذا رأيت الأمر بالعكس فصحح مسارك فإن فيك بلاءً، والنعم ما تكون استدراكا إلا لمن أقام على معصية الله، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ}  . . . . الأعراف: 182 ، أما إذا كانت من المؤمن فليست استدراجا .
ومن ذلك: بل من ألطف من ذلك أنه يجعل الشدائد مبشرة بالفرج، والعسر مؤذناً باليسر، وإذا تأملت ما قصه عن أنبيائه وأصفيائه، وكيف لما اشتدت بهم الحال، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، {وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ}  . البقرة: 214 {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}  البقرة: 214 رأيت من ذلك العجب العجاب .
وقال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}  . الشرح:5، 6 وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً ) وأمثلة ذلك كثيرة، والله أعلم .
القاعدة السادسة عشرة
حذف جواب الشرط يدل على تعظيم الأمر وشدته في مقامات الوعيد
وذلك كقوله: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ}  السجدة: 12 {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ}  سبأ: 51 {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً}  البقرة: 165 {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ}  الأنعام: 30 {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} 
الأنعام: 27 . فحذْف الجواب في هذه الآيات وشبهها أولى من ذِكْره، ليدل على عظمة ذلك المقام، وأنه لهوله وشدته وفظاعته لا يعبَّر عنه بلفظ ولا يُدرك بالوصف، مثله قوله تعالى:
{كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ}  التكاثر:5 أي لما أقمتم على ما أنتم عليه من التفريط والغفلة واللهو
القاعدة السابعة عشرة :بعض الأسماء الواردة في القرآن إذا أفرد دل على المعنى المناسب له، وإذا قرن مع غيره دل على بعض المعنى، ودل ما قرن معه على باقيه، ولهذه القاعدة أمثلة كثيرة
منها: الإيمان، أُفرد وحده في آيات كثيرة، وقُرن مع العمل الصالح في آيات كثيرة .
فالآيات التي أُفرد فيها يدخل فيه جميع عقائد الدين وشرائعه الظاهرة والباطنة، ولهذا يرتب الله عليه حصول الثواب، والنجاة من العقاب، ولولا دخول المذكورات ما حصلت آثاره . وهو عند السلف: قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح .
والآيات التي قرن الإيمان فيها بالعمل الصالح: كقوله {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}  البقرة: 277 يُفسَّر الإيمان فيها بما في القلوب من المعارف والتصديق، والاعتقاد والإنابة . والعمل الصالح بجميع الشرائع القولية والفعلية .
وكذلك لفظ " البر والتقوى " فحيث أفرد البر دخل فيه امتثال الأوامر واجتناب النواهي، وكذلك إذا أفردت التقوى . ولهذا يرتب الله على البر وعلى التقوى عند الإطلاق: الثواب المطلق والنجاة المطلقة كما يرتبه على الإيمان .
وتارة يُفسِّر أعمال البر بما يتناول أفعال الخير وترك المعاصي، وكذلك في بعض الآيات تفسير خصال التقوى، كما في قوله: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ}  آل عمران: 133، 134 إلى آخر ما ذكره من الأوصاف التي تتم بها التقوى .
وإذا جمع بين البر والتقوى مثل قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}  المائدة: 2 كان
البر اسماً جامعاً لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة . وكانت التقوى اسماً جامعاً يتناول ترك جميع المحرمات .
وكذلك لفظ الإثم و العدوان إذا قرنا، فسر الإثم بالمعاصي التي بين العبد وبين ربه، والعدوان بالتجرىء على الناس في دمائهم وأعراضهم . وإذا أفرد الإثم دخل فيه كل المعاصي التي تُؤثِّم صاحبها، سواء كانت بينه وبين ربه أو بينه وبين الخلق، وكذلك إذا أفرد العدوان .
وكذلك لفظ العبادة والتوكل ولفظ العبادة والاستعانة إذا أفردت العبادة في القرآن تناولت جميع ما يحبه الله ويرضاه ظاهراً وباطناً، ومن أول وأهم ما يدخل فيها: التوكل والاستعانة . وإذا جُمع بينها وبين التوكل والاستعانة نحو {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} الفاتحة:5
{فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}  هود: 123 فسرت العبادة بجميع المأمورات الباطنة والظاهرة، وفسر التوكل باعتماد القلب على الله في حصولها وحصول جميع المنافع ودفع المضار ـ مع الثقة التامة بالله في حصولها وكذلك الفقير والمسكين إذا أُفرد أحدهما دخل فيه الآخر كما في أكثر الآيات، وإذا جمع بينهما كما في آية الصدقات وهي قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}  التوبة: 60 فسٍّر الفقير بمن اشتدت حاجته وكان لا يجد شيئاً، أو من يجد شيئاً لا يقع منه موقعاً، وفسر المسكين بمن حاجته دون ذلك .
ومثل ذلك الألفاظ الدالة على تلاوة الكتاب والتمسك به وهو اتباعه، ويشمل ذلك: القيامَ بالدين كله، فإذا قُرِنت معه الصلاة كما في قوله تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ}  العنكبوت: 45 وقوله {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ}  الأعراف: 170 كان ذكر الصلاة تعظيماً لها وتأكيداً لشأنها، وحثاً عليها، وإلا فهي داخلة في الاسم العام وهو التلاوة والتمسك به وما أشبه ذلك من الأسماء .
القاعدة الثامنة عشرة :إطلاق الهداية والإضلال وتقييدها
في كثير من الآيات يخبر الله بأنه يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، وفي بعضها يذكر مع ذلك الأسباب المتعلقة بالعبد، الموجبة للهداية أو الموجبة للإضلال، وكذلك حصول المغفرة وضدها، وبسط الرزق وتقديره، وذلك في آيات كثيرة، فحيث أخبر أنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ويغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء، ويرحم من يشاء، ويبسط الرزق لمن يشاء ويقدره على من يشاء .
يدل ذلك على كمال توحيده وانفراده بخلق الأشياء، وتدبير جميع الأمور، وأن خزائن الأشياء كلها بيده، يعطي ويمنع ويخفض ويرفع، فيقتضي مع ذلك من العباد أن يعترفوا بذلك، وأن يعلقوا أملهم ورجاءهم به وحده في حصول كل ما يحبون منها، ودفع كل ما يكرهون، وأن لا يسألوا أحداً غيره، كما في الحديث القدسي: ( يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم ) إلى آخره .
وفي بعض الآيات: يذكر فيها أسباب ذلك، ليعرف العباد الأسباب والطرق المفضية إليها، فيسلكوا النافع ويدعوا الضار، كقوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} الليل: الآيات من 5: 10  فبيَّن أن أسباب الهداية والتيسير إيمان العبد بحكمة ربه في سننه وخلقه وشرعه وأخذه بهذه السنن وانقياده لأمره الشرعي، وأن أسباب الضلال والتعسير ضد ذلك .
وكذلك قوله تعالى في صفة القرآن: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ}  المائدة: 16
{يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ}  البقرة: 26 وقوله: {فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}  الأعراف: 30 فأخبر أن الله يهدي بالقرآن من كان قصده حسناً، ومن رغب في الخير، واتبع رضوان الله، وأنه يضل من فسق عن سنن الله الحكيمة، وتمرد على الله، وتولى أعداءه من شياطين الإنس والجن، ورضي بولايتهم عن ولاية رب العالمين .
وكذلك قوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}  الصف: 5 وقوله: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ}  الأنعام: 110 .
وكذلك يذكر في بعض الآيات الأسبابَ التي تنال بها المغفرة والرحمة، والتي تحق بها كلمة العذاب، كقوله: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى}  طه:82
{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ}  الأعراف: من الآيات 156، 157 وقوله: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}  الأعراف: 56 وقوله: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}  آل عمران:133 ثم ذكر الأسبابَ التي تنال بها المغفرة والرحمة، وهي خصال التقوى المذكورة في هذه الآية وغيرها: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ}  البقرة: 218
{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}  الأعراف:204 وأعم من ذلك كله قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}  آل عمران:132 فطريق الرحمة والمغفرة سلوك طاعة الله ورسوله عموماً، وهذه الأسباب المذكورة خصوصاً .
وأخبر أن العذاب له أسباب متعددة، وكلها راجعة إلى شيئين: التكذيب لله ورسوله، والتولي عن طاعة الله ورسوله، كقوله تعالى: {لا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى * وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى}  الشمس من 18:15 وقوله: {إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى}  طه:48 .
وكذلك يذكر أسباب الرزق، وأنها لزوم طاعة الله ورسوله، والسعي الجميل في مناكب الأرض مع لزوم التقوى كقوله تعالى:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} الطلاق: من الآيات 2،3 وانتظار الفرج والرزق كقوله تعالى: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً}  الطلاق: 7 وكثرة الذكر والاستغفار: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ}  هود: 3 {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً}  نوح:10، 11 فأخبر أن الاستغفار سبب يُستجلب به مغفرة الله ورزقه وخيره، وضد ذلك سبب للفقر والتيسير للعسرى .
وأمثلة هذه القاعدة كثيرة وقد عرفت طريقها فالزمه .

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات89955 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات86964 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف