×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / التفسير / القواعد الحسان المتعلقة بتفسير القرآن / الدرس(10) القاعدة العشرون :القرآن كله محكم باعتبار، وكله متشابه باعتبار

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

القاعدة العشرون :القرآن كله محكم باعتبار، وكله متشابه باعتبار  وبعضه محكم وبعضه متشابه باعتبار ثالث وقد وصفه الله تعالى بكل واحدة من هذه الأوصاف الثلاث . فوصفه بأنه محكم في عدة آيات، وأنه: {أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} +++ هود: 1--- ومعنى ذلك أنه في غاية الإحكام ونهاية الانتظام، فأخباره كلها حق وصدق، لا تناقض فيها ولااختلاف، وأوامره كلها خير وبركة وصلاح، ونواهيه متعلقة بالشرور والأضرار والأخلاق الرذيلة والأعمال السيئة فهذا إحكامه . ووصفه بأنه متشابه في قوله من سورة الزمر: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها}  +++الزمر: 23--- أي: متشابها في الحسن والصدق والحق، ووروده بالمعاني النافعة المزكية للعقول، المطهرة للقلوب، المصلحة للأحوال، فألفاظه أحسن الألفاظ ومعانيه أحسن المعاني . ووصفه بأن{منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات}  +++آل عمران: 7--- فهنا وصفه بأن بعضه هكذا وبعضه هكذا، وأن أهل العلم بالكتاب يردون المتشابه منه إلى المحكم، فيصير كله محكما ويقولون: {كل من عند ربنا}  +++آل عمران: 7--- أي: وما كان من عنده فلا تناقض فيه، فما اشتبه منه في موضع، فسره الموضع الآخر المحكم، فحصل العلم وزال الإشكال . ولهذا النوع أمثلة؛ منها: ما تقدم من الإخبار بأنه على كل شيء قدير، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء . فإذا اشتبهت على من ظن به خلاف الحكمة، وأن هدايته وإضلاله يكون جزافا لغير سبب وضحت هذا الإطلاق الآيات الأخر الدالة على أن هدايته لها أسباب، يفعلها العبد ويتصف بها مثل قوله في سورة المائدة: {يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام}  +++المائدة: 16--- وأن إضلاله لعبده له أسباب من العبد، وهو توليه للشيطان، قال في سورة الأعراف: {فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله}  +++الأعراف: 30--- وفي سورة الصف: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم}  +++الصف: 5--- . وإذا اشتبهت آيات على الجبري الذي يرى أن أفعال العباد مجبورون عليها، بينتها الآيات الأخر الكثيرة الدالة على أن الله لم يجبر العباد، وأن أعمالهم واقعة باختيارهم وقدرتهم، وأضافها إليهم في آيات غير منحصرة . كما أن هذه الآيات التي أضاف الله فيها الأعمال إلى العباد حسنها وسيئها، إذا اشتبهت على القدرية النفاة، فظنوا أنها منقطعة عن قضاء الله وقدره، وأن الله ما شاءها منهم ولا قدرها، تليت عليهم الآيات الكثيرة الصريحة بتناول قدرة الله لكل شيء من الأعيان والأعمال والأوصاف، وأن الله خالق كل شيء . ومن ذلك: أعمال العباد، وأن العباد لا يشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين . وقيل للطائفتين: إن الآيات والنصوص كلها حق، ويجب على كل مسلم تصديقها والإيمان بها كلها، وأنها لا تتنافى، فهي واقعة منهم وبقدرتهم وإرادتهم، والله تعالى خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم . وما أجمل في بعض الآيات فسرته آيات أخر، وما لم يتوضح في موضع توضح في موضع آخر، وما كان معروفا بين الناس وورد فيه القرآن أمرا أو ناهيا، كالصلاة والزكاة والزنا والظلم، ولم يفصله فليس مجملا، لأنه أرشدهم إلى ما كانوا يعرفون، وأحالهم على ما كانوا به متلبسين، فليس فيه إشكال بوجه والله أعلم . القاعدة الحادية والعشرون :القرآن يجري في إرشاداته مع الزمان والأحوال في أحكامه الراجعة للعرف والعوائد وهذه قاعدة جليلة المقدار، عظيمة النفع، فإن الله أمر عباده بالمعروف، وهو ما عرف حسنه شرعا وعقلا وعرفا، ونهاهم عن المنكر، وهو ماظهر قبحه شرعا وعقلا وعرفا . وأمر المؤمنين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووصفهم بذلك . فما كان من المعروف لا يتغير في الأحوال والأوقات كالصلاة والزكاة، والصوم والحج، وغيرها من الشرائع الراتبة، فإنه أمر به: كل في وقت . والواجب على الآخرين نظير الواجب على الأولين من هذه الأمة . وما كان من المنكر لا يتغير كذلك بتغير الأوقات كالشرك والقتل بغير حق، والزنا وشرب الخمر ونحوها ثبتت أحكامه في كل زمان ومكان لا يتغير ولا يختلف حكمه . وما كان يختلف باختلاف الأمكنة والأزمة والأحوال، فهو المراد ههنا . فإن الله تعالى يردهم فيه إلى العرف والعادة والمصلحة المتعينة في ذلك الوقت . وذلك أنه أمر بالإحسان إلى الوالدين بالأقوال والأفعال، ولم يعين لعباده نوعا خاصا من الإحسان والبر، ليعم كل ما تجدد من الأوصاف والأحوال، فقد يكون الإحسان إليهم في وقت غير الإحسان في الوقت الآخر، وفي حق شخص دون حق الشخص الآخر . فالواجب الذي أوجبه الله: النظر في الإحسان المعروف في وقتك ومكانك، في حق والديك . ومثل ذلك: ما أمر به من الإحسان إلى الأقارب والجيران والأصحاب ونحوهم، فإن ذلك راجع في نوعه وجنسه وأفراده إلى ما يتعارفه الناس إحسانا . وكذلك ضده من العقوق والإساءة، ينظر فيه إلى العرف وكذلك قوله تعالى في سورة النساء {وعاشروهن بالمعروف}  +++النساء: 19--- وفي سورة البقرة {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}  +++البقرة: 228---، فرد الله الزوجين في عشرتهما وأداء حق كل منهما على الآخر على المعروف المتعارف عند الناس في قطرك، وبلدك وحالك . وذلك يختلف اختلافا عظيما، لا يمكن إحصاؤه عدا . فدخل ذلك كله في هذه النصوص المختصرة، وهذا من آيات القرآن وبراهين صدقه . وقال تعالى في سورة الأعراف {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا}  +++الأعراف: 31--- {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا}  +++الأعراف: 26--- فقد أباح لعباده الأكل والشرب واللباس، ولم يعين شيئا من الطعام والشراب واللباس، وهو يعلم أن هذه الأمور تختلف باختلاف الأحوال، فيتعلق بها أمره حيث كانت، ولا ينظر إلى ما كان موجودا منها وقت نزول القرآن فقط . وكذلك قوله في سورة الأنفال: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}  +++الأنفال: 60--- ومن المعلوم: أن السلاح والقوة الموجودة وقت نزول القرآن غير نوع القوة التي وجدت بعد ذلك . فهذا النص يتناول كل ما يستطاع من القوة في كل وقت وبما يناسبه ويليق به . وكذلك لما قال تعالى في سورة النساء: {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}  +++النساء: 29--- لم يعين لنا نوعا من التجارة ولا جنسا، ولم يحدد لنا ألفاظا يحصل بها الرضى، وهذا يدل على أن الله أباح كل ما عد تجارة ما لم ينه عنه الشارع، وأن ما حصل به الرضى من الأقوال والأفعال انعقدت به التجارة، فما حقق الرضى من قول أو فعل، انعقدت به المعاوضات والتبرعات . وفي القرآن من هذا النوع شيء كثير . القاعدة الثانية والعشرون في مقاصد أمثلة القرآن اعلم أن القرآن الكريم احتوى على أعلى وأكمل وأنفع المواضيع التي يحتاج الخلق إليها في جميع الأنواع، فقد احتوى على أحسن طرق التعليم، وإيصال المعاني إلى القلوب بأيسر شيء وأوضحه . فمن أنواع تعاليمه العالية: ضرب الأمثال، وهذا النوع يذكره الباري سبحانه في الأمور المهمة، كالتوحيد وحال الموحد والشرك وحال أهله، والأعمال العامة الجليلة . ويقصد بذلك كله توضيح المعاني النافعة، وتمثيلها بالأمور المحسوسة، ليصير القلب كأنه يشاهد معانيها رأي العين . وهذا من عناية الباري بعباده ولطفه . فقد مثل الله الوحي والعلم الذي أنزله على رسوله في عدة آيات بالغيث والمطر النازل من السماء، وقلوب الناس بالأراضي والأودية، وإن عمل الوحي والعلم في القلوب كعمل الغيث والمطر في الأرض، فمنها: أراض طيبة تقبل الماء وتنبت الكلأ والعشب الكثير . كمثل القلوب الفاهمة التي تفهم عن الله ورسوله وحيه وكلامه، وتعقله، وتعمل به علما وتعليما بحسب حالها . كالأراضي بحسب حالها . ومنها أراض تمسك الماء ولا تنبت الكلأ، فينتفع الناس بالماء الذي تمسكه فيشربون ويسقون مواشيهم وأراضهم، كالقلوب التي تحفظ الوحي من القرآن والسنة وتلقيه إلى الأمة ولكن ليس عندها من الدراية والمعرفة بمعانيه ما عند الأولين وهؤلاء على خير ولكنهم دون أولئك . ومنها: أراض لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، كمثل القلوب التي لا تنتفع بالوحي لا علما ولا حفظا ولا عملا . ومناسبة الأراضي للقلوب كما ترى في الظهور . وأما مناسبة تشبيهه الوحي بالغيث لأن الغيث فيه حياة الأرض والعباد وأرزاقهم الحسية، والوحي فيه حياة القلوب والأرواح ومادة أرزاقهم المعنوية . وكذلك مثل الله كلمة التوحيد بالشجرة الطيبة التي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها . فكذلك شجرة التوحيد ثابتة بقلب صاحبها معرفة وتصديقا وإيمانا وإرادة لموجبها، وتؤتي أكلها وهو منافعها كل وقت من النيات الطيبة والأخلاق الزكية، والأعمال الصالحة والهدي المستقيم، ونفع صاحبها وانتفاع الناس به . وهي صاعدة إلى السماء لإخلاص صاحبها وعلمه ويقينه . ومثل الله الشرك والمشرك الذي اتخذ مع الله إلها يتعزز به، ويزعم أنه سينال منه النفع، ودفع الضرر كالعنكبوت اتخذت بيتا وهو أوهن البيوت وأوهاها، فما ازدادت باتخاذه إلا ضعفا إلى ضعفها . كذلك المشرك ما ازداد باتخاذه وليا ونصيرا من دون الله إلا ضعفا، لأن قلبه انقطع عن الله، ومن انقطع قلبه عن الله حله الضعف من كل وجه . وتعلقه بالمخلوق زاده وهنا إلى وهنه، فإنه اتكل عليه وظن منه حصول المنافع، فخاب ظنه وانقطع أمله، وأما المؤمن فإنه قوي بقوة إيمانه بالله وتوحيده وتعلقه بالله وحده، الذي بيده الأمر والنفع ودفع الضرر، وهو المتصرف في أحواله كلها، كالعبد الذي استقام على صراط مستقيم في أقواله وأفعاله، منطلق الإرادة تحررعن رق المخلوقين، غير مقيد لهم بوجه من الوجوه، بخلاف المشرك فإنه كالعبد الأصم الأبكم الذي هو كل وعالة على مولاه، أينما يوجهه لا يأت بخير، لأن قلبه متقيد للمخلوقين مسترق لهم، ليس له انطلاق ولا تصرف في الخير ولا شعور به . ومثله أيضا كالذي خر من السماء فتخطفته الطيور ومزقته كل ممزق . وهؤلاء الذين زعموا أنهم آلهة ينفعون ويدعون لو اجتمعوا كلهم على خلق أضعف المخلوقات، وهو الذباب لم يقدروا باجتماعهم على خلقه، فكيف ببعضهم!! فكيف بفرد من مئات الألوف منهم!! وأبلغ من ذلك أن الذباب لو يسلبهم شيئا لا يقدروا على استخلاصه منه ورده، فهل فوق هذا الضعف ضعف؟ وهل أعظم من هذا الغرور الذي وقع فيه المشرك شئ؟ وهو مع هذا الغرور وهذا الوهن والضعف متقسم قلبه بين عدة آلهة، كالعبد بين الشركاء المتشاكسين، لا يتمكن من إرضاء أحدهم دون الآخر . فهو معهم في شر دائم وشقاء متراكم . فلو استحضر المشرك بعض هذه الأحوال الوخيمة لربأ بنفسه عما هو عليه، ولعلم أنه قد أضاع عقله ورأيه بعدما أضاع دينه . وأما الموحد فإنه خالص لربه، ولا يعبد إلا خالقه وبارئه ولا يرجو غيره ولا يخشى سواه، وقد اطمأن قلبه واستراح، وعلم أن الدين هو الحق وأن عاقبته أحمد العواقب، ومآله الخير والفلاح والسعادة الأبدية، فهو في حياة طيبة، ويطمع في حياة أطيب منها . ومثل الله الأعمال بالبساتين، فذكر العمل الكامل الخالص له الذي لم يعرض له ما يفسده كبستان في أحسن المواضع وأعلاها، تنتابه الرياح النافعة، وقد ضحى وبرز للشمس، وفي خلاله الأنهار الجارية المتدفقة، فإن لم تكن غزيرة فإنها كافية له كالطل الذي ينزل من السماء، ومع ذلك فأرضه أطيب الأراضي وأزكاها . فمع توفر هذه الشروط لا تسأل عما هو عليه من زهاء الأشجار وطيب الظلال ووفور الثمار، فصاحبه في نعيم ورغد متواصل، وهو آمن من انقطاعه وتلفه، فإن كان هذا البستان لإنسان قد كبر وضعف من العمل، وعنده عائلة ضعاف لا مساعدة منهم ولا كفاءة، وقد اغتبط به حيث كان مادته ومادة عائلته، ثم إنه جاءته آفة وإعصار أحرقه وأتلفه عن آخرهم . فكيف تكون حسرة هذا المغرور‍‍؟ وكيف تكون مصيبته؟ وهذا هو الذي جاء بعد العمل بما يبطل عمله الصالح من الشرك أو النفاق أو المعاصي المحرقة . فيا ويحه، بعد ما كان بستانه زاكيا أصبح تالفا قد أيس من عوده وبقي بحسرته مع عائلته . فهذا من أحسن الأمثال وأنسبها . فقد ذكر الله صفة بستان من ثبته الله على الإيمان، والعمل الصالح . و بستان من أبطل عمله بما ينافيه ويضاده، ويؤخذ من ذلك أن الذي لم يوفق للإيمان ولا للعمل أصلا أنه ليس له بستان أصلا . ووجه تشبيه الأعمال بالبساتين: أن البساتين تمدها المياه وطيب المحل وحسن الموقع، فكذلك الأعمال يمدها الوحي النازل من حياة القلوب الطيبة . وقد جمع العامل جميع شروط قبول العمل من الاجتهاد والإخلاص والمتابعة، فأثمر عمله كل زوج بهيج . وقد مثل الله عمل الكافر بالسراب الذي يحسبه الظمآن ماء، فيأتيه وقد اشتد به الظمأ، وأنهكه الإعياء، فيجده سرابا . ومثله برماد الشيء المحترق، فجاءته الرياح فذرته فلم تبق منه باقية . وهذا مناسب لحال الكافر وبطلان عمله، فإن كفره ومعاصيه بمنزلة النار المحرقة، وعمله بمنزلة الرماد والسراب الذي لا حقيقة له، وهو كان يعتقده نافعا له، فإذا وصله ولم يجده شيئا تقطعت نفسه حسرات، ووجد الله عنده فوفاه حسابه . كما مثل نفقات المخلصين بذلك البستان الذكي الزاهي . ومثل نفقات المرائين بحجر أملس عليه شيء من تراب، فأصابه مطر شديد فتركه صلدا لا شيء عليه، لأن قلب المرائي لا إيمان فيه ولا تصديق ولا إخلاص، فهو قاس كالحجر، فنفقته حيث لم تصدر عن إيمان، بل عن رياء وسمعة لم تؤثر في قلبه حياة ولا زكاة . كهذا المطر الذي لم يؤثر في هذا الحجر الأملس شيئا . وهذه الأمثال إذا طبقت على ممثلاتها وضحتها وبينتها وبينت مراتبها من الخير والشر والكمال والنقصان . ومثل الله حال المنافقين بحال من هو في ظلمة، فاستوقد نارا من غيره، ثم لما أضاءت ما حوله، وتبين له الطريق، ذهب نورهم وانطفأ ضوءهم، فبقوا في ظلمة عظيمة أعظم من الظلمة التي كان عليها أولا . وهكذا المنافق استنار بنور الإيمان، فلما تبين له الهدى غلبت عليه الشقوة، واستولت عليه الحيرة، فذهب عنه نوره أحوج ما هو إليه، وبقي في ظلمة متحيرا . فهم لا يرجعون لأن سنة الله في عباده أن من بان له الهدى، واتضح له الحق ثم رجع عنه أنه لا يوفقه بعد ذلك للهداية، لأنه رأى الحق فتركه، وعرف الضلال فاتبعه . وهذا المثل ينطبق على المنافقين الذين تبصروا وعرفوا، ثم غلبت عليهم الأعراض الضارة فتركوا الإيمان . والمثال الثاني وهو قوله: {أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين}  +++البقرة:19--- ينطبق على المنافقين الضالين المتحيرين الذين يسمعون القرآن ولم يعرفوا المراد منه، لأنهم أعرضوا عنه، وكرهوا سماعه اتباعا لرؤسائهم وسادتهم . ومثل الله الحياة الدنيا وزهرتها والاغترار بها بحالة زهرة الربيع، تعجب الناظرين، وتغر الجاهلين، ويظنون بقاءها، ولا يؤمنون زوالها، فلهوا بها عما خلقوا له، فأصبحت عنهم زائلة وأضحوا لنعيمها مفارقين في أسرع وقت كهذا الربيع إذا أصبح بعد الاخضرار هشيما، وبعد الحياة يبسا رميما . وهذا الوصف قد شاهده الخلق واعترف به البر والفاجر، ولكن سكر الشهوات وضعف داعي الإيمان اقتضى إيثار العاجل على الآجل .

المشاهدات:2832
القاعدة العشرون :القرآن كله محكم باعتبار، وكله متشابه باعتبار 
وبعضه محكم وبعضه متشابه باعتبار ثالث وقد وصفه الله تعالى بكل واحدة من هذه الأوصاف الثلاث .
فوصفه بأنه محكم في عدة آيات، وأنه: {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} هود: 1 ومعنى ذلك أنه في غاية الإحكام ونهاية الانتظام، فأخباره كلها حق وصدق، لا تناقض فيها ولااختلاف، وأوامره كلها خير وبركة وصلاح، ونواهيه متعلقة بالشرور والأضرار والأخلاق الرذيلة والأعمال السيئة فهذا إحكامه .
ووصفه بأنه متشابه في قوله من سورة الزمر: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً}  الزمر: 23 أي: متشابها في الحسن والصدق والحق، ووروده بالمعاني النافعة المزكية للعقول، المطهرة للقلوب، المُصلحة للأحوال، فألفاظه أحسن الألفاظ ومعانيه أحسن المعاني .
ووصفه بأن{مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}  آل عمران: 7 فهنا وصفه بأن بعضه هكذا وبعضه هكذا، وأن أهل العلم بالكتاب يردون المتشابه منه إلى المحكم، فيصير كله محكماً ويقولون: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}  آل عمران: 7 أي: وما كان من عنده فلا تناقض فيه، فما اشتبه منه في موضع، فسره الموضع الآخر المحكم، فحصل العلم وزال الإشكال .
ولهذا النوع أمثلة؛ منها: ما تقدم من الإخبار بأنه على كل شيء قدير، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء .
فإذا اشتبهت على من ظن به خلاف الحكمة، وأن هدايته وإضلاله يكون جزافاً لغير سبب وضحت هذا الإطلاق الآيات الأخر الدالة على أن هدايته لها أسباب، يفعلها العبد ويتصف بها مثل قوله في سورة المائدة: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلام}  المائدة: 16 وأن إضلاله لعبده له أسباب من العبد، وهو توليه للشيطان، قال في سورة الأعراف: {فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إنهم اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّه}  الأعراف: 30 وفي سورة الصف: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}  الصف: 5 .
وإذا اشتبهت آيات على الجبري الذي يرى أن أفعال العباد مجبورون عليها، بينتها الآيات الأخر الكثيرة الدالة على أن الله لم يجبر العباد، وأن أعمالهم واقعة باختيارهم وقدرتهم، وأضافها إليهم في آيات غير منحصرة .
كما أن هذه الآيات التي أضاف الله فيها الأعمال إلى العباد حسنها وسيئها، إذا اشتبهت على القدرية النفاة، فظنوا أنها منقطعة عن قضاء الله وقدره، وأن الله ما شاءها منهم ولا قدرها، تليت عليهم الآيات الكثيرة الصريحة بتناول قدرة الله لكل شيء من الأعيان والأعمال والأوصاف، وأن الله خالق كل شيء .
ومن ذلك: أعمال العباد، وأن العباد لا يشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين .
وقيل للطائفتين: إن الآيات والنصوص كلها حق، ويجب على كل مسلم تصديقها والإيمان بها كلها، وأنها لا تتنافى، فهي واقعة منهم وبقدرتهم وإرادتهم، والله تعالى خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم .
وما أُجْمِلَ في بعض الآيات فسرته آيات أخر، وما لم يتوضح في موضع توضح في موضع آخر، وما كان معروفاً بين الناس وورد فيه القرآن أمراً أو ناهياً، كالصلاة والزكاة والزنا والظلم، ولم يفصله فليس مجملاً، لأنه أرشدهم إلى ما كانوا يعرفون، وأحالهم على ما كانوا به متلبسين، فليس فيه إشكال بوجه والله أعلم .
القاعدة الحادية والعشرون :القرآن يجري في إرشاداته مع الزمان والأحوال
في أحكامه الراجعة للعرف والعوائد
وهذه قاعدة جليلة المقدار، عظيمة النفع، فإن الله أمر عباده بالمعروف، وهو ما عرف حسنه شرعاً وعقلاً وعرفاً، ونهاهم عن المنكر، وهو ماظهر قبحه شرعا وعقلا وعرفا .
وأمر المؤمنين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووصفهم بذلك .
فما كان من المعروف لا يتغير في الأحوال والأوقات كالصلاة والزكاة، والصوم والحج، وغيرها من الشرائع الراتبة، فإنه أمر به: كلٌ في وقت . والواجب على الآخِرِين نظير الواجب على الأولين من هذه الأمة . وما كان من المنكر لا يتغير كذلك بتغير الأوقات كالشرك والقتل بغير حق، والزنا وشرب الخمر ونحوها ثبتت أحكامه في كل زمان ومكان لا يتغير ولا يختلف حكمه .
وما كان يختلف باختلاف الأمكنة والأزمة والأحوال، فهو المراد ههنا .
فإن الله تعالى يردهم فيه إلى العرف والعادة والمصلحة المتعينة في ذلك الوقت .
وذلك أنه أمر بالإحسان إلى الوالدين بالأقوال والأفعال، ولم يعين لعباده نوعاً خاصاً من الإحسان والبر، ليعم كل ما تجدد من الأوصاف والأحوال، فقد يكون الإحسان إليهم في وقت غير الإحسان في الوقت الآخر، وفي حق شخص دون حق الشخص الآخر .
فالواجب الذي أوجبه الله: النظر في الإحسان المعروف في وقتك ومكانك، في حق والديك .
ومثل ذلك: ما أمر به من الإحسان إلى الأقارب والجيران والأصحاب ونحوهم، فإن ذلك راجع في نوعه وجنسه وأفراده إلى ما يتعارفه الناس إحساناً .
وكذلك ضده من العقوق والإساءة، ينظر فيه إلى العرف وكذلك قوله تعالى في سورة النساء
{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}  النساء: 19 وفي سورة البقرة {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}  البقرة: 228، فرد الله الزوجين في عشرتهما وأداء حق كل منهما على الآخر على المعروف المتعارف عند الناس في قطرك، وبلدك وحالك .
وذلك يختلف اختلافاً عظيماً، لا يمكن إحصاؤه عداً .
فدخل ذلك كله في هذه النصوص المختصرة، وهذا من آيات القرآن وبراهين صدقه .
وقال تعالى في سورة الأعراف {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا}  الأعراف: 31 {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً}  الأعراف: 26 فقد أباح لعباده الأكل والشرب واللباس، ولم يعين شيئاً من الطعام والشراب واللباس، وهو يعلم أن هذه الأمور تختلف باختلاف الأحوال، فيتعلق بها أمره حيث كانت، ولا ينظر إلى ما كان موجوداً منها وقت نزول القرآن فقط .
وكذلك قوله في سورة الأنفال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}  الأنفال: 60 ومن المعلوم: أن السلاح والقوة الموجودة وقت نزول القرآن غير نوع القوة التي وجدت بعد ذلك .
فهذا النص يتناول كل ما يستطاع من القوة في كل وقت وبما يناسبه ويليق به .
وكذلك لما قال تعالى في سورة النساء: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}  النساء: 29 لم يعين لنا نوعاً من التجارة ولا جنساً، ولم يحدد لنا ألفاظاً يحصل بها الرضى، وهذا يدل على أن الله أباح كل ما عد تجارة ما لم ينه عنه الشارع، وأن ما حصل به الرضى من الأقوال والأفعال انعقدت به التجارة، فما حقق الرضى من قول أو فعل، انعقدت به المعاوضات والتبرعات .
وفي القرآن من هذا النوع شيء كثير .
القاعدة الثانية والعشرون
في مقاصد أمثلة القرآن
اعلم أن القرآن الكريم احتوى على أعلى وأكمل وأنفع المواضيع التي يحتاج الخلق إليها في جميع الأنواع، فقد احتوى على أحسن طرق التعليم، وإيصال المعاني إلى القلوب بأيسر شيء وأوضحه .
فمن أنواع تعاليمه العالية: ضرب الأمثال، وهذا النوع يذكره الباري سبحانه في الأمور المهمة، كالتوحيد وحال الموحد والشرك وحال أهله، والأعمال العامة الجليلة . ويقصد بذلك كله توضيح المعاني النافعة، وتمثيلها بالأمور المحسوسة، ليصير القلب كأنه يشاهد معانيها رأي العين . وهذا من عناية الباري بعباده ولطفه .
فقد مثّل الله الوحي والعلم الذي أنزله على رسوله في عدة آيات بالغيث والمطر النازل من السماء، وقلوب الناس بالأراضي والأودية، وإن عمل الوحي والعلم في القلوب كعمل الغيث والمطر في الأرض، فمنها: أراضٍ طيبة تقبل الماء وتنبت الكلأ والعشب الكثير . كمثل القلوب الفاهمة التي تفهم عن الله ورسوله وحيه وكلامه، وتعقله، وتعمل به علماً وتعليماً بحسب حالها . كالأراضي بحسب حالها . ومنها أراض تمسك الماء ولا تنبت الكلأ، فينتفع الناس بالماء الذي تمسكه فيشربون ويسقون مواشيهم وأراضهم، كالقلوب التي تحفظ الوحي من القرآن والسنة وتلقيه إلى الأمة ولكن ليس عندها من الدراية والمعرفة بمعانيه ما عند الأولين وهؤلاء على خير ولكنهم دون أولئك .
ومنها: أراض لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، كمثل القلوب التي لا تنتفع بالوحي لا علما ولا حفظا ولا عملا .
ومناسبة الأراضي للقلوب كما ترى في الظهور . وأما مناسبة تشبيهه الوحي بالغيث لأن الغيث فيه حياة الأرض والعباد وأرزاقهم الحسية، والوحي فيه حياة القلوب والأرواح ومادة أرزاقهم المعنوية .
وكذلك مثّل الله كلمة التوحيد بالشجرة الطيبة التي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها . فكذلك شجرة التوحيد ثابتة بقلب صاحبها معرفة وتصديقا وإيمانا وإرادة لموجبها، وتؤتي أكلها وهو منافعها كل وقت من النيات الطيبة والأخلاق الزكية، والأعمال الصالحة والهدْي المستقيم، ونفع صاحبها وانتفاع الناس به . وهي صاعدة إلى السماء لإخلاص صاحبها وعلمه ويقينه .
ومثّل الله الشرك والمشرك الذي اتخذ مع الله إلهاً يتعزز به، ويزعم أنه سينال منه النفع، ودفع الضرر كالعنكبوت اتخذت بيتاً وهو أوهن البيوت وأوهاها، فما ازدادت باتخاذه إلا ضعفا إلى ضعفها . كذلك المشرك ما ازداد باتخاذه ولياً ونصيراً من دون الله إلا ضعفاً، لأن قلبه انقطع عن الله، ومن انقطع قلبه عن الله حلّه الضعف من كل وجه . وتعلقه بالمخلوق زاده وهناً إلى وهنه، فإنه اتكل عليه وظن منه حصول المنافع، فخاب ظنه وانقطع أمله، وأما المؤمن فإنه قوي بقوة إيمانه بالله وتوحيده وتعلقه بالله وحده، الذي بيده الأمر والنفع ودفع الضرر، وهو المتصرف في أحواله كلها، كالعبد الذي استقام على صراط مستقيم في أقواله وأفعاله، منطلق الإرادة تحررعن رق المخلوقين، غير مقيد لهم بوجه من الوجوه، بخلاف المشرك فإنه كالعبد الأصم الأبكم الذي هو كَلٌّ وعالة على مولاه، أينما يوجهه لا يأت بخير، لأن قلبه متقيد للمخلوقين مُسْتَرق لهم، ليس له انطلاق ولا تصرف في الخير ولا شعور به .
ومثله أيضاً كالذي خر من السماء فتخطفته الطيور ومزقته كل ممزق .
وهؤلاء الذين زعموا أنهم آلهة ينفعون ويدعون لو اجتمعوا كلهم على خلق أضعف المخلوقات، وهو الذباب لم يقدروا باجتماعهم على خلقه، فكيف ببعضهم!! فكيف بفرد من مئات الألوف منهم!! وأبلغ من ذلك أن الذباب لو يسلبهم شيئاً لا يقدروا على استخلاصه منه ورده، فهل فوق هذا الضعف ضعف؟ وهل أعظم من هذا الغرور الذي وقع فيه المشرك شئ؟ وهو مع هذا الغرور وهذا الوهن والضعف متقسِّم قلبه بين عدة آلهة، كالعبد بين الشركاء المتشاكسين، لا يتمكن من إرضاء أحدهم دون الآخر . فهو معهم في شر دائم وشقاء متراكم . فلو استحضر المشرك بعض هذه الأحوال الوخيمة لربأ بنفسه عما هو عليه، ولعلم أنه قد أضاع عقله ورأيه بعدما أضاع دينه . وأما الموحد فإنه خالص لربه، ولا يعبد إلا خالقه وبارئه ولا يرجو غيره ولا يخشى سواه، وقد اطمأن قلبه واستراح، وعلم أن الدين هو الحق وأن عاقبته أحمد العواقب، ومآله الخير والفلاح والسعادة الأبدية، فهو في حياة طيبة، ويطمع في حياة أطيب منها .
ومثَّل الله الأعمال بالبساتين، فذكر العمل الكامل الخالص له الذي لم يعرض له ما يفسده كبستان في أحسن المواضع وأعلاها، تنتابه الرياح النافعة، وقد ضَحَى وبرز للشمس، وفي خلاله الأنهار الجارية المتدفقة، فإن لم تكن غزيرةً فإنها كافيةٌ له كالطل الذي ينزل من السماء، ومع ذلك فأرضُه أطيب الأراضي وأزكاها . فمع توفر هذه الشروط لا تسأل عما هو عليه من زَهاءِ الأشجار وطيب الظلال ووفور الثمار، فصاحبه في نعيم ورغد متواصل، وهو آمن من انقطاعه وتلفه، فإن كان هذا البستان لإنسان قد كبر وضعف من العمل، وعنده عائلة ضعاف لا مساعدة منهم ولا كفاءة، وقد اغتبط به حيث كان مادته ومادة عائلته، ثم إنه جاءته آفة وإعصار أحرقه وأتلفه عن آخرهم . فكيف تكون حسرة هذا المغرور‍‍؟ وكيف تكون مصيبته؟ وهذا هو الذي جاء بعد العمل بما يبطل عمله الصالح من الشرك أو النفاق أو المعاصي المحرقة . فيا ويحه، بعد ما كان بستانه زاكيا أصبح تالفا قد أيس من عوده وبقي بحسرته مع عائلته .
فهذا من أحسن الأمثال وأنسبها . فقد ذكر الله صفة بستان من ثبته الله على الإيمان، والعمل الصالح . و بستان من أبطل عمله بما ينافيه ويضاده، ويؤخذ من ذلك أن الذي لم يوفق للإيمان ولا للعمل أصلا أنه ليس له بستان أصلاً .
ووجه تشبيه الأعمال بالبساتين: أن البساتين تمدها المياه وطيب المحل وحسن الموقع، فكذلك الأعمال يمدها الوحي النازل من حياة القلوب الطيبة . وقد جمع العامل جميع شروط قبول العمل من الاجتهاد والإخلاص والمتابعة، فأثمر عملُه كل زوج بهيج .
وقد مثّل الله عمل الكافر بالسراب الذي يحسبه الظمآن ماء، فيأتيه وقد اشتد به الظمأ، وأنهكه الإعياء، فيجده سراباً .
ومثّله برماد الشيء المحترق، فجاءته الرياح فذرته فلم تبق منه باقية . وهذا مناسب لحال الكافر وبطلان عمله، فإن كفره ومعاصيه بمنزلة النار المحرقة، وعمله بمنزلة الرماد والسراب الذي لا حقيقة له، وهو كان يعتقده نافعا له، فإذا وصله ولم يجده شيئا تقطعت نفسه حسرات، ووجد الله عنده فوفاه حسابه .
كما مثّل نفقات المخلصين بذلك البستان الذكي الزاهي .
ومثّل نفقات المرائين بحجر أمْلسَ عليه شيء من تراب، فأصابه مطر شديد فتركه صلداً لا شيء عليه، لأن قلب المرائي لا إيمان فيه ولا تصديق ولا إخلاص، فهو قاس كالحجر، فنفقته حيث لم تصدر عن إيمان، بل عن رياء وسمعة لم تؤثر في قلبه حياةً ولا زكاةً . كهذا المطر الذي لم يؤثر في هذا الحجر الأملس شيئاً .
وهذه الأمثال إذا طبقت على مُمَثَّلاتها وضَّحتها وبينتها وبينت مراتبها من الخير والشر والكمال والنقصان .
ومثّل الله حال المنافقين بحال من هو في ظلمة، فاستوقد ناراً من غيره، ثم لما أضاءت ما حوله، وتبين له الطريق، ذهب نورهم وانطفأ ضوءهم، فبقوا في ظلمة عظيمة أعظمَ من الظلمة التي كان عليها أولاً . وهكذا المنافق استنار بنور الإيمان، فلما تبين له الهدى غلبت عليه الشقوة، واستولت عليه الحيرة، فذهب عنه نوره أحوج ما هو إليه، وبقي في ظلمة متحيراً . فهم لا يرجعون لأن سنة الله في عباده أن من بان له الهدى، واتضح له الحق ثم رجع عنه أنه لا يوفقه بعد ذلك للهداية، لأنه رأى الحق فتركه، وعرف الضلال فاتبعه .
وهذا المثل ينطبق على المنافقين الذين تبصروا وعرفوا، ثم غلبت عليهم الأعراض الضارة فتركوا الإيمان .
والمثال الثاني وهو قوله: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانهم مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ}  البقرة:19 ينطبق على المنافقين الضالين المتحيرين الذين يسمعون القرآن ولم يعرفوا المراد منه، لأنهم أعرضوا عنه، وكرهوا سماعه اتباعاً لرؤسائهم وسادتهم .
ومثّل الله الحياة الدنيا وزهرتها والاغترار بها بحالة زهرة الربيع، تعجب الناظرين، وتغر الجاهلين، ويظنون بقاءها، ولا يؤَمِّنون زوالها، فَلَهَوا بها عما خلقوا له، فأصبحت عنهم زائلة وأضحوا لنعيمها مفارقين في أسرع وقت كهذا الربيع إذا أصبح بعد الاخضرار هشيماً، وبعد الحياة يبساً رميماً .
وهذا الوصف قد شاهده الخلق واعترف به البر والفاجر، ولكن سكر الشهوات وضعف داعي الإيمان اقتضى إيثار العاجل على الآجل .

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات89966 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات86964 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف