×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (132) حول التوكل على الله وبيان ثمراته

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:2827

المقدم: فضيلة الشيخ الدكتور خالد السلام عليكم وأهلا وسهلا بك معنا في بداية هذه الحلقة.
الشيخ:- عليكم السلام ورحمة الله وبركاته،مرحبا بك حياك الله وحيا الله الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المقدم:- حياكم الله مستمعينا الكرام سيكون حديثنا -بمشيئة الله تعالى- في هذه الحلقة حول التوكل على الله، وحول هذا المعنى العظيم، وحول هذه العبادة القلبية نتحدث بمشيئة الله، عن أمور عدة تتعلق بالتوكل على الله –تبارك وتعالى-، يمكنكم أن تشاركونا مستمعينا الكرام حول هذا الموضوع على هاتفي البرنامج على الرقمين 0126477117 أو على طريق الهاتف الآخر على الرقم 0126493028 أيضًا يمكنكم أن تشاركونا برسالة نصية عبر تطبيق الواتس أب، سنقرؤها -بمشيئة الله تعالى- على الرقم 0500422121

فضيلة الشيخ -بمشيئة الله- سيكون حديثنا في هذه الحلقة حول معاني التوكل على الله –تبارك وتعالى-، وتفويض الأمور إليه والاستعانة به، وسنتحدث عن بعض مسائل ومعاني التوكل على الله تبارك وتعالى.

 ابتداء فضيلة الشيخ نريد أن نتحدث حول مفهوم وحقيقة التوكل هذه العبادة القلبية.
الشيخ:- الحمد لله رب العالمين، وأصلى وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين أما بعد..
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية لك طيبة أخي وائل وللإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، نسأل الله أن يملأ أوقاتنا بما يعود علينا بالنفع في ديننا ودنيانا.
التوكل هو عمل قلبي؛ لأن الأعمال تنقسم إلى قسمين:
- أعمال تقوم بالجوارح، وهي ما يظهر للناس سواء كان ذلك عمليًّا أو قوليًّا، فـ" لا إله إلا الله" عمل قولي، الصلاة عمل قولي وبدني، والزكاة عمل بدني وقلبي أيضًا حيث النية، الصوم عمل قلبي وبدني من جهة الامتناع عن الحج يجمع العمل القلبي والقولي والعملي، فالعبادات مصنفة من جهة موضعها واشتغال الإنسان بها إلى قسمين:

 أعمال قلوب، وأعمال جوارح.
أعمال القلوب هي ما لا يكون في الأصل إلا في القلب، لا يكون له من حيث أصله ترجمة عملية له، آثار بالتأكيد عملية وآثار قولية، لكن ليس له في ذاته ارتباط بالجوارح، فيتوقى الإنسان ولو لم يكن توكل مثلا عمل قلبي، ولو لم يكن هناك عمل في جوارحه أو لسانه ولو لم يقل شيئًا، ولو لم يعمل شيئًا، فالتوكل عمل قلبي من حيث تصنيف الأعمال.
أعمال القلوب أهم من أعمال الجوارح، وهذا لا يعني أن أعمال الجوارح ليست مهمة، لا، كلاهما مطلوب ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ البقرة: 82   آمنوا وعملوا الصالحات بجوارحهم، وما يصدر عنهم فهما قرينان لا يمكن أن يكون قلب صالح إلا وله أثر في الخارج وهو صلاح العمل، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ» صحيح البخاري (52)، ومسلم (1599)

   القلب الذي متى ما عمَّره الصلاح وسكنه الهدى وأشرف بنور الطاعة والإيمان انعكس هذا على جوارح الإنسان استقامة وصلاحًا وبرًّا وإحسانًا، ولهذا ثمة ارتباط بين العمل الخارج والعمل الباطل، لا يمكن أن يكون هناك عمل صالح في الخارج نافع في الآخرة دون أن يكون هناك أصل، ودون أن يكون هناك باعث قلبي يترتب عليه ذلك العمل.
ولهذا مهما صلحت الأعمال في الظاهر، إذا خلت عن صلاح القلب واستقامته وعن أعمال القلوب فإنها لا تنفع، ولهذا المنافق وهو من أظهر الإسلام بقوله وعملُه ليس له من الأجر نصيب؛ وذلك لأن أعماله ليست أعمال برٍّ صادرة عن قلب مؤمن، عن قلب مصدَّق، إنما هي أعمال في الجوارح مجردة عن إيمان القلب وتصديقه، ولهذا قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا النساء: 145   كما أن أعمالهم مهما كانت فإنها قاصرة ناقصة عن أعمال المؤمنين، كما قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى النساء: 142، وفي الآية الأخرى قال: ﴿وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ التوبة: 54، ذلك أن هذه الأعمال فقدت روحها، فقدت الأصل الذي تُبنى عليه وهو عمل القلب، وبالتالي لها آثار ليست بالمستوى والقدر المطلوب من الصلاح والاستقامة.
كذلك إذا كان العمل في الباطل ولم يترجَم فإنه لا يؤثر، ولا ينفع ولا يصلح به الإنسان، مادام أنه يمكنه أن يبيِّنَه، عمل القلب قرين عمل الجوارح وهو أصله، ولا يستقيم عمل في القلب صالح دون أن يكون له أثر إذا لم يوجد مانع، ولهذا ما يذكره بعض الناس في مقام التخلُّص من النصيحة أو التبرير للخطأ الذي يكون قد أَلِفَه واستمرَّ عليه، إذا قيل له: هذا ما يصلح هذا، هذا عمل غير صالح، يقول: الإيمان في القلب. صحيح الإيمان في القلب يقين، «التقوى هاهنا، التقوى هاهنا»، وأشار –صلى الله عليه وسلم- إلى صدره.[صحيح مسلم:ح2564/32]، يريد ما في القلب من الإيمان والاستقامة لكن هذا لا يعني أن يدعي الإنسان إيمان قلبه ثم لا يترجم ذلك ظاهرًا بعمل صالح إذ إن عدم ترجمته دليل على عدم وجود أصله في القلب، لكن لو أن هناك ما يمنع يعني من إكراه، من اضطرار، من أي ما يوجب من الأعذار الشرعية التي توجب تخلُّف العمل أو تسوِّغ تخلف العمل الظاهر عن عمل القلب، فإنه في هذه الحالة لا يقبل هذا الاعتذار، لا يقبل هذا الإيمان دون أن يترجم ظاهرة، أما إذا وجد معنى فقد قال الله تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا النحل: 106

  فمن أُكره على خلاف ما في قلبه من الإيمان بإظهار الكفر فإنه لا يُلام على هذا، ولكن الذي يلام هو من شرح صدره بالإيمان.
فالخلاصة: أن الأعمال المقربة إلى الله نوعان: أعمال قلوب، وأعمال جوارح، هما قرينان ومرتبطان في الأصل ولا يقبل العمل إلا بهما إنما الأعمال بالنيات والنية محلها القلب، فالعمل الظاهر يقترن بعمل باطن لابد منه

 

 

«إنما الأعمال بالنِّيَّات»[صحيح البخاري:ح1] يعني إنما تصح وتُعتبر وتُقبل بما قام في القلب من نية، وإنما لكل امرئ ما نوى.
فلابد من إدراك هذا لكن في تصريف الأعمال أيها أهم وأيها أعلى مقامًا، وأيها أعظم أثرًا في صلاح الإنسان؟ بالتأكيد أعمال القلوب، ولذلك النبي –صلى الله عليه وسلم- بيَّن شرفَ القلب وما يقوم به فقال: «ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً: إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ»[صحيح البخاري:ح52]، فأعمال القلوب هي مصدر الصلاح، أعمال القلوب ما هي أعمال القلوب؟ الإخلاص من أعظم أعمال القلوب، الخشية من أعمال القلوب، المحبة من أعمال القلوب، الرجاء من أعمال القلوب، الخوف من أعمال لقلوب، التوكل من أعمال القلوب هذه نماذج وأمثلة لبعض مهمات أعمال القلوب.
عندما نتحدث عن التوكل فنحن نتحدث عن اعتماد القلب على شيء، التوكل على الله هو صدق الاعتماد على الله في جلب ما تحب وفي دفع ما تكره، هذه حقيقة التوكل وعمل قلبي يدور على هذا المعنى وهو أن تَصدق في اعتمادك على الله –عز وجل- في أمرين: في جلب ما تحب، وفي دفع ما تكره.

 الإنسان في الدنيا أيها الإخوة والأخوات، أما أن يكون راغبًا  في حصول شيء ساعيًا في إدراكه، وإما أن يكون خائفًا من ضرر أو أذًى قد يلحق به.
هذا وذاك كلاهما يحتاج إلى عمل فيعمل لإدراك ما يحب، كما أنه يعمل لتوقي ما يكره، فلم يقه ما يكره أنه يكرهه فقط بل لابد أن يعمل لدفع المكروه، كذلك لا يكفيه في تحصيل مطلوبه أنه يحب ذلك الشيء، بل لابد أن يبذل السبب لإدراك ذلك الشيء، وأعظم ما تدرك به المطالب وأعظم ما تُتوقَّى به المكروهات من الأسباب التي جعلها الله تعالى طريقًا لحصول النتائج: التوكل عليه -جل في علاه-، صدق الاعتماد عليه في جلب ما تحبُّ وفي دفع ما تكره، وهذا عمل عظيم هو في الحقيقة قسيم أعمال الإنسان، يعني أعمال الإنسان قسَّمها الله تعالى إلى قسمين في سورة الفاتحة؛ أعمال عبادية، وحوائج ومطالب بشرية.
الأعمال العبادية لا تنفع إلا ما كان فيها القصد لله -عز وجل- ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ الفاتحة: 5، والأعمال الحاجية والبشرية التي تطيب بها معايش الناس وتستقيم بها دنياهم وأخراهم أيضًا لابد فيها من عون من الله –عز وجل- واعتماد عليه في تحصيلها ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ الفاتحة: 5   أي نطلب العون، وطلب العون لا يكون إلا لمن تثق به، أنت لم تطلب الإعانة ممن هو عاجز عن إدراك مطلوبة، إنما تطلب الإعانة ممن تثق وتعتقد أنه سيبلِّغك غايتَك ومقصودك، ولهذه هذه الآية الكريمة ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ الفاتحة: 5، جمعت تمامَ الإخلاص والعبادة لله –عز وجل-، وصلاح مطالب الناس في دنياهم، وكذلك جمعت المعنى الآخر وهو أنها بها تدرك المطلوبات الدنيوية والأخروية أيضًا، فلا تُطلب ولا تدرك المطالب إلا بإعانة الله –عز وجل-، وإذا لم يكن عون من الله للعبد، فإنه يدركه الشقاء مثل هذه كما قال: إذا لم يكن عونا من الله للفتى*** فأول ما يجني عليه اجتهاده ولهذا كان العمل عمل التوكل في هذه المنزلة العظيمة العالية من أعمال القلوب، قال بعض السلف: التوكل نصف الدين والإنابة نصفه الآخر، يشير إلى هذا بقوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ الفاتحة: 5، فالإنابة وهي العبادة ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾، والتوكل في ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾وهو نصفه الآخر.
فهذه الآية الكريمة هي جُماع التوكل، هي جُماع الدين بشقيه بما يتعلق بأعمال القلوب وأعمال الجوارح، بما يتعلق بمصالح المعاش ومصالح الميعاد، فلذلك كانت على هذا النحو من القسمة الواضحة فيما يدركه الإنسان ويبتغيه، فهو يبتغي رضا الله بعبادته، وينال بعبادته عونه -جل في علاه-، ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ الفاتحة: 5   فعونه بتحقيق العبودية له، من أجلِّ ما يُتعبَّد به –سبحانه وبحمده-، أن يكون القلب خالصًا في التوكل على الله.
إذًا عرفنا معنى التوكل، التوكل عمل قلبي ما هي حقيقته؟ حقيقته: صدق الاعتماد على الله في جلب كل ما تحب من أمر دين أو أمر دينا، فيما يخصُّك أو فيما يخص غيرَك في أمر الخاصة أو في أمر العامة، وكذلك تتوكل عليه تعتمد عليه في دفع كل ما يضرك من دقيق أو جليل، صغير أو كبير، يضرك في نفسك أو في مالك أو في أهلك أو في بلدك، فالتوكل هذا معناه وهذه حقيقته، وهو من أجلِّ الأعمال التي يتقرَّب بها العبد إلى الله –عز وجل-.
التوكل من لوازم الإيمان نتكلم عن هذا بعد مداخلتك، تفضل.
المقدم:- اسمح لي فضيلة الشيخ أن نذهب إلى فاصل أول في هذه الحلقة بعده -بمشيئة الله تعالى- نكمل الحديث حول مفهوم معاني التوكل، ونريد أن نتحدث بعد الفاصل حول تحقيق هذا المعنى، كيف يحقق المسلم هذا المعنى، معنى التوكل لله –عز وجل- في دينه وفي دنياه أيضًا؟
مستمعينا الكرام سنذهب إلى فاصل قصير، بعده نكمل الحديث -بمشيئة الله تعالى- فابقوا معنا.
أهلا وسهلا بكم مستمعينا الكرام مجددا، في هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة نرحب بضيفنا الكريم فضيلة الشيخ خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم أهلًا وسهلًا بك شيخ خالد مجددًا.
الشيخ:- مرحبًا بك حياك الله أخي وحيا الله الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المقدم:- حياك الله فضيلة الشيخ كنت أريد أسألك عن تحقيق معنى التوجه لله –عز وجل-، كيف يحقق المسلم هذا المعنى ويكون متوكلًا على الله –تبارك وتعالى-؟ لكن قبل ذلك ذكرت أنت نقطة وأنهيت بها الحديث وهي أن التوكل من لوازم الإيمان نكمل الحديث فيها فضيلة الشيخ.
الشيخ:- هو أخي الكريم معرفة منزلة التوكل مما يحمل الإنسان على تحقيق هذه الخصلة، نحن عرفنا أن التوكل عملٌ قلبي وأنه صدق الاعتماد على الله –عز وجل- في جلب كل ما تحب أيها الإنسان وفي دفع كل ما تكره أيها الإنسان، فمتى حققت هذا المعنى فقد أدركتَ معنى التوكل الذي به نجاة الدنيا، النجاة من مهالك الدنيا والفوز في الآخرة.
التوكل قرين الإيمان، لايتم إيمان أحد أو من لوازم الإيمان لا يتم إيمان أحد إلا بصدق توكله على الله -عز وجل- يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الأنفال: 2، فجعل الله تعالى من خصال أهل الإيمان على وجه الحصر في قوله: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ﴾ ذكر عددًا من صفاتهم ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ فيغشاها من الهيبة والخشية والخوف والإجلال لله تعالى ما تجلي به قلوبهم، ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ فإذا سمعوا آيات الله –عز وجل- ازدادوا يقينًا وإيمانًا ورسخ الإيمان في قلوبهم ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ أي يعتمدون ويصدقون في الاعتماد عليه في جلب كل ما يحبون وفي دفع ما يكرهون.
وقوله: ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ﴾ إشارة إلى أنه لا يتوكل على غير الله، فالتوكل لا يكون إلا على الله وحده لا شريك له أيضًا، مما يدل على هذا المعنى وأن التوكل على الله من لوازم الإيمان قوله -جل في علاه-: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ التوبة: 51   فالله تعالى أمر أهل الإيمان بأن يتوكلوا عليه وذكر الإيمان لأنه الموجب للتوكل كما دلت الآية الأخرى أي الذي يدعو ويحمل الإنسان على صدق التوكل والقيام به هو إيمانه بالله –عز وجل-.
ولهذا التوكل على الله جُماع الإيمان وعلى قدر كمال الإيمان تكون صحة التوكل، فكلما ازداد الإنسان إيمانًا بالله عظم توكله عليه، فإن قوة التوكل وضعفه بحسب قوة الإيمان وضعفه، ولهذا كل واحد منا يعرف ما معه من التوكل بقدر ما في قلبه من صدق الإيمان بالله، فكلما قوي إيمان العبد بالله كان توكله عليه أقوى فإذا ضعف الإيمان ضعف التوكل، وأنا أضرب لهذا مثلًا، أمر الله تعالى موسى -عليه السلام- بأن يخرج ببني إسرائيل فرارًا من فرعون وقومه فأمره الله تعالى بأن يسري ببني إسرائيل، أن يخرج بهم خارج مصر، أمره الله تعالى بذلك.
امتثل موسى -عليه السلام- أمر ربه، فخرج من مصر كما قال الله تعالى في محكم التنزيل: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ الشعراء: 52، جمع من يستطيع جمعه من الناس في اللحاق بموسى ومن معه، قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ الشعراء: 61، انظر المشهد يتعلق بموضوعنا ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ﴾، أي رأى كل فريق الآخر بمعنى أن فرعون اقترب من موسى وقومه، ذلك أن موسى بلغ مدى -وهو البحر- لا يستطع اجتيازه وخلفه فرعون وقومه قد جاءوا بِقَدِّهم وقَديدهم لاستئصال هذا الشر مع هذه القلة القليلة لقتلها وإنزال العقوبة بها قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ الشعراء: 61   أصحاب موسى مؤمنون، وهم مصدِّقون لموسى فيما أمرهم به، وفي أن الله أمرهم بالخروج، وأن الله لن يضيعهم لكن هنا ضَعُفَ التصديق الإيمان فضعف التوكل، موسى -عليه السلام- لمَّا عظم إيمانه وتصديقه ويقينه بصدق ما وعده به ربه من النجاة ﴿قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ الشعراء: 62، كلا، مستحيل أن يدركنا هؤلاء، مهما بدت الأسباب على خلاف الوعد فإن وعد الله لا يخلف، قوله الحقُّ ووعده الحقُّ ولابد أن يتم ما وعد –جل وعلا- مباشرة، جاء الفرج ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ الشعراء: 63   انشق البحر لموسى وقومه في اثني عشر فريقا ﴿وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ الشعراء: 64، اقترب فرعون وقومه ودخلوا في هذه الطرق للحاق بموسى ومن معه، لكن النتيجة قال: ﴿وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ الشعراء: 65- 68  .
هذا نموذج من النماذج المصدقة لما ذكرنا قبل قليل من ارتباط التوكل بالإيمان، فكلما عزم إيمان العبد رسخ توكُّله، ومن توكل على الله فلابد أن يدرك غايته ومبتغاه لا يمكن أن يتخلف الوعد، فإن الله تعالى لا يخلف الميعاد –سبحانه وبحمده-.
بهذا نعرف ارتباط التوكل بالإيمان، وننتقل إلى النقطة التي أشرت إليها وهي تحقيق التوكل كيف يكون؟ ولعل هذه النقطة يسبقها حديث موجز عن: ما الذي يجعل الإنسان يتوكل على الله؟ يعني ما الذي يحملك على التوكل على الله؟ ما هي بواعث التوكل على الله؟ الإيمان به -جل في علاه- هذا المعنى العام ولذلك قال: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الأنفال: 2، وقال: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ التوبة: 51 فالإيمان من أعظم ما يرسِّخ في القلب التوكل، لكن هذا جواب إجمالي.
على وجه التفصيل، ما الذي يحملك على التوكل على الله؟ علمك بالله أعظم أسباب توكلك عليه، كلما ازدادت معرفتك بالله، كلما عظم علمك بالله بعظمته وملكه وقدرته ونافذ أمره، وسعة ملكه، وعظيم ألفاظه، وأنه الحي القيوم السميع البصير الذي لا تخفى عليه خافية ولا يفوته ما يريد، ﴿إِنَّمَآ أَمۡرُهُۥٓ إِذَآ أَرَادَ شَيۡ‍ًٔا أَن يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ[يس:82]، العالم كله بأمره يجري، إذا أيقنت هذه المعاني وامتلأ قلبك يقينًا بها انعكس هذا على توكلك عليه، وعرفت أنه لا تقضى حاجتك إلا مِن قِبَله ولا سبيل إلى إدراك مطلوبك إلا به، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع.
فعلى من تعتمد إذا كانت هذه صفاته؟ أيسوغ أن تنصرف إلى غيره، وتثق بسواه -جل في علاه-، والأمر كله في يديه والخير كله في يديه –جل وعلا-، وأنه لا يقضى قضاء إلا بأمره، ولا يتم شيء إلا به –سبحانه وبحمده-، لاشك أن المؤمن الذي رسخ في قلبه هذه المعاني تتلاشى أمامه كل الأفكار وتذهب كل الجهات، ولا يبقى له توجُّه إلا إلى الله -جل في علاه-؛ لأنه الذي به تقضى الحاجات، وبه تدرك المطلوبات، وبه ينال الإنسان ما يؤمِّل، فهو -جل في علاه- أمان الخائفين، وهو سبحانه المبلغ آمال الراجين، وهو -جل في علاه- الذي يجيب دعوة المضطر.
لذلك لا يلتفت الإنسان المؤمن الصادق في إيمانه، العالم بقدر ربه إلى سواه.
إذًا كلما ازددت علمًا بالله –عز وجل- ومعرفة به ازددت إيمانًا به وأثمر ذلك صدقًا في التوكل عليه، ولك أن تنظر هذا فيما ذكره الله تعالى من قصص النبيين، وهذا من بواعث التوكل على الله –عز وجل- أن تقرأ ما ذكره الله في قصص النبيين، فقصص الأنبياء -عليهم صلوات الله وسلامه- من أعظم ما يبعث في القلوب التوكل، وكلما قرأ الإنسان هذه القصص بتدبر وتأمُّل ورأى صنعَ الله تعالى لأوليائه وما أجراه –سبحانه وبحمده- لعباده الصالحين من جميل العواقب والنصر والوقاية من الشرور وبلوغ الآمال وإدراك المطالب بالتأكيد أنه يمتلأ قلبه ثقة بالله وتوكلًا عليه.
قص الله تعالى في محكم كتابه من قصص النبيين قصة موسى وقد ألمحنا إليها، إبراهيم -عليه السلام-، هود -عليه السلام-، نبينا محمد –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قص من أخبارهم في القرآن ما يملأ القلب ثقة بالله وتوكلًا عليه، وأنه لا ملجأ منه إلا إليه –سبحانه وبحمده-.
إذًا من أسباب حصول التوكل وبواعث التوكل في القلب هو أن يقرأ ما في الكتاب من أخبار النبيين وما أجراه الله تعالى لهم، أن يعلم أن التوكل أعظم أسباب إدراك المطالب هذه ثالث البواعث التي تبعث التوكل على الله، أنه من أعظم الأسباب التي يدرِك بها الناس ما يؤملون وما يرجون في أمر دينهم أو أمر دنياهم هو توكلهم على الله –عز وجل-، هو اعتمادهم عليه –سبحانه وبحمده-،طبعا هذا سيأتي بعد قليل إلى ذكر ما يتعلق بحقيقة التوكل كيف يمكن تحقيقه؟ هذا لا يعني أن يعطل الإنسان، بل التوكل هو أعظم الأسباب التي تدرك بها المطلوبات وتحصل بها المرغوبات، ويأمن بها الإنسان مما يحذره ويخافه من المكروهات، هذه معاني موجزة مختصرة فيما يبعث في قلب الإنسان التوكل، علمك بالله، معرفتك بجميل صنعه مما قصه في أخبار الكتاب الحكيم، وما جرى لسيد المرسلين –صلى الله عليه وسلم-.

 الأمر الثالث هو ما يتعلق بأن التوكل عليه أقوى الأسباب التي يدرك بها الإنسان مطلوبه.
فبالتوكل تنال ما تؤمِّل، بالتوكل تسلم مما تخاف، هذه كلها بواعث تبعث الإنسان على صدق الاعتماد والتوكل على الله –عز وجل-.
عندنا فيما يتعلق تحقيق التوكل كيف يكون؟ التوكل عمل قلبي في الأصل فهو من أعمال القلوب، وهو أن يمتلأ قلبك يقينًا بالله بقدرته وقوته، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فهو –سبحانه وبحمده- الذي لا معقِّب لحكمه ولا راد لقضائه، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فهو الذي يأتي بكل خير وفضل، لا يأتي بالحسنات إلا هو، فما يندفع شرٌّ في الكون إلا بدفعه -جل في علاه-، فلا يدفع السيئات إلا هو –سبحانه وتعالى-، هو الملك الحق المبين بيده ملكوت كل شيء –سبحانه وبحمده-.
إذا أيقن العبد بهذا في قلبه فإنه لن يعتمد على غير الله –عز وجل-، وسيفوِّض الأمر إليه، ويعلم أن اختيار الله له خير من اختياره نفسه، وأنه لا يمكن أن يُخلِف الله تعالى وعده بتوفيق عباده وإصلاح شأنهم وتولي أمورهم، لذلك التوكل حقيقته هو أن يعتمد الإنسان على الله –عز وجل- في جلب كلِّ ما يحب وفي دفع كل ما يكره، بعض الناس يظن أن التوكل يكون فقط في الأمور الكبيرة والأشياء التي يستصعبها الناس وهي حقيقة أن التوكل يتعلق بكل شيء بالصغير والكبير، والدقيق والجليل، واليسير والعسير لا فرق بين هذا وذاك ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
وبالتالي توكَّل على الله في أمرك كله في الدقيق، في الجليل، في الصغير، في الكبير، في خاصة نفسك في ولدك وأهلك ومالك وسائر شأنك، اجعل التوكل قرينَ قلبك وحاضرًا في اعتقادك وإيمانك، في كل أمورك، وأبشر فإنه تدرك بذلك ما تؤمل لكن هذا لا يعني أن يقتصر الإنسان على اعتماد القلب مع تعطيل الأسباب؛ لأن بعض الناس يظن أنه التوكل هو أن تعتمد على الله، وتقول: الله على كل شيء قدير، وتترك الأسباب التي تثمر النتائج، الأسباب التي هي مقدمة النتائج، التي لابد منها في حصول المطلوب بما أجراه الله تعالى في الكون من سُنَن لا تختلف، لا يمكن أن يكون زرعٌ بلا بذر، لابد أن تبذر حتى تزرع، ولابد أن تعمل حتى تجني، ولابد أن تقدم حتى تحصل، لا يمكن أن تأتيك الأشياء فيما جرت به السنة بدون أسباب، فالله تعالى قد جعل لكل شيءٍ سببًا في الدنيا والآخرة، أخذ الأسباب لا يتنافى مع التوكل، الناس في الأسباب على مراتب ثلاثة:
المرتبة الأولى: من يأخذ الأسباب ويعلِّق قلبه بها وتصبح هي فكرَه، وهي التي تنتج المطلوب ويغفل عن المستنتج، وهذا خلل في التوكُّل؛ لأن الأسباب قد تؤخذ ولا تأتي بنتائجها، كم من باذر لا ينتج زرعًا، وكم من عامل لا يدرك نتيجة وثمرة، فالأسباب مقدِّمات لكنها لا تستقل بحصول المطلوب، لابد مع هذا السبب مما هو أهم وهو إيمان القلب وتصديقه.
القسم الثاني: من يعطل أسبابَه، يقول: الله على كل شيء قدير، إذا شاء الله أعطاني، إذا شاء الله رزقني ويركَن إلى عدم العمل وهذا كالقسم الأول في الانحراف؛ لأنه الله –عز وجل- جعل لكل شيء سببًا، فلابد من أخذ الأسباب لإدراك النتائج، الهدى والطريق المستقيم والصراط القويم الذي كان عليه أولياء الله من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين هو الجمع بين هذين، وهو أن يعرف الإنسان أنه لا بلاغ له إلا بصدق الاعتماد على الله، وأن الأسباب أدوات لإدراك المقاصد لكنها ليست مستقلة، فينبغي أن يأخذ الإنسان السبب لإدراك المطلوب، ويصدق بوعد ربه ويثق به، ويعلم أن قلبه معلق بالله لا بالسبب، يعني أن يعلق قلبه بمسبِّب الأسباب، بالله الذي أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون، وفي الأسباب وسائل لإدراك المطالب.
هذا هو التوكل الحقيقي الذي به ينجو الإنسان من الانحرافات، انحراف تعطيل الأسباب، أو الغلو فيها إلى درجة التعلق بها والغفلة عن المسبب –سبحانه وبحمده-.
ولهذا أنا أوصي إخواني وأخواتي بأخذ ما يكون من الأسباب المؤدية إلى النتائج، لابد من مذاكرة للنجاح، لابد من عمل للكسب، لابد من بذر للزرع، لابد من جهد لإدراك كل مطلوب، لابد من أخذ أسباب الوقاية للسلامة من المكروهات، لكن هذا كله قد لا يأتي بالنتيجة، وهذا كله لا يغفل العبد عن اعتماد قلبه على مسبب الأسباب الذي يسخر لك هذه الأسباب هو الذي يأتي بنتائجها قال الله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ الواقعة: 63، هنا عمل وهو الحرث ﴿أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ الواقعة: 64- 65، معناه أن السبب قد لا يأتي بالنتيجة، إنما بالنتيجة متى شاء الله –عز وجل-، ولذلك لا تعلق قلبك بالأسباب، علق قلبك برب الأسباب ومسببها الذي يأتي بنتائجها –سبحانه وبحمده-.
هذه حقيقة التوكل التي متى قامت في القلب حقق الإنسان التوكل، عندنا نقطة إذا سمحت وهي التوكل في أذهان كثيرٍ من الناس قد يتصور أنه لا يتعلق إلا بمكاسب الدنيا يعني بالأمور الدنيوية، أتوكل على الله في وظيفة، أتوكل على الله في حصول مرتبة، أتوكل على الله في نجاح، في اختبار، أتوكل على الله في زواج، أتوكل على الله في بناء بيت يعني في مطالب الدنيا، والحقيقة أن التوكل يتعلق بأمور الدين وأمور الدنيا، فنحن نتوكل على الله في صلاح قلوبنا وفي استقامة أعمالنا، نتوكل على الله في فعلنا للطاعات والقيام بحقه، نتوكل على الله –عز وجل- في صلاح أولادنا، وفي صلاح من نحب، وفي صلاح من نرجوا صلاحه، كل هذا لابد أن يكون فيه توكل؛ لأنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع من خير الدنيا ومن خير الآخرة، هداية القلوب ورزقها بالصلاح والهدى لا يقلُّ شأنًا عن رزق الأبدان بالأقوات فيما يتعلق بالتوكل على الله –عز وجل- فمن توكَّل على الله في صلاح قلبه أدرك مطلوبه، من توكل على الله في حفظ دينه أدرك مطلوبه، من توكل على الله في استقامة ولده وصلاح أهله حصل ذلك بإذن الله مع بذل الأسباب من رعاية الأولاد ﴿أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ التحريم: 6، فابذل الأسباب في صلاح قلبك وصلاح ولدك وصلاح أهلك وتوكل على الله –عز وجل-، وكذلك ابذل الأسباب في صلاح دنياك، وتوكل على الله –عز وجل-، ولما نقول: توكل، ما يعني أن التوكل نازل في المرتبة، لا، التوكل أن تصحبَه، فالواو هنا للمصاحبة، وأن يكون مقارنًا لهذا أخذه في السبب مع اعتماد قلبك على المسبب -جل في علاه-.
أخيرًا ما يتعلق بثمرة التوكل الأجر من الله –عز وجل-، العون أن الله يبلغك مأمولَك، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ الطلاق: 3، أي كافيه كل ما يهمه، ونموذجان ذكرهم الله تعالى في كتابه:

 الأول فيما يتعلق بنبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- لما هُزم في غزوة أحد مع أصحابه، وناله ما ناله بعدما أراهم الله النصر، قال له الناس: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ آل عمران: 173   خوفوه وأصحابه أن قريشًا والمشركين أعادوا الكرة، وجمعوا لكم وسيأتونكم بجمع أكبر من الجمع الذي كان ويقضون عليكم فماذا قال –صلى الله عليه وسلم- قال: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا آل عمران: 173.

   التخويف لم يمنعهم من صدق الإيمان بالله –عز وجل- ﴿فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ آل عمران: 173، دفعوا ما يكرهون من اجتماع الناس عليهم في هذه الحالة التي هم فيها قد أصيبوا بما أصيبوا من الهزيمة بالتوكل على الله، قال الله تعالى: ﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ آل عمران: 174، هذا نموذج من ثمار التوكل قصة موسى -عليه السلام- من ثمار التوكل ﴿قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ الشعراء: 62- 63   وإبراهيم -عليه السلام- عندما قذفه قومه بالمنجنيق في النار قال: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ الأنبياء: 69، فأرادوا به كيدًا فنجاه الله تعالى من الأسفلين وهو من الناجين الفائزين -عليه صلوات رب العالمين.
هذه نماذج ولك أن تلمح النماذج في القرآن في مواطن عديدة في أمر إدراك المطلوبات، وفي النجاة من المكروهات كل ذلك يحصل بصدق اللجوء والاحتماء والتوكل على الله –عز وجل- في جلب المطلوب ودفع المكروه، ومَن صَدَق الله صَدَقَه -جل في علاه-، والله لا يخلف الميعاد –سبحانه وبحمده-.
المقدم:- اسمح لي فضيلة الشيخ أن نأخذ بعض الإخوة الكرام، لم يتبق لدينا وقتٌ كثير لاستقبال مشاركات الإخوة الكرام يعني الوقت حقيقة داهمَنَا فضيلة الشيخ، وبإذن الله نعتذر من جميع المستمعين الكرام، بإذن الله نأخذهم في حلقات أخرى فضيلة الشيخ متبقي أمامنا دقيقة إذا كان تختم بكلمة أخيرة في هذا الموضوع.
الشيخ:- أنا أعود وأقول: هذا الموضوع موضوع التوكل وأمثاله من موضوعات أعمال القلوب، نحن بحاجة إليه في هذا العصر الذي طغت فيه المادة، وأصبح الناس يتعلقون بالظواهر ويركنون إليها، وقد يعميهم هذا عن الحقائق، فمن عنده في البنك رصيد عالي قد يعتمد على هذا الرصيد يظنُّ هذا الرصيد سيبلغه ما يريد، والآخر كذلك الذي ليس عنده شيء قد يظن أنه لم يدرك مطلوبه؛ لأنه ما عنده شيء، الجواب أنه بالتوكل تدرك ما تأمل، ينفعك الله بما معك، ويسوق لك ما ليس معك، فإذا توكلت على الله حقَّقت النفع بما معك؛ لأنه كم من إنسان عنده من المال ما عنده، ولكن لا ينتفع به، يعني يذهب عليه سُدًى، ولا ينتفع به، وكم من إنسان ليس عنده ما يحتاجه من المال يسوق الله له من الرزق ما يغنيه ويكفيه.
وبالتالي ينبغي أن لا نثق بما في أيدينا، لنكن أيها الإخوة والأخوات في ثقتنا بما في يد الله أعظم من ثقتنا بما في أيدينا؛ لأن ما في أيدينا مهما كان فهو قليل، ومهما كان لن يؤتي ثمرة حتى لو كان كثيرًا لن يؤتي ثمرة إلا إذا شاء الله –عز وجل-، وأما ما في يد الله فإنه يد خير إذا شاء أمر، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَآ أَمۡرُهُۥٓ إِذَآ أَرَادَ شَيۡ‍ًٔا أَن يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ[يس:82]،فلنكن بثقة بما في يد الله أعظم ثقة منا بما في أيدينا، وبذلك نحقق جانبًا مهمًّا من جوانب التوكل.
أسال الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلني وإياكم من المتوكلين عليه الصادقين في الاعتماد عليه –سبحانه وبحمده-
المقدم: شكر الله لك وكتب أجرك فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم، شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ.
الشيخ: أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وأن يستعملنا في طاعته، وأن يحفظ ولاة أمورنا، وأن يسددهم في القول والعمل، وأن ينصر جنودنا المرابطين وجنودنا الذين يحرسون أمننا، أسأل الله لكم السداد والتوفيق، وأن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات90594 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87038 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف