×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (135) الاستشفاء بالقرآن

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:4712

المذيع: بسم الله الرحمن الرحيم، مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحييكم تحيةً طيبةً عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، وهذه الحلقة المتجددة لبرنامج "الدين والحياة"، والتي نستمر معكم فيها حتى الثالثة بمشيئة الله تعالى.

في بداية هذه الحلقة تقبَّلوا تحياتي محدثكم/ وائل الصبحي، ومن الإخراج الزميل/ ياسر زيدان، ومن الإشراف العام/ الأستاذ علي الثقفي. أهلًا وسهلًا ومرحبًا بكم.

"الدين والحياة".

ضيف حلقات برنامج "الدين والحياة" مستمعينا الكرام هو فضيلة الشيخ الدكتور/ خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم.

فضيلة الشيخ خالد، السلام عليكم وأهلًا وسهلًا بك معنا في بداية هذه الحلقة.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك أخي وائل، حياك الله، وحيَّا الإخوة والأخوات.

المذيع: حياك الله فضيلة الشيخ، مستمعينا الكرام -بمشيئة الله تعالى- سيكون حديثنا في هذه الحلقة حول موضوع "الاستشفاء بالقرآن الكريم"، لمن أراد المشاركة معنا يمكنكم أن تشاركونا عبر هاتفي البرنامج على الرقمين 0126477117 وعن طريق الهاتف الآخر على الرقم: 0126493028 أيضًا بإمكانكم إرسال رسالة نصية عبر تطبيق الواتس أب على الرقم 0500422121.

فضيلة الشيخ؛ سيكون حديثنا -بمشيئة الله تعالى- في هذه الحلقة حول "الاستشفاء بالقرآن الكريم" ومن المعلوم أن الاستشفاء بالقرآن الكريم من الأمور التي دل عليها الشارع الحكيم، سنعرض -بمشيئة الله تعالى- إلى مجموعة من الآداب وأيضًا الأحكام، وأيضًا كيفية الاستشفاء بالقرآن الكريم في هذه الحلقة بمشيئة الله تعالى.

 ابتداء فضيلة الشيخ نريد أن نتحدث عن بركة كتاب الله تعالى وبركة هذا القرآن الكريم وكيف يكون القرآن الكريم شفاء للمؤمن.

الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحييكم والإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، الحمد لله رب العالين، وأصلي وأسلم على البشير النذير، والسراج المنير؛ نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

أنزل الله تعالى هذا القرآن الكريم؛ ليخرج الناس مِن الظلمات إلى النور، وقد بشَّر الله تعالى بهذا الكتاب الناس أجمعين فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ[يونس: 57]، فعَمَّ الله تعالى الخطاب في هذه الآية البشرية كافةً؛ حيث وجَّه الخطاب للناس جميعًا فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ ثم جاء الخبر بالبشارة العظمى التي هي أسعد ما بشَّر الله تعالى به الناس في هذه الدنيا؛ وهي نزول كلامه - جلَّ في علاه - في القرآن الحكيم، وقد وصفه الله تعالى بأوصافٍ؛ فوصفه بأنه موعظة منه -جل في علاه-: ﴿مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾، ووصفه بأنه ﴿شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ﴾، وأنه ﴿هُدًى﴾، وأنه ﴿رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، مع أن الخطاب عامٌّ للناس، إلا أنه في خَتْم الآية ذَكَر أعظم مَن ينتفع بهذه المنة وهذه المنحة وهذا الكتاب العظيم وهذه الموعظة الجليلة وهم أهل الإيمان؛ حيث قال تعالى في ختمها: ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ[يونس: 57]، فخَصَّ المؤمنين بالذكر؛ لأنهم المنتفعون به دون من سواهم.

والله تعالى ذَكَرَ في هذه الآية من جملة ما جاء به القرآن أنه ﴿شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ﴾، وانظر إلى التعبير القرآني؛ لم يقل: دواء، إنما قال: ﴿شِفَاءٌ﴾، والفارق بين الدواء والشفاء أن الدواء وسيلة قد تأتي بالنتيجة وقد لا تأتي بالنتيجة، لكن الشفاء هو الثمرة والنتيجة، فالله تعالى وصف القرآن بأنه ﴿شِفَاءٌ﴾ أي: محقق الحصول للمقصود منه والمطلوب منه والغاية المنشودة فيه؛ وهي حصول البرء مِن الآفات والأمراض والعلل والأسقام؛ ولذلك قال: ﴿وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ[يونس: 57]، فهو شفاء لما في الصدور، وهي القلوب، وخصَّها بالذكر؛ لأن القلب هو المرتكز الأساس الذي إذا طاب وصحَّ وسلم انعكس هذا على سائر أجزاء الإنسان؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ألا وإنَّ في الجسد مُضغةً إذا صَلَحت صلح الجسد كله، وإذا فَسَدَت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».[صحيح البخاري:ح52]

فإذا شُفي ما في الصدر وهو القلب من الجهل، من العمى، من الهوى، من الضلالة، من الانحراف، انعكس هذا طيبًا وصلاحًا على سائر ما يكون من حال الإنسان، فالقرآن شفاء لما في الصدور مِن أمراض الشهوات والهوى التي تصد عن سبيل الله، وتمنع من الانقياد لشرعه، شفاء لأمراض الشبهات التي تؤثِّر في العلم والمعرفة، فيلتبس بها الحق بالباطل، ولا يتميز بها الهدى من الضلال، فإذا جاء القرآن سلمت القلوب بنوره وهداياته من هاتين الآفتين الماحقتين المهلكتين للقلب، وهما أدواء وأمراض الشبهات وأدواء وأمراض الشهوات؛ ولذلك أصل ما جاء به القرآن هو إصلاح القلوب: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا[الإسراء: 82]، فالله تعالى جعل القرآن موجبًا للهداية، لكن هذه الهداية ينتفع بها على الوجه الأكمل أهل الإيمان: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى[فصلت: 44]، فلا يبصرون، فانسدَّت عليهم بسبب إعراضهم وعدم إيمانهم طرق الانتفاع بالقرآن، فلا سماع ولا إبصار، وكان الأمر كما قال تعالى: ﴿وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا[المائدة: 64].

 بخلاف أهل الإيمان، فإنهم كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة: 124 - 125].

فالآيات الكريمات دالَّةٌ على أنَّ القرآن فيه شفاء تامٌّ لجميع أمراض القلوب بلا استثناء، ولكل صور أمراض القلب بلا تمييز، القرآن شفاء لها يزيلها ويبرئ القلوب منها، ويطهِّر الأفئدة والصدور من آفاتها، فتطيب القلوب وتصح، ينعكس ذلك على استقامة القول وصلاح العمل كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب»[سبق]؛ ولهذا فإن شفاء القرآن بالنسبة للقلوب هو شفاء معنوي، وبقدر ما تعي القلوب وتُقبل على القرآن وتنتفع بالإنصات إليه والتدبر لآياته - تدرك من هذا الدواء النافع وهذا الشفاء المحقَّق الذي أخبر به القرآن الكريم في غير ما موضع.

 هذا ما يتعلق بالقسم الأول من شفاء القلوب، أو من شفاء القرآن؛ وهو شفاء القلوب، وهذا هو الأصل في نزول القرآن؛ لأن القرآن نزل في الأصل ليهدي الناس إلى ما يوصلهم إلى بَرِّ الأمان في علاقاتهم بالله - عز وجل - بالعلم بمعرفته وبالعلم بمعرفة الطريق الموصل إليه -سبحانه وبحمده-، فيتعلم الإنسان بالقرآن ما يتمكن به من الوصول إلى رحمة الرحمن في الدنيا بالطاعة والإحسان، وفي الآخرة بالفوز بالنعيم والجنان.

 نسأل الله أن نكون من أهل هذا الفوز، ومن أهل هذا الربح العظيم.

المذيع: اللهم آمين.

الشيخ: القسم الثاني من شفاء القرآن شفاء الأبدان من الأمراض الحسية، والقرآن الكريم أخبر بأن القرآن شفاء، ولم يقصره على شيء من الشفاء دون غيره؛ فهو شامل لشفاء القلوب وهو بالمرتبة الأولى، وشفاء الأبدان. شفاء القلوب لأن الله - عز وجل - قال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ[يونس: 57]، فجاء النص في القرآن على شفاء الصدور وهو شفاء القلوب، وقد تكلمنا عليه قبل قليل، وملخصه أن القرآن يهدي القلب بالعلم النافع والعمل الصالح؛ فيستقيم حال الإنسان ويسلم من آفتين: آفة الجهل والشبهات، وآفة الهوى واتباع الشهوات.

 هذا القسم لا إشكال فيه ومحقَّق لكل من أقبل على القرآن.

القسم الثاني من شفاء القرآن: هو شفاء الأبدان، وهذا أيضًا دلَّ عليه القرآن ودلَّت عليه السنة، دلَّ عليه القرآن في عموم قوله - عز وجل -: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقرْآنِ مَا هوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمؤْمِنِينَ[الإسراء: 82]؛ فإن الله تعالى أخبر عن الشفاء بالقرآن، هنا لاشك أن الشفاء يشمل النوع الأول الذي ذكرناه؛ شفاء القلوب من الشهوات والشبهات وهدايتها، وكذلك يشمل أيضًا شفاء الأبدان؛ ولهذا يقول ابن القيم - رحمه الله -:" فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء؛ يعني الأمراض القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة[الطب النبوي:ص266]، لكن هذا أيضًا كما أن الشفاء القلوب في القرآن ليس على درجة واحدة، بل يتفاوت الناس في شفاء قلوبهم من القرآن بقدر ما يفتح الله عليهم من صلاحية قلوبهم بالأسباب المؤدية إلى الانتفاع بالعلاج بالقرآن.

كذلك شفاء الأبدان يتفاوتون فيه، المؤمنون يسمعون القرآن، الآن أنت إذا قرأت آيةً من آيات الكتاب الحكيم وكان عندك جمع، سمع هذا الجمع هذه الآية سماعًا واحدًا، يعني أخذوا العلاج أخذًا متساويًا بمعنى أنهم جميعًا سمعوا القرآن، لكن أثر ذلك عليهم هل هو واحد؟ الجواب: لا، أثر ذلك مختلف باختلاف قلوبهم وباختلاف فهومهم وباختلاف استعداداتهم، ثمة أسباب كثيرة تمامًا مثل الأدوية الحسية، الدواء الحسي يأخذه رجلان هذا يشفى منه بنسبة 80%، والآخر يشفى منه بنسبة 40%، ثمة موانع قد تمنع من الشفاء أو تعيق الشفاء أو تؤخره أو تنقص نسبته، كذلك ثمة هناك أسباب لحصول النتيجة بالدواء؛ فلذلك تتفاوت استجابات المرضى في الأمراض البدنية لما يعطون من الدواء.

كذلك فيما يتعلق بالأدوية الحسية كالاستشفاء بالقرآن يتفاوت الناس فيه، من الناس من يُشفى بالقرآن مباشرةً ويدرك براءة قلبه من الأمراض، وبراءة بدنه من الأمراض، وبالتالي لا يمكن أحيانًا أن يؤثر الانتفاع بالقرآن في أدوية الأبدان والأمراض الحسية لأنه مثلًا قُرئ على فلان ولم تحصل نتيجة؛ لأن هناك من الناس من يأخذ علاجًا حسيًّا ولا يدرك نتيجة، وبالتالي الإشكالية ليست في الدواء وما يحصل به الشفاء، إنما قد تكون الإشكالية في أمر خارج، وهو ما يتعلق بالمحل، كونه غير قابل، كونه غير مهيأ، كونه يوجد موانع، كونه لم تتوافر الشروط، ثمة أسباب قد تكون هي المانعة من حصول الثمرة والمطلوب في الاستشفاء بالقرآن.

والمقصود أن القرآن شفاء للقلوب كما أنه شفاء للأبدان؛ لدلالة عموم آيات القرآن الدالة على أن القرآن شفاء؛ قال الله تعالى: ﴿قُلْ هوَ لِلَّذِينَ آمَنوا هدًى وَشِفَاءٌ[فصلت: 44]، هذا بيان أن أسباب حصول الثمرة والنتيجة في الاستشفاء بالقرآن وهو أن يكون قد تعاطاه أهل الإيمان، أما غيرهم فإنهم لا ينتفعون به لوجود ما يمنع من الانتفاع.

المذيع: جميل فضيلة الشيخ، تحدثنا قبل قليل عن شفاء القلوب وشفاء الأبدان، شفاء القلوب يكون بالتلاوة وبالتفكر وفهم المعاني، والمعاني التي ينتج عنها التوحيد الخالص لله - تبارك وتعالى -.

أريد أن أسأل عن كيفية الاستشفاء فيما يتعلق بالأبدان والأمراض الحسية.

الشيخ: تكلمنا قبل قليل عن أن القرآن شفاء للأبدان كما أنه شفاء للقلوب، وهذا دلَّ عليه القرآن العظيم، ودلَّت عليه سنة سيد المرسلين -صلوات الله وسلامه عليه-، ففي القرآن عموم الآيات الدالة على أنَّ القرآن شفاء، يشمل نوعي الشفاء: شفاء القلوب، وشفاء الأبدان.

أما ما يتعلق بالسنة ففي السنة أحاديث كثيرةٌ دالَّةٌ على الاستشفاء بالقرآن من أمراض الأبدان؛ ففي الصحيحين على سبيل المثال، وهذا يصلح أن يكون دليلًا على أن القرآن شفاء للأبدان، وأيضًا يبين الطريقة التي يمكن أن يستشفى فيها بالقرآن في الأمراض الحسية الأمراض البدنية؛ في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال: انطلق نفرٌ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفرة سافروها حتى نزلوا على حيٍّ من أحياء العرب، فاستضافوهم - أي: طلبوا منهم الضيافة على عادة ما كان جاريًا في عمل العرب -، فأبوا أن يضيفوهم، امتنعوا من إضافتهم، فلُدغ سيد ذلك الحي؛ أي: كبير تلك المحلة، لُدغ كبيرهم، أصابته لدغة عقرب أو حية أو غير ذلك مما يُتسمَّم بلدغه، فسعوا له بكل شيء لأجل أن يبرأ من تلك اللدغة وأثرها ولم يستطيعوا، فقال بعضهم لبعض: لو أتيتم الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيء، فأتوا الصحابة الذين قد نزلوا، وكانوا يرغبون في الضيافة فلم يضيفوهم، فقالوا لهم: يا أيها الرهط، إن سيدنا لُدغ وسعينا له بكل شيء فلم ينفعه، طلبنا كل أوجه العلاج الذي نعرفه ما انتفع بشيء من ذلك، كل العلاجات الحسية التي طلبوها لوقاية كبيرهم من أثر اللدغة ما نفعت، فقال بعضهم: نعم والله إني لأرقي. أي: أقرأ كلامًا أو أتلو كلامًا يحصل به الشفاء، لكن لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جعلًا، المقصود أنهم اتفقوا معهم على أن يعطوهم شيئًا مقابل هذه الرقية، فانطلق الصحابي أبو سعيد رضي الله تعالى عنه، وقرأ على هذا المريض سورة الفاتحة: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ* الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ[الفاتحة: 1- 7]. وما أن فرغ من قراءة الفاتحة إلا وبرأ كبير ذلك الحي، فكأنما نشط من عقال، انطلق يمشي ما به قَلَبَة؛ أي: ما به أي أثر من المرض الذي كان يشكو منه، ما به أي أثر لتلك العلة التي نزلت به مباشرةً، هذا الأثر المباشر للقرآن الكريم حصل بقراءة الفاتحة، لم يفعل شيئًا سوى أن قرأ الفاتحة؛ ولما رجعوا -رضي الله تعالى عنهم- إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبروه الخبر وذكروا له ما جرى، فقال - صلى الله عليه وسلم - لأبي سعيد: «ما يدريك أنها رُقْية؟» يعني: ما الذي جعلك تعرف؟ أو كيف اهتديت إلى أن هذه السورة رقية؟ قال: شيء ألقاه الله في قلبي؛ يعني لم يكن هناك سابق علم، إنما شيء ألقاه الله في قلبي أن هذه تنفع فنفعت، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «قد أَصَبتُم»، فأقرَّهم - صلى الله عليه وسلم - على فعلهم أنْ رَقَى المريض بهذه السورة.[صحيح البخاري(ح5007)]

وبه يتبين صورة من صور الاستشفاء بالقرآن؛ حيث إن هذا الصحابي - رضي الله تعالى عنه - قرأ القرآن على لديغ؛ يعني على شخص أصابه سمٌّ في بدنه بسبب لدغة، فانتفع ذلك الرجل بهذه القراءة، فبرأ كأن لم يكن به علة، كأن لم يصبه لدغ قبل ذلك.

المذيع: بمعنى أنه مرض حسي فضيلة الشيخ؟

الشيخ: مرض حسي بالتأكيد؛ لأن السمَّ جرى في عروقه، وسعوا في أن يبرأ ما استطاعوا، فقرأ، فبرأ كأن لم يكن به علة؛ يعني رجع سليمًا تمامًا، هذا نموذج من النماذج التي يُستشهد بها على الاستشفاء بالقرآن في الأمراض الحسية.

ومثله أيضًا ما جاء في مسند الإمام أحمد وعند أبي داود والنسائي بإسناد لا بأس به عن الصلت رضي الله تعالى عنه، وهو أحد الصحابة الكرام من بني تميم -رضي الله تعالى عنه-، قال: أقبلنا من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتينا على حي من العرب، فقالوا: "أُنبئنا أنكم جئتم من عند هذا الرجل بخير، يعني: أُخبرنا أنكم جئتم من عند هذا الرجل؛ أي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم – بخير، فهل عندكم دواء أو رقية؛ فإن عندنا معتوهًا في القيود." معتوه؛ أي: مجنون، ومن شدة عدم عقله قيَّدوه لئلا يؤذي نفسه أو يؤذي غيره، قال: فقلنا: نعم. قال: فجاءوا بالمعتوه في القيود، جاءوا بالمريض أو هذا المجنون أو المصاب بما أصيب في القيود، قال صلت التميمي -رضي الله تعالى عنه-: فقرأت بفاتحة الكتاب ثلاثة أيام غدوة وعشية. أي: يقرأ بالفاتحة فقط في الصباح وفي المساء، وينفث عليه من ريقه مع القراءة، يقول: فكأنما نشط من عقال، أي: كأنما حُلَّ عقاله، كان محبوسًا وحُلَّ، البعير إذا أمسكوه وضعوا في رجله عقالًا يمنعه من القيام، فإذا حُل هذا العقال قام مباشرةً أي: أنه قام سليمًا ليس به شيء، فأُعطوا مقابل ذلك ما أُعطوا، وسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أكلتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ»[سنن أبي داود:ح3420، مسند أحمد:ح21836، وقال محققو المسند:محتمل للتحسين] فأقرَّه - صلى الله عليه وسلم - على الاستشفاء بالقرآن وعلى الاستشفاء بالفاتحة، وأَخْذ مقابل ذلك ما أُعطي من عطية.

 وهذا طبعًا نوع من الأمراض الذهنية، نوع من الأمراض العقلية، وهو نوع من أقسام الأمراض، فالأمراض إما عضوي حسي، في أعضاء الإنسان، وإما ذهني عقلي نفسي، فالقرآن شفاء من هذا ومن هذا، والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يعوِّذ أصحابه وأهله إذا مرض أحدهم بشيء مما يصيب الناس من الأمراض؛ ففي الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مرض أحد من أهله نفَثَ عليه بالمعوِّذات»«نَفَثَ» هذا بيان صفة الرقية، والمعوذات أي: سورة الفلق وسورة الناس، قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وهنا أرادت رضي الله تعالى عنها بذلك كل ما يصيب الناس من الأمراض البدنية الحسية التي تطرأ عليهم، «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات، فلما مرض هو - صلى الله عليه وسلم - مرضه الذي مات فيه، تقول عائشة: «جعلتُ أنفث عليه وأمسح بيد نفسه» لأنها كانت أعظم بركةً من يدها رضي الله تعالى عنها. [صحيح مسلم:ح2192/50]

وكذلك جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بالمعالجة بالقرآن؛ ففي صحيح ابن حبان عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها مرةً وعندها امرأة تعالجها أو ترقيها من عارض أصابها رضي الله تعالى عنها، يعني هذه المرأة كانت تعالج عائشة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذه المرأة المعالجة: «عالجيها بكتاب الله».[مصنف ابن أبي شيبة:ح23581، وصحيح ابن حبان:ح6098، وصححه الألباني في الصحيحة:ح1931]

كل هذه النصوص وغيرها في السنة دليلٌ على أن القرآن مما يُستشفى به من أمراض الأبدان، سواء كانت أمراضًا عضوية حسية أو كانت أمراضًا نفسية ذهنية، وكل ذلك مما ينفع فيه استعمال القرآن في المعالجة، فالرقية تكون بالقراءة وحدها؛ بأن يقرأ عليه من القرآن كما جرى في حديث أبي سعيد، وكذلك تكون بالرقية أي: بالقراءة مع النَّفْث، والنفث: نفخ لطيف لا ريق فيه، ينفث على المريض قبل القراءة وأثناء القراءة؛ لثبوت ذلك عنه - صلى الله عليه وسلم -؛ فكان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث [صحيح البخاري:ح1439] صلى الله عليه وسلم ، وكذلك إذا مرض أحد من أهله نفث عليه - صلى الله عليه وسلم – بالمعوذات، وتكون الرقية أيضًا بالقراءة مع النفث الذي فيه شيء من رطوبة الريق؛ كما جاء ذلك في حديث أبي سعيد في بعض روايات حديث أبي سعيد في رقيته للرجل الكبير في قومه، فجعل يقرأ بأم القرآن ويجمع ريقه وينفث عليه ويتفل عليه[سبق]، هذا من الصور التي يحصل بها الاستشفاء بالقرآن، لكن فيما يتعلق بالنفث الذي لا ريق فيه والنفث الذي معه ريق ينبغي أن يُراعَى فيه حال المريض، ففي بعض الأحيان قد لا يناسب أن يكون هذا مستعملًا فيكتفي بالقراءة؛ لأن القراءة في ذاتها نافعة، فإذا رافقها شيء من النفث الذي يوصل أثر هذه القراءة إلى المريض ولم يكن في ذلك حرج طبي، أو مانع طبي؛ فإنه عند ذلك يحصل شيء من الانتفاع بالقراءة على وجه أكبر، لكن إذا كان ثمة ما يمنع طبيًّا كأن يكون المريض ضعيف المناعة مثلًا، أو يؤثر عليه ذلك أو هو لا يحب هذا، فيكتفي بالقراءة التي لا نفث فيها ولا نفخ؛ فقد جاءت القراءة على أنحاء؛ جاءت قراءة مجردة، وجاءت قراءة فيها نفث، وجاءت قراءة فيها نفث مع شيء من رطوبة الريق، وجاءت القراءة مع المسح كما جاء ذلك في حديث عائشة «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعوِّذ بعض أهله، يمسح بيده اليمنى»، وفي حديث عائشة: «كان يمسح - صلى الله عليه وسلم - على نفسه بالمعوذات في مرضه، فلما ثقل كانت تقرأ وتمسح عليه - صلى الله عليه وسلم - بيد نفسه» صلى الله عليه وعلى آله وسلم. [صحيح البخاري:ح5751]

وثمة صفة خامسة للرقية بالقراءة مع وضع اليد على مكان الألم دون مسح، وذلك بأن يضع يده في موضع الألم؛ جاء ذلك في حديث سعد بن أبي وقاص لما رقاه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بمكة؛ حيث عاده - صلى الله عليه وسلم - وهو مريض، ووضع يده الشريفة - صلى الله عليه وسلم -، على جبهة سعد، ودعا له: «اللهم اشف سعدًا وأثبه، وأتمم له هجرته»[صحيح البخاري:ح5659]، ولهذا شواهد في السنة النبوية.

وبالتالي؛ الراقي ينتقي من هذه الطرق ما يكون مناسبًا بالنسبة لحال المريض طبيًّا، وكذلك حال المريض من حيث الحل والحرمة، فإذا قرأ الإنسان على امرأة أجنبية لم يكن له طريق أن يضع يده عليها، ولا أن يمسح على موضع الألم؛ لأن ذلك يوقعه فيما منع منه من مس المرأة الأجنبية.

وبالتالي ينتقي من الطرق ما يناسب المريض طبيًّا، وما يناسب المريض من حيث وضعه وعلاقته بالمريض، وما جاء من مسح النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما كان لمن يحل له مسه من رجل أو قريب.

المذيع: جميل، بارك الله فيك فضيلة الشيخ، يبدو أنك عرجت في آخر حديثك إلى مجموعة من المخالفات، وإذا أسعفنا الوقت سنذكر أيضًا مجموعة أخرى من المخالفات فيما يتعلق بموضوع الرقية، اسمح لي فضيلة الشيخ أن نأخذ بعض الاتصالات من الإخوة المستمعين الكرام، هذا الأخ محمد، حياك الله يا محمد، أهلًا وسهلًا.

محمد: حياكم الله، السلام عليكم.

المذيع: عليكم السلام ورحمة الله، حياك الله.

محمد: أنا - الله يصلحكم ويصلح بكم - أريد أن أسأل الشيخ.

المذيع: تفضل يا أخ محمد نسمعك.

محمد: هل من الأفضل أن يرقي الإنسان نفسه ويطلب الشفاء من الله - تبارك وتعالى - بنفسه بقراءة القرآن، أم الأفضل أن يطلب الرقية من الغير؟

المذيع: طيب، جميل، يا محمد، شكرًا جزيلًا، معنا الأخ عبد العزيز الشريف، حياك الله يا عبد العزيز أهلًا وسهلًا.

عبد العزيز الشريف: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المذيع: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياك الله.

عبد العزيز الشريف: حياكم الله يا أستاذ وائل، بارك الله فيكم جميعًا على ما تقدمون.

المذيع: حياكم الله، أهلًا وسهلًا.

عبد العزيز الشريف: نحييكم فضيلة الشيخ، بعض الناس قد يعتريه شكٌّ في أن القرآن يشفي أو ما يشفي، يقول: نجرب القرآن أو نجرب السنة؛ فما صحة هذه العبارة؟

الأمر الثاني: يُروى أن (مَن استشفى بالقرآن فلم يُشْفَ فلا شفاه الله) فما صحة هذه العبارة؟

وهل كل مرض يصاب به الإنسان في بدنه أو في نفسه لابد أن يكون القرآن حاضرًا، أو لابد أن يعرض نفسه على أطباء وعلى المستشفيات وغير ذلك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، شكرًا لك الأخ عبد العزيز، معنا الأخ أبو رائد من الرياض، حياك الله يا أبا رائد.

أبو رائد: السلام عليكم ورحمة الله.

المذيع: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أخفض صوت الراديو يا أبا رائد.

أبو رائد: هل ورد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يرقي أحدًا وكان ينفث عليه؟ وهل القراءة عند النوم والنفث في اليدين وعلى الجسد وردت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ وهل القراءة على الشخص الآخر يجب أن تكون من رجل صالح أو رجل عامي أو يقرأ على نفسه؟ حفظك الله ورعاك.

المذيع: وإياك، شكرًا جزيلًا يا أبا رائد، اسمح لي فضيلة الشيخ أن نرتب الأسئلة وفق ما وردت من المستمعين الكرام؛ الأخ عبد العزيز الشريف يسأل عن الأثر (من استشفى بالقرآن فلم يُشفَ فلا شفاه الله) يسأل عن صحة هذا الأثر؟

الشيخ: المقصود شفاء القلوب بالتأكيد، الشفاء الذي يحصل به معرفة الله والعلم به، والهداية إلى الطريق الموصل إليه، من لم ينتفع بالقرآن في هذا النوع من الشفاء فلاشك أنه لا يمكن أن يشفى قلبه، فمن استشفى بالقرآن فلم يشفه القرآن في معرفة الله - عز وجل - والعلم به فلا شفاه الله؛ أي: لا يمكن أن يحصل له شفاء؛ لأن الله بيَّن أن القرآن هو الطريق الموصل إليه - جل وعلا -: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ[الإسراء: 9]، أما ما يتعلق بشفاء الأبدان، فشفاء الأبدان «ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواءً»[سنن ابن ماجه:ح3438، ومستدرك الحاكم:ح7427، وقال:حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. ووافقه الذهبي]، فالقرآن شفاء وكذلك ثمة أسباب أخرى يحصل بها الشفاء كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن يكن الشفاء في شيء من أدويتكم ففي شَربةِ عسلٍ وشَرطةِ مِحجَم ولَذعة كَيٍّ»[صحيح البخاري:ح5683] وهذا يبين أن الشفاء لا ينحصر فيما يتعلق بشفاء الأبدان في القرآن الكريم، بل يكون في القرآن وبغيره.

المذيع: جميل فضيلة الشيخ.

الشيخ: اتضح إذًا المعنى الآن، (فلا شفاه الله) هذا فيه هداية القلوب.

المذيع: فضيلة الشيخ، أبو رائد من الرياض يقول: هل النفث باليدين والنفث على الجسد هذه صيغة صحيحة مع القراءة؟

الشيخ: نعم، وهذه ثابتة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها في الصحيحين «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أوى إلى فراشه جمع يديه يعني قارب بينهما ونفث فيهما ثلاثًا»[صحيح البخاري:ح5017] النفث هو النفخ إما بشيء من الريق أو بدون شيء من الريق، «وقرأ الإخلاص والمعوذتين، ومسح بهما رأسه ووجهه وما أقبل من بدنه» هذا ثابت عنه أنه كان يفعل ذلك كل ليلة.

وأما فيما يتعلق بالقراءة على الغير؛ ذكرتُ قبل قليل أن ثمة أوجهًا في طرق القراءة؛ منها ما يكون قراءة محضة لا نفث فيها، ومنها ما فيه نفث، ومنها ما فيه نفث مع شيء من الريق، ومنها ما فيه مسح للمريض، ومنها ما فيه وضع لليد على المريض دون مسح، ومنها ما قد يجمع مسحًا ونفثًا، وكل ذلك جاءت به السنة، ويختار فيها القارئ ما هو أنسب لحال المرقي.

المذيع: جميل فضيلة الشيخ، أريد أن أختم معك الحديث بمسألة في أوصاف الذين يدخلون الجنة بغير حساب عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «هم الذين لا يَستَرقُون، ولا يَتَطيَّرون، وعلى ربهم يتوكَّلون»[صحيح البخاري:ح7505]، نريد أن نفنِّد مسألة: هل من الأفضل أن يرقي الإنسان نفسه ويطلب الشفاء من الله - تبارك وتعالى - بنفسه بقراءة القرآن، أم الأفضل أن يطلب الرقية من الغير؟ هذا يبدو أنه نفس ما ذكره الأخ محمد من حائل.

الشيخ: فيما يتعلق بكون الإنسان يرقي نفسه هذا أكمل في حصول المطلوب؛ لأنه أبلغ في الإلحاح على الله - عز وجل - والافتقار إليه؛ لأنه مضطر والله تعالى يقول: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ[النمل: 62]، فإذا كان عارفًا بالقراءة والمسألة ليس فيها عسر ولا صعوبة، يقرأ على نفسه مما يسَّر الله، فأكثر الرقى جاءت بالمعوذتين وبسورة الفاتحة، وهذه محفوظة ومعروفة عند أكثر أهل الإسلام من الصغار والكبار والذكور والإناث والحاضرة والبادية وسائر أهل هذه الدولة المباركة.

فكونه يرقي نفسه هذا هو الأصل، وهو أعظم لأجره، وأدعى لصدق لجئه واعتماده وتوكله على ربه - عز وجل -، لكن ثمة أحيان قد يرغب الإنسان في أن يرقيه غيره، إما لصغر سنه، وإما لرغبته في قراءة مطوَّلة أو لغير ذلك من الأسباب، فلا بأس بالرقى.

وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرقية: «من استطاع أن ينفع أخاه بشيء فلينفعه»[صحيح مسلم:ح2199/61] لكن الأكمل هو أن يرقي الإنسان نفسه؛ ولذلك كان من السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب الذين: «لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون»[سبق]، فأول خصالهم المذكورة في هذا الحديث أنهم «لا يسترقون» أي: لا يطلبون الرقية من غيرهم، لكن لو أن أحدًا رقاهم دون طلب لم يؤثر ذلك على حصولهم على هذه الفضيلة التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث؛ حديث عبد الله بن عباس في السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب.

ثمة أمور تتعلق بالرقية نحتاج إلى أن ننبه إليها فيما يتعلق بأخذ المال على الرقية، فيما يتعلق بالآداب التي ينبغي أن يراعيها الراقي، فيما يتعلق بتعليق القلب بالله لا بالراقي، ثمة أمور تحتاج إلى شيء من الوقفات؛ لعل الله أن ييسر لها لقاءً يغطي بعض الجوانب المتصلة بهذا الأمر الذي نحتاج إلى أن ننبه إليه؛ لأجل أن يدرك الإنسان غايته ومقصوده من الرقية ومن الاستشفاء بالقرآن، دون أن يوقعه ذلك في شيء من المخالفات والمحاذير الشرعية.

المذيع: تفضل فضيلة الشيخ، أمامنا دقيقتان تقريبًا إذا أحببت أن تختم بكلمة أخيرة.

الشيخ: نعم، الذي أوصي به نفسي وإخواني هو العناية بالاستشفاء بالقرآن في استقامة الحال وصلاح القلب، هذا هو الأصل الأصيل الذي ينبغي ألا يغيب عن كل من قرأ القرآن، عن كل من أقبل عليه، فالله - عز وجل - أخبر بهذا الخبر الكريم الذي جاء على وجه البشارة للبشرية: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ[يونس: 57- 58].

فجدير بنا أن نعالج قلوبنا من خصال الكفر، من خصال وسمات النفاق، من الآفات التي تصيب قلوبنا من الكِبْر والعُجْب أو ضعف التوكل أو ما إلى ذلك، وبقدر ما نُقبل على القرآن إنصاتًا واستماعًا وتدبرًا وتفكرًا ندرك من هذا الشفاء العظيم الذي به تطيب القلوب وتسعد في الدنيا والآخرة.

المذيع: فضيلة الشيخ أريد أن أختم معك بسؤال من إحدى الأخوات في الواتس أب، ألحت كثيرًا على السؤال وتقول: تريد الجواب من فضيلة الشيخ، تقول: زوجي يتواصل مع امرأة أجنبية بالجوال بغرض العمل، وتقول: إن الكلام الذي يكون بينهم فيه من التصبيحات والسؤال عن الحال وغيرها من هذه الأمور، تقول: إنها تعبت كثيرًا مع زوجها في هذا الموضوع وتريد توجيهًا منكم؟

الشيخ: أسأل الله أن يعينكِ وأن يُفرغ عليكِ صبرًا، والحقيقة أنَّ وسائل التواصل اليوم بذرت إشكالات أسرية كبيرة لهذا الانفتاح، سواء فيما يتعلق بتواصل الرجال مع النساء، أو النساء مع الرجال؛ فهناك من الزوجات من يتواصل مع الرجال، وهناك من الأزواج من يتواصل مع نساء أجنبيات، وكلاهما في الحقيقة يحتاج إلى معالجة وإلى تذكُّر أنَّ خطاب الرجل مع المرأة ينبغي أن يكون في الإطار الذي لا يوقع في الفتنة؛ لا يوقع الرجل ولا يوقع المرأة.

وأوصيكِ بتذكيره بالله - عز وجل-، لكن لا أرى المتابعة والمراقبة، هذا كله من المسالك التي تؤجِّج نار الخلاف وتؤزِّم العلاقة ولا تدركين به إلا عناءً ومشقة، إنما عليكِ بدعاء الله - عز وجل - والنصح فيما بدا وظهر، وأن هذا غير مقبول ولا يصير، والموضوع إذا كان فيه علاقة لعمل فإنه يُحدُّ بهذا القدر دون التجاوز؛ لأن ثمة تجاوزات وتوسعات قد تفضي إلى مفاسد، نسأل الله أن يصلح الأحوال وأن يديم بينكم الود والألفة والرحمة.

المذيع: اللهم آمين، شكر الله لك وكتب الله أجرك فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم، شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ على إثرائك لهذه الحلقة.

الشيخ: بارك الله فيك، وأسأل الله تعالى أن يعيننا وإياكم على الطاعة والإحسان، وأن ييسر الأمور لما فيه خير، وأختم بتعزية خادم الحرمين الشريفين وولي عهده والأسرة الكريمة المالكة في وفاة الأمير طلال بن عبد العزيز - رحمه الله -، أسأل الله أن يتغمده برحمته، وأن يجعل مثواه الجنات، وأن ينزل على ذويه الصبر، وأن يغفر لموتى المسلمين، وأن يحفظ هذه البلاد وأن يوفق ولاتنا إلى ما يحب ويرضى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

 

المادة السابقة
المادة التالية

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات90644 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87045 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف