×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

 الإجازة الخطبة الأولى : إن الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله. أما بعد. أيها المؤمنون . إنها أيام قلائل معدودة، ويستقبل عدد كبير من الطلاب، ذكورا وإناثا الإجازة السنوية الكبرى، يتفرغون فيها من الدراسة والواجبات، وغير ذلك من الالتزامات، وهذه الإجازة في حقيقتها عند كثير من الطلاب كم هائل من الوقت الفارغ، الذي لا يحسن استعماله ولا تصريفه، بل إن أكثرهم يدفع الزمن دفعا عجيبا، ويهدره إهدار من لا يخشى فقرا، ولا يرقب موتا، فإن طال بهم الليل فبحديث لا ينفع، أو اجتماع على مشاهدة أو سماع ما يضر ويفزع، وإن طال بهم النهار، فبالنوم على الفرش، أو التقلب عليها. وهم في أطراف النهار، إما في الأسواق، أو للسهرة والسمر في إعداد، فلما رأيت أن هذه هي الحال كان من واجب النصح للأمة أن نقف مع هذه الإجازة الكبرى وقفات، نعالج فيها أخطاءنا، ونقوم فيها معوجنا، ونرشد فيها ضالنا، وإن هذه الحال لهي غبن حقيقي، وصدق رسول الله  صلى الله عليه وسلم  إذ يقول: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ»+++ أخرجه البخاري (6412) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما---  . فمن أمضى يوما من أيامه في غير حق قضاه، أو فرض أداه، أو مجد أثله، أو حمد حصله، أو خير أسسه، أو علم اقتبسه، فقد عق يومه، وظلم نفسه.  أيها المؤمنون. إن أول ما نذكر به أنفسنا أننا يا عباد الله في سفر، شأنه عظيم، فنحن في سفر إلى الدار الآخرة، فمنا من يقطع مراحل سفره بما يرضي الله تعالى، في البكور والآصال، وآناء الليل وأطراف النهار، حتى إذا طلع صبح الآخرة، وانقشع ظلام الدنيا حمد سعيه، وابتهج بما أعد الله له ﴿وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ)+++ سورة هود: (108) ---.  ومنا من أقبل على شهواته وحظوظ نفسه، وغفل عن لقاء ربه، فقطع مراحل سفره بمساخط الله، فليس له هم في هذه الحياة الدنيا إلا بطنه وفرجه، حتى إذا جاء يوم القيامة، وعاين عمله وسعيه، وكسبه وكده في هذه الدنيا، قال: يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين، فبئس القرين.  فاتقوا الله عباد الله، واستعملوا حياتكم في طاعة الله تعالى، وما تسرون به، يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، فإن العبد إذا أيقن أنه في سفر تقطع مراحله، إما إلى جنة، وإما إلى نار، جد واجتهد، وسعى في فكاك نفسه من عذاب الله وغضبه.  أيها المؤمنون. إن ثاني ما نذكر به أنفسنا يا عباد الله، قول الله تعالى: ﴿فإذا فرغت فانصب . وإلى ربك فارغب﴾+++ سورة الشرح: (7-8)---.  وروي عن النبي  صلى الله عليه وسلم  من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وصححه الحاكم، وفيه حفص بن برقان أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: «اغتنم خمسا قبل خمس، وذكر منها: فراغك قبل شغلك»+++ أخرجه الحاكم في المستدرك (7846) والبيهقي في الشعب (10248) قال الحاكم: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.---  . فإن الإنسان في هذه الدنيا لابد له من انشغال بما يصلح دنياه، مع قيامه بما أمر الله به، فإذا فرغ العبد من أعماله، التي يصلح بها دنياه، وجب عليه أن يبادر إلى عمل صالح، ترفع به درجته، وتقال به عثرته، ويثقل به ميزانه. ثم أنتم أيها المؤمنون، مأمورون بعبادة الله تعالى في كل وقت وحين، فلم يجعل الله تعالى لعبادته أمدا تنتهي عنده، فاعمل قبل موتك يا عبد الله، قال الله تعالى: ﴿واعبد ربك حتى يأتيك اليقين﴾+++ سورة الحجر: (99)---.  أيها المؤمنون. إن من أهم وقفاتنا مع هذه الإجازة هي كيفية قضائها، فإن كثيرا من الناس يغيب عنه الاستثمار الصحيح لهذه الإجازة، بسبب جهله بأبواب الخير، التي يمكن قضاء الإجازة فيها، فأبواب الخير أيها الآباء والأولياء، وأيها الشباب والطلاب كثيرة، متعددة، تستوعب الطاقات، وتحفظ الأوقات، وتقي السيئات، وتنمي القدرات، ويتحقق من خلالها كثير من الخيرات، فمن الأبواب التي تقضى فيها هذه الإجازة حلق القرآن الكريم، يلتقي المشاركون فيها على خير كلام وأحسنه وأصدقه، يلتقون على كلام الله تعالى، الذي تحيا به القلوب وتطيب. فاحرصوا عليها أيها الشباب، واحرصوا عليها أيها الآباء، وشجعوا أولادكم على الدخول فيها، فإنها خير لكم، لو كنتم تعلمون.  أيها المؤمنون. إن من أبواب الخير التي تقضى فيها هذه الإجازات الدورات والدروس العلمية، التي ازدانت بها المساجد، فإن فيها خيرا كثيرا. فيها يقترب المرء من أهل العلم والإيمان، الذين يبصرون من العمى، ويهدون من الضلالة. وفيها يتعلم المؤمنون ما يجب معرفته من علوم الشريعة وأحكامها.  أيها المؤمنون.  إن من القنوات التي تحفظ بها أوقات الشباب -ذكورا وإناثا- المراكز الصيفية، التي يشرف عليها أساتذة فضلاء، ومربون نجباء، يعملون على إشغال أوقات الشباب بما يفيدهم وينفعهم، ففيها الأنشطة الثقافية، والأعمال الترويحية والمهنية، ولو لم يكن فيها إلا حفظ الشباب من الاجتماعات السيئة لكان ذلك خيرا كثيرا.  أيها المؤمنون. إن من أبواب الخير التي تقضى بها الإجازة السفر إلى بيت الله الحرام، ومسجد رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام. ومما تستغل فيه الإجازة صلة الأرحام، وزيارة الأصحاب والإخوان.  أيها المؤمنون. إن من الوقفات المهمة في إقبال هذه الإجازة أن نذكر أولياء الأمور، من الآباء والأمهات وغيرهم بضرورة العناية بأولادهم صغارا وكبارا، ذكورا وإناثا، فإنهم يحتاجون في هذه الفترة، من العناية والرعاية والحفظ والصيانة قدرا كبيرا؛ وذلك أنهم في فراغ عن الأشغال، والفراغ السائب الخالي من التوجيه والاستثمار من أكبر أسباب الانحراف ودواعي الضلال:  إن الشباب والفراغ و الجدة  *** مفسدة للمرء أي مفسدة+++ من ديوان أبي العتاهية – الأرجوزة الزهدية--- لاسيما في هذه الأزمان، التي كثرت فيها أسباب الضلال، التي تتخطف الناس عن صراط الله المستقيم.   فاحرصوا أيها الأولياء على إشغال أولادكم بما يفيدهم ويحفظهم، وإياكم إياكم والتفريط في ذلك، فإن الأمر جد خطير. احفظوهم من أصحاب السوء. احفظوهم من القنوات الفضائية المفسدة للأخلاق والأديان. احفظوهم من الاهتمامات الهابطة، والسهرات الفارغة. أشغلوهم بالأعمال التي تحفظ أوقاتهم، وتنمي قدراتهم، واستعينوا بالله في ذلك واصبروا عليهم، واحتسبوا الأجر عند الله، فإن من خير ما تركتم بعدكم ذرية صالحة، تذكر الله وتعبده، وتدعو لكم بخير.    الخطبة الثانية : أما بعد.  فيا أيها المؤمنون. إنني أحذركم في هذه الوقفة من أمر عظيم، استهان به كثير من الناس، وهو السفر إلى الخارج، السفر إلى بلاد الكفر، أو بلاد المعصية والفسق. السفر إلى مواطن البلاء، والفتنة العمياء، إلى بلاد يصبح الرجل فيها مؤمنا صالحا، ويمسي فاسقا عاصيا. أيها المؤمنون! إنني أقول بلا شك ولا تردد: إن السفر إلى الخارج للنزهة حرام، لا يجوز، لا يشك في ذلك من عرف ما في تلك البلاد من الفتن، التي هي كقطع الليل المظلم. فاحذروا أيها المؤمنون الفتن، ما ظهر منها وما بطن، فإن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قد قال: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال –أي: رؤوسها- ومواقع القطر ، يفر بدينه من الفتن»+++ أخرجه البخاري (18) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.--- . فكيف نقول في أقوام ذهبوا بأنفسهم وأهليهم وأولادهم، ذكورا وإناثا، إلى بلاد، كثر فيها الخبث والشر، انتشرت فيها الخمور والشرور، وظهر فيها الزنى والخنا؟! أما يخاف هذا أن يقلب الله قلبه، أو أن يزيغ بصره، أو يسلبه الإيمان، أو ينزل عليه سخط الله الواحد الديان.  فاتقوا الله عباد الله، فإنه لا يجوز لكم السفر إلى بلاد الفتنة والشر، فإن قال قائل: الحر شديد، فأقول له: أخي بارك الله فيك، أنسيت قول الله العزيز الحكيم: ﴿قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون﴾+++ سورة التوبة: (81 )---. فاصبروا عباد الله، واثبتوا على الحق، واحمدوا الله أن جعل لكم في بلادكم ما يحصل به مقصودكم، من النزهة والفسحة والبراد.  أيها المؤمنون! الوقفة الأخيرة، أحثكم فيها جميعا على نشر الخير بين الناس، ودعوتهم إلى البر والتقوى، لا سيما طلبة العلم، وأهل الخير، فإن عليهم واجبا عظيما، لا سيما في هذه الأزمان المتأخرة، التي راجت فيها سوق الفساد، ونشط أهل الإفساد، وقويت فيها أسباب الزيغ والانحراف. فاجتهدوا أيها المؤمنون في الدعوة إلى الله، بالحكمة والموعظة الحسنة. علموا الجاهل، وأرشدوا الضال التائه، مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر. انشروا الخير بين الناس، واستمدوا من الله التوفيق والإعانة، واعلموا أن العاقبة للمتقين، وكفى بربك هاديا ونصيرا.  هذه أيها المؤمنون بعض الوقفات المهمة، التي نحتاجها جميعا، فأسأل الله الكريم، رب العرش العظيم أن ينفعنا بما سمعنا، وأن يسمعنا ما ينفعنا.   

المشاهدات:2819

 الإِجازةُ

الخطبة الأولى :

إن الحمد لله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أما بعد.
أيها المؤمنون .
إنها أيامٌ قلائلُ معدودةٌ، ويستقبل عددٌ كبيرٌ من الطلابِ، ذكوراً وإناثاً الإجازةَ السنويةَ الكبرى، يتفرَّغون فيها من الدراسةِ والواجباتِ، وغيرِ ذلك من الالتزاماتِ، وهذه الإجازةُ في حقيقتِها عند كثيرٍ من الطلابِ كمٌّ هائلٌ من الوقتِ الفارغِ، الذي لا يُحسِنُ استعمالَه ولا تصريفَه، بل إن أكثرَهم يدفعُ الزمنَ دفعاً عجيباً، ويهدرُه إهدارَ مَنْ لا يخشى فقراً، ولا يرقُبُ موتاً، فإن طالَ بهم الليلُ فبحديثٍ لا ينفعُ، أو اجتماعٍ على مشاهدةِ أو سماعِ ما يضرُّ ويُفزعُ، وإن طالَ بهم النهارُ، فبالنَّومِ على الفرشِ، أو التقلُّب عليها.
وهم في أطرافِ النهارِ، إما في الأسواقِ، أو للسَّهْرةِ والسَّمَرِ في إعدادٍ، فلما رأيت أن هذه هي الحالُ كان من واجبِ النُّصْحِ للأمةِ أن نقفَ مع هذه الإجازةِ الكبرى وقفاتٍ، نعالج فيها أخطاءَنا، ونقوِّمُ فيها معوجَنا، ونُرشد فيها ضالَّنا، وإن هذه الحال لهي غبنٌ حقيقيٌّ، وصَدَقَ رسولُ الله  صلى الله عليه وسلم  إذ يقول: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ» أخرجه البخاري (6412) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما  .
فمن أمضى يوماً من أيامه في غير حقٍّ قضاه، أو فرضٍ أدَّاه، أو مجدٍ أثَّله، أو حمد حصَّله، أو خيرٍ أسسه، أو علم اقتبسه، فقد عقَّ يومَه، وظلم نفسه. 
أيها المؤمنون.
إن أولَ ما نذكِّرُ به أنفسَنا أننا يا عبادَ اللهِ في سفرٍ، شأنُه عظيمٌ، فنحنُ في سفرٍ إلى الدارِ الآخرةِ، فمِنَّا من يقطعُ مراحلَ سفرِهِ بما يرضي اللهَ تعالى، في البُكورِ والآصالِ، وآناءِ الليل وأطرافِ النهار، حتى إذا طلع صبحُ الآخرةِ، وانقشعَ ظلامُ الدنيا حمِدَ سعيَه، وابتهج بما أعدَّ اللهُ له ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) سورة هود: (108)
ومِنَّا من أقبل على شهواتِه وحظوظِ نفسه، وغفلَ عن لقاءِ ربِّه، فقطعَ مراحلَ سفرِهِ بمساخطِ الله، فليس له همٌّ في هذه الحياةِ الدنيا إلا بطنُه وفرجُه، حتى إذا جاء يومَ القيامةِ، وعاينَ عملَه وسعيَه، وكسبَه وكدَّه في هذه الدنيا، قال: يا ليتَ بيني وبينَك بُعدَ المشرقَيْن، فبئس القرينُ. 
فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، واستعملوا حياتَكم في طاعة الله تعالى، وما تُسرُّون به، يومَ تبيضُّ وجوهٌ وتسودُّ وجوهٌ، فإن العبدَ إذا أيقنَ أنه في سفرٍ تُقطَعُ مراحلُه، إما إلى جنةٍ، وإما إلى نارٍ، جدَّ واجتهد، وسعى في فِكاك نفسِه من عذاب الله وغضبِه. 
أيها المؤمنون.
إن ثانيَ ما نذكِّرُ به أنفسَنا يا عبادَ الله، قولُ الله تعالى: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ . وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾ سورة الشرح: (7-8)
وروي عن النبي  صلى الله عليه وسلم  من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وصححه الحاكم، وفيه حفص بن برقان أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: «اغتنم خمساً قبلَ خمسٍ، وذكر منها: فراغَك قبلَ شُغلِك» أخرجه الحاكم في المستدرك (7846) والبيهقي في الشعب (10248) قال الحاكم: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.  .
فإن الإنسانَ في هذه الدنيا لابد له من انشغالٍ بما يصلح دنياه، مع قيامه بما أمر اللهُ به، فإذا فرغ العبدُ من أعمالِهِ، التي يُصلِحُ بها دنياه، وجب عليه أن يبادرَ إلى عملٍ صالحٍ، تُرفع به درجتُه، وتُقالُ به عَثْرتُه، ويثقلُ به ميزانُه.
ثم أنتم أيها المؤمنون، مأمورون بعبادة الله تعالى في كلِّ وقتٍ وحينٍ، فلم يجعل اللهُ تعالى لعبادته أمداً تنتهي عندَه، فاعمل قبل موتِك يا عبد الله، قال الله تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ سورة الحجر: (99)
أيها المؤمنون.
إن من أهمِّ وقفاتِنا مع هذه الإجازةِ هي كيفيةُ قضائِها، فإن كثيراً من الناس يغيبُ عنه الاستثمارُ الصحيحُ لهذه الإجازة، بسبب جهلِه بأبوابِ الخيرِ، التي يمكنُ قضاءُ الإجازةِ فيها، فأبوابُ الخيرِ أيها الآباءُ والأولياءُ، وأيها الشبابُ والطلابُ كثيرةٌ، متعددةٌ، تستوعبُ الطاقاتِ، وتحفظُ الأوقاتَ، وتقي السيئاتِ، وتنمي القدراتِ، ويتحقَّقُ من خلالها كثيٌر من الخيراتِ، فمن الأبوابِ التي تقضى فيها هذه الإجازةُ حِلقُ القرآنِ الكريمِ، يلتقي المشاركون فيها على خيرِ كلامٍ وأحسنِه وأصدقِه، يلتقون على كلامِ الله تعالى، الذي تحيَا به القلوبُ وتطيبُ.
فاحرصوا عليها أيُّها الشبابُ، واحرِصُوا عليها أيُّها الآباءُ، وشجِّعوا أولادَكم على الدخولِ فيها، فإنها خيرٌ لكم، لو كنتم تعلمون. 
أيها المؤمنون.
إن من أبواب الخير التي تُقضى فيها هذه الإجازاتُ الدوراتِ والدروسَ العلميةَ، التي ازدانت بها المساجدُ، فإن فيها خيراً كثيراً.
فيها يقتربُ المرءُ من أهلِ العلمِ والإيمانِ، الذين يبصِّرون من العمى، ويهدون من الضلالةِ.
وفيها يتعلم المؤمنون ما يجب معرفتُه من علومِ الشريعةِ وأحكامِها. 
أيها المؤمنون. 
إن من القنواتِ التي تُحفظُ بها أوقاتُ الشبابِ -ذكوراً وإناثاً- المراكزَ الصيفيَة، التي يُشرِف عليها أساتذةٌ فضلاءُ، ومربون نجباءُ، يعملون على إشغالِ أوقاتِ الشبابِ بما يفيدُهم وينفعُهم، ففيها الأنشطةُ الثقافيةُ، والأعمالُ الترويحيةُ والمهنيةُ، ولو لم يكن فيها إلا حفظُ الشبابِ من الاجتماعاتِ السيئةِ لكان ذلك خيراً كثيراً. 
أيها المؤمنون.
إن من أبوابِ الخيرِ التي تُقضى بها الإجازةُ السفرَ إلى بيتِ اللهِ الحرامِ، ومسجدِ رسولِ الله عليه أفضل الصلاة والسلام.
ومما تستغلُ فيه الإجازةُ صلةُ الأرحامِ، وزيارةُ الأصحابِ والإخوانِ. 
أيها المؤمنون.
إن من الوقفاتِ المهمةِ في إقبالِ هذه الإجازةِ أن نذكِّرَ أولياءَ الأمورِ، من الآباءِ والأمهاتِ وغيرِهم بضرورةِ العنايةِ بأولادهم صغاراً وكباراً، ذكوراً وإناثاً، فإنهم يحتاجون في هذه الفترةِ، من العنايةِ والرعايةِ والحفظِ والصيانةِ قدراً كبيراً؛ وذلك أنهم في فراغٍ عن الأشغال، والفراغُ السائبُ الخالي من التوجيهِ والاستثمارِ من أكبر أسباب الانحراف ودواعي الضلال: 
إن الشبابَ والفراغَ و الجِدَة  *** مفسدةٌ للمرءِ أيُّ مفسدة من ديوان أبي العتاهية – الأرجوزة الزهدية
لاسيما في هذه الأزمانِ، التي كثُرت فيها أسبابُ الضلالِ، التي تتخطَّفُ الناسَ عن صراطِ اللهِ المستقيمِ.
  فاحرصوا أيها الأولياءُ على إشغالِ أولادِكم بما يفيدهم ويحفظهم، وإياكم إياكم والتفريطَ في ذلك، فإن الأمرَ جِدُّ خطيرٌ.
احفظوهم من أصحابِ السوءِ.
احفظوهم من القنواتِ الفضائيةِ المفسدةِ للأخلاقِ والأديانِ.
احفظوهم من الاهتماماتِ الهابطةِ، والسهراتِ الفارغةِ.
أشغِلُوهم بالأعمالِ التي تحفظُ أوقاتَهم، وتنمي قدراتِهم، واستعينوا بالله في ذلك واصبروا عليهم، واحتسبوا الأجرَ عندَ اللهِ، فإنَّ من خيرِ ما تركتم بعدَكم ذريةً صالحةً، تذكِّر اللهَ وتعبُدُه، وتدعو لكم بخير. 
 
الخطبة الثانية :
أما بعد. 
فيا أيها المؤمنون.
إنني أحذِّرُكم في هذه الوقفةِ من أمرٍ عظيمٍ، استهانَ به كثيرٌ من الناسِ، وهو السفرُ إلى الخارج، السفرُ إلى بلادِ الكفرِ، أو بلادِ المعصيةِ والفسقِ.
السفرُ إلى مواطنِ البلاءِ، والفتنةِ العمياءِ، إلى بلادٍ يصبحُ الرجلُ فيها مؤمناً صالحاً، ويمسي فاسقاً عاصياً.
أيها المؤمنون! إنني أقولُ بلا شكٍّ ولا تردُّدٍ: إن السفرَ إلى الخارجِ للنزهة حرامٌ، لا يجوز، لا يشكُّ في ذلك مَن عرفَ ما في تلك البلاد من الفِتن، التي هي كقِطَعِ الليلِ المظلمِ.
فاحذَروا أيها المؤمنون الفتنَ، ما ظهر منها وما بطن، فإن رسولَ الله  صلى الله عليه وسلم  قد قال: «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ المُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الجِبَالِ –أي: رؤوسها- وَمَوَاقِعَ القَطْرِ ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ» أخرجه البخاري (18) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. .
فكيف نقولُ في أقوامٍ ذهبوا بأنفسِهم وأهلِيهم وأولادِهم، ذكوراً وإناثاً، إلى بلادٍ، كثُرَ فيها الخبثُ والشرُّ، انتشرت فيها الخمورُ والشرورُ، وظهر فيها الزنى والخنا؟!
أَمَا يخافُ هذا أن يقلبَ اللهُ قلبَه، أو أن يزيغَ بصرَه، أو يُسلبه الإيمانَ، أو ينزلَ عليه سخطُ اللهِ الواحدِ الدَّيانِ. 
فاتقوا الله عباد الله، فإنه لا يجوز لكم السفرُ إلى بلادِ الفتنةِ والشرِّ، فإن قال قائل: الحرُّ شديدٌ، فأقول له: أخي بارك الله فيك، أنسيتَ قولَ اللهِ العزيزِ الحكيم: ﴿قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾ سورة التوبة: (81 ).
فاصبروا عباد الله، واثبتوا على الحقِّ، واحمدوا اللهَ أن جعَلَ لكم في بلادِكم ما يحصلُ به مقصودُكم، من النزهةِ والفسحةِ والبرادِ. 
أيها المؤمنون! الوقفة الأخيرة، أحثُّكُم فيها جميعاً على نشرِ الخيرِ بين الناس، ودعوتِهم إلى البِرِّ والتقوى، لا سيما طلبةُ العلمِ، وأهلُ الخيرِ، فإن عليهم واجباً عظيماً، لا سيما في هذه الأزمانِ المتأخرةِ، التي راجت فيها سوقُ الفسادِ، ونشط أهلُ الإفسادِ، وقويت فيها أسبابُ الزَّيْغِ والانحرافِ.
فاجتهدوا أيها المؤمنون في الدعوةِ إلى اللهِ، بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ.
علِّمُوا الجاهلَ، وأرشدُوا الضالَّ التائهَ، مُرُوا بالمعروف، وانهوا عن المنكر.
انشروا الخيرَ بين الناس، واستمدوا من الله التوفيقَ والإعانةَ، واعلموا أن العاقبة للمتقين، وكفى بربك هادياً ونصيراً. 
هذه أيها المؤمنون بعضُ الوقفاتِ المهمةِ، التي نحتاجُها جميعاً، فأسأل اللهَ الكريمَ، ربَّ العرشِ العظيمِ أن ينفعنا بما سمعنا، وأن يُسمعنا ما ينفعنا. 
 

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات83197 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات78237 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات72548 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات60684 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات55032 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات52241 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات49437 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات47987 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات44833 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات44139 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف