×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المبحث الثاني: حكم العمرة وتكررها المطلب الأول: حكم العمرة اتفق العلماء على أن العمرة مشروعة، وأنها عمل صالح؛ لكنهم اختلفوا أهي واجبة أم سنة؟ على قولين في الجملة: القول الأول: أن العمرة واجبة مرة في العمر كالحج؛ وبهذا قال جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم ابن عباس، وابن عمر، وزيد بن ثابت، وجابر +++ (فتح الباري (3/ 597).) ---. وقال به عطاء، وطاووس، والحسن، وابن سيرين. وإليه ذهب الشافعي +++ (الحاوي الكبير (4/ 33)، وروضة الطالبين (10/ 221).) ---، وأحمد +++ (المغني، لابن قدامة (3/ 219)، وكشاف القناع (2/ 377).) ---، وإسحاق +++ (شرح صحيح البخاري لابن بطال (4/ 434)، والتمهيد (20/ 14).) ---. ونسب هذا القول لمالك +++ (قال في الموطأ (1/ 347): «العمرة سنة، ولا أعلم أحدا من المسلمين أرخص في تركها». وقال ابن عبد البر في الاستذكار (4/ 108) «قال أبو عمر هذا اللفظ يدل ظاهره على وجوب العمرة وقد جهل بعض الناس مذهب مالك فظن أنه يوجب العمرة فرضا بقوله ولا نعلم أحدا من المسلمين أرخص في تركها وقال هذا سبيل الفرائض وليس كذلك عند جماعة أصحابه ولا يختلفون عنه أنها سنة مؤكدة».) ---. القول الثاني: أن العمرة سنة وليست واجبة، وبهذا قال ابن مسعود. وبه قال أبوحنيفة +++ (مختصر القدوري (ص 61)، والاختيار لتعليل المختار (1/ 157).) ---، وأبو ثور، والنخعي +++ (الاستذكار، لابن عبد البر (4/ 108).) ---، وإليه ذهب مالك في المشهور عنه، وهو قديم قولي الشافعي +++ (الحاوي الكبير (4/ 34).) ---، ورواية عن أحمد +++ (الفروع، لابن مفلح (5/ 203).) ---، واختاره ابن تيمية +++ (مجموع الفتاوى (27/ 365).) ---. وقد استدل كل فريق بأدلة، أورد هنا أبرزها. أدلة القول الأول: أولا: قول الله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله}، ووجهه أن معنى أتموا أقيموا، قاله السدي، وغيره +++ (ينظر: التمهيد (20/ 15).) ---. وقيل أيضا: إذا كان الإتمام واجبا، فالابتداء كذلك. وقيل أيضا: إن الله أمر بإتمام الحج، وعطفها عليه في قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله}، والمعطوف على الفرض فرض، والقاعدة في اللغة تقتضي بأن للمعطوف حكم المعطوف عليه +++ (ينظر: تمهيد القواعد شرح تسهيل الفوائد (6/ 3040)، والتمهيد، للكلوذاني (2/ 184).) ---. ونوقش بأن كل هذه الأوجه لا تفيد الوجوب، وأن الأمر بالإتمام بعد الشروع في الحج والعمرة +++ (مجموع الفتاوى (27/ 365).) ---. ثانيا: حديث أبي رزين العقيلي +++ (أبو رزين-بفتح الراء وكسر الزاي-. واسمه لقيط بن عامر. فتح الباري (4/ 69).) --- أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة، فقال صلى الله عليه وسلم: «حج عن أبيك واعتمر» +++ (أخرجه أحمد (16184)، وابن ماجه (2906)، والترمذي (930)، والنسائي (3587).) ---. قال أحمد عنه: «لا أعلم في إيجاب العمرة حديثا أجود من هذا، ولا أصح منه» +++ (ينظر: السنن الكبرى، للبيهقي (8/ 320).) ---. وصححه الترمذي +++ (سنن الترمذي (930).) ---. وقد ناقش ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق الاستدلال به على الوجوب؛ فقال: «هذا الحديث لا يدل على وجوب العمرة، وليس هذا الأمر على الوجوب، فإنه لا يجب أن يحج عن أبيه، وإنما يدل الحديث على جواز فعل الحج والعمرة عنه؛ لكونه غير مستطيع، والله أعلم» +++ (تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (3/ 424).) ---. ثالثا: أن الصبي بن معبد أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له: يا أمير المؤمنين إني كنت رجلا أعرابيا نصرانيا، وإني أسلمت، وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي، وإني أهللت بهما معا. فقال له عمر رضي الله عنه: «هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم» +++ (رواه أبو داود (1798)، والنسائي (2718).) ---. ويناقش بأن الكتابة لا تدل على الفرضية بل على المشروع. رابعا: حديث عمر في سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام ففي بعض رواياته قوله صلى الله عليه وسلم في بيان ما الإسلام: «وأن تحج وتعتمر» +++ (رواه ابن خزيمة (3065)، وغيره.) ---. قال عنه ابن حجر: «وإسناده قد أخرجه مسلم لكن لم يسق لفظه» +++ (فتح الباري (3/ 597).) ---. ويناقش بأنه لفظ غير محفوظ. أدلة القول الثاني: أولا: حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة أواجبة هي؟ فقال: «لا، وأن تعتمروا هو أفضل» +++ (رواه الترمذي (931).) ---، قال عنه الترمذي: «حسن صحيح»، وهو عند أحمد بلفظ: «لا، وأن تعتمر خير لك» +++ (رواه أحمد (14621).) ---. وقد نوقش بأنه حديث ضعيف +++ (رواه أحمد (14621). قال النووي المجموع شرح المهذب (7/ 6): «أما قول الترمذي: إن هذا حديث حسن صحيح، فغير مقبول، ولا يغتر بكلام الترمذي في هذا، فقد اتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف».، فمدار الحديث على الحجاج بن أرطأة، وهو ضعيف، قال ابن عبد البر التمهيد (20/ 14): «وما انفرد به الحجاج بن أرطأة فلا حجة فيه». وقد نقل تضعيفه ابن القيم عن البيهقي في حاشيته على تهذيب السنن (5/ 250)، وقال ابن حجر فتح الباري (3/ 597): «ولا يثبت في هذا الباب عن جابر شيء».) ---. ثانيا: ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العمرة تطوع» +++ (رواه ابن أبي شيبة (13824)، والبيهقي (8841).) ---. ونوقش بأنه ضعيف، قال عنه ابن عبد البر: «روي بأسانيد لا تصح ولا تقوم بمثلها حجة» +++ (التمهيد (20/ 14).) ---. والأقرب من هذين القولين القول بأن العمرة سنة، وليست واجبة؛ ذلك أنه لم ينتهض نص صريح بين في إيجاب العمرة، والأصل براءة الذمة حتى يقوم الدليل البين على الوجوب، والله أعلم. المطلب الثاني: حكم تكرار العمرة لا خلاف بين العلماء في استحباب تكرار العمرة من حيث الأصل؛ دل على ذلك أحاديث منها ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما» +++ (البخاري (1773)، ومسلم (1349).) ---. وللعلماء في التكرار تفاصيل يمكن إجمالها في حالين: الحالة الأولى: أن يكرر العمرة في عدة أسفار، في هذا لأهل العلم قولان: القول الأول: يستحب تكرار العمرة إذا خص كل عمرة بسفرة. وبهذا قال جمهور العلماء من السلف والخلف +++ (الحاوي الكبير (4/ 31).) ---، ومنهم أبو حنيفة +++ (ينظر: الدر المختار (3/ 585).) --- والشافعي +++ (ينظر: الحاوي الكبير (4/ 31).) ---، وأحمد +++ (ينظر: المغني (3/ 220).) ---، وهو قول جمهور العلماء من السلف والخلف. واستدلوا لذلك بالأتي: أولا: ما جاء من الأحاديث في فضل العمرة عموما. ثانيا: ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما» +++ (رواه البخاري (1773)، ومسلم (1349).) ---. ثالثا: ما جاء في السنن من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة» +++ (رواه ابن ماجه (2887)، والترمذي (810)، والنسائي (3596)، وقال الترمذي: «حسن صحيح غريب».) ---. ثالثا: آثار الصحابة رضي الله عنهم فقد نقل ابن المنذر +++ (ينظر: الإشراف على مذاهب العلماء (3/ 377).) --- عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم تكرار العمرة قولا وفعلا منهم علي بن أبي طالب، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وعائشة، وغيرهم كما سياتي. القول الثاني: تكره العمرة في السنة أكثر من مرة، وبهذا قال الحسن البصري وابن سيرين، ومالك +++ (ينظر: الإشراف على مذاهب العلماء (3/ 377)، والاستذكار (4/ 109)، المغني (3/ 230).) ---. واستدلوا لذلك بأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكررها في عام واحد مع قدرته على ذلك. «قال إبراهيم النخعي: ما كانوا يعتمرون في السنة إلا مرة واحدة» +++ (ينظر: الإشراف على مذاهب العلماء (3/ 377).) ---. والراجح ما ذهب إليه الجماهير من استحباب تكرار العمرة إذا خص كل عمرة بسفرة. الحالة الثانية: أن يكرر العمرة في سفرة واحدة، وفيها للعلماء عدة أقوال: القول الأول: يجوز تكرار العمرة في سفرة واحدة، وبه قال جمهور العلماء، قال ابن عبد البر: «الجمهور على جواز الاستكثار منها في اليوم والليلة» +++ (الاستذكار (4/ 113).) ---. وقال النووي: «لا يكره عمرتان وثلاث، وأكثر في السنة الواحدة، ولا في اليوم الواحد، بل يستحب الإكثار منها بلا خلاف عندنا» +++ (المجموع شرح المهذب (7/ 147).) ---.واختاره شيخنا ابن باز. القول الثاني: يكره تكرار العمرة في سفرة واحدة، مثل أن «يعتمر من يرى العمرة من مكة كل يوم عمرة أو عمرتين فهذا مكروه باتفاق سلف الأمة لم يفعله أحد من السلف، بل اتفقوا على كراهيته» +++ (مجموع الفتاوى (26/ 296).) ---، هكذا قال ابن تيمية. وقد استدل كل فريق بأدلة، أورد هنا أبرزها. أدلة القول الأول: أولا: أنه «عمل بر وخير، فلا يجب الامتناع منه إلا بدليل، ولا دليل يمنع منه بل الدليل يدل عليه بقول الله تعالى: {وافعلوا الخير} [الحج: 77]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما» +++ (تقدم تخريجه.) ---. ثانيا: أنه «المروي عن الصحابة: كعلي وابن عمر وابن عباس وأنس وعائشة؛ لأن عائشة اعتمرت في شهر مرتين بأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمرتها التي كانت مع الحجة والعمرة التي اعتمرتها من التنعيم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الحصبة التي تلي أيام منى وهي ليلة أربعة عشر من ذي الحجة» +++ (الإشراف على مذاهب العلماء (3/ 377).) ---. و «قال علي: اعتمر في الشهر إن أطقت مرارا» +++ (مجموع الفتاوى (26/ 269)، وينظر: الاستذكار (4/ 114).) ---. وروى سعيد بن منصور عن سفيان عن ابن أبي حسين عن بعض ولد أنس: أن أنسا كان إذا كان بمكة فحمم راسه خرج إلى التنعيم واعتمر +++ (مجموع الفتاوى (26/ 269).) ---. أدلة القول الثاني: استدلوا بما جاء عن جماعة من السلف من النهي عن ذلك؛ منهم سعيد بن جبير، وطاووس، وهو من أجل أصحاب ابن عباس، قال طاووس: الذين يعتمرون من التنعيم ما أدري أيؤجرون عليها أم يعذبون +++ (ينظر: الاستذكار (4/ 114)، المغني (3/ 230)، مجموع الفتاوى (26/ 269).) ---. والذي يترجح من هذه الأقوال: أن تكرار العمرة إذا كان لسبب كالذي حدث مع عائشة رضي الله عنها، فلا حرج في التكرار ولو كان في سفرة واحدة وقربت المدة، وذلك لما ثبت من إذن النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة في العمرة بعد حجها، ومثله ما إذا كان يعتمر عن غيره، وكذلك يجوز تكرار العمرة إن طالت مدة الإقامة في مكة كما جاء عن أنس وغيره من الصحابة. وقد قدر ذلك بزمن نبات الشعر بعد حلقه وهو عشرة أيام تقريبا، كما نقل عن الإمام أحمد رحمه الله، أما إذا لم يكن سبب لتكرار العمرة فلا يشرع التكرار في مدة متقاربة لعدم الدليل. ومن الجدير بالتنبه إليه أنه حتى على القول بمشروعية التكرار في سفرة واحدة، فإنه ليس في المنقول عن السلف القائلين بجواز تكرار العمرة فعلها على نحو ما يفعله بعض الناس من تكرار العمرة في اليوم عدة مرات أو تكرارها يوميا، أو كل يومين ونحو ذلك.

المشاهدات:4101
المبحث الثاني: حكم العمرة وتكررها
المطلب الأول: حكم العمرة
اتفق العلماء على أن العمرة مشروعة، وأنها عمل صالح؛ لكنهم اختلفوا أهي واجبة أم سنة؟ على قولين في الجملة:
القول الأول: أن العمرة واجبة مرة في العمر كالحج؛ وبهذا قال جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم ابن عباس، وابن عمر، وزيد بن ثابت، وجابر (فتح الباري (3/ 597).) . وقال به عطاء، وطاووس، والحسن، وابن سيرين. وإليه ذهب الشافعي (الحاوي الكبير (4/ 33)، وروضة الطالبين (10/ 221).) ، وأحمد (المغني، لابن قدامة (3/ 219)، وكشاف القناع (2/ 377).) ، وإسحاق (شرح صحيح البخاري لابن بطال (4/ 434)، والتمهيد (20/ 14).) . ونسب هذا القول لمالك (قال في الموطأ (1/ 347): «العمرة سنة، ولا أعلم أحدا من المسلمين أرخص في تركها». وقال ابن عبد البر في الاستذكار (4/ 108) «قال أبو عمر هذا اللفظ يدل ظاهره على وجوب العمرة وقد جهل بعض الناس مذهب مالك فظن أنه يوجب العمرة فرضا بقوله ولا نعلم أحدا من المسلمين أرخص في تركها وقال هذا سبيل الفرائض وليس كذلك عند جماعة أصحابه ولا يختلفون عنه أنها سنة مؤكدة».) .
القول الثاني: أن العمرة سنة وليست واجبة، وبهذا قال ابن مسعود. وبه قال أبوحنيفة (مختصر القدوري (ص 61)، والاختيار لتعليل المختار (1/ 157).) ، وأبو ثور، والنخعي (الاستذكار، لابن عبد البر (4/ 108).) ، وإليه ذهب مالك في المشهور عنه، وهو قديم قولي الشافعي (الحاوي الكبير (4/ 34).) ، ورواية عن أحمد (الفروع، لابن مفلح (5/ 203).) ، واختاره ابن تيمية (مجموع الفتاوى (27/ 365).) .
وقد استدل كل فريق بأدلة، أورد هنا أبرزها.
أدلة القول الأول:
أولا: قول الله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله}، ووجهه أن معنى أتموا أقيموا، قاله السدي، وغيره (ينظر: التمهيد (20/ 15).) .
وقيل أيضا: إذا كان الإتمام واجبا، فالابتداء كذلك. وقيل أيضا: إن الله أمر بإتمام الحج، وعطفها عليه في قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله}، والمعطوف على الفرض فرض، والقاعدة في اللغة تقتضي بأن للمعطوف حكم المعطوف عليه (ينظر: تمهيد القواعد شرح تسهيل الفوائد (6/ 3040)، والتمهيد، للكلوذاني (2/ 184).) .
ونوقش بأن كل هذه الأوجه لا تفيد الوجوب، وأن الأمر بالإتمام بعد الشروع في الحج والعمرة (مجموع الفتاوى (27/ 365).) .
ثانيا: حديث أبي رزين العقيلي (أبو رزين-بفتح الراء وكسر الزاي-. واسمه لقيط بن عامر. فتح الباري (4/ 69).) أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة، فقال صلى الله عليه وسلم: «حج عن أبيك واعتمر» (أخرجه أحمد (16184)، وابن ماجه (2906)، والترمذي (930)، والنسائي (3587).) . قال أحمد عنه: «لا أعلم في إيجاب العمرة حديثا أجود من هذا، ولا أصح منه» (ينظر: السنن الكبرى، للبيهقي (8/ 320).) . وصححه الترمذي (سنن الترمذي (930).) .
وقد ناقش ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق الاستدلال به على الوجوب؛ فقال: «هذا الحديث لا يدل على وجوب العمرة، وليس هذا الأمر على الوجوب، فإنه لا يجب أن يحج عن أبيه، وإنما يدل الحديث على جواز فعل الحج والعمرة عنه؛ لكونه غير مستطيع، والله أعلم» (تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (3/ 424).) .
ثالثا: أن الصبي بن معبد أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له: يا أمير المؤمنين إني كنت رجلا أعرابيا نصرانيا، وإني أسلمت، وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي، وإني أهللت بهما معا. فقال له عمر رضي الله عنه: «هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم» (رواه أبو داود (1798)، والنسائي (2718).) .
ويناقش بأن الكتابة لا تدل على الفرضية بل على المشروع.
رابعا: حديث عمر في سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام ففي بعض رواياته قوله صلى الله عليه وسلم في بيان ما الإسلام: «وأن تحج وتعتمر» (رواه ابن خزيمة (3065)، وغيره.) . قال عنه ابن حجر: «وإسناده قد أخرجه مسلم لكن لم يسق لفظه» (فتح الباري (3/ 597).) .
ويناقش بأنه لفظ غير محفوظ.
أدلة القول الثاني:
أولا: حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة أواجبة هي؟ فقال: «لا، وأن تعتمروا هو أفضل» (رواه الترمذي (931).) ، قال عنه الترمذي: «حسن صحيح»، وهو عند أحمد بلفظ: «لا، وأن تعتمر خير لك» (رواه أحمد (14621).) . وقد نوقش بأنه حديث ضعيف (رواه أحمد (14621). قال النووي المجموع شرح المهذب (7/ 6): «أما قول الترمذي: إن هذا حديث حسن صحيح، فغير مقبول، ولا يغتر بكلام الترمذي في هذا، فقد اتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف».، فمدار الحديث على الحجاج بن أرطأة، وهو ضعيف، قال ابن عبد البر التمهيد (20/ 14): «وما انفرد به الحجاج بن أرطأة فلا حجة فيه». وقد نقل تضعيفه ابن القيم عن البيهقي في حاشيته على تهذيب السنن (5/ 250)، وقال ابن حجر فتح الباري (3/ 597): «ولا يثبت في هذا الباب عن جابر شيء».) .
ثانيا: ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العمرة تطوع» (رواه ابن أبي شيبة (13824)، والبيهقي (8841).) .
ونوقش بأنه ضعيف، قال عنه ابن عبد البر: «روي بأسانيد لا تصح ولا تقوم بمثلها حجة» (التمهيد (20/ 14).) .
والأقرب من هذين القولين القول بأن العمرة سنة، وليست واجبة؛ ذلك أنه لم ينتهض نص صريح بين في إيجاب العمرة، والأصل براءة الذمة حتى يقوم الدليل البين على الوجوب، والله أعلم.
المطلب الثاني: حكم تكرار العمرة
لا خلاف بين العلماء في استحباب تكرار العمرة من حيث الأصل؛ دل على ذلك أحاديث منها ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما» (البخاري (1773)، ومسلم (1349).) . وللعلماء في التكرار تفاصيل يمكن إجمالها في حالين:
الحالة الأولى: أن يكرر العمرة في عدة أسفار، في هذا لأهل العلم قولان:
القول الأول: يستحب تكرار العمرة إذا خص كل عمرة بسفرة. وبهذا قال جمهور العلماء من السلف والخلف (الحاوي الكبير (4/ 31).) ، ومنهم أبو حنيفة (ينظر: الدر المختار (3/ 585).) والشافعي (ينظر: الحاوي الكبير (4/ 31).) ، وأحمد (ينظر: المغني (3/ 220).) ، وهو قول جمهور العلماء من السلف والخلف.
واستدلوا لذلك بالأتي:
أولا: ما جاء من الأحاديث في فضل العمرة عموما.
ثانيا: ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما» (رواه البخاري (1773)، ومسلم (1349).) .
ثالثا: ما جاء في السنن من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة» (رواه ابن ماجه (2887)، والترمذي (810)، والنسائي (3596)، وقال الترمذي: «حسن صحيح غريب».) .
ثالثا: آثار الصحابة رضي الله عنهم فقد نقل ابن المنذر (ينظر: الإشراف على مذاهب العلماء (3/ 377).) عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم تكرار العمرة قولا وفعلا منهم علي بن أبي طالب، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وعائشة، وغيرهم كما سياتي.
القول الثاني: تكره العمرة في السنة أكثر من مرة، وبهذا قال الحسن البصري وابن سيرين، ومالك (ينظر: الإشراف على مذاهب العلماء (3/ 377)، والاستذكار (4/ 109)، المغني (3/ 230).) .
واستدلوا لذلك بأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكررها في عام واحد مع قدرته على ذلك. «قال إبراهيم النخعي: ما كانوا يعتمرون في السنة إلا مرة واحدة» (ينظر: الإشراف على مذاهب العلماء (3/ 377).) .
والراجح ما ذهب إليه الجماهير من استحباب تكرار العمرة إذا خص كل عمرة بسفرة. الحالة الثانية: أن يكرر العمرة في سفرة واحدة، وفيها للعلماء عدة أقوال:
القول الأول: يجوز تكرار العمرة في سفرة واحدة، وبه قال جمهور العلماء، قال ابن عبد البر: «الجمهور على جواز الاستكثار منها في اليوم والليلة» (الاستذكار (4/ 113).) . وقال النووي: «لا يكره عمرتان وثلاث، وأكثر في السنة الواحدة، ولا في اليوم الواحد، بل يستحب الإكثار منها بلا خلاف عندنا» (المجموع شرح المهذب (7/ 147).) .واختاره شيخنا ابن باز.
القول الثاني: يكره تكرار العمرة في سفرة واحدة، مثل أن «يعتمر من يرى العمرة من مكة كل يوم عمرة أو عمرتين فهذا مكروه باتفاق سلف الأمة لم يفعله أحد من السلف، بل اتفقوا على كراهيته» (مجموع الفتاوى (26/ 296).) ، هكذا قال ابن تيمية.
وقد استدل كل فريق بأدلة، أورد هنا أبرزها.
أدلة القول الأول:
أولا: أنه «عمل بر وخير، فلا يجب الامتناع منه إلا بدليل، ولا دليل يمنع منه بل الدليل يدل عليه بقول الله تعالى: {وافعلوا الخير} [الحج: 77]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما» (تقدم تخريجه.) .
ثانيا: أنه «المروي عن الصحابة: كعلي وابن عمر وابن عباس وأنس وعائشة؛ لأن عائشة اعتمرت في شهر مرتين بأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمرتها التي كانت مع الحجة والعمرة التي اعتمرتها من التنعيم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الحصبة التي تلي أيام منى وهي ليلة أربعة عشر من ذي الحجة» (الإشراف على مذاهب العلماء (3/ 377).) . و «قال علي: اعتمر في الشهر إن أطقت مرارا» (مجموع الفتاوى (26/ 269)، وينظر: الاستذكار (4/ 114).) . وروى سعيد بن منصور عن سفيان عن ابن أبي حسين عن بعض ولد أنس: أن أنسا كان إذا كان بمكة فحمم راسه خرج إلى التنعيم واعتمر (مجموع الفتاوى (26/ 269).) .
أدلة القول الثاني:
استدلوا بما جاء عن جماعة من السلف من النهي عن ذلك؛ منهم سعيد بن جبير، وطاووس، وهو من أجل أصحاب ابن عباس، قال طاووس: الذين يعتمرون من التنعيم ما أدري أيؤجرون عليها أم يعذبون (ينظر: الاستذكار (4/ 114)، المغني (3/ 230)، مجموع الفتاوى (26/ 269).) .
والذي يترجح من هذه الأقوال: أن تكرار العمرة إذا كان لسبب كالذي حدث مع عائشة رضي الله عنها، فلا حرج في التكرار ولو كان في سفرة واحدة وقربت المدة، وذلك لما ثبت من إذن النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة في العمرة بعد حجها، ومثله ما إذا كان يعتمر عن غيره، وكذلك يجوز تكرار العمرة إن طالت مدة الإقامة في مكة كما جاء عن أنس وغيره من الصحابة. وقد قدر ذلك بزمن نبات الشعر بعد حلقه وهو عشرة أيام تقريبا، كما نقل عن الإمام أحمد رحمه الله، أما إذا لم يكن سبب لتكرار العمرة فلا يشرع التكرار في مدة متقاربة لعدم الدليل.
ومن الجدير بالتنبه إليه أنه حتى على القول بمشروعية التكرار في سفرة واحدة، فإنه ليس في المنقول عن السلف القائلين بجواز تكرار العمرة فعلها على نحو ما يفعله بعض الناس من تكرار العمرة في اليوم عدة مرات أو تكرارها يوميا، أو كل يومين ونحو ذلك.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات90594 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87038 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف