×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح
مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

قوله - رحمه الله -: «ولم يكلفهم الله تعالى إلا ما يطيقون» أي: إن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن الله تعالى لم يأمر العباد بما يشق عليهم مما لا يستطيعونه ولا يقدرون عليه، قال الله: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} +++ البقرة: 286 --- ، وقال تعالى: {لا تكلف نفس إلا وسعها} البقرة: 233، وقال في أواخر سورة البقرة: {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} +++ البقرة: 286 --- ، وقد أجاب الله هذا الدعاء، فقال كما في الصحيح: «قد فعلت» +++ ("صحيح مسلم" (126)--- ، خلافا لمن قال بجواز التكليف بما لا يطاق عقلا أو عادة أو شرعا. قوله - رحمه الله -: «ولا يطيقون إلا ما كلفهم» أي: إن العباد لا يستطيعون من العمل إلا ما أمرهم الله تعالى به وشرعه لهم، فيفهم من هذا أن التكليف قد بلغ نهاية ما يطيقه العباد، وفي هذا نظر؛ فإن ما جرى به التكليف دون ما يطيقه العباد ويستطيعونه، قال شيخنا عبد العزيز بن باز: «هذا غير صحيح؛ بل المكلفون يطيقون أكثر مما كلفهم به سبحانه، ولكنه  صلى الله عليه وسلم  لطف بعباده ويسر عليهم، ولم يجعل عليهم في دينهم حرجا، فضلا منه وإحسانا. والله ولي التوفيق». يدل لذلك أن الله فرض فرائض ثم خففها ونسخها، ففرض قيام الليل أولا على المسلمين ثم نسخه، فقال تعالى: {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه} +++ المزمل:20 --- ، وكذلك فرض مقاتلة الواحد للعشرة ثم خففها، فجعل الواحد مقابل اثنين، قال الله تعالى: {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين} +++ الأنفال:66 --- ، وقال تعالى: {يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا} ++++ النساء:28 ---. ومما يدل على ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لولا أن أشق على أمتي، أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة» +++ (أخرجه البخاري (887)، ومسلم (252)--- . فليس في التكاليف الشرعية ما يحصل به على الإنسان ضيق أو حرج، بل التكاليف فيها سعة وانشراح، قال الله: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} +++ البقرة: 286 --- ، وقال - سبحانه وتعالى -: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} +++ الحج: 78 --- ، وقال تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} +++ البقرة: 185 --- ، وفي «الصحيح» من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: «إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه» +++ ("صحيح البخاري" (39)--- ، وقد روى البخاري معلقا قول النبي  صلى الله عليه وسلم : «أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة» +++ ("صحيح البخاري" قبل حديث (39)--- ، وقد وصله أحمد من حديث ابن عباس قال: قيل لرسول الله  صلى الله عليه وسلم : أي الأديان أحب إلى الله؟ قال: «الحنيفية السمحة» +++ (المسند (1/ 236) قال الهيثمي في المجمع (1/ 60): «فيه ابن إسحاق، وهو مدلس ولم يصرح بالسماع».)--- . فتبين من كل ما تقدم أن العباد يطيقون أكثر مما كلفوا به، لكن الله تعالى برحمته رفع عنهم كل ما فيه مشقة ولو كان في طاقتهم، وقد فسر بعضهم التكليف في كلام المؤلف بالطاقة فيكون المعنى على هذا القول:"لا يطيقون إلا ما أقدرهم"، وهذا التوجيه فيه بعد وتكلف، وتفسير للكلام بما لا يدل عليه لفظه. قوله - رحمه الله -: «وهو تفسير: لا حول ولا قوة إلا بالله» الضمير عائد إلى ما تقدم من مسائل الإيمان بالقدر؛ فإن قول: «لا حول ولا قوة إلا بالله» يجمع ما يجب اعتقاده في باب القدر والرد على الفرق المنحرفة من القدرية والجبرية، فهذه الكلمة تضمنت تمام الإخلاص لله وتفويض الأمر له والإيمان به جل وعلا، فمن قرت في قلبه وأيقن بها واعتقد مضمونها كانت عونا له في بلوغ حاجته وإدراك مطالبه، وتحمل المشاق وركوب الأهوال، فمن لازمها وفق إلى خير كثير، ولعظيم ما تضمنته هذه الكلمة من المعاني وصفها النبي  صلى الله عليه وسلم  بأنها كنز من كنوز الجنة، كما في «الصحيحين» من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال له: «ألا أدلك على كلمة من كنز من كنوز الجنة؟» قلت: بلى يا رسول الله فداك أبي وأمي، قال: «لا حول، ولا قوة إلا بالله» +++ ("صحيح البخاري" (4205)، ومسلم (2704)--- . والكنز هو المال الخفي النفيس، فكذلك هذه الكلمة في الأذكار هي من أنفس الذكر وأعظمه نفعا في الدنيا، وأكبرها أجرا في الآخرة. قوله - رحمه الله: «لا حيلة لأحد, ولا حركة ... » أي: لا تحول ولا انتقال لأحد من حال إلى حال، ظاهرة أو باطنة، عامة أو خاصة، ولا قوة له على ذلك التحول إلا بالله العلي العظيم، فكل تحول بالله يكون، فهو الميسر له، وهو المعين عليه، وقد ذكر المؤلف - رحمه الله - مثالا لذلك بالتحول عن المعصية إلى الطاعة وبالثبات على الطاعة، كل ذلك لا يكون إلا بالله ولا قوة للعبد عليه إلا بإعانته وتوفيقه وتيسير أسبابه. وفي هذا كمال التفويض لله تعالى في امتثال أمره وترك نهيه، روى البزار عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: كنت عند النبي  صلى الله عليه وسلم  فقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «تدري ما تفسيرها؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله» +++ ("مسند البزار" (5/ 374)، ح (2004)، و قال الهيثمي (10/ 99): «رواه البزار بإسنادين: أحدهما منقطع وفيه عبد الله بن خراش، والغالب عليه الضعف، والآخر متصل حسن».)--- ، وفي إسناد هذا الحديث مقال، وهو تفسير بالمثال. قوله - رحمه الله -: «وكل شيء يجري بمشيئة الله تعالى وعلمه وقضائه وقدره» أي: إن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن كل شيء في الكون لا يكون إلا بمشيئة الله تعالى وعلمه وقضائه وقدره، وهذا شامل لكل حادث في الكون، فلا شيء خارج عن هاذا، وقد تقدم تقرير هذا مرارا. قوله - رحمه الله -: «غلبت مشيئته المشيئات كلها» أي: إن مشيئة الله تعالى فوق كل مشيئة، فلا يخرج عن مشيئته شيء من مشيئات الخلق، قال تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين} +++ سورة التكوير: 29 --- ، وقال تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما} +++ سورة الإنسان: 30 --- ، فمشيئة الله محيطة بمشيئة الخلق، وكل مشيئة تابعة لمشيئته، ما شاء الله كان وما لم يشا لم يكن، قال الشافعي - رحمه الله - في هذا المعنى: ما شئت كان وإن لم أشا *** وما شئت إن لم تشا لم يكن خلقت العباد لما قد علمت *** ففي العلم يجري الفتى والمسن والمسن والمسن فمنهم شقي ومنهم سعيد *** ومنهم قبيح، ومنهم حسن على ذا مننت وهذا خذلت *** وهذا أعنت وذا لم تعن قوله - رحمه الله -: «وغلب قضاؤه الحيل كلها» أي: إن قضاء الله تعالى وقدره ماض لا يرده حيلة محتال، نافذ لا يمنعه مانع. فإذا لم يقض الله جل وعلا الأمر فمهما احتال المرء لإدراكه فإنه لا يحصله، وإذا قضاه فلا راد له، قال تعالى: {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم} +++ سورة فاطر: 2 --- ، وقال تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} +++ سورة الواقعة:82.--- ، وقال تعالى: {وهو القاهر فوق عباده} +++ سورة النعام:18 --- ، وقال تعالى: {والله يحكم لا معقب لحكمه} +++ سورة الرعد:41 --- ، ويدل لذلك أيضا ما رواه الترمذي عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك» +++ ("سنن الترمذي" (2706)، وقال: «حسن صحيح».)--- . قوله - رحمه الله -: «يفعل ما يشاء وهو غير ظالم أبدا» أي: إن الله تعالى منزه في قضائه وقدره أن يكون فيه ظلم لعباده أو لأحد من خلقه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا! وقد تقدمت أدلة ذلك فأغنى عن الإعادة. قوله - رحمه الله -: «تقدس عن كل سوء وحين» أي: إن الله تعالى تنزه وتعالى عن كل عيب وقبيح وسيئ، وأن يلحقه الحين، والحين هو الهلاك ويدل على ذلك تنزيه الله نفسه في آيات كثيرة تنزيها عاما يدخل فيه نفي كل ما لا يليق به، كقوله تعالى: {سبحان ربك رب العزة عما يصفون} +++ (سورة. الصافات:180.)--- ، وكقوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا} +++ (سورة الإسراء:1.)--- ،و كقوله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} +++ (سورة القصص: 88.)--- . وكما قال تعالى: {كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} +++ (سورة الرحمن: 26 - 27.)--- . قوله - رحمه الله -: «وتنزه عن كل عيب وشين» أي: إن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن الله تبارك وتعالى سالم من كل عيب في أسمائه وصفاته وأفعاله، وفي كل شأنه، وأنه تبرأ من كل قبيح فهو السلام الجميل السبوح القدوس، فلا شيء مثله، تقدست أسماؤه، سبحانه وبحمده. ومن تنزهه عن كل عيب وشين، فإنه {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} لكماله في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، فالخلق لا يسألون الخالق عما قضى في خلقه، وهو جل في علاه يسألهم عن أعمالهم، وذلك لعظمته وكبريائه وقهره وغلبته وعزته وحكمته، فكل ما منه خير، فالخير كله في يديه، والشر ليس إليه. بل من سأل الله: لم فعلت كذا؟ فقد اعترض على الرب جل وعلا: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}. وإذا اجتمع في قلب العبد هذه المعاني سلم من كل ما يمكن أن يعرض له في باب القدر، وأحسن المؤلف - رحمه الله - حيث ختم ما يتعلق بمسائل القدر في هاذا المقطع بنفي الظلم عن الرب جل وعلا، ونفي لحوق العيب والسوء والشين له - سبحانه وتعالى -، وأنه {لا يسأل} حتى يقطع اعتراض المعترضين، وتوهم الجاهلين، وقد قال ابن الديلمي: وقع في نفسي شيء من هذا القدر، خشيت أن يفسد علي ديني وأمري، فأتيت أبي بن كعب، فقلت: أبا المنذر، إنه وقع في نفسي شيء من هذا القدر، فخشيت على ديني وأمري، فحدثني من ذلك بشيء، لعل الله أن ينفعني به، فقال: لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه، لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم، ولو كان لك جبل أحد ذهبا، أو مثل جبل أحد تنفقه في سبيل الله، ما قبل منك , حتى تؤمن بالقدر، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن مت على غير هذا , دخلت النار , ولا عليك أن تاتي أخي عبد الله بن مسعود، فتسأله، فأتيت عبد الله، فسألته، فذكر مثل ما قال أبي , وقال لي: ولا عليك أن تاتي حذيفة، فأتيت حذيفة، فسألته، فقال مثل ما قالا، وقال: ائت زيد بن ثابت، فاسأله، فأتيت زيد بن ثابت، فسألته، فقال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقول: لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه، لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم، ولو كان لك مثل أحد ذهبا، أو مثل جبل أحد ذهبا تنفقه في سبيل الله، ما قبله منك , حتى تؤمن بالقدر، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار +++ (أخرجه أحمد (5/ 185)، وأبو داود (4699)، وابن ماجه (77)--- . فلا سلامة للعبد من لوثات ما يعلق في قلبه ويلقيه الشيطان في صدره مما يتعلق بالقدر إلا باعتقاد كمال عدل الله جل وعلا، وأنه - سبحانه وتعالى - لا يظلم الناس شيئا، ومع هاذا يؤمن بالقدر، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأنه جل وعلا لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

المشاهدات:2377
قوله - رحمه الله -: «ولم يكلفهم الله تعالى إلا ما يطيقون» أي: إن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن الله تعالى لم يأمر العباد بما يشق عليهم مما لا يستطيعونه ولا يقدرون عليه، قال الله: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} البقرة: 286 ، وقال تعالى: {لا تكلف نفس إلا وسعها} البقرة: 233، وقال في أواخر سورة البقرة: {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} البقرة: 286 ، وقد أجاب الله هذا الدعاء، فقال كما في الصحيح: «قد فعلت» ("صحيح مسلم" (126) ، خلافا لمن قال بجواز التكليف بما لا يطاق عقلا أو عادة أو شرعا.
قوله - رحمه الله -: «ولا يطيقون إلا ما كلفهم» أي: إن العباد لا يستطيعون من العمل إلا ما أمرهم الله تعالى به وشرعه لهم، فيفهم من هذا أن التكليف قد بلغ نهاية ما يطيقه العباد، وفي هذا نظر؛ فإن ما جرى به التكليف دون ما يطيقه العباد ويستطيعونه، قال شيخنا عبد العزيز بن باز: «هذا غير صحيح؛ بل المكلفون يطيقون أكثر مما كلفهم به سبحانه، ولكنه  صلى الله عليه وسلم  لطف بعباده ويسر عليهم، ولم يجعل عليهم في دينهم حرجا، فضلا منه وإحسانا. والله ولي التوفيق». يدل لذلك أن الله فرض فرائض ثم خففها ونسخها، ففرض قيام الليل أولا على المسلمين ثم نسخه، فقال تعالى: {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه} المزمل:20 ، وكذلك فرض مقاتلة الواحد للعشرة ثم خففها، فجعل الواحد مقابل اثنين، قال الله تعالى: {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين} الأنفال:66 ، وقال تعالى: {يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا} + النساء:28 .
ومما يدل على ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لولا أن أشق على أمتي، أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة» (أخرجه البخاري (887)، ومسلم (252) . فليس في التكاليف الشرعية ما يحصل به على الإنسان ضيق أو حرج، بل التكاليف فيها سعة وانشراح، قال الله: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} البقرة: 286 ، وقال - سبحانه وتعالى -: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} الحج: 78 ، وقال تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} البقرة: 185 ، وفي «الصحيح» من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: «إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه» ("صحيح البخاري" (39) ، وقد روى البخاري معلقا قول النبي  صلى الله عليه وسلم : «أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة» ("صحيح البخاري" قبل حديث (39) ، وقد وصله أحمد من حديث ابن عباس قال: قيل لرسول الله  صلى الله عليه وسلم : أي الأديان أحب إلى الله؟ قال: «الحنيفية السمحة» (المسند (1/ 236) قال الهيثمي في المجمع (1/ 60): «فيه ابن إسحاق، وهو مدلس ولم يصرح بالسماع».) . فتبين من كل ما تقدم أن العباد يطيقون أكثر مما كلفوا به، لكن الله تعالى برحمته رفع عنهم كل ما فيه مشقة ولو كان في طاقتهم، وقد فسر بعضهم التكليف في كلام المؤلف بالطاقة فيكون المعنى على هذا القول:"لا يطيقون إلا ما أقدرهم"، وهذا التوجيه فيه بعد وتكلف، وتفسير للكلام بما لا يدل عليه لفظه.
قوله - رحمه الله -: «وهو تفسير: لا حول ولا قوة إلا بالله» الضمير عائد إلى ما تقدم من مسائل الإيمان بالقدر؛ فإن قول: «لا حول ولا قوة إلا بالله» يجمع ما يجب اعتقاده في باب القدر والرد على الفرق المنحرفة من القدرية والجبرية، فهذه الكلمة تضمنت تمام الإخلاص لله وتفويض الأمر له والإيمان به جل وعلا، فمن قرت في قلبه وأيقن بها واعتقد مضمونها كانت عونا له في بلوغ حاجته وإدراك مطالبه، وتحمل المشاق وركوب الأهوال، فمن لازمها وفق إلى خير كثير، ولعظيم ما تضمنته هذه الكلمة من المعاني وصفها النبي  صلى الله عليه وسلم  بأنها كنز من كنوز الجنة، كما في «الصحيحين» من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال له: «ألا أدلك على كلمة من كنز من كنوز الجنة؟» قلت: بلى يا رسول الله فداك أبي وأمي، قال: «لا حول، ولا قوة إلا بالله» ("صحيح البخاري" (4205)، ومسلم (2704) . والكنز هو المال الخفي النفيس، فكذلك هذه الكلمة في الأذكار هي من أنفس الذكر وأعظمه نفعا في الدنيا، وأكبرها أجرا في الآخرة.
قوله - رحمه الله: «لا حيلة لأحد, ولا حركة ... » أي: لا تحول ولا انتقال لأحد من حال إلى حال، ظاهرة أو باطنة، عامة أو خاصة، ولا قوة له على ذلك التحول إلا بالله العلي العظيم، فكل تحول بالله يكون، فهو الميسر له، وهو المعين عليه، وقد ذكر المؤلف - رحمه الله - مثالا لذلك بالتحول عن المعصية إلى الطاعة وبالثبات على الطاعة، كل ذلك لا يكون إلا بالله ولا قوة للعبد عليه إلا بإعانته وتوفيقه وتيسير أسبابه. وفي هذا كمال التفويض لله تعالى في امتثال أمره وترك نهيه، روى البزار عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: كنت عند النبي  صلى الله عليه وسلم  فقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «تدري ما تفسيرها؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله» ("مسند البزار" (5/ 374)، ح (2004)، و قال الهيثمي (10/ 99): «رواه البزار بإسنادين: أحدهما منقطع وفيه عبد الله بن خراش، والغالب عليه الضعف، والآخر متصل حسن».) ، وفي إسناد هذا الحديث مقال، وهو تفسير بالمثال.
قوله - رحمه الله -: «وكل شيء يجري بمشيئة الله تعالى وعلمه وقضائه وقدره» أي: إن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن كل شيء في الكون لا يكون إلا بمشيئة الله تعالى وعلمه وقضائه وقدره، وهذا شامل لكل حادث في الكون، فلا شيء خارج عن هاذا، وقد تقدم تقرير هذا مرارا.
قوله - رحمه الله -: «غلبت مشيئته المشيئات كلها» أي: إن مشيئة الله تعالى فوق كل مشيئة، فلا يخرج عن مشيئته شيء من مشيئات الخلق، قال تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين} سورة التكوير: 29 ، وقال تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما} سورة الإنسان: 30 ، فمشيئة الله محيطة بمشيئة الخلق، وكل مشيئة تابعة لمشيئته، ما شاء الله كان وما لم يشا لم يكن، قال الشافعي - رحمه الله - في هذا المعنى:
ما شئت كان وإن لم أشا *** وما شئت إن لم تشا لم يكن
خلقت العباد لما قد علمت *** ففي العلم يجري الفتى والمسن والمسن والمسن
فمنهم شقي ومنهم سعيد *** ومنهم قبيح، ومنهم حسن
على ذا مننت وهذا خذلت *** وهذا أعنت وذا لم تعن
قوله - رحمه الله -: «وغلب قضاؤه الحيل كلها» أي: إن قضاء الله تعالى وقدره ماض لا يرده حيلة محتال، نافذ لا يمنعه مانع. فإذا لم يقض الله جل وعلا الأمر فمهما احتال المرء لإدراكه فإنه لا يحصله، وإذا قضاه فلا راد له، قال تعالى: {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم} سورة فاطر: 2 ، وقال تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} سورة الواقعة:82. ، وقال تعالى: {وهو القاهر فوق عباده} سورة النعام:18 ، وقال تعالى: {والله يحكم لا معقب لحكمه} سورة الرعد:41 ، ويدل لذلك أيضا ما رواه الترمذي عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك» ("سنن الترمذي" (2706)، وقال: «حسن صحيح».) .
قوله - رحمه الله -: «يفعل ما يشاء وهو غير ظالم أبدا» أي: إن الله تعالى منزه في قضائه وقدره أن يكون فيه ظلم لعباده أو لأحد من خلقه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا! وقد تقدمت أدلة ذلك فأغنى عن الإعادة.
قوله - رحمه الله -: «تقدس عن كل سوء وحين» أي: إن الله تعالى تنزه وتعالى عن كل عيب وقبيح وسيئ، وأن يلحقه الحين، والحين هو الهلاك ويدل على ذلك تنزيه الله نفسه في آيات كثيرة تنزيها عاما يدخل فيه نفي كل ما لا يليق به، كقوله تعالى: {سبحان ربك رب العزة عما يصفون} (سورة. الصافات:180.) ، وكقوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا} (سورة الإسراء:1.) ،و كقوله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} (سورة القصص: 88.) . وكما قال تعالى: {كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} (سورة الرحمن: 26 - 27.) .
قوله - رحمه الله -: «وتنزه عن كل عيب وشين» أي: إن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن الله تبارك وتعالى سالم من كل عيب في أسمائه وصفاته وأفعاله، وفي كل شأنه، وأنه تبرأ من كل قبيح فهو السلام الجميل السبوح القدوس، فلا شيء مثله، تقدست أسماؤه، سبحانه وبحمده. ومن تنزهه عن كل عيب وشين، فإنه {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} لكماله في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، فالخلق لا يسألون الخالق عما قضى في خلقه، وهو جل في علاه يسألهم عن أعمالهم، وذلك لعظمته وكبريائه وقهره وغلبته وعزته وحكمته، فكل ما منه خير، فالخير كله في يديه، والشر ليس إليه. بل من سأل الله: لم فعلت كذا؟ فقد اعترض على الرب جل وعلا: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}.
وإذا اجتمع في قلب العبد هذه المعاني سلم من كل ما يمكن أن يعرض له في باب القدر، وأحسن المؤلف - رحمه الله - حيث ختم ما يتعلق بمسائل القدر في هاذا المقطع بنفي الظلم عن الرب جل وعلا، ونفي لحوق العيب والسوء والشين له - سبحانه وتعالى -، وأنه {لا يسأل} حتى يقطع اعتراض المعترضين، وتوهم الجاهلين، وقد قال ابن الديلمي: وقع في نفسي شيء من هذا القدر، خشيت أن يفسد علي ديني وأمري، فأتيت أبي بن كعب، فقلت: أبا المنذر، إنه وقع في نفسي شيء من هذا القدر، فخشيت على ديني وأمري، فحدثني من ذلك بشيء، لعل الله أن ينفعني به، فقال: لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه، لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم، ولو كان لك جبل أحد ذهبا، أو مثل جبل أحد تنفقه في سبيل الله، ما قبل منك , حتى تؤمن بالقدر، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن مت على غير هذا , دخلت النار , ولا عليك أن تاتي أخي عبد الله بن مسعود، فتسأله، فأتيت عبد الله، فسألته، فذكر مثل ما قال أبي , وقال لي: ولا عليك أن تاتي حذيفة، فأتيت حذيفة، فسألته، فقال مثل ما قالا، وقال: ائت زيد بن ثابت، فاسأله، فأتيت زيد بن ثابت، فسألته، فقال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقول: لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه، لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم، ولو كان لك مثل أحد ذهبا، أو مثل جبل أحد ذهبا تنفقه في سبيل الله، ما قبله منك , حتى تؤمن بالقدر، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار (أخرجه أحمد (5/ 185)، وأبو داود (4699)، وابن ماجه (77) . فلا سلامة للعبد من لوثات ما يعلق في قلبه ويلقيه الشيطان في صدره مما يتعلق بالقدر إلا باعتقاد كمال عدل الله جل وعلا، وأنه - سبحانه وتعالى - لا يظلم الناس شيئا، ومع هاذا يؤمن بالقدر، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأنه جل وعلا لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91549 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87255 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف