×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة(146) وصايا لقمان - الجزء الثاني

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:2493

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحييكم تحيةً طيبةً عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، في هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة"، والتي نستمر معكم فيها حتى الثالثة بمشيئة الله تعالى.

في بداية هذه الحلقة تقبلوا تحياتي محدثكم/ وائل الصبحي، ومن الإخراج الزميل/ سالم الدوسري.

أهلًا وسهلًا ومرحبًا بكم.

ضيف حلقات برنامج "الدين والحياة" هو فضيلة الشيخ الدكتور/ خالد المصلح؛ أستاذ الفقه بجامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم.

فضيلة الشيخ خالد السلام عليكم، وأهلًا وسهلًا بك معنا في بداية هذه الحلقة.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياك الله أخي وائل، وأسأل الله أن يجعله لقاءً نافعًا مباركًا.

المقدم: اللهم آمين، مستمعينا الكرام، سنكون معكم - بمشيئة الله تعالى - في هذه الحلقة المباشرة، والتي سنتحدث فيها عن تكملة واستكمال لما بدأناه في الحلقة الماضية، وهو ما تحدثنا به عن "وصايا لقمان الحكيم" في سورة لقمان في كتاب الله - عز وجل -، سنكمل في هذه الحلقة -بمشيئة الله تعالى-بقية هذه الوصايا.

فضيلة الشيخ؛ تحدثنا في الحلقة السابقة حول وصيتين من وصايا لقمان الحكيم في سورة لقمان عن حق الله – تبارك وتعالى - وعن الوصية بالوالدين.

 ثم توقفنا عند قول الله - تبارك وتعالى -: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌلقمان: 16 نريد أن نستكمل فضيلة الشيخ بقية الوصايا في هذه الحلقة.

الشيخ: حسنًا، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الشيخ: مرحبًا بك أخي وائل، ومرحبًا بالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على البشير النذير، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

القرآن العظيم تضمن خير الوصايا وأعظم التوجيهات؛ فهو الذي قال الله تعالى عنه: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُالإسراء: 9 في كل شأن دقيق أو جليل، صغير أو كبير، عامٍّ أو خاص، فليس شيء من شئون الناس إلا والقرآن يدلهم فيه على أقوم سبيل وأحسن طريق؛ ولهذا جدير بكل من رغب في نجاة نفسه وفلاحها وسعادتها ونجاحها أن يعتني بما ذكره الله تعالى في هذا الكتاب الحكيم من فاتحته إلى خاتمته، ويركز على ما جاء فيه من التوصيات؛ فإن التوصيات هي نوع من العهد المؤكد الذي يتطلب لفت الأنظار ودوام العناية بتحقيق النجاح والنجاة.

أخي الكريم، أيها الإخوة والأخوات المستمعون والمستمعات، هذه الوصايا التي ذكرها الله تعالى في كتابه مِن وصايا هذا الرجل الصالح - رحمه الله ورضي عنه - هي من أجمع الوصايا وأشملها في صلاح معاش الإنسان، في صلاح ما بين الإنسان وربه وما بين الإنسان والخلق، فهذه الوصايا لو أردنا أن نصنِّفها في مجموعتين؛ فإنها تندرج:

أولًا: فيما يصلح به الإنسان ما بينه وبين الله - عز وجل - وهذا أصل الصلاح ومبدأ كل فلاح.

ثانيًا: صلاح ما بينه وبين الخلق.

وذلك أن الإنسان لا يستقيم معاشه ولا تصلح دنياه كما لا يفوز في أخراه إلا بهذين الصلاحين؛ صلاح ما بينه وبين ربه خالقه ومولاه، وصلاح ما بينه وبين الناس وما خلقه الله تعالى وسخره له، فإذا صلح في هذا وذاك كان ذلك من دلائل الفلاح وعلائم النجاح.

الله تعالى في هذه الوصايا التي قصَّها عن هذا الرجل الصالح لقمان – رحمه الله ورضي عنه - بدأ لقمان بذكر مهمات الوصايا وأصولها، فذكر صلاح ما بين العبد وربه، وذلك بتوحيده – سبحانه وبحمده - عطف على هذا صلاح ما بينه وبين الناس؛ وذلك بذكر أعظم الناس حقًّا، وهما الوالدان: من أحق الناس بصحبتي يا رسول الله؟ قال: «أمك» قال: ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أمك» قال: ثم من؟ قال: «أبوك»[صحيح البخاري:ح5971]، وفي الرواية الأخرى قال: يا رسول مَن أبرُّ؟ يعني من هو أحق الناس بالبر؟ قال: «أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك فأدناك».[مسند أحمد:ح7105، ومستدرك الحاكم:ح2419، وقال:هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. ووافقه الذهبي]

الآية لا تقتصر في هذا التوجيه الحكيم من هذا الرجل الذي ذكر الله تعالى وصيته لابنه لا تقتصر على صلاح ما بين الإنسان ووالديه، إنما ذكر الله تعالى هنا الوصية بالوالدين على وجه الخصوص؛ لأنها مبدأ صلاح كل الصلات الأخرى، فمن كان بارًّا بوالديه قائمًا بحقهما على وجه الإتقان وبذل المستطاع في بلوغ الكمال فإن ذلك ينعكس على صلاته الأخرى؛ ولهذا كلما كان الإنسان في دائرته الضيقة - أهله، والديه، زوجته، أولاده - كلما كان حسنًا في التعامل كان ذلك من دلائل خيريته؛ ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: «خيرُكم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»[سنن الترمذي:ح3895، وقال:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ] هذا البيان هو توضيح أن الخيرية لا تقاس بالعلاقات العارضة أو العلاقات النفعية المصلحية؛ لأنه من الممكن أن تجد شخصًا سيئ العشرة لزوجته، سيئ العشرة مع أولاده، سيئ المعاملة لوالديه وقرابته، هذه الصلات فطرية طبيعية ما فيها عوائد ومصالح متبادلة مباشرة، أعني مصالح مادية، إنما هي بمقتضى الجبلة والطبيعة، فإذا كان الإنسان في هذه العلاقات على وجه مستقيم وحسن، كان ذلك مؤشرًا إلى كمال هذا الشخص وطيب معدنه؛ حيث إنه بذل ما يستطيع في العلاقات الدائمة الممتدة التي قد لا يكون وراءها نفع عاجل دنيوي، فعلاقته الأخرى ستكون من باب أولى في الحسن والجمال.

لهذا يقاس الإنسان في صلاحه وحسنه ليس بالنظر إلى علاقاته العارضة وصلاته المؤقتة في رحلة أو في وظيفة أو في معاملة، إنما في علاقته الممتدة مع والديه ومع أولاده ومع زوجته على وجه الخصوص، وما أشبه ذلك من الصلات الدائمة الممتدة.

بعد أن ذكر الله تعالى هاتين الوصيتين ذكر الضمانة التي تحقق استمرارية صلاح الإنسان في علاقاته بالآخرين.

الآخرون والناس عمومًا في أدائهم ما عليهم من الحقوق يشحون كثيرًا كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌالعاديات: 6، فإذا كان جحودًا يجحد نعمه ولا يقِرُّ بحقه ويقصر فيما يجب عليه من حقوق ربه، هذا إذا كان في صلة الإنسان مع ربه الذي هو أعلى وأعظم من أحسن إليه، بل كل إحسان يصل إليه هو من قِبله - سبحانه وبحمده -، فإذا كان هذا مع ربنا فكيف مع الناس؟ الناس جُبلوا في أصل طبيعتهم على الكنود والجحود، يفوز أقوام بالتهذيب وإقامة الأخلاق على الجادة ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَاالشمس: 9- 10، ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّىالأعلى: 14 هذا بذلٌ يخرج به الإنسان من هذا المحيط الذي يمنعه من بذل الحقوق والقيام بها.

مما يعينه على ذلك أن يكون في معاملته للخلق معاملًا للخالق؛ لأنه عندما تنتظر من الناس مقابلًا على ما تقدمه من إحسان إليهم، فسيطول انتظارك وستتعب وسيكون هذا موجبًا للتقصير في كثير من حقوق الخلق؛ لأن الناس في كثير من الأحيان يشحِّون ولا يبذلون ما عليهم من حقوق، إنما نظرهم دائمًا في الحق الذي لهم ولا ينظرون في الحقوق التي عليهم، هذا هو الغالب، نحن نتكلم عن غالب حال الناس أنهم فيما يتعلق بالحقوق ينظرون إلى ما لهم وقد يغفلون عما عليهم.

وقد نبه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ضرورة العناية ببذل الحق لصاحب الحق دون انتظار للمقابل، دون انتظار للمردود الذي يأتي من قِبل الآخرين؛ ولذلك في معاملة ولاة الأمر قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أدُّوا الذي عليكم وسَلُوا الله الذي لكم»[صحيح البخاري:ح7052]فلم يجعل بذل الحقوق لولاة الأمر - وهذا نموذج من الحقوق - مربوطًا بكون الإنسان يستوفي حقه، بل هو مأمور ببذل الحق الذي عليه وفيما يتعلق بالحق الذي له لن يضيع؛ فإن الله تعالى قد تكفل بأن يحفظ حق الإنسان حتى إن ذهب عنه في هذه الدنيا فإنه لن يذهب عنه في الآخرة، بل سيجد ذلك موفورًا عند الله - عز وجل - الدقيق منه والجليل.

فلابد من بذل الحق؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «ستكون أَثَرة وأمور تنكرونها» قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟ قال: «تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم»[صحيح البخاري:ح3603]، هذه قاعدة ينبغي أن يربي الإنسان نفسه عليها فيما يتعلق بحقوق الآخرين، لا تنتظر أن يصل إليك حقك كاملًا، حتى تبذل الحق الذي عليك، بادر بالذي عليك وسلِ الله الذي لك وسييسر الله تعالى ما لك، يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: «تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم».

 وبهذا تستقيم الأمور وتصلح، فأنت ستحاسب عما عليك ولن تحاسب عما على غيرك، فبرُّك لوالديك، صلتك لأرحامك، أداؤك لحقوق جيرانك، نصحك للخلق من ولاة الأمر وعامة المسلمين بأداء ما عليك من حقوق عامة وخاصة هو مما تُجري به أجرًا، وما يكون من تقصير الآخرين في حقك لن يضيع، فإن الله تعالى سيعوضك إياه؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآخر: «ستَلقَون بعدي أَثَرة فاصبروا حتى تلقَوني على الحوض»[صحيح البخاري:ح3163] فأمر بالصبر وندب إلى احتساب الأجر بالآخرة، وأنه لن يضيع ذلك عند الله - عز وجل -؛ ولهذا من المهم أن يعامل الإنسان الخلق منطلقًا في كونه يعامل الخالق، ومما يفتح للإنسان هذا الباب أن يستشعر رقابة الله له، فإنه من استشعر إحصاء الله لعمله ورقابة الله تعالى له كان ذلك من دواعي إقباله على بذل الحق والقيام بكل صالح؛ ولهذا كانت وصية لقمان لابنه بعد ما أوصاه بما أوصاه به من حق الله وحق والديه، انتقل إلى تذكيره بأن قيامه بذلك الحق أو تقصيره فيه هو في إحصاء الله - عز وجل - فإنه لن يضيع، فإن الله - عز وجل - مطَّلع على ذلك عالم به، لا يضيع منه دقيق ولا جليل، صغير ولا كبير.

قال الله تعالى في ذكر وصية لقمان لابنه: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍلقمان: 16 وهذا أوهى وأقل ما يوجد، فقوله تعالى: ﴿يَا بُنَيَّلقمان: 16 هذا من كلام لقمان لابنه ﴿إِنَّهَا إِنْ تَكُلقمان: 16 يعني مهما كانت حسنةً أو سيئةً، صالحةً أو فاسدةً، خيرًا أو شرًّا من عمله ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍلقمان: 16 وَزن حبة وهذه الحبة ما هي؟ من خردل، والخردل قيل: هو الشيء الذي لا يوزن، وقيل: هو الشيء الذي لا يحاط به، وهو من أصغر الأشياء وأحقرها سواء كان يوزن أو مما لا يحصيه الميزان، لكن ميزان الله لا يضيعه ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْلقمان: 16 إذًا هذه حقارة الشيء ودِقَّته وقِلَّته وهوانه هذا في ذات الشيء، حتى في مكانه ﴿فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ﴾ في داخل صخرة، وكيف يصل إليها؟ لكن الله يصل إليها، فهو قد أحصاها - جل في علاه - ﴿فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ﴾ في الصخرة يعني في مكان مرتفع ﴿أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ﴾ يعني في فضاء واسع، ولك أن تتصور الخردلة هذه التي لا توزن لو كانت في صخرة كيف يوصل إليها؟ ولو كانت في السموات كيف يوصل إليها؟ يعني هي دقيقة لا تُرى ولا تُقبض ولا تُمسك، مع هذا في مكان أمنع ما يكون في وسط صخرة، وهذا يعني في غيابات لا يوصل إليها أو في السماء والأرض في مكان واسع فسيح، لا يمكن أن يحاط به في مقدور البشر، لكن في ميزان الله يأتي بها الله لسعة علمه وتمام اطلاعه على عمل خلقه؛ فقد أحصى كل شيء - جل في علاه -، أحصاه الله وما سواه. وهو دالٌّ على كمال قدرته - سبحانه وتعالى - فلا يمتنع منه شيء - سبحانه وتعالى -؛ ولهذا قال: ﴿يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌلقمان: 16 إشارةً إلى أن هذا الإتيان بهذه الخردلة التي في أَمْنَع ما يكون أو في أوسع ما يكون يأتي بها الله تعالى لكمال علمه، فهو لطيف في علمه وخبير - جل وعلا -، مطلع على البواطن والأسرار، وهو - جل وعلا - الذي لا يخفى عليه شيء في القِفار والبحار، فكل شيء قد اطلع عليه، هو الأول الذي ليس قبله شيء، الآخر الذي ليس بعده شيء، الظاهر الذي ليس فوقه شيء، الباطن الذي ليس دونه شيء، فلا يمتنع منه شيء - سبحانه وبحمده -.

والمقصود من هذه الوصية الحث على مراقبة الله، والعمل بطاعته مهما استطاع الإنسان، والترهيب من الدقيق من العمل القبيح والرديء؛ فالآية تضمَّنت الحث على الدقيق والجليل من الحسنات، كما حذرت من القليل والدقيق من السيئات، فالخردلة هنا احتمال أن تكون صالحةً، واحتمال أن تكون فاسدةً؛ لهذا قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهالزلزلة: 7 - 8؛ هذا وصف نبوي لهذه الآية؛ حيث إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن الأجر في بعض الأشياء، سئل - صلى الله عليه وسلم - عن الأجر في الحمير، وهي من وسائل الركوب في ذلك الزمان، قال: «لم ينزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذَّة»[صحيح البخاري:ح2860] التي تجمع كل شيء من خير أو شر ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍالزلزلة: 7 وزن ذرة من الخير ﴿خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهالزلزلة: 7- 8 فكل شيء قد أحصاه الله تعالى وأحاط به - سبحانه وبحمده -؛ ولذلك لا تحقر من المعروف شيئًا مهما كان دقيقًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق، هذا في الحسنات.

وفي السيئات قال - صلى الله عليه وسلم -: «إياكم ومُحقَّرات الذنوب» يعني احذروا الذنوب التي تحتقرونها وتصغر في عيونكم، يكبِّر محقرات الذنوب؛ «فإنهن يجتمعن على الرجل فيُهْلِكْنَه، ولها من الله طالب»[مسندأحمد:ح24415، وصححه الألباني في الصحيحة:ح513]، كما في بعض روايات هذا الحديث.

ينبغي أن يعتني الإنسان بهذه الوصية العظيمة، وهي المتضمنة مراقبة الله تعالى؛ فإنه لا يخفى عليه شيء من شأن الإنسان دقيق أو جليل، صالح أو فاسد، وكل ذلك يأتي به الله؛ الحسنات لا تضيع، والسيئات التي لم يتب منها الإنسان سيأتي الله بها، ولذلك تخفف من السيئات بالتوبة والاستغفار، واستكثر من الحسنات الدقيق والجليل؛ فإن ذلك كله يؤذن بعطاء جليل من رب كريم يعطي على القليل الكثير -سبحانه وبحمده -، هذه هي الوصية الثالثة التي تضمنتها وصايا لقمان رضي الله تعالى عنه.

المقدم: اسمح لي فضيلة الشيخ، قبل أن نكمل الحديث نأخذ اتصالين من الإخوة الكرام، معنا الأخ خالد المطيري من سيدني من أستراليا، حياك الله يا خالد أهلًا وسهلًا.

المتصل: شيخ خالد المصلح، سلام عليكم يا شيخ.

الشيخ: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا.

المتصل: أسأل الله التوفيق يا شيخ ويثبتنا على الحق، بإذن الله شيخ عندي سؤال، صار بيني وبين أحد الناس خلاف، وبعد الخلاف حاولت أن أصلح الأمر برسائل، وهو ما استجاب ولا لقيت منه ردًّا، وحاولت أن أكلم صديقًا له رفض؛ فهل علي إثم يا شيخ؟ وهل سأدخل في حديث عدم عرض أعمال المتخاصمين؟ وما هي نصيحتك يا شيخ؟

المقدم: طيب يا أخ خالد تسمع الإجابة إن شاء الله، شكرًا جزيلًا شكرًا، أيضًا معنا على الهاتف الأخ أبو عبد المجيد من تبوك، حياك الله يا أبا عبد المجيد، أهلًا وسهلًا.

المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياك الله.

المتصل: كيف الحال أخي وائل؟ بارك الله فيك، عندي ثلاثة أسئلة، كيف الحال يا شيخ خالد؟ عساك بخير إن شاء الله.

الشيخ: أهلًا وسهلًا، الحمد لله بخير.

المتصل: السؤال الأول: كيف يستعيد العبد حلاوة الإيمان ولذة العبادة؟

السؤال الثاني: ما هي علامات محبة الله للعبد يقينًا تامًّا لا شك فيه؟

السؤال الثالث: هل الأنس والانشراح بالذكر من دلائل المحبة؟ وهل يمكن أن يشعر العبد بذكر الله له - جل وعلا -؛ لأنه يقول في كتابه العزيز ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْالبقرة: 152 وفي الحديث القدسي «ومن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، ومن ذكرني في ملإٍ ذكرته في ملإ خير منهم»[صحيح مسلم:ح2675/21] والله يعطيك العافية، وبارك الله في جهودك وفي جهود جميع العاملين، وشكرًا.

المقدم: وإياك، حياك الله يا أبا عبد المجيد، العفو، فضيلة الشيخ نكمل الوصايا، ومِن ثَم إذا تبقى وقت نجيب على الأسئلة.

الشيخ: لعلنا نكمل ونرجع الآن.

المقدم: طيب إن شاء الله، فضيلة الشيخ توقفنا عند الآية الكريمة ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِلقمان: 16 هذه الوصية تحملت عدة وصايا عظيمة نتوقف عندها قليلًا فضيلة الشيخ.

الشيخ: هذه الوصية الرابعة التي ذكر الله تعالى، تضمنت أيضًا إصلاح ما بين العبد وربه وإصلاح ما بين الإنسان والخلق، وهذا ظاهر في هذه الآية الكريمة، الوصية الرابعة: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَلقمان: 16 وإقامة الصلاة هي الإتيان بها قائمةً، والإتيان بها قائمةً معناه الإتيان بها على أكمل وجه يستطيعه الإنسان، في الشروط، في واجبات الصلاة، في أركانها، في قيامها، في قراءتها، فالصلاة القائمة هي الصلاة الكاملة التي بذل الإنسان وسعه في أن يأتي بها على أحسن وجه وأكمل وجه يقدر عليه في صلته بربه - عز وجل -.

 وخَصَّ الصلاة بالذكر من بين سائر العبادات، ما ذَكَرَ الصيام، ما ذكر الزكاة، ما ذكر الحج.

 السبب أن الصلاة هي مفتاح صلاح الإنسان فيما يتعلق بصلته بالله - عز وجل -، هي رأس العبادات، إذا صلحتْ صلحت البقية؛ ولذلك أول ما يحاسب العبد يوم القيامة من عمله الصلاة، فإذا صَلَحت الصلاة صلح بقية عمله، وإذا فسدت كان ما بعدها من العمل فاسدًا، جاء ذلك منصوصًا عليه فيما جاء في الحديث الصحيح في السنن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أول ما يحاسب به العبد الصلاة» وقال فيها: «فإذا صلحت صلح سائر عمله وإذا انتقصت أو فسدت كان لما سواها أضيع»[سنن الترمذي:ح413، وحسنه] أو لما يليها من الأعمال أكثر فسادًا وأكثر إضاعة.

المقصود أن البداءة بالصلاة لأنها الأولى في المنزلة والمرتبة، فهي أول الأركان العملية وهي أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة كما جاء به الحديث حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في السنن والمسند.

ولم يقل: (صلِّ) إنما قال: ﴿أَقِمِ الصَّلاةَلقمان: 17 أي: ائت بها على الوجه الذي تستطيعه وتطيقه كمالًا وإتقانًا وإحسانًا، بعد ذلك قال، وهذا طبعًا يتعلق بحق الله تعالى على العبد.

ثم قال:  ﴿وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِلقمان: 17 وهذا فيما يتعلق بصلاح ما بين الإنسان ومن حوله، فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر به تصلح حياة الناس، تستقيم صِلاتهم، متى ظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان ذلك من موجبات تلاحم المجتمع وصلاحه واستقامة شأنه، ولذلك جعل الله - عز وجل - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أبرز خصائص أهل الإيمان: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِآل عمران: 110.

والمعروف هو كل ما أمرت به الشريعة، والمنكر هو كل ما نهت عنه الشريعة، ويشمل المعروف أيضًا كل ما يصلح به حال الناس في معاشهم ومعادهم، والمنكر يشمل كل ما يعثر به معاش الناس وتتعثر فيه حياتهم.

لما أمره بما أمره من الأعمال الجليلة التي فيها صلاح ما بين العبد وبين ربه وصلاح ما بين العبد والناس قال الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَلقمان: 17 لابد أن نتصبر في طريق القيام بحقه - جل وعلا -، ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَلقمان: 17 في إقامتك لحق الله تعالى، في برك لوالديك، في قيامك بالصلاة على الوجه الذي يَرضى الله تعالى به عنك، في أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر؛ فإن الإنسان إذا اشتغل بهذه الأمور يتطرق إليه نوع من الأذى، يتطرق إليه نوع مما يكره، لا يقابل ذلك إلا بالصبر.

ولذلك كان الصبر على طاعة الله من أعلى مقامات الصبر، الذي ينال به الإنسان الرفعة؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَلقمان: 17 الصبر في القيام بهذه المهمات الجليلة وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على وجه الخصوص ﴿مِنْ عَزْمِ الْأُمُورلقمان: 17 أي: من الأمور التي يعزم عليها، ويهتم بها، ولا يوفق إليها إلا أصحاب العزائم والهمم العالية والنفوس الأبيَّة التي تسمو إلى الفلاح وصلاح الدين والدنيا.

قال تعالى: ﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِلقمان: 18 هذه الوصية السابعة أو السادسة، قال: ﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِلقمان: 18 هذا في معاملة الخلق، يعني قيامك بهذه المهام والعبادات والطاعات يُلقي في نفسك تواضعًا. صلاح الإنسان ليس موجبًا للارتفاع والعلو على الخلق، ولهذا نبه إلى ضرورة العناية بثمرة هذه الأعمال الصالحة، وهو التواضع وعدم العلو على الخلق والترفع عليهم، وذكر سِمَة من سمات العلو على الخلق، وهي تصعير الخدِّ؛ قال: ﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِلقمان: 18 أي: لا تُمِلْه فتصرفه إلى الجهة الأخرى تكبرًا وعلوًّا، وأيضًا العبوس والتقطيم وعدم البشاشة، وهذا قد يصيب بعض النفوس التي تشتغل بالطاعة؛ فإن المشتغل بالطاعة قد يرى لنفسه منزلةً ومكانةً يرتفع بها على الناس، وهذا من الجهل البين العظيم الذي يزينه الشيطان في نفوس بعض الناس فيورطه فيما قد يكون سببًا لهلاكه، وأذكر في هذا المقام قصة ذلك الرجل الذي كان له صاحب يغشى السيئات ويقع في الخطايا وهو على طاعة وإحسان، فكان كلما رأى ذلك أمره ونهاه، أمره بالخير ونهاه عما كان عليه من شرٍّ، فمرة من المرات رآه على سيئة فقال ذلك الرجل: «والله لا يغفر الله لفلان» تفوَّه بهذه الكلمة وهو أنه حلف على الله أنه لا يغفر لفلان لما يرى من كثرة وقوعه في السيئات، وهو يعرف من نفسه الصلاح والاستقامة، «قال الله تعالى: من ذا الذي يتألَّى عليَّ» يعني من ذا الذي يحلف عليَّ «ألا أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك»[صحيح مسلم:ح2621/137]، حبوط العمل لم يكن فقط بهذه الكلمة، إنما التألي الذي حصل من هذا الرجل وصدر منه هو ثمرة ما في النفس من علو، كبر، ورؤية لعمله حيث ظن أنه قد بلغ منزلةً يُدخل بها من يشاء في مغفرة الله ويخرج من يشاء عن مغفرة الله، فقال الله تعالى: «من ذا الذي يتألى عليَّ ألا أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك».

فمهما وفِّقت إليه من صلاح في نفسك، في خاص أو عام، ظاهر أو باطل، احذر أن يدبَّ إلى قلبك توهُّم العلو على الخلق، فإن الله تعالى إنما وفقك للطاعة لتصلح وتتواضع، من تواضع لله رفعه، فإياك أن تطلب سموًّا وعلوًّا يكون ذلك موبقًا لعملك وموقعًا لك فيما لا تحمد عقباه؛ ولهذا قال: ﴿وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًالقمان: 18.

وصيتان تتعلقان بالمعاملة الخاصة والمعاملة العامة، المعاملة الخاصة: ﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِلقمان: 18 مهما كان ومهما رأيت منهم من قصور أو تقصير ﴿وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًالقمان: 18 لا تعجب بنفسك وتختال بها وتسمو على الناس: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍلقمان: 18 فخور مختال في نفسه وهيئته وتعامله، فخور بعمله فخور بما كان منه، بل الله يحب المتواضعين؛ ولذلك قال: ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَلقمان: 19 أتى بنقيض ما تقدم، ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ﴾ أي: كن متواضعًا مُستكينًا، لا مشي البطر والتكبر، ولا مشي التماوت والضعف والهوان، بل المشي المستقيم الذي يوصلك إلى غايتك دون أذية للخلق لا ظاهرًا ولا باطنًا.

وقد يكون مع الإنسان من الحديث ما يعلو به صوته؛ لذلك أمر الله تعالى بغضِّ الصوت ﴿وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَلقمان: 19؛ لأن علو الصوت أحيانًا قد يكون الباعث له أو الموقع للإنسان فيه التكبر على الخلق أو سوء الأدب، حتى ولو لم يكن تكبرًا؛ فإن الصوت العالي الذي يدخل على الناس الإزعاج والفزع هو مما يخالف ما أمر الله تعالى به في قوله: ﴿وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَلقمان: 19 هذا فيما أوصى به يعني لقمان لابنه  ﴿وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَلقمان: 19 تأدَّبْ في حديثك مع الناس.

 وغضُّ الصوت ليس فقط خاصًّا به، فهذا هو المسموع، لكن أيضًا مضمونه أن ينتقي الإنسان من الكلمات أطيب الكلام وأعذبه ما استطاع؛ قال الله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًاالبقرة: 83 وهذا في القول وابتداء الكلام، وفيما يتعلق بما يصدر من الإنسان منعه من أن يقول سيئًا: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْالإسراء: 53 فيمتنع الإنسان عن كل سيئة من القول؛ لأن الشيطان بالمرصاد ينفخ في هذه الكلمات، يضخِّمها، يُوجد الفرقة بين الناس بسبب كلمة قد تكون صدرت من الإنسان لاهيًا أو ساهيًا أو مازحًا أو ما إلى ذلك، لكن الشيطان بالمرصاد عدو مبين، ما من شأن إلا ويحضره ليصيب فيه ما يصيب من أذية الخلق وصدهم عن سبيل الله.

﴿وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِلقمان: 19 أي: أصدعها وأبشعها وآذاها للأسماع صوت الحمير، فلو كان في رفع الصوت البليغ فائدة ومصلحة لما اختص به هذا الحيوان الذي هو مضرب المثل في البلادة والوضاعة.

هذه وصايا أوصى لقمان بها ابنه، ذكرها الله حكايةً عن لقمان، وهي في الحقيقة وصية من الله لنا أن نأخذ بها؛ فإنَّ ذكرها في القرآن ليس لمجرد متعة القصص والإخبار، بل للانتفاع بما تضمنته من أمهات الحكم وأصول المكارم في معاملة الخلق لربهم - جل وعلا -، وفي معاملة الخلق لمن يعاملونه من الناس.

وكل وصية ذَكَرَ فيها ما يدعو إلى فعلها؛ إن كانت أمرًا فبيان فضيلة ذلك، وإن كانت تركًا نهيًا، وهذا يدل على ما في هذه الوصايا من الخير العظيم والفضل الكبير، فينبغي أن نحرص على امتثالها وعلى التحلي بها، وعلى أن تكون حاضرةً في معاملتنا لله - عز وجل - وفي معاملتنا للخلق.

ويمكن أن نُجمل هذه الوصايا فيما يلي: أنها تضمنت الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك، كما أمرت ببر الوالدين، وهو أمرٌ أيضًا بسائر الحقوق لأصحاب الصلات، أمرت بمراقبة الله - عز وجل - واستحضار حقه - جل وعلا - في السر والإعلان، وأمرت بإقامة الصلاة التي هي أصل صلاح ما بين العبد وربه ومفتاح الرشد والهداية، فالصلاة صلة ونور وهداية وبر، ولا حياة للقلب إلا بها.

 أمرت بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما في ذلك من إصلاح المجتمع ووقايته من الأخطار، وإصلاح النفس والذرية، وأول من ينبغي أن يؤمر بالمعروف ويُنهى عن المنكر هم أبواك وأقرب الناس إليك من زوجة وولد ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُالتحريم: 6.

أمرت هذه الوصايا بحسن السير والبعد عن الكبر والعلو على الخلق، وما إلى ذلك من سائر ما أوصت به من الوصايا الجليلة في الأخلاق الفاضلة.

المقدم: جميل، اسمح لي فضيلة الشيخ أن نعود إلى أسئلة الإخوة المستمعين الكرام.

في ختام هذه الحلقة نريد أن نجيب على بعض الأسئلة التي وصلت من قبلهم، نستغل الوقت قليلًا، فضيلة الشيخ خالد المطيري يقول: إنه على خلاف مع صديقه، وحاول أن يصلح الأمر، ولكن لم يتم هذا الأمر، يسأل عن الخصومة ويسأل هل يلحقه شيء من هذا أم لا؟ لأنه حاول الإصلاح وما استطاع.

الشيخ: على كل حال، أخونا - وفقه الله – يقول: إني بذلت جهدي في الإصلاح لكن امتنع الآخر، وبذله للإصلاح كان عن طريق الرسائل.

عن أبي أيوب الأنصاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا» قال: «وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»[صحيح البخاري:ح6077] مبادرتك في وصل أخيك بالإرسال هو دالٌّ على الخير، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» كونه يعرض هذا تقصير منه، وأنا أوصيك بمزيد بذل الجهد للإصلاح؛ لأنه أحيانًا الوسائل قد لا توصل المضمون الذي يزيل ما في النفوس من أسباب الضيق، فإذا كان زميلك يمكن الاتصال به هاتفيًّا إذا كان بعيدًا عنك أو ملاقاته مباشرة، أو تدعو أخاك بأن يصل الأخ ما استطاع إلى ذلك السبيل، فإذا تعذر ولم يتمكن من التواصل معه اكتفى بالإرسال، وإن شاء الله إنه على خير: «وخيرهما الذي يبدأ بالسلام». 

المقدم: إن شاء الله، فضيلة الشيخ في دقيقة لو تكرمت، أبو عبد المجيد من تبوك يسأل عدة أسئلة، لكن نأخذ هل يشعر المسلم بلذة الأنس والانشراح بذكر الله تبارك وتعالى؛ لأن الله - عز وجل - يقول: «من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه»[سبق] هل يستشعر المسلم هذا الشيء حسيًّا؟

الشيخ: الله - عز وجل - يفيض على عباده من رحماته، ومن انشراح الصدر ما هو ثمرة لذكره - جل وعلا - وهو أثر ذكر الله تعالى للعبد، لكن الجزم بشيء معين لا يمكن أن يجزم به، إنما الله تعالى لا يخلف الميعاد، فمن ذكر الله صادقًا ذكره الله وأثر هذا الذكر بتولي الله له ونصرته وتأييده وفتحه له وإدراك خير كثير، لكن ليس ثمة مؤشر بعينه يقال: هذا دليل أن الله ذكرك، لكن نوقن أن من ذكر الله مخلصًا له على الوجه المشروع في نفسه ذكره الله في مجلس، ومن ذكره في ملأ مخلصًا لله ذكره الله في ملأ خير منه.

المقدم: جميل، شكر الله لك وكتب الله أجرك فضيلة الشيخ الدكتور/ خالد المصلح؛ أستاذ الفقه بجامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم، شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ.

الشيخ: وأنا أشكرك، وأشكر الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن ينفعنا بهذه الوصايا، وأن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته، وأن يحفظ بلادنا من كل سوء وكل شر، وأن يوفق ولاة أمرنا الملك سلمان وولي عهده، وأن يُلهمهم الرشد والصواب، وأن ينصر بلادنا على من عاداها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

 

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91487 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87236 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف