المقِّدِمُ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، مُسْتمعينا الكرامَ، السلامُ عليكمْ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ، أَهْلًا ومرْحَبا بكمْ مَعَنا إِلَى هذهِ الحلقةِ مِنْ بَرْنامجِ "ينابيعِ الفَتْوَىَ"، نتواصلُ وإياكُمْ في هَذا الِّلقاءِ عَلَى مَدَى ساعةٍ إِلَّا قَلِيلًا.
هَذهِ أطيبُ تحيةٍ مِنِّي محمدُ الجَريني، وَأَخِي مصْطفىَ الصُّحفي منَ الإِخْراج،ِ كذلِكَ يَسُرُّنا وَيَطيبُ لَنا دائِمًا في هَذا اللِّقاءِ أَنْ يكُونَ مَعَنا فضيلةُ الشيخِ الدكتُور/ خالد المصلحُ؛ أُستاذُ الفِقْهِ بجامِعَةِ القصِيمِ، الَّذِي نسعَدُ ونأْنَسُ بِالحديثِ معهُ حولَ مواضيعِ هَذا اللقاءِ، السَّلامُ عليكمْ يا شيخ خالد، وحياكمُ اللهُ.
الشيخُ: وعليكمُ السلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ، حياكمُ اللهُ وأهْلًا، وسَهْلًا بكمْ.
المقدمُ: أَهْلًا وسهْلًا بكَ يا شيخنا حضراتِ المستمعينَ الكِرامِ، بإمْكانكُمْ الاستفْسارُ حوْلَ ما تشاءُونَ مِمَّا يَهُمُّكُمْ في شهرِ رَمضانَ علَى الأرقامِ: 6477117- والرقم الآخر: 6493028 مفتاح المنطقة 012 أو عَلَىَ تطبيقِ الواتسِ آب لمن أرادَ بأَنْ يَبْعَثَ بِرِسالَةٍ نصِّيَّةٍ علَى الرقَمِ: 0500422121 فحياكم الله.
في هَذا اللِّقاءِ إِنْ شاءَ اللهُ سوْفَ يتطَرَّقُ شَيْخُنا إِلَى ما يَهُمُّ المسلمُ في زكاةِ الفِطْرِ وصدقةِ الفطْرِ، وكيفَ لَهُ أن يتحرَّى الشَّرِيعَةَ الإِسْلامِيَّةَ في هَذا الشَّأْنِ؟ وَكَيْفَ لَهُ أَنْ يَرْجُو الثَّوابَ وَالثَّمَراتِ مِنْ هَذا العملِ الصَّالحِ بإِذْنِ اللهِ؟
تفضلْ يا شيخَنا باركَ اللهُ فِيكُمْ.
الشيخُ: السلامُ عليكمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وبركاتُهُ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأُصَلِّي وأُسِلِّمُ علَى نَبِيِّنا محمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحابِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْد:
فإنَّ زَكاةَ الفِطْرِ منَ الأَعْمالِ الَّتي شَرَعَ اللهُ تَعالَى لِلمُسْلِمينَ الاشتغالَ بِها في خَتْمِ شهرِ رَمَضانَ، وَهِيَ زَكاةٌ فَرَضَها رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى المسلمينَ جَمِيعًا، عَلَى الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَبَيَّن النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْرَ الفرْضِ وَجِهاتِ الصَّرْفِ فِيهِ وَجِنْسُ المخْرَجِ.
والحكْمَةُ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ هَذِهِ الزَّكاةِ وَهَذِهِ الصَّدَقَةُ ما جاءَ في السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أَنَّهُ قالَ: «فَرَضَ رسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكاةُ الفِطْرِ طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثُ وَطُعْمَةٌ لِلمَساكِينِ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ في السُّننِ (1609)، وابْنِ ماجهْ في السننِ (1827)، وصَحَّحَهُ الحاكمُ (1488)، ووافَقَهُ الذَّهَبُِّي. وَمِنْ هُنا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الحِكْمَةَ مِنْ شرعَ هَذِهِ الزَّكاةَ هُوَ جَبْرُ ما يَكُونُ مِنْ نَقْصٍ في الصِّيامِ بِسَبَبِ إِمَّا تَقْصيرٌ في مَأْمُورٍ أَوْ مُواقَعَةِ مَحْظُورٌ؛ وَلِذَلِكَ قالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم -: «طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةٌ لِلمَساكينِ» وَاللَّغْوُ هُوَ كُلَّ ما يُنْقِصُ الصَّوْمَ مِنَ الأَعْمالِ، سَواءٌ كانَ ذَلِكَ بِالغِيبَةِ أَوِ النَّمِيمةِ أَوْ العَمَلِ كالنَّظَرِ المحرِّمِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ هُوَ إِزالَةٌ لِكُلِّ ما يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالمفْطراتِ إِذا جَرَىَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ؛ وَلِذَلِكَ قالَ: «والرَّفَثُ» وَالرَّفَثُ هُوَ ما مُنِعَ مِنْهُ الصَّائِمُ حالَ صَوْمِهِ؛ قالَ اللهُ تَعالَى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾البقرة: 187 فالرَّفَثُ هُنا ما مُنِعَ منهُ الصائمُ في النهارِ كَما دلَّتْ عَلَيْهِ آياتُ الصِّيامِ، والفِطْرُ جبرٌ لما يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَقْصٍ في صَوْمِ الإِنْسانِ، سَواءٌ كانَ فِيما يتَعَلَّقُ بالمفطراتِ وَنَحْوِها أَوْ فِيما يَتَعَلَّقُ بِعُمُومِ ما يَنْبَغِي أَنْ يَتَجَنَّبَهُ الصَّائِمُ.
وَثَمَّةَ حِكْمَةٌ أُخْرَى أَشارَ إِلَيْها الحدِيثُ وَهِيَ «طُعْمَةٌ لِلمساكِينِ» وَهِيَ الإِحْسانُ بكفايَةِ المسْكِينِ بِأَنْ يَسْأَلَ أَوْ يَطْلُبَ، وَيَسُدَّ حاجتهُ في ذلكِ اليوْمِ؛ لأَنَّ اليَوْمَ بهجَةٌ وَسُرُورٌ ويومُ شعيرةٍ من شعائرِ اللهِ، وَهِيَ الفَرَحُ بِالفِطْرِ وَصَلاةِ العِيدِ، وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَنْ تَجبُ وَمِقْدارُها وَوَقْتَ إِخْراجِها، كُلُّ ذَلِكَ جاءَ في بَيانِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
أَما عَلَى مَنْ تجبُ؟ فَتَجِبُ عَلَى المسْلِمينَ، فَغَيْرُ المسْلِمينَ لا تجبُ عليهِمْ زَكاةُ الفِطْرِ؛ وَلِذَلِكَ الَّذِينَ يَسْأَلُونَ عَنْ إِخْراجِ الزَّكاةِ عَنْ غَيْرِ المسلمِينَ مِنَ العمالَةِ مِنْ خَدَمٍ أَوْ سائِقينَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ يُقالُ: لَيْسَ عَلَيْهِمْ زَكاةٌ؛ لأَنَّهُ إِنَّما فُرِضَتْ زَكاةُ الفِطْرِ لِلفُقَراءِ عَلَى أَهْلِ الإِسْلامِ، قالَ ابْنُ عُمَرَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكاةَ الفِطْرِ صاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ والذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَالصَّغيرِ وَالكبيرِ مِنَ المسْلِمينَ» أَخْرَجَهُ البُخارِيُّ (1503)، ومُسْلِمٌ (984)، وَهَذا يُفِيدُ عُمُومَ فَرْضِ زَكاةِ الفِطْرِ عَلَىَ كُلِّ مَنْ يَسْتَطِيعُ وَيَمْلِكُ صاعًا مِنْ طَعامِ، شَرِيطةِ أَنْ يَكُونَ هَذا الصَّاعُ فاضِلًا عَنْ حاجَتِهِ في يَوْمِ العِيدِ، وَهِيَ فَرْضٌ تَجِبُ عَلَىَ الإِنْسانِ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ أَخْرَجَها عَنْهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ أَجْزَأَتْ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ أَنَّ أَحَدًا أَخْرَجَ عَنْ غَيْرِهِ زَكاةَ الفِطْرِ بِإِذْنِهِ فَإِِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَكْفِيهِ عَنْ أَداءِ هَذِهِ الشَّعِيرَةِ.
وَلهذا إِخْراجُ الرَّجُلِ لهذهِ الزكاةِ عَنْ أَوْلادِهِ ذُكُورًا وَإِناثًا، أَوْ عَنْ وَالِدِيْهِ أَوْ عَنْ زَوْجَتِهِ أَوْ عَنْ خَدَمِهِ إِنَّما هُوَ مِنَ الإِحْسانِ؛ لأَنَّ الأَصْلَ في الصَّدَقَةِ أَنَّها فُرَضَتْ عَلَى كُلِّ إِنْسانٍ بِنَفْسِهِ، «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكاةَ الفِطْرِ صاعًا منْ تمرٍ أوْ صاعًا منْ شَعيرٍ علَى العبدِ والحرِّ والذكرِ والأُنْثَى وَالصغيرِ والكبيرِ منَ المسلمينَ»، لكنْ إنْ قامَ بِها غيرُ الإِنْسانِ بإذنهِ أَوْ بتوكيلِهِ فَإنَّها تُجْزِئُهُ، فهذه الزكاةُ مفروضةٌ علَى كلِّ إنسانٍ بنفسهِ، فمنْ لم يملكْ صاعًا فاضِلًا عنْ قُوتهِ في يومِ العيدِ فإنهُ لا تجبُ عليهِ كسائرِ فَرائضِ الشريعةِ.
وينبغِي لمنْ أَرادَ أنْ يُخْرِجَها عنْ غيرِهِ أنْ يخبرهُ، بمعْنَى أَنا أريدُ أنْ أُخْرِجَ عَنْ أَوْلادِي مَثلًا وعنْ زَوْجَتي وَعَنْ وَالِدي وعنْ خَدَمِي، فأخْبِرْهُم لأَجْلِ أَنْ يَحْصُلَ الرِّضا بالتوكيلِ، وَهَذا الإخبارُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا مُباشِرًا أَوْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ جَاريًا عَلَى عَمَلٍ عِنْدَهُمْ أنهُ يقومُ بِها، وهمْ قدْ وكلوهُ بِذَلِكَ، فإِنَّ ذلكَ مُجْزِئٌ.
أَمَّا المقدارُ الواجبُ إِخْراجُهُ فَقَدْ بَيَّنَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - أنهُ صاعٌ منْ طَعامٍ، وَالطعامُ المقْصُودُ بِهِ غالبُ قُوتِ البلَدِ، وكانَ الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ يُخْرجُونَها مِنْ عِدَّةِ أَجْزاءِ؛ كَما دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبي سَعِيدٍ حَيْثُ قالَ: «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ» أَخْرَجَهُ البُخاريُّ (1506)، وَمُسْلِمٌ (985) وَهُوَ اللَّبَنُ المجفَّفُ؛ لأَنَّ المقْصُودَ هُوَ إِطْعامُ المساكِينِ كَما تَقَدَّمَ في حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ - زَكاةُ الفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرفثِ» ثمَّ قالَ: «وِ؛ لأن المقصودَ الإِطعامَ «طُعْمةً للِمساكينِ»، والصحابةِ كانُوا يُخْرِجُونَها مِنَ الطَّعامِ، وَكُلُّ هَذِهِ الأَجْناسِ جَرَى عَلَيْها عَمَلُ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَرَى عَلَيْها أَصْحابُهُ مِنْ بُرٍّ وَتَمْرٍ وَشَعِيرٍ وَأَقْطٍ، وَمِنْهُ يُسْتفادُ أَنَّ الصَّاعَ الَّذِي يُخْرِجُ في زَكاةِ الفِطْرِ مِنْ قُوتِ البَلَدِ، وَأَنَّهُ كافٍ في حُصُولِ المقْصُودِ، وَعَلَى هَذا لَوْ كانَ الناسُ يَقْتاتُونَ غَيْرَ هَذِهِ الأُمُورِ؛ إِذْ إِنَّ الأُرْزَ يُعْتَبَرُ شَهِيرًا في كَثِيرٍ مِنَ المجْتَمَعاتِ، ثَمَّةَ أَنْواعٍ أُخْرَى مِنَ القُوتِ وَالطَّعامِ مُشْتَهَرَةً في بَعْضِ البُلْدانِ يُجْزِئُ إِخْراجُها.
وَقَدِ اجْتَهَدَ العُلَماءُ في تَقْدِيرِ الصَّاعِ؛ أَيْ: كَمْ يَكُونُ الصَّاعُ في الحِسابِ المعاصرِ؟ وَتَفاوَتَتْ بِذَلِكَ تَقْدِيراتُ الصَّاعِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ كِيلوانِ وأربعونَ غرامًا، ومنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: كِيلوانِ وَنِصْف، وَمِنْهُمْ مَنْ يَصِلُ إِلَى ثَلاثَةٍ، الأَمْرُ في هَذا قريبٌ، كُلُّ ما يُقابِلُ الإِنْسانَ مِمَّا يُعادِلُ الصَّاعُ عَلَى حَسْبِ ما تَوَصَّلَ إِلَيْهِ في قِياسِهِ أَوْ أَخَذَ بِهِ مِنْ كَلامِ العُلَماءِ فَإِنَّهُ مُجْزِئٌ، وَثَلاثَةُ كِيلُو هِيَ العُبُوَّاتُ الَّتي تَنْتَشِرُ بَيْن النَّاسِ عَلَى أَنَّها زَكاةُ الفِطْرِ.
أَما إِخراجُها نَقْدًا؛ فَجُمْهُورُ العُلَماءِ علَى أنهُ لا يُجزئُ إخراجُ زَكاةِ الفطرِ نَقْدًا؛ لأنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَها صاعًا مِنْ طعامٍ، وَلمْ يَقُلْ: لِباسُ ونَحْو ذلكَ. وأَبُو سَعيد أخْبرَ فَقالَ: «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ» تقدم تخريجهُ وَكُلُّ هَذا طعامٌ، وَلم يذكرْ أَنَّهُمْ كانُوا يُخْرِجُونَها منْ نُقودٍ.
وذهبَ أبُو حنيفةَ وأخذَ بذلكَ بعضُ أهلِ العلمِ إِلَى جوازِ إخراجِها منَ النُقُودِ، وهُوَ قولُ في مذهبِ الإمامِ أحمدَ؛ لأنَّ المقصُودَ إغناءُ الفقيرِ سَواءٌ منَ الطَّعامِ أوْ بِما يحصُلُ بهِ الطَّعامُ مِنَ المالِ، وَهَذا خِلافُ ما عليْهِ الجمهورُ.
والَّذِي أُوصِي بهِ نفْسي وإخواني أنْ يجري الإنسانُ عَلَى ما شَرَعَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ -؛ لأنَّ إِخْراجَها منَ الطعامِ يحصلُ بهِ براءةُ الذِّمةِ علَى وجهِ اليقينِ، ويتحققُ بهِ اتباعُ السنةِ علىَ وجهْ واضحٍ؛ لأنَّ المقصودَ هوَ إِخْراجُها منْ طعامٍ، وهَذا ما كانَ يفعلهُ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - وأصحابهُ في زَكاةِ الفطرِ.
وبالتالي؛ خُروجًا مِنْ مضيقِ الخلافِ فيما يُجزئ وما لا يجزئُ هوَ أنْ يُخرجَها الإنسانُ مِنَ الطعامَ، وهُوَ مِمَّا يحتاجُهُ، وَإِذا كانَ الإِنسانُ يُقيمُ في بلدٍ ليسَ فِيها منْ يأخذُ إِلا النُّقُودُ، وَهَذا قدْ يكُونُ في بعضِ الجهاتِ لاسِيَّما في بلادِ الأقَلِّياتِ، لا يجدُ مَنْ يأْخُذُ الطَّعامَ، إِنَّما يأخذُونَ النُّقُودَ، فَفِي هَذِه الحالِ إخراجُها مِنَ النَّقْدِ هو َعوضٌ منْ بابِ الحاجةِ وعدَمِ وُجُودِ مَنْ يقبلُ الطَّعامَ، وَقدْ أَخذَ بذلكَ جماعَةٌ منْ أهلِ العلمِ، منهمْ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ - رحِمَهُ اللهُ -؛ أَنَّ إخراجَها منْ غيرِ الطَّعامِ للحاجةِ لا بأْسَ بهِ.
ما يتعلقُ بمنْ يُعطِىَ زكاةَ الفِطْرِ: يُعْطَى زكاةُ الفِطْرِ الفَقِيرُ والمسكينُ، وَهُوَ مَنْ يَأْخُذُ الزَّكاةَ لحاجَتِهِ؛ لقولِ ابنِ عباسٍ: «فَرضَ رَسولُ اللهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زكاةُ الفِطْرِ طُهرةٌ للصائمِ منَ اللَّغْوِ والرَّفَثُ وَطُعْمَةٌ للمساكينِ» تقدَّمَ تخريجهُ. وكذلكَ جاءَ عنهُ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - أنهُ قالَ: «أَغْنُوهُمْ عَنِ الطَّوَافِ فِي هَذَا الْيَوْمِ» أَخْرجهُ الدارقُطنيُّ في السننِ (2133)، والبيهقيُّ في الكُبْرىَ (7739)، وَفيهِ أبُو مَعْشَرٍ ضعيفٌ كَما في نَصْبِ الراَّيةِ (2/ 432)، والبدرُ المنيرُ (5/ 620) والَّذِي يَسْأَلُ إِنَّما هُوَ فَقِيرٌ أَوْ مِسْكينٌ، هَذا بِالنَّظَرِ إلَى مَنْ تدفعُ لَهُ زَكاةَ الفِطْرِ.
بعضُ الناسِ يقولُ: أَنا أُعْطِيها لِلفقيرِ وَالفقيرُ يقومُ ببْيعِها. إِذا ملَّكتهُ فَقَدْ بَرِأتْ ذمَّتكَ، وليسَ منْ شأنكَ أنْ تبحثَ ماذا سيفعلُ بِهذهِ؟ هلْ سيبيعُها؟ هلْ سيستفيدُ منْها؟ هلْ سيهْدِيها؟ مادامَ أنهُ موصوفٌ بِالفقرِ والمسكنةِ فيُعْطىَ.
المقدمُ: هُوَ ينتفعُ بِها.
الشيخُ: نعمْ هوَ ينتفعُ بِها كيفَما شاءَ، لكنْ يتحرَّى الإنسانُ الأَشدُّ فَقْرًا؛ لأَنَّ بعضَ الباعةِ قد يُحضِر حولهُ بعضَ أهْلِ الحاجةِ وَيقومُ هُوَ بَبيعِها عَلَى الرَّاغبِ في زكاةِ الفطرِ، فَيتصدَّقُ صاحبُ زَكاةِ الفطرِ علَى هَؤُلاءِ، وهؤلاءِ يُعيدُونَها إلَى البائعِ، بعضُ الناسِ يقولُ: هَذا ما يَجرِي. علَى كلِّ حالٍ إِذا أخرَجَها الإنسانُ لمنْ يرَى أنَّهُ فقيرٌ فَلا عليهِ ماذا يكونُ بعدَ ذلكَ، واليومَ وللهِ الحمدُ يسرَ اللهُ تعالَى وسائلَ وَطُرُقًا لإيصالِ هذهِ الزَكواتِ وَغيرِها عَلَى وجْهٍ يكونُ الإِنْسانُ مُطْمِئنًّا في وصُولِها إِلى ذَوِي الحاجةِ مِنْ خِلالِ الجَمعيَّاتِ المرخصَّةِ الموثُوقةِ، وَجَمْعيَّاتِ البرِّ في المدنِ ونحوِ ذلكَ، فإِعطاءُ هذهِ الجمعياتِ إِذا كانَ الإنسانُ لا يحسنُ أنْ يوصلَ الصَّدقَةِ عَلَى الفقيرِ هُوَ مِمَّا يحصلُ بهِ إِبْراءُ الذِّمَّةِ.
أَمَّا ما يتعلَّقُ بِأَفْضلِ أَوْقاتِ إِخْراجُها فَقدْ أمرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ - بِها أنْ تخرُجَ قَبْلَ الصَّلاةِ؛ لكنْ مِنْ حيثُ وَقتُ الجوازِ؛ فَيجوزُ إِخْراجُها قبلَ العِيدِ بيومٍ أَوْ يَومينِ، فمِنْ يَوْمِ ثَمانيةٍ وَعِشرينَ يصلحُ أَنْ يَدْفَعَ الإِنْسانُ الزكاةَ وأَنْ يُعْطِيها لمستحقِّيها، فَيقدِّمُها يَوْمًا أوْ يَومينَ كَما فعلَ الصحابةُ رَضِيَ اللهُ تعالَى عنهمْ.
وَالَّذِي يظهرُ واللهُ أعْلَمُ أنَّهُ لا يقدِّمُها علَى اليومينِ الَّذِينَ جَعلهُما الصحابةُ، وهِيَ مُوقتَّةٌ بِوقْتٍ، ومقصُودُها كِفايتُها للحاجةِ يومَ العِيدِ، وتقديمِ الزكاةِ قَبْلَ ذلكَ بوقتٍ يكونُ خُرُوجًا عنِ المقصودِ النبويِّ، إِلَّا أنْ يكونَ يُعْطيها مَنْ يُخرِجُها في وقتِها كأَنْ يُعْطي مَثلًا الجمعياتِ الخيريَّةِ الَّتي تَتَقبَّلُ مِنْ أولِ الشهرِ التوكيل في إخراجِ الزكاةِ ويخرجُونَها في الوقتِ الشرْعِيِّ، فََهذا لابَأْسَ بِهِ؛ لأنَّهُ أداةٌ للمطلُوبِ بالوكالَةِ، وليسَ إِخراجًا للزكاةِ؛ أيْ: وكَّلهُ ليخرجِ الزكاةَ في وقْتِها، فَهَذا لا حرجَ فيهِ.
وزكاةُ الفطْرِ تتبعُ البدنَ، فَحَيثُما كانَ الإنسانُ يخرجُ زكاتهُ في المكانِ الَّذِي هوَ فيهِ، لا يلزمُ أنْ يَردَّها إلَى بلَدهِ؛ فمثلًا إذا كانَ الإنسانُ قَدْ جاءَ إِلَى مكةَ في زَمَن زكاةِ الفطرِ، فإنهُ يخرِجُها في البلدِ الحرامِ، إِذا كانَ قدْ سافرَ إلَى بلدٍ آخرَ فزكاةُ الفطرِ تتبعُ البدنَ، وَلا علاقةَ لَها بِأَصْلِ مكانِ إِقامَةِ الإنسانِ، لكنْ لَوْ أنَّ إِنْسانًا قالَ: واللهِ أنا نسيتُ في السفرِ وَلا أُحسنُ إِخراجَها، ولا أعرفُ، وأريدُ أنْ أُوكِّلَ أحدًا منْ أقارِبي أوْ أحدًا مِنْ أَصحابي يخرجُها في بلَدي فَلا حرجَ في ذلكَ إِنْ شاءَ اللهُ تعالَى.
هذهِ جملةٌ مِنَ المسائلِ المتصِلةِ بزكاةِ الفطرِ، أسألُ اللهَ تعالَى أنْ يقبلَنا في عِبادهِ الصالحينَ، وأنْ يجعَلَنا ممنْ فازَ بالأجرِ وعَظيمِ الفَضْلِ في هَذا الشَّهرِ المبارَكِ، وصَلَّى اللهُ وسلَّمَ علَى نبيِّنا محمدٍ.
المقدمُ: شكر اللهُ لكمْ فضيلةَ الشيخِ خالد علَى ما بينتمْ في هَذا المجالِ حولَ ما يتعلقُ بِزكاةِ الفطرِ، وكيفَ للمسلمِ أنْ يتحرَّى النصوصَ الصريحةَ في هَذا الشأنِ وما كان عليهِ رَسُولُنا - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - وصحابتهُ الكرامُ رضْوانُ اللهِ عليهمْ أجمعينَ.
شيخنا باركَ اللهُ فيكمْ إِذا أذنتمْ بفاصلٍ قصيرٍ ثم نعودُ إنْ شاءَ اللهُ للنظرِ أيْضًا فيما يتعلقُ باسْتفتاءاتِ المتابعينَ.
الشيخ: بإذن اللهِ.
المقدمُ: بارك اللهُ فيكمْ.
حياكمُ اللهُ مرةً أُخْرى مُسْتمِعِينا الكرامَ في البرنامجِ اليَوْمِيِّ "يَنابيعُ الفَتْوَىَ" نَذْكُركُمُ بِأَرْقام الاتصال على: : 6477117- والرقم الآخر: 6493028 مفتاح المنطقة 012 أَوْ علَى تطبيقِ الواتس أب علَى الرقمِ: 0500422121 لمن أرادَ أَنْ يبعثَ بِرسالةٍ نصيةٍ فحيَّاكُم اللهُ.
نرحبُ مرةً أُخرىَ بضيفِنا الكريمِ فَضيلةُ الشيخِ الدُّكْتور خالد المصلح أُستاذُ الفقهِ بجامعةِ القصيمِ، حياَّكمُ اللهُ يا شيْخنا.
الشيخُ: مَرْحبًا حَيَّاكُمُ اللهُ، ونسألُ اللهُ التوفيقَ والسَّدادَ.
المقدمُ: لعلَّكُم تأذنونَ بأَخذِ بعضِ الاتَّصالاتِ يا شيخ خالد.
الشيخُ: تفضلّْ اللهُ يحييكَ.
المقدمُ: باركَ اللهُ فيكمْ، أَخُونا خلف حياكَ اللهُ يا خلف، تفضلْ.
المتصلُ: السلامُ عليكمْ ورحمةُ اللهُ وبركاتهُ.
المقدمُ: وعليكمُ السلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ، تفضلْ.
المتصلُ: عندِي عاملٌ مسلمٌ وهُوَ لا يصَلِّي وَلا يصومُ.
المقدمُ: لا يُصَلِّي ولا يَصُومُ!! اللهُ المستعانُ، سؤالُكَ الثانِي.
المتصلُ: هَذا فقط.
المقدمُ: خَيرًا إِن شاءَ اللهُ، تفضلْ يا شَيخنا.
الشيخُ: فيما يتعلقُ بِسؤالِ الأخِ عنْ هَذا الَّذِي لا يصلِّي وَلا يصُومُ؛ عليكَ أَخِي أنْ تنصحهُ وأَنْ تترفَّقَ بِهِ، وأنْ تُحْسِنَ إِليهِ، وأنْ تنبِّهَهُ إِلَى خُطورةِ ما هُوَ فِيهِ إِذا كانَ فِعْلًا هُوَ مُسْلِمٌ، وليسَ فَقطْ هَذا مَكْتوبًا علَى أوراقهِ دُونَ حقيقةً، فمنْ حَقِّهِ أنْ تنصحهُ وأنْ تُبينَ لهُ.
إذا كانَ سُؤالُكَ عنْ زكاةِ الفِطرِ فَهَذا لا يُصَلِّي وَلا يَصُومُ، وَزكاةُ الفِطْرِ طُهرةً للصائمِ، هَذا لمْ يصمْ أصْلًا، ولمْ يَأْتِ بِما يُطَهرهُ، فَعَلَى كُلِّ حالِ تَحقَّقْ منْ حالِهِ وَانْصَحْهُ، وَهِيَ تَجبُ عليْهِ، أنْتَ ليسَ لكَ دخْلٌ بِزكاةِ الفِطْرِ عنهُ، هِيَ تكونُ علَى كُلِّ أحدٍ بنفسهِ، وَليسَ مما تدخلهُ النيابةُ بأنْ يخرجَ الإنسانُ عَنْ غيرِهِ مِنْ غيرِ إِذْنِهِ.
المقدمُ: أبُو يوسف حياكَ اللهُ يا أَبا يوسف.
المتصلُ: السلامُ عليكمْ ورحمةُ اللهِ.
المقدمُ: وعليكمُ السلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ.
المتصلُ: أُحبكَ في اللهِ يا شيخُ خالد.
الشيخُ: أَحبكَ اللهُ، وَجزاكَ اللهُ خَيْرًا.
المتصلُ: عندي عدةُ أسئِلَةً:
السُّؤالُ الأولُ: تكلمَ بعضُ المشايخِ عنْ علاماتِ ليلةِ القدْرِ، وَذكَرَ منْها طُلوعَ الشمسِ لا شُعاعَ لَها؛ فَما رأيكُمْ في هَذا خاصةً أنَّ هذهِ العَلامةَ بِإمكانِ جَميعِ الناسِ رُؤيتُها وليسَ منْ قامَ ليلةَ القدرِ فَقطْ؟
السؤالُ الثاني: أَنا أقُومُ بجلسةِ الاستراحَةِ في الصَّلاةِ منذُ عشرِ سَنواتٍ ولمْ أَتْركْها أبدًا؛ فهلْ أستمرَّ عَلَى هَذا الوضْعِ إِلَى مماتي أَوْ أُغيِّرُ أَحْيانًا؟
السؤالُ الثالثُ: لَوْ أَردْتَ أنْ أوْتَرَ بِركعةٍ واحدةٍ دونَ شفْعٍ؛ فَما الحكْمُ؟
السؤالُ الرابعُ: هَلْ عَلَى الإنسانِ الفقيرِ زكاةُ فطرٍ؟
المقدمُ: تستمعُ إِلَى الإجابَةِ إِنْ شاءِ اللهُ، أخُونا أبُو يوسفُ يا شيخَنا يسألُ حَوْلَ علاماتِ ليلةِ القدرِ، وهَلْ كُلُّ الناسِ يمكنهمْ رُؤيةُ هذهِ العَلاماتِ أَوْ هِي لفئةٍ مخصُوصةٍ؟
الشيخُ: ما يتعلَّقُ بِعلاماتِ ليلةِ القدرِ، ليلةُ القدْرِ سَبَقَ أَنْ تحدَّثْنا عنْها، وبخصوصِ سُؤالُ الأَخِ - حَتَّى لا نَتشعَّبَ في الحديثِ - عَمَّا جاءَ في الحديثِ منْ أَنَّ «الشَّمْسَ تخرجُ صَبِيحَتَها لا شُعاعَ لَها» أَخْرجهُ مُسلمٌ (762) فَهلْ هَذا عامٌّ في كُلِّ منْ أَدْرَكَ ليلَةَ القدْرِ قامَ أَوْ لم يقُمْ، أَوْ أَنَّها خاصَّةٌ بِمَنْ قامَ ليلةَ القدرِ؟ الَّذِي يظهَرُ وَاللهُ تعالَى أعلمُ أَنَّها عَلامةٌ عامَّةٌ ليستْ خاصَّةً بمنْ صَلَّى ليلةَ القَدْرِ أَوْ مَنْ قامَ ليلةَ القَدْرِ دُونَ غيرهِ؛ لِقولِ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تخرجُ في صَبيحَتِها لا شُعاعَ لَها» تقدمَ تخريجهُ فَظاهرُ الحديثِ أنَّ ذلكَ لَيْس خاصًّا بِأحدٍ دُونَ أَحَدٍ، بَلْ هُوَ عامٌ مِنَ العَلاماتِ المتعلِّقَةِ بِلَيْلَةِ القدْرِ، وَجاءَ ذلكَ في حديثِ أَبِي في صَحِيحِ مُسلمٍ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - أخبرَ أنَّ «الشَّمْسُ تَطْلُعُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا» تقدم تخريجهُ، وهِيَ علامةٌ بعدِيَّةٌ، وَهَذا أصحُّ ما وَرَدَ مِمَّا يتعلقُ بِعلاماتِ ليلةِ القدرِ، لكنَّ العُلماءَ اخْتلَفُوا: هَلْ هَذِهِ العلامَةُ مستمرةٌ؛ أيْ: ليلةُ القدرِ في كلِّ عامٍ تطلعُ الشمسُ في صبيحةِ يوْمِها بيضاءَ لا شُعاعَ لَها، أوْ أنَّ هَذا كانَ في ليلةِ القدرِ في تلْكَ السنةِ دُون سائرِ الأعوامِ؟ وَهِيَ مِنَ المسائلِ الَّتي تخفَى عَلَى كثيرٍ مِنَ الناسِ، يُحْتملُ هَذا ويحتملُ هَذا، الاحتْمِالُ وَاردٌ أَنَّ هَذا عارِضٌ عَلَى ما ذكرهُ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - في ليلةِ القَدْرِ في تلكَ السنةُ، مِثلَما قالَ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ -: «وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ مِنْ صَبِيحَتِهَا» أخرجهُ البُخاريُّ (2027)، ومسلمٌ (1167) هَذا ليسَ في كلِّ ليلةٍ مِنْ ليالي القدرِ، أَحْيانًا سَنواتٍ عديدةً يُصَلِّي الناسُ فِيها العَشْرُ الأواخِرُ مِنْ رَمضانَ يتحرَّوْنَ ليلةَ القدْرِ وَتَكُونُ هذهِ الليالِي المطيرةُ بِالكليةِ في كَثيرٍ مِنَ الأَحوالِ وفي كثيرٍ منَ المناطقِ، فهِيَ علامةٌ لليلَةِ القَدْرِ في تلكَ السنةِ الَّتي قالَ فيها صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ مِنْ صَبِيحَتِهَا» تقدمُ تخريجهُ، وَمثلهُ هذهِ الإِمارةُ الَّتي ذكرَها أُبي بْنُ كعبٍ.
هلْ هذهِ الإِمارةُ في كلِّ عامٍ وفي كُلِّ ليلةِ قدرٍ، أَوْ أَنَّها إِمارةٌ لليلةِ القَدْرِ في تلكَ السنةِ؛ حيثُ قالَ: «وَأَمَارَتُهَا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا» أخرجهُ مسلمٌ (762)؟ هَذا احْتمالُ، وَاللهُ تعالَى أَعْلَمُ، هذهِ العلامةُ ليستْ يَقينيةً؛ بمعْنَى أنهُ ليسَ ممَّا يَتيقَّنُ الإِنسانُ بهِ أَنَّ هَذهِ الليلةَ ليلةُ القَدْرِ؛ لأَنَّ طُلوعَ الشمسِ بيضاءَ لا شُعاعَ لها يتكررُّ في كثيرٍ مِنَ الأَحيانِ في ليالي عديدةٍ إِمَّا لِعوالِقَ في الهواءِ أوْ غَيْرِ ذلكَ منَ الأسبابِ.
المهمُّ أنَّهُ لمْ يرِدْ في ليلةِ القَدْرِ عَلامَةٌ، وَالعلامَةُ عَلَى القَوْلِ بِثُبُوتِها وَأَنَّها في كُلِّ لَيْلَةٍ ليسَتْ خاصَّةً بمنْ يَقُومُ ليلةَ القدرِ، بلْ هِيَ عامَّةٌ يَراها مَنْ قامَ لَيْلَةَ القَدْرِ أَوْ اجْتَهَدَ فِيها وَمَنْ لمْ يَقُمْها.
المقدمُ: يَسألُ كَذلكَ عَنْ جِلْسَةِ الاسْتراحةِ في الصَّلاةِ.
الشيخُ: الأخُ يقولُ: أَنا أجلسُ جلسةَ الاستراحةِ منذُ سنواتٍ علَى هذهِ الطَّريقةِ فهلْ هَذا صحيحٌ أَوْ لا؟
جلسةُ الاستراحةِ هِيَ جلسةٌ خفيفَةٌ تكونُ بعدَ الرَّفْعِ منَ السجدةِ الثَّانيةِ في الركعاتِ الوِتْريةِ؛ أي: أنهُ في الركعةِ الأُولَى إذا رَفَعَ رأسهُ مِنَ السجدةِ الثانيةِ لا يقومُ مُباشرةً، بلْ قَبْلَ القِيامِ يجلسُ جِلْسَةً خفيفةً تُسَمَّى جِلْسَةَ الاستراحةِ وَيَقُومُ، هذهِ الجلسةُ اختلفَ العُلماءُ فِيها، وعامَّةُ أَهْلِ العلمِ وَأَكْثَرَهُمْ عَلَى أنَّها ليستْ بسنةٍ، وإنما هيَ جلسةٌ تشرعُ عندَ الحاجةِ؛ حيثُ إِنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - ثَبَتَ عنهُ أنهُ جَلَسها أَخْرَجَهُ البخاريُّ (823)، لكنْ إِنَّما ثبتَ ذلكَ عنهُ حينَما كانَ مُحتاجًا إِلَيْها. وذَهَبَ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ العلمِ إِلَى أَنَّها سُنَّةٌ عَلَى وجْهِ الدَّوامِ؛ لِثُبوتِ ذَلِكَ عنهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم -. والمسألةُ قريبةٌ، وَالَّذِي يظهرُ - وَاللهُ تَعالَى أعلَمُ - أَنَّ جِلْسَةَ الاسْتِراحَةِ سُنَّةٌ لمنْ احْتاجَ إِلَيْها، أَمَّا إِذا لمْ يكنْ ثَمَّةَ حاجةٌ فالسُّنةُ أَنْ يَقومَ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ دُونَ جلسةٍ، وَأَخُونا يقولُ: أَنا مِنْ سَنواتٍ أجلسُ جِلْسةَ الاستراحَةِ وآخُذُ بِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ بالسنيةِ مطلقًا، والأَمْرُ في هَذا قريبٌ وسهلٌ.
المقدِّمُ: خَيْرًا إِنْ شاءَ اللهُ، لَكِنَّ فَضِيلَةَ الشَّيْخِ فِيما يتعَلَّقُ بهذِهِ الجِلْسَةِ هَلْ لَها ذِكْرٌ مُعينٌ؟
الشيخُ: لا، ليْسَ لَها ذِكْرٌ وَلا لَها تَكْبيرٌ، بَلْ يَكْبُرُ إِذا رَفَعَ رأْسَهُ، ثُمَّ يجلِسُ جِلْسَةً يَسِيرَةً، ويقُومُ، لَيْسَ فِيها ذِكْرٌ يُقالُ؛ لأَنَّها في طَوْرِ القِيامِ مِثْلُ المدَّةِ الَّتي بَيْنَ القِيامِ وَالرُّكُوعِ، وَبينَ القِيامِ وَالسجودِ؛ يَقُولُ اللهُ أكبرُ ثمَّ يسجدُ حتَّى يصلَ إلى الفرضِ الذي يليهِ، كذلكَ طالما هِيَ في طريقهِ لِلقيامِ وليستْ شَيئًا مَقْصُودًا لِذاتهِ، فَلَا يشرعُ لَها ذِكْرٌ وَلا يُشْرعُ لها تكبيرٌ.
المقدمُ: وهلْ تكونُ في الفرضِ أوِ النافلةِ فضيلَةِ الشيخُ؟
الشيخ: لا فرق في ذلك، إذا قيل بسنيتها فهي في الفرض والنفل سواء.
المقدم: يسأل أبو يوسف أيضًا عن الوتر بركعة واحدة.
الشيخ: الوتر ركعة واحدة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة» أخرجه البخاري (472)، ومسلم (749)، لكن إن كان يقصد أنه يكتفي في صلاة الليل بركعة واحدة، فهذا لا بأس به؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ» أخرجه أبو داود في السنن (1422)، وصحَّحهُ ابْنُ حبانَ (2407)، والحاكمُ (1130)، وَهَذا الحديثُ في السننِ مِنْ حَدِيثِ أبي أيوبَ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عنهُ، وهُوَ دالٌّ عَلَى جوازِ الاقتصارِ في الوترِ عَلَى ركعَةٍ واحدَةٍ، ومما يدلُّ عليهِ أَيْضًا حديثُ ابْنِ عُمَر: «صَلاةُ الليلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذا خشيتَ الصبحَ فأوترْ بِواحِدةٍ» تقدمَ تخريجهُ فإنهُ دالٌّ علَى أنَّ الواحِدةَ تكفِي، فإذا خَشِيَ عليْهِ الصبحَ صَلَّى ركْعةً واحِدَةً ولوْ لم يُصَلِّ قبلَها شيئًا، وحديث أَبي أيُّوبَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ» تقدمَّ تخريجُهُ كُلُّها دالةٌ علَى جوازِ الاقتصارِ في الوِتْرِ عَلَى رَكْعةٍ واحدةٍ، وَقَدْ قالَ - صَلَّى اللُه عليهِ وسلَّمَ -: «الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ» أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (752).
المقدم: يسأَلُ كذلكَ: هلْ تجبُ زكاةُ الفطرِ علَى الفقيرِ؟
الشيخُ: يقصدُ الفقيرَ إِذا كانَ عِنْدَهُ ما يَكْفِيهِ يَوْمَ الطَّعامِ وَعِنْدهُ شَيْءٌ فاضلُ فإنهُ تجبُ عليهِ، فَعَلَى مَنْ تَجبُ زَكاةُ الفِطْرِ؟ عَلَى كُلِّ مَنْ كانَ يَملكُ صاعًا مِنْ طعامٍ زائدٍ عَلَى قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ يَعُولُ، قُوتُ عِيالهِ، يَوْمِ العِيدِ، وَعَلَى هَذا فالفَقِيرِ الَّذي عندهُ ما يكْفِيهِ لِيومِ العِيدِ وَعِندَهُ شَيْءٌ زائدٌ بقدرِ صاعٍ فإِنَّهُ يخرجِهُ.
المقدمُ: باركَ اللهُ فِيكُمْ يا شيخَنا، أَيْضًا سائِلٌ يقولُ: ما حُكْمُ قِراءةِ سُورةِ الفاتِحَةِ في صَلاةِ الفرْضِ والنافِلَةِ خَلْفَ الإِمامِ؟
الشَّيْخُ: إِذا كانتِ الصَّلاةُ سِرِّيَّةً فَيَقْرَأُ؛ لأَنَّهُ قَدْ قالَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ -: «لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ» أخرجه البخاريُّ (756)، ومسلم (394) و«مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (395)، وكذَلِكَ يَقْرَأُ سُورَةً إِذا فَرَغَ مِنَ الفاتحةِ؛ لأنَّهُ لا يُشْرَعُ في الصَّلاةِ الصَّمْتُ، بَلْ يَقْرَأُ كَما دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ.
أَما إِنْ كانَتْ صَلاةً جهْرِيَّةً وَهَذا الَّذِي يَسْأَلُ عَنْهُ كَثِيرًا، فالصَّلاةُ الجَهْرِيَّةُ في الركَعاتِ الَّتي يجهرُ فِيها الإمامُ بِالقراءةِ لِلعُلَماءِ فِيما يتعَلَّقُ بِقَراءَةِ الفاتِحَةِ قَوْلانِ: جُمْهُورُ العُلَماءِ عَلَىَ أنَّ قِراءةَ الفاتِحَةِ حالَ جهْرِ الإمامِ بالقراءةِ ليستْ واجِبَةً، بَلْ إنَّ ذلكَ مما لا يَجُوزُ؛ لِقَوْلِ اللهِ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾الأعْراف: 204، اللهُ تعالَى أَمَرَ بِالإِنْصاتِ لِقِراءَةِ الإمامِ في الصَّلاةِ؛ ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ وإذا كانَ يَقرأُ فإنهُ لَمْ يستمِعْ ولم يُنصتْ لقراءتِهِ، وقدْ أيَّدَ دلالةَ هذهِ الآيةِ علَى وُجُوبِ إنْصاتِ المأْمُوم لِقِراءَةِ إِمامِهِ ما جاءَ في صَحِيحِ الإمامِ مُسلمٍ ++ٍ (404) منْ حديثِ أَبِي مُوسَى الأَشْعرَيِّ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عنهُ قالَ: «خَطَبنا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَيَّن لَنا سُنَّتنا وعَلَّمَنا صَلاتنا فَقالَ: أَقِيمُوا صُفُوفكَمْ ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ». قالَ: «فَإِذا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا» وَذَكَرَ الحَدِيثَ بِطُولِهِ، زادَ بعضُ رُواتِهِ أَنَّهُ قالَ: «وَإِذا قَرأَ فأَنْصِتُوا» صَحِيحُ مُسْلِمٍ (404)، وقَدْ رَواها أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد وأَصْحابُ السُّنَنِ في حديثِ أَبي هريرةَ: «إِنَّما جَعَلَ الإمامَ ليؤتمَّ بِهِ فَإِذا كبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذا قُرَأ فأَنْصِتُوا» المسند (8889)، سنن أبي داود (604)، المجتبَى (921)، سننُ ابْنِ ماجَه (846)؛ فَدَلَّ ذلكَ عَلَى أنَّ المطلوبَ منَ المأمومِ حالَ قِراءةِ الإِمامِ في صلاتهِ الجهريِةَّ أَنْ يُنْصِتَ، سواءُ كانَ في قراءَةِ الفاتحةِ أَوْ في غيرِها، وقدِ انصرفَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهُ وسلَّمَ - مِنْ صَلاةِ جَهْرٍ فِيها بِالقِراءةِ، فقالَ لأَصْحابِهِ: «هَلْ قَرَأَ مَعِي أحدٌ منكمْ آنِفًا؟» يعني في الصلاة التي مضتْ، فقالُوا: نعمْ يا رسولَ اللهِ، فقالَ: «إني أقولُ: ما لي أُنازعُ القُرآنَ؟» يعْني شوَّشُوا عليهِ لما كانُوا يقرءُونَ ولم يُنصِتُوا، شَوَّشُوا عليهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ - فقالَ: «ما لي أُنازَعُ القُرْآنَ؟»، فانتَهَى الناسُ عنِ القراءَةِ مَعَ رَسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسلَّمَ - فِيما جهرَ مِنَ الصَّلَواتِ بِالقراءَةِ حينَ سَمِعُوا ذلِكَ منْهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وَعَلَى آلِهِ وسلَّم أخرجهُ الإِمامُ أحمدُ في المسندِ (7270)، وأبُو داودَ في السننِ (826)، والترمذيُّ في السننِ (312)، وحسنهُ، والنسائيُّ في المجتبَى (919)، وابنُ ماجه في السنَنِ (848)، وصَحَّحَهُ ابن حِبَّان (1849). وَهَذا الحديثُ وإنْ كانَ تكلَّمَ بعضُ أَهْلِ العلمِ في إسنادهِ، إِلَّا أَنَّ الصَّوابَ أَنَّ إِسنادهُ صَحيحٌ، وهُوَ ثابتٌ، وبالتالي يدُلُّ علَى أنَّهُ لا يقرأُ المأمومُ شَيئًا مِنَ القُرْآنِ أَثْناءَ قِراءةِ إِمامِهِ، وقَدْ ذكرَ الزهريُّ - رحمهُ اللهُ - أَنَّ الصحابةَ انتهوا، وهُوَ مِنْ أعلمِ الناسِ بالسنةِ وقراءةِ الصحابةِ خلفَ النبيِّ - صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ -.
ومما يَدُلُّ عَلَى هَذا أنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ - قالَ: «مَنْ كانَ لَهُ إِمامٌ فقراءةُ الإمامِ لهُ قراءةٌ» المسندُ (14643)، سننُ ابنِ ماجه (850)، وضعفهُ البيهقِيُّ في الكبرى (2898)، ومعرفةِ السننِ (3766)، والنوويُّ في خُلاصةِ الأَحْكام (1173)، وغيرهِما هَذا الحديثُ أَخرجهُ جمعٌ مِنَ الأَئِمَّةِ بطرقٍ متعددةٍ مسندًا ومُرسلًا عَنْ جماعةٍ منَ الصَّحابةِ، أَمْثلُها وأصحُّها حديثُ جابرٍ وإنْ كانَ ضَعِيفًا فقدْ ضَعفَهُ كثيرٌ مِنْ أَهْلِ العلمِ، لكنْ مَعْناهُ يُعضِّدُ ما تقدَّمَ مِنَ الأَحاديثِ السابِقَةِ الدالَّةِ عَلَى أَنَّ المأْمُومَ لا يقرأُ حالَ جَهرِ إِمامهِ في الصَّلاةِ.
يُورِدُ بعضُ المتسائلينَ فَيقولُ: كيفَ لا نقرأُ والنبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - يقولُ: «لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ» تقدمَ تخريجُهُ كَما في حديثِ عُبادَةَ في الصَّحيحينِ؟
فالجوابُ أَنَّ هَذا الحديثَ لَيْسَ على عُمومهِ، بلْ هُوَ مَخصُوصٌ بِما تَقَدَّمَ مِنَ الأحاديثِ الدالَّة عَلَى أَنَّ المأْمُومَ لا يقرأُ إِذا جهَرَ إِمامُهُ بِالقراءَةِ، وعلَيْهِ فَإِنَّهُ لا يجبُ عَلَى المأْمُومِ القراءةُ حالَ جهرِ الإمامِ بقراءتهِ في الصَّلاةِ سواءٌ كانَتِ الصلاةُ فرضًا كصلاةِ الفجرِ أَوْ صَلاة المغربِ أَوِ العِشاءِ أَوْ نَفْلًا كصلواتِ التراويحِ والقِيامِ ونحوِ ذلكَ.
لكنْ إِنْ سكتَ الإمامُ وتركَ فرصةً بعدَ الفاتحةِ فَهُنا يقْرأُ المأْمُومُ، لَكِنْ إِذا كانَ يصلُ قِراءتهُ كَما هو حالُ بعضِ الأئمةِ وَلا يتركُ مجالًا لِلقراءةِ فهوَ لا يقرأُ، بَلْ يكتفي بِقراءَةِ إِمامِهِ.
المقدمُ: باركَ اللهُ فيكُمْ يا شيخ خالد ونفعَ بكمْ. أخُونا محمد سالم منْ مكةَ، حياكَ اللهُ يا محمد.
المتصل: السلامُ عليكُمْ.
المقدمُ: وعليكمُ السلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ، تفضَّلْ.
المتصلُ: شيخ خالد باركَ اللهُ فيكَ، دخولُ وقتِ صَلاةِ الفجرِ وانتظارُ مُرورِ عشرينَ دقيقةً بعدَ الأَذانِ، مَعَ أنَّ الشيخَ عبدِ العزيزِ بْنِ بازٍ - رحمهُ اللهُ - حسَمَ الأمرَ قبلَ أربعينَ سنةً تقريبًا مضتْ، والشيخُ ابْنُ عثيمينَ - رحمةُ اللهِ عليهِ - يقولُ بأنهُ ينبغِي مرورُ خَمسِ دَقائقَ بعدَ الأَذانِ قبلَ الراتبَةِ؛ فَماذا لَوْ صَلَّى المسلمُ بعدَ الأَذانِ مُباشرةً؟ ونرْجُو التفصيلَ في هذهِ المسألةِ؛ لأَنَّها أُثِيرتْ أَكثرَ مِنْ مرةٍ وفي كلِّ عامٍ في دُخولِ شهرِ رَمَضانَ، والسلام عليكُمْ.
المقدمُ: وعليكمُ السلامُ، أَخُونا محمد سالم يسألُ يا شيخَنا حولَ دخُولِ وقتِ صلاةِ الفجرِ وكيفَ للمسلمِ أَنْ يُصلِّي؟ هَلْ بعدَ الأَذانِ مباشرةً، أوْ ينتظرُ مُدَّةً كافيةً - كَما استمعتمْ إِلَيْه يقولُ -: عشرونَ دقيقة أوْ خمسُ دقائِقَ.
الشيخُ: فِيما يتعلقُ بوقتِ الفجرِ لا يسعُ الناسُ العملَ إِلا بما جَرى بِهِ التوقيتُ من جهاتِ الاختصاصِ في المساجدِ وتحديدِ أوقاتِ الصَّلواتِ، وعَلَى هَذا فإنهُ يعتمدُ الناسُ ما في التقاويمِ الَّتي تُصدرُها الجهاتُ المختصةِ في تحديدِ أَوْقاتِ الصلواتِ؛ وَلهذا إِذا أذَّنَ المؤذنُ وجبَ الإمساكُ عنِ الطعامِ، وإِذا أذنَ المؤذِنُ لصلاةِ الفجرِ حلَّتِ الصلاةُ؛ لِقولِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ -: «لا يمنعنكُمْ أَذانُ بِلالٍ فإنهُ يؤذنُ بِليلٍ ولكنْ أَذانُ ابْنِ أُمِّ مَكْتوُمٍ» أَخْرجهُ البخاريِّ (617)، ومسلمٌ (1092) يعْني الأَذانُ الَّذِي يكُونُ عَلَى الوقْتِ فَإِنَّهُ كانَ لا يؤَذِّنُ حَتَّى يُقالُ: أصبَحْتَ أَصْبحْتَ. وابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ أَعْمَى لا يُرى رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُ، لكنْ يخبرُ فَيُقالُ: أَصْبحتَ، فيعتمدُ عَلَى الخبرِ فيؤذنُ.
وَبالتالي الآن باِلنسبةِ لِلناسِ في بُيوتِهمْ وَفي مَساجِدهمْ يَعْتمِدُونَ التقاوِيمَ الصادرةَ عنِ الجِهاتِ المشرفَةِ عَلَى المساجِدِ وَتَحديدَ أوقاتِ الصَّلواتِ بِلا نظرٍ إِلَى ما سُوَى ذلكَ؛ لأَنَّ ما سُوَى ذلِكَ لا يُمكنُ أَنْ ينتظِمَ بِهِ الأَمْرُ، فَمِنَ الناسِ منْ يَقُولُ: هُناكَ تَقْديمُ ثَلاثِ دقائقَ، ومنهُمْ مَنْ يَقُولُ: خمسُ دقائِقَ، وَمنهُمْ مَنْ يَصِلُ إِلَى مثلِ ما ذكرَ الأَخُ عشرينَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ عِشرينَ دَقِيقَةً، وَهَذا كلهُ تُفاوتٌ وآراءٌ منْ أصحابِها، وهُمْ مُجْتَهِدُون، لكنْ لا شكَّ أَنَّ اجْتِهادَ الجِهاتِ الموثُوقَةِ وَالجهاتِ المسئولةِ عنِ المساجدِ وأَوْقاتِ الصَّلاةِ أَوْلَى بِالاعْتبارِ عندَما يتقدمُ لي شَخْصٌ ولَوْ كانَ ثقةً ويقُولُ: الوقتُ تأخَّرَ، وتأْتِيني جِهةٌ تمثلُ جِهَةً رسميةٌ أوْ جِهةٌ مُعتبرةٌ وليستْ اجتهادًا فرْديًّا؛ لأَنَّ الاجتهادَ اجْتهادٌ جَماعيٌ في تحديدِ الوَقْتِ، لاشكَّ أن ثِقَتي بَقولِ الجهةِ ذاتِ الاجْتِهادِ الجماعِيِّ أوْلَى بِالأَخْذِ. وأَنْتَ الآنَ لَوْ جاءكَ واحدٌ وقالَ: لم يطلع الفجرُ، وأَتاكَ عشرةٌ وَقالُوا: الفَجْر قدْ طلعَ؛ أيهُما أَقربُ للاطمِئْنانِ؟ رأْي الجماعةِ، الأَكْثرُ؛ لأَنَّ اجْتهادَ الواحدِ قَدْ يُصِيبُ وقَدْ يُخطِئُ، وقدْ يعتريهِ ما يعتريهِ، فرأْيُ الفَرْدِ احْتمالُ الخطأِ فيه أكثر بأضعافٍ مِنْ رَأْيِ واجتهادِ الجماعَةِ؛ ولهذا ينبَغِي الإِعْراضُ عَنْ كُلِّ هَذا الَّذي يَدُورُ حَوْلَ ما يتعلَّقُ بوقتِ صَلاةِ الفجرِ وَوقْتِ إِمْساك الصومِ، ويعتمدُ الناسُ ما صدرَ مِنَ الجهاتِ المسئولَةِ في كُلِّ بلدٍ بحسبِهِ.
وَما نُسِبَ إِلَى شَيْخِنا ابْنِ عثيمينَ - رحمهُ اللهُ - مِنَ التأخيرِ خمسِ دقائقَ هُوَ اجتهادٌ، وأيضًا الشيخُ - رحمهُ اللهُ - لم يقُلْ لأَحَدٌ: لا تُصَلِّ. ولم يقُلْ لأَحَدٍ: كُلُوا واشربُوا حتَّى يمضِي مِنَ الوقْتِ خَمسُ دقائقَ، إِنَّما كانَ لهُ رأْيٌ - رحمهُ اللهُ -، وقَدْ رُوجِعُ أَصْحابُ التوقيتِ مُنْذُ زمَنٍ بعيدٍ، منْ وقْتِ الشيخِ - رحمهُ اللهُ - أَوْ قريبٌ مَنْ وَقْتِهِ، وعُدِّل الأَمْرُ، فقولُ الشيخِ لا يجري علَى التوقيتِ الموجُودِ الآنَ في تَقْويمٍ مثلِ تقْويمِ أُمِّ القُرَى ونَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذا أمرٌ سابِقٌ، وقَدْ عُولجَ، وَبالتالي عَلَى كُلِّ حالٍ لا ينسبُ لا للشيخِ ابْنِ عُثيمينَ وَلا لغيرهِ أَنْ يتركَ الناسُ العمل بما جرىَ بهِ اعتمادُ التوقيتِ للصلاةِ والصومِ مِنَ الجهاتِ المختصَّةِ، بَلْ يُؤْخَذُ ما كانَ مِنَ الجهةِ المختصةِ، هَذا الأَسْلَمُ والأَبْعَدُ عَنِ الإِشْكالِ.
وَلا ينبغِي التشويشُ في مِثلِ هَذهِ المسألَةِ، نَسألُ اللهَ الهدايةَ والتوفيقَ، والخلاصةُ: كلُّ أهْلِ جِهَةٍ يعتمدُونَ ما تصدِرُهُ الجهاتُ المتعلقةُ بِالمساجدِ، فَبالنسبةُ للتقاويمِ عندَنا في المملكَةِ العربيةِ السعوديةِ ما أَصْدرتْهُ وَزارةُ الشئونِ الإسلاميةُ - وَهِيَ الجهةُ المختصةُ بِالمساجدِ ورعايتِها - هُوَ المعتبرُ في توقيتِ الصلاةُ وفِيما يتعلَّقُ بالأذانِ لصَلاةِ الفجرِ.
المقدمُ: باركَ اللهُ فِيكمْ شيخَنا، هَذا السائلُ أَيْضًا لديْهِ أَسئلَةٌ مختصرةٌ يقولُ فِيها: هلْ يَصِحُّ إِخْراجُ صَدَقَةِ الفِطْرِ طَعامًا مَطْبُوخًا؟ وَما حُكْمُ إِخْراجِ زَكاةِ المالِ عَيْنًا كأثاثٍ أَوْ دَواءٍ أوْ ما يلزمُ لإنْفاقِهِ عَلَى الأَصْنافِ الثمانِيَةِ؟
الشيخُ: الأصلُ أنهُ صاعٌ مِنْ طَعامٍ، فَإِذا طبخهُ وأعدهُ فهَذا مزيدُ إحسانٍ، لكنَّ الواجبَ صاعٌ مِنَ الطَّعامِ، وَهُوَ الأفْضلُ لِلمسكينِ أَوِ الفقيرِ، إِلَّا أَنْ يَقولُ: اطبخْهُ لي، فَهذا إِحْسانٌ مِنكَ، لكنَّ الواجِبَ هُوَ إِخْراجُهُ صاعًا مِنْ طَعامٍ دُونَ أنْ يُطْهَى ويطبخُ.
المقدمُ: وَما حُكْمُ إِخْراج زكاةِ المالِ عَيْنًا؟
الشيخُ: الإِشْكاليةُ الآنَ عندْ كثيرٍ مِنَ الناسِ أنهمْ في زكاةِ الفطرِ يقُولونَ: نخْرِجُها نقُودًا، وَفي زكاةِ النقُودِ يَقُولونَ: نخرجُها طَعامًا، يبرِّرُونَ الأَوَّلَ بِأنَّ الناسَ يَحْتاجُونَ إلَى النُّقُودِ، ويبرِّرُونَ الثاني بأنهُمْ هُمْ يحتاجُونَ إِلَى النقودِ، وقدْ يُضيعُ الفُقراءَ النقودِ، فنخرِجُها لهم طَعامًا أوْ مَلابسَ، وَكلا الأمريْنِ عَلَى خِلافِ الأَصْلِ، الَّذي ينبغِي هُوَ إِخْراجُ الزكاةِ مِنْ جِنسِ المالِ عَلَى الوجْهِ الَّذِي شرعَ، فزكاةُ الفطرِ طعامٌ فينبغِي إِخْراجُها طعامًا، وزكاةُ المالِ مالٌ فَلا يُجْزِئُ أَنْ يخرجَها مَتاعًا أَوْ مَلابِسَ أَوْ ما إِلَى ذلِكَ، إِلَّا أَنْ يُوكلهُ الفَقِيرَ، فإذا جاءَ الفقِيرِ وَقالَ: وَاللهِ أنا لَيْس لي حاجَةٌ للنقُودِ، حاجَتي كَذا، فَيشتري بِزكاتي كَذا، فهَذا إِحْسانٌ منهُ.
المقدمُ:- خيرًا إِنْ شاءَ اللهُ، هَذا سائلٌ آخرُ يقولُ: أستمع إلى دُعاءِ الأئمَّةِ في الحرمينِ الشريفينِ مِنْ خِلالِ الإذاعَةِ وَالتلفازِ وأَنا أؤمِّنُ عَلَى دُعائهمْ؛ فهلْ أَنا مشاركٌ لهمْ؟
الشيخُ: نعمْ إِنْ شاءَ اللهُ، إِنَّكَ مُشاركٌ لهم، ومَنْ أَمَّنَ عَلَى دُعاءٍ يسمعهُ مُباشرةً سواءٌ كانَ ذلكَ عبرَ وَسائلِ الاتصالِ أَوْ عبرَ النقلِ المرئِيِّ أوْ عَبْرَ أَيِّ وَسِيلَةٍ، والدعاءُ مُباشرٌ، فَقالَ: آمين - فإنهُ داخلٌ فيمنْ أَمَّنَ علَى دُعاءِ، فالمؤمِّنُ كالدَّاعِي؛ قالَ اللهُ تَعالَى لموسَى لما دَعا اللهَ - عزَّ وجلَّ -: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ﴾يونس: 88 هَذا دُعاءٌ قالهُ مُوَسَى عليهِ السلامُ كَما ذكرهُ اللهُ تَعالَى، ثُمَّ قالَ في الآيةِ التاليةِ: ﴿قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا﴾يونس: 89 الداعي واحدٌ؛ وهُوَ مُوَسى، لكنْ قالَ في الآيةِ التاليَةِ: ﴿قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا﴾ والمرادُ بِذلكَ مُوسَى وهارُونَ، فَلَمَّا كانَ هارُونُ قَدْ أمَّنَ عَلَى دُعاءِ مُوسَى صارَ دَاعِيًا، ﴿قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا﴾ فكلُّ مَنْ أمَّنَ عَلَى دُعاءٍ مباشرٍ سمعهُ فهُوَ داعٍ مُشاركٌ للداعِي في الطلَبِ. أسألُ اللهَ أَنْ يبلِّغَنا وَإِيَّاكُمْ فَضْلَهُ.
المقدمُ: جزاكُمُ اللهُ كُلَّ خيرٍ شيخ خالد ونفعَ بكُمْ وجعلكُمْ مِنَ المقبولينَ بإذنِ اللهِ تعالَى في هَذا الشهرِ المباركِ، قبْلَ الختامِ يا شيخَنا الكلمةُ الأخيرةُ لكُمْ حفظكُمُ اللهُ.
الشيخُ: أسألُ اللهَ للجميعِ القبولِ، وأَنْ يتمِّمَ لَنا ما نُؤمِّل منْ خَيرٍ وفضلٍ، وأَنْ يفتحَ لَنا أبوابَ الرحمةِ، وأَنْ يجعلَنا ممنْ وُفِّقَ لِلصيامِ وَالقيامِ إيمانًا واحْتِسابًا. وصَيِّتي لإخْواني أنْ يغتنمُوا بقيةَ هَذا الشهرِ - وهُوَ ليلةٌ أو ليلتانِ - بصالحِ العملِ، فالأعمالُ بالخواتيمِ، وأَيْضًا أنْ يلْجَئُوا إلَى اللهِ - عزَّ وجلَّ - ضارعينَ بِكلِّ صِدقٍ وتواضعٍ وافتقارٍ أنْ يقبلَ منهُمْ ما كانَ مِنْ صالحِ العمَلِ وأَنْ يَتجاوَزَ عنِ القُصُورِ والتقصيرِ، فإبراهيمُ وإسماعيلُ عليهِما السلامُ لما رفعا القواعدَ مِنَ البيتِ قالا: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾البقرة: 127 فنحنُ نسألُ اللهُ تعالَى أَنْ يقبلَنا في عبادهِ الصَّالحينَ إنهُ سميعٌ عليمٌ، كَما نسألُهُ جلَّ في عُلاهُ أَنْ يوفِّقَنا إِلَى كُلِّ خيرٍ، وأنْ يوفِّقَ وَلّي أَمْرِنا خادمَ الحرميْنِ الشريفينِ ووَلِيَّ عهْدِهِ إِلَى ما فِيهِ خيرُ العِبادِ وَالبلادِ، وأَنْ يُسَدِّدَهُمْ في الأَقْوالِ وَالأَعْمالِ، وأنْ يحفَظَ هَذِهِ البلادَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وشَرٍّ، وأَنْ يَحفَظَ جُنودَنا وسائِرَ رَجالِ أَمْنِنا، وأَنْ يكْبِتَ عدُوَّنا وأَنْ يُظهرَ أَمْنَنا، وأَنْ يَعُمَّ بِالخيرِ جَمِيعَ بِلاد المسلمينَ، وأَنْ يُصْلِحَ أَحْوالَنا وأحوالَ البشريَّةِ في كُلِّ مَكانٍ، وصَلَّى اللهُ وسلَّمَ علَى نبينا محمدٍ، والسلامُ عليكُمْ ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ.
المقدمُ: وعليكمُ السلامُ ورحمةُ اللهُ وبركاتهُ، شكر اللهُ لكُمْ فَضيلةُ الشيخُ الدكتور/ خالدُ المصلحُ؛ أُستاذُ الفقهِ بجامِعَةِ القصيمِ، علَى ما تفضلْتُمْ بهِ في هَذا اللقاءِ منْ تبيانٍ لمسائلِ الزكاةِ، وعَلَى تناولُكُمْ في الحلقاتِ الماضيةِ لِعدَّةِ مَواضيعَ تتَّصِلْ بشهرٍ رَمضانَ ْ شاركَنا في هَذا البرنامجِ "ينابيع الفتْوَى"، الشُكرُ موصولٌ لكُمْ أنتمْ مُسْتَمِعِينا الكرامَ علَى طيبِ المتابعَةِ وَالإنصاتِ. غَدًا إِنْ شاءَ اللهُ لقاءٌ آخر بإذْنِ اللهِ في "يَنابيعِ الفتْوَى"، حتىَّ ذلِكُمْ الحينِ، هذهِ أَطْيبُ تحيةٍ مِنِّي محمدُ الجريني وأَخِي مِنَ الإِخْراجِ مُصْطَفَى الصَّحفي، والسلامُ عليكُمْ ورحْمَةُ اللهِ وَبركاتُهُ.