×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة الجمعة - الغضب شؤمه وآثاره

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:14649

إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعيِنُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوُذُ بِاللهِ مِنْ شُروُرِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا.

وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسوُلُهُ، صَلَّىَ اللهُ عَلَيِهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَىَ أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَىَ يَوْمِ الدِّيِنِ.

أما بعْدُ:

فاتَّقوُا اللهَ عبادَ اللهِ، اتَّقوُا اللهَ حقَّ تقواهُ، واعْمَلوُا بما يُقَرِّبُكُمْ إِلَيْهِ وَيُباعِدُكُمْ مِنْ سَخَطِهِ وَعقوُبَتِهِ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَآل عمران: 102 .

أَيُّها النَّاسُ, اتَّقوُا ما نهاكُمُ اللهُ تَعالَىَ عَنْهُ؛ فَإِنَّ اللهَ إِنَّما نَهاكُمْ عَمَّا فِيِهِ ضُرُّكُمْ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَما فِيِهِ فَسادِ أَحْوالِكُمْ في المعاشِ وَالمعادِ؛ في الأَقْوالِ وَالأَعْمالِ وَالأَخْلاقِ وَالظَّاهِرِ والباطِنِ.

عِبادَ اللهِ, اتَّقوُا الغَضَبَ؛ فَإِنَّهُ جَمْرَةٌ تَحْرِقُ قَلْبَ المرْءِ، وَتُفْسِدُ دِيِنَهُ، وَتُخَرَّبُ دُنْياهُ؛ لِذَلِكَ نَهَىَ رَسوُلُ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا اسْتَوْصاهُ فقالَ: «لا تَغْضَبْ»، قالَ: أَوْصِني، قالَ: «لا تَغْضَبْ»، قالَ: أَوْصِني، قالَ: «لا تَغْضَبْ»أخرجه البخاري (6116)كَرَّرَ ذَلِكَ - صَلَّىَ اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ - وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ؛ لِعظيمِ مِنْزِلَتِهِ وَكَبيرِ أَهَمِيَّتِهِ في إِصْلاحِ الِإنْسانِ في مَعاشِهِ وَمعادِهِ.

عبادِ اللهِ, إِنَّ الغَضَبَ مِنْ أَعْظَمِ مَداخِلِ الشَّيْطانِ وَمَصائِدِهِ وَحَبائِلِهِ، يَسْتَحْوِذْ بِهِ عَلَىَ الإِنْسانِ فَيوُقِعُهُ في الشُّروُرِ وَالفَسادِ؛ فَفي المسْنَدِ مِنْ حَديثِ السَّعْدِيِّ رَضِيَ اللهُ تَعالَىَ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسوُلُ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الغضبَ مِن الشَّيطانِ»أخرجه أبوداود(4784)بسند ضعيف, وله شواهد؛ ولهذا حُكِيَ عَنْ إِبَليِسَ أَنَّهُ قالَ: «مَتَىَ أَعْجَزَني ابْنُ آدَمَ» أَيْ: مَتَىَ عَجَزْتُ عَنْ إِغْوائِهِ وَإِضْلالِهِ «فَلَنْ يُعْجِزنيِ إِذا غَضِبَ»حَكاها الرَّاغِبُ مُعَلقة في الذَّرِيِعَةِ إِلَىَ مَكارِمِ الشَّريِعَةِ ص(243) فَإِنَّهُ إذا غَضَبَ الِإنْسانُ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الشَّيْطانُ وَعَظَّمَ لهُ السَّبيلَ وَالطَّريقَ الَّذي يَدْخُلُ مِنْ خِلالِهِ فَيْسْتَزِلَّ الِإنْسانَ ويُخْرِجُهُ عَنْ الصِّراطِ المسْتَقيمِ، فَتُعْمىَ بَصيِرَتُهُ وَيَذَهَبُ تَميزُّهُ، فالغَضَبُ - يا رعاكُمُ اللهُ - مِنْ نَزْغِ الشَّيْطانِ؛ كَما قالَ اللهُ تَعالَىَ: ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌالأعراف: 200 .

أَيُّها المؤْمِنوُنَ عِبادَ اللهِ, الغَضَبُ يَغْلِبُ العَقَلَ وَيُشَوِّشُ الفِكْرَ وَيحَوُلُ بَيْنَ الإِنْسانِ وَبَيْنَ الرُّشْدِ فَيَعْمَىَ عَنِ الهُدَىَ؛ وَلهذا قالَ النَّبِيُّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يَقضي القاضي وهو غَضْبانٌ»أخرجه أحمد (20389), والترمذي(1334), وقال: حسن صحيح

عِبادَ اللهِ, إِنَّ الغَضَبَ يَخْرُجُ بِهِ الإِنْسانُ عَنْ حالِهِ السَّوِيَّةِ صُوُرةً وَمَعْنًى، ظاهرًا وَباطِنًا:

فَفِي صوُرَتِهِ يَحْمَرَّ وَجْهُهُ، وَتَنْتَفِخَ أَوْداجُهُ، وَتَضَّطَرَبِ حَركاتُهُ وَيَضَّطَرِبُ لَفْظُهُ، وَلا تَنْتَظِمُ كَلِماتُهُ.

وَفي أَفْعالِهِ: يَبْعُدُ عَنِ الانْتِظامِ؛ وَلهذا قيِلَ: لَوْ رَأَىَ الغضبانُ نَفْسَهُ وَقُبْحَ صوُرَتِهِ حالَ غَضَبِهِ لكانَ كافِيًا في أَنْ يَرْتَدِعَ عَنْ الانْفِعالِ وَالغَضَبِ.

وَإذا كانَ هذا أَثَرُ الغَضَبِ في الصُّوُرةِ وَالمظْهَرِ وَالقَوْلِ وَالَّلفْظِ؛ فاعْلَموُا - يا رَعاكُمُ اللهِ - أَنَّ تَأْثيِرِ الغَضَبِ في القَلْبِ أَضْعافَ ما ظَهَرَ عَلَىَ الشَّكْلِ وَالصُّوُرَةِ وَالَّلفْظِ وَالَكَلِمةِ.

أَيُّها المؤْمِنوُنَ, احْذروُا الغَضَبَ؛ فَإِنَّهُ يَحْمَلُ الإِنْسانَ عَلَىَ رَدٍّ الحَقٍّ وَيُغْريِهِ بِالاعْتداءِ عَلَىَ الخلْقِ في دِمائِهِمْ بِالقَتْلِ وَالجراحاتِ أَوْ بِضَرْبِ الأَبْشارِ وَالأَجْسادِ، وَقَدْ يُؤدِّيِ الغَضَبِ إِلَىَ أَنْ يُؤْذي الإِنْسانُ نَفْسَهَ بِقَتْلٍ أَوْ جَرْحٍ أَوْ لَطْمٍ أَوْ حَرْقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الاعْتداءاتِ عَلَىَ النَّفْسِ.

أَيُّها المؤْمِنوُنَ, احْذَروُا الغَضَبَ؛ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ النَّفوُسِ عَلَىَ الاعْتداءِ عَلَىَ أَمْوالِ النَّاسِ بِالجُحوُدِ وَالإِنْكارِ، وَأَكْلِ أَمْوالِ النَّاسِ بِالبِاطِلِ، أَوِ الِإتْلافِ وَالإِفْسادِ، وَقَدْ يَحْمِلُهُ عَلَىَ إِتْلافِ مالِ نَفْسِهِ بحرْقٍ أَوْ كَسْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.

أَيُّها المؤْمِنوُنَ, احذروُا الغَضَبَ؛ فَإِنَّه يَحْمِلُ النُّفوُسَ عَلَىَ الاعْتداءِ عَلَىَ الأَعْراضِ بِالسَّبِّ وَالشَّتْمِ وَالقَذْفِ وَالكَذِبِ وَالغِيِبَةِ وَالنَّميِمَةِ وَالهَمْزِ وَالَّلمْزِ وَقَوْلِ الزُّوُرِ؛ وَلهذا كانَ مِنْ دعاءِ النَّبِي صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلهِ وَسَلَّمَ: «وَأَسْألُكَ كَلَمَةَ الحقِّ في الرِّضا وَالغَضَبِ»أخرجه النسائي (1305)بإسناد صحيح

أَيَُها المؤْمنوُنَ, احذروُا الغَضَبَ؛ فَإِنَّهُ نارٌ إذا تَمادَىَ مَعَهُ الِإنْسانُ وَصارَ في رِكابِهِ وَاسْتجابَ إِلَىَ داعِيَتِهِ رُبَّما أَوْقَعَهَ في الكُفْرِ بِالرَّحْمَنِ مِنْ حَيْثُ شَعَرَ أَوْ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرْ؛ بِسِبِّ اللهِ أَوْ سَبِّ رَسوُلِهِ أَوْ الطَّعْنِ في ديِنِهِ أَوْ التأَلِّي عَلَىَ اللهِ.

أَيُّها المؤْمِنوُنَ, احْذروُا الغَضَبَ؛ فَإِنْهُ يُفْسِدُ العلاقاتِ بيْنَ النَّاسِ، وَيَقْطَعُ أَواصِرَ الصِّلَةِ بَيْنَهُمْ، وَيَصْرمُ وَشائِجَ الرَّحِمِ، فالتَّمادِي مَعَ الغَضَبِ يَحْمَلُ الإِنسانَ عَلَىَ عُقوُقِ الوالِدَيْنِ، وَعَلَىَ قَطْعِ الأَرْحامِ، وَعَلَىَ أَذَىَ الجيرانِ، وَعَلَىَ بخْسِ الحُقوُقِ، وَعَلَىَ أَذِيَّة بَني الإِنْسانِ؛ فالغَضَبُ إذا لمْ يَهْدِمِ الأُسَرِ وَيُفَرِّقْ بَيْنَ المرْءِ وَزَوْجِهِ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ صِلَةَ الرَّجُلِ بِامْرَأَتِهِ فَيُسِيءُ عِشْرَتَها وَيَبْخَسُ حُقوُقَها، أَوْ العَكْسُ تُسيءُ المرْأَةُ عِشْرَةَ زَوْجِها وَتَبْخَسُهُ حُقوُقَهُ، وَقَدْ يُفْسِدُ صِلَةَ الرَّجُلِ بِوَلَدِهِ فالغَضَبُ نارٌ مَتَىَ اشْتَعَلَتْ وَتَأَجَّجَتْ أَغْلَقَ عَلَىَ الإِنْسانِ عَقْلَهُ، وَقَدْ قيِلَ: "الغضبُ ساعةَ جُنوُنٍ"تهذيب الأَخْلاقُ لابْنِ مَسْكوُيِه ص(204) فَإِذا اشْتَعَلَتْ النَّفْسُ غَضَبًا عَمِيَتْ عَنِ الرُّشْدِ وَصَمَتَ عَنِ النُّصْحِ؛ فَلا تَقْبَلُ نَصيِحَةٌ وَلا تُسْتَجَبْ لموْعِظَةٍ، وَرُبَّما أَفْضَىَ إِلَىَ تَلَفٍ وَتَدْمِيرٍ لا يمُكِنُ أَنْ يُدْرِكَ وَصْفَهُ أَوْ تَعْلَمَ حقيقَتَهُ أَوْ تَعْرِفَ آثارهُ.

الَّلهُمَّ أَلْهِمْنا رُشْدَنا وَقِنا شَرَّ أَنْفُسِنا، أَعِذْنامِنْ سَيِّئاتِ الأَخْلاقِ ظاِهرًا وَباطِنًا، وَارْزُقْنا الهُدوُءَ وَالطُّمَأْنينَةَ، وَأَنْزِلْ عَلَىَ قُلوُبِنا السَّكيِنَةَ، وَارْزُقْنا كَلِمَةَ الحَقِّ في الغَضَبِ وَالرِّضا، وَالقَصْدِ في الفَقْرِ وَالغِنَىَ، أَقوُلُ هذا القَوْلَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العظيمَ ليِ وَلَكُمْ فاسْتَغْفروُهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الغفوُرُ الرَّحيمُ.

***

الخطبة الثانية:

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمينَ، لَهُ الحَمْدُ في الأوُلَىَ وَالآخِرَةِ، لَهُ الحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعوُنَ. وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شريِكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسوُلُهُ، صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَعلَىَ آلهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَىَ أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَىَ يَوْمِ الدِّيِنِ أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقوُا اللهَ أَيُّها النَّاسُ، وَاحْذَروُا كَيْدَ الشَّيْطانِ، وَاجْتَنِبوُا الغَضَبَ، فَقَدْ عَلِمْتُمْ شَيْئًا مِنْ قَبيحِ آثارِهِ وَسَيِّئِ ثمارِهِ، فالزموُا وَصِيَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ أوْصَىَ رجَلًا قالَ: يا رسوُلَ اللهِ أَوْصِنيِ، قالَ: «لا تغضَبْ»أخرجه البخاري (6116)وَهَذهِ الوَصِيَّةُ وَصِيَّةٌ جامِعَةٌ تَرْجَمَتُها في أَنْ يَكْبَحَ الإِنْسانُ الغَضَبَ قَبْلَ وُقوُعِهِ فَيَمْنعُ نَفْسَهُ مَنِ الغَضَبِ ابْتِداءً، فإذا دَبَّ إِلَيْهِ غَضَبٌ وَتَمكَّنَ مِنْهُ اجْتَهَدَ وَبَذَلَ وُسْعَهُ في أَلَّا يَنْفَعِلَ لِلغَضَبِ، وَأَلَّا يَجْريِ مَعَ دواعِيِهِ، وَأَلَّا يَسيِرَ في رِكابَهَ، وَأَلَّا يَكوُن مُسْتَجيِبًا لَهُ، وَهذا يَحْصُلُ بِأموُرٍ: بِتَوْفيِقِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، فإذا غَضِبْتَ اسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجيمِ، فَإِنَّ الاسْتِعاذَةَ بِاللهِ احْتِماءٌ وَاعْتِصامٌ بِهِ يَقيِكَ تَسُلُّطَ الشَّيْطانِ؛ فَقُلْ كَما أَمَرَكَ اللهُ تَعالَىَ: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِالنحل: 98 ، ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِالأعراف: 200  فَإِنَّ اللهَ تَعالَىَ أَمَرَكَ بِالاسْتِعاذَةِ وَالاحْتِماءِ بِهِ مِنْ هذا العَدُوِّ المرْسَلِ، ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌالأعراف: 200.

ثُمَّ اعْلَمْ أَيُّها المؤْمِنُ أَنَّهُ مِمَّا يَقيَكَ شرَّ الغَضَبِ وَمِمَّا يُعيِنُكَ عَلَىَ الأَخْذِ بِوَصِيَّةِ رَسوُلِ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُذَكِّرَ نَفْسَكَ بِشُؤْمِ الغَضَبِ وَقَبيحِ آثارِهِ، وَقَدْ اطَّلعْتَ وَسَمِعْتَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.

وَمِمَّا يُعيِنُ الإِنْسانَ عَلَىَ الأَخْذِ بَوَصِيَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تَغْضَبْ» أَنْ يَتَذَكَّرَ أَنَّ كَظْمَ الغَيْظِ مِنْ خِصالِ المتَّقينَ وَأَعْمالِ الصَّالحينَ وَصفاتِ المؤمِنينَ الَّذيِنَ وَعَدَهُمْ اللهُ مَغْفَرةً وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّةً عَرْضُها السَّمواتِ وَالأَرْضِ؛ قالَ اللهُ تَعالىَ: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَآل عمران: 133  مَنْ هُمُ؟ ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَآل عمران: 134 ، وَقَدْ قالَ تَعالَىَ: ﴿ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَالشورى: 36- 37 .

أَيُّها المؤْمِنوُنَ عِبادَ اللهُ, إِنَّ مِمَّا يُعيِنُ الإِنْسانَ عَلَىَ الأَخْذِ بِوَصِيَّةِ النَّبِِّي - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا تغضب» أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ القُوَّةَ الحَقيِقِيَّةَ لَيْسَتْ في إِمْضاءِ الغَضَبِ وَلا في الانْتِقامِ وَلا في الاسْتِجابَةِ لِداعيِ فَورانِ الدَّمِ وَغَلَيانِ القَلْبِ، بَلْ القَوَّةُ الحَقيِقِيَّةُ في أَنْ تَمْلَكَ نَفْسَكَ في قَوْلِكَ وَفي عَمَلِكَ وفي تَصَرُّفِكَ وَفيما يَصْدُرُ عَنْكَ حالَ غَضَبِكَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ القُوَّةُ وَهُوَ الشِّدَّةُ الَّتيِ وَصَفَها رَسوُلُ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ» يَعْنِيِ الَّذيِ يَصْرعُ غَيْرَهُ في الغَضَبِ أَوْ غَيْرِهِ «ولكن الشديدالذي يملك نفسه عند الغضب»أخرجه البخاري(6114)، ومسلم (2609)

أَيُّها المؤْمِنونَ, إِنَّ مما يُعينُ الإنْسانَ عَلَىَ الأَخْذِ بِوَصِيَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا تغضب» أَنْ يُغَيِّرَ حَالَهُ وَقْتَ الغَضَبِ؛ إِمَّا بخروُجٍ مِنَ المكانِ، أَوْ بجلوسٍ إِنْ كانَ قائِمًا، أَوْ بِاضِّطجاعٍ إِنْ كانَ جالسًا؛ فَإِنَّ تَغْييِرَ الحالِ مما يُساعِدُ عَلَىَ كَبْحِ جِماحِ الغَضَبِ؛ فَفي المسْنَدِ وَالسُّنَنِ مِنْ حديثِ أَبي ذَرٍّ، قالَ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا غضِب أحدُكم وهو قائمٌ فلْيجلِسْ فإنْ ذهَب عنه الغضبُ» أَيْ: خَفَّ وَما وَجَدَهُ مِنْ أَلَمٍ «وَإِلاَّ فَلْيَضَّطجِعْ».أحمد (21348), وأبو داود(4782)ومما يُعينُ الِإنْسانَ عَلَىَ الأَخْذِ بِوَصِيَّةِ النَّبِيَّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا تغضب» الوُضوُءُ وَالاغْتِسالُ؛ فَإِنَّهُ مما يُساعِدُ عَلَىَ إِطْفاءِ نارِ الغَضَبِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الغضبَ مِن الشَّيطانِ، وإنَّ الشَّيطانَ خُلِقَ من النَّارِ، وإنَّما تُطفأُ النّارُ بالماءِ، فإذا غضِبَ أحدُكم فليتوضَّأ»أخرجه أبوداود(4784)بسند ضعيف, وله شواهد.

وَمِمَّا يُعيِنُ عَلَىَ الأَخْذِ بِوَصِيِّةِ النَّبِيَّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا تَغْضَبْ» أَنْ يَتَجَنَّبَ الِإنْسانُ حالَ غَضَبْهِ مِنْ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُ قَوْلٌ أَوْ تَصَرُّفٌ؛ فَإِنَّهُ في حالِ غَضَبِهِ لا يَتَحَقَّقُ مِنْ صِحَّةِ ما يَصْدُرُ عَنْهُ بِسَبَبِ الغَضَبِ وَثَوْرَتِهِ؛ وَلِذلِكَ قالَ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يَقْضِيِ القَاضي وَهُوَ غَضْبانٌ»أخرجه أحمد (20389), والترمذي(1334),وقال: حسن صحيح

الَّلهُمَّ أَلْهِمْنا رُشْدَنا، وَقِنا شَرَّ أَنْفُسِنا.

كَمْ مِنْ بلاءٍ وَقَعَ عَلَىَ الإِنْسانِ بِسَبَبِ غَضَبِهِ: إِمَّا في خسارةِ مالِهِ, أِوْ فُقْدانِ مكاسِبِهِ, أَوْ وُقوُعِهِ في غَضَبِ رَبَّهِ، أَوْ الاعْتداءِ عَلَىَ الخَلْقِ في دِمائِهِمْ أَوْ أَمْوالهِمْ أَوْ أَعْراضِهِمْ، فاتِّقوُا اللهَ أَيُّها المؤْمنوُنَ، وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَعْتَذِروُا عَنْ أَخْطائِكُمِ بِأَنَّكُمْ في حالِ غَضَبٍ؛ فَإِنَّ كَثيرًا مِنَ النَّاسِ إذا غَضِبَ تَصَرَّفَ تَصَرُّفاتٍ خارِجَةٍ عَنْ الشَّرْعِ وَالأَدَبِ وَالعُرْفِ وَالسُّلوُكِ القويِمِ، فإِذا قِيلَ لهُ في ذَلِكَ قالَ: كُنْتُ غَضْبانُ! وَهذا لَيْسَ مُبَرِّرًا لِأَنْ تَسْتَجيِبَ للِغَضَبِ؛ لِأَنَّكَ مَنْهِيٌّ عَنْ أَنْ تَسْتَجيِبَ لِلغَضَبِ؛ فَقَدْ قالَ النَّبِيُّ - صَلَّىَ اللهُ عليه وسلم -: «لا تغضب» فالغضب ليس حجةً لتبريرِ الأَخَطاءِ وَتَمْريِرِ ما كانَ مِنْ سَيِّئِ القَوْلِ والعَمَلِ، فَاتَّقِ اللهَ وَاحْذرِ الغَضبَ وَاعْمَلْ بِوَصِيَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُذْ بِالأَسْبابِ المؤُدَّيِةِ إِلَىَ ذَلِكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُموُرَ تَأْتي بِالتَّدْريجِ؛ فَالحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَالعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَالهُدوُءِ وَالطُّمَأْنيِنِةِ بِتسْكيِنِ النَّفْسِ وَعَدَمِ الاسْتِجابةِ لِلغَضَبِ.

كَمْ مِنْ قَتْلٍ حَصَلَ وَانْتهاكٍ لِلأَعراضِ وَأَكْلٍ لِلأَمْوالِ بِالباطِلِ وَتَفْريقٍ لِلأُسَرِ وَشرٍّ عظيمٍ مُسْتطيِلٍ - حَصَلَ بِسَبَبِ ساعةِ غَضَبٍ، لا يَتراجَعُ فيها الإِنْسانُ عَنْ خَطَئِهِ، أَوْ أَنَّهُ لا يمْكِنُهُ أَنْ يتَراجَعَ عَنْ خَطَئِهِ، فاحْذروُا الغَضَبَ وَخُذوُا هَذِهِ الوَصِيَّةَ الَّتي أَوْصاكُمْ بها سَيِّدُ الوَرَىَ فَقَدْ جَمَعْتُ لَكُمْ طَيِّبَ الخُلُقِ وَسَلامَةَ القَلْبِ وَراحَةَ الفُؤادِ: «لا تغضب»، «لا تغضب»، «لا تغضب«.

الَّلهُمَّ أَلهِمْنا رُشْدَنا، وقِنا شَرَّ أَنْفُسِنا، أَعِنَّا عَلَىَ ما تحُِبُّ وَتَرْضَىَ في القَوْلِ وَالعَمَلِ، وَاصْرِفْ عَنَّا الخَطَأَ وَالزَّلَلْ.

الَّلهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنِا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتِنا وَوَلاةُ أُموُرنِا، وَاجْعَلْ وِلايَتَنا فيِمَنْ خافَكَ واتَّقاكَ وَاتَّبَعَ رِضاكَ يا رَبَّ العالمينَ.

الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَليَّ أَمْرِنا خادِمَ الحرَمَيْنِ الشَّريفَيْنِ وَوَلَيَّ عَهْدِهِ إِلَىَ ما تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، سَدِّدْهُمْ في الأَقْوالِ وَالأَعْمالِ، الَّلهُمَّ انْصُرْنا عَلَىَ مَنْ عادانا، الَّلهُمَّ أَيِّدْ جُنوُدَنا بِالحَقِّ، الَّلهُمَّ سَدِّدْ رَمْيَهُمْ وَاحْفَظْهُمْ مِنْ بَيِْن أَيْديِهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ، وَاجْعَلْ العاقِبَةَ الحميدَةَ لهُمْ يا ذا الجلالِ وَالإِكْرامِ.

رَبَّنا آتِنا في الَّدُنْيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ.

الَّلهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوالَ المسْلمينَ في كُلِّ مكانٍ، الَّلهُمَّ عُمَّهُمْ بِفَضْلِكَ، وَرُدَّهُمْ إِلَىَ كِتابِكَ وَسُنَّةِ رَسوُلِكَ، وَادْفَعْ عَنْهمْ عَمَلَ المفْسِدينَ وَكَيْدَ الكائِديِنَ يا ذا الجَلالِ والإِكْرامِ.

رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكوُنَنَّ مِنَ الخاسِرينَ.

ربَنَّا اغْفِرَ لَنا وَلإِخْوانِنا الَّذينَ سَبقوُنا بِالإيمانِ وَلا تَجْعَلْ في قُلوُبنِا غِلًّا لِلَّذينَ آمنوُا رَبَّنا إِنَّكَ رءوُفٌ رَحيمٌ.

صَلُّوُا عَلَىَ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَكْثِروُا مِنَ الصَّلاةِ عَلَيْهِ في يَوْمِكُمْ هذا؛ فَإِنَّ صَلاتَكُمْ مَعْروُضَةٌ عَلَيْهِ، تُغْفَرْ ذُنوُبَكَمْ وَتُقْضَىَ حَوائِجُكُمْ.

الَّلهُمَّ صَلِّ عَلَىَ مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آلِ مُحَمَّدٍ؛ كَما صَلَّيْتَ عَلَىَ إِبْراهيِمَ وَعَلَىَ آلِ إِبْراهيِمَ؛ إِنَّكَ حَميِدٌ مَجيِدٌ، وَبارِكْ عَلَىَ مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آلِ مُحَمَّدٍ؛ كَما بارَكْتَ عَلَىَ آلِ إِبْراهيمِ في العالمينَ إِنَّكَ حميدلٌ مَجيدٌ.

 

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات90585 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87038 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف