×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / العقيدة / تجريد التوحيد المفيد / الدرس (10) من شرح كتاب تجريد التوحيد المفيد للمقريزي

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:381

الدرس (10) من شرح كتاب تجريد التوحيد المفيد للمقريزي

فقال -رحمه الله–: (وهي) الخصائص قال: (وهي التفرد بملك الضر والنفع، والعطاء والمنع، فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق) شبه المخلوق بالخالق(تَعَالىٰ، وسوّى بين التراب ورب الأرباب) وهـٰذا الأمر وهو انفراد الله تعالى بالعطاء والمنع وبالضر والنفع هو في الحقيقة من توحيد الإلهية، أو من توحيد الربوبية اعتقاد أنه لا نافع إلا الله، ولا ضار إلا الله مما يتعلق بتوحيد الربوبية؛ لكن المؤلف جعله من توحيد الإلهية؛ لأن اعتقاد النفع والضر في غير الله تعالى يؤدي إلى أي شيء؟ إلى سؤال النفع وسؤال دفع الضر أو كشفه من غير الله تعالى، وإنفراد الله تعالى بملك النفع والضر جاء في آيات كثيرة في كلام الله تعالى، من ذلك قول الله تعالى: ﴿وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا[سورة: الفرقان، الآية (03).] فالمعبودون من دون الله تعالى لا يملكون لأنفسهم  نفعا ولا ضرا، وقد قال الله جل وعلا :﴿قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَٰوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا[سورة: الرعد، الآية (16).] ، وكذلك قال الله تعالى:﴿قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً[سورة: الإسراء، الآية (56).] ، وقال الله تعالى: ﴿قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [سورة: المائدة، الآية (76).] الآيات في هـٰذا كثيرة؛ بل إن أعظم الخلق جاها النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ- مع ذلك أمره الله تعالى بأن يبلغ في موضعين من كتابه أنه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، فيقول –جل وعلا– آمرا رسوله: ﴿ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا[سورة: يونس، الآية (49).] وفي الآية الأخرى ﴿قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا[سورة: الأعراف، الآية (188).] فأمره الله تعالى بالنفع والضر لبيان إنفراد الله تعالى بذلك، فهـٰذا أمر قررته الآيات، وإنما جعله المؤلف –رحمه الله– من خصائص الإلهية؛ لأن من اعتقد النفع والضر في غير الله تعالى أو أنه يكون من غير الله تعالى، فإنه سيصرف الدعاء إلى ذلك تحصيلا للنفع ودفعا للضر، تحصيلا للعطاء وتوقيا للمنع.

يقول –رحمه الله–: (ومن علق ذلك بمخلوق) أي جعل النفع والضر والعطاء والمنع لأحد من المخلوقين (فقد شبهه بالخالق تعالى) والله تعالى قد نفى ملك النفع والضر في الآيات التي سمعتم عن غيره، ملك النفع والضر في آيات كثيرة، والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، نفى عن نفسه ملك النفع والضر في موضعين أو في مواضع من كلام الله تعالى:﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا[سورة: الجن، الآية (21).] وهـٰذا مما أمره الله تعالى به.

ثم قال المؤلف: (فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق تَعَالىٰ، وسوّى بين التراب ورب الأرباب) وشتان ما بين الله تعالى وبين خلقه ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (11)[سورة: الشورى، الآية (11).](فأي فجور وذنب أعظم من هـٰذا).

إذن الذي استوجب أن يكون الشرك غير مغفور الذنب أنه من أعظم الفجور وأظلم الظلم، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ[سورة: لقمان، الآية (12).] فهـٰذا جواب لشيء من الأسئلة المتقدمة، يقول –رحمه الله–: (واعلم من خصائص الإلهية: الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه) والكمال المطلق يعني لا نهاية له، الذي لا شيء فوقه، فهو مطلق لا قيد فيه ولا حد له، فهو الكمال الذي ليس فوقه كمال، والغاية التي ليس فوقها غاية، فالكمال المطلق من جميع الوجوه الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه لله تعالى وهو منخصائص الله –جلوعلا– في أسمائه في صفاته في أفعاله، يقول الله تعالى:﴿وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا[سورة: الأعراف، الآية (180).]وهـٰذا فيه كمال الأسماء، وأيضا فيه كمال الصفات؛ كمال الأسماء وكمال الصفات؛ لأن الأسماء تتضمن إيش؟ تتضمن صفاته.

ثم قال -جل وعلا-: ﴿وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[سورة: النحل، الآية (59).] ، وقال -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَٰوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[سورة: الروم، الآية (26).] كل هـٰذه الآيات دالة على أنّ الكمال المطلق له –جل وعلا– في أسمائه وصفاته، وكذلك في أفعاله، ومقتضى هـٰذا الكمال تعلق القلب به، وأنه لا يتعلق بسواه، ولذلك يقول المؤلف: (وذلك يوجب) أي يفضي ويؤدي ويترتب عليه (أن تكون العبادة له وحده عقلا وشرعا وفطرة)، وهـٰذا جواب على سؤال: هل العقل يجيز أن تكون العبادة لغير الله تعالى؟ الجواب: لا؛ لأن الإنسان إنما يصرف عبادته، العبد إنما يصرف العبادة لمن له الكمال، ولا أحد له الكمال المطلق من كل وجه إلا رب الأرض والسماء –جل وعلا–، فلذلك الكمال له، فالعبادة حق له فلا يجوز عقلا وشرعا صرف العبادة لغيره؛ يعني العقل يدل على قبح صرف العبادة إلى غير الله تعالى، والشرع دال على ذلك أيضا. فهـٰذا جواب على سؤال من الأسئلة المتقدمة.

يقول –رحمه الله–: (فمن جعل ذلك لغيره) أي لغير الله تعالى (فقد شبه الغير بمن لا شبيه له) شبه الغير بمن لا مثل له، ولا نظير سبحانه وبحمده، يقول المؤلف –رحمه الله–: (ولشدة قبحه) أما كون الله تعالى لا شبيه له، فالمقصود بـ(لا شبيه) هنا لا مثيل، وهم يطلقون نفي الشبيه ويريدون به نفي المثيل، وهـٰذا في كلام المتأخر، والذي هو في القرآن والسنة هو نفي المثل عن الله تعالى، وقد جاء ذلك بعدة ألفاظ أو بعدة صيغ، فجاء بنفي المثل في قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ[سورة: الشورى، الآية (10).] فجاء في نفي الند، فقال -جل وعلا-:﴿فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ[ سورة: البقرة، الآية (21).] وجاء في نفي الكفء في قوله تعالى : ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ[سورة: الإخلاص، الآية (03).] ، وجاء بنفي السّمي، فقال تعالى: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا[سورة: مريم، الآية (65).] فجاء بالنهي عن ضرب الأمثال له، فقال: ﴿فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ[ سورة: النحل، الآية (74).] كل هـٰذه الآيات وهـٰذه النصوص دالة على معنى واحد، وهو أنه لا مثيل له سبحانه وبحمده، لا كفء ولا ند ولا نظير ولا سميّ له سبحانه وبحمده.

قال: (ولشدة قبحه وتضمنه غاية الظلم، أخبر من كتب على نفسه الرحمة أنه لا يغفره أبداً.) لكونه قد بلغ في الظلم غايته، وفي الاعتداء منتهاه، فكان مستوجبًا لهـٰذه العقوبة العظيمة وهي أنه لا يغفره –جل وعلا–، هـٰذا واضح ؟ إذن هـٰذا أيضا من جملة الإجابة على الأسئلة المتقدمة.

يقول رحمه الله: (ومن خصائص الإلهية: العبودية التي لا تقوم إلا على ساقي الحب والذل) الخاصية المتقدمة في قوله: (واعلم أن من خصائص الإلهية الكمال المطلق) هـٰذا من خصائصه –جل وعلا– وهو مما يتعلق بكمال أسمائه وصفاته، الأول مما يتعلق بكمال ربوبيته الخاصية الأولى مما يتعلق بكمال ربوبيته.

الخاصية الثانية مما يتعلق بكمال أسمائه وصفاته.

الخاصية الثالثة مما يتعلق بكمال حقه وانفراده بالإلهية دون غيره، ولذلك قال: (ومن خصائص الإلهية: العبودية التي لا تقوم إلا على ساقي الحب والذل) العبودية؛ أي: انفراده بأنه المعبود الذي لا يستحق العبادة سواه، وهـٰذا هو أصل الدين وأسُّه، وعليه بناء الشرائع كلها، فالشرائع كلها جاءت بوجوب إفراد الله تعالى بالعبادة، كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ[سورة: الأنبياء، الآية (25).]فهـٰذا هو الحق الذي انفرد به وجاءت في الشرائع بإخلاصه له سبحانه وبحمده.

قال –رحمه الله–: (العبودية) أي انفراده بالعبادة، وأنه لا يستحق العبادة سواه (التي لا تقوم إلا على ساقي الحب والذل) لا تقوم العبادة إلا على ساقَي الحب والذل، الحب له-جل وعلا–، والذل له سبحانه وبحمده.

أما الحب فيدل له آيات كثيرة، منها قول الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ[سورة: البقرة، الآية (165).] ، ومن ذلك أيضا دلائل على وجوب كمال الذل والخضوع له﴿وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ[ سورة: الأنعام، الآية (91).] ، ﴿مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا[سورة: نوح، الآية (13).] وما أشبه ذلك من الآيات الدالة على وجوب تعظيمه سبحانه وبحمده، وتعظيمه لا يكون إلا بكمال الذل له، وهـٰذان العملان القلبيان؛ المحبة والذل بهما تستقيم أعمال العبد، بهما يصلح عمله وعبادته.

يقول ابن القيم -رحمه الله- في نونيته:

وعبادة الرحمـٰن غاية حبه

 

مع ذل عابده هما قطبان

 

(غاية حبه) يعني منتهى حبه ونهايته، فالغاية هي نهاية الشيء

وعبادة الرحمـٰن غاية حبه

 

مع ذل عابده هما قطبان

وعليهما فلك العبادة دائر

 

ما دار حتى قامت القطبان

ومداره بالأمر أمر رسوله

 

لا بالهوى والنفس والشيطان

 

 هـٰذا يدل على وجوب إفراد الله تعالى بهذين العملين، وهما عليهما تدور سائر الأعمال، وعنهما تنشأ كل الطاعات الظاهرة والباطنة الواجبة والمستحقة، فبالمحبة يكون فعل الواجبات وبالتعظيم يكون الانتهاء عن المحرمات والسيئات، ولا فرق في هـٰذا بين الواجبات القلبية والواجبات الظاهرة، وبين الأعمال القلبية والأعمال الظاهرة، ولذلك يقول ابن القيم –رحمه الله–:

ليس العبادة غير توحيد المحبة

 

مع خضوع القلب والأركان

 

حقيقة العبادة تدور على هذين المعنيين: توحيد المحبة؛ تجريد المحبة لله تعالى، مع خضوع القلب، وخضوعه يستلزم انقياده وبه يتم للعبد تحقيق العبودية.

يقول –رحمه الله–

ليس العبادة غير توحيد المحبة

 

مع خضوع القلب والأركان

 

الأركان أي الجوارح بأن تذل لله تعالى وحده لا شريك له.

يقول –رحمه الله–: (ومن خصائص الإلهية: العبودية التي لا تقوم إلا على ساقي الحب والذل، فمن أعطاهما لغيره) يعني من أحب غير الله تعالى كمحبة الله أو ذلّ لغير الله تعالى كذله لله –جل وعلا– (فقد شبهه) أي شبه المخلوق (بالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في خالص حقه) يعني في الحق الذي لا يجوز إشراك غيره به؛ بل يجب إفراده -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- به دون غيره (وقبح هٰذا مستقر في العقول والفطر) وهـٰذا يدل على أن الشرك واتخاذ الوسائط دون الله تعالى ممتنع عقلا كما أنه ممتنع شرعا.

يقول –رحمه الله–: (ولكن) هـٰذا استدراك كيف وقع الشرك في الأمم إذا كان هـٰذا مما يعلم قبحه في إيش؟ بالعقل والشرع، كيف وقع الشرك؟ ما الذي زين الشرك لهؤلاء؟ يقول –رحمه الله–: (ولكن لما غيّرت الشياطين فِطر أكثر الخلق واجتالتهم عن دينهم وأمرتهم أن يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً –كما رَوى ذلك عن الله أعرف الخلق به وبخلقه– عَمُوا عن قبح الشرك حتى ظنوه حسناً.) إذن الذي أوقع الناس في الشرك هو كيد الشيطان المتواصل الذي صرف الناس واجتالهم عن عبادة الله تعالى.

يقول المؤلف –رحمه الله-: (كما رَوى ذلك عن الله أعرف الخلق به وبخلقه) من هو؟ النبي  -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذلك فيما رواه الإمام مسلم من حديث معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عياض بن حمار -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: قال رسول الله  -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((إن الله أمرني أن أعلمك مما جهلتم من مما علمني يومي هـٰذا))ثم قال  -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((كل مال نحلته عبدي فهو حلال))هـٰذا من كلام الله تعالى، فهو في الحديث الإلهي كل مال نحلته عبدا فهو حلال، ثم قال النبي  -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فيما يخبره عن ربه ((وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم فاجتالتهم الشياطين وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا))[مسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار، حديث رقم (2865).] وهـٰذا يدل على أن العباد خلقوا على الحنيفية التي هي إفراد الله تعالى بالتعلّق؛ لكن وقع ذلك بسبب كيد الشياطين الذين صرفوا العباد عن طاعة الله تعالى إلى  طاعة غيره وعن عبادته وحده لا شريك له إلى عبادة من سواه.

إذن الذي حرض الناس عن هـٰذا الأمر الذي تدل عليه بالفطر وتقتضيه العقول، ودلت عليه الشرائع وهو إيش يا إخواني؟ إيش الذي دلت عليه الفطر واقتضته العقول وأمرت به الشرائع؟ إفراد الله تعالى بالعبادة، الذي صرف الناس عن هـٰذا هو الشيطان الذي زين لهم عبادة غير الله تعالى، ولذلك قال: (حتى عمواعن قبح الشرك حتى ظنوه حسنا) ولذلك بأنه من محبة الأولياء ومن معرفة حقوق الأولياء وما إلى ذلك من الكلام والبهرج الذي يزين به هؤلاء باطلهم، وإنما حقيقته أنه من تزيين الشيطان للوقوع فيما حرم الله تعالى من إفراده بالعبادة وحده لا شريك له.

ثم بعد هـٰذا ذكر المؤلف –رحمه الله– جملة من خصائص الإلهية في الأعمال، فقال –رحمه الله–:

[المتن]

ومن خصائص الإلهية: السجود، فمن سجد لغيره فقد شبّهه به.

ومنها التوكل، فمن توكل على غيره فقد شبهه به.

ومنها التوبة، فمن تاب لغيره فقد شبهه به.

ومنها الحلف باسمه تعظيما، فمن حلف بغيره فقد شبهه به.

ومنها الذّبح له، فمن ذبح لغيره فقد شبّهه به.

ومنها حلق الرأس.. إلى غير ذلك.

هٰذا في جانب التشبيه.

[الشرح]

 يقول –رحمه الله–: (ومن خصائص الإلهية: السجود) أي السجود له –جل وعلا– ﴿وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَٰوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ[سورة: الرعد، الآية (15).] ،فالسجود حقه –جل وعلا– الذي جعله له دون غيره، وذلك بأن أسجد له -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ﴿مَن فِي السَّمَٰوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًاأي اختيارا وقدرا، هـٰذا معنى قوله جل وعلا: ﴿طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ فهـٰذا السجود منه اختياري وهو من يثاب عليه العبد وترتفع به الدرجة، وتعلو به منزلته، ومنه قهري وذلك بما يقضيه الله –جل وعلا– من جريان حكمه على سائر الخلق  ﴿وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَٰوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ﴾، ثم هـٰذا السجود هو سجود العبادة، وهو لله وحده لا شريك له  في جميع الشرائع، فلم تجز شريعة من الشرائع السجود لغير الله تعالى على وجه التعبد، والذي جاء في الشرائع السابقة جواز السجود لغير الله تعالى على وجه التحية، لا على وجه التعبد، كما جرى من إخوة يوسف له، فإن هـٰذا السجود سجود تحية، وليس سجود عبادة.

أما السجود الذي يتضمن خضوع القلب وعبادته ورقه فهو لله وحده لا شريك له، لا يكون لغيره، وهـٰذه الشريعة لما كانت كاملة في أحكامها وفي عقائدها، فقد منع النبي  -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السجود لغير الله تعالى مطلقا، لا على وجه التحية، ولا على وجه التعبد، ولذلك قال كما روى جماعة من الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- وتقدم: ((لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد))وقال  -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها))[سنن الترمذي: كتاب الرضاع، باب ما جاء في حق الزوج على المرأة، حديث رقم (1159).سنن ابن ماجه: كتاب النكاح، باب حق الزوج على المرأة، حديث رقم (1853).قال الشيخ الألباني: حسن صحيح.] وقد جاء هـٰذا الحديث من قرابة عشرة طرق عن الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- منهم معاذ وغيره وهو دال على وجوب إفراد الله تعالى بالسجود دون ما سواه.

وهـٰذه الجملة التي ذكرها المؤلف –رحمه الله– من الأعمال قد تقدمت أدلتها في سابق بيانه لأنواع الشرك في الأفعال والإرادات والأقوال؛ فإنه قد بين الشرك في الأفعال الشرك في الإرادات والشرك في الأقوال، وذكر الأمثلة.

الآن ذكرها على أنها من التوحيد، وهو أن يكون السجود لله وحده لا شريك له، وابتدأ بالسجود لأنه من أخص الأعمال التي يظهر بها كمال الذل لله تعالى، ولذلك جاءت الأحاديث في بيان فضل السجود، وأنه مما يحب الله تعالى، من ذلك أن النبي  -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أخبر بأن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وأخبر كما  في الصحيح أن السجود من مواطن إجابة الدعاء فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-: ((وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء-كما في حديث ابن عباس- فقمن أن يستجاب لكم))[مسلم: كتاب الصلاة، باب النهي عن قراء القرآن في الركوع والسجود، حديث رقم (479).] أي: حري وقريب أن يستجيب الله لكم، فالسجود أعظم ما يظهر فيه ذل العبد لربه حيث يجعل العبد أشرف ما فيه وهو وجهه وجبهته، في أذل وأخفض مكان خضوعا لله تعالى، وهـٰذا هو السر في كون المؤلف –رحمه الله– بدأ بالسجود في أول تفصيل الأعمال القلبية والأعمال البدنية، فهو متضمن لخضوع القلب وخضوع إيش؟ السجود، متضمن لخضوع القلب وخضوع إيش ؟ وخضوع الأركان الجوارح.

وقد قال ابن القيم –رحمه الله– فيما تقدم:

ليس العبادة غير توحيد المحبة

 

مع خضوع القلب والأركان

 

فهـٰذه العبادة عبادة خضع فيها القلب وخضعت فيها الأركان، ولذلك ذكره في أول المنازل، قال: (ومنها) من إيش ؟ من خصائص الإلهية (التوكل) والتوكل عمل قلبي، وهو صدق الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع ودفع المضار، وهو حقه –جل وعلا–، لا يجوز التوكل على غيره، قال الله تعالى: ﴿وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ[ سورة: المائدة، الآية (23).] هـٰذا من الأدلة الدالة على وجوب إفراد الله تعالى بالتوكل، حيث إنه قدم ما حقه إيش؟ التأخير، فذكر الجار والمجرور قبل المتعلَّق، فقال: ﴿وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ﴾ والأصل في ترتيب الكلام: وتوكلوا على الله؛ لكن لما أراد الحصر والقصر والتخصيص قدم ما حقه التأخير.

فإذا توكل العبد على غيره على غير الله تعالى فإنه قد أشرك، ولا فرق في هـٰذا بين أن يفرد الغير بالتوكل بأن يتوكل على غير الله دون الله –جل وعلا–، وبين أن يتوكل على الله ومعه غيره، فإنه في هـٰذه الحال يكون قد وقع في الشرك الذي قد نهت عنه الرسل.

قال –رحمه الله–: (ومنها) من خصائص الألوهية (التوبة فمن تاب لغيره فقد شبهه به) وقد تقدم لنا في ما مضى ما يدل على هـٰذا، ذكر المؤلف –رحمه الله– في هـٰذا ما رواه الإمام أحمد من طريق الحسن على الأسود بن سريع أن رجل أتي به قد ألم بذنب، فقال الرجل إيش؟: إني أتوب إلى الله ولا أتوب إلى محمد. فقال النبي  -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معلقا على قوله إيش: ((عرف الحق لأهله))[انظر السلسلة الضعيفة برقم (3862).] وهـٰذا يدل على وجوب إفراد الله تعالى بالتوبة فيتوب إلى الله دون ما سواه، وتقدم الكلام على هـٰذه المسألة في موضعه، المراد أن من حقوق الله تعالى التوبة، والتوبة هي الرجوع والإنابة والإخبات وتتضمن معاني قلبية كثيرة كما أنها تتضمن معاني عملية، وذلك أن التوبة إما أن تكون التوبة عن ترك ما أمر الله تعالى بإتيانه، وإما أن تكون عن مواقعه عن ما حرمه الله تعالى، فالتوبة إما أن تكون عن ترك واجب وإما أن تكون عن فعل محرم، فهـٰذا لا يكون إلا لله تعالى.

يقول –رحمه الله–: (ومنها الحلف باسمه تعظيما) أي الحلف باسم الله تعالى تعظيما، فإن هـٰذا من التوحيد؛ لكن هـٰذا هل يدل على أن قصد الحلف مشروع؟ الجواب الحلف قد يكون مشروعا، كما أمر الله تعالى رسوله بأن يحلف في مواضع، وكما حلف النبي  -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مواضع توكيدا لخبره؛ لكن الأصل وجوب حفظ الأيمان قال الله تعالى:﴿لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ[سورة: البقرة، الآية (225).]وهـٰذا فيه أن الواجب على العبد أن يحفظ يمينه، وقد جاء الأمر بذلك مصرحا في قوله : ﴿وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ[سورة: المائدة، الآية (89).]وحفظها يكون بعدم ابتذالها ووضعها في غير موضعها، وكذلك بالحنث فيها وما إلى ذلك، الحلف باسمه تعظيما له هـٰذا من العبادات، ولذلك قال النبي  -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت))، [البخاري: كتاب الأدب، باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولا أو جاهلا، حديث رقم (6108). مسلم: كتاب الأيمان، النهي عن الحلف بغير الله تَعَالىٰ، حديث رقم (1646).]وهـٰذا بيان أنه لا يجوز الحلف بغيره؛ لأنه يتضمن التعظيم، لأن الحلف هو ذكر المعظم في توكيد أمر أو في حث على شيء، يقول –رحمه الله–: (الحلف باسمه تعظيما فمن حلف بغيره فقد شبهه به) أي: شبهه بالله تعالى، ولذلك نهى النبي  -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الحلف بغيره، كما تقدم في حديث ابن عمر أن النبي  -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك))[مسند أحمد (تحقيق أحمد شاكر) حديث رقم (5375)، قال أحمد شاكر: صحيح الإسناد.سنن أبي داوود: كتاب الأيمان والنذور، باب في كراهية الحلف بالآباء، حديث رقم (3251)، سنن الترمذي: النذور والأيمان، باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله، حديث رقم (1535). قال الشيخ الألباني: صحيح.] مر معنا هـٰذا الكلام يا إخواني، أليس كذلك ؟ طيب.

ثم قال: (ومنها) من إيش ؟ من خصائص الألوهية (الذبح له) أي دون غيره، قال الله تعالى: ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ[سورة: الأنعام، الآية (121).] فنهى الله تعالى عن أكل من ما لم يذكر اسم الله عليه؛ لأنه لا يظهر به قصده –جل وعلا–، أما إذا ذكر فهنا ظهر فيه بأنه المقصود بالذبح، وقد جاء النهي عن أكل ما أُهلّ لغير الله في مواضع عديدة من كلام الله تعالى، قال الله تعالى: ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ[سورة: الأنعام، الآية (121).] وصفه الله تعالى بأنه الفسق، والفسق هو الخروج عن ما يجب التزامه وحفظه والقيام به، وجاء فيما رواه الإمام مسلم من حديث على بن أبي طالب أن النبي  -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعن أربعة، ومنهم من ذبح لغير الله، لعن رسول الله  -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من ذبح لغير الله،

الذبح لغير الله تعالى له صور:

إما أن يذبح لغير الله تعالى قصدا وتسمية، وهـٰذه الصورة الأولى، وأعلاها في الشرك والقبح أن يذبح لغير الله تعالى قصدا وتسمية، فيسمي غير الله تعالى عند الذبيحة، ويقصد غير الله تعالى عند الذبح.

الثاني الذبح لغيره –جل وعلا– أن يذبح لغير الله تعالى قصدا، ويسمي الله تعالى فيقصد بهـٰذه الذبيحة غير الله، إما الجن أو الملائكة ويسمي الله عند الذبح، وهـٰذه أيضا من الشرك والكفر بالله تعالى.

الثالث أن يذبح لغير الله تعالى تسمية لا قصدا، فهو يقصد الذبح لله –جل وعلا–؛ لكنه يسمي غير الله عند الذبيحة فيقول: باسم الرسول، باسم على، باسم الحسين، باسم الولي الفولاني، وهو يقصد بذلك التقرب إلى الله بهـٰذا الذبح، وهـٰذا أيضا من الشرك؛ لأنه مما أهل به لغير الله.

كل هـٰذه الصور الثلاثة من الشرك،  وتختلف مراتبها فالقسمان الأولان، فالإجماع منعقد على أنهما من الكفر، وأن من ذبح لغير الله تعالى تسمية وقصدا أو قصدا دون التسمية، فإنه كافر بالله داخل في قول الله تعالى: ﴿إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ.[سورة: المائدة، الآية (72).]

وأما القسم الثالث وهو أن يقصد بالذبيحة الله –جل وعلا– ويسمي غيره عند الذبح، فهـٰذا فيه خلاف بين العلماء مع الاتفاق على أنه محرم؛ لكن اختلفوا هل هو من الشرك المخرج عن الملة أو لا؟ على قولين، والذي يظهر أنه خطير للغاية، حيث إنه إن لم يكن من الشرك الأكبر فهو شبيه به، يوشك أن يوافقه، والحقيقة أن ذكر الاسم عند الذبيحة اسم الله تعالى من ما أمر الله تعالى به، وإما جعله مطيبا مبيحا لذبيحة، فصرف ذلك لغيره بتسمية غيره على الذبيحة هي في الحقيقة من الشرك الذي  يخرج صاحبه من التوحيد، وهـٰذا أحد القولين في المسألة.

ثم قال –رحمه الله–: (ومنها حلق الرأس.. إلى غير ذلك) حلق رأس إيش ؟ حلق الرأس تعظيما لغير الله تعالى، وقد ذكرنا في ما تقدم أن من صور الشرك بالله تعالى حلق الرأس لغيره –جل وعلا–، وهـٰذا محل اتفاق، فإن الله تعالى أمر بحلق الرأس في النسك، ونهى عنه حال النسك، وذلك بالتقرب إليه -جل وعلا– بحلق الرأس عند التحلل من الإحرام  تعظيما له وذلا، فمن حلق رأسه لغير الله تعالى فقد صرف العبادة لغيره. قال –رحمه الله–: (إلى غير ذلك) يعني من صور العبادات التي يجب إفراد الله تعالى بها، وهو كل ما أمر الله تعالى به رسوله أمر إيجاب أو أمر استحباب، فقوله: (إلى غير ذلك) يعني من العبادات التي تستظل بهـٰذه القاعدة وهـٰذا الضابط وهـٰذا التعريف كل ما أمر الله به ورسوله أمر إيجاب أو أمر استحباب، فإنه يجب إفراد الله تعالى به دون غيره، فمن صرفه لغيره فقد وقع في الشرك، الجانب الثاني من جوانب الشرك، يقول –رحمه الله–: (هـٰذا في جانب التشبيه، وأما في جانب التشبه) يعني حقيقة يوحي بأن الكلام في أوله قد يكون فيه خطأ، يقول المؤلف: (تشبيه الخالق بالمخلوق) والثاني (تشبيه المخلوق بالخالق) ظاهر كلام المؤلف –رحمه الله– في القسم الأول الآن فرغ منه، والثاني تشبه المخلوق بالخالق، تشبه المخلوق بالخالق، لعله هو الأصوب والأقرب حتى يتناسب مع كلام المؤلف –رحمه الله–، فيقول: (اعلم أن حقيقة الشرك تشبيه الخالق بالمخلوق وتشبه المخلوق بالخالق) تشبه المخلوق بالخالق، واضح تشبه المخلوق بالخالق كان يدعو المخلوق الخلق ليعبدوه من دون الله، ففي هـٰذه الحال يكون قد تشبه بإيش؟ العبد تشبه بالرب –جل وعلا– المخلوق قد تشبه بالخالق فيكون قد وقع في الشرك، فنعدّل (الأول) ولعله أشار في الحاشية إلى أن ذلك نسخة.

طيب يقول –رحمه الله–: (هـٰذا في جانب التشبيه) أي تشبيه المخلوق بالخالق والخالق بالمخلوق.

[المتن]

وأما في جانب التشبّه، فمن تعاظم وتكبّر ودعا الناس إلى إطرائه ورجائه ومخافته فقد تشبه بالله ونازعه في ربوبيته، وهو حقيق بأن يهينه الله غاية الهوان، ويجعله كالذر تحت أقدام خلقِهِ.

وفي الصحيح[سنن أبي داوود: كتاب اللباس، باب ما جاء في الكبر، حديث رقم (4090).

    سنن ابن ماجه: كتاب الزهد، باب البراءة من الكبر والتواضع، حديث رقم (4174).

    وأورده الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (541). قال الشيخ الألباني: صحيح.] عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ((يقول الله عز وجل: العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدا منهما عذبته)).

[الشرح]

يقول المؤلف –رحمه الله–: (وأما في جانب التشبه) أي: تشبه المخلوق بالخالق، وهو ما ذكره المؤلف –رحمه الله– في أحد قسمي الشرك؛ لأن المؤلف –رحمه الله– يقول: (حقيقة الشرك تشبيه الخالق بالمخلوق أو تشبه المخلوق بالخالق) فالشرك يدل على هاذين المعنيين تكلم عن المعني الأول وهو ما يتعلق بجانب التشبيه تشبيه الخالق بالمخلوق، ثم انتقل إلى بيان صور وأمثلة للنوع الثاني من الشرك، وهو تشبه المخلوق بالخالق، تشبه المخلوق أي العبد المربوب الضعيف بخالقه الذي ليس كمثله شيء، هـٰذا التشبه ممنوع؛ وهو ممنوع شرعا وعقلا وفطرة وحسا، فإنه لا يمكن أن يسوى رب العالمين تعالى بخلقه، ولا يمكن أن يضارعه أحد من خلقه، يقول: (فمن تعاظم وتكبّر ودعا الناس إلى إطرائه ورجائه ومخافته فقد تشبه بالله ونازعه في ربوبيته)، (فمن تعاظم وتكبّر) معنى التعاظم والتكبر متقارب، وهو طلب العلو، لكن أيهما أشد التعاظم أو التكبر؟ التكبر أشد من التعاظم، وسيأتي دليل هـٰذا في كلام المؤلف –رحمه الله–، فالتكبر علو يتضمن التعاظم، وارتفاع يتضمن العظمة، بخلاف التعاظم قد يكون هناك تعاظم؛ لكن ليس هناك تكبر (ودعا الناس إلى إطرائه) أي الإسراف في مدحه وثنائه وتحميده وذكره، قال: (ورجائه ومخافته)، وهـٰذا يكون قد دعاهم إلى عبادته؛ لأنهم إذا رجوه وخافوه فقد اتخذوه إلها من دون الله تعالى، (فقد تشبه بالله ونازعه في ربوبيته) لأن التعاظم والتكبر وسائر ما ذكر المؤلف، أولا التعاظم والتكبر من خصائص الربوبية، العظمة والكبرياء هما من خصائص الربوبية لا تناسب المخلوق، وأما دعاء الناس إلى إطرائه ورجائه ومخافته، فهـٰذا نازع الله تعالى في إلهيته، نازع الله تعالى في إلهيته، وقد جعل المؤلف -رحمه الله- في جميع هـٰذه الأعمال التعاظم والتكبر ودعا الناس إلى إطرائه ورجائه ومخافته جعلها جميعا من المنازعة في الربوبية، والحقيقة أن التّعاظم والتكبر منازعة في الربوبية؛ لأن العظمة والكبرياء من خصائص الربوبية؛ لكن دعاء الناس إلى الإطراء وإلى الرجاء  والخوف هـٰذا نازع الله تعالى في إلهيته؛ لأنه طلب من الناس أن يصرفوا إليه العبادة من دون الله تعالى، أو العبادة مع الله تعالى، وهـٰذا لا ريب أنه من الشرك؛ ولكن المؤلف –رحمه الله– ذكر الربوبية هنا، ومعلوم يا إخواني أن ذكر الربوبية في مقام يتضمن الإلهية وذكر الإلهية في مكان يتضمن الربوبية، متى تكون الربوبية فيما يتعلق بالخلق والملك والرزق والتدبير والإلهية تتعلق بالعبادة إذا اجتمعا.

فمثلا قول الله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى[سورة: الأعراف، الآية (172).] هنا هل الميثاق الذي أخذ على الخلق هو الإقرار بأن الله هو رب كل شيء فقط، أم أنه رب كل شيء وإلهه؟ أنه رب كل شيء وإلهه، رب كل شيء وإلهه؛ ولكن القاعدة أنه إذا ذكرت الربوبية في مقام فإنها تشمل الإلهية، وإذا ذكرت الإلهية في مقام فإنها تشمل الربوبية، وإذا اجتمعا كانت الربوبية فيما يتعلق بحقه-جل وعلا– في الخلق والملك والرزق والتدبير، وكانت الإلهية فيما يتعلق في حقه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في إفراد العبادة، وأن لا يعبد سواه، يتنبه لهـٰذا فلعل المؤلف –رحمه الله– لما ذكر المنازع هنا للربوبية يريد الربوبية التي تشمل معنى الإلهية، وأمّا إذا أردنا أن نقسم أنواع الشرك المتقدم الواقع في الأمم، فإن التعاظم والتكبر من شرك الربوبية، والإطراء والرجاء المخافة من شرك الإلهية، قال -رحمه الله-: (وهو حقيق) من هو الذي حقيق؟ من تعاظم وتكبر ودعا الناس إلى رجائه ومخافته وإطرائه (حقيق) أي: جدير ومستحق، فهو فعيل بمعني فاعل (بأن يهينه الله غاية الهوان) أي يذله –جل وعلا– غاية الذل (ويجعله كالذر تحت أقدام خلقه)، وقد جاء هـٰذا في الصحيح أن النبي  -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبر بأن المتكبرين المتعاظمين يحشرون يوم القيامة كالذر، يطؤهم الناس بأقدامهم، وهـٰذا فيه عقوبتهم بأي شيء بإيش ؟ بنقيض قصدهم، هم في الدنيا تعاظموا وتكبروا لأجل أي شيء؟  ليعلوا على الناس، فعاقبهم الله تعالى بنقيض ما قصدوه وعملوا له، فجعلهم في الحضيض والهوان، يطؤهم الناس بأقدامهم، قال الله جل وعلا: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا[سورة: القصص، الآية (83).] فكل من أراد العلو والفساد في الأرض فإنه يعاقب بنقيض قصده؛ يذله الله –جل وعلا– في موطن يحب فيه العز والعلو.

يقول –رحمه الله–: (وهو حقيق بأن يهينه الله غاية الهوان) لماذا هـٰذا الذي تعاظم وتكبر حري بأن يهان ويهينه الله تعالى بأذل وأحقر موقع؛ وهو أن يكون كذر يطؤه الناس بأقدامهم؟ الجواب: لأنه نازع الله تعالى حقه، نازع الله تعالى حقه من العلو والعظمة والكبرياء، يقول المؤلف –رحمه الله–: (وفي الصحيح) والمراد بالصحيح هنا صحيح مسلم (عنه) أي عن النبي  (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ((يقول الله –عز و جل–))) حديث إلهي، والحديث الإلهي ما هو؟ هو ما يسميه جماعة من العلماء القدسي؛ لكن الفرق بين التسميتين:

الحديث الإلهي نسبة إلى الله تعالى.

والحديث القدسي قيل: إنه نسبة إلى روح القدس الذي أخبر به النبي  -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقيل: إنه نسبة إلى القدوس؛ ولكن هـٰذا ليس بصحيح ليش ؟ لأنه لو كان نسبة إلى القدوس قال: الحديث القدسي، ولا يصح أن يكون قدسي، وهو منسوب أو نسبة إلى القدوس؛ لكن الصحيح أنه مضاف إلى روح القدس، وروح القدس أي الروح المطهرة من الأدناس والأرجاس.

والنسبة المناسبة أن سبيل الله تعالى لأن النبي  -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخبر عن ربه يقول: قال الله -عز وجل–، فنسبته إلى الله –عز وجل– أولى إلى نسبته إلى جبريل عليه السلام إلى روح القدس.

المراد أن الحديث الإلهي هو ما يرويه النبي  -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ- عن ربه يقول –رحمه الله–: ((يقول الله –عز وجل–)) هـٰذا في سياق حديث النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ((العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدا منهما عذبته))، ((من نازعني واحدا منهما))أي من العظمة أو من الكبرياء ((عذبته))جزاء هـٰذه المنازعة، وهـٰذا فيه التهديد والوعيد، لكل من نازع الله تعالى ما اختص به، سواءً كان ذلك في أوصافه، أو في أسمائه، أو في حقوقه –جل وعلا– وما يجب له، فإنه حري بأن يعذبه الله تعالى.

هـٰذا الحديث يدل على أن العظمة لا تكون إلا لله –جل وعلا–، وأن الكبرياء لا يكون إلا له –جل وعلا–، وهو دال أيضا على أن من تكبّر وتعاظم فقد نازع الله تعالى ما اختص به، وهو جدير بأن يعذبه الله تعالى  عذابا أليما، ومن العذاب الموعود به من نازع الله في عظمته وفي كبريائه أنه لا يدخل الجنة، دليل ذلك ما ذكرنا من الآية قبل قليل، قال الله تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا[سورة: القصص، الآية (83).] والمتكبرون والمتعاظمون هؤلاء أرادوا العلو في الأرض، ومنها أيضا -أي من الأدلة الدالة على عذاب من نازع الله تعالى عظمنه وكبريائه- ما في الصحيح من حديث إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: قال النبي  -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر))مثقال ذرة، مثقال، ما معنى مثقال؟ وزن ذرة، وشفت كيف توزن هـٰذه الذرة؟ وما قدر هـٰذا الوزن؟ لا شك أن هـٰذا يدل على أدنى ما يكون من الكبر في قلب العبد يحول بينه وبين الجنة، لماذا يا إخواني؟ لماذا كانت هـٰذه العقوبة العظيمة للكبر؟ لأنه ينافي العبودية، فالعبودية: الذل والخضوع، والكبر ينافي الذل والخضوع، إذ إنه علو وارتفاع، والجنة لا يدخلها إلا الطيبون، وهي لعباد الله الذين حققوا العبادة، قال الله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ[سورة: الزخرف، الآية (72)] من العبودية لله تعالى، وقد قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما في الصحيح من حديث أبي هريرة: ((أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر))[البخاري: كتاب التفسير، باب قوله: ﴿فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين﴾، حديث رقم (4779).مسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، حديث رقم (2824).]إذن الكبر من أعظم ما ينازع صفات الله –جل وعلا– وهو من تشبه المخلوق بالخالق، قد يصل الكبر بالإنسان إلى حد أن يتشبه به في إلهيته أو في ربوبيته، مثال هـٰذا تشبه العبد بالله –عز وجل– في إلهيته أو في ربوبيته مما جرى هـٰذا؟ من فرعون حيث قال: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي﴾.[سورة: القصص، الآية (38).]هـٰذا تشبه به في الإلهية.

في الربوبية ﴿فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى[ سورة: النازعات، الآيات (23-24).] وهـٰذا غاية التشبّه بالله تعالى، هناك أنواع من التشبه دون هـٰذا تكون من المخلوق بالله تعالى؛ لكنها دون هـٰذا ولها من العقوبة ما يناسبها.

نحن ذكرنا أن التعاظم أعلى من التكبر أو التكبر أعلى؟ فالتكبر أشد، من أين نأخذ هـٰذا من الحديث؟ نعم لما قال: ((العظمة إزاري، والكبرياء ردائي))دل على أن الكبرياء أعلى من العظمة؛ لأنه جرت العادة أن الرداء أشرف من الإزار؛ لأن العادة جرت بأن الرداء أشرف من الإزار، ويهتم به ويعتنى أكثر من الإزار، فلما جعله الله تعالى رداء له، دل ذلك على أنه أعلى وأكمل وأرفع من العظمة.

طيب الإزار والرداء هل فيه تشبيه؟ الجواب: لا. هل هـٰذا مجاز؟ قد يقال: إن هـٰذا مجاز على قول من يقول: إن هناك مجازا في كلام العرب. وقد يقال: إنه وضح من المعنى أنه ليس إزارا ورداءً حسيين، إنما هو إزار ورداء معنوي، لماذا؟ لأن العظمة والكبرياء أمور معنوية وليست أمور حسية، فليس في هـٰذا تشبيه ولا تمثيل، تعالى الله –جل وعلا– عما يقول الجاهلون علوا كبيرا.

يقول: ((فمن نازعني واحدا منهما عذبته))فيمكن أن تقع المنازعة في العظمة، ويمكن أن تقع المنازعة في الكبرياء، أيهما أشد في المنازعة الكبرياء أو العظمة، المنازعة في الكبرياء أو في العظمة، المنازعة في الكبرياء لأنه أخص بها –جل وعلا– من غيره.

 

طيب التعاظم والتكبر تشبه بإيش بفعل أو بعمل قلبي أو بقول؟ الأصل تشبه عمل قلبي ولذلك قال النبي  -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((فمن كان في قلبه مثقال ذرة))  فالكبر محله القلب، قال: ((ذرة من كبر))[مسلم: كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، حديث رقم (91).]فأصل البلاء في الكبر آفة قلبية تنعكس على القول، تنعكس على العمل؛ لكن إذا عالج الأصل برئت النتائج وبرئت الأطراف والفروع؛ لكن أصل بلاء الكبر في القلب فهـٰذا من التشبه بالأعمال القلبية هناك تشبه آخر وهو تشبه قد يجمع عمل قلبيا وعملا بالأركان بالجوارح، وهو ما ذكره المؤلف –رحمه الله– في الصورة الثانية مكن صور تشبه المخلوق بالخالق.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91759 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87327 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف