×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / العقيدة / المنظومة الحائية / الدرس (3) من شرح المنظومة الحائية لابن أبي داود

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:249

بسم الله الرحمن الرحيم

من المفيد أن يتنبه قارئ كلام أهل السنة والجماعة في عقائدهم، سواء كان ذلك نظماً أم نثراً، أنه يدور على تقريب أصول الإيمان الستة: الإيمان بالله، والإيمان بكتبه، والإيمان بملائكته، والإيمان برسله، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره، فحيثما طالعت العقائد الجامعة في الغالب، تجدها تذكر الإيمان بهذه الأصول إجمالا في البدء، ثم بعد ذلك تفصل في مسائل تتصل بهذه الأوصول الستة، وهذا النظم على اختصاره، تناول المؤلف فيه الأصول الستة بالتقرير، وذلك بذكر مسائل تتصل بهذه الأصول، فالقرآن يتعلق بالإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل، والرؤية تتعلق بالإيمان بالله ـ تعالى ـ وصفة اليد تتعلق بالإيمان بالله، ومراتب الناس بعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتعلق بالإيمان بالرسل؛ لأنهم أصحابه، ولهم منزلة ثبتت بصحبته وبخبره ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومسائل القدر تتعلق بالإيمان بالقدر، ومسائل اليوم الآخر تتعلق بالإيمان باليوم الآخر، والإيمان يتصل بجميع هذه الأركان والأصول الستة والأصول.

قال الناظم ـ رحمه الله تعالى ـ:

وقل يتجلى الله للخلق جهرة    كما البدر لا يخفى وربك أوضـح

وليس بمولود وليس بوالــد         وليس له شبه تعالى المُســــبَّح

وقد ينكر الجهمي هذا وعندنا     بمصداق ما قلنا حديث مصــرح

رواه جرير عن مقال محمـد     فقل مثل ما قد قال في ذاك تنجـح

هذه الأبيات الأربعة يتصل بتقرير عقد أهل السنة والجماعة في مسألة الرؤية، والرؤية من مسائل الصفات المتعلقة بالإيمان بالله ـ تعالى ـ إذ إن من صفاته ـ جل وعلا ـ أنه يُرى ـ تعالى وتقدس ـ ورؤية الله ـ تعالى ـ دل عليها القرآن العظيم، ودلت عليها السنة المطهرة، وتواطأت عليها كلمات سلف الأمة، وأجمعوا عليها، فتظافرت عليها الأدلة النقلية السمعية، من الكتاب ومن السنة، والإجماع، و هي جائزة وممكنة عقلا، فليس هناك عقلاً ما يمنع من رؤيته ـ جل وعلا ـ لأن من المنكرين لرؤية الله ـ تعالى ـ من يحتج بالعقل على نفي الرؤية.

المؤلف ـ رحمه الله ـ ذكر الرؤية إثباتا واستدلالاً، وذكر أيضا المخالف في الرؤية، وأبطل شبهته، فكان نظمه ـ رحمه الله ـ متضمنا هذه الأمور الأربعة: إثبات الرؤية، دليلها، ذكر المخالف، إبطال حجته، وبه يكتمل تقرير القضية؛ لأن أيّ قضية من القضايا تقرر أكمل تقرير بما سلكه المؤلف رحمه الله.

يقول ـ رحمه الله ـ: (وقل) هذا نظير ما سبق في قول المؤلف: (وقل غير مخلوق كلام مليكنا)، وهو يتضمن قول اللسان واعتقاد القلب.

قوله: (يتجلى الله) أي: يظهر، فالتجلي يدور على معنى الظهور والانكشاف، كما في قول الله ـ تعالى ـ: ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىالليل:2أي: ظهر وانكشف، وقال الله ـ جل وعلا ـ: ﴿وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاًالأعراف: 143، فأضاف الله التجلي لنفسه، والتجلي هنا هو الظهور، وذلك بكشف الحجاب الذي يحتجب به رب العالمين عن خلقه، فقد جاء في الصحيح من حديث أبي موسى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ((حجابه النور))وفي رواية: ((حجابه النار، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ـ يعني نوره وبهاءه ـ ما انتهى إليه بصره من خلقه))أخرجه مسلم (179)سبحانه وبحمده.

قوله: (للخلق) الخلق مصدر يصدق على جميع ما خلقه رب العالمين، لكن هذا العموم ليس مرادا؛ إذ البحث في مسألة الرؤية هو في تجلي الله ـ جل وعلا ـ للمكلفين من الخلق، وليس لكل الخلق، فقوله: (للخلق) من العام الذي أريد به الخصوص، نحو قول الله ـ جل وعلا ـ: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْآل عمران: 173، والقائل شخص واحد، الذين جمعوا فئة من الناس، وليس كل الناس.

والمقصود أن قوله: (للخلق) ليس المراد به جميع الخلق من جماد وحيوان، بل المراد فئة من الخلق وهم المكلفون الذين أمروا ونهوا، وهم الملائكة وبني آدم والجن، وهؤلاء في الرؤية ينقسمون من حيث ثبوتها لهم إلى قسمين:

القسم الأول: مجمع على حصول الرؤية له في الجملة، وهم بنو آدم وليس الجميع، وهذا دلت النصوص على أن جنسهم يرون الله ـ جل وعلا ـ وليس الجميع.

القسم الثاني: الملائكة والجن، وهؤلاء في رؤيتهم لله ـ تعالى ـ خلاف عند أهل السنة، وستأتي الإشارة إلى الخلاف بعد قليل.

بنو آدم ثلاثة أقسام: مسلم وكافر ومنافق. فهل الرؤية ثابثة للجميع، أو لبعضهم فقط؟ الإجماع منعقد على أن المؤمنين يرون ربهم، دلّ على ذلك كتاب الله ـ جل وعلا ـ وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأجمع على ذلك سلف الأمة.

وأما الكفار فوقع في رؤيتهم لله ـ تعالى ـ خلاف بين أهل السنة، والذي عليه الجماهير أنهم لا يرون الله ـ تعالى ـ واستدلوا بذلك بقوله ـ تعالى ـ:﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَآل عمران: 173، وأن ما ورد من النصوص في الرؤية إنما هي للمؤمنين، فلا يشركهم غيرهم ولا يدخل فيهم سواهم.

وذهب طائفة من أهل السنة إلى أن الكافرين يرون ربهم، لكن يرون الله ـ تعالى ـ في عرصات يوم القيامة، عندما يخرج الناس حفاة عراة، ويأتي الله ـ تعالى ـ لفصل القضاء، ثم يحتجب عنهم، وهذه الرؤية ليست رؤية تنعيم، بل هي رؤية عقاب وتوبيخ، يقول الله ـ تعالى ـ: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَالمطففين: 15، قالوا: والحجب يقتضي تقدم نظر ورؤية، إلا أن هذا الاستدلال فيه نظر؛ لأن الحجب لا يلزم منه تقدم نظر، وقد أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن اللهـ تعالىـ ((حجابه النور))، ولم يره أحد، بل الثابت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال ـ كما في الصحيح ـ: ((واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتي يموت))صحيح مسلم برقم (5215)، وعلى كلٍّ المسألة خلافية عند أهل السنة والجماعة، والجمهور على النفي.

ولكن لا يسوغ أن تطلق الرؤية في حقهم، فلا يسوغ أن يقال: الكفار يرون ربهم؛ لأن إطلاق الرؤية إنما يكون في مقام التنعيم والتكريم، وهذه الرؤية ليس فيها تنعيم، إنما هي عقوبة وحسرة.

والمنافقون أيضا اختلف فيهم أهل العلم خلافا أشد من خلاف الكفار، فمن أهل العلم من يرى أن المنافقين يرون ربهم في العرصات، كما دل على ذلك حديث أبي سعيد الخدري أن ناسا في زمن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:((نعم، هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب؟ وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب؟)) قالوا: لا يا رسول الله، قال:((ما تضارون في رؤية الله ـ تبارك وتعالى ـ يوم القيامة، إلا كما تضارون في رؤية أحدهما)) ثم قال:((إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن: ليتبع كل أمة ما كانت تعبد، فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله ـ سبحانه ـ من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر، وغُبَّرٌ أهل الكتاب، فيدعى اليهود فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير ابن الله، فيقال: كذبتم، ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ قالوا: عطشنا يا ربنا فاسقنا، فيشار إليهم ألا تَرِدون؟! فيُحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا، فيتساقطون في النار، ثم يدعى النصارى فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم: كذبتم، ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فيقولون: عطشنا يا ربنا فاسقنا، قال: فيشار إليهم ألا تَرِدون؟! فيُحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا، فيتساقطون في النار، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله تعالى من بر وفاجر، أتاهم رب العالمين ـ سبحانه وتعالى ـ في أدنى صورة من التي رأوه فيها، قال: فما تنتظرون؟ تتبع كل أمة ما كانت تعبد، قالوا: يا ربنا، فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، لا نشرك بالله شيئا ـ مرتين أو ثلاثا ـ حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب، فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم، فيكشف عن ساق، فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه، ثم يرفعون رءوسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة، فقال: أنا ربكم، فيقولون أنت ربنا..."صحيح البخاري (764)/ ومسلم (182) . ، وهذا يثبت رؤية المنافقين لله ـ تعالى ـ والمقصود أن المسألة خلافية عند أهل السنة والجماعة والظاهر أنهم يرون الله ـ تعالى ـ رؤية توبيخ وعذاب، كالكفار.

ورؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة نوعان: رؤية تعريف ورؤية تنعيم، رؤية التعريف هي التي تكون في عرصات يوم القيامة، كما في الحديث السابق، وأما رؤية التنعيم فهي التي في الجنة، والتي دل عليها قوله ـ تعالى ـ: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌالقيامة: 22-23،(ناضرة) يعني بهية جميلة، و(ناظرة) من النظر، أي: تنظر لربها، وهذه الآية أقوى آية في إثبات رؤية المؤمنين ربهم؛ فإن الله ـ تعالى ـ ذكر الرؤية مضافة إلى الوجه وعداها بـ(إلى) التي تفيد المعاينة والإبصار غالبا.

ومما يدل أيضا على رؤية الله ـ تعالى ـ قوله ـ تعالى ـ: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌيونس: 26، وقوله ـ تعالى ـ:﴿لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌق: 35، وقوله ـ تعالى ـ: ﴿هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَيس: 56، وقوله ـ تعالى ـ:﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23)سورة المطففين:22، 23 .

وأما السنة فقد تبثت الرؤية في أحاديث كثيرة: منها قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:((إذا دخل أهل الجنة الجنة، يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟! ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟! فيكشف الحجاب، فما أُعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل)) وفي رواية:((ثم تلا هذه الآية ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾))سنن الترمذي برقم (2475). ، وهذه رؤية تنعيم.

ثم إن الرؤية تتفاوت، فأهلها الذين ثبتت لهم ليسوا على درجة واحدة فيها، بل هم متفاوتون، وتفاوت العباد في رؤية رب العالمين في الجنة هو بقدر تفاوتهم في الأعمال والتقوى والإيمان، فكلما عظمت منزلة العبد وارتفع مقامه، كان نصيبه من الرؤية أعظم من غيره.

مسألة:هل الرؤية الثابتة لأهل الإيمان عامة لجميع المؤمنين الرجال والنساء أو لا؟

الذي عليه جماهير أهل العلم أنها عامة للجنسين، لعموم الأدلة، كقول الله ـ تعالى ـ: ﴿إنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَسورة المطففين:22، 23 ، وقوله ـ تعالى ـ: ﴿هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَيس: 56، وغير ذلك من الأدلة.

وذهب طائفة من أهل العلم من أهل السنة إلى أن رؤية الله ـ تعالى ـ في الجنة لا تكون للنساء، وإنما هي فقط للرجال، واستدلوا بالأحاديث التي فيها أن أهل الجنة يذهبون يوم الزيادة فيرجعون إلى أهلهم، قالوا: وهذا الذهاب نظير ذهاب الرجال يوم الجمعة إلى المساجد، فإذا رجعوا إلى أهلهم قالوا لهم: لقد ازددتم بهاء ونضرة، وهذا بسبب النظر إلى الله ـ تعالى ـ فيقولون لأهلهم: وأنتم كذلك ازددتم بهاء ونضرة، وقالوا: إن النساء مقصورات، كما قال الله ـ تعالى ـ: ﴿حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامالرحمن: 72، والذي يظهر أنه لا دليل في الآية؛ إذ القصر في الخيام لا يمنع أن يحصل لهم من النظر إلى الله ـ تعالى ـ ما يكون نعيما لهم، وعموم الأدلة التي ذكرنا دال على أنهم مشاركون للرجال في النعيم، وهذا الذي عليه  عقد أهل السنة والجماعة وتظافرت عليه الأدلة.

يقول المؤلف رحمه الله: (جهرة) أي: عيانا على وجه منكشف ليس فيه التباس، كما في صحيح البخاري من حديث قيس عن جرير بن عبد الله البجلي أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ((إنكم سترون ربكم عيانا))صحيح البخاري (6883)، وهذا يبطل قول من يقول: إن المؤمنين يرون الله ـ تعالى ـ من غير معاينة ولا في جهة؛ إذ إن الرؤية لا يمكن أن تكون إلا بالمعاينة، وهذه المعاينة لا يلزم منها الإحاطة؛ كما قال الله ـ تعالى ـ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُالأنعام: (103)، أي: لا تحيط به.

قال: (كما البدر لا يخفى) فتكون رؤية الخلق لله ـ تعالى ـ على نحو رؤيتهم للبدر في الوضوح والجلاء، ولذلك قال: (وربك أوضح)، وهذ المعنى دل عليه حديث أبي هريرة وجرير وغيرهما من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وفيه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ((إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب))صحيح البخاري (764) ، والتشبيه هنا للرؤية وليس للمرئي، والمقصود بيان جلاء ووضوح هذه الرؤية.

ثم لما ذكر هذا التنظير والتشبيه للرؤية بالرؤية، دفع توهم التشبيه، فقال ـ رحمه الله ـ:

 وليس بمولود وليس بوالد       وليس له شبه تعالى المُسبَّح

فقوله: (وليس بمولود) يعني لا يلزم من هذا التشبيه أن يكون رب العالمين جل في علاه كخلقه في شيء من صفاته، وقرر هذا من جهتين الجهة الأولى أنه قال: (وربك أوضح) ثم قرره صريحا بينا في قوله: (وليس بمولود وليس بوالد) كما قال ـ جل وعلا ـ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْالإخلاص: 1-3، والآيات في نفي الولد والولادة كثيرة في كلام الله ـ جل وعلا ـ وهذا لبيان كماله سبحانه وبحمده.

يقول: (وليس بمولود وليس بوالد) لماذا خص الوالد والمولود بالنفي؟ لأن انتفاء الفرع والأصل دليل الانفراد وعدم المشاركة والمماثلة، ولذلك يقول الله ـ تعالى ـ:﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌالإخلاص:1أحد في صفاته، أحد في أسمائه، أحد في أفعاله، أحد فيما يجب له ـ سبحانه وبحمده ـ ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْالإخلاص:2، 3، ثم عاد فقال: ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌالإخلاص:4، والعادة أن التشابه إنما يكون بين أصل وفرع، وأما فيما ليس له أصل ولا فرع فهي بعيدة.

قال: (وليس له شبه) يعني مثيلا، وإنما عبر بالشبه؛ لأنه اصطلاح المتكلمين، فإنهم يستعملون التشبيه ويريدون التمثيل، وقد جاء نفي المماثلة في كلام الله ـ تعالى ـ في مواضع عديدة، من ذلك قول الله ـ تعالى ـ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُالشورى:11، وقوله:﴿لَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾،وقوله ـ جل وعلا ـ: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاًمريم:56، وقوله ـ جل وعلا ـ: ﴿فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَالنحل:74، وقوله ـ جل وعلاـ: ﴿لاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَالبقرة:22.

قال: (تعالى) أي: علا سبحانه عن مماثلة خلقه.

قوله: (المسبح) أي: المقدس المنزه، الذي يسبحه من السموات والأرض، كما قال جل وعلا: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِالحديد:1، وتسبيح الخلق لربهم يتضمن تنزيهه عن ثلاثة أمور:

الأول: العيوب والنقائص، الثاني: النقص في صفاته وفي كمالاته، الثالث: المثيل والنظير والسمي والكفؤ والند، فإذا قال العبد: سبحان الله، فإنه يريد هذه المعاني الثلاثة الدائرة على تمجيد الله تعالى وإثبات الكمال له من كل وجه.

ثم قال: (وقد ينكر الجهمي هذا) انتقل إلى ذكر منكر الرؤية، والجهمي نسبة إلى الجهم الذي أشاع هذه البدعة وتكلم بها، حيث قال: إن الله ـ تعالى ـ لا يُرى، ووافقه المعتزلة والخوارج وغيرهم من الفرق، والمؤلف اقتصر على الجهمية؛ لأنهم الأصل في نفي هذه الصفة.

قال: ( وعندنا) أي: عند أهل السنة والجماعة، إذًا هذا النظم معقود لبيان عقيدتهم، وليس لبيان عقيدة خاصة به.

يقول: (وعندنا بمصداق ما قلنا حديث مُصرِّح) أي: عندنا لإثبات ما تقدم ورد بدعة المبتدع، (حدبث مصرح) أي: صريح لا لبس فيه ولا اشتباه، وهو ما (رواه جرير) هو ابن عبدالله البجلي، (عن مقال محمد) أي: النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خاتم النبيين، واحتج بقول محمد ـ عليه أفضل صلاة وأتم تسليم ـ لأنه لا ينطق عن الهوى، يقول الله ـ تعالى ـ في وصفه: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىالنجم:3، وقال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواالحشر:7،وقال: ﴿وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواالنور:54، والآيات على ذلك كثيرة.

واقتصار المؤلف على حديث جرير لا يعني أن الرؤية لم تثبت إلا به، بل هذه الصفة ثابتة بالنقل المتواتر عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولذلك يقول يحيى بن معين ـ من أئمة المحدثين ـ: "عندي سبعة عشر حديثا في الرؤية كلها صحاح"، ولذلك قال المؤلف ـ رحمه الله ـ: (فقل مثل ما قد قال في ذاك تنجح) يعني النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي لا ينطق عن الهوى، وإذ التزمت قوله نجحت، وقد أحسن من انتهى إلى ما قد سمع.

وهؤلاء الذين يعطلون هذه الصفة يحرفون الكلم عن مواضعه، إما برد أو إبطال أو تحريف أو تأويل، كل ذلك ليصح ما اعتقدوه، ويبطل ما دل عليه الكتاب والسنة.

وبهذا يكون قد فرغ المؤلف ـ رحمه الله ـ من ذكر الأبيات التي تضمنت تقرير عقد أهل السنة والجماعة في مسألة رؤية الله تعالى.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91570 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87259 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف