×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / العقيدة / المنظومة الحائية / الدرس (11) من شرح المنظومة الحائية لابن أبي داود

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:290

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد

فقال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ:

وقل إنما الإيمان قول ونــــية        وفعل على قول النبي مصــرح    

وينقص طورا بالمعاصي وتــارة      بطاعته ينمي وفي الوزن يرجـح 

ودع عنك آراء الرجال وقولهـم      فقول رسول الله أولى وأشــرح

ولا تك من قوم تلهو بدينهــم    فتطعن في أهل الحديث وتقـدح

إذا ما اعتقدت الدهر يا صاح هذه   فأنت على خير تبيت وتصــبح

هذا آخر مقطع في هذه المنظومة المباركة، وهو متعلق بمسألة الإيمان؛ إذ الحكم بالكفر نتيجة ارتفاع الإيمان وانتفائه، فالإيمان والكفر اسمان لكل منهما حقيقة، فلما نهى المؤلف ـ رحمه الله ـ عن تكفير أهل الصلاة بالمعاصي، بين حقيقة الإيمان، وذلك أن السر في تكفير أهل المعاصي عند الخوارج والمعتزلة ومن شابههم، أنهم لم يضبطوا حقيقة الإيمان، ولو أدركوا حقيقة الإيمان وعلموه لما كفروا بالمعاصي، ولأثبتوا الإيمان مع قيام المعصية، ولقالوا: إنه يجتمع في قلب الإنسان إيمان وكفر، إيمان بالله تعالى وكفر بما يكون من المعاصي والسيئات التي هي دون الكفر المخرج من الملة.

 قوله: (وقل) أي: دن واعتقد بالقلب وقل باللسان.

قوله: (إنما الإيمان) أي: في حقيقته، والإيمان في الأصل مأخوذ من الأمن، ضد الخوف، وقد قال جماعة من أهل العلم: إن الإيمان في اللغة التصديق، وهذا التعريف إذا تأملت الاستعمالات اللغوية تجد أنه لا يصح في كل المقامات، وفي كل المواضع، بل بينهما فروق، ولهذا قال جماعة من أهل العلم: الإيمان تصديق خاص.

وأما في الاصطلاح الشرعي، أو في استعمال الكتاب والسنة، فإن من أهل العلم من قال: الإيمان التصديق، كما هو في اللغة، ومنهم من قال: إنه تصديق خاص، وبعضهم يقال: هو الإقرار المستلزم للإذعان والقبول، وهذا التعريف يشمل حقيقة الإيمان من حيث الأصل، ومن حيث الصفات والخلال والشعب.

وإذا تأملنا كلام السلف في تعريف الإيمان، وجدناه بياناً لحقيقته، وبيانا لمحله، فيقولون مثلا: الإيمان قول وعمل، ففهمنا أن الإيمان يكون بالقول ويكون بالعمل، وأصبح هذا التعريف شعاراً لأهل السنة من حيث الأصل، وإن كانت الألفاظ تتنوع، فلا تجد تعريفاً يخلو من ذكر مضمون هاتين الكلمتين.

والمقصود بالقول هنا: قول القلب وقول اللسان، وهل للقلب قول؟ نعم، القلب له قول، ولذلك كنا نقول في كل المواضع السابقة عندما يقول المؤلف ـ رحمه الله ـ: (وقل) إنه قول القلب وقول اللسان؛ لأن الإيمان مركب من القول والعمل، ولقائل أن يقول: إن القول عند الإطلاق لا يصدق إلا على ما تلفظ به اللسان؟ فالجواب: هذا الكلام صحيح، وهو المقصود عند الإطلاق، فقول اللسان هو الكلام، ولكن قول القلب هو اعتقاده وتصديقه.

وهل هناك في كلام السلف أو في كلام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما يدل على صدق إطلاق القول على ما يكون في القلب؟ الجواب: نعم، ففي الحديث في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ((إن الله عفا عن أمتي ما حدثت به أنفسها))صحيح البخاري (4864)فأضاف الحديث إلى النفس، والحديث معلوم أن معناه القول عندالإطلاق، لكن لما أضافه إلى النفس علم أنه ما يجول فيها من الخواطر والهواجس والوساوس.

وبهذا يتبين أن قول القلب إطلاق صحيح، ومعناه اعتقاد القلب وتصديقه، وأيضا يدخل في القول قول اللسان، وهو النطق بالشهادتين، والذكر وسائر ما يكون من الأقوال التي تصدر عن الإنسان.

وأما العمل، فالمراد به عمل الجوارح وعمل القلب، عمل الجوارح كالصلاة، والحج، والصوم، وسائر العمل الصالح الذي يكون بالبدن، وأما عمل القلب فهو المحبة والخوف والرجاء، وهذه أصول أعمال القلوب، وكذا التعظيم، الخشية، الإنابة، التوكل، كل هذه من أعمال القلوب، فالإيمان يشمل ما يكون في القلب من قول وعمل، وما يكون من اللسان من قول وفي البدن من عمل.

أيضا من أهل العلم من بسط في تعريف الإيمان فقال: الإيمان قول واعتقاد وعمل، وبعضهم يقول: قول ونية وعمل، هؤلاء بسطوا في تعريف الإيمان فزادوا الاعتقاد والنية، وسبب هذه الزيادة أنهم لم يعلموا القول مضافا إلى غير اللسان الذي يتكلم، فلذلك ذكروا الاعتقاد إشارة إلى إيمان القلب وإقراره، فأفردوه بكلمة اعتقاد، أو كلمة نية، إما لكون القول عندهم لا يشمل قول القلب، أو خشية أن يتوهم أحدهم أن القول هو قول اللسان فقط، ومنهم من يقول: الإيمان قول ونية وعمل واتباع سنة، وهذه الزيادة لا تخالف التعريف الأول؛ لأن هؤلاء لما ذكروا العمل قالوا: ليس كل عمل ينفع، إنما ينفع ما كان على هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ((من أحدث من أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))صحيح البخاري (2499).

ويتبين لنا من خلال هذا التنوع في تعريف الإيمان، أنه لا تضاد بينها ولا تصادم، فهو من باب اختلاف التنوع، وليس من باب التضاد، فالجميع يتفقون على أصول، لكن منهم من يرى أن البسط أبلغ في الإيضاح، وأجلى في بيان حقيقة الإيمان، ومنهم من يرى أن الاختصار يفي بالغرض، ولهذا قال المؤلف ـ رحمه الله ـ في تعريف الإيمان: (الإيمان قول ونية وفعل) المقصود بالفعل العمل، وهو يشمل عمل القلب وعمل الجوارح، وهذا سار فيه المؤلف على التوسط في العبارة.

وذكر النية لبيان أن العمل الذي تجرد عن النية لا ينفع صاحبه، فلابد من استحضارها في كل عمل ليكون عبادة وطاعة، كما في الصحيحين من حديث عمر: ((إنما الأعمال بالنيات))صحيح البخاري 1.

قال المؤلف ـ رحمه الله ـ: (على قول النبي مصرح) أي: أن هذا التعريف مستفاد من قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقوله: (مصرح) أي: صريح غير ملتبس، ظاهر غير خفي، بيّن لا غبش فيه، كل هذا تقرير لوضوح هذه القضية في تعريف الإيمان، فبعد أن قرر عقد أهل السنة والجماعة في معنى الإيمان، أشار للدليل على ذلك وهذا من أبرز ميزات هذا النظم، أنه يشير لأدلة ما تضمنه من مسائل في الغالب.

والأدلة في بيان شمول الإيمان للقلب واللسان والجوارح كثيرة، من أبرزها ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان))صحيح مسلم (51)، إذا تأملت هذا الحديث تجد أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بيّن خصال الإيمان وأن منها ما يكون في اللسان، ومنها ما يكون في القلب، ومنها ما يكون في الجوارح، والجميع لا بد فيه من عمل القلب، فعمل القلب هو الأصل، لكن الإيمان يصح إطلاقه على ما يكون من ظاهر العمل، فلذلك قال: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة)) أي: خصلة وخلّة، ((أعلاها قول لا إله إلا الله))وهذا يشمل قول اللسان، لكن هل هذا مجرد عن اعتقاد القلب؟ الجواب: هذه الكلمة لا تكون أعلى شعب الإيمان وأرفع خصاله إلا إذا طابق قول اللسان ما في القلب من اعتقاد، وإماطة الأذى عن الطريق من عمل الجوارح، إشارة إلى أنه من خلال الإيمان وشعبه، ثم قال: ((والحياء شعبة من شعب الإيمان))، والحياء عمل قلبي في الأصل، وله آثار تظهر في الجوارح، فدل هذا على أن الإيمان يشمل كل هذه الأمور: الاعتقاد الذي هو قول القلب، وقول اللسان، وعمل القلب وعمل الجوارح.

هذا الأصل الذي قرره المؤلف ـ رحمه الله ـ في حقيقة الإيمان، خالف فيه طوائف من الخوارج والمعتزلة والمرجئة، فمنهم من يغلو في إثبات هذه الصفات حتى ينفي الإيمان بالكلية عمن تخلف فيه شيء منها، ومنهم من يقول: الإيمان هو مجرد المعرفة، كما هو قول المرجئة.

بعد هذا يقول المؤلف ـ رحمه الله ـ في تقرير قضية ثانيةفي قضايا الإيمان قال:

(وينقص طورا بالمعاصي وتــارة      بطاعته ينمي وفي الوزن يرجـح) 

المؤلف ـ رحمه الله ـ ذكر في هذا حقيقة من حقائق الإيمان وهو أنه يزيد وينقص، وهذا من المسائل التي وقع فيها خلاف بين أهل السنة والجماعة، وبين غيرهم من الطوائف والفرق.

قوله: (وينقص طورا) الطور هو التارة والمرة، كما قال الله ـ تعالى ـ: ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراًنوح: 14أي: في مراحل ومرات.

قوله (بالمعاصي)أي: بسببها، فالباء هنا للسببية، والذنوب والمعاصي تنقسم إلى قسمين في الجملة: ترك ما يجب، وفعل محرم، سواء كان ذلك من الواجبات الظاهرة أو الباطنة، أو المحرمات الظاهرة أو المحرمات الباطنة، وبهذا يعلم أن المعاصي سبب لنقص الإيمان، وهذا لا يختلف فيه ذنب عن ذنب، ولا معصية عن معصية، بل جميع المعاصي والذنوب تنقص الإيمان، على تفاوت بينها في قدر ما تنقص، فكلما عظم الذنب كان نقص الإيمان أكبر، يشهد لهذا ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ((لايزني الزاني حين يزني وهو مؤمن))صحيح البخاري (5150)، وهذا يدل على عظيم ما يطرأ من النقص بسبب هذه السيئة.

ثم قال ـ رحمه الله ـ: (وتارة بطاعته) أي: بسبب الطاعة، والطاعة ضد المعصية، والمعصية تقدم أنها ترك واجب، أوفعل محرم، فالطاعة هي امثثال الأمر بفعل ما أمر وترك ما نهي.

وقوله:(ينمي) أي: يزيد، فالنمو هو الزيادة.

وزيادة الإيمان ونقصانه دلت عليه النصوص في الكتاب والسنة، وتواطأت عليها كلمات سلف الأمة، لا خلاف بينهم في زيادة الإيمان ونقصانه.

فمن أدلة زيادة الإيمان قوله ـ تعالى ـ: ﴿فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَالتوبة: 124، ومنه أيضا قوله ـ تعالى ـ: ﴿وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناًالمدثر: 31، و﴿زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْمحمد: 17، والآيات في هذا كثيرة.

فهذه أدلة على الزيادة، فما دليل النقصان؟ الجواب: أنه لا يمكن أن تكون زيادة إلا ويقابلها نقص، فكل دليل يدل على الزيادة فهو دال على النقص، ومما يدل على وقوع النقص في الإيمان بصراحة ووضوح، حديث أنس وغيره في الصحيحين في الشفاعة: ((أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال دينار من إيمان، ثم يقول: أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة، ثم يقول: أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ـ يعني وزن ـ خردلة))صحيح البخاري  (6956)، كل هذا دليل على زيادة الإيمان ونقصانه، فالذي في قلبه وزن دينار من الإيمان ليس كالذي في قلبه وزن ذرة من الإيمان.

ثم قال ـ رحمه الله ـ: (وفي الوزن يرجح)أي: وفي الوزن يرجح لطاعاته، و المقصود بالوزن الوزن يوم القيامة الذي تقدم الإشارة إليه عند ذكر المؤلف للإيمان بالميزان، قال الله ـ تعالى ـ: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّالأعراف: 8﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِالأنبياء: 47وهذا الوزن يرجح بالطاعات وبالحسنات.

وهذا الأصل خالف فيه الخوارج والمعتزلة والمرجئة، وسبب مخالفتهم اعتقادهم أن الإيمان كل لا يتجزأ، إما أن يثبت جميعه وإما أن يزول جميعه، فالوعيدية قالوا: لا يجتمع مع الإيمان معصية، والمرجئة الغلاة قالوا: لا يضر مع الإيمان معصية؛ لأن الإيمان أصل واحد، الناس فيه سواء، فلا يتفاضل الإيمان بين زيد وعمر، وبين الطائع والعاصي، فالإيمان واحد في قلوب الجميع، وهذا ضلال؛ لأن النصوص دلت على زيادة الإيمان ونقصانه، وتفاوته واختلاف حاله، وزيادة الإيمان تكون بما يقوم في القلب من علوم، وبما يقوم في البدن من أعمال صالحة، فكل عمل يزداد به الإيمان في القلب، وكل علم نافع يزداد به الإيمان في القلب، ولذلك لما ضلوا في هذا الأصل أصبح عندهم من وقع فيما يخالف الإيمان خارجا عن الإسلام، فكفر الخوارج أهل الكبائر والمعاصي بناء على أنه لا يمكن أن يبقى الإيمان، ففي الحديث ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن))، فقالوا: معنى هذا أنه لا إيمان في قلبه، وغفلوا عن النصوص الدالة على بقاء الشيء من الإيمان، فالإيمان المنفي هنا ليس هو الإيمان بالكلية، إنما الإيمان الذي يحصل به الحجز عن السيئة والمعصية.

ولذلك لما أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبا ذر بفضل لا إله إلا الله، قال أبوذر: ((يا رسول الله: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق)) فدل هذا على أنه لم يرتفع عنه الإيمان بالكلية، ولذلك الزاني حال زناه لا يوصف أنه كافر، بل هو مسلم، ولكنه ناقص الإيمان، وبهذا يعلم أن هذه النصوص لابد أن تجمع حتى يعلم ما تدل عليه، وألا يقتصر على نص ويعمى عن النصوص الأخرى؛ فإن هذا من أسباب الضلال في الاعتقاد والعمل.

ثم قال ـ رحمه الله ـ: (ودع عنك آراء الرجال وقولهم) هذه وصية يمكن أن تتصل بالإيمان، ويمكن أن نقول: هي وصية بجميع ما تقدم من الأصول والعقائد، التي اتفق عليها أهل السنة والجماعة، فيقول: إن ما عدا ما تقدم فهو من آراء الرجال وأقوالهم، فدعك منها، وأعرض عنها، ولا تدن بها؛ فإن وَدْعَ الشيء هو تركه والإعراض عنه.

وقوله:(ودع عنك آراء الرجال)أي: ما يقوله الرجال بعقولهم في هذه المسائل والأصول؛ فإن هذه الأصول إنما تتلقى من الكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة، فمن ترك هذه الأصول فإنه ضال منحرف، ﴿فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِالأنعام: 125،وكذلك﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍالشورى: 52، فالله ـ تعالى ـ أخبر عن رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهذه الأخبار الدالة على ما ذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ من أن قول رسول الله (أزكى وأشرح)، فهو أطهر وأطيب للقلب والنفس وأشرح للقلب، من قول غيرهم، ولذلك تطيب القلوب بكلام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتضيق وتتكدر بأقوال غيره.     

وقوله: (فقول رسول الله أزكى وأشرح) تعليل لقوله: (ودع عنك أراء الرجال وقولهم).

قوله: (ولا تك من قوم تلهوا بدينهم) لم يسم فئة من الناس؛ لأن هذا الوصف يشمل كل من انحرف عن صراط الله المستقيم، فليس الشأن في الأسماء، إنما الشأن في العمل، ولذلك ذكر عملهم.

قال: (تلهوا بدينهم) أي: جعلوا دينهم لهوا،كما قال ـ سبحانه ـ:﴿اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباًالأعراف: 51، واللهو هو الباطل، وضد الحق، فهؤلاء اشتغلوا بما لا ينفعهم، وأعرضوا عما فيه زكاتهم وصلاحهم، وأخذوا بقول كل قائل، وجهعلوا دينهم محلا للمناظرات والمناقشات، فنهى المؤلف عن سلوك طريقهم، أو الانضمام إليهم؛ لأن نتيجة التلهي في الدين قول المؤلف: (فتطعن في أهل الحديث وتقدح) فثمرة اللهو في الدين، ومآل هذا السبيل، هو الطعن فيمن هم أهل للقدوة والأسوة، وفيمن زكاهم الله ورسوله.

وقوله: (فتطعن) الطعن هو الذم، والوصف بالنقص.

وقوله: (في أهل الحديث) يعني أهل السنة، وإنما نسبوا إلى الحديث دون القرآن؛ لأن القرآن ينتسب إليه كل أحد، فجميع الفرق تنتسب إلى القرآن، لكن المميز في صدق النسبة إلى القرآن العمل بالسنة، وذلك أن السنة هي الترجمة والبيان والإيضاح للقرآن، قال الله ـ تعالى ـ: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ النحل: 44، وأمر الله بأخذ ما جاء عن الرسول فقال: ﴿ومَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا الحشر: 7، فكل من أعرض عنها فقد أعرض عن القرآن.

وقوله: (وتقدح) أي: وتذم، وهذا يشمل كل تنقص وعيب لمن التزم الكتاب والسنة، وهؤلاء المنحرفون عن السنة طعنوا في أهل السنة، وقدحوا فيهم بألوان من القدح، فجهلوهم، ووصفوهم بأوصاف رديئة، وغلا بعضهم فكفرهم.

ثم قال بعد أن فرغ من هذا النظم الماتع: (إذا ما اعتقدت يا صاح هذه) أي: عقدت قلبك على ما تضمنته هذه المنظومة، وقوله: (ياصاح) أي: يا صاحبي، (فأنت على خير تبيت وتصبح) أي: فقد سلم لك دينك، وكنت على خير حال صباحا ومساء، وهذا فيه تزكية لما تضمنت هذه العقيدة، وأن بها الطمأنينة والسعادة، والانشراح والبهجة، قال الله ـ تعالى ـ:﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَالأنعام: 82، فالأمن والاهتداء يأتيان بكمال الالتزام بالكتاب والسنة، فبقدر ما يكون مع الإنسان من الالتزام قولا وعملا وعقدا ومنهجا بكلام الله ـ تعالى ـ وكلام رسوله، يفوز ويربح، ويكون على هذا الوصف الذي ذكره المؤلف رحمه الله: (فأنت على خير  تبيت وتصبح).

وفي بعض النسخ زيادة: (هذا قولي وقول أبي) أي: صاحب السنن(وقول أحمد بن حنبل، وقول من أدركنا من أهل العلم) يعني هذه ليست عقيدة خاصة، إنما هي عقيدة الأئمة من علماء عصره، وذكر الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ على وجه الخصوص؛ لأنه إمام أهل السنة الذي دانت له القلوب بالفضل، وأقرت له بالسابقة، بما يسر الله ـ تعالى ـ له من الذب عن القرآن والسنة واعتقاد سلف الأمة.

قال: (وقول من أدركنا من أهل العلم ومن لم ندرك ممن بلغنا عنه) إذا هذا قول العلماء والأئمة ممن أدركهم وممن لم يدركهم، من أدركهم بالتلقي ومن لم يدركهم بالسماع والنقل، ولذلك قال: (ممن بلغنا عنه).

ثم قال: ( ومن قال غير هذا فقد كذب) أي: أخطأ، فالكذب يطلق على الخطأ وعدم مطابقة الصواب، والخطأ إما أن يكون عن عمد، وإما أن يكون عن جهل، وكلاهما مذموم، لكن لا شك أن الخطأ المتعمد أعظم إثما، وأكبر وزرا.

قال: (وبهذا تمت هذه المنظومة) وبهذا يكون قد انتهى هذا النظم المبارك، الذي تضمن أصول أهل السنة والجماعة، وجملة من عقائدهم المتعلقة بالإيمان بالله، والإيمان بكتبه، والإيمان بالملائكة، والإيمان بالرسل، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره.

نسأل الله العظيم رب العرش العظيم، أن يغفر للشيخ عبد الله بن أبي داوود السجستاني، وأن يعلي درجته في المهديين، وأن ينفعنا بما قرأنا في هذ النظم، كما نسأل الله ـ تعالى ـ أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعل ما تعلمناه حجة لنا لا حجة علينا، ويرفع به الدرجات ويحط به السيئات، وأن يقر به القلوب وتصلح به الأعمال، ونسأل الله ـ تعالى ـ القبول، والله ـ تعالى ـ أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91575 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87262 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف