×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / العقيدة / تجريد التوحيد المفيد / الدرس (4) من شرح كتاب تجريد التوحيد المفيد للمقريزي

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:233

الدرس (4) من شرح كتاب تجريد التوحيد المفيد للمقريزي

ثم قال -رحمه الله-:

[المتن]

وهاتان السورتان أعظم عوذة في القرآن، وجاءت الاستعاذة بهما وقت الحاجة إلى ذلك، وهو حين سُحر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله، وأقام على ذلك أربعين يوما كما في الصحيح،[البخاري: كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، حديث رقم (3268).

    مسلم: كتاب السلام، باب السحر، حديث رقم (2189).

دون الزيادة (وأقام على ذلك أربعين يوما) فهي ليست في الصحيح وهي ضعيفة.] وكانت عقد السحر إحدى عشرة عقدة، فأنزل الله المعوذتين إحدى عشرة آية فانحلت بكل آية عقدة.[قال الشيخ علي الحلبي في تحقيقه لتجريد التوحيد: أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس، والبيهقي في الدلائل عن عائشة، وعبد بن حميد في مسنده عن زيد بن أسلم مرسلا بألفاظ مختلفة، كما في الدر المنثور (8/687) فعلّه حسن بمجموعها، والله أعلم.]

[الشرح]

يقول: (وهاتانالسورتان) هـٰذا نوع استطراد؛ لكن هـٰذا فيه بيان عظيم ما يحصّله الإنسان بتحقيق التوحيد، إذن فائدة هـٰذا الكلام هو بيان ثمرة التوحيد، وأن من حقق التوحيد فإنه يفوز بصيانة الله تعالى وحفظه وعصمته وعنايته -جلَّ وعلا-.

يقول -رحمه الله-: (وهاتانالسورتان) والمشار إليهما سورة الفلق وسورة الناس (أعظم عوذة في القرآن) أعظم رقية في القرآن، أعظم رقية في الوقاية وفي الرفع؛ لأن الرقية تستعمل في دفع البلاء قبل نزوله، وتستعمل في الرفع بعد النزول، من الرقية التي تستعمل في الدفع ما سنه رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما في الصحيحين من قراءة الإخلاص والمعوذتين والنفث في اليد ومسح ما استطاع من جسده، فإن هـٰذا من الرقية التي يتوقى بها الإنسان الشر قبل وقوعه، ومن الرفع ما أخبر به المؤلف -رحمه الله- ما ذكره المؤلف -رحمه الله- من استعمال النبي-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهاتين السورتين في رفع السحر الذي نزل به.

يقول -رحمه الله-: (وهاتان السورتان أعظم عوذة في القرآن) أعظم ما يستعاذ به في القرآن، والاستعاذة قلنا أو الرقية تكون في أمرين ما هما؟ الاستعاذة تكون في أمرين؛ الرقية تكون في أمرين للدفع والوقاية، والرفع بعد نزول البلاء.

يقول: (وجاءت الاستعاذة بهما وقت الحاجة إلى ذلك) أي جاء بها الوحي وقت الحاجة إلى هو (وهو حين سحر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخيِّل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله، وأقام على ذلك أربعين يوما، كما في الصحيح) نزول هاتين السورتين ليس مقترنا بحادثة سحر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فالظاهر أن هـٰذه السورة نزلت قبل ذلك، روى الإمام مسلم في صحيحه من طريق بيان بن بشر عن قيس ابن أبي حازم عن عقبة بن عامر أن النبي-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((ألم تر آيات أنزلت إلي أو علي الليلة لم ير مثلهن))،[مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب قراءة المعوذتين، حديث رقم (814).] ((لم ير مثلهن))؛ أي في النفع وحصول الصيانة والوقاية من الشرور (قل أعوذ برب الفلق)، (قل أعوذ برب الناس)، فالظاهر أن نزول هـٰذه السورة متقدم؛ ولكن تجدد نزولها برقية النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما سحر.

يقول: (وهو حين سحر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهـٰذا فيه إثبات سحر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سحر، وهـٰذا أمر دلت عليه السنة كما في الصحيحين من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْها- أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سحر حتى خيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله، وهـٰذا لا يقدح في نبوته، فإن ذلك فيما يتعلق بالمعاش، فكان يرى أتى أهله ولم يكن فعل ذلك.

تقول عائشة: ثم إنه جاء ذات يوم ودعا ودعا؛ أي أطال في الدعاء، ثم قال: ((أشعرت أن الله قد أفتاني فيما فيه شفائي، فقد جاءني رجلان أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، فقال أحدهما للآخر: ما بال الرّجل؟ فقال: قال مطبوب. أو قال: ما طب الرجل؟ قال: مطبوب)) يعني مسحور ((قال: من طبه؟)) أي من سحره؟ ((قال الآخر: لبيد بن الأعصم)) ثم بيّن موضع سحر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم قرأ عليه المعوذتين فشفي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورفع الله ما نزل به من السحر هـٰذا في الصحيحين.[البخاري: كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، حديث رقم (3268).

مسلم: كتاب السلام، باب السحر، حديث رقم (2189).]

وقد أنكر جماعة من أهل العلم سحر النبي-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقالوا: إنه يعارض قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ[سورة: المائدة، الآية (67).]فكونه يسحر فهـٰذا يعارض العصمة؛ لكن الجواب على هـٰذا أن العصمة التي وعد بها هو وصول الشر المستقر إلي النبي-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والعصمة فيما يتعلق بالقتل والصد عن تبليغ الشريعة فإن الله عز وجل مكّنه حتى أظهره ،كما قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)[سورة: التوبة، الآية (33).] فالله -جلَّ وعلا- حقق وعده وعصم رسوله، فلم يتمكن أحد من صده عن تبليغ رسالة الله تعالى، وما أصابه إنما عارض كسائر البشر كما قال النبي-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((إنما أنا بشر أنسى كما تنسون))[البخاري: كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان، حديث رقم (401).

مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له، حديث رقم (572).] وذكره للنسيان صورة من صور ما يعتري البشرية، وإلا فجميع ما يجري على البشر من العوارض يصيبه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن ذلك السحر؛ لكن الله -جلَّ وعلا- وقاه فلم يكن السحر يتطرق لشيء يتعلق بالوحي؛ بل إنه لن يتبين لكثير من الناس لقصر مدّته وعدم ظهور أثره، ولذلك لم يحدث بذلك إلا عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْها- لم يحدث بسحر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا عائشة، ولم يلاحظه الصحابة ولم يعرفوه ولم يظهر عليه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

المؤلف يقول: (وأقام على ذلك أربعين يوما كما في الصحيح) ليس في الصحيح أن السحر استمر أربعين يوما،إنما جاء ذلك في بعض طرق الحديث في غير الصحيحين، وفي بعضها أنه استمر ستة أشهر كما في مسند الإمام أحمد، وليس هنالك ما يسار إليه في تحديد مدة سحر النبي-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهاتان الروايتان ضعيفتان؛ لكن على القول بثبوتهما كما قاله جماعة من أهل العلم الجمع بينهما يكون اشتداد السحر أربعين يوم ومدته ستة أشهر، فتكون مدة الشدة أربعين يوما، وإما المدة التي استمر فيا السحر ستة أشهر، هـٰذا على ثبوت هـٰذه الرّوايات، وإلا فالذي يظهر أن سحره -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يدم طويلا إنما كان أياما قليلة ولذلك لم يحفظه أحد إلا عائشة، ولم ينقله أحد سواها، ولم يلاحظ ذلك أحد من الصحابة.

يقول: (وكانت عقد السحر إحدى عشرة عقدة) هـٰذا ليس فيه شيء ثابت إنما هو من الأخبار التي في السير، ولا يثبت في ذلك شيء (فأنزل الله المعوذتين إحدى عشرة آية، فانحلت بكل آية عقدة) فرفع الله تعالى ما حل بنبيه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من السحر.

قال -رحمه الله-:

[المتن]

وتعلقت الاستعاذة في أوائل القرآن باسمه الإلـٰه، وهو المعبود وحده لاجتماع صفات الكمال فيه ومناجاة العبد لهٰذا الإلـٰه الكامل ذي الأسماء الحسنى والصفات العليا، المرغوب إليه في أن يعيذ عبده الذي يناجيه بكلامه من الشّيطان الحائل بينه وبين مناجاة ربه.

ثم انسحب التعلق باسم الإلـٰه في جميع المواطن الذي يقال فيها: ((أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)) لأنّ اسم الله هو الغاية للأسماء.

ولهٰذا كان كل اسم بعده لا يَتعرّف إلا به، فنقول: الله هو السلام المؤمن المهيمن، فالجلالة تُعَرِّفُ غيرها، وغيرها لا يُعَرِّفُها.

[الشرح]

طيب يقول -رحمه الله-: (وتعلّقت الاستعاذة في أوائل القرآن باسمه الإلـٰه) مقصود (في أوائل القرآن) أي في أوائل قراءة القرآن، وأيضا في المواطن التي أمر أن يستعيذ فيها بالله تعالى، كقوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ[سورة: النحل، الآية (98).] ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ[سورة: الأعراف، الآية (200).] فهـٰذه المواطن التي أمر الله تعالى فيها بالاستعاذة جاءت الاستعاذة فيها بأي اسم؟ بالله المشتق من الإله ذكرنا هـٰذا عن سيبويه وجمهور أصحابه، وأنه ما خلف في ذلك إلا من شذ قالوا: إن الله اسم جامد، لفظ الجلالة الله اسم جامد لفظ الجلالة الله اسم جامد، والصحيح أنه مشتق من الإله ولا إشكال في هـٰذا، لا يترتب على هـٰذا، لا إشكال في الاعتقاد، ولا إشكال في اللغة.

يقول -رحمه الله-: (وتعلقت الاستعاذة في أوائل القرآن باسمه) يعني عند الاستعاذة بالله في القرآن أو عند الأمر بها، وهو المعبود (باسمه الإلـٰه، وهو المعبود وحده لاجتماع صفات الكمال فيه) أي لاجتماع صفات العظمة والعلو والكبرياء فيه -جلَّ وعلا-، ما معنى (اجتماع صفات الكمال فيه)؟ جميع صفات الكمال ونعوت الجلال تعود إلى هـٰذا الاسم، ولذلك قال جماعة من أهل العلم: إن الاسم الأعظم هو الله؛ لأنه يدل على غيره، وسيأتي في كلام المؤلف أيضا تعليلات لهـٰذا.

يقول: (ومناجاة العبد لهٰذا الإلـٰه الكامل ذي الأسماء الحسنى) يعني صاحب الأسماء الحسنى (والصفات العليا، المرغوب إليه في أن يعيذ عبده الذي يناجيه بكلامه من الشّيطان الحائل بينه وبين مناجاة ربه) إذن مناجاة العبد لهـٰذا الإله الكامل تعلقت بهـٰذا الاسم لأنه الذي يحصل به الوقاية من سوء وشر هـٰذا العدو المرصد، يقول -رحمه الله-: (ثم انسحب التعلق باسم الإلـٰه في جميع المواطن) يعني في جميع مواطن الاستعاذة فإنه تذكر الاستعاذة باسم الله، باسم الإله -جلَّ وعلا- (في جميع المواطن الذي يقال فيها: ((أعوذ بالله من الشيطان الرجيم))) عاد وعلل قال: (لأنّ اسم الله هو الغاية للأسماء) يعني للمنتهى، فجميع الأسماء يعني دلالات أسماء  الله تعالى دلالات الاسم ثلاثة: دلالة مطابقة أول شيء، ودلالة تضمن، ودلالة التزام، الدلالات هـٰذه معروفة؟

دلالة المطابقة هي دلالة الشيء على جميع ما يدل عليه، على معناه المطابق، فالله يدل على الإلهية، دلالة الله على معنى الإلهية إيش نوع الدلالة؟ دلالة مطابقة، دلالته على بعض ما يتضمنه هـٰذا الوصف تسمى دلالة تضمن، فدلالته على أنه رب العالمين، أنه الملك، أنه الرحمـٰن، أنه الخالق، الرّازق، أنه المحي المميت، أنه النافع الضار، كل هـٰذه دلالة إيش؟ دلالة تضمن؛ لأن هـٰذه بعض دلالات هـٰذا الاسم.

دلالة التزام وهو ما يثبت بثبوت هـٰذا المعنى، الالتزام وهو ما يثبت بثبوت المعنى، أمثل بمثال يمكن يتضح أكثر، ثم ننتقل إلى دلالة التزام فيما يتعلق بأسماء الله تعالى.

البيت دلالة البيت على الغرف والممرات والصالات والأبواب والنوافذ دلالة إيش؟ دلالة البيت على جميع أجزائه، دلالة مطابقة.

إذا قلت: هـٰذا بيت، هـٰذا يدل على أن البيت له باب، أليس كذلك؟ وأن فيه حجرا، تمام؟ دلالته على هـٰذه الأشياء دلالات تضمن، على بعض أجزائه دلالة تضمن.

دلالة على أن هـٰذا البيت لا بد له من أرض يبنى عليها؟ التزام لا يمكن أن يكون بيت في الهواء؛ بل لابد أن يكون البيت على أرض، فهـٰذه دلالة التزام.

هـٰذا الدلالات الثلاثة لفظ الجلالة؛ اسم الله تعالى الله يدل على جميع الأسماء  إما  بدلالة المطابقة وإما بدلالة التضمن، وإما بدلالة الالتزام، واضح.

ولذلك يقول المؤلف -رحمه الله-: (لأنّ اسم الله هو الغاية للأسماء) المنتهى للأسماء، فيمكن أن تستدل باسم الله على جميع أسماء الله تعالى، فتستدل على علمه بأنه الله، تستدل على حلمه بأنه الله، تستدل على رحمته بأنه الله، تستدل على خلقه بأنه الله، هـٰذا معنى قوله -رحمه الله-: (لأنّ اسم الله هو الغاية) يعني المنتهى (ولهـٰذا كان كل اسم بعده لا يتعرّف إلا به) ما يمكن أن تعرف غير الله بالله، فلا تقول: الرحمـٰن هو الله، إنما تقول: الله هو الرحمـٰن. وهـٰذا معني قوله -رحمه الله-: (ولهٰذا كان كل اسم بعده لا يَتعرّف إلا به، فنقول: الله هو السلام المؤمن المهيمن، فالجلالة تُعَرِّفُ غيرها، وغيرها لا يُعَرِّفُها) فلا يقال: الرحمـٰن الرحيم هو الله، إنما يقال: الله هو الرحمـٰن الرحيم، وإذا نظرت إلى ذكر هـٰذا الاسم مع الأسماء في القرآن تجد أن الأسماء تأتي تابعة كما قال الله تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22)[سورة: الحشر، الآية (22).] إلى آخر ما ذكر الله تعالى في هـٰذه الأسماء والصفات التابعة لهـٰذا الاسم العظيم، وكذلك قال الله -جلَّ وعلا- في سورة غافر: ﴿حم (1) تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنبوَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ[سورة: غافر، الآيات (01-02).]كل هـٰذه تابعة للاسم، وحيثما نظرت في كلام الله تعالى وجدت أن الله هو المقدم وغيره تابع ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مَٰلِكِ يَوْمِ الدِّينِ[سورة: الفاتحة، الآيات (02-04).] كلها تابعة، وهـٰذا معنى قوله -رحمه الله-: (فالجلالة) أي اسم الجلالة اسم الله الأعظم اسم الله (الله)-جلَّ وعلا- لفظ (الجلالة  تعرف غيرها وغيرها لا تعرفها).

إذن خلاصة هـٰذا نعود إلى ما نحن فيه من دراسة هـٰذا الكتاب الذي هو التوحيد، ما صلة هـٰذا الكلام بالتوحيد؟

أن توحيد الإلهية يحصل لكل من حقق الربوبية  وتوحيد الأسماء والصفات، يمكن أن نقول: توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات يستلزمان أنه الإله المستحق للعبادة.

ثم يقول -رحمه الله-:

[المتن]

والذين أشركوا به تَعَالىٰ في الربوبية منهم من أثبت معه خالقاً آخر، وإن لم يقولوا: إنه إلـٰه مكافئ له. وهم المشركون ومن ضاهاهم من القدرية.

[الشرح]

هـٰذا الكلام الحقيقة المؤلف -رحمه الله- قد يقدِّم ويؤخر ويكرر بعض الكلام تأكيدا للمعنى، الآن المؤلف عاد إلى ذكر شرك الذين أشركوا في الربوبية، الشرك في الربوبية سيأتي له كلام مفصل وطويل في كلام المؤلف -رحمه الله- حيث قال: (وشرك الأمم كله نوعان: شرك في الإلهية، وشرك في الربوبية.) لكن المؤلف توطئة لهـٰذا التقسيم  ذكر نوعي الشرك، فيما تقدم ذكر شرك الإلهية.

الآن أشار إلى الشرك في الربوبية قال: (والذين أشركوا به تعالى في الربوبية) والربوبية هي إفراد الله تعالى بالخلق والملك والرزق والتدبير، الذين أشركوا بالله تعالى في شيء من هـٰذه الأمور (منهم من أثبت معه خالقا آخر)وهم الثانوية المجوسية الذين قالوا: إلـٰه النور و إلـٰه الظلمة؛ لكن هؤلاء يقول: (وإن لم يقولوا إنه مكافئ له) يعني ليس مساويا له، فعلم أنّ الشّرك في الرّبوبية وهـٰذه مسألة سيأتي تقريرها،ليس هناك من يقول: إن للعالم خالقين متكافئين في الصفات والأفعال وما يجب له، ليس هناك أحد يسوي هـٰذه التسوية في الربوبية مطلقا، وسيأتي تقرير هـٰذا وتبيينه في كلام المؤلف -رحمه الله-؛ لكن هنا أشار أنه من الذين أشركوا في الربوبية من جعل معه خالقا آخر؛ لكنهم يقول: (وإن لم يقولوا: إنه إلـٰه مكافئ له. وهم المشركون ومن ضاهاهم من القدرية.) المشركون المجوسية؛ المجوس الذين يعبدون إلـٰه الظلمة وإلـٰه النور، وإن كانوا جعلوا إلـٰه النور هو المحمود المحبوب، وذاك المذموم المكروه، قال: (ومن ضاهاهم من القدرية) أي من شابههم، والقدرية هنا هم الذين أخرجوا أفعال العباد عن خلق الله تعالى، فجعلوا العباد يخلقون أفعالهم كما سيأتي.

الآن نقل المؤلف -رحمه الله- نقلا عن ابن القيم  من كتاب مدارج السالكين قال: (وربوبيته سبحانهللعالم الربوبية الكاملة المطلقة  الشاملة تبطل أقوالهم) أي: ربوبية الله تعالى العامة التي دل عليها قول الله تعالى: ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[سورة: الفاتحة، الآية (02).]  هـٰذه الربوبية تبطل ما يقوله هؤلاء من أن هناك ربا سواه يخلق.

[المتن]

وربوبيته سبحانه للعالم الربوبية الكاملة المطلقة الشاملة تبطل أقوالهم؛ لأنها تقتضي ربوبيته لجميع ما فيه من الذوات والصفات والحركات والأفعال، وحقيقة قول القدرية المجوسية أنه تعالى ليس ربا لأفعال الحيوان ولا تتناولها ربوبيته؛ إذ كيف يتناول ما لا يدخل تحت قدرته ومشيئته وخلقه.

[الشرح]

 يقول: (والذين أشركوا به تَعَالىٰ في الربوبية منهم من أثبت معه خالقاً آخر، وإن لم يقولوا: إنه إلـٰه مكافئ له. وهم المشركون ومن ضاهاهم) أي: شابههم ووافقهم (من القدرية.) وهم الذين قالوا بأن الله لا يخلق أفعال العباد، يقول -رحمه الله- في بيان بطلان قول هؤلاء الشذاذ الذين أثبتوا مع الله خالقا آخر قال: (وربوبيته سبحانه للعالم الربوبية الكاملة المطلقة الشاملة) التي دل عليها قول الله تعالى: ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾التي دل عليها قول الله تعالى ﴿اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ[سورة: الرعد، الآية (16).] والتي دل عليها قول الله تعالى: ﴿إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَٰوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا[سورة: مريم، الآية (93).] والتي دل عليها قول الله تعالى: ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ[سورة: يونس، الآية (31).]والآيات في هـٰذا كثيرة جدا، الدالة على ربوبيته العامة الشاملة، وهي قيامه بمصالح الخلق، وأنه قائم على الخلق بما يصلحهم خلقا وملكا ورزقا وتدبيرا، هـٰذه الربوبية الشاملة الكاملة المطلقة تبطل أقوال من جعلوا مع الله خالقا آخر، وإن كان هـٰذا الخالق جعلوه دون الله -جل وعلا-؛ لكن هـٰذه الربوبية تبطل وتبين أنه لا خالق إلا الله -جل وعلا-، فلا يخلق إلا هو -جل وعلا- كما أنه لا يرزق إلا هو، ولا يملك إلا هو، ولا يدبر إلا هو -جل وعلا-.

كيف تبطل قال: (لأنها تقتضي ربوبيته لجميع ما فيه) أي ما في الكون، ما في العالم (من الذوات والصفات والحركات والأفعال) الذوات والصفات والحركات والأفعال؛ يعني الأعيان وما يصدر عنها، فالأعيان الذوات والصفات، وما يصدر عنها الحركات والأفعال، فجميع ما في الكون ما في العالم هو مخلوق لله -جل وعلا-، عينه أي عين هـٰذا الشيء وصفاته وما يصدر عنه، فجميعه مخلوق لله تعالى.

ثم لما ذكر القدرية أراد أن يبين كيف كان القدرية يشابهون المشركين في أنهم أثبتوا مع الله خالقا آخر، قال: (وحقيقة قول القدرية المجوسية) وهم الذين قالوا: إن الأمر أُنُفْ، وأنه لم يسبق خلق من الله ولا مشيئة لأفعال العباد؛ بل لا يقدر الله -جل وعلا- على أفعال العباد من الملائكة والجن والإنس والبهائم، فلا يقدر على طاعة الطائعين ولا على معصية العاصين، هؤلاء هم القدرية المجوسية، وجه كونهم شابهوا المشركين، أنهم قالوا: (أنه تعالى ليس ربّا لأفعال الحيوان)؛ أي ليس خالقاً لأفعال الحيوان؛ يعني كل الأحياء (ولا تناولتها ربوبيته) ولا تدخل تحت أنها مربوبة له (إذ كيف يتناول ما لا يدخل تحت قدرته ومشيئته وخلقه) فهو -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- على زعمهم لم يَخْلُقْ أفعال العباد وهي خارجة عن ملكه فليست ملكاً له ولا خلقاً له، ولا يقدر عليها، وهـٰذا تكذيب لما دلَّ عليه القرآن من أنه خالق كل شيء -جلَّ وعلا-، فقول هؤلاء يتضمّن جحد قدرة الله تعالى التامة، كما يتضمن جحد مشيئته -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- النافذة.

فقول القدرية فيه آفتان جحد القدرة التامة، وجحد المشيئة النافذة.

ثم بعد هـٰذا سيأتي تفصيل لهـٰذا في كلام المؤلف في شرك الربوبية، بعد هـٰذا الإجمال في أنواع الشرك أتى المؤلف -رحمه الله- لبيان نوعا الشرك قال -رحمه الله-:

[المتن]

 وشرك الأمم كله نوعان: شرك في الإلهية، وشرك في الربوبية..

فالشرك في الإلهية والعبادة هو الغالب على أهل الإشراك، وهو شرك عُبّاد الأصنام وعُبّاد الملائكة وعُبّاد الجن وعُبّاد المشايخ والصالحين الأحياء والأموات الذين قالوا: إنمَا نَعْبُدُهُمْ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى،ويشفعوا لنا عنده، وينالنا بسبب قربهم من الله وكرامته لهم قرب وكرامة، كما هو المعهود في الدنيا من حصول الكرامة والزلفى لمن يخدم أعوان الملك وأقاربه وخاصته.

والكتب الإلهية كلها من أولها إلى آخرها تُبطل هٰذا المذهب، وترده وتقبّح أهله وتنص على أنهم أعداء الله تعالى، وجميع الرّسل صلوات الله عليهم متّفقون على ذلك من أولهم إلى آخرهم، وما أهلك الله تَعَالىٰ من أهلك من الأمم إلا بسبب هٰذا الشرك ومن أجله.

[الشرح]

يقول -رحمه الله-: (وشرك الأمم كله نوعان) أي الشرك كله على تنوع أصنافه ومراتبه درجاته ويرجع إلى نوعين (شرك في الإلهية) أي: شرك واقع في إلهية الله تعالى؛ يعني في استحقاقه للعبادة (وشرك في الربوبية) أي: في أنه الخالق المالك الرازق المدبر، يقول -رحمه الله-: (فالشرك في الإلهية والعبادة هو الغالب على أهل الإشراك) هـٰذا النوع من الشرك وهو الشرك في الإلهية، الشرك في العبادة هو الغالب المنتشر الشائع في من وقع في الشرك من الناس، وتعريف هـٰذا الشرك هـٰذا النوع من الشرك تعريفه أن يُجعل لله تعالى نِدًّا في عبادته، أو أن يجعل لله تعالى نِدّا في عبادته، أو أن يجعل لله تعالى نِدّا في عبادته أو محبته أو خوفه أو رجائه أو الإنابة إليه، فإن من جعل لله مثيلاً في شيء من ذلك فإنه قد وقع في الشرك.

وقد تقدم تعريف الشرك في أول الدروس، وذكرنا أنه تسوية الخالق للمخلوق أو المخلوق بالخالق، وهـٰذا هو المعني الذي يدور عليه الشرك، مهما يعني غيرت في العبارة ونوعت  في تعريف الشرك فإنه يدور على التسوية، كما سيأتي تقريره في كلام المؤلف -رحمه الله-؛ لكن من التعاريف المشهورة في تعريف الشرك في الإلهية، أنه أن يتخذ مع الله تعالى ندّ، وهو الذي ذكره الله تعالى في قوله تعالى: ﴿فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (22)[سورة: البقرة، الآية (22).]

فلذلك عرّفه بعض أهل العلم  بأنه يجعل لله نِدًّا في عبادته، وفصّل أنواعا من العبادة تمثل أصول العبادة في المحبة والخوف والرجاء والإنابة.

قال -رحمه الله-: (فالشرك في الإلهية والعبادة هو الغالب على أهل الإشراك، وهو شرك عُبّاد الأصنام) يعني هو الشرك الذي وقع من عُبَّاد الأصنام الذين يطوفون حولها، ويذبحون لها، ويسجدون لها وينذرون عندها (وعُبّاد الملائكة وعُبّاد الجن وعُبّاد المشايخ والصالحين الأحياء والأموات) إذًا استوى في هـٰذا الشرك عبادة الملائكة مع عبادة الأصنام والأحجار، فالجميع كله شرك، وإن كان هـٰذا الشرك متفاوتا في القبح والسوء؛ لكن يتفق في أنه قبيح كله، وأنه يدخل في قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾.[سورة: لقمان، الآية (13).]

قال -رحمه الله-: (الذين قالوا: إنمَا نَعْبُدُهُمْ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) هـٰذا بيان أن الذين قالوا هـٰذه المقولة منهم من عبد الملائكة، ومنهم من عبد الجن، ومنهم من عبد الأنبياء والأولياء والصالحين، ومنهم من عبد الأصنام، ومنهم من عبد الأموات، فلم يكونوا على شرك واحد، أو على طريقة واحدة في الشرك؛ بل كانوا على طرائق وسبل مختلفة في الشرك، وإن كانوا يتفقون في كونهم صرفوا العبادة لغير الله تعالى، فهؤلاء كلهم مشركون، وهم داخلون في قول الله تعالى لما ذكر شرك المشركين وحجتهم فيما أشركوا به مع الله تعالى، قال تعالى في حكاية قولهم في خبر قولهم: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى[سورة: الزمر، الآية (03).] ولذلك قال: (الذين قالوا: إنمَا نَعْبُدُهُمْ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) وهـٰذه حجتهم التي استندوا إليها في تسويغ الشرك وتبريره، ومعنى قولهم: (لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) أي: يقربونا إليه منزلة كما قال قتادة، وقال غيره: الزلفى هي الخطوة.

وعلى كل حال سواء فسرت بهـٰذا أوفسرت بهـٰذا، المعنى أنهم اتخذوهم وسيلة ليدخلوا بها على الله تعالى، وهم في هـٰذا ضالون معرضون عن قول الله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾[سورة: البقرة، الآية (186).].

قال -رحمه الله-: (ويشفعوا لنا عنده، وينالنا بسبب قربهم من الله وكرامته لهم قرب وكرامة) هـٰذا كله من بيان ما يحتج به هؤلاء في تسويغ الشرك الذي يقعون فيه، كما هو المعهود في الدنيا.

إذًا كان المشكلة هو القياس، وهو تسوية الله تعالى بغيره، تشبيه الله تعالى بالمخلوق، فلما كان ملوك الدنيا وكبراؤها لا يُدْخَل عليهم إلا بشفعاء، ولا يُوصَل إلى ما عندهم في الغالب إلا بِوُسَطَاء جعل هؤلاء الله تعالى كهؤلاء، فجعلوا أنه لا يُدخل عليه، ولا يُنَال ما عنده من هبات وعطايا إلا بالوسائط والشفعاء، ولذلك قال: (كما هو المعهود في الدنيا من حصول الكرامة والزلفى لمن يخدم أعوان الملك وأقاربه وخاصته).

يقول -رحمه الله-: (والكتب الإلهية كلها من أولها إلى آخرها تُبطل هٰذا المذهب وترده) لأن جميع الرسل جاءوا بالأمر بعبادة الله وحده، كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ[سورة: الأنبياء، الآية (25).] وكما قال الله تعالى: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ[سورة: النحل، الآية (02).] والآيات في بيان ما جاءت به الرسل كثيرة، وكلها دالة على أنهم دعوا إلى عبادة الله وحده، فنوح دعا قومه أن يعبدوا الله وحده، أن يتقوا الله وأن يعبدوه -جل وعلا- وحده لا شريك له، وكذلك صالح، وكذلك هود، وكذلك موسى، وكذلك عيسى، وكذلك إبراهيم، وكذلك سائر الأنبياء والرسل جاءوا لعبادة الله وحده، وهـٰذا معنى قوله: (والكتب الإلهية كلها من أولها إلى آخرها تُبطل هٰذا المذهب) يعني هـٰذا الطريق (وترده وتقبّح أهله وتنص على أنهم أعداء الله تعالى) وهم أعداء الله حقيقة؛ لأنهم ضادوا الله تعالى في حقه وحاربوه -جل وعلا- فيما أوجب إفراده به، وهو العبادة.

يقول: (وجميع الرّسل صلوات الله عليهم متّفقون على ذلك من أولهم إلى آخرهم) كما دلت على ذلك النصوص، وكما دل عليه قول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما في الصحيح ((الأنبياء إخوان لعلات، دينهم واحد وأمهاتهم متفرقة»[البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله: ﴿واذكر في الكتاب مريم﴾[مريم:16]، برقم: (3443).مسلم: كتاب الفضائل، باب فضائل عيسىٰ عليه السلام، برقم: (2365).] أي: شرائعهم وعملهم متفرق، أما الدين الذي هو عبادة الله وحده، فإنهم كانوا عليه جميعا لا خلاف فيه.

قال: (وما أهلك الله تَعَالىٰ من أهلك من الأمم إلا بسبب هٰذا الشرك ومن أجله.) فجميع الأمم المهلكة التي قصّ الله خبرها في كتابه إنما سبب إهلاكها ما وقعت فيه من الشرك وعبادة غير الله تعالى، وهـٰذا يدل على عظيم خطورة الشرك، وأنه من آكد وأعظم أسباب الهلاك، وأن ما حاق بالأمم السابقة لما أشركت مع الله غيره وعبدت مع الله سواه، فإنه قريب من كل أمة تشابه تلك الأمم.

يقول -رحمه الله-: (وأصله..) الآن بحث في أصل الشرك الذي وقع في الأمم السابقة يقول

[المتن]

وأصله الشرك في محبة الله تعالى،قال تَعَالىٰ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ﴾[سورة: البقرة، الآية (165).]فأخبر سُبْحَانَهُ أنه من أحبّ مع الله شيئا غيره كما يحبه، فقد اتخذ ندّا من دونه، وهٰذا على أصح القولين في الآية أنهم يحبونهم كما يحبون الله، وهٰذا هو العدلالمذكور في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ﴾[سورة: الأنعام، الآية (01).] والمعنى على أصح القولين أنهم يعدلون به غيره في العبادة، فيسوون بينه وبين غيره في الحب والعبادة.

وكذلك قول المشركين في النار لأصنامهم ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.[سورة: الشعراء، الآيات (97-98).]

[الشرح]

 يقول -رحمه الله-: (وأصله الشرك في محبة الله تعالى) أصل الشرك الواقع في الأمم في الإلهية الشرك في محبة الله تعالى، وذكر المحبة لأنها الأصل الذي يصدر عنه كل شيء، فالمحبة هي أصل الأعمال كلها، ولا يتحرك الإنسان إلا بالمحبة، فالمحبة هي الحادي القائد للإنسان أن يعمل ويتحرك، فإذا أحب شيئا تحرك إليه، وإذا كرهه وأبغضه قعد عنه؛ بل قد يفر منه، على حسب درجة الكراهية والخوف، فالمحبة هي الأصل.

يقول -رحمه الله-: (وأصله الشرك في محبة الله تعالى) يعني في أن يُحَبَّ مع الله غيره، وإذا أحب القلب مع الله غيره فإنه قد أدخل عليه فسادا لا يمكن أن يُجْبَر، وكسرا لا يمكن أن يُصْلَح؛ ذلك لأن القلب مجبول مفطور على محبة الله تعالى، هناك حاجة ضرورية وحاجة جبلية فطرية لمحبة الله تعالى، فإذا زاحم هـٰذه المحبة غيرها فإنه يضطرب سيره ولا يهتدي إلى انشراح ولا إلى سعادة، ولذلك ذكر الله تعالى في أول صور الشرك في الكتاب بعد ذكر الشرك إجمالا الشرك في المحبة قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ[ سورة: البقرة، الآية (165).]وهـٰذا يفيد أن القلب لا بد أن يحب شيئا، ليس هناك قلب خال من محبة لأن الله -جل وعلا- قسم الناس إلى قسمين:

أُناس أخلصوا المحبة له، فسعدوا وفرحوا وفازوا.

وأُناس خلطوا في هـٰذه المحبة، فكانوا في وبال واضطراب وشدة حال وسوء مآل.

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداًأي أمثالا، ويمكن أن تفسر الأنداد بالأضداد؛ لأن من اتخذ مع الله من يصرف إليه العبادة فقد جعله ضدا لله تعالى، فيصلح هـٰذا ويصلح هـٰذا في تفسير ﴿أَندَاداً﴾، ما هو وجه التنديد؟ كيف جعلوهم لله أمثالا؟ قال:﴿يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِأي صرفوا لهم من المحبة ما لا يصرف إلا لله الواحد القهَّار.

ثم قال: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِأعظم حبا لله من هؤلاء، والآية فيها قولان لأهل التفسير:

ففي قول: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِممن من هؤلاء لآلهتهم، وهـٰذا مبني على معنى يحبونهم ﴿يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِفقوله: ﴿يُحِبُّونَهُمْ﴾ أي يحبون الأنداد كمحبتهم لله، فجعلوا محبة الأنداد مثل محبة الله، فسووا بالله غيره في المحبة، سووا بالله غيره في المحبة.

والمعنى الثاني أنهم أحبوهم من دون الله؛ يعني جعلوا محبتهم لهؤلاء ولم يحبوا الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ﴾أعظم حبا لله من هؤلاء لأصنامهم، أو أعظم حبا لله من هؤلاء لله؛ يعني الذين آمنوا تميزوا عن هؤلاء بأنهم أفردوا الوجهة، وحدوا القصد، فلم يحبوا إلا الله فكانوا بهـٰذا التوحيد أعظم من محبة أولئك لله، لماذا؟ لأن أولئك خلطوا هـٰذا على أحد المعنيين أن أولئك أحبوا الله وأحبوا أصنامهم، وعلى المعنى الثاني أنهم أحبوا أصنامهم أو معبوداتهم ولم يحبوا الله، فالذين آمنوا أيضا أشد حبا من محبة أولئك لآلهتهم، لماذا؟ لأن الله تعالى حبه موافق للفطرة، فجاءت الأنبياء بما يوافق الفطرة حتى غدا الأمر كما ذكر الله جل وعلا: ﴿نُّورٌ عَلَى نُورٍ[سورة النور، الآية (35).] نور الفطرة مع نور الرسالة التي أضاءت بها القلوب وأشرقت لها الدنيا فاستنار العبد الصراط المستقيم الذي يهديه إلى الله تعالى.

يقول -رحمه الله-: (فأخبر سُبْحَانَهُ أنه من أحبّ مع الله شيئا غيره كما يحبه) يعني مثلما يحب الله تعالى (فقد اتخذ نِدًّا من دونه، وهـٰذا على أصح القولين في الآية؛ أنهم يحبونهم كما يحبون الله)، يعني يحبون معبوداتهم من الملائكة، من الجن، من الأصنام، من الأموات، من الأنبياء، من الأولياء، يحبونهم مثلما يحبون الله، وهـٰذا مشاهد ويشهد له وقع، الإنسان في القراءة إذا كان الله منَّ عليه بأن بعد عن الأجواء المشحونة بالشرك فسلم في بلد ليس فيه شرك، ولم ينشأ في بلد يدعى فيه غير الله يستبعد كيف يحب العبد مخلوقا من المخلوقات كمحبة الله؛ لكن إذا شاهد وسمع وقرأ ما يقوله عباد الأموات من النداءات والاستغاثات وسائر الأعمال التي تدل على إمكان أن يحب العبد غير الله تعالى محبة عبادية يعرف أن هـٰذا ممكن أن يقع، ويمكن أن تكون محبتهم لآلهتهم أعظم من محبتهم لله، وليست مثل محبة الله فقط، وهـٰذا مشاهد،أنتم انظروا إلى الذين يستغيثون بالأموات، ويدعونهم من دون الله، يقدمونهم على الله تعالى في الشدة والرخاء خلافا لما كان عليه أهل الشرك في الزمن المتقدم، فإنهم كانوا يقدمون آلهتهم في الرخاء وإذا اشتد الأمر أخلصوا الدين لله تعالى، كما قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ[سورة: العنكبوت، الآية (65).] ففي الشدة والكرب يدعون الله وحده، وهؤلاء الذين نشاهدهم يدعون ويهتفون بالأموات ويستجيرون بهم ويستغيثون بهم ويقدمونهم في السؤال والطلب على الله تعالى؛ بل لا يذكرون الله إلا قليلا، كما قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ[سورة: الزمر، الآية (45).] فتجد أنهم إذا ذُكِر الله اشمأزت قلوبهم ونفرت، وإذا ذُكِر هؤلاء استبشروا ولانت جلودهم وأقبلوا.

المراد أن للآية معنيين:

المعنى الأول ﴿يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ[سورة: البقرة، الآية (165).]يعني أنهم أحبوا مع الله غيره، فسووا بالله غيره في المحبة، والذين آمنوا أعظم محبة منهم، لماذا؟ لأن المؤمنين أخلصوا لله تعالى محبتهم؛ ولأن المحبة وافقت محبة الله وافقت الفطرة هي التي جبلت عليها القلوب،

فالقلب مضطر إلى محبوبه

 

الأعلى فلا يغنيه حب ثاني

وصلاحه وفلاحه ونعيمه

 

تجريد هـٰذا الحب للرحمـٰن

فإذا تخلى عنه أصبح حائرًا

 

ويعود في ذا الكون ذا هيمان

 

 هـٰذه حالهم حيرة لا يدركون خيرًا، ولا يصيبون فلاحًا، لا يدري وجهة، ولا يدرك معنى للوجود ولا غاية لهـٰذا الخلق.

وأما المعنى الثاني للآية فهي أنهم أحبوا آلهتهم دون الله تعالى، وهـٰذا قد يقع فيه بعض عباد الأوثان والأصنام، ومن عبدوا غير الله جعلوا آلهتهم أعظم من محبة الله تعالى فيدخلون في الآية.

يقول -رحمه الله-: (هـٰذا هو العدل) يعني (المذكور) في هـٰذه الآية هو العدل يعني التسوية ليس العدل الذي هو في مقابل الظلم، إنما العدل بمعنى التسوية تسوية الشيء بغيره (المذكور في قوله: ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ[سورة: الأنعام، الآية (01).]والمعنى على أصح القولين أنهم يعدلون به غيره أي يسوون به غيره في العبادة) يقول: (فيسوون بينه وبين غيره في الحب والعبادة).

قال -رحمه الله-: (وكذلك قول المشركين في النار لأصنامهم: ﴿تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ[سورة: الشعراء، الآية (97).]) يقسمون بالله الذي أنكروا عبادته، وسبحان الله العظيم! ذكر القسم بهـٰذا الاسم دون غيره، ما قالوا: وربنا. ما قالوا: وخالقنا، إنما أتوا بالاسم الذي أنكروه وكذبوا بمعناه، ولم يقروا به، وهو أنه الله الذي لا إلـٰه إلا غيره، الذي لا يستحق العبادة سواه ﴿تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍيعني واضح وبيِّن يدركه كل أحد ﴿إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ[سورة: الشعراء، الآية (98).]أي: جعلناكم أمثالا لله تعالى.

طيب يقول المؤلف -رحمه الله-: (ومعلوم قطعا أن هـٰذه التسوية لم تكن بينهم وبين الله في كونه ربهم وخالقهم) يعني التسوية التي كانت من المشركين لله تعالى بآلهتهم لم تكن في الخلق، ولم تكن في الرزق؛ بل هم مقرون بأنه لا خالق إلا الله -جل وعلا- كما دل عليه قول الله تعالى: ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ[سورة: يونس، الآية (31).] إذًا عندهم إقرار تام بالربوبية في هـٰذه الجوانب التي ذكرها الله تعالى في هـٰذه الآية؛ لكن بلاؤهم وشرهم وشركهم كان في أنهم سووا بالله غيره في العبادة، وهـٰذا المعنى مهم بيان ما هي التسوية التي وقعت من المشركين.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91756 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87324 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف